
السودان.. لماذا يتعثّر تشكيل حكومة كامل إدريس؟
وحتى الآن، لم يتم التوافق إلا على 10 وزراء فقط من أصل 22، رغم مرور ما يقارب الشهرين على أداء رئيس الوزراء اليمين الدستورية.
وتشارك في هذه المشاورات أطراف متعددة، من بينها مجلس السيادة، والقوات المسلحة، ورئيس الوزراء، إضافة إلى الموقعين على اتفاق جوبا للسلام.
ويأتي هذا التأخير في وقت يواجه فيه السودانيون أزمات أمنية وإنسانية واقتصادية متصاعدة، مما يجعل الانتظار أكثر كلفة من أي وقت مضى.
تفاهم ومراهنة على الكفاءات
وقال الناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة محمد زكريا، في تصريح لـ"الشرق"، إن المشاورات خلال الفترة الماضية جرت في "روح تسودها التفاهم"، مشيراً إلى أن جميع الأطراف توصلت إلى "تفاهم مشترك"، بشأن النصوص التي تنظم مشاركة أطراف السلام في السلطة، استناداً إلى اتفاق جوبا والدستور الانتقالي المعدل.
وأوضح زكريا أن المرحلة الحالية تركز على اختيار مرشحين يتمتعون بالكفاءة لتولي الوزارات، مشدداً على أهمية إعطاء هذه المرحلة أولوية لضمان تشكيل حكومة فاعلة.
وتابع: "هذه الحكومة يجب أن تعبّر عن برنامج (حكومة الأمل) كما سماها رئيس الوزراء، ونؤكد أن أطراف الفترة الانتقالية أكثر وحدة وحرصاً على تجاوز التباينات والتركيز على ما يخدم الوطن".
مطالبات بالإسراع وتحذيرات من فقدان الفرصة
من جانبه، دعا الفريق صديق إسماعيل، نائب رئيس حزب الأمة القومي، إلى دعم هذه الخطوة والوقوف خلفها باعتبارها "بداية فعلية نحو التحول الديمقراطي".
وقال لـ"الشرق": "نتمنى من جميع السودانيين أن يدعموا هذا التشكيل، لأنه يمثل بداية لمسار ديمقراطي حقيقي. التأخير في تشكيل الحكومة هو أحد الأسباب التي دفعتنا للتدخل، نظراً لما لاحظناه من تنازع بين الأطراف".
وأضاف أن حزب الأمة القومي قام بالتواصل مع جميع الأطراف، بما في ذلك رئيس الوزراء والحركات المسلحة، لحثهم على تقديم التنازلات المتبادلة والتوافق على حكومة كفاءات مرتبطة بمعاناة الشعب.
وحذر من أنه "إذا فشلنا في تشكيل حكومة بهذه المواصفات، سنبقى ندور في حلقة النزاع والصراع على السلطة بعيداً عن تطلعات الشارع السوداني".
اتهامات بالمحاصصة وتدخّل "مراكز قوى"
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عبد المنعم أبو إدريس اعتبر أن تأخر تشكيل حكومة كامل إدريس يعود بالدرجة الأولى إلى "التنافس بين المكونات السياسية المختلفة، خاصة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام".
وقال في حديثه لـ"الشرق"، إن "ما نراه هو حكومة محاصصات، الهدف منها إرضاء أطراف سياسية ومكونات اجتماعية في مختلف مناطق السودان. حتى بعض الأسماء التي تم الإعلان عنها تعكس هذا النهج، وليس بالضرورة تستند إلى معايير الكفاءة".
وقال أبو إدريس إن رئيس الوزراء "لا يبدو أنه يملك القرار الكامل في تسمية الوزراء"، مشيراً إلى ما وصفه بـ"تدخلات من مجلس السيادة في قبول أو رفض بعض الترشيحات، مما يضعف قدرة الحكومة على التشكّل في وقت قريب".
