logo
الجولة الأولى من الحرب الإسرائيلية الإيرانية: في الدروس الممكن استخلاصها

الجولة الأولى من الحرب الإسرائيلية الإيرانية: في الدروس الممكن استخلاصها

فلسطين اليوممنذ 21 ساعات
فلسطين اليوم
الكاتب: د. باسم القاسم
ما إن وضعت الحرب الإسرائيلية الإيرانية أوزارها، حتى اشتعلت عدة نقاشات وبرزت تساؤلات وملاحظات حول هذه الجولة من الحرب. من المبكر الإحاطة بالنتائج والتداعيات الشاملة لهذه الحرب، لكن نستطيع القول أن هناك العديد من الدورس التي من الممكن استخلاصها، أبرزها:
أولاً: ما زال مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي يقوم على مبدأ "الضربة الاستباقية"، والذي يرتبط بانعدام العمق الاستراتيجي (الجغرافي) لـ"إسرئيل"؛ وقد جاءت الضرب الاستباقية لإيران ضمن مبدأ "الحرب الوقائية"، حيث رأت "إسرائيل" أن طهران باتت على مسافة قريبة من امتلاك قدرة تصنيع القنبلة النووية بعد أن رفعت تخصيب اليورانيوم إلى درجة 60%؛ وبالتالي فإن الحرب مع طهران أصبحت وفق المفهوم الأمني الإسرائيلي حرب "اللاخيار" ضد تهديد وجودي.
ثانياً: سعت "إسرائيل" من خلال هذه المواجهة إلى ترسيخ مبدأ "الردع بالمنع"، وهذا المبدأ يقوم على إفهام الخصم أن ما يقوم به من مراكمة القوة والقدرة العسكرية بهدف استخدامها ضد "الكيان"، لن يجلب له منفعة، وإنما عوائد تزيد في الضرر والخسائر التي ستلحق به، ومن جهة أخرى فإن موقف الردع الإسرائيلي المحدد، قد تمحور حول مفهوم وضع "خطوط حمر" واضحة المعالم، سيؤدي تجاوزها إلى رد فعل عسكري حازم، وهذا المبدأ تحقق من وجهة نظرة إسرائيلية من خلال استخدام القوة وعدم الاكتفاء بالتحويح بها. ووفق العقيدة الأمنية الإسرائيلية، القائم على مبدأ التفوق العسكري لتحقيق الإنتصار العسكري؛ فإن "الجيش القادر على الانتصار تكون لديه قابلية الردع، ولكي يُفلح الردع؛ فإن القوة العسكرية لن تفي وحدها، بل ينبغي أن يلازمها مصداقية استخدامها دون تردد، وفي الوقت الملائم، وبطريقة حاسمة" وفي هذا السياق يشير القائد العسكري والاستراتيجي الإسرائيلي يسرائيل طال إلى أنه "إذا لم يكن الردع كافيا-عليه أن يحسم. لن نضع القدرة على الردع في مقابل القدرة القتالية، بل اعتبرنا الردع والحسم وجهين للعملة نفسها، فالردع ليس قضية تضليل بل هو سند مع تغطية".
من هنا برزت استراتيجية الردع القائمة على استخدام القتال لتدعيم الردع بدلا من استخدام الردع لتفادي القتال، ولكن نجاح هذه الاستراتيجية قائم ومروهون بشرطين؛ الأول، قدرة "إسرائيل" الفعلية، والثاني، تصور أعدائها لتقدرتها هذه.
ثالثاً: حاولت "إسرائيل" تعويض ضعف "العمق الاستراتيجي" الذي تعاني منه بسبب صغر مساحتها الجغرافية، من خلال تدعيم مبدأ الإنذار الاستخباراتي المبكر أي "العمق الاستخباري" عن طريق زرع شبكات تجسس، واستقطاب عملاء لها داخل الأراضي الإيرانية، كان لها الدور الأكبر في إنجاز الضربة الاستباقية الأولى، من خلال رصد مواقع الدفاعات الجوية الإيرانية والقيام باستهدافها بواسطة المسيرات الهجومية؛ ما أحدث حالة من الفوضى والاضطراب داخل منظومة القيادة والسيطرة الإيرانية في بداية الحرب، كما ساعدت القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في المنطقة برصد وتتبع الصواريخ والمسيرات الإيرانية التي استهدفت العمق الإسرائيلي؛ ما أسهم في التصدي لها والحد من فاعلية الهجمات الإيرانية.
رابعاً: كان للحرب السيبرانية والدفاع السيبراني حضوراً وازناً في هذه الحرب؛ حيث شنت "إسرائيل" كما إيران عدة هجمات متبادلة استهدفت الجبهة الداخلية والدفاعات الجوية لدى الطرفين؛ كما كان لافتاً للنظر توظيف الذكاء الصناعي في العمليات العسكرية الإسرائيلية؛ خصوصاً عمليات الاغتيال التي استهدفت قيادات في الحرس الثوري الإيراني وعلماء نوويين إيرانيين.
خامساً: أظهرت هذه الحرب مدى تفوق سلاح الجو الإسرائيلي في ضرب العمق الإيراني، كما أظهرت قدرة الصواريخ الإيرانية الفرط صوتية في تخطيها الدفاعات الجوية الإسرائيلية وضرب العمق الإسرائيلي، بالإضافة إلى تحسن دقة إصابتها للأهداف بشكل ملفت للنظر.
