logo
فؤاد الحميري... حين تكون الكلمة وطناً

فؤاد الحميري... حين تكون الكلمة وطناً

الصحوةمنذ 4 ساعات

بعض الناس يمرّون في حياتنا مرور العابرين، وبعضهم يرسّخون حضورهم في القلب والفكر والذاكرة، لأنهم لا يعيشون لأنفسهم، بل يعيشون لفكرة، لقضية، لقيمة، الأخ الصديق والزميل المرحوم فؤاد الحميري كان من هؤلاء الذين إذا ذكرتهم، حضرت النخوة، وحضر النضال، وحضر الإبداع.
عرفته منذ سنوات في صنعاء، فكان أول ما أسرني في شخصيته ذاك الصوت الذي إذا خطب شدّك، وإذا أنشد أطربك، وإذا تحدث أوصل إليك المعنى بوضوح المبين وعمق الفيلسوف، كان خطيباً مفوّهاً، تتقافز الكلمات بين شفتيه كأنها جنود في ساحة المعركة، تعرف هدفها، وتدرك رسالتها، ثم عرفته عن قرب أكثر، فإذا بي أمام شاعر فصيح لا يكتب بالكلمات، بل يكتب بالأرواح، في قصائده كان الوطن نفساً، وكان الحرف طلقة، وكان الحنين ناراً لا تنطفئ، لم يكن الشعر عنده ترفاً لغويا، بل كان سلاحاً من أسلحة الوعي، وطريقا إلى نبض الجماهير.
يعرفه الناس خطيباً وشاعراً ولكنه أيضاً كان سياسياً بارعاً، لا يلهث وراء المناصب، بل يركض خلف المواقف، يقرأ المشهد بحدس المثقف، ويحاور بخبرة العارف، ويقف حيث ينبغي أن يقف، لا حيث يُطلب منه أن يصمت، فرض نفسه في قطار الإعلام، كناطق للمنسقية العليا لثورة فبراير، وتبوء منصب نائب وزير الإعلام في مرحلة هامة وحساسة، عقب ثورة الحادي عشر من فبراير 2011م التي كان أحد فرسانها، فقد كان في الإعلام مدرسة قائمة بذاتها، لا يكرر نفسه، ولا يعيد إنتاج ما يُقال، بل يبدع، ويطرح، ويفتح نوافذ الضوء في أزمنة الظلام، كان الإعلام عنده رسالة، والرسالة عهد لا ينتهي.
وإلى جانب ذلك كله، كان داعيةً ومربياً، يزرع في العقول بذور الفهم، وفي القلوب بذور الإيمان، وفي الأرواح بذور الثورة على الظلم والجهل والتبعية، كان يجمع بين العقل والقلب، بين الحكمة والشجاعة، بين الفكر والحركة.
كان له مع القرآن الكريم والسيرة النبوية والتاريخ وقفات طويلة وعميقة، تفسيراً وتعبيراً واستلهاماً واسترشادا، عندما كنا نجلس في حضرته مستمعين لتفسيره وشرحه، فلم يكن يقرأ القرآن كقارئ عابر، بل كان يغوص في معانيه، ويستخرج كنوزه، ويُلقيها على السامعين بأسلوب يجمع بين جمال البيان، وحرارة الإيمان، وعمق الإدراك، كان يجد في القرآن بوصلة الحياة، ومصدر الإلهام، ودليل الطريق، وكان يُحسن أن يجعل من آياته ضوءا للقلوب وظلا للعقول، ترافقنا في دروب الدعوة والإعلام والنضال، ولم أره يوماً إلا ثابتاً، واقفاً، باسقاً كالنخيل، لا تميله ريح، ولا تكسره عاصفة، كان شوكة الميزان عندما تختلف الآراء، لا يصرخ، بل يقنع، لا يخاصم، بل يصلح، لا يبحث عن ذاته، بل عن خلاص وطنه.
عملنا سوياً في طريق المقاومة، ومن خلال المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية، برئاسة المناضل الشيخ حمود المخلافي وكوكبة من خيار القوم، حاولنا أن نرسم ملامح طريق واضح لإنقاذ وطننا من مستنقعات التشظي والتيه، واضعين نصب أعيننا اليمن الحر، الكريم، العادل، كان الفؤاد يرسخ فينا أن الكلمة مقاومة، وأن الموقف جبهة، وأن الوطن لا يُبنى بالصمت، بل بالصوت العالي والحكمة العميقة والنضال الصادق.
كان فؤاد صاحب طرفة ذكية ونكتة هادفة، يُلقيها بخفة روح وعفوية، فتجد القلوب تميل إليه، والوجوه تبتسم من حوله، كان يعرف كيف يُمرر الحقيقة في قالب من الدعابة، وكيف يُصلح المزاج دون أن يُفسد الموقف، كانت روحه المرحة جزءا أصيلاً من شخصيته، تزيده قربا ومحبة في القلوب، نضاله العام في رحب السياسية والأدب والمقاومة والدعوة، لم تجعله غافلًا عن مسؤولياته الخاصة، بل كان زوجا وفيا، وأبا حكيما، حريصا على تنشئة أبنائه على القيم التي آمن بها، ربّاهم على حب الوطن، والتضحية في سبيله وعلى الإحسان للناس، وأن يكونوا عوناً لغيرهم لا عبئاً على أحد، وقبل ذلك علّمهم أن يعتمدوا على أنفسهم وأن تكون لهم شخصيتهم وهويتهم المستقلة.
كان يرى في الأسرة نواة الوطن، وفي التربية مشروعاً وطنياً لا يقل شأناً عن أي منبر أو موقف، كان فؤاد الحميري محباً للناس، ساعياً في قضاء حوائجهم، متبنياً لقضاياهم ومشاكلهم دون أن يطلبوا، وكأنّ في قلبه متّسعا للجميع، شهدت بنفسي مواقف عدة في هذا المجال، لم يكن يرد أحداً خائبا، ولم يكن يسمع بمظلمة إلا حملها، ولا بحاجة إلا سعى فيها، كان يرى في ذلك واجباً لا منّة، وفضيلة لا فضلا، وكان حضوره في حياة الآخرين بلسما، وصوته سندا، وفعله أملا.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وسائل التواصل تتحول لخيمة عزاء كبيرة في وفاة الشاعر والأديب فؤاد الحميري
وسائل التواصل تتحول لخيمة عزاء كبيرة في وفاة الشاعر والأديب فؤاد الحميري

