logo
"محرم".. اقتصاد مصغر في كربلاء ينشّط حركة العمل (صور)

"محرم".. اقتصاد مصغر في كربلاء ينشّط حركة العمل (صور)

شفق نيوزمنذ 5 ساعات

شفق نيوز - كربلاء/ تحليل خاص
في قلب كربلاء القديمة، حيث تصدح أصوات المواكب وتفوح روائح الطعام، يقف أبو علي (52 عاماً)، صاحب متجر لبيع المواد الغذائية، وهو يتابع حركة الزبائن المتدفقة مع حلول شهر محرم، قائلاً إن "هذا الشهر غير باقي الشهور، الطلب فيه يتضاعف 3 أو 4 مرات لأن المواكب تحتاج للمواد الغذائية بشكل مستمر، وكذلك البيوت التي تشتري مواد أكثر عن بقية السنة لخدمة الزائرين.
ويشكل شهر محرم فرصة كبيرة لتنشيط الحركة الاقتصادية في مدينة كربلاء وزيادة فرص العمل للشباب، نتيجة الزيادة الكبيرة في أعداد الزوار القادمين إلى المحافظة، خاصة خلال مراسم عاشوراء والأربعينية.
وتؤدي هذه الزيارات المكثفة إلى تنشيط القطاع السياحي في المدينة، مما يزيد من الطلب على الخدمات السياحية مثل الفنادق والمطاعم وغيرها، ما يوفر فرص العمل للشباب في مختلف القطاعات، خاصة في مجال الخدمات السياحية والتجارية، وبالتالي تشكل فرصة لتعزيز الاقتصاد المحلي في المدينة.
عمل لا يهدأ
ويوضح أبو علي الذي يبيع في متجره مختلف أنواع المواد الغذائية: الرز، العدس، الحمص، الزيت، السكر، الشاي، المعكرونة، والمعلبات، أن "أصحاب المواكب يأتون يومياً تقريباً لشراء كميات كبيرة لإعداد الطعام للزوار"، ويقول لوكالة شفق نيوز، ان "هناك مواكبا تشتري 100 كيلوغرام عدس، أو 200 كيلوغرام تمن، أو علب زيت بكميات كبيرة، الشغل لا يهدأ".
هذا الإقبال الكبير يدفع أبو علي إلى تشغيل عدد أكبر من العمال خلال محرم، أغلبهم من الشباب العاطلين عن العمل، يضفً "أقوم بتوظيف 5 أو 6 شباب للمساعدة بنقل البضائع، ترتيب الرفوف، التعبئة والتحميل، وبالتالي يكون محرم سبباً لتشغيل العاطلين عن العمل".
ويزيد بالقول: "في غير محرم لا أستطيع تشغيل هؤلاء الشباب، لأن الشغل في الأيام العادية قليل، لكن في محرم الإقبال واسع".
ويحلم أبو علي أن تمتد مثل هذه المواسم الاقتصادية طيلة العام، ليتمكن من التوسع وفتح فرصة عمل دائمة لهؤلاء الشباب، لكنه في الوقت نفسه ممتن لهذه الأيام التي تجعل محله مصدر رزق له ولغيره.
فرصة كل عام
ويمثل حلول شهر محرم فرصة عمل لحسين (33 عاماً) من مدينة السماوة مركز محافظة المثنى، إذ يقصد في كل سنة كربلاء مع بدء الشهر تاركاً مدينته الجنوبية بحثاً عن فرصة عمل مؤقتة في كربلاء التي تعج بالزوار.
يقول حسين لوكالة شفق نيوز، وهو ينظم بضاعته من الملابس السوداء، التي يعرضها على بسطة صغيرة قرب أحد المواكب، إنه لا يملك أي مصدر دخل ثابت في السماوة، حيث يعاني أغلب أهالي المدينة من قلة فرص العمل وغياب المشاريع الاستثمارية.
