
الطوفان: من النهوض الرمزي إلى خطر التآكل؟ خالد عطيه
قراءة في التحول الرمزي والاستعماري بعد 7 أكتوبر
تحليل استراتيجي حتى يوليو 2025
خالد عطيه
في السابع من أكتوبر 2023، لم تكن عملية 'طوفان الأقصى' مجرّد هجوم عسكري خاطف، بل لحظة زلزالية كسرت مركز الثقل الرمزي الذي راكمته إسرائيل على مدى سبعة عقود. كانت العملية بمثابة صدمة وجودية للمشروع الصهيوني، وهزّة فكرية وأخلاقية للعالم بأسره، لكنّها أيضًا فتحت على الفلسطينيين أبوابًا من الدم والخذلان والتعرية، تُعاد فيها صياغة النكبة بأدوات حديثة، على وقع سُعار إبادي غير مسبوق.
لم تكن المفاجأة فقط في ما أنجزه المقاتلون على الأرض، بل في ما كشفته ردود الفعل: عن هشاشة ردع إسرائيل، وسقوط قناع القيم الغربية، وعمق العزلة التي تعيشها القضية الفلسطينية في النظام الإقليمي الرسمي، وافتقار الفعل المقاوم نفسه إلى مشروع سياسي يحمي من استنزاف الانتصار.
سقطت أسطورة 'الأمن المطلق' التي قامت عليها إسرائيل، لكنّ الانكشاف المقابل كان أشدّ وقعًا: أن الفلسطيني، رغم صلابته، يقف في مواجهة عالم لا يكترث بالعدالة ما لم تخدم مصالحه.
لقد صعد الفلسطيني فجأة إلى واجهة التاريخ، لكن دون أن يحمل معه سردية جامعة، أو ظهيرًا إقليميًا، أو مؤسسة قادرة على إدارة تداعيات لحظة بهذا الحجم. والنتيجة: تحوّل الحدث من إنجاز رمزي كبير إلى مأزق استراتيجي مفتوح على احتمالات التآكل أو التوظيف المعاكس.
ما بعد 7 أكتوبر، لا يمكن اختزاله في 'ردّة الفعل الإسرائيلية'، بل يكشف عن استمرار منهجي لطبيعة المشروع الصهيوني ذاته؛ مشروع لم يكن يومًا استعمارًا قابلًا للتفاوض، بل استعمارًا إحلاليًا إباديًا، يبدأ من دير ياسين ولا يتوقف عند غزة. ما نراه اليوم ليس انحرافًا عن المسار، بل ذروة نسقية له، تُعلن فيها إسرائيل صراحة أن 'الحل' يكمن في المحو، والتقويض، وإنهاء الشتات، وتصفية الذاكرة .
لقد تجاوزت إسرائيل منطق الردع، واعتنقت منطق الإبادة.
بحلول يوليو 2025، سجّلت وزارة الصحة في غزة، بالتعاون مع منظمات أممية، استشهاد أكثر من 57,000 فلسطيني، أغلبيتهم من النساء والأطفال، منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر 2023، فيما تُشير تقديرات أكاديمية مستقلة (مثل دراسة نشرتها مجلة The Lancet ومراجعات لجامعة لندن) إلى أن العدد الحقيقي للضحايا قد يتجاوز 80,000 وقد يصل إلى 109,000، نظرًا لحجم الدمار وتدهور البنية الصحية ووجود آلاف الجثث العالقة تحت الأنقاض. هذا إلى جانب أكثر من 600 حالة قتل موثقة عند نقاط توزيع المساعدات الإنسانية، حيث تحوّلت طوابير الانتظار للحصول على الخبز أو المياه إلى ساحات قتل جماعي، حسب تقارير منظمة OCHA ووكالات كـ AP وReuters. كذلك، تؤكد بيانات الأمم المتحدة وفاة ما لا يقل عن 66 طفلًا جوعًا بسبب الحصار، فيما يواجه ربع مليون فلسطيني في غزة ظروف مجاعة كارثية. البنية التحتية الصحية شبه منهارة، مع تدمير نحو 85% من المستشفيات والمنشآت الطبية، وتحوّل مستشفى ناصر إلى 'جناح طوارئ مفتوح' دائم، في ظل نقص فادح في المعدات والأدوية والكوادر. وفي الضفة الغربية، تجاوز عدد المعتقلين الفلسطينيين 12,000 شخص منذ بدء الحرب، في سياق متصاعد من الاجتياحات، والاغتيالات، ومحو الأفق السياسي. هذه الأرقام ليست مجرد معطيات إحصائية، بل توثيق حي لسياسة إبادة متواصلة تُدار بغطاء دولي صامت، وبأدوات عسكرية وتجويعية متزامنة، في لحظة تُعيد فيها إسرائيل تعريف الردع بوصفه استئصالًا، والمساعدات بوصفها مصيدة قتل جماعي.
لكن غزة لم تكن وحدها في عين العاصفة. ما يجري هو مشروع نكبة متجددة، تستهدف الضفة الغربية عبر الاجتياحات والاغتيالات اليومية ورفع وتيرة الاستيطان والتهويد، وتستهدف اللاجئ في الشتات عبر التجفيف المتسارع لوكالة الأونروا وتصفية المخيمات سياسيًا وإداريًا، كما تستهدف الوجود الفلسطيني في القدس عبر إحلال سكاني صامت يتمدد دون مقاومة تُذكر من النظام العربي.
النكبة لم تعد حدثًا من الماضي، بل آلية اشتغال حاضرة، تمتد ببطء ومنهجية إلى الشتات: مخيمات تُجفَّف إداريًا، أطفال يولدون بلا أوراق أو حق في الإقامة، لاجئون تُعرض عليهم الجنسية مقابل نفي التاريخ، وبيروقراطيات دولية تعيد تعريف الفلسطيني كـ'عبء إنساني' لا كحالة تحرر. إنه محو ناعم، لا بالرصاص فقط، بل بالتشريع والتجويع والتهجين الرمزي.
وما يزيد من فداحة المشهد أن السلطة الفلسطينية، بمؤسساتها المهترئة وبنيتها المنهارة شرعيًا، لم تعد تمثل إلا فراغًا وظيفيًا تُملؤه قوات الاحتلال متى شاءت، أو تل أبيب السياسية متى قررت منح التسهيلات أو سحبها. وفي موازاة ذلك، لم تنجح أي قوة مقاومة، رغم بسالتها، في ترجمة اللحظة إلى مكسب استراتيجي دائم، بسبب غياب القيادة الجامعة، وغياب الرؤية التحررية الشاملة، والانفصال المزمن بين السلاح والمشروع السياسي.
أما في الفضاء الدولي، فقد تكشّفت أزمة القيم الليبرالية في الغرب، لا كأزمة خطاب، بل كأزمة بنيوية. ففي أعرق الجامعات والمؤسسات الفكرية والإعلامية، خضع كل من تضامن مع غزة للملاحقة أو الفصل أو الإسكات القسري. وبينما كانت عيون العالم تتابع حفلات قطع التمويل والطرد الأكاديمي، سقط وهم الحياد الليبرالي، وانكشفت المنظومة الغربية بوصفها متورطة عضوياً في تأمين الغطاء الأخلاقي للاستعمار، حتى ولو بأقنعة القانون.
