
إيران.. من المخصَّب إلى المهرَّب
وسواءٌ دمرت منشآت المشروع الرئيسية الثلاث كلياً أو جزئياً، إلا أن العصارة التي نجت فيما يبدو، هي الستمائة كيلوغرام من اليورانيوم المخصّب التي تم تهريبها من المواقع المستهدفة الثلاثة، إلى أماكن مجهولة، وليس غير حاسوب يدلنا كم كلّف الغرام الواحد من مالٍ وأرواحٍ وممتلكات.
سياسياً دعا الرئيس ترامب الإيرانيين للعودة إلى مائدة المفاوضات، وكأن الحرب لم تقع، وكأن جدول أعمالها استنسخ حرفياً عن جدول الأعمال الذي تأجل، غير أن الذي اختلف بعد الإثني عشر يوماً من الحرب، هو حال اليورانيوم الذي غادر مكانه الطبيعي والخطر في المفاعلات، إلى مكانٍ مجهولٍ فرض على المفاوض الإيراني المناورة بنصف المشروع بعد أن لم يعد النصف الآخر صالحاً للمناورة به كما كان في السابق.
حال بدء المفاوضات، سوف يستعرض الأميركي على محادثه الإيراني ما يعتبره مزايا للموقف الأميركي خلال الحرب، المختلف عن الموقف الإسرائيلي، ذلك أن الأميركي لم يذهب في عملياته الحربية وإسناده لإسرائيل إلى ما هو أبعد من المشروع النووي، كما أظهر قولاً وعملاً أن إيران بالنسبة لأميركا ترامب، هي مشروع استثماري واعد بربح وفير، إلا أنه يتطلب أن تكون الدولة الإيرانية خالية من القوة النووية وحتى الباليستية، ومتجردة من الأذرع «المشاغبة»، ومن تطلعاتها المثيرة لمخاوف الجيران، كما يتطلب تغيير الخطاب من لغة التهديد والوعيد بإبادة إسرائيل، إلى خطاب أقرب إلى خطاب الإقليم الذي يعبر عن سياساتٍ تعايشية إن لم تكن تطبيعية تماماً.
تحولت إيران بعد حرب الإثني عشر يوماً وعلى نحو ما قبلها بقليل، من صاحبة مشروع نفوذٍ إقليمي دولي يمتلك أذرعاً تنتشر على المفاضل المهمة في الشرق الأوسط ويعززه تقدمها في مجال الإنتاج الحربي، حيث الباليستي والمسيّرات والوصول إلى عتبة النووي، تحولت من هذا الموضع المغري إلى وضعٍ لا تملك فيه سوى عنادها ولحمها الحي، الذي هو أجدى كثيراً من توظيف لحم الآخرين في لعبة نفوذٍ محكوم عليها بالفشل.
إيران في كل حالاتها جغرافياً وبشرياً وثروات، تظل دولةً إقليمية عظمى، لو أحسنت استخدام ما تملك دون شطط وجموح، والتوقف عن الجري وراء استعادة الماضي القديم، للدخول به إلى واقع الحاضر، دون وعي لحقائقه وأحجام القوى المتنفذة فيه، لو أحسنت إيران ذلك لما رأينا ما نراه الآن، وأخفّ وصفٍ له أنها دولة عظمى ولكن جريحة، تنزف من داخلها ومن حولها مكبلة بأغلال الحلم المستحيل، إذ لا امبراطوريات جديدة يُسمح بنشوئها في هذا العصر، وحتى الإمبراطوريات النووية والاقتصادية المتكرسة تخوض صراعاً مريراً من أجل حماية ذاتها والحفاظ على مصالحها، وتأجيل تصدعها وانهيارها قدر ما يسمح به التاريخ.
لم يدرك أصحاب القرارات في إيران أن التطلع لنفوذٍ امبراطوري في القرن الحادي والعشرين، وإنفاق جل ما تمتلك الدولة من إمكانات واحتياطيات للحاق بالإمبراطوريات المتكرسة له ارتدادات كارثية، ليس على المشروع غير المنطقي من أساسه، وإنما على الدولة والمجتمع وعلى وتيرة التقدم في التنمية ومستوى الحياة.
