
د. خالد الشقران : مصير المنطقة في ظل المشروع الأميركي
تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات جيوسياسية عميقة، حيث تعاد هندستها عبر مشروع أميركي لإعادة الهيكلة الإقليمية يرتكز على «الوكلاء» بديلاً عن التحالفات التقليدية، ويستخدم العراق كنموذج استراتيجي لربط الشرق الأوسط بأسواق حرة تشمل إسرائيل، في إطار خطة واشنطن لتفكيك البنى القائمة وإخضاع السيادة الوطنية لشبكات هيمنة اقتصادية، وهو ما وصفه محللون بأنه «أخطر من سايكس بيكو» بسبب إعادة رسم الحدود تحت غطاء الإصلاح والتشابك الاقتصادي.
في سوريا، تجسدت مقدمات هذا المشروع بعد سقوط نظام الأسد وبروز حكومة انتقالية تواجه ضغوطات وتحديات وجودية، فإلى جانب انهيار اقتصادي بلغت خسائره 700 مليار دولار، تواجه دمشق مخاطر التقسيم الإثني والطائفي بدعم إسرائيلي واضح، خاصة في الجولان وشرق سوريا حيث تدعم تل أبيب كيانات درزية وكردية منفصلة، وفي الوقت نفسه، تتحول البلاد إلى ساحة صراع بالوكالة بين القوى الإقليمية، التي يسعى بعضها للهيمنة على عمليات إعادة الإعمار فيما يحاول بعضها الآخر إعادة سوريا إلى دوامة الاقتتال والفوضى لخلط الأوراق وإعادتها إلى المربع الأول حيث تعدد النفوذ والمرجعيات والولاءات الذي يمكن أن يسمح بإعادة تموضع هذه القوى وزيادة نفوذها وفاعليتها من جديد داخل الساحة السورية.
أما لبنان، فيغرق في دوامة انهيار متعدد المستويات، فمن الأزمة الرئاسية التي كانت مستعصية لفترة طويلة إلى تراجع النفوذ الشيعي بعد الضربات الإسرائيلية التي قطعت إمدادات إيران، ما فتح الباب أمام مطالب دولية بنزع سلاح حزب الله مقابل إعادة الإعمار، لكن الانهيار الاقتصادي - مع تثبيت سعر الصرف اصطناعيا - يهدد بتحويل البلاد إلى نموذج فيدرالي يكرس الانقسامات الطائفية، خاصة مع عجز النخب عن تبني إصلاحات أو تسوية حقيقية لكل القضايا العالقة بما في ذلك المطالب التي تقابلها تهديدات أميركية والتي كان آخرها ما صرح به المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص توم باراك من تحذيرات من سيطرة قوى إقليمية على لبنان في حال لم تنجح حكومته في التغلب على إشكالية سلاح حزب الله، مضيفا «إن لبنان بحاجة إلى حل هذه المشكلة، وإلا سيواجه تهديدا وجوديا.. حيث «إسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، وإذا لم يتحرك لبنان، فسيعود إلى بلاد الشام من جديد».
أما في فلسطين، فتتعمق المشكلة الأكثر تعقيدا مع تغير البيئة الإقليمية، فسقوط حلفاء المقاومة في سوريا وضغوط نزع السلاح في لبنان تضيق الخناق على حماس، بينما تتلقى دمشق الجديدة ضغوطات لتبني خطاب «علاقات ودية» مع إسرائيل، هذا التحول دفع أنقرة للظهور كوسيط جديد، مستفيدة من علاقاتها الاقتصادية مع تل أبيب، لكنها تبقى محدودة التأثير دون موافقة واشنطن التي تسعى لـ«فض الساحات» تمهيدا لصفقة إقليمية.