"استمرار لسلطة الأمر الواقع"
في المقابل، ترفض تحالفات سياسية بارزة خارج إطار الحكومة المرتقبة، مثل "تحالف صمود" و"تحالف تأسيس"، المشاركة في عملية التشكيل الجارية، وتصفها بأنها استمرار لسلطة الأمر الواقع التي قالت إنها "تفتقر للشرعية منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021".
وفي بيان له، انتقد "التجمع الاتحادي" ما وصفه بـ"تعيين حكومة محاصصات حزبية وجهوية"، محذراً من أنها تضم عناصر من النظام السابق، ولا تعبر عن أي تغيير حقيقي، بل تمثل امتداداً لحكم عسكري "فاشل".
وأكد البيان أن الأولوية في الوقت الراهن يجب أن تكون لوقف الحرب التي اندلعت في أبريل 2023، والدخول في مفاوضات لوقف إطلاق النار، وحماية المدنيين، وتهيئة الأوضاع لعودة النازحين وبدء عملية إعادة الإعمار، بدلاً من تشكيل حكومة غير متفق عليها شعبياً.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 42 دقائق
- الشرق الأوسط
باريس تُعدّل استراتيجيتها في أفريقيا مع استمرار انسحابها العسكري من القارّة
صفحة جديدة من علاقات فرنسا مع القارة الأفريقية طُويت هذا الأسبوع، لتنضمّ إلى صفحات سابقة تناثرت تباعاً وكلها لانحسار نفوذ باريس في هذه القارة التي كانت حاضرة في العديد من بلدانها بوصفها دولة مستعمرة في القرن التاسع عشر، وحتى ستينات القرن الماضي، ثم دولة «وصية» بعد حصول هذه البلدان على استقلالها. وآخر من رغب في التخلّص من الوجود العسكري الفرنسي كانت السنغال، الدولة التي كانت تعيش سابقاً في حضن باريس زمن رئاسة ماكي سال الذي كان كثير القرب من باريس. ولكن مع خروجه من السلطة، ووصول بصيرو ديوماي إلى القصر الجمهوري في 2 أبريل (نيسان) من العام الماضي، انقلبت الأمور رأساً على عقب. فالرئيس الجديد لم يُخفِ، خلال حملته الانتخابية وبعد وصوله إلى الرئاسة، رغبته في إحداث تغيير جذري في علاقات بلاده مع باريس. فأعلن في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي عن رغبته في وضع حدٍّ لجميع أشكال الوجود العسكري الأجنبي على أراضي السنغال خلال عام 2025. وفي رسالة واضحة مُوجّهة لفرنسا، شدّد ديوماي على أن «السنغال دولة مستقلة، وهي دولة ذات سيادة، والسيادة لا تتوافق مع وجود قواعد عسكرية في بلد ذي سيادة». ارتدى الوجود العسكري الفرنسي في السنغال حُلّة جديدة في عام 1960، أي في العام الذي حصلت فيه دكار على استقلالها. ومنذ ذلك التاريخ، شكّلت اتفاقيات التعاون الثنائي، وبينها الدفاعية، قاعدته القانونية، وكان الهدف «الرسمي» منه المساعدة على بناء الجيش الوطني السنغالي. لكن الغرض «الحقيقي» كان، إلى حدّ كبير، المحافظة على الأنظمة القائمة الموالية لفرنسا، والتمكّن من الإبقاء على «هيمنة» باريس على الدول المستقلة حديثاً كالسنغال، وكما هي الحال في الدول الأفريقية الأخرى التي خرجت تباعاً من العباءة الاستعمارية الفرنسية. لكنها جميعاً قبلت إبرام اتفاقات دفاعية تتيح المحافظة على القواعد العسكرية الفرنسية، ما يُوفّر لباريس القدرة على التأثير على