وحين يُفتقد التوازن بين عناصر القوة ومتطلبات الحياة، في دولةٍ ومجتمع واسع المساحة وكثير السكان، فالنتيجة الحتمية هي الخسارة المحققة في كل المجالات، وهذه حالة لا تخص التجربة الإيرانية وحدها، بل تنسحب على جميع الإمبراطوريات التي عرفها التاريخ، ذلك أن القانون الواحد بشأنها جميعاً أنها تتشابه في البدايات والنهايات.
إذاً إلى أين ينبغي أن يتجه المسار الإيراني الجديد؟
مخطئٌ أي إيراني، مهما كان أصله ودينه ومذهبه وثقافته، حين يعتبر العالم العربي معادياً للدولة الإيرانية، سواءٌ كان اسمها الإسلامية أو الفارسية أو الدينية أو الديمقراطية، أو أي تسمية تختار لنفسها، ذلك أن ما تمتلكه إيران من مواصفاتٍ وإمكانيات ترجح كونها مشروعاً لعلاقاتٍ إستراتيجيةٍ مع جوار عربي، أساسها حسن الجوار بل حسن إدارته والتعامل معه، وتلك حقيقة ترقى إلى مستوى المبدأ سواءٌ في زمنٍ وضعت فيه أول لبنةٍ في المشروع النووي، أو في زمن وقوف الدولة الإسلامية على عتبة إنتاج السلاح النووي، أو في التحول من المخصّب إلى المهرّب، فهل تنتبه إيران لدروس ما حدث لها منذ ثورة الخميني وحتى الوقوف على عتبة النووي وانكسار العتبة أو تصدعها بتوجيه الاهتمام والعمل إلى وجهته الصحيحة؟
المجال الحيوي للدولة والمجتمع الإيراني هو العالم العربي القريب منها أو حتى البعيد عنها، إذ ليس غيره من لا يهددها، بل إنه يتطلع إلى أفضل وأمتن العلاقات العادلة معها، ولا ينقص إيران معرفة القرائن الدامغة على ذلك إلا أن الذي ينقصها حتى الآن هو اعتماد الوسائل الصحيحة لبلورة علاقاتٍ تكاملية راسخة قوامها عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة.. علاقاتٍ تكاملية يستفيد منها الجميع.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الايام
منذ 14 دقائق
- جريدة الايام
إيران تعلّق رسمياً تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية
طهران - أ ف ب: علّقت إيران رسمياً، أمس، تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع مصادقة الرئيس مسعود بزشكيان على قانون أقره البرلمان في ضوء الضربات الأميركية والإسرائيلية على منشآت نووية خلال الحرب مع الدولة العبرية. واعتبر المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن تعليق إيران تعاونها مع الوكالة الدولية "يثير القلق بالتأكيد". وصرح دوجاريك للصحافيين: "لقد رأينا القرار الرسمي الذي يثير القلق بالتأكيد. الأمين العام أنطونيو غوتيريس كان ثابتاً في دعوته إيران إلى التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية". وتفاقمت التوترات بين طهران والوكالة التابعة للأمم المتحدة؛ على خلفية الهجوم غير المسبوق الذي شنّته إسرائيل اعتباراً من 13 حزيران. وخلال الحرب التي استمرت 12 يوماً، استهدفت الدولة العبرية منشآت عسكرية ونووية واغتالت علماء إيرانيين، بينما قامت واشنطن بقصف ثلاث منشآت نووية رئيسية في الجمهورية الإسلامية. وأقر البرلمان الإيراني في 25 حزيران، غداة بدء تنفيذ وقف إطلاق النار، مشروع قانون يقضي بتعليق التعاون مع الوكالة التي كان مفتشوها يراقبون مختلف الأوجه المعلنة لأنشطة البرنامج النووي في إيران. ولم يحدد القانون الخطوات الإجرائية لذلك. وصادق مجلس صيانة الدستور، الهيئة المعنية بمراجعة التشريعات في إيران، على مشروع القانون، وأحاله إلى السلطة التنفيذية المعنية