لافيت: كواكب ونجوم تدور في فُلك العربية
تشيع في فرنسية المعيش اليومي مفرداتٌ من أصل عربي مثل 'قهوة'، 'سكر' و'أرز'. قد يدرك بعض الفرنسيين أنها مُقترضة من الضاد. لكن مَن يوغل منهم في النصوص العلمية المُحرّرة في قرون الازدهار العقلي للحضارة العربية يندهش من الكم الهائل لمصطلحات العلوم الصحيحة كالرياضيات والكيمياء وعلم الفلك الموروثة عن لغتنا، وهو ما أدّى بعالم المعجميّة الفرنسي رولان لافيت إلى تخصيص كتاب عنْونه: "تسمية النجوم: خمسمئة اسم موروثة عن العرب"، (صادر عن دار أوريون دي مو، ليون-فرنسا) يحلل فيه أسماء الكواكب والنجوم والمجرات في اللسان الفرنسي مثبتا انحدارها من أصول عربية وقد وصل تعدادها إلى خمسمئة اسم؛ مما يعني أن الظاهرة ليست عرضية ولا نادرة، بل ثابتة تشكّل رافدا فعليّا من روافد الفرنسية وتذكّر بما كان لحضارة العرب من أسبقية في علوم الفلك والرياضيات وخرائط السماء والأرض.
في القسم الأول من هذا الكتاب، أثبت لافيت أن ثلثيْ أسماء الكواكب في لوائح النجوم الراهنة المعتمدة لدى "الاتحاد العالمي لعلماء الفلك" متأتيان من الثقافة العربية، رغم أن الدلالات الرمزية المقترنة بهذه الأسماء تظل مجهولة، سواء تلك التي جاءت مباشرة من العصر الجاهلي أو التي توارثها العرب عن الإغريق بعد ترجمة العلوم في 'بيت الحكمة' ببغداد. فقد تعرّف العرب في القرن الثامن للميلاد (الثالث للهجرة) على علم الفلك الإغريقي مترجما ولاسيما كتاب "المَجسطي" لبطليموس (100-180) والذي قسّم فضاء الأفلاك إلى ثمان وأربعين مجرّة.
وقد طعّم العرب بهذا الإرث اليوناني ما كان شائعا لديهم من منازل القمر التي تتضمّن ثمانيَ وخمسين لوحة امتزجت من خلالها سماء العرب بروافد استقوها من أسلافهم وجيرانهم السّريان والكنعانيين والفرس وغيرهم من الأمم السابقة الذين كانوا يتواصلون معهم عبر رحلات الشتاء والصيف، فخلدت أشعارُهم وأساطيرهم تلك الأسماء وما يصاحبها من تصور لامتداد الكون الرحيب.
أما القسم الثاني فمعجم ألفبائي يستقصي أسماء الكواكب في سماء العرب والإغريق ويستعرض السبل التي اتخذتها معرفة تلك الكواكب وخصائصها وكيف انتقلت من ثقافة إلى ثقافة لتستقر اليوم ضمن التسمية العالمية التي تواضع عليها علماء الفلك المعاصرون وارتضوها علامات يطلقونها على الكون المترامي. ففي كل مدخل من المداخل المعجمية التي تألف منها هذا القسم، يذكر المؤلف التغييرات الصوتية والصرفية التي طرأت على هذه المفردات حتى تتكيف مع الأنظمة اللغوية الإغريقية ثم اللاتينية ومنها الفرنسية والإنجليزية الحديثة المعتمدة لدى الاتحاد العالمي لعلماء الفلك، مثل كلمات Muphrid و Asellus وليسا سوى نقل لـ"مُفرد" و"سلاح". وفي القائمة مئات الأسماء التي تراكمت عبر تاريخ طويل من التواصل المعرفي بين حلقات ثلاث من علم الفلك: العرب والاغريق والمخابر المعاصرة، وأعلاها وكالة النازا.
ويمتد القسم الثالث لأكثر من مئة صفحة، فمجموعة ملاحق تتعلق بأسماء الكواكب العربية والأسطرلاب والأعلام المذكورين وأوصاف النجوم فضلًا عن اللوحات والمفاهيم الفلكية وبيبليوغرافية طويلة، يقرأ منها مَن شاء التوسع في هذا الحقل.