قرارات هذه الدول، ومن ثمّ الدفاع عن المصالح الفرنسية. هذا كان في الماضي. أما اليوم، فإن الوجود العسكري الفرنسي «الدائم» في السنغال قد انتهى الخميس، مع تسليم «معسكر جيل» وهو أكبر المقرات العسكرية الفرنسية وموقعه في العاصمة دكار، إلى الجيش الوطني في احتفال رسمي. والأمر نفسه ينطبق على المنشأة العسكرية من مطار العاصمة الذي كانت تشغله القوة الفرنسية. وحرص الطرفان على إعطاء عملية التسليم والتسلم طابعاً رسمياً، إذ إنها تمّت بحضور رئيس أركان الجيش السنغالي الجنرال مباي سيسيه، والقائد الفرنسي في أفريقيا الجنرال باسكال إياني. وقال الأول إن «الهدف الأساسي من الاستراتيجية هو ترسيخ استقلالية القوات المسلحة السنغالية، مع الإسهام في تعزيز السلام على مستوى الإقليم، وأفريقيا، والعالم». وأضاف أن الانسحاب يدعم استراتيجية بلاده الدفاعية الجديدة. وقال الثاني إن «خطوة (الانسحاب) تندرج ضمن قرار فرنسا بإنهاء وجود قواعد عسكرية دائمة لها في غرب ووسط أفريقيا، وتلبية لرغبة السلطات السنغالية في عدم الإبقاء على قوات أجنبية دائمة على أراضيها». تُشكّل السنغال آخر حلقة من سلسلة الانسحابات الفرنسية من غرب أفريقيا ومن منطقة الساحل. بيد أن هناك فارقاً مُهمّاً يُميّز السنغال عن بلدان الساحل. فالسنغال لا يريد القطيعة الجذرية مع باريس، وتجنّب تكرار التجربة التي عرفتها فرنسا مع مستعمراتها السابقة في منطقة الساحل الأفريقي (مالي، بوركينا فاسو، النيجر، تشاد) التي طلبت خروج القوات الفرنسية من أراضيها عقب الانقلابات العسكرية التي عرفتها. قوات سنغالية خلال مراسم تسليم القاعدة العسكرية بدكار في 17 يوليو (أ.ف.ب) وتمت عمليات الخروج في العامين 2022 و2023، وذلك بناء على طلب من المجالس العسكرية التي تسلمت الحكم وسط خلافات عميقة مع فرنسا. وبعد هذه الدول الثلاث، جاء دور تشاد التي نقضت في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي اتفاقية الدفاع القائمة بين نجامينا وباريس، وتمت عملية الانسحاب الفرنسية من ثلاث قواعد رئيسية هي (فايا لارجو، أبيشيه، نجامينا) بداية العام الحالي. وكانت خسارة تشاد شديدة الوقع على فرنسا، لأن قواعدها الثلاث وفّرت الفرصة لإبقاء قواتها في المنطقة عقب انسحابها من الدول الثلاث المذكورة سابقاً. وعتبت باريس على الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، الذي غضّت باريس الطرف عن كيفية وصوله غير الديمقراطية إلى السلطة عقب مقتل والده إدريس ديبي في شمال البلاد خلال معارك مع متمردين. كذلك، فقد زار ديبي الابن باريس أكثر من مرة. رغم ذلك، فقد ركب موجة التحرر من الوصاية الفرنسية. قياساً على ما سبق، فإن الخروج من السنغال جاء أكثر ودّاً وبتفاهم بين الطرفين. ففي شهر فبراير (شباط) من العام الحالي، تم تشكيل لجنة مشتركة عملت على برمجة وتنظيم عملية الانسحاب والبدء بنقل المنشآت إلى القيادة السنغالية. وفي الشهر التالي، تسلّم الطرف السنغالي ثلاث قواعد (قاعدة مارشال وسان أكزوبيري وروفيسك) لتنتهي عملية الانسحاب، مع تسليم قاعدة «جيلي» الرئيسية في دكار. وشدّد الرئيس السنغالي، بهذه المناسبة، على أن الانسحاب ليس قطيعة بل للبحث عن «شراكة متجددة». رئيس أركان القوات المسلحة السنغالية ورئيس قيادة الجيش الفرنسي خلال مراسم تسليم القاعدة العسكرية بدكار في 17 يوليو (أ.