اليمن الآن

timeمنذ 3 ساعات

  • اليمن الآن

وسائل التواصل تتحول لخيمة عزاء كبيرة في وفاة الشاعر والأديب فؤاد الحميري

في لحظة حزن كثيف، تحولت وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن إلى خيمة عزاء كبيرة تبكي الشاعر والخطيب والمثقف الوطني فؤاد حسن عبدالقادر الحميري، الذي وافته المنية في مدينة إسطنبول بعد صراع مع المرض. وفؤاد، لم يكن مجرد شاعر، بل كان صوتاً حراً ورمزاً للكلمة الملتزمة، قاوم القبح بالجمال، والاستبداد بالحق، ومضى عن هذه الدنيا مخلفاً وراءه إرثاً من الحضور المؤثر، وغياباً موحشاً لا تملؤه سوى الذكرى. وبعث الرئيس رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، برقية تعزية إلى أحمد فؤاد الحميري وإخوانه، أعرب فيها باسمه ونيابة عن أعضاء المجلس والحكومة، عن بالغ الحزن وخالص العزاء في وفاة والدهم نائب وزير الإعلام الأسبق فؤاد الحميري، الذي انتقل إلى جوار ربه بعد حياة حافلة بالعطاء الوطني والأدبي والإعلامي. وأشاد العليمي بمسيرة الفقيد وإسهاماته المهمة في خدمة وطنه وشعبه وتطلعاته، من خلال نشاطه الأدبي والإعلامي وتقلده مواقع سياسية وإدارية، كان أبرزها منصب نائب وزير الإعلام، سائلاً الله أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان. كما بعث عبدالوهاب أحمد الآنسي، الأمين العام للتجمع اليمني للإصلاح، برسالة عزاء إلى أبناء الفقيد، قال فيها إن فؤاد الحميري كان أحد رموز الوطن البارزين، وصوتاً صادحاً بمبادئ الثورة والجمهورية والوحدة، وشخصية إعلامية وثقافية لم تدخر جهداً في الدفاع عن كرامة الشعب وحقوقه في مواجهة المشروع الكهنوتي المتخلف. وأضاف أن الفقيد كان من قيادات الإصلاح المحنكة، ورواد العمل السياسي الوطني، وأنه يمثل مدرسة في النضال والعمل والعطاء، بما اتسم به من سمو النفس وخلق رفيع ونقاء السريرة. وختم رسالته بالدعاء للفقيد بالرحمة والمغفرة، ولأهله بالصبر والسلوان. ونعت وزارة الإعلام اليمنية الفقيد، مشيدة بمناقبه الوطنية ودوره التنويري، معتبرة رحيله المبكر "خسارة فادحة للوطن في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد". وقالت الوزارة إن الحميري ظل مخلصاً لمبادئه الوطنية، وقدّم نموذجاً في الالتزام بالكلمة الصادقة، واستخدم قلمه وفكره في التصدي لانقلاب جماعة الحوثي ومشروعها الكهنوتي، ناسفاً خرافتها بالحجة والفكرة. وأضاف البيان أن الراحل كان من أبرز الأصوات الثقافية والشعرية في اليمن، عبّر عن قضايا شعبه شعراً ونثراً، وأحبه الجميع لأخلاقه الرفيعة وتواضعه، وظل قريباً من هموم الناس، مخلصاً لقضاياهم. بدوره، نعى ملتقى الفنانين والأدباء اليمنيين عضو مجلس أمنائه فؤاد الحميري، واصفاً رحيله بالفاجعة التي ألمّت بالمشهد الثقافي. وقال البيان إن الحميري كان قامة أدبية وإبداعية نادرة، ظلّ صوته منحازاً لقضايا الإنسان والحرية والكرامة، مؤمناً بالكلمة سبيلاً للتغيير. وأضاف الملتقى أن الفقيد حمَل الكلمة مسؤولة ومشتعلة، وجعل من