ويضيف حسين، "ليس هناك مصانع ولا معامل في السماوة، حتى الأجور اليومية ليس من السهل الحصول عليها"، لذلك دأب حسين منذ أكثر من عشر سنوات، على التوجه إلى كربلاء في مواسم الزيارات، خاصة في شهري محرم وصفر.
يستأجر غرفة بسيطة مع مجموعة من العمال القادمين من مدن أخرى، ويبدأ عمله منذ الصباح حتى منتصف الليل، يبيع الملابس الخاصة بالمناسبة، مثل القمصان والسراويل السوداء والأوشحة، محاولاً جمع مبلغ يعين أسرته المكونة من خمسة أفراد طيلة الأشهر التالية.
يقول حسين، "العمل ليس عيباً، حتى لو كان على بسطة، الاهم توفير لقمة حلال لعائلتي"، ويحلم هذا العامل أن تتحسن الأوضاع في مدينته، لكي لا يضطر إلى ترك بيته كل عام بحثاً عن رزقه في مدن أخرى".
ورغم مشقة الغربة وصعوبة العمل لساعات طويلة في حرّ الصيف أو برد الشتاء، يرى حسين في كربلاء ملاذاً مؤقتاً، وفرصة يقتنصها ما دام السوق مفتوحاً، وهو يأمل أن تنتهي معاناته يوماً بوجود فرص عمل مستقرة في السماوة، قائلاً: "نأمل أن يأتي اليوم الذي تبقى فيه الناس بمدنها بوجود فرص عمل فيها".
خطط استراتيجية
من جهته، يشير الخبير الاقتصادي، كريم الحلو، إلى أن "شهري محرم وصفر يحصل فيهما طلب على المواد المتعلقة بالطبخ، ويبدأ الطلب قليلاً في الأيام العشر الأولى ثم يرتفع تدريجياً ليصل إلى الذروة في الأربعينية، حيث يتم توفير الطعام على مسافة عشرات الكيلومترات".
وعن معالجة أزمة البطالة، يوضح الحلو، خلال حديثه للوكالة، أن "هذا يتطلب من الحكومة وضع خطط استراتيجية بإنشاء وتطوير معامل القطاع الخاص، إذ يتخرج في كل عام بحدود 350 ألف شخص، وهذه الأعداد لا يمكن استيعابها في القطاع الحكومي الذي تجاوز الحد العالمي".
ويشرح، أن "الحد العالمي بالتوظيف الحكومي هو 15 بالمئة، والباقي 85 بالمئة في القطاع الخاص، لكن في العراق وصل إلى 35 بالمئة موظفين عند الحكومة، وبالباقي الـ65 بالمئة قطاع خاص، وبالتالي ثلثي الموازنة العامة تصرف على الرواتب".
وينوّه إلى أن "فرص العمل تعتمد على ثلاث خطوات، الأولى فتح الباب لإقامة المشاريع، والثانية توفير كادر متمرن لها بفتح مراكز التعليم المهني في كل المحافظات كما في الدول الأوروبية".
أما الخطوة الثالثة، فهي بحسب الحلو، "تتعلق بإطلاق المؤسسات المالية، القروض لإقامة المشاريع الصناعية والخدمية وتطوير المشاريع القديمة والاستفادة من القروض السيادية التي توفرها الدول الغربية في سبيل إقامة مشاريع صناعية داخل البلاد".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"محرم".. اقتصاد مصغر في كربلاء ينشّط حركة العمل (صور)
"محرم".. اقتصاد مصغر في كربلاء ينشّط حركة العمل (صور)