ف.ب) لم تتوقف الأمور عند هذا الحد. فساحل العاج يريد أيضاً خروج القوات الفرنسية، وقد بدأ بالفعل في شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي من خلال تسليم قاعدة «بور بويت» للعاجيين، وثمة برمجة لانسحابات أخرى. ومع إتمام هذه العمليات، لم يتبقّ لفرنسا سوى قاعدة رئيسية جوية وبحرية في جيبوتي، المستعمرة السابقة، حيث تنشر 1500 جندي. وهذه القاعدة تُعدّ استراتيجية بفضل موقعها على مدخل البحر الأحمر. وتؤكد باريس أنها لعبت دوراً في حماية هذا الممرّ البحري الحيوي للتجارة العالمية. كذلك لباريس حضور عسكري ضعيف في الغابون. دفع توالي النكسات فرنسا لإعادة النظر في استراتيجيتها الأفريقية، بحثاً عن الحفاظ عن مصالحها. وتشكو باريس من الدور المُسيء الذي تلعبه روسيا لضرب المصالح الفرنسية، ولما تقوم به ميليشيات «فاغنر» في دول المنطقة التي تعاني من مشاكل أمنية وتمدّد المنظمات الإرهابية، التي كانت باريس تُؤكّد أن أحد أسباب وجودها كان تحديداً محاربة التنظيمات الإرهابية. وبما أن هذه السردية لم تعُد مقنعة، فإن باريس تقترح مقاربة مختلفة لإعادة تموضعها في أفريقيا تقوم على مفهوم «التعاون المرن»، والتركيز على التدريب، وتبادل المعلومات الاستخباراتية والدعم الذي يطلب منها. وبكلام آخر، تريد باريس قلب صفحة الحضور العسكري البارز، وصورة «الشرطي الأفريقي» لتعاون أكثر سلاسة ويتجاوب مع حاجات هذه البلدان، فيما المنافسة من أطراف أخرى (الصين، روسيا، تركيا، إسرائيل وأيضا الولايات المتحدة) تستقوي يوماً بعد يوم.


عكاظ
منذ 2 ساعات
- عكاظ
أوروبا تعاقب فردين وبنكاً ومؤسسة سودانية لتمويلهم «الدعم السريع»
في مساعٍ لمنع أي تمويل قد يطيل أمد النزاع الدامي في السودان، أعلن الاتحاد الأوروبي اليوم (الجمعة) إدراج مؤسسة مناج الصخر الأحمر وبنكاً سودانياً وشخصين في قوائم العقوبات على خلفية الحرب الدائرة في السودان، متّهماً إياهم بتقديم الدعم لقوات الدعم السريع. وأوضح الاتحاد في بيان أن البنك يساهم في تقويض الاستقرار الاقتصادي والسياسي في السودان، مبيناً أن البنك مملوك لقوات الدعم السريع ويُستخدم كأداة لتمويل عملياتها، ما يجعله هدفاً مباشراً للعقوبات الأوروبية الجديدة المفروضة على الأطراف التي تغذي الصراع السوداني. وأكد الاتحاد الأوروبي اليوم أنه اعتمد الحزمة الرابعة من الإجراءات التقييدية ضد فردين وكيانين، وذلك في ظل استمرار تدهور الوضع الخطير في السودان، واستمرار الاشتباكات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع منذ أكثر من عامين. وكانت أمريكا قد فرضت في يناير الماضي عقوبات على أعضاء وبعض قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها لارتكابهم