
تحذيرات من قرار أممي يهدد آلاف السوريين بلبنان
بيروت- في خيمة من قماش مهترئ على أطراف بلدة كترمايا، جنوب بيروت ، تتكثف معاناة اللجوء في ملامح إيمان إبراهيم كينو، لتعكس حكاية ألم تعيشها والسوريون الذين شرَّدتهم الحرب، وجعلتهم على هامش الجغرافيا والسياسة، يطاردون البقاء بكثير من الصبر وقليل من الأمل.
"نعيش.. لكن بالكاد ننجو"، تقول إيمان للجزيرة نت، بصوت واهن يختلط فيه الرجاء بالاستسلام، وتختصر بعباراتها قصة عمرها 12 عاما من التشرد والمعاناة اليومية.
وإيمان لاجئة سورية من مدينة حلب ، تقيم في مخيم "كترمايا" منذ 2013، حيث أجبرتها الحرب على الفرار، ولم تنته بها القذائف عند حدود المدينة، بل لحقتها بصورة مرض ينهش جسد ابنتها الصغيرة.
وتقول وهي تنظر أرضا، كأنها تحاول إخفاء دموع القهر "ابنتي تعاني من نزيف في الرأس أثّر على نطقها، واليوم تعاني من كتل متضخمة في الرقبة والصدر، وحالتها تزداد سوءا، لا أمل من دون علاج".
تراكم المعاناة
ورغم أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين توفّر بعض الدعم، فإن ذلك، تؤكد إيمان، لا يغطي الحد الأدنى من نفقات العلاج، وتساءلت "إذا توقف هذا القليل أيضا، من أين أشتري دواء ابنتي؟".
وغير بعيد عن خيمتها، في المخيم نفسه، تخوض غزالة علي معركة أخرى مع الفقر والمرض والانقطاع المفاجئ للمساعدات، بعد أن كانت تعمل في تنظيف البيوت، حيث أُجبرت على ترك عملها بعد تدهور نظرها، وتفاقمت المأساة بإصابة زوجها بمرض مزمن جعله طريح الفراش منذ عامين ونصف العام.
وتقول غزالة للجزيرة نت "الحياة أصبحت جحيما منذ مرض زوجي"، وتضيف "أنا اليوم عاجزة عن العمل، ورعاية زوجي تستهلك كل وقتي، ولا مورد لنا نعيش منه".
لكن الضربة الأقسى، كما تصف، كانت حين توقّفت المساعدة الشهرية التي تقدمها المفوضية الأممية، وقيمتها 145 دولارا أميركيا، وتضيف "لم تصرف منذ ما قبل عيد الفطر، وكنت أشتري بها دواء زوجي، الذي تبلغ كلفة العلبة الواحدة منه نحو مليوني ليرة لبنانية (الدولار= نحول 90 ألف ليرة)، من أين آتي بثمنها الآن؟".
وبينما تحدق غزالة في المجهول، تتردّد أنباء في المخيم عن توقف شامل للمساعدات في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ما يُنذر بكارثة إنسانية وشيكة، وتقول، وهي تهمس بخوف يختلط بعجز موجع، "إذا حدث هذا، لا أعرف ماذا سيحل بنا، حياتنا كلها معلّقة بهذه المساعدة".
ومثل كثير من اللاجئين، تستشعر غزالة ضغطا غير معلن من أجل العودة إلى سوريا ، وتقول "كأنهم بدهم (يريدون) يعيدونا بالقوة، لكن قريتنا مدمرة، وليس بها أمان، وبيتي سُوِّي بالأرض، لو رجعت، وين بروح (أين سأذهب)؟".
قرار بالوقف
وهذا حال اللاجئ السوري أبو أحمد، الذي يقول للجزيرة نت "لا نرى خيرا، لنقول إننا فقدناه"، في إشارة للمساعدات الطبية المقدمة من المفوضية، التي باتت شكلية، لا تفي بشيء تجاه الواقع القاسي، حسب رأيه.
ويضيف "نحن لا نستفيد فعليا من تلك المساعدات، فقط عند الولادة في المستشفى، تُغطى بعض التكاليف، ومع ذلك يُطلب منا دفع مبالغ تتراوح بين 150 و300 ألف ليرة، لا نعرف إن كانت المفوضية تغطيها فعلا، أم أنها تُفرض علينا دون وجه حق، حيث كانت التكلفة سابقا تتراوح بين 75 أو 90 ألفا فقط".
