logo
العرب شرق المتوسط وصياغة تحالف جديد

العرب شرق المتوسط وصياغة تحالف جديد

عمونمنذ يوم واحد

المنطقة تتغير، قوى تضمحل وأذرع تُبتر وأنظمة تسقط وأخرى تستعيد دولتها المفقودة، كل ذلك وما يجري في المطبخ الدولي الفاعل في المنطقة وعلى رأسه إسرائيل لم ينضج بعد بصورته النهائية، لكن من الواضح أن المنطقة الشرق متوسطية تدخل مزاج المناخ المداري، سلسلة من العواصف المدمرة تفصل بينها لحظات هدوء حذر يعد للجولة التالية. التصريحات واضحة لا لبس فيها ولا مواربة دبلوماسية، والأهداف معلنة والخطط مصرح بها، وهي بناء شرق أوسط جديد، وليس كل جديد جيد ومفيد، لأن ما يُفرض بالمؤامرات والحروب والقوة الغاشمة لن يكون أبدا في مصلحة المهزوم والخاسر، وبالتالي فإن القادم الذي ظهرت كثير من بوادره وعلاماته الكبرى، يضع المنطقة أمام تحدٍ جديد، فالتحديات لم تنقطع عن هذا الشرق في يوم من أيام القرن الماضي والحالي.
العرب خاصة في شرق المتوسط (مصر وبلاد الشام والعراق ودول مجلس التعاون الخليجي) يعون تماما ما يجري وما يُحاك للمنطقة، ويدركون أن ليس مجمل ما يحدث هو في الصالح العربي العام، وتكشف جهودهم الدبلوماسية وحركة القادة هذا الإدراك والفهم لارتدادات هذه الخطط التي تمثل إسرائيل وإيران المطرقة والسندان فيها، لكن هذا لن يكون ناجعا وقادرا على خلق حالة توازن حقيقية مؤثرة، إن لم توضع في بوتقة إطار عربي إقليمي فتي، وعلى أسس جديدة وأكثر حيوية وأسرع مردودا. فعلينا أن نعترف أن جامعة الدولة العربية مؤسسة هرمة ومتهالكة القوى، وتُذكر بحال عصبة الأمم قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية، وإذا وصلنا إلى لحظة إدارك أن جامعة الدول العربية بشكلها الحالي وما وصلت إليه من ضعف منظمة غير قابلة للإصلاح على الأقل على المدى القصير والمتوسط، وبالتالي فإن المطلوب منها في ظل هذه التغييرات الجذرية يبدو غير منطقي أو لن يكون له مردود عملي مؤثر.
