
الفخّ الصيني
«ها نحن نعض أصابع الندم. لقد ساعدناهم في الاستيلاء على التكنولوجيا التي ابتكرناها»، يقول المتخصص الفرنسي في الشؤون الصينية إيمانويل فيرون.
منذ العقد الأول من القرن الحالي، والدول الغربية تتداول في الغرف المغلقة حول ما يجب فعله في مواجهة الصين، بعد أن بدأت مئات الشركات الغربية تجد نفسها مجبرة على الانسحاب من أرض ظنتها «إلدورادو لا ينضب معينها». ما يزعج ليس تقدم الصين، وسبقها المذهل، وإنما استقلاليتها واستغناؤها عن الغرب. بات بمقدور الصين أن تصنّع قطارات سريعة تتفوق بشكل كبير على القطارات الغربية. هذا يعني ليس فقط أنها تتمدد لتنسج بسككها طريق الحرير الجديد، وإنما أن تصدّر من دون منافس كبير. وكما القطارات التي انطلق أولها من بكين إلى شنغهاي عام 2011 ومن يومها لم يتوقف، كذلك الطائرات، التي انتهت من الحبو وأخذت تطير، وقريباً تصبح منافساً لـ«بوينغ» و«إيرباص»، ومثلها الصواريخ والسيارات، بعد أن احتلت الصين سوق البطاريات من دون أي منازع.
التحقيق الرهيب الذي بُث على الإنترنت تحت عنوان «الطريقة الصينية في غزو العالم» يتتبع الاستراتيجية المحكمة للرئيس الصيني دينغ شارو بينغ منذ عام 1975، حتى قبل أن يتولى السلطة، حين زار فرنسا لأسبوعٍ واطلع على أهم التكنولوجيات النووية. هذه الخطة هي التي طبقها أسلافه، التي تجعل الغرب يشعر اليوم بأنه وقع في الفخ الصيني.
أظهرت الصين للغرب منتصف السبعينات أنها دولة فقيرة، بكثافة سكانية مربكة، وتحتاج مساعدة، ولن تتردد في دفع الثمن. فرصة استثمارية لا تردّ في بلد بحجم قارة. طلب دينغ شاو بينغ أن تأتي المصانع والشركات الغربية إلى بلاده، مبدياً الرغبة في الانفتاح على الغرب. عندما تمت الموافقة، اشترطت بكين أن تكون المصانع بشراكة مع جهات محلية. تبين في ما بعد أن الذين وُظفوا في المصانع، ليسوا عمّالاً كما تم التعريف بهم، وإنما مهندسون على درجة عالية من المهارة والتكوين العلمي. هؤلاء تمكنوا من تخطي الخُبث الغربي.
الغرب الذي افتتح مئات المصانع، وسال لعابه على الكعكة الصينية، لا بل وتنافس على ساحة اعتبرها باقية إلى أمد بعيد، لم يزود الصين بأحدث تقنياته، كما وعد. حتى بالسيارات كان يحتفظ بالموديلات الأحدث لنفسه، ويقدم للصينيين الجيل الذي يسبق. لكن المهندسين الذين زُرعوا في المصانع، لم يتعلموا فقط بل فاقوا أساتذتهم وأضافوا، وتمكنوا من الاجتهاد بشكل غير متوقع، هذا ترجموه وهم يشيدون قطاراتهم السريعة.
ثورة 1989 جاءت للغرب باب فرج. ظن أن حلم الديمقراطية عند الشباب الصيني سيكون كافياً لقلب الطاولة. لكن السلطة ضربت بيد من حديد، وفرقت محتجي ساحة «تيا نان من» بالقوة، وهو ما تحول إلى حجة للغرب، ليفرمل تعاونه الصناعي والتكنولوجي مع الصين، وقد بدأ يتحسس تكاليفه المستقبلية الباهظة.
لكن سرعان ما عاد الجميع إلى بكين، متجاهلين مخاوفهم مع انهيار جدار برلين، وزوال الخطر الشيوعي. صارت الصين جزءاً من السوق العالمية، منخرطة في منظمة التجارة، مقترضة من البنك الدولي. الرئيس نيكولا ساركوزي الذي زار خلال عهده الصين وعقد اتفاقاً بثمانية مليارات دولار لبناء أربعة مراكز نووية عالية التقنية، اعتقد أنه سيبقى متقدماً في السباق. وهل على القوي أن يخشى من ضعيف قد يسبقه بعد خمسين عاماً. ألن يكون هو الأوفر حظاً بكل ما له من معرفة وتفوق، في البقاء في المقدمة؟ لعله الغرور، أو ثقة زائدة، جعلت الغرب كله يبقى حذراً، لكنه لا يقاوم الاستثمارات الكبرى التي فتحت أمامه في الصين.
يقول جنرال سابق في الجيش الشعبي اسمه كولونيل ليو مينغ فو: «نحن تلامذة مجتهدون. نتعلم بسرعة. نستوحي ونجعل أكبر منافسينا شريكاً لنا، لنتعلم بأفضل الطرق».