هذه ليست مجرد انكشافات نظرية، بل مؤشرات على أن المعركة لم تعد فقط على الأرض، بل على معنى فلسطين، ومكانتها في الوعي العالمي، ووظيفة الحركات التحررية ذاتها في زمن يُعاد فيه تعريف الضحية وفقًا للونها وعرقها وموقعها الجيوسياسي.
ولم تكن التحولات الرمزية التي فجّرها الطوفان بمعزل عن السياق العربي الرسمي، حيث برز التناقض الصارخ بين الشارع المنتفض من الرباط حتى كيب تاون، وبين أنظمة لم تُوقف مسار التطبيع بل عزّزته بخطابات باردة تدّعي 'الواقعية السياسية'. لم يُفشل الطوفان مشروع التطبيع، لكنه نزع عنه آخر أقنعته الأخلاقية، وكشف هشاشته بوصفه شراكة مع القاتل لا مع السلام. لقد أُجبرت أنظمة على خنق شعوبها حتى لا تهتف لغزة، وكُشفت عواصم ما تزال تفاخر بشراكتها الأمنية مع تل أبيب في لحظة تُقصف فيها المدارس والمستشفيات.
التحوّل الرمزي الكبير الذي صنعته عملية الطوفان، حين كسرت صورة إسرائيل التي لا تُقهر، لم يتحول إلى نصر سياسي، لأنه لم يُصنَع على أرضية مشروع تحرري شامل. بل ظلّ مُعلّقًا، وبدأ يتآكل مع عجز الفصائل عن فرض شروطها، وتفكك الشارع العربي تحت وطأة القمع أو التخدير الإعلامي، ودخول إسرائيل في مرحلة 'إعادة تموضع هجومي' لتفرض شروط ما بعد الحرب كأنها لم تتلقّ ضربة.
ما تحقق يوم 7 أكتوبر يُشبه البرق في ليلة حالكة: لحظة نور مكثف كشفت كل شيء، لكنها سرعان ما تبعتها عتمة كثيفة حاول الجميع إخفاءها أو إطفاء أثرها.
ورغم كل هذا، فإن 'الطوفان' أثبت أن المشروع الصهيوني ليس محصّنًا، وأنه يمكن زلزلة الوعي العالمي بلحظة واحدة إن توفّرت الجرأة، لكنّه أثبت أيضًا أن الجرأة وحدها لا تصنع التغيير، ما لم تقترن برؤية، ومؤسسة، وتحالف، وخيال سياسي قادر على المراكمة لا التفريغ.
الطوفان لن يُكتب في التاريخ كانتصار نهائي، ولا هزيمة. بل كلحظة مفصلية كشفت هشاشة الجميع: هشاشة العدو حين يُضرب، وهشاشة المقاومة حين تُترك وحيدة، وهشاشة النظام الدولي حين يُطلب منه العدالة.
والمسألة اليوم لم تعد: 'ماذا حققنا؟' بل 'كيف نمنع أن يتحول ما حققناه إلى نكسة؟'
قد لا تملك غزة جيشًا نظاميًا، ولا المقاومة ظهرًا سياسيًا حقيقيًا، لكنها تملك ما لا تملكه إسرائيل: تاريخ لا يُمكن شطبه، وحقّ لا يمكن قتله، وشعب بات العالم يعرف أنه لم يعد مجرد ضحية… بل فاعلٌ يعرف إلى أين يوجّه صرخته.
إن لم يُترجم هذا الوعي إلى مشروع تحرري جذري يعيد تعريف فلسطين لا كملف، بل كجذر لكل معركة ضد الاستعمار في هذا العالم المختل، فإن الطوفان، بكل رمزيته، سيظل لحظة عظيمة… على حافة النسيان.
2025-07-05

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الحركات الإسلامية
منذ 6 ساعات
- الحركات الإسلامية
تطورات «هدنة غزة».. إسرائيل ترفض تعديلات حماس وترسل وفداً لقطر/الأردن: إحباط محاولة تهريب وثائق من مقر لجماعة "الإخوان" المحظورة/أمين عام حزب الله: مستعدون للسلم وبناء البلد والمقاومة تستمر
تقدم بوابة الحركات الإسلامية أبرز ما جاء في الصحف ووكالات الأنباء العالمية، بخصوص جماعات الإسلام السياسي وكل ما يتعلق بتلك التنظيمات، بكافة أشكال التناول الصحفي (أخبار – تعليقات – متابعات – تحليلات) اليوم 6 يوليو 2025. أ ف ب: تطورات «هدنة غزة».. إسرائيل ترفض تعديلات حماس وترسل وفداً لقطر أعلنت إسرائيل، السبت، أنها سترسل فريق تفاوض إلى قطر لإجراء محادثات تهدف إلى تأمين اتفاق لوقف النار وإطلاق سراح الرهائن في غزة، حيث أسفرت غارات الجيش الإسرائيلي عن مقتل 42 فلسطينياً أمس، وفقاً للدفاع المدني في القطاع، في حين أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رفضه للتعديلات التي تريد حركة حماس إدخالها على مقترح وقف إطلاق النار في قطاع غزة. والجمعة، أعلنت حماس أنها «جاهزة بكل جدية للدخول فوراً» في مفاوضات بشأن آلية تنفيذ مقترح وقف إطلاق النار مع إسرائيل في غزة برعاية الولايات المتحدة وبوساطة مصر وقطر. وجاء في بيان صادر عن مكتب نتنياهو: «لقد تم إبلاغنا الليلة الماضية بالتغييرات التي تسعى حماس إلى إدخالها على المقترح القطري وهي غير مقبولة لإسرائيل». ورغم ذلك أصدر نتنياهو «توجيهات لتلبية الدعوة لإجراء محادثات غير مباشرة ومواصلة الجهود لاستعادة رهائننا على أساس المقترح القطري الذي قبلته إسرائيل»، موضحاً أن «فريق التفاوض سيسافر الأحد لإجراء مناقشات في قطر». وبحسب مصدرين فلسطينيين مطّلعين على النقاشات، فإنّ المقترح الأمريكي «يتضمن هدنة لستين يوماً، وإفراج حماس عن نصف الأسرى الإسرائيليين الأحياء في مقابل إفراج إسرائيل عن أعداد من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين». «اتفاق شامل» من بين 251 رهينة أسروا في هجوم حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لا يزال 49 محتجزين في غزة، بينهم 27 أعلنت إسرائيل أنهم لقوا حتفهم. وأشار المصدران إلى أنّ حماس تطالب بتحسين آلية انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة وبضمانات تكفل عدم استئناف القتال خلال المفاوضات، وباستئناف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعترف بها إدارة توزيع المساعدات الإنسانية. من جانبه، قال ترامب الذي يستقبل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، الاثنين، إنّه «قد يكون هناك اتفاق بشأن غزة» الأسبوع المقبل. وسئل ترامب في الطائرة الرئاسية إن كان متفائلاً بشأن التوصل إلى وقف إطلاق نار بين إسرائيل وحماس فأجاب «كثيراً»، مشيراً رغم ذلك إلى أن «الأمر يتغير بين يوم وآخر». ترامب: علينا فعل شيء لغزة وتعليقاً على إبداء الحركة استعدادها للتفاوض حول مقترح وقف إطلاق النار في قطاع غزة، قال ترامب: «هذا جيد، لم يتم إبلاغي بالأمر، علينا إنجاز ذلك، علينا أن نفعل شيئاً بشأن غزة». وأعلنت وزارة الخارجية المصرية أن الوزير بدر عبد العاطي ناقش عبر الهاتف مع الموفد الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف «تطورات مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن والأسرى والنفاذ الكامل للمساعدات الإنسانية للقطاع، والتحضير لعقد اجتماعات غير مباشرة بين الطرفين المعنيين للتوصل لاتفاق». وبمناسبة تجمعه الأسبوعي في تل أبيب، دعا منتدى عائلات الرهائن المسؤولين الإسرائيليين للتوصل إلى «اتفاق شامل» يتيح الإفراج عنهم جميعاً. وقال المنتدى: «حان الوقت لإبرام صفقة تُنقذ الجميع، من دون انتقائية»، وتساءلت ماكابيت ماير، قريبة الرهينتين غالي وزيف بيرمان، من على المنصة «ماذا يعني أن يُنقذ أحد ويبقى الآخر أسيراً؟». على الأرض، قام الجيش الإسرائيلي في الفترة الأخيرة بتوسيع نطاق عملياته العسكرية في قطاع غزة الذي يشهد وضعاً إنسانياً مأساوياً بعد نحو 21 شهراً على بدء الحرب. والسبت، أفاد المتحدث باسم الدفاع المدني في القطاع محمود بصل بمقتل 42 شخصاً. رويترز: الجيش الإسرائيلي يعترض صاروخاً أطلق من اليمن قال الجيش الإسرائيلي، الأحد، إنه اعترض صاروخاً أطلق من اليمن باتجاه إسرائيل. وأضاف أن صفارات الإنذار أطلقت في عدة مناطق في إسرائيل كما هو متبع في مثل هذه الحالات. وهددت إسرائيل الحوثيين في اليمن بحصار بحري وجوي إذا استمرت الجماعة، في شن هجمات على إسرائيل، فيما تقول إنه تضامن مع غزة. ومنذ بدء الحرب في غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يستهدف الحوثيون إسرائيل وحركة الملاحة في البحر الأحمر، مما أدى إلى اضطراب التجارة العالمية. والغالبية العظمى من عشرات الصواريخ والطائرات المسيرة التي أطلقوها تم اعتراضها أو لم تصب الهدف. ونفذت إسرائيل سلسلة من الضربات الانتقامية. وكالات: مخاض صفقة غزة في قبضة الصياغات النهائية تتسارع الجهود لإبرام صفقة تنهي الحرب في غزة وفق مقترح اتفاق أمريكي معدل، لكن الصياغة النهائية ما زالت تتلاعب بمخاض الاتفاق، ومع ذلك ألمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إمكان التوصل إلى اتفاق خلال أيام. وتستعد إسرائيل لإرسال وفد تفاوضي إلى الدوحة، اليوم الأحد، بعدما أرسلت حماس رداً إيجابياً على المقترح، تضمن ملاحظات حول 3 قضايا، وهي تموضع القوات الإسرائيلية، والمساعدات، ووقف الحرب. وستجري المفاوضات المرتقبة في الدوحة عشية لقاء في البيت الأبيض بين ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو غداً. وقال مصدر إسرائيلي إن حماس تريد لغة أوضح بشأن احتمال عدم الانتهاء من مفاوضات وقف إطلاق النار الدائم بحلول نهاية الهدنة المقترحة لمدة 60 يوماً. وينص المقترح على إمكانية تمديد وقف إطلاق النار لما بعد الـ60 يوماً، ما دام الطرفان يتفاوضان بحسن نية. لكن المصدر قال إن الحركة تريد إسقاط الشرط الأخير، لأنه فرصة سيستغلها نتانياهو لاستئناف الحرب. أما تعديل حماس الآخر فيتعلق بالمساعدات التي تريد الحركة استئنافها من خلال آليات تدعمها الأمم المتحدة، وليس فقط عبر مؤسسة غزة الإنسانية. والتعديل الثالث يتعلق بانسحاب إسرائيلي إلى خطوط مارس. مسؤول إيراني يطالب أمريكا بالتعويض عن تضرر منشآت نووية طالب علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، الولايات المتحدة بدفع تعويضات عمّا وصفه بأضرار جسيمة لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية، نتيجة ما اعتبره هجوماً عسكرياً غير مشروع. وكتب ولايتي في منشور على منصة «إكس»: «شنت الحكومة الأمريكية هجوماً عسكرياً على المنشآت النووية الإيرانية.. هذا الهجوم غير القانوني أدى إلى أضرار كبيرة، وتتحمل واشنطن المسؤولية الكاملة عنه، ويجب أن تحاسب وتجبر على تعويض الخسائر المادية والمعنوية». وأكد ولايتي أن الشعب الإيراني سيواصل مقاومة الضغوط والعدوان، وسيظل متمسكاً بحقه في التقدم العلمي والاستقلال التكنولوجي، مضيفاً أن لا قوة قادرة على منعه من نيل حقوقه المشروعة. وأشار المسؤول الإيراني، إلى أن طهران ستتابع هذا العدوان عبر المسارات القانونية والدبلوماسية، مؤكداً أن القضية مدرجة على جدول أعمال الجهات الدولية المختصة، وفي مقدمتها الأمم المتحدة. على صعيد متصل، قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إن إيران لم توافق على تفتيش مواقعها النووية أو التخلي عن تخصيب اليورانيوم. وأوضح للصحفيين على متن طائرة الرئاسة، أنه يعتقد أن برنامج إيران النووي تعرض لانتكاسة دائمة، غير أن طهران ربما تستأنفه من موقع مختلف. وذكر ترامب أنه سيناقش ملف إيران مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، عندما يزور البيت الأبيض غداً. وأضاف ترامب، «أعتقد أن البرنامج النووي الإيراني تعرض لانتكاسة دائمة.. ربما يضطرون للبدء من موقع مختلف.. ستكون هناك مشكلة إذا استأنفوه». وصرح ترامب بأنه لن يسمح لطهران باستئناف برنامجها النووي، مشيراً إلى أن إيران لديها رغبة في عقد اجتماع معه. إلى ذلك، قالت صحيفة التلغراف البريطانية، إن إيران ضربت 5 منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يوماً، وذلك وفق بيانات رادار اطلعت عليها. وقد تمت مشاركة البيانات الجديدة مع التلغراف من قبل أكاديميين أمريكيين في جامعة ولاية أوريغون، الذين يتخصصون في استخدام بيانات الرادار عبر الأقمار الصناعية للكشف عن أضرار القنابل في مناطق الحرب. وتشير البيانات إلى أن 5 منشآت عسكرية لم يتم الإبلاغ عنها سابقاً تعرضت لضربات بستة صواريخ إيرانية في شمال وجنوب ووسط إسرائيل، بما في ذلك قاعدة جوية رئيسية ومركز لجمع المعلومات الاستخبارية وقاعدة لوجستية. ويظهر تحليل البيانات الذي أجرته التلغراف، أن أنظمة الدفاع الأمريكية والإسرائيلية مجتمعة حققت أداء جيداً بشكل عام، ولكنها سمحت بمرور نحو 16% من الصواريخ بحلول اليوم السابع من الحرب. ويتوافق هذا بشكل عام مع تقدير سابق للجيش الإسرائيلي لنظام الدفاع والذي حدد معدل النجاح بـ87%. الأردن: إحباط محاولة تهريب وثائق من مقر لجماعة "الإخوان" المحظورة أحبطت الأجهزة الأمنية الأردنية في مدينة العقبة محاولة تهريب وثائق ومستندات من داخل مقر تابع لـ"جماعة الإخوان المسلمين" المحظورة، وكان من بين المتورطين نائب في البرلمان، وفق ما أفاد مصدر أمني لوكالة الأنباء الأردنية "بترا". وقال المصدر إن "مدعي عام العقبة قرر مساء الجمعة تفتيش الموقع بعد الاشتباه بممارسة نشاط غير قانوني بداخله، واستخدامه من قبل جماعة الإخوان المسلمين المحظورة". وأضاف أن الموقع كان تحت رقابة أمنية وشهد نشاطا مشبوها من قبل أشخاص، بينهم نائب، ما استدعى تدخل الأجهزة الأمنية. وخلال محاولة الخروج من الموقع، تم اعتراض الأشخاص، حيث ضبطت بحوزتهم وثائق مخبأة داخل أكياس سوداء وقد تم فرمها سابقا داخل المقر. وتم اقتيادهم إلى المركز الأمني لأخذ إفاداتهم، فيما عاد النائب لاحقا برفقة شخصين لمحاولة دخول المقر مجددا، لكن لم يُسمح لهم وتم اصطحاب المرافقين إلى المركز دون النائب. وخلال التحقيق، أفاد شخصان منتميان إلى الجماعة بأنهما أصحاب الشقة المؤجرة للنائب "لغايات عمل الجماعة". وبناء على ذلك، تم استدعاء النائب إلى الضابطة العدلية، حيث قال في اعترافاته إن "المقر هو شقة مستأجرة لصالح أحد الأحزاب التي أنابه لتوقيع العقد". لكن الكشوفات الرسمية أظهرت أن الحزب لم يدرج هذا المقر ضمن بياناته الرسمية المقدمة للهيئة المستقلة للانتخاب، مع العلم أن للحزب مقرين مسجلين في العقبة، لا يشملان هذا الموقع. وخلال عملية التفتيش، عثرت السلطات على مضبوطات ووثائق وأعلام مخالفة للقانون، إضافة إلى ملابس وشارات تحمل شعارات الجماعة المحظورة. وتم تحويل الملف إلى النيابة العامة في عمان، التي تنظر حاليا في قضيتين تتعلقان بجماعة الإخوان المسلمين المحظورة، إحداهما تخص المضبوطات داخل المقرات، والثانية تتعلق بالأملاك التابعة لها. سكاي نيوز: أمين عام حزب الله: مستعدون للسلم وبناء البلد والمقاومة تستمر قال الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم، الأحد، إن الحزب مستعد للسلم وبناء البلد، مثلما هو مستعد للمواجهة والدفاع. وفي كلمة له الاحد، قال قاسم: "مستعدون للسلم وبناء البلد ونحن جزء لا يتجزأ من سلم ونهضة لبنان كما أننا مستعدون للمواجهة والدفاع". وأضاف الأمين العام لحزب الله: "نحن جاهزون للمرحلة القادمة، شريطة أن توقف إسرائيل طيرانها وتعيد الأسرى وتتراجع". وشدد: "نستغرب مطالبتنا بتسليم الصواريخ التي هي أساس قدرة دفاعنا". وشدد أن على إسرائيل أن تطبق اتفاق المرحلة الأولى، و"تنسحب من الأراضي المحتلة وتوقف عدوانها". وأكمل: "كيف تريدون منا أن لا نقف بهذه الصلابة والعدو يستمر في احتلاله وعدوانه وقتله؟ يجب أن تنفذ إسرائيل الاتفاق وتنسحب من الأراضي المحتلة وتوقف عدوانها وتعيد الأسرى". وأشار قاسم إلى أن إسرائيل خرقت اتفاق وقف إطلاق النار "آلاف المرات". وكانت مراسلة سكاي نيوز عربية، قد أكدت أن "حزب الله" سلّم مساء الجمعة، رده الرسمي بشأن مسألة سلاحه، مؤكدا موافقته على مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية. وقالت مراسلة سكاي نيوز عربية، أن حزب الله وافق على مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة، مع التشديد على أن أي بحث في تسليم السلاح مرتبط بانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس المحتلة في جنوب لبنان، ووقف الخروقات والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة. بن غفير عن مقترح غزة: الحل هو الحرب والتهجير ووقف المساعدات دعا وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى الانسحاب من مقترح وقف إطلاق النار في غزة، الذي سماه "إطار الاستسلام". وفي منشور على منصة "إكس" مساء السبت، طالب الوزير اليميني المتطرف بـ"العودة إلى إطار نصر حاسم". وأضاف: "الطريق الوحيد لتحقيق نصر حاسم وعودة آمنة لرهائننا هو السيطرة الكاملة على قطاع غزة، والوقف التام لما يسمى المساعدات الإنسانية، وتشجيع الهجرة" من القطاع. وقال بن غفير إن الهدف الحقيقي للحرب هو "انهيار حماس"، معتبرا أن الصفقة المقترحة "ستبعد إسرائيل عن هدفها، وستكافئ الإرهاب". كما صرح بأن السماح بدخول كميات كبيرة من المساعدات إلى غزة سيؤدي إلى "إنعاش حماس". وكان وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، وهو من اليمين المتطرف أيضا، صرح في مؤتمر صحفي، الإثنين، أنه سيعارض أي اتفاقات تتضمن إنهاء القتال في غزة. وقال سموتريتش: "أؤكد لكم من كل قلبي أن ذلك لن يحدث. أتحدث مع نتنياهو بهذا الشأن ولا أظن أنه في طريقه إلى هناك". وأضاف: "إذا فكر أحد في الذهاب إلى هناك، فسيواجه جدارا يمنعه من ذلك". وليل السبت أعلن نتنياهو رفضه للتعديلات التي تريد حركة حماس إدخالها على مقترح وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وقال مكتب نتنياهو في بيان إن "التعديلات التي تسعى حماس لإجرائها على الاقتراح القطري وصلتنا الليلة الماضية (ليل الجمعة)، وهي غير مقبولة من قبل إسرائيل". وأضاف البيان: "بعد تقييم الوضع، أصدر رئيس الوزراء تعليماته لنا بقبول الدعوة لإجراء محادثات وثيقة، ومواصلة المفاوضات لإعادة رهائننا بناء على الاقتراح القطري الذي وافقت عليه إسرائيل". وتابع: "من المقرر أن يغادر فريق التفاوض غدا (الأحد) إلى قطر لإجراء محادثات". وكانت حركة حماس أعلنت الجمعة أنها مستعدة لبدء محادثات "فورا" بشأن الاقتراح الذي ترعاه الولايات المتحدة، لوقف إطلاق النار في غزة. مصر على خط الحل.. ما فرص التسوية السياسية في ليبيا؟ خلال أسبوع واحد، استقبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح، و القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، ضمن مساعي القاهرة للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة للازمة الليبية. وخلال اللقائين أكد الرئيس المصري، على أهمية الحفاظ على سيادة ليبيا ووحدة أراضيها، وضرورة توحيد الجهود للوصول إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة، تتيح إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن في أقرب وقت ممكن، بما يلبي تطلعات الشعب الليبي نحو الاستقرار والأمن والحياة الكريمة. وكشف خبراء ليبيون ومصريون، عن طبيعة الدور المصري لحل الأزمة في ليبيا، وآفاق الحل، وحدود وطبيعة الدور المنتظر أن تؤديه مصر لحلحلة الأزمة الليبية. التوازن والثوابت ويؤكد د. رامي عاشور أستاذ العلوم السياسية المصري، أن القاهرة تتحرك في الملف الليبي من منطلق ثوابت وطنية تقوم على دعم مؤسسات الدولة، وتنظر إلى ليبيا كدولة شقيقة جارة وامتداد لأمنها القومي ولذلك تسعى لدعم استقرارها ومؤسساتها الوطنية. وتابع في تصريحات لسكاي نيوز عربية أن القاهرة تسعى من خلال تحركاتها لتعزيز الاستقرار السياسي في ليبيا، والذي بطبيعة الحال سيصب في اتجاه الانتخابات وتوحيد الدولة والحفاظ على مؤسساتها وأشار إلى أن ثوابت القاهرة تتضمن رفض التدخلات الخارجية السلبية، خاصة أن ليبيا محط انظار وأطماع العديد من الدول، ولذلك تسعى من خلال مؤسسات الدولة الرسمية الشرعية لتعزيز مساعي وقف تمدد الأطراف الدولية في ليبيا التي تعتبرها مصر سور البيت بالنسبة لها، مع الحفاظ على توازنات علاقات القاهرة بهذه الدول، والتي يرى البعض فيها بوابتهم للعبور إلى القارة الأفريقية. استثمار العلاقات من جانبه يرى د. محمد فتحي الشريف رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات، أن فرص نجاح دور القاهرة في تحقيق تقدم في المسار السياسي الذي تدعمه القاهرة كبيرة جدا، بالنظر لعلاقاتها في الداخل والخارج وتعاطيها مع هذا الملف بدقة وهدوء، والذي يلقى ترحيبا كبيرا. وتابع في تصريحات لسكاي نيوز عربية، أن دور القاهرة الذي ينطلق من العديد من المنطلقات الأمنية والسياسية والعلاقات الأخوية بين الشعبين والبلدين، يحظى بقبول من جميع الأطراف في ليبيا والمجتمع الدولي، حيث تربط القاهرة علاقات مع كافة الأطراف في الداخل، كما تنسق بشكل مستمر مع البعثة الأممية ودول رعاية مؤتمر برلين بشأن ليبيا. وأضاف أن الجهود المصرية سبق وحققت العديد من النجاحات في مسارات الحل، وإنهاء الصراع، كما حدث من خلال استضافة اجتماعات مختلفة سواء لمجلس النواب أو اللجنة الدستورية، أو كبار القادة العسكريين ضمن جهود توحيد المؤسسة العسكرية. وأشار إلى أن اللقاءين الأخيرين يأتيان في هذا الإطار ضمن مساعي القاهرة للحل في ليبيا، والتي شملت رعاية المسارات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، والاجتماعية لتعزيز المصالحة وتوحيد المؤسسات، والتي بطبيعة الحال تقرب فرص الحل في ليبيا. من جانبه يرى دكتور راقي المسماري، أستاذ القانون الدولي الليبي، أن لمصر دور لا ينكره أحد في تذليل الصعوبات في المشكلة الليبية، والذي يبدو واضحا في الاستقرار المرحلي المؤقت في المناطق المتاخمة للحدود المصرية المتمثلة في إقليمي برقة وفزان الليبيين، من خلال دور القوات المسلحة ومجلس النواب المؤسستين الشرعيتين في ليبيا تجمعهما علاقات طيبة مع القاهرة وهو ما تدلل عليه الزيارتين الأخيرتين وتابع في تصريحات لسكاي نيوز عربية أن الزيارتان تأتيان في ظل مستجدات على الساحة السياسية الإقليمية سواء البحرية أو الصحراوية، بخصوص الحدود البحرية والتوترات الإقليمية، أو الأوضاع الأمنية في المثلث الحدودي مع ليبيا ومساعي تعزيز الأمن الداخلي في ليبيا. وأشار إلى أن الدور المصري سيعزز التنسيق لحماية مصالح البلدين من جهة وتعزيز الاستقرار في ليبيا، سواء الأمني او السياسي أو الاقتصادي من جهة أخرى، مستفيدة من مقومات وقدرات الدولة المصرية، وقوتها الاستراتيجية، وبحكم أن مصر دولة "غلاف التاريخ" وتمارس السياسة منذ قرون، ولديها دبلوماسية وقدرات تمكنها من النجاح في التنسيق والتشاور لدعم الاستقرار، ورعاية أي مسار تفاوضي لإنهاء الأزمة الليبية. الدبلوماسية المصرية بدوره قال الكاتب والباحث السياسي في الشأن الليبي "أحمد عرابي" إن إخراج القوات الأجنبية من ليبيا يعتبر هو أعلى هرم أولويات جهود توحيد البلاد، وتوافق لكل أبناء الوطن، حيث كانت دعوة الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" إلى إخراج القوات الأجنبية من ليبيا، معتبرًا أنه مطلب أساسي للشعب، ومؤسس للخطوة الأهم باتجاه حل الأزمة في ليبيا. وأكد عرابي في تصريحات لسكاي نيوز عربية على ضرورة توحيد الجهود الدولية لدول الجوار للوصول إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة، تتيح لها إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن في أقرب وقت ممكن، بما يلبي تطلعات الشعب الليبي نحو الاستقرار والأمن والحياة الكريمة، وهو التزام مصر متواصل من خلال التنسيق مع جميع الأشقاء الليبيين والأطراف الدولية المعنية، انطلاقا من إيمانها بضرورة استقرار تلك الدولة الشقيقة وبأن استقرار ليبيا السياسي والأمني يُعد جزءً لا يتجزأ من استقرار مصر. وأضاف الكاتب والباحث السياسي الليبي، أن تصريحات الرئيس المصري وتشديده على أهمية خروج جميع القوات الأجنبية من ليبيا، رسالة مهمة للداخل والخارج وستسهم من خلال الدبلوماسية الرئاسية المصرية في تعزيز الأمن وتمكين المؤسسات الليبية من الاضطلاع بدورها في ترسيخ الاستقرار على كامل الأراضي الليبية، وتمثل ركيزة أساسية لاستعادة الأمن والاستقرار. وشدد على ما تمتلكه مصر من مقومات دبلوماسية وعلاقات ستمكنها مع تفعيل آلية دول الجوار من إنجاح الحل السلمي والسياسي في ليبيا، عبر توحيد المؤسسة العسكرية وتقريب وجهات النظر بين الأشقاء الليبيين، ودعم جهود البعثة الأممية لحل الأزمة وتسيير المرحلة الانتقالية وصولا إلى تنفيذ الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.