القصيدة منبراً ومن منبره قصيدة، وعبّر حتى آخر أيامه عن تمسكه بالأمل رغم الألم. وكتب وزير الثقافة السابق خالد الرويشان منشوراً مؤثراً بعنوان "خفقة الطائر الأخيرة"، قال فيه إن فؤاد الحميري كان "تغريدة الجيل"، مشيراً إلى بداياته وهو فتى صغير في مركز الدراسات والبحوث بصنعاء، حيث كان يشارك بكلمته الحادة والواثقة وسط كبار الشعراء والأدباء. واستعاد الرويشان ذكريات المقيل الثقافي، وكيف كان الحميري يخطف الأنظار بصوته الطفولي المشتعل، رغم حداثة سنه، ووصفه بـ"العصفور المغرّد" الذي رحل مبكراً إلى "حدائق الرحمن". وقال الدكتور ياسين سعيد نعمان، سفير اليمن لدى المملكة المتحدة والقيادي الاشتراكي البارز، في رثائه: "رحم الله فؤاد الحميري، الشاب الذي خرج ذات صباح ليعلن للناس إنه ابن مستقبل لا يقبل المساومة، حتى لو تأجل تحت وطأة ومرارة الواقع. تأخر المستقبل كثيراً، وغادر هو الحياة وفي نفسه شيء من حتى". ونشر الشيخ والبرلماني حميد الأحمر:"بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، ننعى إلى أنفسنا، وإلى أهله الكرام وكافة محبيه، رحيل الأستاذ الجليل، والشاعر الملهَم، والكاتب الحر والخطيب المفوه، فؤاد الحميري، الذي غاب جسده، ولم يغب أثره". وأضاف: "فقد الوطن لصوت عاقل في زمن الضجيج، ولسان للحق حين صمتت الألسن، ونبض حرّ لقضية آمن بها حتى آخر رمق، لا يمثل فاجعة لأسرته فقط، بل للوطن بأسره". وكتب يحيى الثلايا، رئيس الهيئة العامة للكتاب: "مضى الفؤاد إلى خالقه رافعاً إصبعيه أن لا يأس.. فؤاد الحميري يرحل عن دنيانا. يوم حزين.. رحمك الله". ونعى الكاتب نبيل البكيري الحميري بوصفه "واحداً من أعلام اليمن الكبار"، وقال إن الراحل ترك أثراً كبيراً في مسيرته القصيرة، وكان نزيهاً بسيطاً، متواضعاً، وقريباً من الناس. أما الصحفي سمير رشاد اليوسفي فكتب: "رحم الله فؤاد الحميري، غادر بصمت، وترك خلفه أثر الكلمة ودفء الحضور". وكتب الدكتور مروان الغفوري: "بالأمس انكسرت شجرة الغريب، واليوم مات فؤاد الحميري. السماء ناقصة، وأرضنا فقدت ولدها الحارس. مع الله، أيها النجم، مع الله. هناك مكانك". ودوّن فتحي أبو النصر: "سلامٌ على فؤاد الحميري... من الأرض حتى السماء". وفي رثاء موسّع نشره فتحي أبو النصر قال: "لقد كان فؤاد الحميري أكثر من مجرد شاعر أو خطيب مفوه، كان روحاً تسير على الأرض، مخلصة لفكرتها، متمردة على القبح، باحثة أبداً عن وطن يليق بحلمه الكبير". وأضاف: "في ساحات التغيير، كانت خطبه جمعة أخرى، بلغة تقطر شرفاً وإيماناً بقدرة الإنسان على أن يكون حراً وكريماً". وتابع قائلاً: "رحمك الله يا فؤاد، وعسى أن تكون ضيفاً خفيفاً على السماء كما كنت ثقيلاً بالحب على قلوبنا". وأضاف فتحي أبو النصر: "هل تذكر حين قلت لك يوماً إنني مستعدٌ أن أتبرع بكليتي لك فقط إن تطابقتما؟ كنت لا أمزح، وكنت تعنيها بابتسامتك الصادقة لأنك ببساطة كنت تؤمن بالعطاء حد الألم". ورثاه أمين عام مجلس الوزراء السابق مطيع دماج بكلمات مؤثرة، قال فيها: "رحمة الله عليك يا فؤاد الحميري، أيها الصديق النبيل، غزير المواهب، كريم الخُلق، بهيُّ السيرة والسلوك. عرفتك المنابر والساحات صوتاً طليقاً، بليغاً، واضح المعنى، وشجاع الانتماء... الأسى يا صاحبي يتضاعف كلما غيّب الموت رجلًا واسع العقل والرؤية والموهبة". وأضاف: "الأسى حظّنا مرتين في البلاد الممزقة بالقتلة والأدعياء اللصوص… ومرةً حين يكسرنا الموت قبل الأوان". وكتب القيادي في المجلس السياسي في"المقاومة الوطنية" كامل الخوداني: رحمة الله تغشاك يافؤاد الحميري شاعر جميل وخطيب مفوه نسأل الله ان يتغمده بواسع رحمته. ونعى الصحفي سعيد ثابت سعيد، الحميري، واصفاً رحيله بالخسارة الكبيرة لصوت وطني صادق ظل حاضراً في كل المراحل. وقال سعيد في منشور له "رحل فؤاد! رحل الصوت الذي سبقنا دوماً، والقلب الذي لم يعرف غير الناس وطناً، والشاعر الذي لم يهادن ولم يصمت ولم يخن". واعتبر أن فؤاد الحميري لم يكن مجرد شاعر أو خطيب مفوّه يشعل الحماسة في الميادين، ولا مجرد مسؤول حكومي عابر، أو ناشط اجتماعي يظهر ثم يختفي، بل كان كل ذلك، وكان أيضاً أعمق وأصدق وأنبل. وأضاف أنه كان "وجداناً عاماً حين تبلدت مشاعر النخبة، وصوتًا حين خنق الخوف حناجر الناس، ومرآةً تعكس ملامح المجتمع حين ضاعت ملامحه". ووصف سعيد الراحل بأنه "الفارس النبيل، والروح الكبيرة التي سكنت جسدًا متعبًا لكنها لم تتشظَّ أو تنكسر"، مؤكداً أن الفقد قاسٍ، وأن القلوب لا تملك أمامه سوى الدعاء والدموع. وقال سفير اليمن في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ( اليونسكو) محمد جميح إن الحميري كان "شاعراً غاضباً من الواقع، هادئ الطبع، وفياً لما يكتب ويقول"، مضيفاً أن الحرب أبعدت الكثير من الأصدقاء وفرّقت أبناء الوطن، ليغادر الحميري الحياة كما غادرها كثيرون في المنافي دون وداع. من جهته، وصف الكاتب والسياسي ياسين التميمي الراحل بأنه "شاعر بحجم الوطن"، مشيراً إلى سنوات قضاها معه في إسطنبول، وكيف واجه مرض الفشل الكلوي بصبر ورضى. وقال: "ستبقى ذكراه وإنجازاته شاهدة على رجل استثنائي مر من هنا". أما عضو مجلس الشورى صلاح باتيس، فقال إن الحميري كان رفيقاً نبيلاً حمل همّ اليمن في كل محطاته، وظل وفياً للحلم الوطني رغم الألم. وأضاف: "فقدناه في لحظة حرجة من تاريخ اليمن، حين كنا بأمسّ الحاجة لصوته ومواقفه". وكتب الصحفي عبدالله المنيفي أن "فؤاد الحميري كان واحداً من فرسان اليمن، ورجاله الأنقياء، الصادقين"، مؤكداً أن رحيله يمثل خسارة لكل أصحاب الكلمة الحرة والمواقف الصادقة. إلى ذلك قال الإعلامي أحمد عثمان، إن الحميري رحل "كغياب النجم في قمة توهجه"، مشيراً إلى أنه حمل شعلة الثورة والمعرفة في وجه الجهل والتخلف، وواصل مشواره بإصرار حتى حين تعب الآخرون. بدوره قال الكاتب خليل العمري، إن الحميري قاوم المرض كما قاوم المنفى والتشفي، مضيفاً: "لم يكن المرض إلا معركة أخرى خاضها بشجاعة، وترك فينا شيئاً من كل حياته، في كل قصيدة وفكرة وموقف".