وقد رصّع لافيت كتابه هذا بصور رسمها بيده توضيحًا لمنازل القمر كما تخيلها العرب، وهي ترمز إلى حدود كائنات حيّة، كالأسود والنسور والغزلان والإبل وغيرها، تتشكّل بخيوط وهميّة ينسجها الخيال، فإذا بها متّصلة بفضل هذه الحدود لتشكّل هيكل حيوان يربط بين نجوم تنتمي إلى نفس المجرة. ولذلك تمثّل هذه الرسوم جزءًا لا يتجزّأ من نظريّة السماء والأفلاك السابحة.
هكذا، كان العرب همزة الوصل بين التراث الإغريقي وبعض مكاسب العلم الحديث مرورا بالحقبة البغدادية ثم الأندلسية الزاهرة حين كان علماء الفلك عندنا يلقون دروسا بفصيح العربية على طلبة العلم المسيحيين واليهود، فينقلها هؤلاء الطلبة إلى لسانهم اللاتيني قبل أن يُترجم تلاميذهم تلك المعارف إلى اللغات الأوروبية المعاصرة.
وقد أجاد لافيت، مثل أستاذه المستعرب الألماني بول كونيتش (1930-2020)، في إظهار طرق نقل هذه الأسماء خلال العصر الوسيط ثم عصر النهضة الأوروبية وصولا إلى صياغة الكاتالوغات المعاصرة، وهي طرق ودوافع تغيّرت بحسب سياقات السيطرة العلمية والسياسية، ولكن أبنية العربية وعيونها المجازية هي التي أمدت هذه المعارف وأثرت في بناء تسميات عناصرها.
لذلك، تشكل ترجمة هذا الكتاب إلى العربية المعاصرة تحدياً وفرصة ثمينة، لأنها تفترض الإلمام الواسع بعلوم الفلك في صيغها العربية واليونانية التقليدية ثم في شكلها المعاصر بعد أن تطورت وسائل الاستكشاف ومجاهر النجوم وآخرها تلسكوب "جيمس ويب" الذي تمثل صورُه المدهشة قطيعة كبيرة، مما يضع لغتنا ذاتها موضع تحدّ: كيف نقلع عن الطرق البدائية في تسمية الكون لنتابع النسق السريع في اكتشاف مداراته الممتدة إلى مليارات السنوات الضوئية.
كما تتيح ترجمة هذا الأثر فرصة الاطلاع على هذا الحقل المشترك: علم الفلك بما هو ملك الإنسانية جمعاء وإدراك مدى إسهام العرب، الذي طالما غمطه الاستشراق، في نقل المعارف طيلة العصور الوسطى، حتى كان هؤلاء العرب صلة الوصل بين الثقافات القديمة وبين الحداثة الأوروبية، وهو دور طالما أنْكِر.
وليس مفهوماً لماذا أهمل رولان لافيت الإشارة إلى الأصول الإسلامية ليس فقط لهذه التسميات، وإنما للعلوم الفلكية بأسرها، التي عُدّت كما قال ابن رشد سبباً في معرفة الصانع في قوله: "إن الموجودات إنما تدل على الصانع بمعرفة صنعتها، وكلما كانت المعرفة بصنعتها أتم كانت المعرفة بالصانع أتم". وكأننا نلمس رواسب منهجية، من الاستشراق التقليدي، تسعى إلى الفصل التام بين الثقافة العربية في تعبيراتها العلمية الدنيوية وبين جذورها الدينية ودوافعها المقدسة، كأن هذا النشاط العلمي مجرد استقصاء عقلي محض، وهو ما سعى الاستشراق إلى ترويجه ناسيا، مثلا، أن تسمية "منازل القمر" قرآنية محضة.