ويتابع "أسماؤنا لا تزال على قوائم المفوضية، لكن ماذا ينفع وجودها إذا لم يتبعه دعم حقيقي؟".
ومعاناة أبو أحمد لا تقف عند حد انعدام المساعدة، بل تشمل وضعا صحيا بالغ الخطورة، فهو مصاب بمرض "الديسك" (آلام فقرات الظهر)، وتغطي الحروق نحو 70% من جسده، وهي إصابات خلّفتها الحرب، ولا تزال تدميه جسدا وروحا.
في المقابل، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية أن المفوضية الأممية أبلغت وزير الصحة ركان ناصر الدين نيتها وقف الدعم الصحي للاجئين السوريين اعتبارًا من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بسبب انخفاض التمويل الدولي.
وفي بيان رسمي، شدد ناصر الدين على أن هذا القرار "يتطلب تحركًا عاجلًا لإيجاد سبل بديلة تضمن استمرار التغطية الصحية للاجئين، ودعم مراكز الرعاية الأولية"، مؤكدًا أن "لا حل إلا بتأمين تمويل دولي حتى تتم العودة الآمنة والطوعية".
وأثار هذا التوجه ردود فعل متباينة في لبنان ، إذ اعتبرته بعض القوى السياسية خطوة تسهم في تسريع العودة، فيما حذر آخرون من كارثة إنسانية تلوح في الأفق، تُنذر بإغراق آلاف العائلات السورية في مزيد من الألم، وبتعميق أزمة صحية لن تقف عند حدود المخيمات.
وسيلة ضغط
من جهته، حذَّر المحامي والباحث في القانون الدولي لحقوق الإنسان نبيل الحلبي، من استخدام الحاجات الأساسية وسيلة ضغط على اللاجئين السوريين في لبنان، واصفًا ذلك بأنه "انتهاك جسيم لحقوق الإنسان و للقانون الدولي للاجئين".
ويقول للجزيرة نت "لا يجوز حرمان اللاجئ من الخدمات الإنسانية الأساسية كالطبابة والمأوى والتعليم، لدفعه نحو العودة إلى بلده، هذا سلوك غير إنساني وغير قانوني".
ويضيف الحلبي أن أعدادًا كبيرة من اللاجئين عادوا إلى سوريا في السنوات الأخيرة، لكن ليس بفعل تحسن الأوضاع هناك، بل نتيجة ضيق العيش في لبنان.
وأردف بأن "الوضع الاقتصادي في لبنان منهار، والبنى التحتية للمخيمات متهالكة، ما دفع بعض اللاجئين للعودة رغم غياب الحد الأدنى من مقومات الحياة في الداخل السوري".
وحول الطروحات التي تربط وقف الخدمات الصحية بدفع اللاجئين إلى العودة، يعلق الحلبي "هذا الطرح غير منطقي وغير واقعي، من اختار العودة فعلا عاد، لكن الغالبية الساحقة لا تزال عالقة بين واقع مأزوم في لبنان، ومستقبل مجهول في سوريا".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
تحذيرات من قرار أممي يهدد آلاف السوريين بلبنان
بيروت- في خيمة من قماش مهترئ على أطراف بلدة كترمايا، جنوب بيروت ، تتكثف معاناة اللجوء في ملامح إيمان إبراهيم كينو، لتعكس حكاية ألم تعيشها والسوريون الذين شرَّدتهم الحرب، وجعلتهم على هامش الجغرافيا والسياسة، يطاردون البقاء بكثير من الصبر وقليل من الأمل. "نعيش.. لكن بالكاد ننجو"، تقول إيمان للجزيرة نت، بصوت واهن يختلط فيه الرجاء بالاستسلام، وتختصر بعباراتها قصة عمرها 12 عاما من التشرد والمعاناة اليومية. وإيمان لاجئة سورية من مدينة حلب ، تقيم في مخيم "كترمايا" منذ 2013، حيث أجبرتها الحرب على الفرار، ولم تنته بها القذائف عند حدود المدينة، بل لحقتها بصورة مرض ينهش جسد ابنتها الصغيرة. وتقول وهي تنظر أرضا، كأنها تحاول إخفاء دموع القهر "ابنتي تعاني من نزيف في الرأس أثّر على