فؤاد الحميري... حين تكون الكلمة وطناً
فؤاد الحميري... حين تكون الكلمة وطناً

الصحوة

timeمنذ 4 ساعات

  • الصحوة

فؤاد الحميري... حين تكون الكلمة وطناً

بعض الناس يمرّون في حياتنا مرور العابرين، وبعضهم يرسّخون حضورهم في القلب والفكر والذاكرة، لأنهم لا يعيشون لأنفسهم، بل يعيشون لفكرة، لقضية، لقيمة، الأخ الصديق والزميل المرحوم فؤاد الحميري كان من هؤلاء الذين إذا ذكرتهم، حضرت النخوة، وحضر النضال، وحضر الإبداع. عرفته منذ سنوات في صنعاء، فكان أول ما أسرني في شخصيته ذاك الصوت الذي إذا خطب شدّك، وإذا أنشد أطربك، وإذا تحدث أوصل إليك المعنى بوضوح المبين وعمق الفيلسوف، كان خطيباً مفوّهاً، تتقافز الكلمات بين شفتيه كأنها جنود في ساحة المعركة، تعرف هدفها، وتدرك رسالتها، ثم عرفته عن قرب أكثر، فإذا بي أمام شاعر فصيح لا يكتب بالكلمات، بل يكتب بالأرواح، في قصائده كان الوطن نفساً، وكان الحرف طلقة، وكان الحنين ناراً لا تنطفئ، لم يكن الشعر عنده ترفاً لغويا، بل كان سلاحاً من أسلحة الوعي، وطريقا إلى نبض الجماهير. يعرفه الناس خطيباً وشاعراً ولكنه أيضاً كان سياسياً بارعاً، لا يلهث وراء المناصب، بل يركض خلف المواقف، يقرأ المشهد بحدس المثقف، ويحاور بخبرة العارف، ويقف حيث ينبغي أن يقف، لا حيث يُطلب منه أن يصمت، فرض نفسه في قطار الإعلام، كناطق للمنسقية العليا لثورة فبراير، وتبوء منصب نائب وزير الإعلام في مرحلة هامة وحساسة، عقب ثورة الحادي عشر من فبراير 2011م التي كان أحد فرسانها، فقد كان في الإعلام مدرسة قائمة بذاتها، لا يكرر نفسه، ولا يعيد إنتاج ما يُقال، بل يبدع، ويطرح، ويفتح نوافذ الضوء في أزمنة الظلام، كان الإعلام عنده رسالة، والرسالة عهد لا ينتهي. وإلى جانب ذلك كله، كان داعيةً ومربياً، يزرع في العقول بذور الفهم، وفي القلوب بذور الإيمان، وفي الأرواح بذور الثورة على الظلم والجهل والتبعية، كان يجمع بين العقل والقلب، بين الحكمة والشجاعة، بين الفكر والحركة. كان له مع القرآن الكريم والسيرة النبوية والتاريخ وقفات طويلة وعميقة، تفسيراً وتعبيراً واستلهاماً واسترشادا، عندما كنا نجلس في حضرته مستمعين لتفسيره وشرحه، فلم يكن يقرأ القرآن كقارئ عابر، بل كان يغوص في معانيه، ويستخرج كنوزه، ويُلقيها على السامعين بأسلوب يجمع بين جمال البيان، وحرارة الإيمان، وعمق الإدراك، كان يجد في القرآن بوصلة الحياة، ومصدر الإلهام، ودليل الطريق، وكان يُحسن أن يجعل من آياته ضوءا للقلوب وظلا للعقول، ترافقنا في دروب الدعوة والإعلام والنضال، ولم أره يوماً إلا ثابتاً، واقفاً، باسقاً كالنخيل، لا تميله ريح، ولا تكسره عاصفة، كان شوكة الميزان عندما تختلف الآراء، لا يصرخ، بل يقنع، لا يخاصم، بل يصلح، لا يبحث عن ذاته، بل عن خلاص وطنه. عملنا سوياً في طريق المقاومة، ومن خلال المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية، برئاسة المناضل الشيخ حمود المخلافي وكوكبة من خيار القوم، حاولنا أن نرسم ملامح طريق واضح لإنقاذ وطننا من مستنقعات التشظي والتيه، واضعين نصب أعيننا اليمن الحر، الكريم، العادل، كان الفؤاد يرسخ فينا أن الكلمة مقاومة، وأن الموقف جبهة، وأن الوطن لا يُبنى بالصمت، بل بالصوت العالي والحكمة العميقة والنضال الصادق. كان فؤاد صاحب طرفة ذكية ونكتة هادفة، يُلقيها بخفة روح وعفوية، فتجد القلوب تميل إليه، والوجوه تبتسم من حوله، كان يعرف كيف يُمرر الحقيقة في قالب من الدعابة، وكيف يُصلح المزاج دون أن يُفسد الموقف، كانت روحه المرحة جزءا أصيلاً من شخصيته، تزيده قربا ومحبة في القلوب، نضاله العام في رحب السياسية والأدب والمقاومة والدعوة، لم تجعله غافلًا عن مسؤولياته الخاصة، بل كان زوجا وفيا، وأبا حكيما، حريصا على تنشئة أبنائه على القيم التي آمن بها، ربّاهم على حب الوطن، والتضحية في سبيله وعلى الإحسان للناس، وأن يكونوا عوناً لغيرهم لا عبئاً على أحد، وقبل ذلك علّمهم أن يعتمدوا على أنفسهم وأن تكون لهم شخصيتهم وهويتهم المستقلة. كان يرى في الأسرة نواة الوطن، وفي التربية مشروعاً وطنياً لا يقل شأناً عن أي منبر أو موقف، كان فؤاد الحميري محباً للناس، ساعياً في قضاء حوائجهم، متبنياً لقضاياهم ومشاكلهم دون أن يطلبوا، وكأنّ في قلبه متّسعا للجميع، شهدت بنفسي مواقف عدة في هذا المجال، لم يكن يرد أحداً خائبا، ولم يكن يسمع بمظلمة إلا حملها، ولا بحاجة إلا سعى فيها، كان يرى في ذلك واجباً لا منّة، وفضيلة لا فضلا، وكان حضوره في حياة الآخرين بلسما، وصوته سندا، وفعله أملا.