ومع ذلك، يظل هذا الكتاب مثالاً قيماً عن العمل المعجمي الملتحم بالتاريخ الثقافي والسياسي ومنهجيات نقل العلوم وتطوراتها وتحولات نماذجها المعرفية التي سبق لتوما كون أن حلّلها في كتاب "الثورات المعرفية"، حيث تابع لافيت انتقال المفردات بحسب تحول النماذج في رسم جغرافيا السماء ووصف خرائطها ضمن هذا الحقل الإنساني الذي تمتزج فيه الأساطير والأوهام والتمثلات التي أسقطها العقل العربي في صحاريه النائية، وفيها صاغ تصوراته عن الكون، ببراءة وذكاء، كأنما تطلعهم إلى السماء ورنوهم إلى نجومها يعوّضهم عمّا يجدونه من قلق على الأرض، أرض تستباح اليوم خرائطُها الألفية بعد أن تخلفوا عما حدث في القرن العشرين من الوصول للفضاء عبر الصواريخ. ألا يكفي أنهم وصلوا عبر المعارف والتسميات؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

المدن
منذ 11 ساعات
- المدن
لافيت: كواكب ونجوم تدور في فُلك العربية
تشيع في فرنسية المعيش اليومي مفرداتٌ من أصل عربي مثل 'قهوة'، 'سكر' و'أرز'. قد يدرك بعض الفرنسيين أنها مُقترضة من الضاد. لكن مَن يوغل منهم في النصوص العلمية المُحرّرة في قرون الازدهار العقلي للحضارة العربية يندهش من الكم الهائل لمصطلحات العلوم الصحيحة كالرياضيات والكيمياء وعلم الفلك الموروثة عن لغتنا، وهو ما أدّى بعالم المعجميّة الفرنسي رولان لافيت إلى تخصيص كتاب عنْونه: "تسمية النجوم: خمسمئة اسم موروثة عن العرب"، (صادر عن دار أوريون دي مو، ليون-فرنسا) يحلل فيه أسماء الكواكب والنجوم والمجرات في اللسان الفرنسي مثبتا انحدارها من أصول عربية وقد وصل تعدادها إلى خمسمئة اسم؛ مما يعني أن الظاهرة ليست عرضية ولا نادرة، بل ثابتة تشكّل رافدا فعليّا من روافد الفرنسية وتذكّر بما كان لحضارة العرب من أسبقية في علوم الفلك والرياضيات وخرائط السماء والأرض. في القسم الأول من هذا الكتاب، أثبت لافيت أن ثلثيْ أسماء الكواكب في لوائح النجوم الراهنة المعتمدة لدى "الاتحاد العالمي لعلماء الفلك" متأتيان من الثقافة العربية، رغم أن الدلالات الرمزية المقترنة بهذه الأسماء تظل مجهولة، سواء تلك التي جاءت مباشرة من العصر الجاهلي أو التي توارثها العرب عن الإغريق بعد ترجمة العلوم في 'بيت الحكمة' ببغداد. فقد تعرّف العرب في القرن الثامن للميلاد (الثالث للهجرة) على علم الفلك الإغريقي مترجما ولاسيما كتاب "المَجسطي" لبطليموس (100-180) والذي قسّم فضاء الأفلاك إلى ثمان وأربعين مجرّة. وقد طعّم العرب بهذا الإرث اليوناني ما كان شائعا لديهم من منازل القمر التي تتضمّن ثمانيَ وخمسين لوحة امتزجت من خلالها سماء العرب بروافد استقوها من أسلافهم وجيرانهم السّريان والكنعانيين والفرس وغيرهم من الأمم السابقة الذين كانوا يتواصلون معهم عبر رحلات الشتاء والصيف، فخلدت أشعارُهم وأساطيرهم تلك الأسماء وما يصاحبها من تصور لامتداد الكون الرحيب. أما القسم الثاني فمعجم ألفبائي يستقصي أسماء الكواكب في سماء العرب والإغريق ويستعرض السبل التي اتخذتها معرفة تلك الكواكب وخصائصها وكيف انتقلت من ثقافة إلى ثقافة لتستقر