logo
لأول مرة.. الكيمياء تسمح برؤية واضحة عبر الضباب الكثيف على الطرق

لأول مرة.. الكيمياء تسمح برؤية واضحة عبر الضباب الكثيف على الطرق

الجزيرةمنذ 2 أيام
لطالما تسبب الضباب في تعطيل سير السيارات وتصادمها أحيانًا، بل في تصادم بعض الطائرات بين السُحب في الجو. فعندما تنعدم الرؤية، يتخبط البشر ويضطرون إلى الاعتماد على الكاميرات والمجسات.
ورغم قلقنا البشري الفطري من الظلام، فإنه لا يقارن بالضباب، إذ قد تنجيك مصابيح سيارتك أو الكاميرا الليلية في الظلام، لكن لن ينفعك شيء في الضباب، فهو يلتهم كل شيء.
ولحل هذه المشكلة، تقدم دراسة حديثة نُشرت في دورية "أدفانسيد ماتيريالز" المتخصصة كشفًا قد يغيّر قواعد اللعبة جذريا. فقد طوّر باحثون من كوريا الجنوبية بالتعاون مع آخرين من جامعة فرجينيا كومنولث الأميركية كاشفًا ضوئيا عضويا جديدًا يُعرف باسم "3 بي إيه إف سي إن"، يتميز بحساسية فائقة وقدرة على التقاط إشارات ضوئية خافتة حتى في ظروف الضوضاء البصرية الشديدة.
يقول أحمد قاسم، الباحث في قسم الكيمياء بجامعة فرجينيا كومنولث الأميركية، وغير المشارك في الدراسة: "تُصاب أنظمة التصوير بالعمى عند تشتت الضوء، إذ يُحوّل الدخان والضباب والبيئات المعتمة الصور الواضحة إلى ضبابية مشوشة يصعب فك رموزها، وهو قيد أساسي في الكاميرات وأجهزة الاستشعار التقليدية".
الرؤية في الضباب
تقترح الدراسة حلًّا يقوم على تصميم طبقة عضوية مبتكرة داخل الكاشف الضوئي تعمل مثل "بوابة جزيئية" دقيقة، تمنع دخول الشحنات الكهربائية غير المرغوب فيها والتي تولّد الضوضاء والتعتيم، بينما تسمح بمرور إشارات الضوء الحقيقية.
يشرح قاسم "صمم الباحثون نوعًا جديدًا من 'كاشف ضوئي عضوي' فائق الحساسية يلتقط الضوء، مستوحى من الإلكترونيات العضوية، إذ يعمل بدقة من خلال تصميم طبقة 'بوابة' جزيئية مخصصة".
الإلكترونيات العضوية هي فرع من الإلكترونيات يستخدم مواد عضوية (مبنية على الكربون) بدلًا من المواد غير العضوية التقليدية مثل السيليكون، هذه المواد تكون غالبًا بوليمرات أو جزيئات صغيرة قادرة على توصيل الكهرباء أو إصدار الضوء، وتكون عادة خفيفة الوزن ومرنة، ومن أمثلتها شاشات "أوليد" في الهواتف والتلفزيونات.
واستطاع الفريق تحقيق أدنى مستوى ضوضاء سُجل على الإطلاق في مثل هذه الأجهزة (2.18 فمتوأمبير فقط) أي أصغر بمليون مرة من ضوضاء مستشعر الهاتف الذكي!
الميزة الأساسية لهذا الكاشف العضوي تكمن في قدرته على الصمت الإلكتروني شبه الكامل. إذ يستطيع الجهاز العمل من دون إصدار تيارات كهربائية عشوائية، أو تسريبات حرارية أو شحنات شاردة، تؤثر على دقة التقاط الضوء، خاصة في الظلام أو البيئات المنخفضة الإضاءة بفضل التصميم الجزيئي العميق للطبقة الحاجزة.