إذن فإن المنطق يقود أن العرب شرق المتوسط بحاجة ماسة لبناء مؤسسة جامعة جديدة، ببُنية وآليات جديدة تتناسب مع إفرازات هذا العصر وتغيراته، وتكون أسرع استجابة وأكثر انسجاما، والأقدر بالتالي على مجابهة خطط تغيير الشرق الأوسط الكبير، أو على الأقل نكون شركاء في هذا التغيير بما يخدم مصالح دُولنا وشعوبنا وقضايانا الاستراتيجية، ولتكن هذه المؤسسة أو المنظمة (اتحاد، تجمع، مجلس، رابطة...) تحت مظلة جامعة الدول العربية وليست إنقلابا عليها، فلا يمكن أن يبقى الحال على ما هو عليه ونحن نرقب ما يجري حولنا، وعلينا دون أن نكون فاعلين فيه بدرجة توازي الحجم الحقيقي للدول العربية وقدرتها الكامنة في إحداث تغيير كبير يصب في مصلحة العرب والمنطقة بطبيعة الحال.
نعم لا يبدو الأمر بهذه البساطة، مازالت آثار الحقب الماضية وحضور الطائفيات والإثنيات والأقليات والولاءات تتصارع في عدد من البؤر المهمة، وبالتالي لابد أن يدفع الوعي بما يجري وسيجري إلى أن تُعيد هذه الدول صياغة عقدها الاجتماعي والسياسي، وصهر جميع مكونات الدولة في بوتقة من العدالة والتوزيع العادل للتنمية وتشارك السلطة، ممهدة الطرق بذلك لبناء تحالف عربي شرق متوسطي، يُعظّم القواسم المشتركة، ويُلغي حالة التوتر البينيّة إن وجدت، ويصهر قوى هذه الدول في الموارد الطبيعية والحضور والتأثير السياسي وحتى العسكري في بوتقة المصلحة العربية الواحدة، وهذا بالتأكيد يستوجب أن تكون بوصلة العرب نحو العرب، فلا ولاءات ولا إنتماءات خارج المنظومة العربية المرتجاة، وبناء علاقات ناجحة مع دول الشرق الأوسط الكبير تخدم العرب ولا تُسهم في فرقتهم، ففي ظل كل هذا الذي يحدث ملء السمع والبصر لم يعد للأحادية أو حتى التنسيقات الثنائية أن تكون فاعلة وذات أثر حقيقي، فالحدث كبير ويستوجب صياغة تحالف بمواصفات جديدة وفعالة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نقيب المهندسين: إعادة إعمار سوريا بات استحقاقًا إنسانيًا
نقيب المهندسين: إعادة إعمار سوريا بات استحقاقًا إنسانيًا