ما يقال بصوت مرتفع، كانت تخفيه الصين، وتقدم نفسها أمةً مهيضةً. لهذا يردد الأوروبيون بحسرة، وهم يتحدثون عن تجربتهم المريرة: «لقد خُدعنا».
في خطاب له أمام طلاب جامعة بكين، قال الرئيس تشي جينبينغ: «إن دبلوماسية الصين تشبه (لعبة الغو)». هي أقدم لعبة عرفتها الصين. على عكس الشطرنج، لا تقوم على طرد العدو وقتله بالضربة القاضية. المطلوب محاصرة الخصم من الأطراف والتقدم تدريجياً وببطء إلى نقطة المركز. في هذه الأثناء، يكون اللاعب الماهر قادراً على احتلال مساحات وهو يتقدم بهدوء باتجاه الوسط. هذا يتطلب خطة مسبقة، ورؤية شمولية لرقعة اللعب، ثم التحلي بالصبر وإدارة الوقت للسيطرة، والوصول إلى الهدف.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 40 دقائق
- الرياض
مقتل 6 أشخاص في هجمات بمسيرات وصواريخ كروز وقنابل في أوكرانيا
شنت روسيا موجة من الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على غرب أوكرانيا خلال الليل، واستهدفت مناطق بعيدة عن الخطوط الأمامية، حسبما ذكرت وسائل الإعلام ومسؤولون أوكرانيون اليوم السبت. ولقي ستة أشخاص على الأقل حتفهم ليلة الجمعة –السبت فيما واصلت روسيا الهجوم على أوكرانيا بمئات الطائرات المسيرة والصواريخ في إطار حملة قصف تصعيدية بددت الآمال في تحقيق إنجاز في جهود إنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أعوام، حسبما ذكرت وكالة أنباء أسوشيتد برس (أ ب). وتم تسجيل انفجارات في مدينتي لفيف بالقرب من الحدود مع بولندا وتشيرنفتسي بالقرب من الحدود مع رومانيا، حسبما ذكرت صحيفة "كييف إندبندنت" نقلا عن صحفييها على الأرض. وأفادت شبكة "سوسبيلن" العامة أيضا بوقوع انفجار في مدينة "لوتسك" في شمال غرب البلاد. وقال عمدة لفيف أندري سادوفي في منشور على تيليجرام إن حريقا اندلع في أحد المبانى في لفيف بعد الهجمات. ولقي شخصان حتفهما وأصيب 14 شخصا آخر إثر مهاجمة القوات الروسية لمنطقة بوكوفينا في تشيرنفتسي الليلة الماضية بأربعة مسيرات، حسبما ذكر الحاكم الإقليمي روسلان زابارانيوك اليوم السبت. وأفاد بأن شخصين لقيا حتفهما جراء سقوط حطام مسيرة، وفقا لوكالة (أ ب). وأسفر هجوم بمسيرة على لفيف عن إصابة 12 شخصا، حسبما ذكر الحاكم الإقليمي مكسيم كوزيتسكي، بحسب وكالة (أ ب). وأصيب ثلاثة أشخاص في خاركيف شمال شرقي أوكرانيا إثر تعرض المدينة لهجوم بثماني مسيرات وصاروخين، وفقا لما ذكر العمدة إيهور تيريخوف، حسبما أفادت وكالة (أ ب). وذكرت صحيفة "كييف إندبندنت" أن القوات الجوية الأوكرانية حذرت في وقت سابق من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي أطلقت من روسيا وكانت تتجه غربا. وأضافت أن الطائرات المسيرة شوهدت أيضا تقترب من منطقتي تيرنوبيل وفولين، وفقا لمصادر رسمية. ونشرت بولندا، الجارة الغربية لأوكرانيا، طائرات مقاتلة لحماية مجالها الجوي أثناء الضربات، حسبما قالت القوات المسلحة البولندية على موقع "اكس". وأطلقت روسيا 597 مسيرة ومسيرة طعما و 26 صاروخ كروز على أوكرانيا ليلة الجمعة- السبت، وفقا لما ذكرت القوات الجوية الأوكرانية. وتم إسقاط 319 مسيرة و 25 صاروخ كروز وفقدت 258 مسيرة طعما، ويحتمل أنها تم التشويش عليها إلكترونيا، وفقا وكالة (أ ب). وذكر الحاكم الإقليمي سيرهي ليساك أن شخصين لقيا حتفهما صباح اليوم في ضربة صاروخية على منطقة دنيبروبتروفسك، بعد الهجمات الليلية، بحسب وكالة (أ ب). وأشار مسؤولون محليون إلى أن شخصين آخرين لقيا حتفهما اليوم في منطقة سومي جراء هجوم بقنبلة موجهة، حسبما ذكرت وكالة (أ ب).