بتنفيذه. وأورد التلفزيون الرسمي أن بزشكيان "صادق على قانون تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية". وجاء في النص الذي نشرته وسائل إعلام إيرانية: إن التشريع يهدف إلى "ضمان الدعم الكامل للحقوق الجوهرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية" بموجب معاهدة منع الانتشار النووي، "خصوصاً تخصيب اليورانيوم". وتشتبه الدول الغربية وإسرائيل بأن إيران تسعى لصنع قنبلة نووية. وتنفي طهران ذلك وتدافع عن حقها في تطوير برنامج نووي مدني. وتتمسك إسرائيل بالغموض بشأن امتلاكها السلاح النووي، لكن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام يقول: إنها تملك 90 رأساً نووية. وتعقيباً على الإعلان الإيراني، دعا وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، المجتمع الدولي إلى "التحرك بحزم" لوقف البرنامج النووي الإيراني. وحثّ ساعر ألمانيا وفرنسا وبريطانيا على "إعادة فرض جميع العقوبات على إيران". وأضاف: "يجب على المجتمع الدولي أن يتحرك بحزم الآن ويستخدم جميع الوسائل المتاحة له لوقف الطموحات النووية الإيرانية". وكان الأوروبيون هم من أطلقوا العملية الدبلوماسية بشأن البرنامج النووي الإيراني قبل حوالى عشرين عاماً، وكانوا في صدارتها. والورقة الوحيدة المتبقية لديهم باعتراف دبلوماسيين أوروبيين أنفسهم، هي إمكان تفعيل "آلية الزناد" التي نص عليها الاتفاق النووي مع إيران المبرم في 2015 والذي انسحب منه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 2018. وتسمح هذه الآلية بإعادة فرض عقوبات دولية على الجمهورية الإسلامية، ما يمنح الأوروبيين وسيلة ضغط عليها. وقال الباحث في "مبادرة الخطر النووي" إريك بروير تعقيباً على إعلان طهران: "بعد عقود من النفاذ الصارم للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى برنامج إيران النووي، ندخل الآن مرحلة جديدة أخطر". وتابع في منشور عبر منصة "إكس": "مهمة فهم ما يحصل في المواقع النووية الإيرانية، الجديدة والقديمة، ستصبح بالكامل على عاتق أجهزة الاستخبارات". وسبق لمسؤولين إيرانيين أن أدانوا بشدّة "صمت" الوكالة الدولية إزاء الضربات الإسرائيلية والأميركية. وانتقدت إيران الوكالة لمصادقتها في 12 حزيران على قرار يدين "عدم امتثال" طهران لالتزاماتها النووية. وقال مسؤولون إيرانيون: إنّ هذا القرار كان أحد "الأعذار" للهجوم الإسرائيلي. وأمس، قال المسؤول القضائي علي مظفري: إنّ مدير عام الوكالة الدولية رافايل غروسي "يجب أن يحاسب" على ما وصفه بـ"الإعداد للجريمة" ضد إيران، متهماً إياه بالقيام بـ"أفعال خادعة وتقارير احتيالية"، بحسب وكالة تسنيم. وكانت إيران رفضت طلب غروسي بأن يزور مفتشو الوكالة منشآتها التي تعرّضت لضربات خلال الحرب، في ظل تساؤلات عن مصير مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب بنسبة 60 في المئة، القريبة من 90% اللازمة للاستخدام العسكري. وفي أواخر حزيران، ندّدت إيران بـ"نية خبيثة" لدى غروسي، لكنها نفت وجود "تهديدات" بحقه أو بحق مفتشي الوكالة، بعد تنديدات غربية بذلك. كما أكد بزشكيان لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون أنّ تعليق التعاون مع الوكالة جاء رداً على السلوك "الهدّام" لمديرها العام. واتهمت صحيفة كيهان المحافظة المتشددة غروسي بأنه "جاسوس للكيان الصهيوني".