سادساً: بالرغم من التفوق العسكري الإسرائيلي، إلا أن هذه المواجهة رسخت مبدأ الاعتماد الإسرائيلي على الحليف الأمريكي كركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي الإسرائيلي؛ فبدون الدعم الأمريكي ما كان لـ"إسرائيل" أن تقدر على خوض هذه الحرب، كما يصح الأمر نفسه في حالة الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة؛ لكن هنا لا بد أن نشير إلى أن التطور الصناعي الإسرائيلي واستمرار التفوق العسكري في المنطقة مرهونان بعلاقتها مع الإدارات الأمريكية وحجم المساعدات الأمريكية الكبيرة لها، فعلى الرغم من مردوداتها الإيجابية يشكل هذا الأمر في الوقت نفسه، نقطة سلبية داخل القوة العسكرية الإسرائيلية باعتبارها قوة غير مستقرة ذاتياً عن العون الخارجي (قوة مستعارة)، الأمر الذي دفع بعض الاستراتيجيين الإسرائيليين للدعوة إلى التقليل من اعتماد الكيان على الولايات المتحدة، أو تنويع مصادرها العسكرية، لقد تزعم هذا الاتجاه الجنرال يسرائيل طال سابقاً والعديد من الاستراتجيين الإسرائيليين حالياً.
سابعاً: كشفت الحرب أن الخطابات الدبلوماسية، والمفاوضات، والجلسات الأممية، قد لا تعني بالضرورة منهجا إستراتيجيا يتبناه الغرب للاحتواء، بل قد تعني مرحلة تكتيكية تنتظر الظروف المناسبة لشن الهجمات المباغتة. وعلى هذا ينبغي لإيران وقوى المقاومة أن تستعد دائماً للحرب بغض النظر عن الخطاب السياسي الأمريكي والغربي، فالغرب دائماً ما يتحين الفرص لاستعمال الوسائل الخشنة ولا يلجأ للوسائل الناعمة أو الشروع في تسويات إلا إذا تيقن أن الطرف الآخر استعد جيدا للحرب، وهنا يتأكد المنطق الذي يقول "إذا أردت أن تمنع الحرب فعليك أن تستعد لها وتلوّح بالشروع بها".
ثامناً: على ضوء ما سبق (سابعاً)، فعلى إيران والقوى المقاومة أن تعيد قراءة المشهد الاستراتيجي من جديد، فإن عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ اكتوبر 2023، أحدثت فرص تجلت من خلال ضعف الاستعداد الإسرائلي للحروب المباغتة، لم تستطع أن تستغلها باقي قوى محور المقاومة زمنياً، فإن التردد في الانخراط المباشر والوازن (أي الحرب الشاملة المتزامنة)، بغض النظر عن مسألة عدم التنسيق المسبق للعملية، ساعد على الاستفراد الإسرائيلي بقطاع غزة، ثم بحزب الله في لبنان، أتبعها بحرب على إيران. إن الأثمان التي كان من الممكن أن تدفعها هذه الأطراف لو انخرطت بالمعركة منذ البداية من المؤكد أنها ستكون أقل بكثير مما تم دفعه حتى الآن، ومن المرجح أن الحرب لو أخذت طابع الشمولية منذ البداية، فإنها لن تستمر لمدة طويلة بسب عدم قدرة "إسرائيل" على خوض حرب استنزاف طويلة على عدة جبهات؛ فإشغال مقدرات الجيش الإسرائيلي واستهداف الجبهة الداخلية بصورة متزامنة ومكثفة من عدة جبهات واستنزاف قدراته الاقتصادية، لا شك أنه سيضعف قدرة "إسرائيل" على الاستمرار بالحرب، وإن أي تسويات سياسية لا بد أن تراعي شروط محور المقاومة في هذه الحالة.
أخيراً، إن انحسار هذه المواجهة في هذه المرحلة، لا يعني بالضرورة عدم نشوب مواجهات أخرى في المستقبل القريب أو البعيد، فـ"إسرائيل" عازمة على تحديد خطوطها الحمر، ومستمرة على مبدأ الحرب الوقائية والضربة الاستباقية، فالجانب الإسرائيلي سوف يعيد تقييم نتائج هذه المواجهة، وسوف يعمل على سد الثغرات التي تجلت، خصوصاً: قصور منظومة الدفاع الجوي في مواجهة الصواريخ الإيرانية المتطورة، وضعف الجبهة الداخلية في مواجهة حرب استنزاف طويلة، وهو عازم على السير في مخطط بناء شرق أوسط جديد وفق المعايير والمصالح الإسرائيلية.
*مختص بالشأن الإسرائيلي وباحث في "مركز الزيتونة للدراسات"
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الحرب لم تحسم ، ايران واليمن ولبنان ساحات قابلة للإشتعال ، بقلم : راسم عبيدات
الحرب لم تحسم ، ايران واليمن ولبنان ساحات قابلة للإشتعال ، بقلم : راسم عبيدات