العليمي: برحيل الحميري خسر الوطن قامة وطنية وإعلامية مشهوداً لها بالعطاء والنزاهة والإخلاص
العليمي: برحيل الحميري خسر الوطن قامة وطنية وإعلامية مشهوداً لها بالعطاء والنزاهة والإخلاص

اليمن الآن

timeمنذ 4 ساعات

  • اليمن الآن

العليمي: برحيل الحميري خسر الوطن قامة وطنية وإعلامية مشهوداً لها بالعطاء والنزاهة والإخلاص

أكد نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور عبدالله العليمي، أن الوطن خسر برحيل نائب وزير الإعلام الأسبق الشاعر والأديب فؤاد الحميري، قامة وطنية وإعلامية مشهوداً لها بالعطاء والنزاهة والإخلاص. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه بالأستاذ حسن فؤاد الحميري، نجل الفقيد معزياً إياه وإخوانه وكافة أفراد أسرة الفقيد في هذا المصاب الجلل. وأعرب الدكتور العليمي خلال الاتصال عن بالغ الحزن وصادق المواساة، مشيداً بمناقب الفقيد وإسهاماته الوطنية والفكرية والإعلامية، التي كان لها دور بارز في خدمة الوطن والدفاع عن قضاياه العادلة في مختلف المراحل. وابتهل عضو مجلس القيادة الرئاسي إلى الله العلي القدير أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store