نطقها، واليوم تعاني من كتل متضخمة في الرقبة والصدر، وحالتها تزداد سوءا، لا أمل من دون علاج". تراكم المعاناة ورغم أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين توفّر بعض الدعم، فإن ذلك، تؤكد إيمان، لا يغطي الحد الأدنى من نفقات العلاج، وتساءلت "إذا توقف هذا القليل أيضا، من أين أشتري دواء ابنتي؟". وغير بعيد عن خيمتها، في المخيم نفسه، تخوض غزالة علي معركة أخرى مع الفقر والمرض والانقطاع المفاجئ للمساعدات، بعد أن كانت تعمل في تنظيف البيوت، حيث أُجبرت على ترك عملها بعد تدهور نظرها، وتفاقمت المأساة بإصابة زوجها بمرض مزمن جعله طريح الفراش منذ عامين ونصف العام. وتقول غزالة للجزيرة نت "الحياة أصبحت جحيما منذ مرض زوجي"، وتضيف "أنا اليوم عاجزة عن العمل، ورعاية زوجي تستهلك كل وقتي، ولا مورد لنا نعيش منه". لكن الضربة الأقسى، كما تصف، كانت حين توقّفت المساعدة الشهرية التي تقدمها المفوضية الأممية، وقيمتها 145 دولارا أميركيا، وتضيف "لم تصرف منذ ما قبل عيد الفطر، وكنت أشتري بها دواء زوجي، الذي تبلغ كلفة العلبة الواحدة منه نحو مليوني ليرة لبنانية (الدولار= نحول 90 ألف ليرة)، من أين آتي بثمنها الآن؟". وبينما تحدق غزالة في المجهول، تتردّد أنباء في المخيم عن توقف شامل للمساعدات في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ما يُنذر بكارثة إنسانية وشيكة، وتقول، وهي تهمس بخوف يختلط بعجز موجع، "إذا حدث هذا، لا أعرف ماذا سيحل بنا، حياتنا كلها معلّقة بهذه المساعدة". ومثل كثير من اللاجئين، تستشعر غزالة ضغطا غير معلن من أجل العودة إلى سوريا ، وتقول "كأنهم بدهم (يريدون) يعيدونا بالقوة، لكن قريتنا مدمرة، وليس بها أمان، وبيتي سُوِّي بالأرض، لو رجعت، وين بروح (أين سأذهب)؟". قرار بالوقف وهذا حال اللاجئ السوري أبو أحمد، الذي يقول للجزيرة نت "لا نرى خيرا، لنقول إننا فقدناه"، في إشارة للمساعدات الطبية المقدمة من المفوضية، التي باتت شكلية، لا تفي بشيء تجاه الواقع القاسي، حسب رأيه. ويضيف "نحن لا نستفيد فعليا من تلك المساعدات، فقط عند الولادة في المستشفى، تُغطى بعض التكاليف، ومع ذلك يُطلب منا دفع مبالغ تتراوح بين 150 و300 ألف ليرة، لا نعرف إن كانت المفوضية تغطيها فعلا، أم أنها تُفرض علينا دون وجه حق، حيث كانت التكلفة سابقا تتراوح بين 75 أو 90 ألفا فقط". ويتابع "أسماؤنا لا تزال على قوائم المفوضية، لكن ماذا ينفع وجودها إذا لم يتبعه دعم حقيقي؟". ومعاناة أبو أحمد لا تقف عند حد انعدام المساعدة، بل تشمل وضعا صحيا بالغ الخطورة، فهو مصاب بمرض "الديسك" (آلام فقرات الظهر)، وتغطي الحروق نحو 70% من جسده، وهي إصابات خلّفتها الحرب، ولا تزال تدميه جسدا وروحا. في المقابل، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية أن المفوضية الأممية أبلغت وزير الصحة ركان ناصر الدين نيتها وقف الدعم الصحي للاجئين السوريين اعتبارًا من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بسبب انخفاض التمويل الدولي. وفي بيان رسمي، شدد ناصر الدين على أن هذا القرار "يتطلب تحركًا عاجلًا لإيجاد سبل بديلة تضمن استمرار التغطية الصحية للاجئين، ودعم مراكز الرعاية الأولية"، مؤكدًا أن "لا حل إلا بتأمين