
الدكتور علي الربيعي ذاكرة المسرح العراقي
في قلب الحلة، المدينة التي تنام على ضفاف الفرات وتحرسها نخلة الحكمة، وُلد الدكتور علي محمد هادي الربيعي في الخامس والعشرين من شباط عام 1967، ليكون أحد أولئك القلائل الذين يربطون بين المعرفة والتوثيق، وبين الهوية والحداثة، عبر بوابة المسرح العراقي، بوصفه مرايا الأمة وصوتها المجهول.
نشأ الربيعي بين أزقة الحلة القديمة، في حيّ الجمعية، واختط لنفسه منذ فتوّته طريقًا فيه من الجمال الفني بقدر ما فيه من النُبل الأكاديمي، فجمع بين عشق الخشبة وصرامة الباحث، ليتخرج من كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل سنة 1990، ثم يعود إلى حضن الجامعة ذاتها، ليجمع بين التاريخ والفن، فينال البكالوريوس في التاريخ، والماجستير، ثم الدكتوراه في الفنون المسرحية، مُعززًا علمه بشهادات مهنية وشهادات كفاءة عالية، جعلت منه واحدًا من أبرز أعمدة المسرح الأكاديمي في العراق.
لم يكن الدكتور علي الربيعي مجرد أكاديمي يكتب من خلف المكاتب، بل كان شاهدًا مشاركًا في رحلة المسرح العراقي، وموثِّقًا دؤوبًا لذاكرته المتشظية بين الحروب والمنفى والخيبات. فقد أنجز أكثر من أربعين كتابًا مطبوعًا، شكّلت خزانة معرفية لا غنى عنها لأي باحث أو قارئ مهتم بتاريخ المسرح العراقي والعربي. كتب عن المسرحيات المفقودة، وعرّف بجيل المسرحيين المهمَّشين، وأخرج من ظلال النسيان أسماء مثل شالوم درويش وأنور شاؤول وسليم بطي وهادي جبارة الحلي. وخلّد مدنًا وأزمنة منسية في كتبه عن المسرح في الحلة والمدارس والأجواق العراقية والمسيحية واليهودية، حتى غدا أرشيفًا ناطقًا للمسرح المنسي والمستبعد.
أعماله ليست مجرد توثيق، بل نقد وتحليل يقرأ التحولات الجمالية والاجتماعية في بنية العرض المسرحي العربي والعراقي، من خلال دراسات رصينة نشرت في أبرز المجلات المحكمة في العراق والعالم العربي، بل وحتى في مجلات عالمية مثل Linguistica Antverpiensia. وقد تناولت أبحاثه قضايا جوهرية مثل الاغتراب، التصوف، الواجب ، والوجودية، مما يدل على عمق قراءاته واتساع منهجه المقارن.
عضويته الفاعلة في نقابة الفنانين العراقيين منذ عام 1991، وفي اتحاد أدباء وكتاب بابل منذ 2014، ليست عضويات شكلية، بل حضور ثقافي متجدد، يتجسد في مساهماته الدائمة في المؤتمرات، والمهرجانات، وورش العمل. وهو أحد الأسماء التي تكرَّمت بتقديرات محلية وعربية، منها وسام الفنون من المهرجان المسرحي الدولي في مصر، وأوسمة من نقابة الفنانين، ومؤسسة الإبداع العراقي، فضلًا عن مئات الشهادات التقديرية وكتب الشكر.
أما في المجال الإداري، فقد شغل مواقع حساسة ومؤثرة، من رئاسة قسم الفنون المسرحية، إلى عمادة كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل، إلى عضوية اللجنة الوزارية لاعتمادية كليات الفنون. كما أشرف على أكثر من خمس عشرة رسالة ماجستير، وعشر أطروحات دكتوراه، وناقش العشرات غيرها في جامعات العراق المختلفة، مما يجعله من أبرز الأكاديميين في رفد الجيل الجديد بالمنهج والانفتاح.
وقد ترك أثرًا عميقًا في طلابه، ليس فقط من خلال ما لقّنه إياهم من علوم نظرية، بل من خلال تجربته الأخلاقية والتربوية، حيث يرونه أستاذًا لا يبخل بنصيحة أو تشجيع أو فتح باب نحو النشر والتجريب. كثير من طلبته اليوم يحملون أفكاره في أطاريحهم، ويتتبعون رؤاه في فهم التحولات الفنية والدرامية في العراق، ويرون فيه مثال الأستاذ المنفتح على الجديد دون أن يقطع صلته بالأسس والمنابع.