جو 24

timeمنذ 7 ساعات

  • جو 24

نقيب المهندسين: إعادة إعمار سوريا بات استحقاقًا إنسانيًا

جو 24 : قال نقيب المهندسين الأردنيين عبدالله غوشة، إن الأردن يضم أكثر من 200 ألف مهندس في مختلف التخصصات، وما يزيد عن 1400 مكتب هندسي، إضافة إلى أكثر من 3000 شركة مقاولات مصنفة ومؤهلة. وأكد غوشة، أن إعادة إعمار سوريا لم تعد مجرد ملف هندسي أو تقني، بل باتت استحقاقًا إنسانيًا وتاريخيًا يتطلب تضافر الجهود العربية والدولية، ضمن رؤية تنموية شاملة تُراعي الواقع المعقد الذي خلّفته الحرب السورية الممتدة منذ أكثر من عقد. وفي دراسة موسعة أطلقتها نقابة المهندسين بعنوان "دور القطاع الهندسي الأردني في إعادة إعمار سوريا: الإمكانيات، التحديات، والفرص المستقبلية". وشدد غوشة على أن الأردن، بما يمتلكه من موقع جغرافي استراتيجي، وكوادر هندسية مؤهلة، وبنية مؤسسية مهنية متقدمة، قادر على لعب دور محوري في هذه العملية، لا سيما أن هذه الدراسة هي الثانية من نوعها؛ فقد أعدت نقابة المهندسين الأردنيين سابقاً دراسة لإعادة إعمار قطاع غزة وأولويات الإغاثة فيها بعد الحرب على القطاع التي امتدت منذ عامين وحتى اليوم. وشملت الدراستين تقاطعات بين التخطيط الهندسي الفني والبعد الإنساني والاجتماعي والثقافي والحقوقي على حد سواء، لإيمان النقابة بأن عمليات إعادة الإعمار لا تقتصر على مشاريع منشآت حيوية فحسب بل على تقديرات تتعلق بترك بصمة تنموية مستدامة في المناطق المنكوبة والمتضررة جراء الحروب والنزاعات، وأوضح غوشة أن النقابة، بصفتها بيت خبرة ومرجعية هندسية وطنية، أعدّت هذه الدراسة انطلاقًا من إدراكها لخطورة المرحلة ودقتها، واستشعارًا لأهمية الانخراط الأردني الفاعل في إعادة بناء سوريا، ليس فقط من منطلق الجوار الجغرافي والروابط الاجتماعية والتاريخية، وإنما أيضًا من باب الالتزام المهني تجاه شعب عربي شقيق، عانى من دمار هائل طال كل مناحي الحياة، من بنية تحتية وخدمات عامة واقتصاد ومؤسسات وإنتاج. وبيّن نقيب المهندسين أن الدراسة انطلقت من قاعدة معرفية ومهنية متينة، وجرى إعدادها عبر فريق متخصص من المهندسين والخبراء، واستندت إلى مراجعة الأدبيات الدولية والدراسات المقارنة لتجارب إعادة الإعمار في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، ورواندا بعد الإبادة الجماعية، والبوسنة بعد اتفاق دايتون، والعراق بعد عام 2003. وقد استفادت الدراسة من هذه النماذج في صياغة رؤية قابلة للتطبيق في السياق السوري، مع مراعاة الخصوصية السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلاد. وأشار غوشة إلى أن الدراسة خلصت إلى ضرورة وجود خارطة طريق وطنية شاملة لإعادة الإعمار في سوريا تمتد لعقدين، تبدأ بمرحلة الإغاثة الطارئة، مرورًا بالتعافي المبكر، وانتهاءً بمرحلة التنمية الشاملة طويلة الأمد. كما شددت على أهمية إشراك السوريين أنفسهم في التخطيط والتنفيذ، والاستفادة من طاقاتهم البشرية والمهنية، سواء داخل البلاد أو في دول المهجر، مؤكدًا أن الرهان الأكبر في أي عملية تعافٍ هو على الإنسان السوري وإرادته، دون أن يُعفي ذلك المجتمع الدولي من مسؤولياته الأخلاقية والمادية في تقديم الدعم والمساندة. وأكد غوشة أن الدور الأردني في الإعمار لا يقتصر على البُعد الرمزي أو التضامني، بل يتعداه إلى الإمكانات الفعلية، حيث يضم الأردن أكثر من 200 ألف مهندس في مختلف التخصصات، وما يزيد عن 1400 مكتب هندسي، إضافة إلى أكثر من 3000 شركة مقاولات مصنفة ومؤهلة. وأوضح أن هذا