logo
دبلوماسية النار

دبلوماسية النار

وكالة خبرمنذ يوم واحد
منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في فترته الرئاسية الثانية، كان في مخيلة ترامب عالمٌ آخر غير ذلك الذي صاغته القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، والذي شهد تحوّل "عصبة الأمم" إلى "الأمم المتحدة" بمجلسها الأمني ولعبة "الفيتو" بين الدول الخمس. وفي ضوء هذا التصور، ترقّب العالم "حمامة السلام" التي أراد ترامب فرضها بالقوة، وبرؤيته "الترامبية"، وبالاعتماد على قوة أمريكا المسلحة.
كانت رؤيته "أمريكا أولاً" تعني بوضوح إخضاع العالم، وفرض عملية جباية مسلّحة لصالح رفاهية المواطن الأمريكي كما وعد في حملته الانتخابية. وبالتأكيد، فإن هذه النرجسية الفائقة تأتي على حساب الشعوب النامية التي لا تملك سلاح ردعٍ يوازي الإرهاب السياسي والعسكري الذي يمارسه الرئيس الأمريكي على الدول الأخرى.
احتلت تحركات دبلوماسية مكثفة صدارة المشهد الإعلامي، من خلال مبعوثي ترامب ووزير خارجيته ودفاعه ومستشاريه للأمن القومي، وسط "كوكتيل" من التصريحات المتناقضة، التي يصعب على أي مراقب تقييمها بموقفٍ ثابت، سواء من الرئيس نفسه أو من مبعوثيه.
الرئيس الأمريكي، الذي أراد أن يصنع عالمًا جديدًا باستخدام القوة، أطلق ضربات استعراضية على مدنٍ ومفاعلات نووية في إيران، إلى جانب ضربات نفذها أسطوله البحري في البحر الأحمر ضد الحُديدة وصنعاء ومناطق أخرى في اليمن. إلا أن الاستعراض الأكبر للقوة تمثل في دعم عدوان الكيان الصهيوني على قطاع غزة وجنوب لبنان، واستخدام السلاح الأمريكي في أجواء سوريا والجولان، حيث طالت الغارات الإسرائيلية، المدعومة أمريكيًا، كل المقدرات المسلحة والاستراتيجية للشعب السوري.
"سلام القوة" الأمريكي، الذي بات يردده نتنياهو كفزاعة في المنطقة، تحوّل إلى خطابٍ يومي، حيث يتفاخر بأنه وجيشه قادران على الوصول إلى أي بقعة في المنطقة، حتى أجواء إيران ذاتها.
غير أن الاستعراض الإسرائيلي–الأمريكي بقوة ضرباته على إيران قابله رد فعلٍ إيراني مباشر، قوامه "التدمير مقابل التدمير"، ما أوصل المنطقة إلى النقطة الحرجة (Critical Point)، ومن ثمّ تم وقف إطلاق النار دون أي بروتوكول أو اتفاق، بل بفعل قوة الردع المضاد أمام سلام القوة الأمريكي.