تمويل دولي حتى تتم العودة الآمنة والطوعية". وأثار هذا التوجه ردود فعل متباينة في لبنان ، إذ اعتبرته بعض القوى السياسية خطوة تسهم في تسريع العودة، فيما حذر آخرون من كارثة إنسانية تلوح في الأفق، تُنذر بإغراق آلاف العائلات السورية في مزيد من الألم، وبتعميق أزمة صحية لن تقف عند حدود المخيمات. وسيلة ضغط من جهته، حذَّر المحامي والباحث في القانون الدولي لحقوق الإنسان نبيل الحلبي، من استخدام الحاجات الأساسية وسيلة ضغط على اللاجئين السوريين في لبنان، واصفًا ذلك بأنه "انتهاك جسيم لحقوق الإنسان و للقانون الدولي للاجئين". ويقول للجزيرة نت "لا يجوز حرمان اللاجئ من الخدمات الإنسانية الأساسية كالطبابة والمأوى والتعليم، لدفعه نحو العودة إلى بلده، هذا سلوك غير إنساني وغير قانوني". ويضيف الحلبي أن أعدادًا كبيرة من اللاجئين عادوا إلى سوريا في السنوات الأخيرة، لكن ليس بفعل تحسن الأوضاع هناك، بل نتيجة ضيق العيش في لبنان. وأردف بأن "الوضع الاقتصادي في لبنان منهار، والبنى التحتية للمخيمات متهالكة، ما دفع بعض اللاجئين للعودة رغم غياب الحد الأدنى من مقومات الحياة في الداخل السوري". وحول الطروحات التي تربط وقف الخدمات الصحية بدفع اللاجئين إلى العودة، يعلق الحلبي "هذا الطرح غير منطقي وغير واقعي، من اختار العودة فعلا عاد، لكن الغالبية الساحقة لا تزال عالقة بين واقع مأزوم في لبنان، ومستقبل مجهول في سوريا".


الجزيرة
منذ 3 أيام
- الجزيرة
إصابة 3345 إسرائيليا بالحرب مع إيران و41 ألفا طالبوا بتعويض
أعلنت السلطات الإسرائيلية اليوم الأربعاء أن 3345 إسرائيليا أصيبوا خلال الحرب الأخيرة مع إيران ، فيما تجاوز عدد طلبات التعويض عن أضرار مادية 41 ألف طلب. وقالت وزارة الصحة -في بيان- إن المستشفيات استقبلت خلال الحرب 3345 مصابا، وإن خطوط الدعم النفسي التابعة للوزارة تلقت 18 ألفا و861 اتصالا خلال الحرب طلبا لدعم نفسي. ووفق البيان "تم إدخال 11 ألفا و70 إسرائيليا بلا مأوى إلى 97 موقع استيعاب"، وفق البيان. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية -نقلا عن وزارة الصحة- في وقت سابق اليوم أن عدد القتلى في إسرائيل جراء الحرب مع إيران بلغ 29 قتيلا. من جانبه، أفاد صندوق التعويضات الإسرائيلي بارتفاع عدد طلبات التعويض عن أضرار مادية، وقال إنه تلقى 41 ألفا و651 طلب تعويض جراء أضرار مادية سببتها الصواريخ الإيرانية، وفق صحيفة معاريف. وأوضح أن 32 ألفا و975 من طلبات التعويض تتعلق بأضرار في مبان، و4119 في سيارات. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن الصندوق أمس الثلاثاء أن عدد طلبات التعويض بلغ 38 ألفا و700. وفي 13 يونيو/حزيران الجاري، شنت إسرائيل بدعم أميركي حربا على إيران استمرت 12 يوما، شملت استهداف مواقع عسكرية ونووية ومنشآت مدنية واغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين، وأسفرت عن 606 قتلى و5332 مصابا، وفق وزارة الصحة الإيرانية. وردت إيران باستهداف مقرات عسكرية واستخبارية إسرائيلية بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، اخترق عدد كبير منها منظومات الدفاع، وهو ما خلف قتلى ومصابين ودمارا وذعرا غير مسبوقين، حسب وزارة الصحة والإعلام الإسرائيلي.