شفق نيوز

timeمنذ 5 ساعات

  • شفق نيوز

"محرم".. اقتصاد مصغر في كربلاء ينشّط حركة العمل (صور)

شفق نيوز - كربلاء/ تحليل خاص في قلب كربلاء القديمة، حيث تصدح أصوات المواكب وتفوح روائح الطعام، يقف أبو علي (52 عاماً)، صاحب متجر لبيع المواد الغذائية، وهو يتابع حركة الزبائن المتدفقة مع حلول شهر محرم، قائلاً إن "هذا الشهر غير باقي الشهور، الطلب فيه يتضاعف 3 أو 4 مرات لأن المواكب تحتاج للمواد الغذائية بشكل مستمر، وكذلك البيوت التي تشتري مواد أكثر عن بقية السنة لخدمة الزائرين. ويشكل شهر محرم فرصة كبيرة لتنشيط الحركة الاقتصادية في مدينة كربلاء وزيادة فرص العمل للشباب، نتيجة الزيادة الكبيرة في أعداد الزوار القادمين إلى المحافظة، خاصة خلال مراسم عاشوراء والأربعينية. وتؤدي هذه الزيارات المكثفة إلى تنشيط القطاع السياحي في المدينة، مما يزيد من الطلب على الخدمات السياحية مثل الفنادق والمطاعم وغيرها، ما يوفر فرص العمل للشباب في مختلف القطاعات، خاصة في مجال الخدمات السياحية والتجارية، وبالتالي تشكل فرصة لتعزيز الاقتصاد المحلي في المدينة. عمل لا يهدأ ويوضح أبو علي الذي يبيع في متجره مختلف أنواع المواد الغذائية: الرز، العدس، الحمص، الزيت، السكر، الشاي، المعكرونة، والمعلبات، أن "أصحاب المواكب يأتون يومياً تقريباً لشراء كميات كبيرة لإعداد الطعام للزوار"، ويقول لوكالة شفق نيوز، ان "هناك مواكبا تشتري 100 كيلوغرام عدس، أو 200 كيلوغرام تمن، أو علب زيت بكميات كبيرة، الشغل لا يهدأ". هذا الإقبال الكبير يدفع أبو علي إلى تشغيل عدد أكبر من العمال خلال محرم، أغلبهم من الشباب العاطلين عن العمل، يضفً "أقوم بتوظيف 5 أو 6 شباب للمساعدة بنقل البضائع، ترتيب الرفوف، التعبئة والتحميل، وبالتالي يكون محرم سبباً لتشغيل العاطلين عن العمل". ويزيد بالقول: "في غير محرم لا أستطيع تشغيل هؤلاء الشباب، لأن الشغل في الأيام العادية قليل، لكن في محرم الإقبال واسع". ويحلم أبو علي أن تمتد مثل هذه المواسم الاقتصادية طيلة العام، ليتمكن من التوسع وفتح فرصة عمل دائمة لهؤلاء الشباب، لكنه في الوقت نفسه ممتن لهذه الأيام التي تجعل محله مصدر رزق له ولغيره. فرصة كل عام ويمثل حلول شهر محرم فرصة عمل لحسين (33 عاماً) من مدينة السماوة مركز محافظة المثنى، إذ يقصد في كل سنة كربلاء مع بدء الشهر تاركاً مدينته الجنوبية بحثاً عن فرصة عمل مؤقتة في كربلاء التي تعج بالزوار. يقول حسين لوكالة شفق نيوز، وهو ينظم بضاعته من الملابس السوداء، التي يعرضها على بسطة صغيرة قرب أحد المواكب، إنه لا يملك أي