اليوم ضمن التسمية العالمية التي تواضع عليها علماء الفلك المعاصرون وارتضوها علامات يطلقونها على الكون المترامي. ففي كل مدخل من المداخل المعجمية التي تألف منها هذا القسم، يذكر المؤلف التغييرات الصوتية والصرفية التي طرأت على هذه المفردات حتى تتكيف مع الأنظمة اللغوية الإغريقية ثم اللاتينية ومنها الفرنسية والإنجليزية الحديثة المعتمدة لدى الاتحاد العالمي لعلماء الفلك، مثل كلمات Muphrid و Asellus وليسا سوى نقل لـ"مُفرد" و"سلاح". وفي القائمة مئات الأسماء التي تراكمت عبر تاريخ طويل من التواصل المعرفي بين حلقات ثلاث من علم الفلك: العرب والاغريق والمخابر المعاصرة، وأعلاها وكالة النازا. ويمتد القسم الثالث لأكثر من مئة صفحة، فمجموعة ملاحق تتعلق بأسماء الكواكب العربية والأسطرلاب والأعلام المذكورين وأوصاف النجوم فضلًا عن اللوحات والمفاهيم الفلكية وبيبليوغرافية طويلة، يقرأ منها مَن شاء التوسع في هذا الحقل. وقد رصّع لافيت كتابه هذا بصور رسمها بيده توضيحًا لمنازل القمر كما تخيلها العرب، وهي ترمز إلى حدود كائنات حيّة، كالأسود والنسور والغزلان والإبل وغيرها، تتشكّل بخيوط وهميّة ينسجها الخيال، فإذا بها متّصلة بفضل هذه الحدود لتشكّل هيكل حيوان يربط بين نجوم تنتمي إلى نفس المجرة. ولذلك تمثّل هذه الرسوم جزءًا لا يتجزّأ من نظريّة السماء والأفلاك السابحة. هكذا، كان العرب همزة الوصل بين التراث الإغريقي وبعض مكاسب العلم الحديث مرورا بالحقبة البغدادية ثم الأندلسية الزاهرة حين كان علماء الفلك عندنا يلقون دروسا بفصيح العربية على طلبة العلم المسيحيين واليهود، فينقلها هؤلاء الطلبة إلى لسانهم اللاتيني قبل أن يُترجم تلاميذهم تلك المعارف إلى اللغات الأوروبية المعاصرة. وقد أجاد لافيت، مثل أستاذه المستعرب الألماني بول كونيتش (1930-2020)، في إظهار طرق نقل هذه الأسماء خلال العصر الوسيط ثم عصر النهضة الأوروبية وصولا إلى صياغة الكاتالوغات المعاصرة، وهي طرق ودوافع تغيّرت بحسب سياقات السيطرة العلمية والسياسية، ولكن أبنية العربية وعيونها المجازية هي التي أمدت هذه المعارف وأثرت في بناء تسميات عناصرها. لذلك، تشكل ترجمة هذا الكتاب إلى العربية المعاصرة تحدياً وفرصة ثمينة، لأنها تفترض الإلمام الواسع بعلوم الفلك في صيغها العربية واليونانية التقليدية ثم في شكلها المعاصر بعد أن تطورت وسائل الاستكشاف ومجاهر النجوم وآخرها تلسكوب "جيمس ويب" الذي تمثل صورُه المدهشة قطيعة كبيرة، مما يضع لغتنا ذاتها موضع تحدّ: كيف نقلع عن الطرق البدائية في تسمية الكون لنتابع النسق السريع في اكتشاف مداراته الممتدة إلى مليارات السنوات الضوئية. كما تتيح ترجمة هذا الأثر فرصة الاطلاع على هذا الحقل المشترك: علم الفلك بما هو ملك الإنسانية جمعاء وإدراك مدى إسهام العرب، الذي طالما غمطه الاستشراق، في نقل المعارف طيلة العصور الوسطى، حتى كان هؤلاء العرب صلة الوصل بين الثقافات القديمة وبين الحداثة الأوروبية، وهو دور طالما أنْكِر. وليس مفهوماً لماذا أهمل رولان لافيت الإشارة إلى الأصول الإسلامية