الرصيد يشكل فرصة حقيقية لتصدير الكفاءات والخبرة الأردنية إلى السوق السوري، خاصة في قطاعات حيوية كالبناء، والطاقة، والمياه، والنقل، وتقييم وتأهيل المباني المتضررة، وتكنولوجيا المعلومات، وإدارة المشاريع والحوكمة. واعتبر غوشة أن فتح المعابر الحدودية، وتشغيل خطوط النقل، وتفعيل مجلس التنسيق الأعلى الأردني السوري، كلها مؤشرات إيجابية على وجود إرادة سياسية حقيقية لدفع عجلة التعاون، إلا أن ذلك بحاجة إلى تحرك مؤسسي أكثر تنظيمًا واستباقًا، يُحصّن الدور الأردني في مواجهة المنافسة الإقليمية والدولية التي تشتد يومًا بعد يوم، من دول تتمتع بامتيازات سياسية وتمويلية في المشهد السوري. وفيما يتعلق بالتحديات، أشار نقيب المهندسين إلى أن الدراسة رصدت جملة من المعوقات التي قد تعرقل انخراط الأردن في الإعمار السوري، منها استمرار العقوبات الدولية المفروضة على دمشق، وغياب بيئة تشريعية واضحة تحكم الاستثمار وإعادة الملكية، فضلاً عن غياب قاعدة بيانات دقيقة حول الأضرار، وتضارب المصالح الدولية والإقليمية داخل سوريا. كما لفت إلى ضعف التنسيق بين الجهات المانحة، وغياب الشفافية، وارتفاع منسوب البيروقراطية، وهي عوامل تؤثر سلبًا في بيئة الاستثمار وإعادة البناء. ورغم ذلك، يرى غوشة أن هذه التحديات ليست عوائق حتمية، بل تستدعي جهدًا دبلوماسيًا ومهنيًا مكثفًا من الجهات الرسمية والنقابية الأردنية، لصياغة آلية مرنة للتعامل مع الجانب السوري، وتوقيع اتفاقيات تعاون واضحة، تضمن دخول الشركات والمكاتب الأردنية إلى السوق السورية دون تعقيدات، وبما يحفظ الحقوق ويشجع المستثمرين. كما دعا إلى تقديم حوافز ضريبية وتشريعية لجذب رؤوس الأموال السورية المستثمرة في الخارج، واستثمارها في الداخل، باعتبارها موردًا محليًا محتملًا يمكن أن يسهم في تقليص فجوة التمويل الهائلة التي تُقدر بما لا يقل عن 800 مليار دولار. وأوضح نقيب المهندسين أن قطاع الطاقة يشكل أحد أبرز الفرص المتاحة للأردن، نظرًا لوجود فائض في إنتاج الكهرباء يمكن تصديره إلى الأراضي السورية القريبة من الحدود، بكلف منخفضة نسبيًا وباستمرارية مضمونة، مما يعزز من مكانة الأردن كمزود طاقة إقليمي، ويتيح للشركات الوطنية موطئ قدم ثابت في السوق السوري. كما أشار إلى إمكانية تقديم خدمات لوجستية وهندسية واستشارية من خلال المكاتب الأردنية العاملة في مجال التصميم والإشراف، مما يفتح آفاقًا واسعة لشراكات مستقبلية مع مؤسسات دولية مانحة. وحذر غوشة من خطورة تجاهل البعد المهني والتنظيمي في مقاربة ملف الإعمار، مشيرًا إلى أن غياب الرؤية المتكاملة والتخطيط المحكم قد يؤدي إلى هدر الموارد دون تحقيق نتائج ملموسة، كما حصل في تجارب سابقة. وقال إن على الجهات الأردنية أن تستفيد من الأخطاء التي ارتُكبت في إعادة إعمار العراق، حين حالت البيئة غير المستقرة وغياب العمل المؤسسي دون تحقيق مشاركة فاعلة للمهندس والمقاول الأردني. وختم المهندس عبدالله غوشة بالتأكيد على أن إعادة إعمار سوريا ليست عملية فنية فقط، بل مشروع حضاري يعيد بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، ويعيد صياغة المستقبل على أسس من العدالة والحوكمة والتنمية. ودعا إلى اعتبار هذه المرحلة فرصة استثنائية للأردن لتوسيع نفوذه الإقليمي، وتعزيز أمنه الاقتصادي من بوابة الهندسة والبناء، مجددًا التزام نقابة المهندسين الأردنيين بالقيام بدورها كاملاً في تقديم حلول مهنية، قائمة على المعرفة والخبرة، لخدمة سوريا والمنطقة بأسرها. تابعو الأردن 24 على