الرياض
منذ 2 ساعات
- الرياض
بوتين يحث إيران على قبول اتفاق نووي مع أمريكا يتضمن «صفر تخصيب»
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وللمسؤولين الإيرانيين إنه يؤيد فكرة اتفاق نووي تكون فيه إيران غير قادرة على تخصيب اليورانيوم، حسبما ذكرت مصادر مطلعة لموقع "أكسيوس" الإخباري الأمريكي اليوم السبت. وكانت روسيا الداعم الدبلوماسي الرئيسي لإيران لسنوات في مسألة البرنامج النووي. ورغم أن موسكو تؤيد حق إيران في التخصيب علنا، تبنى بوتين موقفا أشد صرامة في الجلسات الخاصة في أعقاب الحرب التي استمرت 12 يوما بين إسرائيل وإيران. وحثت موسكو الإيرانيين على الموافقة على "صفر تخصيب"، وفقا لثلاثة مسؤولين أوروبيين ومسؤول إسرائيلي على علم بالمسألة. وقال مصدران إن الروس أطلعوا الحكومة الإسرائيلية على موقف بوتين إزاء تخصيب إيران لليورانيوم. وذكر مسؤول إسرائيلي بارز: "نعلم أن هذا هو ما قاله بوتين للإيرانيين". وأعرب بوتين عن هذا الموقف في مكالمات الأسبوع الماضي مع ترامب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. كانت الضربات الإسرائيلية والأمريكية أضرت بشدة بالمنشآت النووية الإيرانية لكنها لم تدمر كل اليورانيوم الإيراني عالي التخصيب. ولم يتضح ما إذا كانت أجهزة الطرد المركزي نجت من الهجمات. وأوضح ترامب أنه يرغب في إبرام اتفاق نووي جديد مع إيران. وأشارت مصادر إلى أنه إذا أجريت مفاوضات في الأسابيع المقبلة، سيكون عدم تخصيب اليورانيوم في الأراضي الإيرانية أحد المطالب الرئيسية للولايات المتحدة. وتصر إيران منذ أمد طويل على أنها يجب أن تحتفظ بالقدرة على التخصيب بموجب أي اتفاق.


الرياض
منذ 2 ساعات
- الرياض
موسكو تحذر واشنطن وسول وطوكيو من تشكيل تحالف أمني ضد كوريا الشمالية
حذر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف اليوم السبت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان من تشكيل شراكة أمنية تستهدف كوريا الشمالية، وذلك خلال زيارته للدولة الحليفة لبلاده، حيث أجرى محادثات تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري وغيره من أشكال التعاون المتنامي بين البلدين. وتحدث وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف من مدينة وونسان الواقعة في شرق كوريا الشمالية، حيث التقى بزعيم البلاد كيم جونج أون، ونقل إليه تحيات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وشهدت العلاقات بين موسكو وبيونج يانج ازدهارا في السنوات الماضية، حيث قامت كوريا الشمالية بتزويد روسيا بجنود وذخائر لدعم حربها في أوكرانيا، مقابل الحصول على مساعدات عسكرية واقتصادية. وأثار هذا التعاون مخاوف في كوريا الجنوبية والولايات المتحدة ودول أخرى من احتمال قيام روسيا بنقل تقنيات حساسة إلى كوريا الشمالية، ما قد يزيد من خطورة برامجها النووية والصاروخية. وفي تصريحات أدلى بها للصحفيين عقب لقائه بنظيرته الكورية الشمالية تشوي سون هوي، اتهم لافروف الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان بما وصفه بأنه "تعزيزات عسكرية" في محيط كوريا الشمالية. وقال لافروف، بحسب ما نقلته وكالة تاس الروسية الرسمية: "نحذر من استغلال هذه العلاقات لتشكيل تحالفات موجهة ضد أي طرف، بما في ذلك كوريا الشمالية، وبالطبع روسيا". وكثّفت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان تدريباتها العسكرية الثلاثية، أو أعادت إحياءها، ردا على تقدم برنامج كوريا الشمالية النووي. ففي يوم الجمعة، أجرت الدول الثلاث تدريبا جويا مشتركا شاركت فيه قاذفات أمريكية قادرة على حمل أسلحة نووية بالقرب من شبه الجزيرة الكورية، بينما اجتمع كبار القادة العسكريين للدول الثلاث في سول، وحثوا كوريا الشمالية على وقف جميع أنشطتها غير القانونية التي تهدد الأمن الإقليمي. وقال لافروف إن روسيا تتفهم قرار كوريا الشمالية السعي لامتلاك أسلحة نووية. وأضاف، بحسب ما نقلته وكالة تاس: "إن التقنيات التي تستخدمها كوريا الشمالية هي ثمرة عمل علمائها الخاصين. نحن نحترم تطلعات كوريا الشمالية ونتفهم الأسباب التي تدفعها إلى السعي نحو تطوير قدراتها النووية."