يشرح قاسم أن طبقة "3 بافسين" تعمل كمرشح دقيق على المستوى الذري، فتُسكت الضوضاء الكهربائية. ويوضح أن تلك القدرة "ترجع إلى مستوى الطاقة الجزيئية العميق للمادة، حيث يشكل 'جدارًا' مرتفعًا يحجب الإلكترونات الشاردة الناتجة عن الحرارة"، كما أن وجود مجموعات السيانو داخل التركيب الجزيئي يعزز من هذا التأثير، فيجعل مرور الشحنات المسببة للضوضاء شبه مستحيل.
اختبار تحت الضباب والظلام
لا تكتمل جدية الاختبارات من دون بيئة واقعية، لهذا شرع الفريق في تجربة الكاشف داخل غرفة مملوءة بالضباب الكثيف المصطنع بواسطة الثلج الجاف، وبتقليل الإضاءة حتى حدود خافتة جدا.
يقول قاسم "باستخدام إعداد كاميرا بسيطة أحادية البيكسل، نجح الباحثون في تصوير أجسام مخفية خلف ضباب كثيف وفي ضوء خافت للغاية. أنتجت المستشعرات التقليدية صورًا ضبابية، لكن قدّم الجهاز الجديد صورًا واضحة وعالية التباين".
بمعنى آخر، تمكن الكاشف العضوي الجديد من رؤية ما لم يُرَ، وهو وصف يليق بالتقنية التي تخترق حاجز التشتت البصري بذكاء جزيئي.
تحديات تحتاج المزيد من البحث
ورغم النجاح المذهل، يقر الفريق بأن تحقيق الدقة القصوى المطلوبة لقمع الضوضاء على مستوى الفيمتوأمبير في الكواشف الضوئية العضوية يُشكل تحديًا متعدد الجوانب وكذلك الحفاظ عليها.
إذ يتطلب تحقيق دقة عالية على المستوى الذري حجب الإلكترونات في هذا الابتكار، حيث تُسبب العيوب النانوية في بناء ما يشبه المصايد التي تُضخّم من الضوضاء، مما يصعّب المهمة، بحسب قاسم.
كما أن التحكم في شكل الجزيئات وتوجيهها خلال عملية التصنيع من المحلول يتطلب دقة أقل من النانومتر، وهو أمر يصعب تكراره على نطاق صناعي.
لذلك يبقى التحدي الأبرز أمام الفريق هو نقل هذه التقنية من المختبر إلى خطوط الإنتاج. ويختتم قاسم بالقول "إن التبني الصناعي يعتمد على تحقيق اكتشافات مستقبلية قوية في تصميم المواد المقاومة للعيوب، وكيفية التحكم في ترسيب المواد، وبروتوكولات الحماية القوية لتحويل الدقة على نطاق المختبر إلى عملية موثوقة وفعالة من حيث التكلفة".
لكن في النهاية، تفتح نتائج هذه الدراسة الباب أمام تطبيقات ثورية، لا تقتصر على الرؤية الليلية أو القيادة الذاتية فقط، بل تمتد إلى التصوير الطبي العميق، ورصد الظواهر البيئية في ظروف ضوئية صعبة، وحتى الكاميرات الأمنية.
كذلك تبرهن هذه التقنية على ما يمكن للهندسة الجزيئية الدقيقة أن تحله من مشاكل كبرى في عالمنا البصري، حيث يمكن لطبقة من الجزيئات المتناهية الصغر أن تمنح الأجهزة الإلكترونية "حاسة بصر خارقة".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قنبلة التعتيم الصينية سلاح غير فتاك يُعطّل البنية التحتية الكهربائية
قنبلة التعتيم الصينية سلاح غير فتاك يُعطّل البنية التحتية الكهربائية