ساحة التحرير
منذ 20 ساعات
- ساحة التحرير
الطوفان: من النهوض الرمزي إلى خطر التآكل؟ خالد عطيه
الطوفان: من النهوض الرمزي إلى خطر التآكل؟ قراءة في التحول الرمزي والاستعماري بعد 7 أكتوبر تحليل استراتيجي حتى يوليو 2025 خالد عطيه في السابع من أكتوبر 2023، لم تكن عملية 'طوفان الأقصى' مجرّد هجوم عسكري خاطف، بل لحظة زلزالية كسرت مركز الثقل الرمزي الذي راكمته إسرائيل على مدى سبعة عقود. كانت العملية بمثابة صدمة وجودية للمشروع الصهيوني، وهزّة فكرية وأخلاقية للعالم بأسره، لكنّها أيضًا فتحت على الفلسطينيين أبوابًا من الدم والخذلان والتعرية، تُعاد فيها صياغة النكبة بأدوات حديثة، على وقع سُعار إبادي غير مسبوق. لم تكن المفاجأة فقط في ما أنجزه المقاتلون على الأرض، بل في ما كشفته ردود الفعل: عن هشاشة ردع إسرائيل، وسقوط قناع القيم الغربية، وعمق العزلة التي تعيشها القضية الفلسطينية في النظام الإقليمي الرسمي، وافتقار الفعل المقاوم نفسه إلى مشروع سياسي يحمي من استنزاف الانتصار. سقطت أسطورة 'الأمن المطلق' التي قامت عليها إسرائيل، لكنّ الانكشاف المقابل كان أشدّ وقعًا: أن الفلسطيني، رغم صلابته، يقف في مواجهة عالم لا يكترث بالعدالة ما لم تخدم مصالحه. لقد صعد الفلسطيني فجأة إلى واجهة التاريخ، لكن دون أن يحمل معه سردية جامعة، أو ظهيرًا إقليميًا، أو مؤسسة قادرة على إدارة تداعيات لحظة بهذا الحجم. والنتيجة: تحوّل الحدث من إنجاز رمزي كبير إلى مأزق استراتيجي مفتوح على احتمالات التآكل أو التوظيف المعاكس. ما بعد 7 أكتوبر، لا يمكن اختزاله في 'ردّة الفعل الإسرائيلية'، بل يكشف عن استمرار منهجي لطبيعة المشروع الصهيوني ذاته؛ مشروع لم يكن يومًا استعمارًا قابلًا للتفاوض، بل استعمارًا إحلاليًا إباديًا، يبدأ من دير ياسين ولا يتوقف عند غزة. ما نراه اليوم ليس انحرافًا عن المسار، بل ذروة نسقية له، تُعلن فيها إسرائيل صراحة أن 'الحل' يكمن في المحو، والتقويض، وإنهاء الشتات، وتصفية الذاكرة . لقد تجاوزت إسرائيل منطق الردع، واعتنقت منطق الإبادة. بحلول يوليو 2025، سجّلت وزارة الصحة في غزة، بالتعاون مع منظمات أممية، استشهاد أكثر من 57,000 فلسطيني، أغلبيتهم من النساء والأطفال، منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر 2023، فيما تُشير تقديرات أكاديمية مستقلة (مثل دراسة نشرتها مجلة The Lancet ومراجعات لجامعة لندن) إلى أن العدد الحقيقي للضحايا قد يتجاوز 80,000 وقد يصل إلى 109,000، نظرًا لحجم الدمار وتدهور البنية الصحية ووجود آلاف الجثث العالقة تحت الأنقاض. هذا إلى جانب أكثر من 600 حالة قتل موثقة عند نقاط توزيع المساعدات الإنسانية، حيث تحوّلت طوابير الانتظار للحصول على الخبز أو المياه إلى ساحات قتل جماعي، حسب تقارير منظمة OCHA ووكالات كـ AP وReuters. كذلك، تؤكد بيانات الأمم المتحدة وفاة ما لا يقل عن 66 طفلًا جوعًا بسبب الحصار، فيما يواجه ربع مليون فلسطيني في غزة ظروف مجاعة كارثية. البنية التحتية الصحية شبه منهارة، مع تدمير نحو 85% من المستشفيات والمنشآت الطبية، وتحوّل مستشفى ناصر إلى 'جناح طوارئ مفتوح' دائم، في ظل نقص فادح في المعدات والأدوية والكوادر. وفي الضفة الغربية، تجاوز عدد المعتقلين الفلسطينيين 12,000 شخص منذ بدء الحرب، في سياق متصاعد من الاجتياحات، والاغتيالات، ومحو الأفق السياسي. هذه الأرقام ليست مجرد معطيات إحصائية، بل توثيق حي لسياسة إبادة متواصلة تُدار بغطاء دولي صامت، وبأدوات عسكرية وتجويعية متزامنة، في لحظة تُعيد فيها إسرائيل تعريف الردع بوصفه استئصالًا، والمساعدات بوصفها مصيدة قتل جماعي. لكن غزة لم تكن وحدها في عين العاصفة. ما يجري هو مشروع نكبة متجددة، تستهدف الضفة الغربية عبر الاجتياحات والاغتيالات اليومية ورفع وتيرة الاستيطان والتهويد، وتستهدف اللاجئ في الشتات عبر التجفيف المتسارع لوكالة الأونروا وتصفية المخيمات سياسيًا وإداريًا، كما تستهدف الوجود الفلسطيني في القدس عبر إحلال سكاني صامت يتمدد دون مقاومة تُذكر من النظام العربي. النكبة لم تعد حدثًا من الماضي، بل آلية اشتغال حاضرة، تمتد ببطء ومنهجية إلى الشتات: مخيمات تُجفَّف إداريًا، أطفال يولدون بلا أوراق أو حق في الإقامة، لاجئون تُعرض عليهم الجنسية مقابل نفي التاريخ، وبيروقراطيات دولية تعيد تعريف الفلسطيني كـ'عبء إنساني' لا كحالة تحرر. إنه محو ناعم، لا بالرصاص فقط، بل بالتشريع والتجويع والتهجين الرمزي. وما يزيد من فداحة المشهد أن السلطة الفلسطينية، بمؤسساتها المهترئة وبنيتها المنهارة شرعيًا، لم تعد تمثل إلا فراغًا وظيفيًا تُملؤه قوات الاحتلال متى شاءت، أو تل أبيب السياسية متى قررت منح التسهيلات أو سحبها. وفي موازاة ذلك، لم تنجح أي قوة مقاومة، رغم بسالتها، في ترجمة اللحظة إلى مكسب استراتيجي دائم، بسبب غياب القيادة الجامعة، وغياب الرؤية التحررية الشاملة، والانفصال المزمن بين السلاح والمشروع السياسي. أما في الفضاء الدولي، فقد تكشّفت أزمة القيم الليبرالية في الغرب، لا كأزمة خطاب، بل كأزمة بنيوية. ففي أعرق الجامعات والمؤسسات الفكرية والإعلامية، خضع كل من تضامن مع غزة للملاحقة أو الفصل أو الإسكات القسري. وبينما كانت عيون العالم تتابع حفلات قطع التمويل والطرد الأكاديمي، سقط وهم الحياد الليبرالي، وانكشفت المنظومة الغربية بوصفها متورطة عضوياً في تأمين الغطاء الأخلاقي للاستعمار، حتى ولو بأقنعة القانون. هذه ليست مجرد انكشافات نظرية، بل مؤشرات على أن المعركة لم تعد فقط على الأرض، بل على معنى فلسطين، ومكانتها في الوعي العالمي، ووظيفة الحركات