شبكة أنباء شفا

timeمنذ 3 ساعات

  • شبكة أنباء شفا

الحرب لم تحسم ، ايران واليمن ولبنان ساحات قابلة للإشتعال ، بقلم : راسم عبيدات

الحرب لم تحسم ، ايران واليمن ولبنان ساحات قابلة للإشتعال ، بقلم : راسم عبيدات اسرائيل وامريكا لم تستطع حسم الحرب بالضربة القاضية ،وان استطاعت ان تحقق انجازات وانتصارات تكتيكية في أكثر من جبهة،ولكن حتى هذه اللحظة،نتنياهو وترامب يواجهون استعصاءات على أكثر من جبهة ،فالحرب العدوانية المشتركة على ايران،رغم انها في الساعات الأولى استطاعات ان تحقق انجازات،في اغتيال العديد من القيادات العسكرية والأمنية والعلماء النوويين الإيرانيين،وأن تبث حالة من الفوضى والإرباك،عبر مجموعة من عملائها تحركت في الداخل الإيراني بالإرتباط مع جماعاتها المرتزقة من ما يعرف بمجاهدي خلق والجماعات المرتبطة بأجهزة المخابرات الأمريكية ' السي اي ايه' والبريطانية ' أم كي 6″ و'الموساد الإٍسرائيلي،وترافق ذلك مع غارات مكثفة على المنشأت النووية الإيرانية،وكذلك البرنامج الصاروخي الإيراني والموانىء الإيرانية،ولكن القيادة الإيرانية امتصت الضربة،مع نهاية الليلة الأولى،وكانت صواريخها بإجيالها المختلفة ،في نوعياتها المختلفة وقدراتها التدميرية والتفجيرية ومداياتها من اجيال قديمة نحو الأحدث ،والتدرج في استخدامها،بما يربك ويستهلك ويستنفذ قدرات المنظومات الدفاعية الجوية من الصواريخ والذخائر الإعتراضية،بطبقاتها ونوعياتها المختلفة بدءاً من 'الثاد' الأمريكي و'سهم 1″ و'سهم 3″ و'مقلاع داود' و'القبب' الحديدية،حيث كانت الصواريخ الإيرانية تشبه المطر في سقوطها على اهداف حيوية واستراتيجية اسرائيلية،شملت قواعد ومطارات جوية وبحرية،'نيفاتيم' و'ستيلا مارس' و'ميرون' ،وموانيء مثل حيفا واسدود ،ومحطات كهرباء وبنى تحتية،ومواقع وقواعد امنية واستخبارية' وحدة التجسس '8200' ،مقر 'الموساد' مقر الإستخبارات العسكرية ' أمان' القرية التكنولوجية ،مراكز بحثية وعلمية وبيولوجية ،واهمها معهد وايزمن،هذه الصواريخ التي لم يعد قدرة لمنظومات الدفاع الجوي على اعتراضها او اسقاطها،احدثت زلزال في الجبهة الداخلية،والتي باتت على حافة الإنهيار،بما استدعى تدخل امريكي عسكري مباشر،لكي تنقذ اسرائيل ،والتي طلبت من امريكا وضغطت عليها من أجل وقف لإطلاق النار،وقف لم ينجح في تحقيق اهداف العدوان والحاق هزيمة قاصمة بإيران،سواء لجهة وقف التخصيب وتدمير المنشات النووية الإيرانية،او لجهة اسقاط النظام وتغيير هوية الدولة الإيرانية. ولذلك رغم تبجح ترامب ونتنياهو وحديثهم عن النصر وتدمير المنشأت النووية الإيرانية،ولكن هذا المأفون ترامب يدعو ايران للعودة للتفاوض مجدداً،وإلا فإنها تواجه ضربة اشد وأقوى من السابق ،ونتنياهو وافغيدور ليبرمان يقولون علينا ،ان نستعد لمواجهة ستكون أكثر شدة وتعقيدا في المستقبل القريب، فالإيرانيون لا يتسامحون ولا ينسون، وخاصة انهم يقومون بتطوير منظوماتهم الصاروخية،ويعملون على تطوير منظوماتهم الجوية الدفاعية . الحرب سقطت كأداة ضغط للتفاوض ،كما سقطت من قبلها العقوبات كاداة ضغط تفاوضية،وايران تقول لن يكون هناك عودة للتفاوض واتفاق جديد بدون استمرار تخصيب اليورانيوم وعلى الأرض الإيرانية،وهي تعلن تعليقها التعاون مع وكالة الطاقة الذرية،لكون رئيسها رفائيل غروسي،كان متواطىء ومتامر لصالح اسرائيل،حيث التلاعب بالتقارير عن عدم امتلاك ايران لبرنامج نووي عسكري،وادعائه بعدم المعرفة إن كان لإيران برنامج نووي عسكري أم لا،في ظل ان المواقع النووية الإيرانية تخضع لعمليات التفتيش من قبل وكالة الطاقة الذرية،هذه المواقف ساهمت في استشهاد العديد من العلماء النووين الإيرانيين،وخلق الذرائع لأمريكا لشن عدوان على منشأتها النووية. أما فيما يتعلق في اليمن ،فهذه الجبهة الإسنادية،التي فتحت في الثامن عشر من تشرين اول /2023 ،وتوقفت فقط،عندما جرى الإتفاق على وقف لإطلاق النار في كانون ثاني/2024،وعندما لم يصمد الإتفاق،عاد اليمن في اذار من نفس العام،للإسناد مجدداً،وما زال مستمراً في ذلك حتى اليوم،ولم تفلح لا الضربات ولا الهجمات الأمريكية ولا الإسرائيلية ولا ما يعرف ب'حارس الإزدهار،في كسر إرادة اليمنيين- انصار الله ،ولا ثنيهم عن الإستمرار في الجبهة الإسنادية،رغم كثافة الغارات الأمريكية،في عهد الرئيس الأمريكي ترامب،وزيادتها بنسبة كبيرة عن ما جرى استخدامه،في عهد الرئيس الأمريكي السابق بايدن،واصرار اليمن على ان يكون شريك في الدم،وتحمل الأعباء والتكاليف والثمن الباهظ للعدوان عليه،رغم ان القصف طال ميناء الحديدة ومطار صنعاء ومحطات كهرباء ومخازن ومحطات وقود واعيان وبنى مدنية،لكن اليمن استمر في حربه الإسنادية من منطلقات عقدية ودينية وجهادية ووطنية وقومية وإنسانية، ولكي يجبر امريكا لاحقاً على ان تطلب من عُمان ان تتوسط عند جماعة انصار من أجل وقف لإستهداف سفنها وبوارجها ومدمراتها في البحر الأحمر وبحر العرب ،مقابل وقف قصفها لليمن،دون ان تحقق أي من اهدافها بإجبار اليمن على رفع حصاره البحري عن السفن التي تحمل البضائع للموانىء الإٍسرائيلية،او التوقف عن قصفها بالصواريخ البالستية والمسيرات الإنقضاضية، ودون ان يشمل الإتفاق ،وقف حرب اليمن الإسنادية لغزة. اسرائيل وأمريكا باتتا تريان في الجبهة اليمنية،جبهة اسناد رئيسية،وبأنها باتت مقررة في البحار والممرات المائية،وهذا يشكل مخاطر جدية على اسعار النفط والغاز وسلاسل توريد الطاقة،ولذلك اسرائيل،ترى ان هناك خطر على تجارتها وسفنها وعلى عمقها من الجبهة اليمنية،ولذلك لا بد من توجيه ضاربة قاصمة لليمن،على غرار الضربة التي وجهت لإيران،بحيث يجري استهداف قياداتها العسكرية والأمنية،ومنظوماتها الصاروخية ومينائها ومطارها،وبناها التحتية والمدنية،ولكن ممكنات النجاح في تحقيق انتصار او تدمير لمقدرات وقدرات اليمن- انصار الله،يبدو صعباً وربما مستحيلاً،فاليمن على مر التاريخ كان عصي على الكسر والإحتلالات،وهناك تماهي ما بين الشعب والقيادة. أما فيما يتعلق في لبنان،فالعدوان عليه واستباحة ارضه واجوائه مستمر ومتواصل واسرائيل بشراكة امريكية ،لم تلتزم بتطبيق اليات وموجبات القرار 1701،ولم تنسحب من الأراضي اللبنانية الجديدة التي احتلتها،التلال الخمسة الإستراتيجية،وتواصل عدوانها في ظل حالة من التواطؤ من قبل التيار المتأمرك والمتصهين في الداخل اللبناني،وبعض اطراف الحكومة اللبنانية،وفي المقدمة منهم وزير الخارجية يوسف رجي ورئيس الوزراء نواف سلام،والذين يسعون الى جانب امريكا،لكي يتم وضع بحث نزع سلاح المقاومة والحزب على طاولة البحث،وان يكون المدخل،من أجل ممارسة الضغوط على اسرائيل لكي تنسحب من الأراضي اللبنانية المحتلة،وان تسمح بإعادة الإعمار،وهي بذلك لا ترى المشكلة في الإحتلال الإسرائيلي وعدم التزامه بموافقة امريكية على وقف إطلاق النار واستمرار العدوان على لبنان،وعدم الإنسحاب من ارضه،ويبدو بأن هناك قرار بالتصعيد على لبنان،واستهداف المقاومة وحزب الله،من أجل ان يتم جر لبنان الى التطبيع وما يعرف بالسلام الإبراهيمي،والقضاء على حلقة مركزية من حلقات محور المقاومة،بعد النجاح في قطع شرايين الإمداد العسكري والمالي للحزب براً وجواً بعد سقوط النظام والدولة السورية. هذه التصعيد الخطير على لبنان ،واستهداف المقاومة وبيئتها الحاضنة،وتوسيع دائرة العدوان،هي من دفعت الأمين العام للحزب الشيخ نعيم القاسم في كلمته في المجلس العاشورائي المركزي أنّ 'الاحتلال مؤقّت والتحرير دائم ونحن في حالة دفاعية وهذه أرضنا ومستقبل أجيالنا فلا تقولوا لنا سلّموا لهم لأن هؤلاء طواغيت ولا تقولوا لنا لا تدافعوا'، وقال 'هذه الأرض ستبقى عزيزة كريمة ومحرّرة بإذن الله تعالى'. وشدّد الأمين العام لحزب الله على أنّه 'عندما يثبت الحق ونحرّر الأرض ونمنع 'إسرائيل' وأميركا أن تغصبانا على ما لا نريد نصل إلى مستقبل عزيز وعظيم'، مضيفًا 'نحن ندعوكم أن لا تساعدوا 'إسرائيل' وأميركا على مشاريعهم وقدموا وطنيتكم في العلاقة مع إخوانكم ونحن وإياكم نتفاهم على كل التفاصيل'، لافتًا إلى 'أننا سنكون مع الحق ولن ندع هذا الاحتلال يستقرّ وليعلم العالم بأننا جماعة تربّينا على درب الحسين'. نحن ندرك بأن امريكا واسرائيل غير قادرة على دفع اثمان التسوية، لا في غزة ولا في لبنان ولا في اليمن ولا في ايران،ولذلك لا حرب ولا تسويات، يعني مزيداً من حروب الظلال في الأمن والإعلام ومزيداً من الضغوط على الساحات الرديفة، والسعي لحسم ما لم يُحسم منها، من غزة إلى لبنان إلى العراق إلى اليمن وربما سورية أيضاً طلباً لانتصار بائن،حيث نرى بأن اتفاق للتطبيع والإلتحاق بالسلام الإبراهمي،يقترب على الجبهة السورية،وتمارس ضغوط كبرى من أجل جره على جبهة لبنان. ممكنات العودة للحرب مجدداً،وإن بدت صعبة ولكنها ليست مستحيلة،والتطورات في المنطقة والإقليم تتحرك بسرعة،ومن تعودوا على سياسة البلطجة في العلاقات الدولية من امثال ترامب ونتنياهو،لن يتوقفوا عنها بدون رادع. وتبقى الأيام والأسابيع القادمة حبلى بالتطورات. فلسطين – القدس المحتلة