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

قنبلة التعتيم الصينية سلاح غير فتاك يُعطّل البنية التحتية الكهربائية

نوع متطور من قنابل الغرافيت غير الفتاكة، كشف عنها عبر محاكاة نشرها التلفزيون المركزي الصيني في يونيو/حزيران 2025، تعمل على تعطيل شبكات الكهرباء عبر خيوط كربونية دقيقة تُحدث دوائر قصر كهربائية، فتشلّ بنى تحتية حيوية على مساحة تتجاوز 10 آلاف متر مربع من دون تدمير مادي. الكشف نشر التلفزيون المركزي الصيني "سي سي تي في" في أواخر يونيو/حزيران 2025، مقطع فيديو تضمن محاكاة لصاروخ يُطلق من منصة أرضية، يحمل 90 قذيفة تعتيم فرعية أسطوانية الشكل، مزودة بخيوط كربونية دقيقة تُطلق في الجو بعد انفجارها. وتؤدي هذه الخيوط إلى إحداث دوائر قصر كهربائية ضمن شبكات الطاقة، مما يسبب تعطيلا فوريا وشاملا للبنية التحتية الكهربائية في المنطقة المستهدفة. ووفقا للمحاكاة، فإن تأثير هذا النوع من الذخائر يمتد على مساحة تتجاوز 10 آلاف متر مربع (نحو 2.5 فدان)، مما يشير إلى أن السلاح يمثل جيلا جديدا من قنابل الغرافيت، وهي فئة من الأسلحة غير الفتاكة مخصصة لتعطيل أنظمة الطاقة والاتصالات من دون تدمير مادي مباشر. وكانت الولايات المتحدة أول من استخدم "قنابل الغرافيت" في حروبها ب العراق و صربيا ، إذ نجحت الذخائر الفرعية من طراز "بلو-114/بي" في تعطيل ما يصل إلى 85% من قدرة شبكات الكهرباء أثناء المراحل الأولى من تلك الحروب. وفي الصين، نُسبت فكرة تصميم السلاح إلى "شركة علوم وتكنولوجيا الفضاء الصينية"، وهي مؤسسة حكومية أسست عام 1999، وتُعد الجهة المسؤولة عن تطوير أبحاث الأنظمة الفضائية في الصين وتصميمها وتصنيعها. وأثار هذا الكشف تكهنات واسعة، خاصة في ظل غياب معلومات رسمية عن مدى تطور السلاح أو دخوله الخدمة الفعلية في الجيش الصيني ، في وقت ربط فيه مراقبون ظهوره بالتوترات حول مضيق تايوان. مواصفات السلاح المدى: يراوح مدى الصاروخ ما بين 80 و290 كيلومترا. الرأس الحربي: يحتوي على 490 كيلوغراما من الألياف الكربونية الموصلة للكهرباء. الحمولة: 90 قذيفة فرعية تنتشر في الجو. حجم التأثير: تغطي خيوط الكربون مساحة تتجاوز 10 آلاف متر مربع من البنية التحتية الكهربائية. آلية العمل تعتمد قنابل الغرافيت أو ما يُعرف بالقنابل التعتيمية على مبدأ الهجوم الكهرومغناطيسي المحدود والتعطيل غير التدميري، إذ تستهدف البنية التحتية للطاقة من دون استخدام تفجيرات تقليدية تلحق ضررا ماديا مباشرا. وبحسب وسائل إعلام صينية، يطلق صاروخ يُعرف باسم "المدافع 600" من منصة برية أو بحرية، وبعد وصوله إلى المنطقة المستهدفة، يُطلق 90 قذيفة فرعية تنتشر على نطاق واسع فوق الأهداف المحددة. وقد صممت كل قذيفة فرعية لترتد عند ملامستها الأرض أو الأجسام الصلبة، ثم تنفجر في الهواء على ارتفاع منخفض، مطلقة مئات من خيوط الكربون الدقيقة المعالجة كيميائيا، والمعروفة أيضا باسم "ألياف الغرافيت" الموصلة للكهرباء. بعد ذلك، تسقط هذه الخيوط فوق الأسلاك ومحوّلات الضغط العالي والمكونات الحساسة في منشآت الطاقة العالية الجهد، مما يتسبب في إغلاق الدوائر الكهربائية عن طريق وصل الأسلاك أو المكونات غير المفترض أن تتصل، وهو ما يُحدث دوائر قصر تؤدي إلى أعطال مفاجئة أو انقطاع شامل للتيار الكهربائي. ويُقدر أن تأثير هذه القذائف يغطي مساحة تزيد على 10 آلاف متر مربع، وهو يكفي لتعطيل منشآت عسكرية أو مدنية بأكملها، من دون الحاجة إلى تدمير مادي للبنية التحتية.