ليس فقط لهذه التسميات، وإنما للعلوم الفلكية بأسرها، التي عُدّت كما قال ابن رشد سبباً في معرفة الصانع في قوله: "إن الموجودات إنما تدل على الصانع بمعرفة صنعتها، وكلما كانت المعرفة بصنعتها أتم كانت المعرفة بالصانع أتم". وكأننا نلمس رواسب منهجية، من الاستشراق التقليدي، تسعى إلى الفصل التام بين الثقافة العربية في تعبيراتها العلمية الدنيوية وبين جذورها الدينية ودوافعها المقدسة، كأن هذا النشاط العلمي مجرد استقصاء عقلي محض، وهو ما سعى الاستشراق إلى ترويجه ناسيا، مثلا، أن تسمية "منازل القمر" قرآنية محضة. ومع ذلك، يظل هذا الكتاب مثالاً قيماً عن العمل المعجمي الملتحم بالتاريخ الثقافي والسياسي ومنهجيات نقل العلوم وتطوراتها وتحولات نماذجها المعرفية التي سبق لتوما كون أن حلّلها في كتاب "الثورات المعرفية"، حيث تابع لافيت انتقال المفردات بحسب تحول النماذج في رسم جغرافيا السماء ووصف خرائطها ضمن هذا الحقل الإنساني الذي تمتزج فيه الأساطير والأوهام والتمثلات التي أسقطها العقل العربي في صحاريه النائية، وفيها صاغ تصوراته عن الكون، ببراءة وذكاء، كأنما تطلعهم إلى السماء ورنوهم إلى نجومها يعوّضهم عمّا يجدونه من قلق على الأرض، أرض تستباح اليوم خرائطُها الألفية بعد أن تخلفوا عما حدث في القرن العشرين من الوصول للفضاء عبر الصواريخ. ألا يكفي أنهم وصلوا عبر المعارف والتسميات؟


سيدر نيوز
منذ 3 أيام
- سيدر نيوز
السنة الهجرية: حقائق عن التقويم القمري الذي سبق الإسلام بمئتي عام
أعلنت بعض الدول العربية بداية العام الهجري الجديد 1447 الذي يؤرخ لهجرة النبي محمد من مكة إلى المدينة. لكن ثمة حقائق أخرى عن التقويم الهجري، نستعرضها في هذا التقرير. يعتمد التقويم الهجري على قياس دورة القمر حول الأرض، بحيث يكتمل الشهر الهجري باكتمال دورة القمر. وذلك على عكس التقويم الميلادي/الشمسي الذي يعتمد على دوران الأرض حول الشمس. وتُقاس نهاية وبداية الشهر الهجري بناء على رؤية هلال الشهر الجديد، ما يجعل أيام الأشهر الهجرية غير محددة، على عكس التقويم الشمسي. وبناء عليه، يتباين عدد أيام الشهر الهجري ما بين 29 وثلاثين يوماً. وبسبب النقطة السابقة، تتقدم السنة الهجرية 11 يوماً كل عام، مقارنة بالتقويم الشمسي، ما يجعل الشعائر والمناسبات الإسلامية تقع في فصول وأوقات مختلفة كل عام. كذلك تتباين رؤية اكتمال دورة القمر بناء على الموقع الجغرافي، ما يعني أن بداية الشهر الهجري قد تقع في مكان ولا تقع في آخر. التقويم الهجري العالمي وهي طريقة تقدم بها مجموعة من علماء الفلك عام 2001، للحد من التباين في رؤية الهلال في الدول المختلفة. واعتُمدت الفكرة في المؤتمر الفلكي الإسلامي الثاني، الذي أُقيم في العاصمة الأردنية عمّان، في أكتوبر/تشرين الثاني 2001. وتقدمت لجنة 'الأهلة والتقاويم والمواقيت'، التابعة للاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، بفكرة قياس التقويم. وتعتمد على تقسيم الكرة الأرضية إلى نصفين: النصف الشرقي: وهي المنطقة الواقعة بين خط طول 180 درجة شرقاً، إلى خط طول 