غوشة: 200 ألف مهندس في الأردن
غوشة: 200 ألف مهندس في الأردن

خبرني

timeمنذ 8 ساعات

  • خبرني

غوشة: 200 ألف مهندس في الأردن

خبرني - قال نقيب المهندسين الأردنيين عبدالله غوشة، إن الأردن يضم أكثر من 200 ألف مهندس في مختلف التخصصات، وما يزيد عن 1400 مكتب هندسي، إضافة إلى أكثر من 3000 شركة مقاولات مصنفة ومؤهلة. وأكد غوشة، أن إعادة إعمار سوريا لم تعد مجرد ملف هندسي أو تقني، بل باتت استحقاقًا إنسانيًا وتاريخيًا يتطلب تضافر الجهود العربية والدولية، ضمن رؤية تنموية شاملة تُراعي الواقع المعقد الذي خلّفته الحرب السورية الممتدة منذ أكثر من عقد. وفي دراسة موسعة أطلقتها نقابة المهندسين بعنوان "دور القطاع الهندسي الأردني في إعادة إعمار سوريا: الإمكانيات، التحديات، والفرص المستقبلية". وشدد غوشة على أن الأردن، بما يمتلكه من موقع جغرافي استراتيجي، وكوادر هندسية مؤهلة، وبنية مؤسسية مهنية متقدمة، قادر على لعب دور محوري في هذه العملية، لا سيما أن هذه الدراسة هي الثانية من نوعها؛ فقد أعدت نقابة المهندسين الأردنيين سابقاً دراسة لإعادة إعمار قطاع غزة وأولويات الإغاثة فيها بعد الحرب على القطاع التي امدت منذ عامين وحتى اليوم. وشملت الدراستين تقاطعات بين التخطيط الهندسي الفني والبعد الإنساني والاجتماعي والثقافي والحقوقي على حد سواء، لإيمان النقابة بأن عمليات إعادة الإعمار لا تقتصر على مشاريع منشآت حيوية فحسب بل على تقديرات تتعلق بترك بصمة تنموية مستدامة في المناطق المنكوبة والمتضررة جراء الحروب والنزاعات، وأوضح غوشة أن النقابة، بصفتها بيت خبرة ومرجعية هندسية وطنية، أعدّت هذه الدراسة انطلاقًا من إدراكها لخطورة المرحلة ودقتها، واستشعارًا لأهمية الانخراط الأردني الفاعل في إعادة بناء سوريا، ليس فقط من منطلق الجوار الجغرافي والروابط الاجتماعية والتاريخية، وإنما أيضًا من باب الالتزام المهني تجاه شعب عربي شقيق، عانى من دمار هائل طال كل مناحي الحياة، من بنية تحتية وخدمات عامة واقتصاد ومؤسسات وإنتاج. وبيّن نقيب المهندسين أن الدراسة انطلقت من قاعدة معرفية ومهنية متينة، وجرى إعدادها عبر فريق متخصص من المهندسين والخبراء، واستندت إلى مراجعة الأدبيات الدولية والدراسات المقارنة لتجارب إعادة الإعمار في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، ورواندا بعد الإبادة الجماعية، والبوسنة بعد اتفاق دايتون، والعراق بعد عام 2003. وقد استفادت الدراسة من هذه النماذج في صياغة رؤية قابلة للتطبيق في السياق السوري، مع مراعاة الخصوصية السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلاد. وأشار غوشة إلى أن الدراسة خلصت إلى ضرورة وجود خارطة طريق وطنية شاملة لإعادة الإعمار في سوريا تمتد لعقدين، تبدأ بمرحلة الإغاثة الطارئة، مرورًا بالتعافي المبكر، وانتهاءً بمرحلة التنمية الشاملة طويلة الأمد. كما شددت على أهمية إشراك السوريين أنفسهم في التخطيط والتنفيذ، والاستفادة من طاقاتهم البشرية والمهنية، سواء داخل البلاد أو في دول المهجر، مؤكدًا أن الرهان الأكبر في أي عملية تعافٍ هو على الإنسان السوري وإرادته، دون أن يُعفي ذلك المجتمع الدولي من مسؤولياته الأخلاقية والمادية في تقديم الدعم والمساندة. وأكد غوشة أن الدور الأردني في الإعمار لا يقتصر على البُعد الرمزي أو التضامني، بل يتعداه إلى الإمكانات الفعلية، حيث يضم الأردن أكثر من 200 ألف مهندس في مختلف التخصصات، وما يزيد عن 1400 مكتب هندسي، إضافة إلى أكثر من 3000 شركة مقاولات