التحررية ذاتها في زمن يُعاد فيه تعريف الضحية وفقًا للونها وعرقها وموقعها الجيوسياسي. ولم تكن التحولات الرمزية التي فجّرها الطوفان بمعزل عن السياق العربي الرسمي، حيث برز التناقض الصارخ بين الشارع المنتفض من الرباط حتى كيب تاون، وبين أنظمة لم تُوقف مسار التطبيع بل عزّزته بخطابات باردة تدّعي 'الواقعية السياسية'. لم يُفشل الطوفان مشروع التطبيع، لكنه نزع عنه آخر أقنعته الأخلاقية، وكشف هشاشته بوصفه شراكة مع القاتل لا مع السلام. لقد أُجبرت أنظمة على خنق شعوبها حتى لا تهتف لغزة، وكُشفت عواصم ما تزال تفاخر بشراكتها الأمنية مع تل أبيب في لحظة تُقصف فيها المدارس والمستشفيات. التحوّل الرمزي الكبير الذي صنعته عملية الطوفان، حين كسرت صورة إسرائيل التي لا تُقهر، لم يتحول إلى نصر سياسي، لأنه لم يُصنَع على أرضية مشروع تحرري شامل. بل ظلّ مُعلّقًا، وبدأ يتآكل مع عجز الفصائل عن فرض شروطها، وتفكك الشارع العربي تحت وطأة القمع أو التخدير الإعلامي، ودخول إسرائيل في مرحلة 'إعادة تموضع هجومي' لتفرض شروط ما بعد الحرب كأنها لم تتلقّ ضربة. ما تحقق يوم 7 أكتوبر يُشبه البرق في ليلة حالكة: لحظة نور مكثف كشفت كل شيء، لكنها سرعان ما تبعتها عتمة كثيفة حاول الجميع إخفاءها أو إطفاء أثرها. ورغم كل هذا، فإن 'الطوفان' أثبت أن المشروع الصهيوني ليس محصّنًا، وأنه يمكن زلزلة الوعي العالمي بلحظة واحدة إن توفّرت الجرأة، لكنّه أثبت أيضًا أن الجرأة وحدها لا تصنع التغيير، ما لم تقترن برؤية، ومؤسسة، وتحالف، وخيال سياسي قادر على المراكمة لا التفريغ. الطوفان لن يُكتب في التاريخ كانتصار نهائي، ولا هزيمة. بل كلحظة مفصلية كشفت هشاشة الجميع: هشاشة العدو حين يُضرب، وهشاشة المقاومة حين تُترك وحيدة، وهشاشة النظام الدولي حين يُطلب منه العدالة. والمسألة اليوم لم تعد: 'ماذا حققنا؟' بل 'كيف نمنع أن يتحول ما حققناه إلى نكسة؟' قد لا تملك غزة جيشًا نظاميًا، ولا المقاومة ظهرًا سياسيًا حقيقيًا، لكنها تملك ما لا تملكه إسرائيل: تاريخ لا يُمكن شطبه، وحقّ لا يمكن قتله، وشعب بات العالم يعرف أنه لم يعد مجرد ضحية… بل فاعلٌ يعرف إلى أين يوجّه صرخته. إن لم يُترجم هذا الوعي إلى مشروع تحرري جذري يعيد تعريف فلسطين لا كملف، بل كجذر لكل معركة ضد الاستعمار في هذا العالم المختل، فإن الطوفان، بكل رمزيته، سيظل لحظة عظيمة… على حافة النسيان. 2025-07-05


شفق نيوز
منذ يوم واحد
- شفق نيوز
بوتين ربما يهزأ بواشنطن بشأن كييف، لكنَّ ترامب لن يفعل شيئا
عادت أنظار الأوروبيين تتجه من جديد نحو أوكرانيا، التي نطالع عنها مقالاً في عرض الصحف السبت، يسلط الضوء على تأثير تعليق الإمدادات العسكرية الأمريكية المرسلة إليها، كما نستعرض تجربة سيدة قررت الابتعاد عن مواقع التواصل لمدة عام ونصف، وأخيراً مقالاً يصف تشات جي بي تي بأنه "آخر الرومانسيين العظماء". نبدأ جولتنا في الصحف البريطانية من الإندبندنت، ومقال بعنوان "بوتين ربما يسخر من ترامب بشأن أوكرانيا، لكن الرئيس الأمريكي لن يفعل شيئاً حيال ذلك"؛ حيث يسلط المقال الضوء على مطالبات قادة الدول الأوروبية للولايات المتحدة بإعادة إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا قبل فوات الأوان. في هذا المقال، يلفت سام كيلي، محرر الشؤون العالمية بالإندبندنت، النظر إلى ما يراه القادة الأوروبيون تجاهلاً من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لكون نظيره الروسي "يهزأ" من واشنطن فيما يتعلق بكييف. وأشار المقال إلى تصريح لوزير خارجية بولندا ينتقد فيه جهود ترامب غير المثمرة لتأمين وقف إطلاق النار، قائلاً: "سيد ترامب، بوتين يهزأ بجهودك السلمية". وتكمن خطورة اللحظة بعد أن أعلنت أوكرانيا أنها تعرضت لأكبر هجوم جوي ليلي منذ اندلاع الحرب الشاملة، بأسراب من 500 طائرة مُسيرة وصاروخ، بهدف القضاء على دفاعاتها الجوية المنهكة أصلاً. وقد صعدت موسكو "تدريجياً" جهودها ضد كييف، بحسب المقال، مع تركيز الولايات المتحدة مؤخراً على هجماتها ضد إيران دعماً لإسرائيل؛ مضيفاً أن الرئيس الأوكراني، حذر مذ أسابيع من أن بلاده تواجه نقصاً حاداً في الأسلحة الدفاعية. ومن هنا، فإن إعلان الولايات المتحدة تعليق الأسلحة الموعودة، كصواريخ باتريوت للدفاع الجوي، "سيُرسّخ حتماً الاعتقاد الراسخ بأن ترامب قد انحاز إلى جانب بوتين، وأن الولايات المتحدة لم تعد حليفاً حقيقياً في الدفاع عن أوروبا" بحسب كيلي. أوكرانيا تحذر من أن وقف شحنات الأسلحة الأمريكية لها "سيشجع روسيا على مواصلة الحرب" وكان المسؤولون في البنتاغون قد أشاروا إلى أن هذا التعليق "توقف مؤقت" كجزء من مراجعة الإمدادات الأمريكية في جميع أنحاء العالم، "لكن الولايات المتحدة لم تُعلن عن توقف الإمدادات لأي دولة أخرى". وسلط كيلي الضوء على إسرائيل باعتبارها "أكبر متلقٍّ للمساعدات العسكرية الأمريكية بلا منازع"، والتي شهدت مؤخراً زيادةً في إمدادات القنابل والصواريخ، "حتى في ظل اتهامات الأمم المتحدة لها بالتطهير العرقي، واتهامات المحكمة الجنائية الدولية لرئيس وزرائها بارتكاب جرائم حرب". وينتقد الكاتب عدم توجيه ترامب أي تهديد بعقوبات على الرئيس الروسي أو محاولة الضغط عليه، على الرغم من أنه عبر عن إحباطه من بوتين، الذي أبدى عدم اهتمامه بوقف إطلاق النار في الحرب بين روسيا وأوكرانيا. بل إن روسيا تواصل "هجومها الشرس"، قائلة إنها بسطت سيطرتها الكاملة على مقاطعة لوهانسك، في الوقت الذي يطالب فيه بوتين بالاحتفاظ بمقاطعات لوهانسك، والقرم، وخيرسون، ودونيتسك، وزابوريجيا على الأقل، كشرط مسبق لأي وقف لإطلاق