لكن بالمجمل تشهد القضية الفلسطينية في هذه الفترة منعطفا مصيريا، حيث تتراجع فرص حل الدولتين إلى مستويات غير مسبوقة بسبب السياسات الإسرائيلية الممنهجة لـ«اقتلاع» فكرة الدولة الفلسطينية، بدعم أمريكي صريح عبر تصريحات سفير واشنطن في إسرائيل، مايك هاكابي، الذي أعلن أن بلاده «لم تعد تسعى لإقامة دولة فلسطينية مستقلة»، مقترحا نقلها إلى أراضي دول إسلامية أخرى، هذا الموقف يكمل استراتيجية إسرائيلية تعمل على ثلاث جبهات أولها التوسع الاستيطاني حيث يعيش ٧٠٠ ألف مستوطن في الضفة الغربية، مع خطط لوصول العدد إلى مليون بحلول ٢٠٣٠؛ وثانيها تقويض مؤسسات السلطة الفلسطينية عبر تجميد أموال المقاصة وفرض قيود على حركة قادتها؛ وثالثها محاولة تصفية قضية اللاجئين عبر تقويض دور «الأونروا».
وعلى الرغم من كل ذلك تظهر مقاومة دولية متصاعدة، تمثلت في اعتراف إسبانيا والنرويج وأيرلندا بدولة فلسطين، ليرتفع عدد الدول المعترفة إلى ١٤٧ دولة، لكن بذات الوقت تواصل الولايات المتحدة عرقلة أي تقدم جوهري باستخدام الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، ما يؤكد تحولها من «وسيط» إلى شريك في الإبادة الجماعية، لكن في هذا السياق، يبقى خيار الوحدة الوطنية الفلسطينية والتمسك بمقاومة مخططات الاحتلال وداعميه هو الأمل الوحيد لتحقيق الحلم الوطني، خاصة مع تصاعد الغضب العالمي ضد جرائم الحرب الإسرائيلية، والذي قد يفرض واقعا جديدا قد يساعد على أحياء امل الشعب الفلسطيني بنيل حقوقه المشروعة مستقبلا.
خلاصة القول؛ قد تواجه المنطقة سيناريوهين متعارضين؛ إما الفوضى الدائمة عبر إعادة تقسيم المقسم وتمزيق النسيج المجتمعي وتكريس التبعية، أو النهوض من ركام الحرب عبر منظومة عمل عربي جديدة قائمة على التعاون وتكامل المصالح، فالمشروع الأميركي - رغم نجاحه المؤقت في تعزيز الهيمنة بتكلفة أقل - يغذي بذور تمرد مستقبلي عبر إهماله مطالب الدول والشعوب في العيش بسلام وكرامة، فيما يبقى السؤال المحوري: هل يمكن تحويل المأزق إلى فرصة، أم أن شبح التقسيم والتشظي الإثني والطائفي سيبقى أداة في يد قوى الهيمنة الإقليمية والدولية لإدارة الفوضى؟ الإجابة تكمن في قدرة الدول العربية على تجاوز منطق التبعية، والعمل وفق منظومة جمعية تنطلق من تكتل عربي موحد يعطي اولويةقصوى لقضايا الأمة ومصالحها، وهو اختبار لم يبدأ بعد. ــ الراي

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Amman Xchange
منذ 2 ساعات
- Amman Xchange
باول يطلب مراجعة تكاليف تجديد مقر «الفيدرالي» وسط انتقادات إدارة ترمب