سلاح البكتيريا الخفي.. صبغة صفراء "عجيبة" تصنع الوقود وتقتل الجراثيم
سلاح البكتيريا الخفي.. صبغة صفراء "عجيبة" تصنع الوقود وتقتل الجراثيم

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

سلاح البكتيريا الخفي.. صبغة صفراء "عجيبة" تصنع الوقود وتقتل الجراثيم

بينما تحتاج معظم الكائنات الحية للهواء لتعيش، تزدهر بكتيريا تعرف باسم "كلوستريديوم ثيرموسيلوم" بلا أكسجين في بيئات خانقة لا تحتملها غيرها. وتعيش هذه البكتيريا في أمعاء البشر، وتوجد بكثافة في وحل قاع المحيط، تمارس مهامها من دون كلل، في تكسير مادة السليلوز التي تُكوّن جدران الخلايا النباتية. والمعروف منذ نحو قرن من الآن أن هذه البكتيريا لا تفعل ذلك بشكل عشوائي، إذ تعتمد في مهمتها على صبغة صفراء لامعة أطلق عليها العلماء اسم "ياس". لكن التركيب الجزيئي لهذه الصبغة العجيبة، والذي يمنحها هذه الوظيفة، ظلّ لغزا كبيرا إلى أن تمكن الفريق العلمي في معهد لايبنتز ومعهد ماكس بلانك في ألمانيا من كشف السر الذي تخفيه هذه الصبغة الصفراء. التوجيه الذكي وخلال الدراسة المنشورة بدورية"أنجيوانديت كيمي إنترناشونال أديشون"، نجح الباحثون باستخدام أحدث تقنيات التحليل الطيفي والتجارب الجينية، في اكتشاف أن هذه الصبغة تحتوي على مركبات أطلقوا عليها اسم "سيلوكسنثينات". تقوم هذه المركبات بدور "التوجيه الذكي"، إذ ترتبط بشكل انتقائي بألياف السليلوز (المادة النباتية الصلبة)، وتساعد في توجيه إنزيمات التحلل (السليلاز) مباشرة إلى مواقع وجود السليلوز، وهذا التوجيه الدقيق يُعزز من كفاءة تحويل السليلوز إلى سكريات، يمكن لاحقا تحويلها إلى وقود حيوي مثل الإيثانول. لكن ما أدهشهم أكثر هو أن هذه المركبات لا تساعد فقط على إنتاج الوقود الحيوي مثل الإيثانول، بل تملك تأثيرا مضادا خفيا ضد بعض البكتيريا الموجبة الغرام، بما في ذلك سلالات مقاومة للمضادات الحيوية، وهذا يمنحها ميزة تنافسية، إذ يمكنها حماية مصدر غذائها (السليلوز) من البكتيريا الأخرى التي قد تحاول استغلاله، وهذا ما يجعلها هدفا واعدا للأبحاث في مجالي الطاقة الحيوية وتطوير مضادات حيوية جديدة. إيقاظ الكنوز النائمة هذا الإنجاز ليس وليد المصادفة، فقد جاء ضمن مشروع علمي طموح يُدعى "أنوكسيجين"، معني باكتشاف مركبات حيوية جديدة من بكتيريا تعيش في بيئات خالية من الأكسجين، عبر تفعيل مسارات وراثية خاملة. ويقود المشروع البروفيسور كريستيان هيرتفيك الذي يشرح في بيان صحفي رسمي من معهد لايبنتز قائلا إن "كثيرا من البكتيريا اللاهوائية تخبئ في جيناتها القدرة على إنتاج مركبات فعالة طبيا، لكنها لا تفعل ذلك إلا في ظروف نادرة، وهدفنا هو إيقاظ هذه المسارات الجينية واكتشاف ما يمكن أن تقدمه لنا". ويرى الباحثون أن هذه الصبغة التي لطالما حيّرتهم ما هي إلا بداية لسلسلة من المركبات التي قد تحدث ثورة في الطب والصناعة، وربما في مستقبل ليس ببعيد سيكون الوقود الذي يُشغل مركباتنا أو الدواء الذي يُعالج أمراضنا قد خرج من أحشاء بكتيريا قديمة، تسكن في الظل، وتعرف كيف تنجو من دون أكسجين.