مصدر دخل ثابت في السماوة، حيث يعاني أغلب أهالي المدينة من قلة فرص العمل وغياب المشاريع الاستثمارية. ويضيف حسين، "ليس هناك مصانع ولا معامل في السماوة، حتى الأجور اليومية ليس من السهل الحصول عليها"، لذلك دأب حسين منذ أكثر من عشر سنوات، على التوجه إلى كربلاء في مواسم الزيارات، خاصة في شهري محرم وصفر. يستأجر غرفة بسيطة مع مجموعة من العمال القادمين من مدن أخرى، ويبدأ عمله منذ الصباح حتى منتصف الليل، يبيع الملابس الخاصة بالمناسبة، مثل القمصان والسراويل السوداء والأوشحة، محاولاً جمع مبلغ يعين أسرته المكونة من خمسة أفراد طيلة الأشهر التالية. يقول حسين، "العمل ليس عيباً، حتى لو كان على بسطة، الاهم توفير لقمة حلال لعائلتي"، ويحلم هذا العامل أن تتحسن الأوضاع في مدينته، لكي لا يضطر إلى ترك بيته كل عام بحثاً عن رزقه في مدن أخرى". ورغم مشقة الغربة وصعوبة العمل لساعات طويلة في حرّ الصيف أو برد الشتاء، يرى حسين في كربلاء ملاذاً مؤقتاً، وفرصة يقتنصها ما دام السوق مفتوحاً، وهو يأمل أن تنتهي معاناته يوماً بوجود فرص عمل مستقرة في السماوة، قائلاً: "نأمل أن يأتي اليوم الذي تبقى فيه الناس بمدنها بوجود فرص عمل فيها". خطط استراتيجية من جهته، يشير الخبير الاقتصادي، كريم الحلو، إلى أن "شهري محرم وصفر يحصل فيهما طلب على المواد المتعلقة بالطبخ، ويبدأ الطلب قليلاً في الأيام العشر الأولى ثم يرتفع تدريجياً ليصل إلى الذروة في الأربعينية، حيث يتم توفير الطعام على مسافة عشرات الكيلومترات". وعن معالجة أزمة البطالة، يوضح الحلو، خلال حديثه للوكالة، أن "هذا يتطلب من الحكومة وضع خطط استراتيجية بإنشاء وتطوير معامل القطاع الخاص، إذ يتخرج في كل عام بحدود 350 ألف شخص، وهذه الأعداد لا يمكن استيعابها في القطاع الحكومي الذي تجاوز الحد العالمي". ويشرح، أن "الحد العالمي بالتوظيف الحكومي هو 15 بالمئة، والباقي 85 بالمئة في القطاع الخاص، لكن في العراق وصل إلى 35 بالمئة موظفين عند الحكومة، وبالباقي الـ65 بالمئة قطاع خاص، وبالتالي ثلثي الموازنة العامة تصرف على الرواتب". وينوّه إلى أن "فرص العمل تعتمد على ثلاث خطوات، الأولى فتح الباب لإقامة المشاريع، والثانية توفير كادر متمرن لها بفتح مراكز التعليم المهني في كل المحافظات كما في الدول الأوروبية". أما الخطوة الثالثة، فهي بحسب الحلو، "تتعلق بإطلاق المؤسسات المالية، القروض لإقامة المشاريع الصناعية والخدمية وتطوير المشاريع القديمة والاستفادة من القروض السيادية التي توفرها الدول الغربية في سبيل إقامة مشاريع صناعية داخل البلاد".