20 درجة غرباً. النصف الغربي: وهي المنطقة الواقعة بين خط طول 20 درجة غرباً، إلى غرب الأمريكيتين. وتعتمد فكرة التقويم على رصد الهلال في يوم 29 من الشهر الهجري، في أحد بقاع اليابسة في كل منطقة. وحال ثبوت رؤية الهلال (سواء بالعين المجردة أو الأدوات الفلكية)، تُعلن بداية الشهر الجديد في اليوم التالي في المنطقة كلها. ولا تعني فكرة هذا التقويم أن تبدأ الشهور الهجرية في كل بقاع الأرض في نفس اليوم، لكنها تحد من التباين في بداية الشهور في الدول بحيث لا تزيد على يوم واحد عالمياً. لماذا لا يتفق المسلمون على بداية موحدة لرمضان؟ قبل الإسلام بقرنين اجتمع سادة العرب في مكة عام 412 ميلادية للتوافق على التقويم القمري، إذ أن التباين بين قبائل العرب في تحديد الأشهر القمرية تسبب في فوضى بشأن موسم الحج وحركة التجارة. وحضر هذا الاجتماع الجد الخامس للنبي محمد، الذي أعلن عن نبوّته عام 610 ميلادية، واتفق فيه العرب على عدد الأشهر وأسمائها. كما اتفقوا على الأنشطة المرتبطة بكل شهر، فخُصص بعضها للحرب، وبعضها للتجارة، وبعضها للحج. كذلك اتُفق على الأشهر الحُرُم، التي يُحرّم فيها القتال، واستمرت حتى بعد ظهور الإسلام. وهذه الأشهر هي ذي القعدة، وذي الحجة، والمحرم، ورجب. بعد 17 عاماً رغم أن التقويم الهجري يبدأ تأريخه بهجرة النبي محمد من مكة إلى المدينة، لكن العمل به بدأ بعد ذلك بـ 17 عاماً. وكان الخليفة عمر بن الخطاب هو من اعتمد العمل بالتقويم الهجري في الدولة الإسلامية، والذي كان يُعرف من قبل بالتقويم العربي، واكتسب لفظة 'الهجري' بعد ربطه بالهجرة النبوية. واختيرت أسماء الأشهر التي نعرفها حالياً، بعد أن كانت القبائل تطلق أسماء مختلفة على الأشهر. وهي في الغالب الأسماء التي اتفق عليها العرب في اجتماع مكة عام 412 ميلادي. أيام النسيء وهي خمسة أيام كان العرب يضيفونها أو يحذفونها من العام القمري. واختُلف على سبب هذه الأيام، إذ يرى البعض أنها كانت رهن الزيادة أو النقصان في حساب دورة القمر حول الأرض. في حين يقول آخرون إنها كانت طريقة للتحايل على عدد أيام الأشهر الحُرُم إذا أراد العرب. وحرم الإسلام أيام النسيء لاحقاً بسبب التباين الشديد الذي قد تتسبب به في حساب مواقيت الشعائر والمناسبات الإسلامية. أسماء الأشهر ارتبطت أسماء الأشهر إما بالفصول التي تتزامن معها، أو أنشطة العرب في كل منها، أو حرمة القتال فيها. فمثلاً أشهر ربيع الأول وربيع الآخر وافقت فصل الربيع عند تسميتها. وجُمادى الأولى وجمادى الآخرة وافقت فصل الشتاء عند تسميتها (والكلمة مستمدة من جمود الماء). وشهر رمضان مستمد من الرموض، وهو اشتداد الحر في الوقت الذي سُميّ فيه. أما الأشهر الحُرُم، فذي القعدة يرمز إلى قعود العرب عن الحرب. وذو الحجة كان هو شهر الحج. أما المُحرم فهو مستمد من تحريم القتال. ورجب مستمد من 'رجب النصال عن السهام'، أي نزعها، في وقت تحريم القتال. أما صفر، فيرتبط بخروج العرب للحرب حتى تصفر البيوت، أي تخلو من أهلها. وشعبان يرمز إلى بدء تشعب العرب ما بين حرب وتجارة بعد قعودهم في رجب.