أما غزة، فرغم كل ما جرى فيها من حرب غير مباشرة، تجلت في إثارة الفوضى والتجويع ونشاط العملاء، ومعركة إعلامية تستهدف تسليم وعي الجيل الفلسطيني وثنيه عن التفكير في جذور الأزمة، فإن الشعب الفلسطيني لا يزال صامدًا. فالعناصر الأربعة: "الحقوق، التاريخ، القدس، واللاجئون"، التي اتفق ترامب ونتنياهو على شطبها من معادلة الصراع، لا تزال حيّة في وجدان المقاومة، وما تزال رمال غزة، بهياكلها العظمية، وحصارها المطبق، مقتلةً لجنود ومعدات الجيش الإسرائيلي–الأمريكي.
العقيدة الدبلوماسية الأمريكية نشطت خلال العامين الأخيرين لتثبيت نظرية "الأمن الإسرائيلي" كقوة إقليمية وحيدة في المنطقة، وإعادة الزمن إلى الوراء عبر خطاب "الجيش الذي لا يُقهَر"، و"السوبرمان الأمني الإسرائيلي"، القادر على فرض إرادته في أي جزء من الوطن العربي والعالم. وعلى هذا الأساس، تتحرك الدبلوماسية الأمريكية، إلا أن اللعبة لم تنتهِ بعد، وعقدة الرواية لم تُصَغ حتى الآن.
من غزة إلى طهران، مرورًا بخضوع حزب الله لإرادة الدولة اللبنانية، وخروج سوريا شبه الكامل من المعادلة، تتحدث الدبلوماسية الأمريكية اليوم عن تطبيع شامل في المنطقة. بل ويتحدث نتنياهو أمام مجلس وزرائه عن إمكانية تحقيق مكاسب إقليمية إذا نجح في إعادة الأسرى من غزة، ووقف إطلاق النار لمدة 60 يومًا، وتقسيم القطاع إلى خمس مربعات أمنية، وتفريغ شمال غزة بعمق 5 كيلومترات لتأمين "خط الهند الاقتصادي". كما لا يستبعد حربًا بأدوات أخرى إذا اقتضت الضرورات الأمنية، عبر اختراقات نوعية لتلك المربعات. هذه هي خطة نتنياهو، ويتكيّف معها المبعوث الأمريكي ويتبنّاها.
وكما قلت، اللعبة لم تنتهِ، والرواية لم تكتمل. فالمقاومة، بما تملكه من إمكانيات، لا تزال ترعب الاحتلال وتستنزفه نفسيًا ومعنويًا، إضافةً إلى أزماته الداخلية التي تتفاقم. "سلام القوة" الأمريكي كان يتوقع أن تستسلم إيران، ثم غزة، فجاء الرد الإيراني العسكري على استعراض القوة الأمريكي، سواء في أجواء إيران أو في صنعاء والحديدة وجنوب لبنان وغزة، حاسمًا وقويًا: إيران قادرة على فك شفرة الغطرسة الأمريكية، ولن تنصاع.
وبينما حذر نتنياهو من ضربة جديدة على إيران وهجوم شامل على غزة، تتضح خطوط العرض والطول للأزمة في الشرق الأوسط بأنها لم تتحدّد بعد. لكن المؤكد أن التطبيع بالقوة، كما يراه ترامب ونتنياهو، لن يستقيم. فحرب غزة كشفت الجميع، وشعوب المنطقة ترى وتسمع، ولن تنسى ما فعلته إسرائيل وأمريكا في غزة. إنها بشاعة اللا-أخلاق السياسية والعسكرية، وسيبقى أثرها حاضرًا في ذاكرة الشعوب طويلًا.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سويسرا تعتزم حل فرع «مؤسسة غزة الإنسانية» المسجّل في جنيف
سويسرا تعتزم حل فرع «مؤسسة غزة الإنسانية» المسجّل في جنيف