جريدة الايام
منذ 37 دقائق
- جريدة الايام
خيارات إيران لامتلاك القنبلة النووية
بقلم: أفنر فيلان* تلقّى البرنامج النووي الإيراني ضربة قاسية: فقد دُمّرت مجموعة السلاح، وقُصفت منشأة إعادة التحويل، ولن تعود المنشآت في نتانز وفوردو إلى التخصيب في الأشهر القريبة. كذلك تضررت بنية إنتاج أجهزة الطرد المركزي. صحيح أن المواد النووية بقيت، لكن إذا أضفنا الأضرار التي لحِقت بالدفاعات الجوية والصواريخ الدقيقة وبعض كبار ضباط الجيش، فيمكن الاتفاق على أن إسرائيل والولايات المتحدة حققتا إنجازات كبيرة. الآن، يجب أن نسأل: ما هي الخيارات المتاحة أمام إيران؟ وهل هذه الخيارات تتأثر بحجم الضرر الذي لحِق بها؟ الخيار الأول: قد تختار إيران التخلي عن حقها في التخصيب مؤقتاً، ونقل المواد النووية إلى دولة ثالثة، في مقابل الحصول على أموال تساعدها على إعادة إنعاش اقتصادها المنهار، وتعزيز برامج الصواريخ و"الإرهاب"، أو فقط من أجل البقاء. إن الحافز على توقيع اتفاق كهذا لا يعتمد على عدد أجهزة الطرد المركزي التي بقيت في فوردو، بل على إدراك النظام أنه يواجه خطراً وجودياً. في هذه الحالة، قد يُظهر "مرونة بطولية" لإنقاذ نفسه. ومن جهتنا، يجب أن نتأكد من أن الاتفاق شامل وقوي بما فيه الكفاية، وأن يكون هناك رقابة استخباراتية صارمة على أيّ خروق. إذا تحقق ذلك، سيكون الفضل للجيش الإسرائيلي وإسرائيل، وربما يحصل ترامب على جائزة نوبل. الخيار الثاني: التسلل إلى التخصيب العلني بالتدريج، وهذا ما تفعله إيران منذ 20 عاماً، استعراض قوة، تقدُّم بالتدريج، قبول بعض الرقابة، وبناء دولة "عتبة نووية"، تسيطر على التكنولوجيا وتُراكم المواد. سيستغرق هذا المسار وقتاً؛ لأنهم يعلمون أنهم إذا أعادوا تأهيل المنشآت بسرعة، فإن إسرائيل، أو أميركا، ستهاجمان مجدداً. وعلى الرغم من أن المواد التي تم جمعها تقرّبهم من القنبلة، فإن بناء منشأة تخصيب كبيرة لا يتم في يوم واحد. لذا، من غير المتوقع أن يتقدم التأهيل بسرعة، لكن الخطر هو من أنه خلال بضعة أعوام، سنجد إيران على بُعد خطوة من امتلاك ترسانة نووية، من دون أن تتوفر الظروف نفسها لوقفها. لذلك، فإن المفتاح هو الحزم، وعدم السماح لها برفع رأسها، ومعاقبتها على كل خرق، وبناء نظام عقوبات دولي صارم. إنها حرب استنزاف وتتطلب المثابرة. الخيار الثالث: المسار السرّي نحو القنبلة، يمكن أن يتطور هذا المسار في موازاة المسارَين الآخرَين. وهو يتطلب اليورانيوم، وأجهزة الطرد المركزي، ومنشأة لإعادة التحويل، ومجموعة سلاح – حتى لو كانت مصغّرة، لاستخدامها في تجربة تفجير في الصحراء. المشكلة الرئيسية هنا هي في المواد: اليورانيوم المخصّب بنسبة 60% الذي يمثل 99% من الطريق نحو التخصيب العسكري، ويمكن استخدامه لإنتاج قنابل أولى في منشأة صغيرة وسرية خلال أسابيع. لذلك، من الضروري معرفة مكان كلّ كيلوغرام من أصل الـ408 كغم التي كانت لديهم. سيستغرق البدء بالعمل من خلال استخدام اليورانيوم الطبيعي وقتاً أطول – نحو عام – لكنه ممكن. كان لدى إيران الآلاف من أجهزة الطرد المركزي في منشأتَي فوردو ونتانز، ولا نعرف عدد الأجهزة التي نجت. لكن من المحتمل أن يكون لديها مخزونات إضافية. يمكن بناء منشأة تخصيب داخل صالة رياضية، لكن إنشاءها – وكذلك منشأة تحويل اليورانيوم إلى شكل معدني – سيستغرق عدة أشهر على