لأول مرة.. الكيمياء تسمح برؤية واضحة عبر الضباب الكثيف على الطرق
لأول مرة.. الكيمياء تسمح برؤية واضحة عبر الضباب الكثيف على الطرق

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

لأول مرة.. الكيمياء تسمح برؤية واضحة عبر الضباب الكثيف على الطرق

لطالما تسبب الضباب في تعطيل سير السيارات وتصادمها أحيانًا، بل في تصادم بعض الطائرات بين السُحب في الجو. فعندما تنعدم الرؤية، يتخبط البشر ويضطرون إلى الاعتماد على الكاميرات والمجسات. ورغم قلقنا البشري الفطري من الظلام، فإنه لا يقارن بالضباب، إذ قد تنجيك مصابيح سيارتك أو الكاميرا الليلية في الظلام، لكن لن ينفعك شيء في الضباب، فهو يلتهم كل شيء. ولحل هذه المشكلة، تقدم دراسة حديثة نُشرت في دورية "أدفانسيد ماتيريالز" المتخصصة كشفًا قد يغيّر قواعد اللعبة جذريا. فقد طوّر باحثون من كوريا الجنوبية بالتعاون مع آخرين من جامعة فرجينيا كومنولث الأميركية كاشفًا ضوئيا عضويا جديدًا يُعرف باسم "3 بي إيه إف سي إن"، يتميز بحساسية فائقة وقدرة على التقاط إشارات ضوئية خافتة حتى في ظروف الضوضاء البصرية الشديدة. يقول أحمد قاسم، الباحث في قسم الكيمياء بجامعة فرجينيا كومنولث الأميركية، وغير المشارك في الدراسة: "تُصاب أنظمة التصوير بالعمى عند تشتت الضوء، إذ يُحوّل الدخان والضباب والبيئات المعتمة الصور الواضحة إلى ضبابية مشوشة يصعب فك رموزها، وهو قيد أساسي في الكاميرات وأجهزة الاستشعار التقليدية". الرؤية في الضباب تقترح الدراسة حلًّا يقوم على تصميم طبقة عضوية مبتكرة داخل الكاشف الضوئي تعمل مثل "بوابة جزيئية" دقيقة، تمنع دخول الشحنات الكهربائية غير المرغوب فيها والتي تولّد الضوضاء والتعتيم، بينما تسمح بمرور إشارات الضوء الحقيقية. يشرح قاسم "صمم الباحثون نوعًا جديدًا من 'كاشف ضوئي عضوي' فائق الحساسية يلتقط الضوء، مستوحى من الإلكترونيات العضوية، إذ يعمل بدقة من خلال تصميم طبقة 'بوابة' جزيئية مخصصة". الإلكترونيات العضوية هي فرع من الإلكترونيات يستخدم مواد عضوية (مبنية على الكربون) بدلًا من المواد غير العضوية التقليدية مثل السيليكون، هذه المواد تكون غالبًا بوليمرات أو جزيئات صغيرة قادرة على توصيل الكهرباء أو إصدار الضوء، وتكون عادة خفيفة الوزن ومرنة، ومن أمثلتها شاشات "أوليد" في الهواتف والتلفزيونات. واستطاع الفريق تحقيق أدنى مستوى ضوضاء سُجل على الإطلاق في مثل هذه الأجهزة (2.18 فمتوأمبير فقط) أي أصغر بمليون مرة من ضوضاء مستشعر الهاتف الذكي! الميزة الأساسية لهذا الكاشف العضوي تكمن في قدرته على الصمت الإلكتروني شبه الكامل. إذ يستطيع الجهاز العمل من دون إصدار تيارات كهربائية عشوائية، أو تسريبات حرارية أو شحنات شاردة، تؤثر على دقة