وكالة خبر

timeمنذ 9 ساعات

  • وكالة خبر

سويسرا تعتزم حل فرع «مؤسسة غزة الإنسانية» المسجّل في جنيف

أعلنت سويسرا الأربعاء عن نيّتها حلّ فرع «مؤسسة غزة الإنسانية» المسجّل في جنيف، إذ إن هذه الهيئة المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل والتي تندّد بعملها الأمم المتحدة ومنظمات أخرى ليس لديها ممثل أو عنوان في البلد. والفرع المسجّل في جنيف تابع لمؤسسة غزة الإنسانية التي تتّخذ من ديلاوير في الولايات المتحدة مقرّا لها. علما بأن جنيف تستضيف وكالات أممية كثيرة ومنظمات غير حكومية. ونشرت السلطة الفيدرالية السويسرية للرقابة على الشركات الأربعاء في الجريدة الرسمية للتجارة «نداء للدائنين إثر تصفية المؤسسة المسجّلة في جنيف» وهي «قد تأمر بحلّ المؤسسة إذا لم يتقدّم أيّ دائن منها في خلال مهلة 30 يوما المنصوص عليها في القانون»، وفق ما أفادت وزارة الداخلية الفيدرالية «وكالة الصحافة الفرنسية». وأكّدت «مؤسسة غزة الإنسانية من جهتها... أنها لم تزاول قطّ نشاطا في سويسرا بصفتها المؤسسية وهي تنوي حلّ الفرع المسجّل في جنيف»، بحسب الهيئة الرقابية. وترفض وكالات الأمم المتحدة وأغلبية المنظمات الإنسانية العاملة في غزة التعاون مع هذه المؤسسة، مع التشكيك في آليات عملها ومبادئها. ومنذ افتتاحها نقاط توزيع للمواد الغذائية في مايو (أيار) في غزة، قضى مئات الفلسطينيين بنيران إسرائيلية وهم ينتظرون الحصول على ما يسدّ رمقهم في هذه المواقع. وطالبت السلطة الفيدرالية السويسرية للرقابة على الشركات المؤسسة بتوضيح الوضع حتّى نهاية يونيو (حزيران)، «نظرا إلى أنها لا تحترم بعض التزاماتها القانونية». ولحظت السلطة عدّة أوجه قصور، «فالمؤسسة ليس لديها عضو في المجلس التأسيسي مخوّل التوقيع نيابة عنها ومقيم في سويسرا، ولا تتمتّع بالحدّ الأدنى من ثلاثة أعضاء في المجلس التأسيسي وفق نظامها الداخلي، ولا حساب مصرفيا لها في سويسرا ولا عنوان صالحا لها في سويسرا ولا هيئة مراجعة لها». في مطلع مارس (آذار)، فرضت إسرائيل حصارا مطبقا على غزة الرازحة تحت وطأة عملية عسكرية مدمرة شنّها الجيش الإسرائيلي غداة هجوم «حماس» غير المسبوق على جنوب الدولة العبرية في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وأدّى الحصار إلى نقص شديد في المواد الغذائية والأدوية والسلع الأولية الأخرى، ولم يخفَّف سوى قليلا مع السماح لـ«مؤسسة غزة الإنسانية» بإقامة نقاط توزيع للمساعدات الغذائية. وفي الأوّل من يوليو (تموز)، دعت حوالي 170 منظمة دولية غير حكومية إلى وضع حدّ لنظام توزيع المساعدات الغذائية هذا، مطالبة بإعادة الآلية التي كانت قائمة حتّى مارس بتنسيق من وكالات أممية ومنظمات أخرى.