الأقل. فيما يتعلق بمجموعة السلاح، الأخبار الجيدة: الشخصيات المركزية في "مشروع عماد" لم تعد موجودة، والمختبرات دُمرت. حافظ الإيرانيون على هذا الإطار لإعادة تفعيله في المستقبل، وهذا لم يعد موجوداً. يمكن لإيران إنشاء مجموعة جديدة بهدوء، من دون تبليغ القيادة العليا. هذا السيناريو مُقلق، وقد يستغرق أعواماً، لكنه ممكن. والأكثر إزعاجاً هو احتمال أن يكون هذا حدث فعلاً، قبل خمسة أعوام، قال رئيس البرنامج النووي الإيراني، محسن فخري زادة، لو كنت مكان خامنئي هذا ما كنت سأفعله. وربما يفسّر هذا التقدم إلى نسبة 60% في التخصيب قبل الهجوم، ربما لم يكن فقط ورقة تفاوضية، بل لأنهم كانوا يعرفون شيئاً لا نعرفه نحن. إلى جانب هذا كله، هناك سيناريو سرّي إضافي، وبشكل خاص الآن، مع ارتفاع الدافع إلى مواصلة المشروع النووي: التوجه إلى كوريا الشمالية للحصول على منشأة جاهزة. هذه هي أسرع طريق. لذلك، لا يقتصر القلق فقط على وضع المنشآت، بل يتعلق بالمادة المخصّبة، والأهم: هل بدأ مسار سرّي جديد؟ الإيرانيون يفضلون الحذر والسرية على التسرع، إلّا إذا اعتقدوا أنهم يستطيعون تحقيق إنجاز سريع. بالنسبة إلينا، المفتاح هو المراقبة الاستخباراتية لضمان عدم حدوث ذلك، والردع لضمان عدم حدوث هذا مستقبلاً. ليس فقط أجهزة الطرد المركزي إن العملية العسكرية الناجحة ضد إيران كانت فقط نقطة انطلاق، وحققت هدفها. المرحلة التالية لا تتوقف على عدد أجهزة الطرد المركزي المتبقية، بل على الدينامية: هل ستختار إيران إحناء رأسها، أم التصعيد؟ وهل سنواصل خلق ظروف تدفعها إلى اختيار التوقف؟ إن الصراع على منع إيران من امتلاك سلاح نووي يرافقنا منذ أكثر من 20 عاماً، ولن ينتهي هذا الشهر. الطريقة الوحيدة لمنعها من امتلاك هذا السلاح هي أن يقرر النظام نفسه عدم تطويره. فالهجمات الأخيرة – التي يقرّ جميع الخبراء بنتائجها – تؤخر التطوير فقط. لا شيء يمنع إيران من إعادة بنائه. من هنا، يجب العودة إلى العمل الشاق: استخبارات دقيقة، عمليات نوعية، وضغط دولي، كي ندفع الإيرانيين إلى الاختيار ما بين استمرار النظام، أو السلاح النووي. لا يمكن الجمع بين الخيارَين. مَن يقرر في طهران؟ يجب أن يتم هذا النقاش أيضاً في سياق كيفية اتخاذ القرارات في طهران. فالفساد مُستشرٍ في المؤسسة الإيرانية، والناس يخافون من قول الحقيقة، وتُقدَّم للقيادة صورة مشوهة للواقع. خامنئي ليس في أفضل حالاته، فهو مريض ومتقدم في السن. من غير الواضح كيف تُتخذ القرارات. وربما هذا أحد أسباب خطأ إيران في رهاناتها: لا يمكن إدارة المخاطر عندما لا يوجد مَن يجرؤ على قول الحقيقة للسلطة. وربما هذا هو الفارق الجوهري بيننا وبينهم: إن تفوُّق سلاح الجو والاستخبارات العسكرية و"الموساد" نابع من القدرة على إجراء تحقيقات حقيقية، حتى عندما تكون النتائج غير مريحة. ومن ناحية أُخرى، حتى اليوم، لم يتم فحص قرار الخروج من الاتفاق النووي بشكل معمّق، وهو القرار الذي قرّب إيران من العتبة النووية، ولم يتم التحقيق في سلسلة الإخفاقات التي أدّت إلى كارثة 7 تشرين الأول. يجب التفكير أيضاً في هذا، عندما نسأل أنفسنا في أيّ دولة نريد أن نعيش؟ عن "يديعوت" ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *خبير في النووي الإيراني، مسؤول كبير سابقاً في جهاز الأمن وحاصل على جائزة أمن إسرائيل.