الجزيرة
١٠-٠٦-٢٠٢٥
- الجزيرة
"الأمل في الأيدي".. طلبة الطب البشري بغزة ينشرون الوعي الطبي المجتمعي
غزة- من دون تردد، اندفع محمد الشيخ نحو خيمة في "مدرسة غزة الجديدة"، اندلعت فيها النيران نتيجة غارة جوية إسرائيلية أوقعت شهداء وجرحى، وكان لتوه قد أنهى دورة تدريبية في الإسعافات الأولية ومهارات التدخل مع الضحايا. والشيخ (22 عاما) نازح في هذه المدرسة ويقيم فيها مع أسرته منذ بضعة شهور إثر تدمير منزلهم، ويقول للجزيرة نت "كنت على بعد أمتار قليلة من الغارة التي استهدفت خيمة من بين أخرى كثيرة متلاصقة في ساحة المدرسة، ونتج عنها انفجار هائل وحريق، وارتقى شهيدان وجرح 7 آخرون". كانت هذه أول تجربة عملية للشيخ، في تقديم إسعافات أولية لجريح منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عقب السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. قيمة التجربة "بإمكانك إنقاذ حياة"، وقد لمس الشيخ بنفسه قيمة الدورة التدريبية التي انخرط فيها تحت هذا العنوان، عندما تدخل مع أحد جرحى قصف الخيمة وكان ينزف بشدة، ويقول "استحضرت ما تعلمته، وضغطت بشكل مباشر على مكان النزيف باستخدام قطعة قماش نظيفة، ولم أسمح لأحد بتحريك الجريح من مكانه خشية أن يكون مصابا بكسور أو أن يؤدي نقله الخاطئ إلى تفاقم إصابته، ومكثت بجانبه حتى حضرت سيارة الإسعاف". بعد هذه التجربة أدرك قيمة ما تعلمه، وأهمية تعميم التوعية الطبية بالإسعافات الأولية وآليات التدخل الصحيح مع ضحايا الحرب من جرحى وحتى مرضى في الخيام ومراكز الإيواء. والشيخ واحد من بين نحو 100 شاب وفتاة، تلقوا تدريبات متقدمة ضمن مشروع "الأمل في الأيدي"، وهو مبادرة تطوعية مجانية لطلبة في كلية الطب البشري في جامعة الأزهر بمدينة غزة. ويضم هذا المشروع 16 متطوعا، بينهم 9 طلاب و7 طالبات من مستويات مختلفة في كلية الطب، اجتمعوا على فكرة "توعية المجتمع طبيا". ويقول ياسر أبو مريم للجزيرة نت إن الفكرة كانت وليدة المجازر اليومية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الشوارع والمدارس وخيام النازحين ومراكز الإيواء، وشكلت ضغطا هائلا على المنظومة الصحية الفلسطينية. وكانت "مجزرة مطعم التايلندي"، التي ارتكبتها قوات الاحتلال قبل بضعة أسابيع، وأودت بحياة عدد كبير من الشهداء وأوقعت عشرات الجرحى، في منطقة تسوق مكتظة في شارع الوحدة بمدينة غزة، دافعا لهؤلاء الطلبة المتطوعين، الذين صودف وجود بعضهم على مقربة من مكانها، وكان لافتا بالنسبة لهم عدم قدرة الحاضرين على التعامل مع الجرحى. اكتساب الخبرات ويقول أبو مريم (21 عاما)، وهو طالب بالسنة الثالثة في كلية الطب البشري بجامعة الأزهر في غزة، التي تعرضت للتدمير خلال الحرب، "كثيرون يتعاملون مع الجرحى باندفاع لا يستند إلى معرفة طبية، ورغم نيتهم الصادقة والطيبة، فإن تدخلهم الخاطئ قد يضر ولا يفيد، وربما يؤدي إلى فقدان الجريح لحياته". إلى جانب دراسته للطب، يحمل أبو مريم شهادات تدريب في الإسعافات الأولية حصل عليها من طبيب نرويجي متطوع زار غزة ضمن وفد أجنبي قبل اندلاع الحرب، ومن جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني ، وله تجارب سابقة في المشاركة في مبادرات خيرية لتدريب طلبة المدارس، ورواد المساجد، وفي مؤسسات مجتمعية بمدينة