إبادة جماعية من بينهم قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي»، إضافة إلى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الذي اتهمته بـ«السعي لإنهاء الصراع عن طريق الحرب وليس عبر المفاوضات». وتسبب النزاع في السودان بسقوط عشرات آلاف القتلى، وتهجير أكثر من 13 مليون شخص بين نازح ولاجئ، فيما غرقت أنحاء عدة من البلاد في المجاعة. من جهة أخرى، قُتل 8 مدنيين في قصف لقوات الدعم السريع على مخيم «أبو شوك» للنازحين في غرب السودان. وبحسب غرفة طوارئ معسكر أبو شوك فإن القصف استهدف المخيم الذي يستضيف عشرات الآلاف من النازحين على أطراف الفاشر عاصمة دارفور المحاصرة التي يعاني سكانها من الجوع. وأفادت الغرفة في بيان بأن المخيم شهد قصفاً مدفعياً عنيفاً الخميس من قبل قوات الدعم السريع بقذائف ثقيلة ما أسفر عن مقتل 8 أشخاص، مؤكدة تدمير عدد من المنازل في المخيم. ويأتي الهجوم بعد أيام على هجمات أخرى نفّذتها قوات الدعم السريع على قرى في شمال كردفان أسفرت عن مقتل المئات بينهم أطفال ونساء. وحذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من أن النزوح القسري للسكان في ولاية شمال دارفور بالسودان يهدد بانتشار مرض الكوليرا الذي تفاقمت حالات تفشيه في الآونة الأخيرة، مبيناً أن النقص الحاد في التمويل يحرم الفئات الأكثر ضعفاً في السودان. وأشار إلى أن موسم الأمطار الحالي في البلاد يهدد بتفاقم تفشي الأمراض. أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
معركة الفاشر «حرب استنزاف» طويلة المدى
تستمر معركة الفاشر في إقليم دارفور غرب السودان منذ شهور طويلة، دون حسم لصالح الجيش السوداني أو لـ«قوات الدعم السريع»، في حين تحوّلت المواجهات «حرب استنزاف» طويلة المدى، ومع تصاعد غير مسبوق في الهجمات بوتيرة متسارعة في الآونة الأخيرة، لا تزال قوات الجيش والقوة المساندة لها تقاتل بضراوة للدفاع عنها ومنع سقوطها، وتشن هجمات مضادة على أطرافها المحاصرة. صدّ الجيش السوداني 222 هجوماً على الفاشر، تخللتها اشتباكات عنيفة قُتل فيها الآلاف من طرفي القتال والمدنيين، وهو ما وصفه الخبير العسكري، اللواء معتصم عبد القادر الحسن، بـ«حرب استنزاف» يسعى من خلالها الجيش السوداني، الذي عُرف بعقيدة دفاعية، للحفاظ على المدينة، وفي الوقت نفسه إنزال أكبر قدر من الخسائر في صفوف «قوات الدعم السريع». مشيراً إلى أن الجيش السوداني استخدم هذه الاستراتيجية في استعادة مقر قيادته العامة وسط العاصمة الخرطوم، بعد 21 شهراً من الحصار الخانق، كما صدّت قواته عشرات الهجمات على سلاحي المدرعات والمهندسين في الخرطوم. جنود سودانيون خلال وصولهم إلى سوق اللفاح في منطقة تمت استعادتها من «قوات الدعم السريع» جنوب الخرطوم (أ.