النار. في المقابل، تواجه كييف، بحسب كيلي، انقطاع المعلومات الاستخباراتية الأمريكية خلال الهجمات الروسية المضادة لاستعادة كورسك، كما تواجه تعليق المساعدات العسكرية، وعدم تلقيها أي وعود جديدة بالدعم، ناهيك عن "إجبارها" على إبرام صفقة معادن تُقايض فيها الأسلحة الأمريكية المستقبلية بأرباح التعدين. وأضاف المقال أن واشنطن تصر على أنه في أي اتفاق سلام طويل الأمد، تُمنع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو، ولن تحصل على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة للدفاع عن حدودها المستقبلية. ونتيجة لذلك، يحاول أعضاء الناتو الأوروبيون والكنديون "ملء الفراغ الأمريكي المتزايد" فيما يتعلق بالإمدادات العسكرية، في ظل امتناع ترامب عن تزويد أوكرانيا بالأسلحة الضرورية في وقت هي في أمس الحاجة إليها. بعد إنستغرام "فقدتُ عالمي بأسره" وننتقل إلى صحيفة "أوبزيرفر"، ومقال لأوليفيا أوفندن، عن صعوبة الانفصال عن شخصيتها "الافتراضية" على مواقع التواصل بعد طلاقها، حيث لم تكن ترغب في إعلان الأمر أو حتى محو ذكرياتها السابقة. وبعد انسحابها التدريجي من عالم "إنستغرام"، شعرت أوليفيا بأنها "فقدت عالمها بأسره"، من أصدقاء ومطاعم وأماكن تسوق للملابس، ناهيك عن اختفاء الكثير من أصدقائها القُدامى في الواقع الحقيقي، لا الافتراضي. وتصف الكاتبة هذه اللحظة بأنها أصعب من محاولة الجسم التأقلم عن تناول السكر أو التبغ، فكانت تشعر بالعزلة وفقدان المتعة بعيداً عن الإنترنت بشكل لم تكن تتخيله من قبل. وتقول "كان لدي شعور دائم بأنني قد أضعت نفسي أيضاً، كما لو أنني تركت نسختي الكاملة الملونة على الإنترنت". وتشرح حقيقة الأمر بأن منشوراتها على إنستغرام كانت "وسيلةً لحفظ أفضل لحظات كل عام"، لكنها بعد فترة، أصبحت هذه الصور هي ذكرياتها "الوحيدة" التي خزنها عقلها كبديل لفوضى الحياة الطبيعية، وكان تصفحها يجعلها ترى حياتها "كما أرادتها أن تبدو". واستعانت الكاتبة بما قالته طبيبة نفسية متخصصة في الإدمان، عن أن وسائل التواصل ما هي إلا "مخدرات رقمية" تشبه إدمان الكحول والمخدرات. وتستفيض الكاتبة بأن الطبيبة النفسية لاحظت لدى من يقلعون عن وسائل التواصل آثار انسحاب لا تتوقف عند الشعور العاطفي كالقلق والانفعال والأرق والاكتئاب، بل تتخطاها إلى الأعراض الجسدية كالغثيان، والصداع، والتعرق البارد، وانعدام الاستقرار بشكل لاإرادي. وتشرح الطبيبة أن ذلك يعود إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تعرضنا لجرعات مستمرة من الدوبامين؛ بحيث يكون المرء في حاجة مستمرة إلى المزيد من المكافآت وتجربة أي نوع من المتعة. "ففي سعينا وراء هذه النشوة، اعتدنا رؤية أنفسنا كما قد يرانا الغرباء، وتحليل تجاربنا عن بُعد؛ وتقييم قدرتها على التأثير" بحسب الكاتبة التي ترى أنها بعد 18 شهراً من الانقطاع، لا يزال جزء منها يتطلع إلى صورة لها على مواقع التواصل مع رابط المقالة التي تقرأها الآن. ومع مرور الوقت، أدركت أوليفيا أنها لم تكن وحيدة لأنها تفتقد تواصل إنستغرام، بل لأن حياتها الواقعية كانت "أكثر قتامة" في ظل انشغال الجميع على الإنترنت. وتسلط الكاتبة الضوء على ضرورة وجود ما يملأ فراغ حياتنا حال قرارنا الانفصال عن مواقع التواصل، مستعينة برأي كاتب في هذا المضمار، يقول إن "المنصات تلبي حاجة إنسانية عميقة، وإذا أزلناها ولم نُغير شيئاً آخر، فستبقى هذه الاحتياجات دون إشباع"، مضيفاً "علينا أن نعيد البناء من الصفر". ويرى هذا الكاتب الذي استعانت به أوليفيا أن العزلة التي نشعر بها في غياب العالم الافتراضي، "أساسية" لمنح أدمغتنا استراحة من معالجة المعلومات، ولفهم أنفسنا وما نواجهه في العالم. أما الكاتبة ذاتها، فقد توصلت أخيراً إلى أن ترك وسائل التواصل الاجتماعي يعني تقبّل الملل وعدم الراحة، وأن ذاتك الحقيقية ليست تلك الموجودة على الإنترنت. تشات جي بي تي .. آخر الرومانسيين العظماء ونختتم جولتنا بصحيفة الفاينانشال تايمز، ومقال لجو إليسون، تتحدث فيه عن استخدام "تشات جي بي تي" في كتابة رسائل الانفصال بين الأحباء والأزواج. وأشارت الكاتبة إلى صديقة لها كانت شاهدة على رسالة يكتبها شخص يجلس بجوارها في مترو الأنفاق، باستخدام روبوت الدردشة، الذي اقترح عليه أن يكتب لحبيبته السابقة بالنص "لقد تعلمت الكثير منك" بدلاً من أن يعبر عن أن وقتهما معاً كان مضيعة للوقت كما هو معتاد في حالات كهذه. وكانت دهشة صديقة الكاتبة لكون الجالس إلى جوارها كان يبحث مع "تشات جي بي تي" فكرة استخدام نبرة إنسانية "أكثر تعاطفاً"، وقد استجاب الروبوت لطلبه وصقل رسالة نصية ليتمكن من إرسالها إلى حبيبته التي ينفصل عنها. ويشير المقال إلى أن عدد مستخدمي تشات جي بي تي بحسب الشركة المصنعة يصل إلى 400 مليون مستخدم أسبوعياً، 45 في المئة منهم دون سن الـ 25 عاماً. وعلى الرغم من تعدد استخدام الروبوت في أمور أخرى كتلخيص أطروحة علمية أو تنظيم اجتماعات أو إخراج نصوص أفلام، إلا أن انبهار الكاتبة ينبع من استخدامه في الأمور العاطفية. ففي عصر الهاتف المحمول، تحولت رسائل الانفصال التي كانت تحمل الكثير من الشجن والعواطف، إلى رسائل مقتضبة. لكن، مع تشات جي بي تي، ربما ندخل الآن حقبة جديدة من رسائل الانفصال بأسلوب أدبي. وتقول أوليفيا إن هذه التقنية ربما جاءت "لإنقاذنا، ولإعادة تثقيفنا وإصلاح قلوبنا المتحجرة". فعلى الرغم من أن تلك التقنية ليست مساوية للإبداع البشري الذي يفكر نقدياً ويقدم تفسيرات منطقية، إلا أن معدل الذكاء العاطفي لديها أعلى من "شخص أحمق في مترو الأنفاق يحاول التخلص من شعوره بالذنب".