نتنياهو و"مصداقية" نادرة!
نتنياهو و"مصداقية" نادرة!

وكالة خبر

timeمنذ 17 ساعات

  • وكالة خبر

نتنياهو و"مصداقية" نادرة!

فجر يوم الثلاثاء 1 يوليو 2025، نشر رئيس حكومة دولة الفاشية اليهودية بنيامين نتنياهو حديثا له، بعد زيارة مقر جيش الاحتلال، بعيدا عن "الفخر" الذي أشار له، فلعل الكلمة الأهم، التي خرجت منه، بأنه منذ اليوم لم "نعد ضحايا"، اعتراف هو الأول بلسان مسؤول إسرائيلي يهودي أول. اعتراف نتنياهو، وهو من قاد أوسع حرب مضادة ضد الشعب الفلسطيني، تضع نهاية للاستخدام المضلل الذي استمر منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى تصريحات رئيس حكومة الكيان، كانت فلسطين الأرض والهوية والكيان، هي الثمن المباشر لتلك الحالة الاستخدامية، والتي لعبت أوروبا وأمريكا، قاطرة تمرير ذلك المشروع، بصفته قاعدة مركزية للبعد الاستعماري الحديث. قيمة الاعتراف الذي تحدث به نتنياهو، بأنه أكد أن جرائم جيش الاحتلال المرتكبة في فلسطين وحولها، باتت هي الركيزة لتعزيز مكانة دولة الكيان، كأحد أهداف مؤامرة أكتوبر 2023، بدأت تجد طريقها "التعاوني السلس" مع دول عربية وخليجية، دون ارتباط بالقضية الفلسطينية. لم يترك نتنياهو وقتا للبعض العربي بالتفكير حول أهدافه المحددة، فأعلنها بوضوح كامل، أن الوجود الفلسطيني خطر تهديدي وجودي، وأن "العلاقات" مع المحيط العربي لم تعد تمر عبر فلسطين، وأن القدس عاصمة نهائية لدولتهم، بل ومتجاهلا "ترتيبات" تم التوافق عليها حول المسجد الأقصى وساحة البراق عام 2017 مع جون كيري، وزير خارجية أمريكا. ومن المفارقات التي تستحق الاهتمام، أنه بعد ساعات من "إسقاط" صفة الضحية عن "اليهود" وفقا لتعريفات ما بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت بعض حملة جديدة داخل كنيست دولة الكيان للبحث عن تركيب مفهوم جديد لتعبير "الضحية"، باستخدام 7 أكتوبر 2023، والعمل على "تخليدها" لتصبح هي "الكارثة والبطولة المعاصرة"، بديلا للقديم المستهلك جدا. البحث عن مفهوم جديد للضحية "اليهودية"، باستخدام ما حدث في 7 أكتوبر، الذي أكدت كل تحقيقات إعلام الكيان وأمنه، أن غالبية من قتلوا كانوا جراء قصف طائرات جيش الاحتلال وليس المهاجمين، بل أن جيشهم فتح الباب لمن أراد العبور لأسباب كان أول من كشفها رأس الحكومة الفاشية نتنياهو بعد 48 ساعة من الحدث، تحويل حدث أكتوبر الى "ضحية جديدة" تفتح الباب مجددا حول الحقيقة المستخدمة خلال السنوات السابقة لما كان أرقاما وواقعا. أن يقر كنيست دولة الكيان أيام جديدة للضحية أو "البطولة"، فتلك لن تسقط حقيقة أقوال نتنياهو بل تكشف جوانب مستحدثة عن البحث لصفة "ضحية"، كونها جزء من رواية التمرير الاستخدامي لخدمة المشروع الكبير. مقابل تلك المحاولة الخادعة، لا تزال الحالة الفلسطينية بكل مكوناتها، رسمية وشبه رسمية فصائلا ومؤسسات وما حولها، تعيش "دور البطولة"، وتتجاهل البعد الآخر الذي حرك أوساط واسعة في الكوكب الأرض، بأن الضحية ليست تهمة ولا نقيصة، بل هي تعبير اختزالي لأوسع جرائم الإبادة منذ قرون، تمارسها دولة بكل مؤسساتها، وليست فصيلا أو طرفا، كما هي حماس. البعد الإنساني في جرائم دولة الاحتلال كان قوة الفعل الأكبر في المواقف الرافضة، واتساع حركة الغضب ضد عدوان غير مسبوق، لا يجد أي شكل عقابي، يكون قادرا على منع استمراره ومحاسبة مرتكبيه، والانتقال من مرحلة وصف الجرم إلى وقفه ومحاسبة من قام به. إعادة الاعتبار لمفهوم "الضحية" الفلسطيني في مواجهة الفاشية اليهودية أصبح ضرورة وطنية، ويجب أن يأخذ أبعادا متعددة، ليصبح قوة حصار لمكذبة يهودية قبل أن تتحول لواقع جديد. وبالتوازي، يجب تذكير من عليه أن يتذكر، أن نتنياهو، بعدما أسقط مكذبة "الضحية"، وجه رسائله الجديدة من مقر جيش الاحتلال، بأن التغييرات الإقليمية والترتيبات القادمة تمر عبر "فوهة البندقية". ملاحظة: حسنا التقت "تنفيذية" منظمة التحرير..وحسنا أنها حكت عن عقد مجلس وطني بعد وقف اطلاق النار في غزة..هاي بدها ترجمة باللهجة المحلية..اي وقف بتقصدوا..القريب اللي بيحكوا عنه..او البعيد اللي لساتهم ما حكوا عنه..طيب لو وقفت كمان اسبوعين بالكم بتقدروا تعملوا مجلس..او هي دعوة "محبة" مش أكتر..بدها ترجمة شباب. تنويه خاص: عشان بعض "الأشقاء" العرب ياخدوا بالهم شوي..لما تصير الناس في دولة الكيان ترمي قنابل على بيوت يهود من جماعة نتنياهو..وجماعة نتنياهو يطاردوا اللي مش جماعته كمان بالسلاح..هيك ناس معقول يكونوا قدوتكم..ما تنغشوش كتير بالبهرجة..يواش يواش

هل غزة عند ترامب صفقة تجارية؟!
هل غزة عند ترامب صفقة تجارية؟!

وكالة خبر

timeمنذ 17 ساعات

  • وكالة خبر

هل غزة عند ترامب صفقة تجارية؟!