ب) وقال عبد القادر لـ«الشرق الأوسط» إن حرب الفاشر «معركة مصيرية لـ(قوات الدعم السريع)، بعد الهزائم المتلاحقة التي تلقتها على أيدي الجيش، وخسارتها الخرطوم ووسط البلاد، وإجبارها على الانسحاب إلى إقليم كردفان، وهي تسعى لإسقاط المدينة لإطباق السيطرة التامة على إقليم دارفور؛ بهدف زيادة الضغط على الحكومة السودانية، ودفعها إلى التفاوض وتقاسم السلطة، وحال فشل ذلك ستتجه إلى إعلان حكومة منفردة في دارفور، بمشاركة من حلفائها في تحالف تأسيس». وأوضح عبد القادر أن عناصر الجيش السوداني يتلقون تدريبات عسكرية عالية على الدفاع والهجوم، والانسحاب المنظم، بالإضافة إلى تقنيات قتالية متقدمة في الحفاظ على مواقعها، بعكس «ميليشيا الدعم السريع»، التي تعتمد على أسلوب أقرب إلى «حرب العصابات والمدن»، وذلك بتنفيذ هجوم سريع وخاطف، يسمونه «كثافة النيران»، لكنها تفتقر للخطط الدفاعية في الحفاظ على الرقعة الجغرافية التي تسيطر عليها. واستبعد عبد القادر، وهو مستشار يعمل حالياً في الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية، قدرة «قوات الدعم السريع» على إسقاط الفاشر؛ وذلك بسبب تراجع قوتها الهجومية، وخسارة أعداد كبيرة من قواتها الصلبة المقاتلة في المعارك، التي تدور راهناً في كردفان، ومقتل معظم قياداتها العسكرية في غارات بمسيَّرات، من خلال عمليات استخباراتية دقيقة حصل عليها الجيش السوداني بفضل اختراقه صفوف الميليشيا. وأضاف الخبير العسكري والأمني موضحاً أن سقوط الفاشر «مسألة حساسة بالنسبة للحركات المسلحة في دارفور، التي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني، وقد يعقد مشاركتها في الحكومة المركزية؛ لذلك تحشد قواتها وتشارك في العمليات العسكرية لاستعادة المدينة». مبرزاً أن الجيش وضع خطة استراتيجية كبرى لفك الحصار عن مدينة الفاشر عبر ثلاثة مسارات: تقدم بري من القوات المحاصرة داخل المدينة، ومن اتجاه كردفان المجاور لإقليم دارفور، والمحور الأخير للقوات المتحركة من حدود الولاية الشمالية إلى المناطق المتاخمة في مليط والمالحة صوب الفاشر، ورأى أن محاولات «الدعم السريع» للاستيلاء على المدينة «بعيدة المنال». كثفت «قوات الدعم السريع» خلال الأيام الماضية محاولاتها للتوغل إلى مدينة الفاشر عبر المحور الجنوبي، في مسعى للوصول إلى مركز المدينة الاستراتيجية، لكنها لم تنجح بعدُ في اختراق الدفاعات المتقدمة للجيش في تلك المناطق التي يسطر عليها. سودانيون فارون من ويلات الحرب خلال عبورهم الحدود الفاصلة بين بلدهم وتشاد (رويترز) وأفادت مصادر عسكرية ومدنية في الفاشر لـ«الشرق الأوسط» بأن خرائط السيطرة لم تشهد أي تغيرات كبرى في الأشهر الماضية. لكنها أوضحت أن «قوات الدعم السريع» باتت تركز هجماتها في نطاق الأحياء الجنوبية، التي تضم مقر (الفرقة السادسة) للجيش، وهو النمط ذاته الذي اتبعته سابقاً في إسقاط أربع فرق للجيش في ولايات بدارفور، وهو ما مكّنها من الاستيلاء عليها. مبرزة أن القوات المهاجمة لم تستطع التوغل إلى قلب المدينة، وأجرت تموضعاً جديداً على أطرافها. غير أن تسجيلات مصورة تظهر تقدماً كبيراً لـ«قوات الدعم السريع»، وتوغلاً داخل مناطق سكنية لا تبعد كثيراً عن القيادة العسكرية للجيش في المدينة، المسماة «الفرقة السادسة مشاة». وقال