الحرب لم تحسم ايران واليمن ولبنان ساحات قابلة للإشتعال
الحرب لم تحسم ايران واليمن ولبنان ساحات قابلة للإشتعال

قدس نت

timeمنذ 8 ساعات

  • قدس نت

الحرب لم تحسم ايران واليمن ولبنان ساحات قابلة للإشتعال

بقلم: راسم عبيدات بقلم : - راسم عبيدات اسرائيل وامريكا لم تستطع حسم الحرب بالضربة القاضية ،وان استطاعت ان تحقق انجازات وانتصارات تكتيكية في أكثر من جبهة،ولكن حتى هذه اللحظة،نتنياهو وترامب يواجهون استعصاءات على أكثر من جبهة ،فالحرب العدوانية المشتركة على ايران،رغم انها في الساعات الأولى استطاعات ان تحقق انجازات،في اغتيال العديد من القيادات العسكرية والأمنية والعلماء النوويين الإيرانيين،وأن تبث حالة من الفوضى والإرباك،عبر مجموعة من عملائها تحركت في الداخل الإيراني بالإرتباط مع جماعاتها المرتزقة من ما يعرف بمجاهدي خلق والجماعات المرتبطة بأجهزة المخابرات الأمريكية " السي اي ايه" والبريطانية " أم كي 6" و"الموساد الإٍسرائيلي،وترافق ذلك مع غارات مكثفة على المنشأت النووية الإيرانية،وكذلك البرنامج الصاروخي الإيراني والموانىء الإيرانية،ولكن القيادة الإيرانية امتصت الضربة،مع نهاية الليلة الأولى،وكانت صواريخها بإجيالها المختلفة ،في نوعياتها المختلفة وقدراتها التدميرية والتفجيرية ومداياتها من اجيال قديمة نحو الأحدث ،والتدرج في استخدامها،بما يربك ويستهلك ويستنفذ قدرات المنظومات الدفاعية الجوية من الصواريخ والذخائر الإعتراضية،بطبقاتها ونوعياتها المختلفة بدءاً من "الثاد" الأمريكي و"سهم 1" و"سهم 3" و"مقلاع داود" و"القبب" الحديدية،حيث كانت الصواريخ الإيرانية تشبه المطر في سقوطها على اهداف حيوية واستراتيجية اسرائيلية،شملت قواعد ومطارات جوية وبحرية،"نيفاتيم" و"ستيلا مارس" و"ميرون" ،وموانيء مثل حيفا واسدود ،ومحطات كهرباء وبنى تحتية،ومواقع وقواعد امنية واستخبارية" وحدة التجسس "8200" ،مقر "الموساد" مقر الإستخبارات العسكرية " أمان" القرية التكنولوجية ،مراكز بحثية وعلمية وبيولوجية ،واهمها معهد وايزمن،هذه الصواريخ التي لم يعد قدرة لمنظومات الدفاع الجوي على اعتراضها او اسقاطها،احدثت زلزال في الجبهة الداخلية،والتي باتت على حافة الإنهيار،بما استدعى تدخل امريكي عسكري مباشر،لكي تنقذ اسرائيل ،والتي طلبت من امريكا وضغطت عليها من أجل وقف لإطلاق النار،وقف لم ينجح في تحقيق اهداف العدوان والحاق هزيمة قاصمة بإيران،سواء لجهة وقف التخصيب وتدمير المنشات النووية الإيرانية،او لجهة اسقاط النظام وتغيير هوية الدولة الإيرانية. ولذلك رغم تبجح ترامب ونتنياهو وحديثهم عن النصر وتدمير المنشأت النووية الإيرانية،ولكن هذا المأفون ترامب يدعو ايران للعودة للتفاوض مجدداً،وإلا فإنها تواجه ضربة اشد وأقوى من السابق ،ونتنياهو وافغيدور ليبرمان يقولون علينا ،ان نستعد لمواجهة ستكون أكثر شدة وتعقيدا في المستقبل القريب، فالإيرانيون لا يتسامحون ولا ينسون، وخاصة انهم يقومون بتطوير منظوماتهم الصاروخية،ويعملون على تطوير منظوماتهم الجوية الدفاعية . الحرب سقطت كأداة ضغط للتفاوض ،كما سقطت من قبلها العقوبات كاداة ضغط تفاوضية،وايران تقول لن يكون هناك عودة للتفاوض واتفاق جديد بدون استمرار تخصيب اليورانيوم وعلى الأرض الإيرانية،وهي تعلن تعليقها التعاون مع وكالة الطاقة الذرية،لكون رئيسها رفائيل غروسي،كان متواطىء ومتامر لصالح اسرائيل،حيث التلاعب بالتقارير عن عدم امتلاك ايران لبرنامج نووي عسكري،وادعائه بعدم المعرفة إن كان لإيران برنامج نووي عسكري أم لا،في ظل ان المواقع النووية الإيرانية تخضع لعمليات التفتيش من قبل وكالة الطاقة الذرية،هذه المواقف ساهمت في استشهاد العديد من العلماء النووين الإيرانيين،وخلق الذرائع لأمريكا لشن عدوان على منشأتها النووية. أما فيما يتعلق في اليمن ،فهذه الجبهة الإسنادية،التي فتحت في الثامن عشر من تشرين اول /2023 ،وتوقفت فقط،عندما جرى الإتفاق على وقف لإطلاق النار في كانون ثاني/2024،وعندما لم يصمد الإتفاق،عاد اليمن في اذار من نفس العام،للإسناد مجدداً،وما زال مستمراً في ذلك حتى اليوم،ولم تفلح لا الضربات ولا الهجمات الأمريكية ولا الإسرائيلية ولا ما يعرف ب"حارس الإزدهار،في كسر إرادة اليمنيين- انصار الله ،ولا ثنيهم عن الإستمرار في الجبهة الإسنادية،رغم كثافة الغارات الأمريكية،في عهد الرئيس الأمريكي ترامب،وزيادتها بنسبة كبيرة عن ما جرى استخدامه،في عهد الرئيس الأمريكي السابق بايدن،واصرار اليمن على ان يكون شريك في الدم،وتحمل الأعباء والتكاليف والثمن الباهظ للعدوان عليه،رغم ان القصف طال ميناء الحديدة ومطار صنعاء ومحطات كهرباء ومخازن ومحطات وقود واعيان وبنى مدنية،لكن اليمن استمر في حربه الإسنادية من منطلقات عقدية ودينية وجهادية ووطنية وقومية وإنسانية، ولكي يجبر امريكا لاحقاً على ان تطلب من عُمان ان تتوسط عند جماعة انصار من أجل وقف لإستهداف سفنها وبوارجها ومدمراتها في البحر الأحمر وبحر العرب ،مقابل وقف قصفها لليمن،دون ان تحقق أي من اهدافها بإجبار اليمن على رفع حصاره البحري عن السفن التي تحمل البضائع للموانىء الإٍسرائيلية،او التوقف عن قصفها بالصواريخ البالستية والمسيرات الإنقضاضية، ودون ان يشمل الإتفاق ،وقف حرب اليمن الإسنادية لغزة. اسرائيل وأمريكا باتتا تريان في الجبهة اليمنية،جبهة اسناد رئيسية،وبأنها باتت مقررة في البحار والممرات المائية،وهذا يشكل مخاطر جدية على اسعار النفط والغاز وسلاسل توريد الطاقة،ولذلك اسرائيل،ترى ان هناك خطر على تجارتها وسفنها وعلى عمقها من الجبهة اليمنية،ولذلك لا بد من توجيه ضاربة قاصمة لليمن،على غرار الضربة التي وجهت لإيران،بحيث يجري استهداف قياداتها العسكرية والأمنية،ومنظوماتها الصاروخية ومينائها ومطارها،وبناها التحتية والمدنية،ولكن ممكنات النجاح في تحقيق انتصار او تدمير لمقدرات وقدرات اليمن- انصار الله،يبدو صعباً وربما مستحيلاً،فاليمن على مر التاريخ كان عصي على الكسر والإحتلالات،وهناك تماهي ما بين الشعب والقيادة. أما فيما يتعلق في لبنان،فالعدوان عليه واستباحة ارضه واجوائه مستمر ومتواصل واسرائيل