آخرها 160 مليون دولار.. الكشف عن حراك لاسترداد الأموال والعقارات العراقية
آخرها 160 مليون دولار.. الكشف عن حراك لاسترداد الأموال والعقارات العراقية

شفق نيوز

timeمنذ يوم واحد

  • شفق نيوز

آخرها 160 مليون دولار.. الكشف عن حراك لاسترداد الأموال والعقارات العراقية

شفق نيوز – بغداد كشف مصدر حكومي، يوم الخميس، عن وجود حراك لاسترداد الأموال وعقارات الدولة المستحوذ عليها في الخارج، وخاصة التي بقيت تحت سيطرة بعض المقربين من النظام السابق، فيما كشف عن آخر عملية استرداد. ويقول المصدر لوكالة شفق نيوز، إن "العمل على إعادة أموال العراق المنهوبة من قبل النظام السابق، يجري بوتيرة متسارعة، وبالتنسيق مع وزارة الخارجية لتسهيل عملية استصدار وثائق استرداد الأموال وعقارات الدولة بالطرق القانونية". وأضاف أن "آخر عملية استرداد، كانت لقرابة 160 مليون دولار، من قبل أحد المديرين العامين في جهاز المخابرات السابق، حيث تم استعادة المبلغ على شكل دفعتين، عبر التواصل مع المشار إليه عبر القنوات الرسمية والقانونية، وتم إحاطته بكل التبعات والإجراءات المترتبة عليه جراء سرقته لتلك الأموال التي هي ملك للدولة العراقية". وتابع أن "أغلب الأموال والأصول العقارية في الخارج يسيطر عليها المقربون من النظام السابق، حيث تم استعادة الكثير من العقارات والأموال، ومن المؤمل استرداد عقارات مهمة في أوروبا من قبل أحد المقربين من النظام السابق". وأشار إلى أن "العمل مستمر ومتواصل لإنهاء هذا الملف، بعد إعادة كل العقارات والأموال العراقية إلى الدولة، وفق الكشوفات الرسمية التي توثق خارطة توزيع تلك العقارات، الى جانب سكن عناصر النظام السابق الذين استحوذوا على أموال والعراق قبل تغيير النظام". وبين أنه "بعد استكمال إجراءات الجهات المعنية (صندوق استرداد اموال العراق ووزارة الخارجية) في استرداد عقار أو أموال، يتم إشعار الجهة أو الوزارة المعنية بمتابعة الأمر لاستعادة العقار أو المال سواء كانت وزارة أو مؤسسة اخرى". وكان رئيس مجلس إدارة صندوق استرداد أموال العراق محمد علي اللامي، اكد في وقت سباق، على ضرورة بذل أقصى الجهود، من أجل استرداد أموال العراق المنهوبة في حقبة النظام السابق، وفق قانون صندوق استرداد أموال العراق. وأشار في بيان له، إلى أن، تسريع وزارة الخارجيَّة لإجراءاتها في إرسال الملفَّات خلال المُدد القانونيَّة إلى الجهات المختصَّة يسهم في الإسراع في إنجاز الملفَّات وتكلل الجهود في استرداد أموال العراق.

مستأجرو العقارات التجارية في بغداد يرزحون تحت رحمة "الدولار الإجباري"
مستأجرو العقارات التجارية في بغداد يرزحون تحت رحمة "الدولار الإجباري"

شفق نيوز

timeمنذ 2 أيام

  • شفق نيوز

مستأجرو العقارات التجارية في بغداد يرزحون تحت رحمة "الدولار الإجباري"