غزة. وعقب اندلاع الحرب، اضطر للنزوح مع أسرته نحو 10 مرات في المدينة ونحو مناطق جنوب القطاع، وتطوع في "نقطة طبية" داخل مدرسة كانوا يقيمون بها في منطقة "قيزان النجار" بمدينة خان يونس جنوب القطاع، وعندما أجبروا على النزوح نحو مدينة رفح المجاورة تطوع في "نقطة طبية" داخل مخيم النزوح. وخلال تطوعه، اكتسب أبو مريم خبرات يقول إنه ما كان ليكتسبها في هذه المرحلة من عمره من دون تعامله المباشر مع جرحى الحرب، علاوة على حالات مرضية وبعضها خطيرة، ناجمة عن تداعيات العدوان والحصار وسوء التغذية وقلة الدواء. وعندما عاد إلى شمال القطاع عقب اتفاق وقف إطلاق النار في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، اجتمع شمل أبو مريم مع عدد من زملائه من طالبات وطلاب كلية الطب، وكان من النواة الأولى التي أسست مشروع "الأمل في الأيدي"، لإيمانه بأهمية نشر وتعزيز الوعي الطبي المجتمعي، ومهارات الإسعافات الأولية، ودورها في تدعيم أداء المنظومة الصحية، وتصحيح التصرفات الخاطئة الشائعة في التعامل مع مختلف الإصابات ميدانيا. ويقول أبو مريم إن الاستهداف اللحظي على مدار الساعة وفي كل مكان من جانب قوات الاحتلال، خلال هذه الحرب غير المسبوقة، يستدعي تعليم قطاعات واسعة بهذه المهارات التي قد تكون كفيلة بإنقاذ حياة جرحى أو مرضى في حال التدخل السليم وفي الوقت المناسب. اهتمام واسع ومن الميدان إلى المستشفيات والمنازل، يهتم هذا المشروع التطوعي بنشر مفاهيم "الإسعاف النفسي الأولي"، الذي يهتم بالجريح وذويه في مرحلة الاستشفاء والتعافي. وتقول الطالبة المتطوعة ليان العكلوك (20 عاما) للجزيرة نت إن "شعبنا عظيم ويعاني الويلات جراء هذه الحرب ويستحق من كل منا أن يخدمه في مجال تخصصه". وتدرس العكلوك في السنة الثالثة بكلية الطب البشري بجامعة الأزهر، وهي ابنة طبيب الأعصاب الفلسطيني المعروف أسامة العكلوك، وقد اختارت التطوع ضمن مشروع "الأمل في الأيدي" انطلاقا من إيمانها بأن "الطب مسؤولية إنسانية". وهي تدرك الضغوط الهائلة على الكوادر الطبية جراء الاستهداف الممنهج من قوات الاحتلال الإسرائيلي للمنظومة الصحية، الذي أدى إلى استشهاد أكثر من 1400 من الأطباء والممرضين والعاملين في القطاع الصحي، واعتقال وجرح عشرات آخرين، وخروج غالبية المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة. وتقول إن هدفها وزملائها في المشروع هو نشر التوعية الطبية المجتمعية، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، من أجل تخفيف الضغط عن كاهل الكوادر الطبية في المستشفيات والمرافق الصحية القليلة التي لا تزال تعمل بإمكانيات ضعيفة. وخلال مشاركتها في الفعاليات التدريبية، لمست العكلوك اهتماما واسعا من المتدربين على تعلم مهارات الإسعافات الأولية، والإسعاف النفسي الأولي، إدراكا منهم بأن الإلمام بهذه المعرفة قد ينقذ حياة جريح أو مريض إذا تم التعامل معه بالطريقة الصحيحة. ويتشاطر الذكور والإناث هذا الاهتمام، وبحسب العكلوك فإن 50% من الذين انخرطوا في التدريبات كانوا من الفتيات، وبينهن نازحات في الخيام ومراكز الإيواء، وتوضح "لدينا خطة لمواصلة العمل على نشر التوعية على نطاقات أوسع لمواكبة الأعداد الهائلة من الجرحى والمرضى الذين تدهورت حالاتهم الصحية بسبب قلة العلاج والأدوية".