جريدة الايام
منذ 37 دقائق
- جريدة الايام
هكذا سيطر سلاح الجو الإسرائيلي على سماء إيران
قبل شهرين من الهجوم الإسرائيلي على إيران، في آذار ونيسان، أفادت وسائل الإعلام العسكرية حول العالم بأن طائرات مقاتلة روسية من طراز "سوخوي 35" وصلت إلى الجزائر. هذه التقارير، التي استندت إلى صور أقمار صناعية، خلقت شعوراً مريراً في أوساط القيادة الإيرانية. فالطائرات التي وصلت إلى الجزائر تم تصنيعها في سنة 2018، بناءً على طلب مصري، لكن في سنة 2022، بدا كأن مصر تخلّت عنها بسبب العقوبات الأميركية التي فُرضت على صناعة السلاح الروسية، بعد أن زودت هذه الأخيرة نظام الأسد في سورية بالسلاح، وبسبب توقعات مصرية بشأن قيام الولايات المتحدة بتزويدها بطائرات "F-15" متقدمة، بدلاً منها. كان من المفترض أن يفسح التخلي المصري عن الطائرات المجال أمام إيران، التي يتعطش جيشها بشدة للتزود بمقاتلات حربية. وقد وُصفت طائرة "سوخوي 35" في الإعلام الروسي بأنها أفضل طائرة غير شبحية في العالم (بعكس طائرة F-35 الأميركية الشبحية)، ومنذ أكثر من عام، يدّعي مسؤولون إيرانيون أنهم توصلوا إلى اتفاق على شراء هذه الطائرات من روسيا، إلّا إن التقارير التي وردت لاحقاً، أفادت بأن الطائرات التي رغبت إيران في شرائها طُليت بألوان سلاح الجو الجزائري، وشقت طريقها من شرق روسيا إلى شمال أفريقيا. بعد شهرين، عندما شنّت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي هجوماً على إيران، لم تقلع في مواجهتها، ولو طائرة مقاتلة إيرانية واحدة. الإيرانيون بين إمبراطوريتين يشكل الفراغ الذي عمل فيه سلاح الجو فوق سماء طهران مفتاحاً مركزياً للإنجازات الإسرائيلية في هذه الحملة، وهو أمر مفاجئ، إذ بخلاف "حماس"، أو "حزب الله"، تمتلك إيران جيشاً نظامياً يملك سلاح جوّ منظما. لفهم سبب هذا الواقع، يجب الغوص في صفحات التاريخ. بعد الثورة الإسلامية في سنة 1979، وضعت سلطة آية الله يدها على سلاح الجو الفارسي الذي تم تطويره في عهد الشاه، وكان قائماً على مقاتلات حربية أميركية، غير أن العقوبات الأميركية التي فُرضت على إيران بعد الثورة منعت الإيرانيين من الوصول إلى قطع الغيار والمعرفة التقنية اللازمة لصيانة هذه الطائرات والحفاظ عليها. إلى جانب ذلك، وبعكس جيوش أُخرى في الشرق الأوسط كانت انقطعت عن التكنولوجيا الأميركية وتحولت إلى الاعتماد على التكنولوجيا القادمة من الاتحاد السوفياتي السابق، لم يتمكن الإيرانيون في ثمانينيات القرن الماضي من التوجه إلى الخصم الأكبر لأميركا. يقول دانيئيل راكوف، وهو باحث كبير في "معهد القدس للاستراتيجيا والأمن" وضابط سابق في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: "بعد سقوط الكتلة السوفياتية، كان الإيرانيون يقولون: (في هذا العالم، هناك إمبراطوريتان شريرتان، سقطت إحداهما، وستسقط الأُخرى أيضاً). لقد اعتبر الإيرانيون السوفيات أعداء أيضاً. في نظرهم، كانت الإمبراطوريتان في النصف الشمالي من الكرة الأرضية تخوضان حرباً ضد