التقاط الضوء، خاصة في الظلام أو البيئات المنخفضة الإضاءة بفضل التصميم الجزيئي العميق للطبقة الحاجزة. يشرح قاسم أن طبقة "3 بافسين" تعمل كمرشح دقيق على المستوى الذري، فتُسكت الضوضاء الكهربائية. ويوضح أن تلك القدرة "ترجع إلى مستوى الطاقة الجزيئية العميق للمادة، حيث يشكل 'جدارًا' مرتفعًا يحجب الإلكترونات الشاردة الناتجة عن الحرارة"، كما أن وجود مجموعات السيانو داخل التركيب الجزيئي يعزز من هذا التأثير، فيجعل مرور الشحنات المسببة للضوضاء شبه مستحيل. اختبار تحت الضباب والظلام لا تكتمل جدية الاختبارات من دون بيئة واقعية، لهذا شرع الفريق في تجربة الكاشف داخل غرفة مملوءة بالضباب الكثيف المصطنع بواسطة الثلج الجاف، وبتقليل الإضاءة حتى حدود خافتة جدا. يقول قاسم "باستخدام إعداد كاميرا بسيطة أحادية البيكسل، نجح الباحثون في تصوير أجسام مخفية خلف ضباب كثيف وفي ضوء خافت للغاية. أنتجت المستشعرات التقليدية صورًا ضبابية، لكن قدّم الجهاز الجديد صورًا واضحة وعالية التباين". بمعنى آخر، تمكن الكاشف العضوي الجديد من رؤية ما لم يُرَ، وهو وصف يليق بالتقنية التي تخترق حاجز التشتت البصري بذكاء جزيئي. تحديات تحتاج المزيد من البحث ورغم النجاح المذهل، يقر الفريق بأن تحقيق الدقة القصوى المطلوبة لقمع الضوضاء على مستوى الفيمتوأمبير في الكواشف الضوئية العضوية يُشكل تحديًا متعدد الجوانب وكذلك الحفاظ عليها. إذ يتطلب تحقيق دقة عالية على المستوى الذري حجب الإلكترونات في هذا الابتكار، حيث تُسبب العيوب النانوية في بناء ما يشبه المصايد التي تُضخّم من الضوضاء، مما يصعّب المهمة، بحسب قاسم. كما أن التحكم في شكل الجزيئات وتوجيهها خلال عملية التصنيع من المحلول يتطلب دقة أقل من النانومتر، وهو أمر يصعب تكراره على نطاق صناعي. لذلك يبقى التحدي الأبرز أمام الفريق هو نقل هذه التقنية من المختبر إلى خطوط الإنتاج. ويختتم قاسم بالقول "إن التبني الصناعي يعتمد على تحقيق اكتشافات مستقبلية قوية في تصميم المواد المقاومة للعيوب، وكيفية التحكم في ترسيب المواد، وبروتوكولات الحماية القوية لتحويل الدقة على نطاق المختبر إلى عملية موثوقة وفعالة من حيث التكلفة". لكن في النهاية، تفتح نتائج هذه الدراسة الباب أمام تطبيقات ثورية، لا تقتصر على الرؤية الليلية أو القيادة الذاتية فقط، بل تمتد إلى التصوير الطبي العميق، ورصد الظواهر البيئية في ظروف ضوئية صعبة، وحتى الكاميرات الأمنية. كذلك تبرهن هذه التقنية على ما يمكن للهندسة الجزيئية الدقيقة أن تحله من مشاكل كبرى في عالمنا البصري، حيث يمكن لطبقة من الجزيئات المتناهية الصغر أن تمنح الأجهزة الإلكترونية "حاسة بصر خارقة".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store