سأحاول ربط مضمون كتاب «فن الصفقة» الذي كتبه، دونالد ترامب، بالتعاون مع الكاتب، توني شوارتز، سأربطه بما ينشره دونالد ترامب يومياً عن الإبادة التي تتعرض لها غزة في سلسلة رقمية يومية، ادَّعى، ترامب أنه مؤلف الكتاب، ولم يكن توني شوارتز سوى مُدقق للكتاب، كتاب، «فن الصفقة» صدر العام 1987م، اعتبره ترامب بأنه في منزلة الكتاب المقدس، لأنه كان أكثر الكتب مبيعاً في العالم، وفق تقرير صحيفة «نيويورك تايمز»! ما حلقات الربط بين استراتيجيات ترامب في كتابه، فن الصفقة، وبين حرب الإبادة في غزة؟ لقد طبق، ترامب في اليوم الأول أبرز استراتيجية في كتابه وهي، أن يضع هدفاً كبيراً لمشروعه الجديد في غزة، فقد أعلن في اليوم الأول أنه يسعى لامتلاك غزة بكاملها، باعتبارها مدينة سياحية جميلة، وكأن غزة هي فندق الكومودور الذي يملكه في نيويورك! لم يكتفِ بذلك بل طالب كل سكان غزة بالهجرة منها إلى الدول الأخرى، انتهاء بجمهورية الصومال، وهو بهذه الآراء المتطرفة أحدث دهشة كبيرة في كل دول العالم، وأحدث ألماً ومأساة وقهراً في أوساط أصحاب الأرض الأصليين! وهو أيضاً قد طبق نظرية الكتاب في (الصفقات المتعددة) فهو لا يرغب في امتلاك غزة فقط، بل يسعى لتهجير سكانها الأصليين، وهو في الوقت نفسه يبحث لهم عن مواطن جديدة تمكنهم من الحياة السعيدة، كما يدعي! وهو من منطلق عقيدته التجارية المتمثلة في بث حالة الإدهاش في نفوس زعماء العالم، أحدث صدمة في أوساط رؤساء دول العالم ممن زاروا البيت الأبيض، لأنه كان يحاول بث الرعب في نفوسهم، فهو أيضاً لا ينفك يُظهر براعته في ترهيب زعماء الدول، وهو يهددهم تارة، وهو أيضاً يكافئهم إذا لبوا رغباته. طبق ترامب نظريته التجارية في الكتاب، في مجال الإعلام أيضاً، لأنه أصبح مواظباً على إبراز كل خطوة من خطواته وهو ينشرها يومياً، وهو مدمنٌ على إنكار ما تبناه منذ ساعات، فهو سرعان ما يتراجع عن أكثرها، فهو قد جعل العالم كله يصاب بالدهشة وينتظر، فقد أصدر قبل أسابيع - كما قال في تغريدته - تصريحاً إعلامياً قال فيه: «بعد عدة ساعات سيتم وقف إطلاق النار في غزة» ومرت الساعات والأيام دون أن ينفذ وعده السابق باحتمال توقيع اتفاق، وكأنه نسي ما قاله سابقا عدة مرات! فهو إذاً يعتبر ما يحدث في غزة صفقة تحتاج إلى لونٍ من الخداع المغلف بتصريحات غير قابلة للتحقيق! وهو أيضاً استخدم أسلوب الخداع السابق نفسه في ملف إيران، عندما أمهل إيران أسبوعين للإعلان عن رغبتها في التخلي عن السلاح النووي، ولكنه بعد عدة ساعات أصدر أمره لطائراته من نوع، بي 2 بأن تقصف المفاعلات النووية الإيرانية! الحقيقة هي أن قطاع غزة عند ترامب مشروعٌ تجاريٌ مربح، وقد أثارت تصريحاته استغراب من لم يقرؤوا كتابه السابق، وهو قد ربط هذا المشروع الكبير بشرط أن يكون خالياً من مالكيه الغزيين واقترح تهجيرهم إلى دولٍ عديدة، وهذا هو بالضبط الحد الأعلى لمشروعه التجاري، الذي أورده في كتابه السابق! فهو، كما أورد في كتابه، لم يبدأ بداية صغيرة لأن البدايات الصغيرة لا تجني الربح لأنها ستكون صفقة خاسرة! هل تمكن ترامب من تحويل مأساة غزة من ملفٍ عنصريٍ تصفوي إلى ملفٍ إعلامي للتسلية والترفيه ينشره كل يوم في منصة إكس؟ كما قال في كتابه السابق، فهو مواظب في كل يوم على أن يصرح تصريحات متناقضة لا تُنفذ! مع العلم أن السياسة الأميركية ليست سياسة يُصممها الرئيس وحده، ولكنها من إنتاج الحكومة العميقة في أميركا، المكونة من كبار أصحاب المليارات، ومن رؤساء شركات تصدير السلاح، ومن رؤساء مراكز الأبحاث والصحافيين، ومن كبار رجال الدين من التيار الإيفنجيلي المسيحاني الصهيوني، وما رئيس أميركا سوى مؤدٍ يُغرد على مقطوعة هؤلاء الدهاقنة في منظومة الحكومة العميقة، وكذلك فإنني أؤمن بأن هذه الحكومة العميقة، هي التي أنجحت دونالد ترامب في الانتخابات الأخيرة وألبسته طاقية، استعادة عظمة أميركا، وهو الشعار المركزي في مواجهة الصين التجارية! لا شك في أن كتاب «فن الصفقة» هو كتابٌ يستحق القراءة، لا لأنه من إنتاج رئيس أكبر دول العالم، بل لأن ما فيه من المعلومات مفيد لرجال الأعمال يستحق القراءة، وهو بالمناسبة صالحٌ لأن يكون دليلاً لتجار السياسة، لأن السياسة في عالم اليوم هي خطة تجارية بالدرجة الأولى، وهي الباب الأوسع لجني الأرباح والفوز بالقيادة في عالم مليء بالصراعات، لذا سأحاول أن أضع أبرز نقاط هذا الكتاب، في محاولة لربطها بما يجري في غزة من إبادة! عرض كتابُ، فن الصفقة أبرز الخطوات لربح الصفقات التجارية، ولعل أبرز المبادئ الاستراتيجية في الكتاب هو بذل جهد كبير في مجال الإعلام، لأن ذلك سيكون بديلاً عن الحملات الإعلانية المكلفة والمغرِّرة التي اعتادت الشركات أن تنفذها في بدايات كل مشروع، مع نبذ اليأس والإحباط في تصميم أي مشروع، وهو يطلب من كل من يخطط للصفقة أن يضع لصفقته أهدافا كبيرة، وألا يضع لها هدفاً صغيراً، لأن كل من يضع هدفاً محدوداً صغيراً فإنه غالباً ما يفشل في ذلك. ومن أبرز ما ورد في الكتاب أن يضع قائد المشروع عدة صفقات في وقتٍ واحد، لأن ذلك يجلب الربح ويُحجِّم الخسائرَ التي يمكن أن تصاحب المشروع الواحد، وعلى مصمم المشروع أن يهتم بالتفاصيل الصغيرة، وأن يتعرف عليها من خلال العاملين فيها، وليس من خلال المستشارين، فهو لا يؤمن بالاستشارات المهنية من أصحاب الألقاب الأكاديمية! كذلك وضع ترامب مبدأ آخر يتمثل في وجوب جمع المعلومات عن المشروع المراد تنفيذه من الممارسين العاملين في المشروع، وليس من شركات بناء وتصميم المشروعات، وهذا يساعد مالك المشروع على أن يفهم نفسيات العاملين المشاركين في هذا المشروع، ويجعله ضليعاً في علم النفس البشري، مع أنه يؤمن بأن المشاريع تحتاج إلى نوعٍ من التغرير ما يجلب الربح السريع، وهو لا يؤمن بنظريات المشاريع الجوفاء! لم يكتفِ، دونالد ترامب بهذه الخطط والأهداف، بل تعرض أيضاً للمعاملات البشرية أي في مجال إدارة المشاريع، ويشمل ذلك طريقة تعامل مدير المشروع مع العاملين مباشرة وهو يؤمن بأن يكون قائد المشروع لطيفاً مع العاملين في المشروع، وفي الوقت نفسه قادراً على توبيخ كل الذين يسيئون التصرف، أو يهينون صاحب المشروع! وهو لم يُغفل استراتيجية مهمة في مجال إنجاز المشروع، وهي أن يُحوِّل قائدُ المشروع ومالكُه مشروعَه الجديد من همٍّ مزعج ومأساة من المآسي اليومية، ويجعله لُعبة مسلية وممتعة، يديرها عن بعد ويستمتع بها! كانت تلك أبرز استراتيجيات دونالد ترامب التجارية، وهي تمثل فلسفته في بناء المشاريع! سأظل أعتقد أن ملف غزة لا يمكن أن يكون ضمن خطة، ترامب الرئيسة، فهو ملف إسرائيلي بحت يتعلق بالعقيدة المسيحانية الصهيونية. أعتقد أن ملف غزة هو ملكية حصرية للمخطِّط الإسرائيلي، وما دونالد ترامب سوى أحد المعاول لتنفيذ هذا المشروع الإسرائيلي الكبير المتمثل في تفريغ غزة من أخطر الملفات السياسية، وهو ملف القضية الفلسطينية المقدسة، الذي ظل يُزعج إسرائيل عقودا طويلة!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store