بشراكة امريكية ،لم تلتزم بتطبيق اليات وموجبات القرار 1701،ولم تنسحب من الأراضي اللبنانية الجديدة التي احتلتها،التلال الخمسة الإستراتيجية،وتواصل عدوانها في ظل حالة من التواطؤ من قبل التيار المتأمرك والمتصهين في الداخل اللبناني،وبعض اطراف الحكومة اللبنانية،وفي المقدمة منهم وزير الخارجية يوسف رجي ورئيس الوزراء نواف سلام،والذين يسعون الى جانب امريكا،لكي يتم وضع بحث نزع سلاح المقاومة والحزب على طاولة البحث،وان يكون المدخل،من أجل ممارسة الضغوط على اسرائيل لكي تنسحب من الأراضي اللبنانية المحتلة،وان تسمح بإعادة الإعمار،وهي بذلك لا ترى المشكلة في الإحتلال الإسرائيلي وعدم التزامه بموافقة امريكية على وقف إطلاق النار واستمرار العدوان على لبنان،وعدم الإنسحاب من ارضه،ويبدو بأن هناك قرار بالتصعيد على لبنان،واستهداف المقاومة وحزب الله،من أجل ان يتم جر لبنان الى التطبيع وما يعرف بالسلام الإبراهيمي،والقضاء على حلقة مركزية من حلقات محور المقاومة،بعد النجاح في قطع شرايين الإمداد العسكري والمالي للحزب براً وجواً بعد سقوط النظام والدولة السورية. هذه التصعيد الخطير على لبنان ،واستهداف المقاومة وبيئتها الحاضنة،وتوسيع دائرة العدوان،هي من دفعت الأمين العام للحزب الشيخ نعيم القاسم في كلمته في المجلس العاشورائي المركزي أنّ 'الاحتلال مؤقّت والتحرير دائم ونحن في حالة دفاعية وهذه أرضنا ومستقبل أجيالنا فلا تقولوا لنا سلّموا لهم لأن هؤلاء طواغيت ولا تقولوا لنا لا تدافعوا'، وقال 'هذه الأرض ستبقى عزيزة كريمة ومحرّرة بإذن الله تعالى'. وشدّد الأمين العام لحزب الله على أنّه 'عندما يثبت الحق ونحرّر الأرض ونمنع 'إسرائيل' وأميركا أن تغصبانا على ما لا نريد نصل إلى مستقبل عزيز وعظيم'، مضيفًا 'نحن ندعوكم أن لا تساعدوا 'إسرائيل' وأميركا على مشاريعهم وقدموا وطنيتكم في العلاقة مع إخوانكم ونحن وإياكم نتفاهم على كل التفاصيل'، لافتًا إلى 'أننا سنكون مع الحق ولن ندع هذا الاحتلال يستقرّ وليعلم العالم بأننا جماعة تربّينا على درب الحسين'. نحن ندرك بأن امريكا واسرائيل غير قادرة على دفع اثمان التسوية، لا في غزة ولا في لبنان ولا في اليمن ولا في ايران،ولذلك لا حرب ولا تسويات، يعني مزيداً من حروب الظلال في الأمن والإعلام ومزيداً من الضغوط على الساحات الرديفة، والسعي لحسم ما لم يُحسم منها، من غزة إلى لبنان إلى العراق إلى اليمن وربما سورية أيضاً طلباً لانتصار بائن،حيث نرى بأن اتفاق للتطبيع والإلتحاق بالسلام الإبراهمي،يقترب على الجبهة السورية،وتمارس ضغوط كبرى من أجل جره على جبهة لبنان. ممكنات العودة للحرب مجدداً،وإن بدت صعبة ولكنها ليست مستحيلة،والتطورات في المنطقة والإقليم تتحرك بسرعة،ومن تعودوا على سياسة البلطجة في العلاقات الدولية من امثال ترامب ونتنياهو،لن يتوقفوا عنها بدون رادع. وتبقى الأيام والأسابيع القادمة حبلى بالتطورات. فلسطين – القدس المحتلة 1/7/2025 [email protected] جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت

إيران.. من المخصَّب إلى المهرَّب
إيران.. من المخصَّب إلى المهرَّب

جريدة الايام

timeمنذ 19 ساعات

  • جريدة الايام

إيران.. من المخصَّب إلى المهرَّب

منذ زمن قورش الأول مؤسس الإمبراطورية الفارسية، وحتى زمن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، لم تنفق إيران في كل عهودها ما أنفقت على مشروعها النووي. وسواءٌ دمرت منشآت المشروع الرئيسية الثلاث كلياً أو جزئياً، إلا أن العصارة التي نجت فيما يبدو، هي الستمائة كيلوغرام من اليورانيوم المخصّب التي تم تهريبها من المواقع المستهدفة الثلاثة، إلى أماكن مجهولة، وليس غير حاسوب يدلنا كم كلّف الغرام الواحد من مالٍ وأرواحٍ وممتلكات. سياسياً دعا الرئيس ترامب الإيرانيين للعودة إلى مائدة المفاوضات، وكأن الحرب لم تقع، وكأن جدول أعمالها استنسخ حرفياً عن جدول الأعمال الذي تأجل، غير أن الذي اختلف بعد الإثني عشر يوماً من الحرب، هو حال اليورانيوم الذي غادر مكانه الطبيعي والخطر في المفاعلات، إلى مكانٍ مجهولٍ فرض على المفاوض الإيراني المناورة بنصف المشروع بعد أن لم يعد النصف الآخر صالحاً للمناورة به كما كان في السابق. حال بدء المفاوضات، سوف يستعرض الأميركي على محادثه الإيراني ما يعتبره مزايا للموقف الأميركي خلال الحرب، المختلف عن الموقف الإسرائيلي، ذلك أن الأميركي لم يذهب في عملياته الحربية وإسناده لإسرائيل إلى ما هو أبعد من المشروع النووي، كما أظهر قولاً وعملاً أن إيران بالنسبة لأميركا ترامب، هي مشروع استثماري واعد بربح وفير، إلا أنه يتطلب أن تكون الدولة الإيرانية خالية من القوة النووية وحتى الباليستية، ومتجردة من الأذرع «المشاغبة»، ومن تطلعاتها المثيرة لمخاوف الجيران، كما يتطلب تغيير الخطاب من لغة التهديد والوعيد بإبادة إسرائيل، إلى خطاب أقرب إلى خطاب الإقليم الذي يعبر عن سياساتٍ تعايشية إن لم تكن تطبيعية تماماً. تحولت إيران بعد حرب الإثني عشر يوماً وعلى نحو ما قبلها بقليل، من صاحبة مشروع نفوذٍ إقليمي دولي يمتلك أذرعاً تنتشر على المفاضل المهمة في الشرق الأوسط ويعززه تقدمها في مجال الإنتاج الحربي، حيث الباليستي والمسيّرات والوصول إلى عتبة النووي، تحولت من هذا الموضع المغري إلى وضعٍ لا تملك فيه سوى عنادها ولحمها الحي، الذي هو أجدى كثيراً من توظيف لحم الآخرين في لعبة نفوذٍ محكوم عليها بالفشل. إيران في كل حالاتها جغرافياً وبشرياً وثروات، تظل دولةً إقليمية عظمى، لو أحسنت استخدام ما تملك دون شطط وجموح، والتوقف عن الجري وراء استعادة الماضي القديم، للدخول به إلى واقع الحاضر، دون وعي لحقائقه وأحجام القوى المتنفذة فيه، لو أحسنت إيران ذلك لما رأينا ما نراه الآن، وأخفّ وصفٍ له أنها دولة عظمى ولكن جريحة، تنزف من داخلها ومن حولها مكبلة بأغلال الحلم المستحيل، إذ لا امبراطوريات جديدة يُسمح بنشوئها في هذا العصر، وحتى الإمبراطوريات النووية والاقتصادية المتكرسة تخوض صراعاً مريراً من أجل حماية ذاتها والحفاظ على مصالحها، وتأجيل تصدعها وانهيارها قدر ما يسمح به التاريخ. لم يدرك أصحاب القرارات في إيران أن التطلع لنفوذٍ امبراطوري في القرن الحادي والعشرين، وإنفاق جل ما تمتلك الدولة من إمكانات واحتياطيات للحاق بالإمبراطوريات المتكرسة له ارتدادات كارثية، ليس على المشروع غير المنطقي من أساسه، وإنما على الدولة والمجتمع وعلى وتيرة التقدم في التنمية ومستوى الحياة. وحين يُفتقد التوازن بين عناصر القوة ومتطلبات الحياة، في دولةٍ ومجتمع واسع المساحة وكثير السكان، فالنتيجة الحتمية هي الخسارة المحققة في كل المجالات، وهذه حالة لا تخص التجربة الإيرانية وحدها، بل تنسحب على جميع الإمبراطوريات التي عرفها التاريخ، ذلك أن القانون الواحد بشأنها جميعاً أنها تتشابه في البدايات والنهايات. إذاً إلى أين ينبغي أن يتجه المسار الإيراني الجديد؟ مخطئٌ أي إيراني، مهما كان أصله ودينه ومذهبه وثقافته، حين يعتبر العالم العربي معادياً للدولة الإيرانية، سواءٌ كان اسمها الإسلامية أو الفارسية أو الدينية أو الديمقراطية، أو أي تسمية تختار لنفسها، ذلك أن ما تمتلكه إيران من مواصفاتٍ وإمكانيات ترجح كونها مشروعاً لعلاقاتٍ إستراتيجيةٍ مع جوار عربي، أساسها حسن الجوار بل حسن إدارته والتعامل معه، وتلك حقيقة ترقى إلى مستوى المبدأ سواءٌ في زمنٍ وضعت فيه أول لبنةٍ في المشروع النووي، أو في زمن وقوف الدولة الإسلامية على عتبة إنتاج السلاح النووي، أو في التحول من المخصّب إلى المهرّب، فهل تنتبه إيران لدروس ما حدث لها منذ ثورة الخميني وحتى الوقوف على عتبة النووي وانكسار العتبة أو تصدعها بتوجيه الاهتمام والعمل إلى وجهته الصحيحة؟ المجال الحيوي للدولة والمجتمع الإيراني هو العالم العربي القريب منها أو حتى البعيد عنها، إذ ليس غيره من لا يهددها، بل إنه يتطلع إلى أفضل وأمتن العلاقات العادلة معها، ولا ينقص إيران معرفة القرائن الدامغة على ذلك إلا أن الذي ينقصها حتى الآن هو اعتماد الوسائل الصحيحة لبلورة علاقاتٍ تكاملية راسخة قوامها عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة.. علاقاتٍ تكاملية يستفيد منها الجميع.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store