مصنفة ومؤهلة. وأوضح أن هذا الرصيد يشكل فرصة حقيقية لتصدير الكفاءات والخبرة الأردنية إلى السوق السوري، خاصة في قطاعات حيوية كالبناء، والطاقة، والمياه، والنقل، وتقييم وتأهيل المباني المتضررة، وتكنولوجيا المعلومات، وإدارة المشاريع والحوكمة. واعتبر غوشة أن فتح المعابر الحدودية، وتشغيل خطوط النقل، وتفعيل مجلس التنسيق الأعلى الأردني السوري، كلها مؤشرات إيجابية على وجود إرادة سياسية حقيقية لدفع عجلة التعاون، إلا أن ذلك بحاجة إلى تحرك مؤسسي أكثر تنظيمًا واستباقًا، يُحصّن الدور الأردني في مواجهة المنافسة الإقليمية والدولية التي تشتد يومًا بعد يوم، من دول تتمتع بامتيازات سياسية وتمويلية في المشهد السوري. وفيما يتعلق بالتحديات، أشار نقيب المهندسين إلى أن الدراسة رصدت جملة من المعوقات التي قد تعرقل انخراط الأردن في الإعمار السوري، منها استمرار العقوبات الدولية المفروضة على دمشق، وغياب بيئة تشريعية واضحة تحكم الاستثمار وإعادة الملكية، فضلاً عن غياب قاعدة بيانات دقيقة حول الأضرار، وتضارب المصالح الدولية والإقليمية داخل سوريا. كما لفت إلى ضعف التنسيق بين الجهات المانحة، وغياب الشفافية، وارتفاع منسوب البيروقراطية، وهي عوامل تؤثر سلبًا في بيئة الاستثمار وإعادة البناء. ورغم ذلك، يرى غوشة أن هذه التحديات ليست عوائق حتمية، بل تستدعي جهدًا دبلوماسيًا ومهنيًا مكثفًا من الجهات الرسمية والنقابية الأردنية، لصياغة آلية مرنة للتعامل مع الجانب السوري، وتوقيع اتفاقيات تعاون واضحة، تضمن دخول الشركات والمكاتب الأردنية إلى السوق السورية دون تعقيدات، وبما يحفظ الحقوق ويشجع المستثمرين. كما دعا إلى تقديم حوافز ضريبية وتشريعية لجذب رؤوس الأموال السورية المستثمرة في الخارج، واستثمارها في الداخل، باعتبارها موردًا محليًا محتملًا يمكن أن يسهم في تقليص فجوة التمويل الهائلة التي تُقدر بما لا يقل عن 800 مليار دولار. وأوضح نقيب المهندسين أن قطاع الطاقة يشكل أحد أبرز الفرص المتاحة للأردن، نظرًا لوجود فائض في إنتاج الكهرباء يمكن تصديره إلى الأراضي السورية القريبة من الحدود، بكلف منخفضة نسبيًا وباستمرارية مضمونة، ما يعزز من مكانة الأردن كمزود طاقة إقليمي، ويتيح للشركات الوطنية موطئ قدم ثابت في السوق السوري. كما أشار إلى إمكانية تقديم خدمات لوجستية وهندسية واستشارية من خلال المكاتب الأردنية العاملة في مجال التصميم والإشراف، ما يفتح آفاقًا واسعة لشراكات مستقبلية مع مؤسسات دولية مانحة. وحذر غوشة من خطورة تجاهل البعد المهني والتنظيمي في مقاربة ملف الإعمار، مشيرًا إلى أن غياب الرؤية المتكاملة والتخطيط المحكم قد يؤدي إلى هدر الموارد دون تحقيق نتائج ملموسة، كما حصل في تجارب سابقة. وقال إن على الجهات الأردنية أن تستفيد من الأخطاء التي ارتُكبت في إعادة إعمار العراق، حين حالت البيئة غير المستقرة وغياب العمل المؤسسي دون تحقيق مشاركة فاعلة للمهندس والمقاول الأردني. وختم المهندس عبدالله غوشة بالتأكيد على أن إعادة إعمار سوريا ليست عملية فنية فقط، بل مشروع حضاري يعيد بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، ويعيد صياغة المستقبل على أسس من العدالة والحوكمة والتنمية. ودعا إلى اعتبار هذه المرحلة فرصة استثنائية للأردن لتوسيع نفوذه الإقليمي، وتعزيز أمنه الاقتصادي من بوابة الهندسة والبناء، مجددًا التزام نقابة المهندسين الأردنيين بالقيام بدورها كاملاً في تقديم حلول مهنية، قائمة على المعرفة والخبرة، لخدمة سوريا والمنطقة بأسرها.