شفق نيوز/ ألقى علي كاظم فواز صاحب الـ 53 عاماً نظرة وداعٍ أخيرة على محله الكائن في منطقة بغداد الجديدة، بعدما اضطر لإغلاقه إثر رفع بدل الإيجار إلى 4 آلاف دولار شهرياً، وهو مبلغ يؤكد أنه لا يستطيع تحمّله. وفي حديث لوكالة شفق نيوز، يقول علي، إنه كان يدفع مليوناً ونصف المليون دينار شهرياً، وهو مبلغ كبير بحد ذاته، خاصة إذا أُضيفت إليه أجور العاملين والضرائب، والكهرباء وغير ذلك من النفقات. ومع ذلك، والكلام لصاحب المحل، "كنت أستطيع تأمين دخل بسيط لعائلتي، أما المبلغ الجديد الذي فرضه صاحب العقار، فقد فاق قدرتي على الدفع، خصوصاً مع إصراره على تسديده بالدولار حصراً، رغم محاولات التفاوض وتدخل العديد من أصحاب المحال في المنطقة". وتُظهر حالة علي، جانباً من أزمة متفاقمة تشهدها العاصمة بغداد، تمثلت بارتفاع بدلات إيجار المحال التجارية إلى مستويات غير مسبوقة، وصلت في بعض الحالات إلى آلاف الدولارات، حتى في المناطق ذات الدخل المحدود، الأمر الذي اضطر العديد من المستأجرين إلى إغلاق أعمالهم أو نقلها إلى مناطق أقل كلفة. وبات من الشائع أن يرفض بعض أصحاب العقارات تقاضي الإيجارات بالدينار العراقي مفضلين الدولار، في ظل غياب تشريعات حديثة تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، خصوصاً في العقارات التجارية. قوانين قديمة لا تواكب المتغيرات ما زالت العلاقة التعاقدية بين المؤجرين والمستأجرين تُنظَّم وفق قانون إيجار العقار رقم (87) لسنة 1979، والذي لا يتضمن نصوصاً واضحة تلزم بتسعير الإيجارات بالدينار العراقي، أو تضع سقفاً لبدلات الإيجار، بل يترك الأمر لتقدير الطرفين. وفي هذا الصدد، يقول المستشار القانوني وليد الشبيبي، لوكالة شفق نيوز، إن "قانون الإيجار رقم 87 لسنة 1979 يختص بالعقارات السكنية، أما العقارات المؤجّرة لأغراض تجارية أو صناعية فتخضع لأحكام القانون المدني رقم 40 لسنة 1951، وكلاهما يهدفان لحماية المستأجر، لكن التطبيق العملي يترك المستأجر تحت رحمة السوق". ويتابع حديثه قائلاً: "في السابق، كانت العقارات السكنية والتجارية تخضع لقانون رقم 78 لسنة 1979، الذي كان يمنح حماية أوسع للمستأجرين، أما الآن فلا توجد ضوابط قانونية واضحة لتحديد بدلات الإيجار، ما يدفع بعض المستأجرين إلى توقيع عقود طويلة الأمد تصل إلى 15 سنة أو أكثر، هرباً من تقلبات الأسعار". ويضيف الشبيبي، أنه "بإمكان صاحب العقار تقديم طلب لتقييم الإيجار من قبل هيئة الضرائب إذا شعر بالغبن بسبب العقد الطويل، على أن لا يتجاوز التقييم نسبة معينة من بدل الإيجار السابق". ورغم هذه الفجوات القانونية، يرى الشبيبي، أنه "لا حاجة حالياً لتشريع قانون جديد، بل يجب أن تتدخل الدولة لدعم الفئات الهشّة من خلال بناء مجمعات تجارية وصناعية وتأجيرها بأسعار مناسبة"، مبيناً أن "الحل يكمن في دخول الدولة كمستثمر، لأن الدستور لا يسمح بالتدخل في الملكية الخاصة أو فرض شروط عليها، وهو ما يمنع الدولة من وضع ضوابط مباشرة على الإيجارات". الدولار يطيح بالمشاريع الصغيرة وتتكرر قصص المستأجرين في بغداد، من المنصور إلى الكرادة واليرموك وشارع الربيعي، حيث ارتفعت الإيجارات بشكل كبير، وبدأت تُسعَّر بالدولار، ما دفع العديد من أصحاب المحال والمطاعم إلى الإغلاق أو الانتقال. ويقول كاظم حسن زامل صاحب الـ 45 عاماً، للوكالة إنه "استأجرت مطعماً شعبياً في الكرادة قبل ثلاث سنوات بمبلغ مليون ونصف المليون شهرياً، لكنني فوجئت قبل شهرين بزيادة الإيجار إلى 3 آلاف دولار، لم أتمكن من الدفع فاضطررت لإغلاق المطعم والبحث عن