طلب جيروم باول، رئيس «مجلس الاحتياطي الفيدرالي»، من المفتش العام للبنك المركزي الأميركي مراجعة التكاليف المتعلقة بتجديد مقر «الاحتياطي الفيدرالي» التاريخي في واشنطن، وسط تصاعد انتقادات مسؤولين بإدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، لطريقة إدارة البنك المركزي. وجاء الطلب الموجّه إلى مفتش «الاحتياطي الفيدرالي»، مايكل هورويتز، وفقاً لمصدر مطلع، خلال عطلة نهاية الأسبوع، وذلك بعد رسالة وجهها مدير مكتب الإدارة والموازنة، راسل فوغت، إلى باول الأسبوع الماضي، أشار فيها إلى أن الرئيس دونالد ترمب «قلق للغاية» بشأن تجاوز التكاليف في مشروع التجديد الذي بلغت قيمته 2.5 مليار دولار، وفق «رويترز». وفي مادة نُشرت على موقع «الاحتياطي الفيدرالي»، يوم الجمعة، وصف «البنك» التحديات المرتبطة بإعادة تأهيل مبنى «مارينر إس. إكليس» التاريخي الذي يبلغ عمره نحو 100 عام، والمبنى المجاور له في شارع «الدستور» بالعاصمة الأميركية. يُذكر أن مكتب الإدارة والموازنة لا يملك رقابة على «الاحتياطي الفيدرالي»، الذي يمول عملياته بشكل مستقل عن عملية الاعتمادات في الكونغرس. كما يمنح قانون «الاحتياطي الفيدرالي» مجلس المحافظين المكون من 7 أعضاء السيطرة على المباني والمشروعات ذات الصلة، مع إشراف من الكونغرس ومن مفتش عام مستقل يتابع عمليات التجديد طوال فترة التنفيذ. لكن انتقادات فوغت تمثل تصعيداً من إدارة ترمب ضد باول و«الاحتياطي الفيدرالي» بشكل عام. وقد أبدى ترمب غضبه من رفض «البنك المركزي» خفض أسعار الفائدة وفق جدول زمني يحدده هو، في حين يصر مسؤولو «الاحتياطي الفيدرالي» على عدم خفض الفائدة حتى يتضح ما إذا كانت الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب على شركاء التجارة الأميركيين ستعيد تفجير التضخم أم لا. وقد طالب ترمب باول بالاستقالة، لكنه لا يمتلك صلاحية إقالته بسبب خلاف في السياسة النقدية. يذكر أن باول، الذي رشحه ترمب في أواخر 2017 لقيادة «الاحتياطي الفيدرالي»، ورشّحه لمدة ثانية الرئيس جو بايدن بعد 4 سنوات، قد أعلن عزمه على إتمام ولايته التي تنتهي في 15 مايو (أيار) المقبل. وتضمن ملف «الأسئلة الشائعة» الذي نشره «الاحتياطي الفيدرالي»، يوم الجمعة، نقاطاً عدة تناولها فوغت وبول خلال جلسة استماع حديثة في الكونغرس، حيث أوضح باول، على سبيل المثال، أنه خلافاً لبعض التقارير الصحافية، لم تركَّب مصاعد خاصة لنقل المسؤولين إلى غرفة طعام خاصة. يُذكر أن مبنى «إكليس»، المقر الرئيسي لـ«الاحتياطي الفيدرالي»، بُني خلال إدارة الرئيس الأميركي الأسبق فرنكلين روزفلت. أما الموقع المجاور في المبني رقم «1951» بشارع «الدستور»، الذي يعود إلى عهد الرئيس الأميركي الأسبق هربرت هوفر، فقد استُخدم من قبل وكالات عدة قبل أن يُسَلَّم إلى «الاحتياطي الفيدرالي» عام 2018 من قبل إدارة ترمب الأولى «لتمكينهم من تجديد هذا المبنى التاريخي»، وفق ما أفادت به إدارة الخدمات العامة الأميركية في بيان صحافي آنذاك. وأشارت إلى أن «هذا النقل سيعيد المبنى الخالي إلى الاستخدام الإنتاجي، ويسمح لـ(مجلس الاحتياطي الفيدرالي) بتوحيد عقود إيجار عدة؛ مما يؤدي إلى توفير في نفقات دافعي الضرائب».