إيران. القوقاز، بما فيه أذربيجان وأرمينيا، كان بالنسبة إليهم، أرضاً فارسية احتلها الاتحاد السوفياتي، وفي الحرب العالمية الثانية، قسّمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السيطرة على إيران لمنع سقوطها في يد النازيين". في تسعينيات القرن الماضي، بعد سقوط الإمبراطورية السوفياتية، تلاشت حالة العداء، ولم تعد إيران ممنوعة من شراء الأسلحة من روسيا. ومع ذلك، كانت قدراتها محدودة، من حيث عدد الطائرات التي يمكنها شراؤها. يقول دانيئيل راكوف: "كان لدى الإيرانيين قيود ميزانية، ونتيجةً لذلك، كان موقع سلاح الجو ضمن القدرات الإيرانية العامة محدوداً. صحيح أنهم اشتروا طائرات ميغ 29، وفي حرب الخليج الأولى، حصلوا على عدد قليل من الطائرات من العراقيين (في سنة 1991 فرّ أكثر من 100 طيار عراقي إلى إيران، ومعهم طائرات سوخوي 24 وميغ 29 روسية الصنع، خوفاً من ضربات سلاح الجو الأميركي - المحرر). لكن في إيران، تطورت مقاربة تفيد بأن سلاح الجو ليس العنصر الأهم، ولهذا السبب، هو تابع للجيش النظامي، وليس للحرس الثوري، ويحصل على ميزانيات أقل وأولوية متدنية. كذلك كانت الطائرات السوفياتية تُعد أقل جودةً، مقارنةً بنظيراتها الغربية. لاحقاً، جاءت فترات أُخرى لم يتمكن فيها الروس من بيع السلاح لإيران، لأن التفاهمات بين روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة كانت كثيراً ما تتم على حساب إيران. في الفترة 2007 - 2020، فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حظراً على بيع الأسلحة لإيران، وتعاون الروس مع هذا الحظر خلال بعض تلك السنوات، في إطار سياسة "إعادة الضبط" لعلاقاتهم مع الولايات المتحدة، في محاولة لبناء علاقات أوثق مع إدارة أوباما. في السنوات الأخيرة، وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، أوقف الروس بيع أسلحتهم لإيران. يقول تسفي ماغين، السفير الإسرائيلي السابق في روسيا وباحث بارز في معهد دراسات الأمن القومي: "في رأيي المتواضع، كان ذلك بسبب إسرائيل، نتيجة تفاهُم غير معلن بيننا وبين الروس، يقضي بعدم تزويد إيران بأسلحة تخلّ بالتوازن، وفي المقابل، لن تزوّد إسرائيل أوكرانيا بمنظومات عسكرية." ويضيف: "هذا ما قادنا إلى شبه فضيحة، عندما طالب الأوكرانيون بأن نزودهم بمنظومات القبة الحديدية ورفضنا. يبدو كأن الروس وفوا من جانبهم بهذه الصفقة. والنتيجة هي أن الإيرانيين غير قادرين على تحدّينا، لا طائرات الـF-35، ولا القاذفات الاستراتيجية الأميركية". "على الصعيد السياسي، لدى روسيا علاقات قوية مع دول الخليج، خصوم إيران، وهذه الدول تمتلك مفاتيح الاقتصاد الروسي من خلال تنسيق أسعار النفط،" يضيف دانيئيل راكوف. "لذلك، واصلت روسيا سياستها بعدم تزويد إيران بالسلاح، كلما زاد التهديد بشن هجوم إسرائيلي، لا بل عرضت نفسها كوسيط". ومن وجهة نظر الإيرانيين، يُعتبر السلوك الروسي جحوداً ونكراناً للجميل، إذ إن إيران هي التي زودت روسيا بالسلاح في السنوات التي سبقت حرب "السيوف الحديدية"، وذلك