العرب شرق المتوسط وصياغة تحالف جديد
العرب شرق المتوسط وصياغة تحالف جديد

عمون

timeمنذ يوم واحد

  • عمون

العرب شرق المتوسط وصياغة تحالف جديد

المنطقة تتغير، قوى تضمحل وأذرع تُبتر وأنظمة تسقط وأخرى تستعيد دولتها المفقودة، كل ذلك وما يجري في المطبخ الدولي الفاعل في المنطقة وعلى رأسه إسرائيل لم ينضج بعد بصورته النهائية، لكن من الواضح أن المنطقة الشرق متوسطية تدخل مزاج المناخ المداري، سلسلة من العواصف المدمرة تفصل بينها لحظات هدوء حذر يعد للجولة التالية. التصريحات واضحة لا لبس فيها ولا مواربة دبلوماسية، والأهداف معلنة والخطط مصرح بها، وهي بناء شرق أوسط جديد، وليس كل جديد جيد ومفيد، لأن ما يُفرض بالمؤامرات والحروب والقوة الغاشمة لن يكون أبدا في مصلحة المهزوم والخاسر، وبالتالي فإن القادم الذي ظهرت كثير من بوادره وعلاماته الكبرى، يضع المنطقة أمام تحدٍ جديد، فالتحديات لم تنقطع عن هذا الشرق في يوم من أيام القرن الماضي والحالي. العرب خاصة في شرق المتوسط (مصر وبلاد الشام والعراق ودول مجلس التعاون الخليجي) يعون تماما ما يجري وما يُحاك للمنطقة، ويدركون أن ليس مجمل ما يحدث هو في الصالح العربي العام، وتكشف جهودهم الدبلوماسية وحركة القادة هذا الإدراك والفهم لارتدادات هذه الخطط التي تمثل إسرائيل وإيران المطرقة والسندان فيها، لكن هذا لن يكون ناجعا وقادرا على خلق حالة توازن حقيقية مؤثرة، إن لم توضع في بوتقة إطار عربي إقليمي فتي، وعلى أسس جديدة وأكثر حيوية وأسرع مردودا. فعلينا أن نعترف أن جامعة الدولة العربية مؤسسة هرمة ومتهالكة القوى، وتُذكر بحال عصبة الأمم قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية، وإذا وصلنا إلى لحظة إدارك أن جامعة الدول العربية بشكلها الحالي وما وصلت إليه من ضعف منظمة غير قابلة للإصلاح على الأقل على المدى القصير والمتوسط، وبالتالي فإن المطلوب منها في ظل هذه التغييرات الجذرية يبدو غير منطقي أو لن يكون له مردود عملي مؤثر. إذن فإن المنطق يقود أن العرب شرق المتوسط بحاجة ماسة لبناء مؤسسة جامعة جديدة، ببُنية وآليات جديدة تتناسب مع إفرازات هذا العصر وتغيراته، وتكون أسرع استجابة وأكثر انسجاما، والأقدر بالتالي على مجابهة خطط تغيير الشرق الأوسط الكبير، أو على الأقل نكون شركاء في هذا التغيير بما يخدم مصالح دُولنا وشعوبنا وقضايانا الاستراتيجية، ولتكن هذه المؤسسة أو المنظمة (اتحاد، تجمع، مجلس، رابطة...) تحت مظلة جامعة الدول العربية وليست إنقلابا عليها، فلا يمكن أن يبقى الحال على ما هو عليه ونحن نرقب ما يجري حولنا، وعلينا دون أن نكون فاعلين فيه بدرجة توازي الحجم الحقيقي للدول العربية وقدرتها الكامنة في إحداث تغيير كبير يصب في مصلحة العرب والمنطقة بطبيعة الحال. نعم لا يبدو الأمر بهذه البساطة، مازالت آثار الحقب الماضية وحضور الطائفيات والإثنيات والأقليات والولاءات تتصارع في عدد من البؤر المهمة، وبالتالي لابد أن يدفع الوعي بما يجري وسيجري إلى أن تُعيد هذه الدول صياغة عقدها الاجتماعي والسياسي، وصهر جميع مكونات الدولة في بوتقة من العدالة والتوزيع العادل للتنمية وتشارك السلطة، ممهدة الطرق بذلك لبناء تحالف عربي شرق متوسطي، يُعظّم القواسم المشتركة، ويُلغي حالة التوتر البينيّة إن وجدت، ويصهر قوى هذه الدول في الموارد الطبيعية والحضور والتأثير السياسي وحتى العسكري في بوتقة المصلحة العربية الواحدة، وهذا بالتأكيد يستوجب أن تكون بوصلة العرب نحو العرب، فلا ولاءات ولا إنتماءات خارج المنظومة العربية المرتجاة، وبناء علاقات ناجحة مع دول الشرق الأوسط الكبير تخدم العرب ولا تُسهم في فرقتهم، ففي ظل كل هذا الذي يحدث ملء السمع والبصر لم يعد للأحادية أو حتى التنسيقات الثنائية أن تكون فاعلة وذات أثر حقيقي، فالحدث كبير ويستوجب صياغة تحالف بمواصفات جديدة وفعالة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store