خبرني
منذ 4 ساعات
- خبرني
800 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع
خبرني - قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن أزيد من 800 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع، وسط تفاقم آثار تغير المناخ، مؤكدا أن هذا الأمر يجعلنا "في حالة طوارئ إنمائية عالمية". وأضاف غوتيريش موضحا -في تصريحات صحفية لدى لإطلاق تقرير أهداف التنمية المستدامة لعام 2025- أن 35% فقط من أهداف التنمية المستدامة تسير على الطريق الصحيح، أو تحرز تقدما متوسطا لتحقيقها بحلول عام 2023. وشدد المسؤول الأممي على ضرورة إدراك الروابط العميقة بين تراجع التنمية والصراعات، إذ قال: "لهذا السبب يجب أن نواصل العمل من أجل السلام في الشرق الأوسط". كذلك جدد التأكيد على الحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، والإفراج الفوري عن جميع الأسرى، وتوفير الاحتياجات الإنسانية دون عوائق كخطوة أولى لتحقيق حل الدولتين. وأشار إلى ضرورة استمرار وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، وسلام عادل ودائم في أوكرانيا، ووضع حد للرعب وإراقة الدماء في السودان. وسجل غوتيريش أن ما يقرب من نصف أهداف التنمية المستدامة يتحرك ببطء شديد، و18% تسير في الاتجاه المعاكس. وتزامن إطلاق تقرير الأمين العام للأمم المتحدة مع افتتاح المنتدى السياسي الرفيع المستوى لأهداف التنمية المستدامة لعام 2025 برعاية المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة في الفترة ما بين 14 و23 يوليو/تموز. يذكر أن القضاء على الفقر المدقع لجميع الناس في كل مكان بحلول عام 2030 يعد هدفا محوريا لخطة التنمية المستدامة لعام 2030، إذ يُعرف بأنه العيش على أقل من 2.15 دولار للشخص الواحد في اليوم، وفقًا لمعيار القوة الشرائية لعام 2017. وتحذر الأمم المتحدة من أن استمرار الأنماط الحالية يضع نحو 7% من سكان العالم، أي نحو 575 مليون شخص في قبضة الفقر المدقع بحلول عام 2030، مع تركز كبير لهؤلاء الفقراء في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا.

عمون
منذ 6 ساعات
- عمون
ترامب: سنحل مشكلة سد النهضة بسرعة كبيرة
عمون - قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال لقائه مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته في المكتب البيضاوي، إن الولايات المتحدة تعمل على حل مشكلة سد النهضة الإثيوبي، مؤكداً أن بلاده "ستحلّ هذه المشكلة بسرعة كبيرة". وأضاف ترامب: "لقد عملنا على ملف مصر مع جارتها المجاورة، وهي دولة كانت جارة جيدة وصديقًا لنا، لكنها قامت ببناء سد أغلق تدفّق المياه إلى ما يُعرف بنهر النيل"، مشيراً إلى أن السد يمثل "مشكلة كبيرة". وأوضح ترامب أن الولايات المتحدة هي من موّلت بناء السد، قائلاً: "لا أعلم لماذا لم يحلّوا المشكلة قبل أن يبنوا السد. لكن من الجميل أن يكون هناك ماء في نهر النيل. فهو مصدر مهم للغاية للدخل والحياة. إنه شريان الحياة بالنسبة لمصر. وأخذ ذلك بعيدًا أمر لا يُصدق". وأكد الرئيس الأميركي أن بلاده "تُبرم صفقات جيدة" وأنها ستعمل على حل هذه المسألة. وكان مشروع "سد النهضة الإثيوبي الكبير" قد أُطلق في عام 2011 بميزانية بلغت أربعة مليارات دولار، ويعد أكبر مشروع كهرومائي في أفريقيا، إذ يبلغ عرضه 1,8 كيلومتر وارتفاعه 145 متراً. وتعتبر أديس أبابا أن السد ضروري لتوفير الكهرباء، لكنه شكّل مصدر توتر مع مصر والسودان المجاورتين اللتين تبديان قلقهما من تأثيره المحتمل على إمدادات المياه. سكاي نيوز