من أجل مساعدتها في مواجهة أوكرانيا. يقول راكوف: "روسيا غزت أوكرانيا، بناءً على افتراضات غير واقعية بأن الحملة ستنتهي بسرعة. وخلال السنة والنصف الأولى من الحرب، كانت تفتقر إلى قوة نارية كافية، وإلى طائرات مسيّرة. أما إيران، فكانت تمتلك عدداً كبيراً من المسيّرات الجاهزة، وبأسعار زهيدة. أنشأ الروس مصانع ضخمة، باستخدام التكنولوجيا الإيرانية، والتي منحتهم دفعة كبيرة في قدراتهم النارية". في الأسبوعَين الماضيَين، انتشرت في الإنترنت صورة لطائرة ومروحية إيرانيتَين مخبأتَين تحت الجسور، وفي مواقع سرية أُخرى، وهو ما يشكل دليلاً على أن الإيرانيين اختاروا عدم إخراج الطائرات التي يملكونها من المخازن. لقد تصرفوا على هذا النحو؛ لأن تلك الطائرات لم تكن صالحة للطيران بما فيه الكفاية، ولأنهم أدركوا أن طائرة حربية من الجيل الثالث، مثل الـF-4، أو من الجيل الرابع، مثل الـ ميغ 29، لا تملك أي فرصة في مواجهة طائرات حربية إسرائيلية من الجيل الخامس، مثل الـ F-35 والـF-15 IA. في ظل هذا الوضع، لم يتبقّ أمام الإسرائيليين سوى تدمير جزء كبير من القوة الجوية الإيرانية، وهي على الأرض. حتى في الحالات التي تم فيها التبليغ بشأن إقلاع طائرات إيرانية لاعتراض طائرات إسرائيلية من دون طيار، فإن هذه الطائرات كانت تتجنب الاشتباك. تخلى الإيرانيون عن سلاح الجو، وفي المقابل، ركزوا جهودهم على البرنامج النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية وتمويل التنظيمات "الإرهابية" المحيطة بإسرائيل. "اعتمد الإيرانيون أساليب حرب العصابات، وركزوا كل أموالهم على الصواريخ والطائرات المسيّرة، في محاولة لاستخدام ذخائر أرخص، في مقابل قصف طائرات الـF-35،" تقول عيدي برشدسكي، عقيد احتياط في سلاح الجو، تعمل في مجال تطوير الأعمال الدولية في قطاع التكنولوجيا العسكرية وعضو في منتدى "دبورا". "هذا الأسلوب تتّبعه التنظيمات الإرهابية". تم توجيه كل القدرات نحو الاستثمار في صواريخ أرض – أرض. هذا ما واصلوا استخدامه، وما زال لديهم مخزونات. فعلوا ذلك لتجاوز عجزهم في مجال التفوق الجوي. على مرّ السنين، كانت دائماً لدى الجيش الإسرائيلي تساؤلات عن سبب حاجة سلاح الجو إلى كل هذا العدد من الطائرات. وكانت هناك دائماً انتقادات ومعارك سياسية بشأن الموافقة على شراء سرب إضافي من طائرات الـ F-35. هذه الحرب ذكّرتنا بأنه لكي نكون دولة مستقلة، لا بد من أن نكون مجهزين بأحدث ما في التكنولوجيا. ولولا ذلك، لما كنا قادرين على شن هجوم على إيران". رسّخ فشل إيران التفوق المطلق للمنصات الجوية الأميركية، وعلى رأسها طائرات الـF-15 من شركة بوينغ، وطائرات الـF-35 من شركة لوكهيد مارتن، لسنوات طويلة قادمة. وقد بيّن هذا التفوق أن جزءاً كبيراً من قوة الولايات المتحدة، اليوم، يقوم على قدرتها على تحديد مَن تبيع له مقاتلاتها ومَن تمنعه. الدرس الذي استخلصته إيران هو أنه في غياب القدرة على شراء طائرات أميركية، قد تجد نفسك من دون سلاح جو، والنتيجة انعكست في خسارتها القاسية.