ضابط «متقاعد»، برتبة رفيعة في الجيش، إن الوضع في الفاشر «يبدو معقداً، فالجيش يراهن على كسب أكبر وقت ممكن، وإطالة أمد المعركة إلى أن ينجح في تحقيق انتصار عسكري حاسم على (الدعم السريع) في كردفان، ليتقدم بعدها لكسر الحصار على المدينة». وأضاف الضابط، الذي طلب حجب هويته، قائلاً: «بلا شك الحصار الطويل ينهك القوات في الفاشر، وقد تكون في حاجة إلى تأمين إمداد عسكري عاجل بالأسلحة والذخائر، وإسناد الطيران الحربي في شن غارات لوقف زحف (قوات الدعم السريع) على المدينة. وكل يوم يمر في ظل الحصار واستمرار العمليات العسكرية، يشكل استنزافاً للجيش في معركة طويلة ومكلفة عسكرياً، بلا مصدر تشوين بالذخائر والمؤن، بعد توقف الإمداد عبر الإسقاط الجوي، في مواجهة عدو كل الطرق أمامه سالكة للتزود بالسلاح والمقاتلين». ووفق المصدر ذاته، فإن «قوات الدعم السريع»، وبعد فشل محاولاتها في إسقاط الفاشر، وتكبدها خسائر كبيرة في محاور القتال، لجأت إلى أسلوب ضرب الأهداف العسكرية بتفكيك الخنادق، عبر هجمات برية خاطفة ومحدودة، والتوغل ببطء إلى العمق الاستراتيجي في المدينة. ومن الملاحظ في المواجهات الأخيرة أن «الدعم السريع» تركز على إضعاف البنية التحتية العسكرية للجيش عبر استهدافها بالقصف المدفعي المكثف، والمسيَّرات الاستراتيجية، لاستنزافه واستدراجه إلى معارك خارج المدينة. عزت مصادر محلية تحدثت لـ«الشرق الأوسط» صمود الفاشر طيلة هذه الفترة إلى انخراط أعداد كبيرة من المدنيين في القتال في صفوف الجيش، و«القوة المشتركة» المؤيدة للحركات المسلحة في كل المواقع العسكرية. وقالت مصادر في «الدعم السريع» إنها تسيطر على أجزاء واسعة من الفاشر، وتحاصرها من الجهات الأربع، مؤكدة أنها تقدمت خلال الأيام الماضية أكثر في المحور الجنوبي، وتمكنت من طرد الجيش من الخنادق، واستولت عليها. وتوغلت في مناطق السوق الكبيرة، التي لا تبعد كثيراً عن مقر قيادة الجيش في المدينة. بدوره، قال المتحدث الرسمي باسم «المنسقية العامة للنازحين واللاجئين» في إقليم دارفور، آدم رجآل، إن معركة الفاشر يمكن أن تستمر طويلاً قبل أن يتمكن طرف من القضاء على الآخر. مضيفاً «أن إطالة أمد الحرب أنهك الطرفين، وبالتالي فهما يحتاجان إلى الإمداد المتواصل، كما أن الأوضاع الإنسانية المزرية لها انعكاسات أيضاً على الوضع العسكري والميداني وصمود المدينة». طفلة سودانية في مخيم أبو النجا (أ.ف.ب) وأضاف رجآل موضحاً أن العبء الأكبر يقع على آلاف المدنيين المحاصرين في رقعة جغرافية ضيقة، الذين اضطروا إلى حفر ملاجئ تحت الأرض للاحتماء من القصف المدفعي العشوائي لـ«قوات الدعم السريع»، ويكابدون ظروفاً معيشية صعبة للغاية وصلت حد المجاعة. مبرزاً أن مدينة الفاشر «تمثل رمزية تاريخية للجيش السوداني والحركات المسلحة معاً، وبعدما سقطت حاميات الجيش في عواصم ولايات دارفور في نيالا والجنينة وزالنجي والضعين، نقل أعداد كبيرة من قواته إلى شمال دارفور؛ لذلك فهو يستميت في الدفاع عن الفاشر، آخر معاقله في إقليم غرب البلاد.