مكان آخر". ويشير إلى أنه بعد انتهاء العقد عرض عليه المالك تجديد الإيجار بالمبلغ الجديد أو المغادرة، فاختار الخيار الثاني، لأنه لا توجد جهة قانونية تحميه من هذا الاستغلال. وفي مناطق أخرى مثل أبو دشير بمنطقة الدورة، تواجه صاحبة محل الخياطة فاطمة حسن تحديات مماثلة، فقد استأجرت محلاً صغيراً بمبلغ 200 ألف دينار، ثم ارتفع الإيجار تدريجياً حتى وصل إلى 500 ألف دينار شهرياً، ما اضطرها إلى إغلاقه، على حد قولها. وتضيف حسن، أنه "لم أجد محلاً ببدل مناسب، فقررت استقبال زبوناتي في منزلي، وعلّقت لافتة على الجدار لهذا الغرض". لا وجود للحماية تحت غطاء قانوني مبني على مبدأ "العقد شريعة المتعاقدين"، يواصل بعض أصحاب العقارات فرض بدلات إيجار مرتفعة، ما يضع المستأجرين في موقف ضعيف قانونياً. وفي ظل غياب قوانين تحدد سقفاً لبدلات الإيجار أو تمنع تسعيرها بالدولار، يضطر العديد من العراقيين إلى الرضوخ لأصحاب الأملاك. ويُعلّق الخبير الاقتصادي والمالي حيدر جودي على هذه الظاهرة بالقول إن "أصحاب العقارات يفضلون الدولار لحماية قيمة ممتلكاتهم في ظل عدم استقرار الدينار العراقي، ولا يوجد ما يمنعهم قانوناً من ذلك". ويشير جودي، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والموازي تؤثر سلباً على الأنشطة التجارية والمالية"، مؤكداً أنه "لا يمكن تحقيق استقرار اقتصادي دون خطة مالية واضحة تهدف إلى تقليص الفجوة بين السعرين، وتعزيز الثقة بالعملة المحلية". كما يطالب جودي مجلس النواب العراقي بإعادة النظر في قوانين الإيجار التجاري، وإصدار حزمة إصلاحات تشمل تحديد سقف للإيجار ومنع التسعير بالدولار بهدف التقليل من التلاعب بالأسعار. من جهتهم، يبرر أصحاب العقارات ارتفاع الإيجارات بـ "ارتفاع تكاليف امتلاك العقار نفسه". حيث يرى حسين حميد، وهو صاحب عقار في أحد المجمعات التجارية، أن "الإيجارات المرتفعة تعود إلى التزامات مالية ضخمة على المالك". "إذا كان الإيجار الشهري ألف دولار، فأنا مطالب بدفع 400 دولار شهرياً كقسط للبنك أو صندوق الإسكان، فضلاً عن دفعات سنوية تصل إلى 20 ألف دولار للمستثمر، وبالتالي لا أستفيد من العقار إلا بعد سنوات طويلة"، وفقاً لحديث حميد. ويضيف أنه "لا يمكنني تخفيض الإيجار بمعزل عن بقية الملاك في المجمع، لأن ذلك سيضر بمصالحهم، ورغم كل هذا، فإن بدلات الإيجار لا تمثل حتى ربع أو ثلث بالمائة من قيمة العقار، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بأسعار العقارات الحالية". وأدى غياب القوانين الحديثة إلى إطلاق يد أصحاب العقارات في تحديد الأسعار والعملة، دون أي ضوابط قانونية أو مراعاة للظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها العديد من المواطنين. في المقابل، وجد المستأجرون أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مرّ: القبول بشروط مجحفة، أو الإخلاء القسري. ويظهر الواقع الحالي لسوق العقارات التجارية في العراق اختلالاً واضحاً في موازين القوى بين المؤجر والمستأجر، وسط قوانين قديمة لا تواكب التحديات الاقتصادية الراهنة ولا تحاسب المتلاعبين ومستغلين الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وفقاً للمراقبين الاقتصاديين. ومع استمرار تسعير الإيجارات بالدولار وغياب أي حماية قانونية حقيقية، تبقى الفئات الهشّة من أصحاب المشاريع الصغيرة تحت ضغط لا يُحتمل، دون بارقة أمل قريبة في الإصلاح، الأمر الذي يجبر الحكومة العراقية على إيجاد حلول سريعة لهذه الظاهرة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store