دفاع العرب
٢٩-٠٥-٢٠٢٥
- دفاع العرب
'هنسولت' تدشّن حقبة جديدة في تكنولوجيا الاستشعار الشبكي والأتمتة مع برنامج CERETRON
ترجمات – دفاع العرب مع الإنجاز الناجح للمرحلة الأولى من إطلاق برنامجها المبتكر CERETRON، تستهل شركة هنسولت (HENSOLDT)، الرائدة في توفير حلول الاستشعار، عصرًا جديدًا في مجال تكنولوجيا الاستشعار الشبكي الرقمي والأتمتة الدفاعية. وضمن إطار مفهوم نظام شامل، دخلت بيئة تشغيل دفاعية معرفة برمجيًا حيز التنفيذ، مُعدة لدمج الخوارزميات المعبأة في حاويات (containerized algorithms) بسلاسة ضمن الأنظمة الأرضية. نجح النظام في التحكم بمستشعرات الاستطلاع الكهروبصري عبر معمارية هنسولت الموحدة، وعرض تدفقات الفيديو ونتائج الخوارزميات في الوقت شبه الحقيقي. وبفضل دعمه بتقنيات الشركة الخاصة للتعرف على الأجسام وتتبعها القائم على الكائنات ضمن واجهة مستخدم متوافقة مع معمارية المركبات العامة (GVA)، يُظهر برنامج CERETRON بالفعل في هذه المرحلة المبكرة قدرته على تنفيذ تسلسلات التحكم البسيطة بنفس موثوقية عمليات كشف الأهداف والاستطلاع المعقدة. وفي هذا السياق، صرحت كريستينا كانيتز، رئيسة قسم الإلكترونيات الضوئية في هنسولت: 'إن برنامج CERETRON لا يفتح لنا آفاقًا للتقدم التكنولوجي الكبير فحسب، بل يخلق أيضًا رؤى جديدة لتطوير أعمالنا وطلبياتنا المستقبلية'. معمارية برمجية معيارية لأتمتة قابلة للتطوير صُمم برنامج CERETRON ليتم توسيعه تدريجيًا ليصبح نظامًا برمجيًا معياريًا، سيتم تعزيزه باستمرار بوظائف وواجهات جديدة ضمن دورات إطلاق نصف سنوية. وتشمل الخطوات التالية دمج تقنيات استشعار إضافية، مثل نظام الرؤية عبر التدريع (SETAS)، والربط مع أنظمة إدارة المعارك الرائدة مثل 'SitaWare' و 'Adler'. وفي الوقت ذاته، يجري العمل على تهيئة الظروف التقنية التي تتيح توزيعًا مرنًا لعبء المعالجة الحاسوبية بين الخوادم المركزية وأنظمة المركبات الموزعة، أو مباشرة عند المستشعر. الدفاع المعرف برمجيًا: الربط الشبكي والأتمتة في القتال من خلال CERETRON، تربط هنسولت المستشعرات والجنود والأسلحة في سلسلة قتال متصلة، مما يمثل نقلة نوعية نحو مفهوم الدفاع المعرف برمجيًا. يدعم النظام التنفيذ الآلي لتسلسلات العمليات على منصات الاستشعار، بدءًا من تشغيل مجموعة المستشعرات وصولًا إلى الاستطلاع المدعوم عن قرب وبعيد المدى واستخلاص المعلومات بعد المهمة. تتولى المساعدات الذكية مراقبة سلامة الأنظمة، وتحديد الإعدادات الخاصة بكل مهمة، وضمان إعداد تقارير ذكية. كما يعمل التعرف الآلي على الأجسام ودمج البيانات من مختلف المستشعرات (صور، صوتيات، راديو، ورادار) على تجميع البيانات وتحويلها إلى معلومات ذات صلة بالمهمة. ويمكن توزيع الصورة الموقفية المحددة بهذه الطريقة بأسلوب محسن من حيث حجم البيانات حتى في ظل عرض النطاق الترددي المنخفض في ساحة المعركة. وبذلك، يهيئ CERETRON الظروف للكشف المبكر والتصدي للتهديدات الجديدة مثل هجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ. قابلية التشغيل البيني على مستوى الناتو وفضاء معلوماتي مشترك يتوافق برنامج CERETRON مع المعايير الدولية الهامة مثل NGVA و GVA، مما يضمن قابلية التشغيل البيني مع أنظمة الطرف الثالث. كما أن التكامل السلس في فضاء المعلومات المشترك (Shared Information Space) والاتصال بأنظمة القيادة والسيطرة مثل 'FüWES' و 'BMS' يعزز العمليات القتالية المدعومة رقميًا. ويضمن التطوير المستمر واستقلالية المنصة بقاء المستخدمين على اطلاع دائم بأحدث التطورات وقدرتهم على الاستجابة بمرونة لمتطلبات المهام المتغيرة.