أما في المهرجانات الثقافية والفنية، فكان وجهًا دائمًا، لا كمشارك فقط، بل كمؤثر ومحكِّم ومقدّم لرؤى نقدية تفتح باب الحوار وتعيد ترتيب المفاهيم الجمالية. شارك في مهرجانات عربية ومحلية مثل مهرجان بغداد الدولي للمسرح، مهرجان المسرح العربي، مهرجان أيام بابل، مهرجان بابل للثقافات، ومهرجان المسرح الجامعي، وغيرها، وكان في كل مرة يحمل مشروعًا معرفيًا يؤسس لفهم جديد للمسرح، ويعيد ربطه بالجمهور والواقع.
لم يكتف الدكتور الربيعي بما أنجزه، بل واصل الحفر في ذاكرة المسرح من خلال مشاريع توثيقية استثنائية مثل سلسلة 'من خزانة المسرح'، و'المسرح العراقي في وثائق دائرة السينما والمسرح'، و'مخرجو الفرقة القومية'، و'مهرجان المسرح العراقي – مسيرة إبداع'، وهي مشاريع لا تثمّن بثمن لأنها تُنقذ الماضي من الغياب.
لقد كتب الدكتور علي الربيعي في النقد الفني، والأدب، والتاريخ، ونُشرت له مقالات في صحف ومجلات محلية وعربية، وكتب عنه آخرون دراسات أكاديمية وتراجم تقديرية، لأنه ليس فقط ناقدًا مسرحيًا أو مؤرخًا فنيًا، بل ضمير من ضمائر الثقافة العراقية في زمن العتمة والتشظي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 5 أيام
- موقع كتابات
ريام الربيعي حين يكتب الجمال أنوثته شعراً
في مدينة الحلة، حيث تختلط عبق الحضارات القديمة بصوت النهر الخفيض، ولدت الشاعرة ريام الربيعي عام 1991، وحملت منذ نعومة أناملها حساسية الشاعر وإرهاصات الكلمة المشتهاة. لم تكن تلك الطفلة التي تنصت لحكايات الجدات، وتتأمل الغروب من ضفاف شط الحلة، تدرك أن القصيدة ستصبح لاحقاً موطنها البديل، وملاذها الأجمل حين تضيق الأرض بما رحبت. ريام ليست شاعرة عابرة في زمن مكتظ بالضجيج، بل هي صوتٌ نسويٌّ ينطلق من تخوم الذات، ليعيد ترتيب اللغة على إيقاعٍ مختلف. كتبت الشعر باكرًا، وهي بعد طالبة على مقاعد كلية الفنون الجميلة – جامعة بابل، لتتخرج عام 2013 محملة بخبرة جمالية لا تقتصر على الشعر فقط، بل تمتد إلى تخوم التشكيل والبصر ودهشة اللون. ولعلّ هذا المزيج بين الفن البصري والكتابة هو ما منحها حساسية خاصة في اختيار مفرداتها، فقصائدها تُبصر كما تُقرأ، وتُشَمُّ كما تُسمَع. أصدرت عام 2022 مجموعتها الشعرية الأولى 'متلازمة ستندال'، وهو عنوانٌ لم يكن بريئًا؛ فالستندال، كما في الطب النفسي، هو دهشة الجمال المفرطة حدّ الانبهار المؤلم. وهذا بالضبط ما تصنعه قصائد ريام: إنها تباغتك بجمالها، ثم تترك فيك رعشةً لا تفسير لها. القصيدة عندها ليست بناءً لغويًا بقدر ما هي انفعال روحي، تنفجر أحيانًا كصرخة، وأحيانًا كهمس، لكنها في الحالتين تحتفظ بصدقٍ داخلي يجعلها مؤثرة دون تكلف. جاء عن مجموعتها الأولى دراسة بعنوان: 'متلازمة ستندال: بوحٌ حوائي بصوتٍ عالٍ'،(الحوار المتمدن) رأى فيها تواشجًا واضحًا بين الشعر وفلسفة الفن، إذ تخرج القصيدة عند ريام من عمق التجربة الأنثوية، لا بوصفها ترفًا أو حكاية، بل بوصفها وجودًا قلقًا يطالب بحقه في البوح والاختلاف. لقد وجد النقاد في شعرها توهجًا عاطفيًا يتجاوز النمطية، ويتكئ على وعي ثقافي معاصر يجعل من كل نصّ مشروعًا لجمالية جديدة، تنطلق من الذات إلى العالم. شاركت ريام في مهرجانات أدبية وثقافية متنوّعة، مثل بوابة عشتار الثاني، وعشتار تقرأ، واليوم العالمي للمرأة، وكانت في كل إطلالة لها تحمل نبرة مختلفة، وأسلوبًا في الإلقاء يشي بأنها لا تقرأ القصيدة بل تحياها. وبصوتها العذب، واستحضارها البصري للنص، كانت تستحوذ على انتباه المتلقين، وتعيد إليهم الإيمان بأن القصيدة لا تزال قادرة على أن تبني عالماً، أو تفتح نافذةً في جدار اليأس. لم تكتفِ ريام بالنشر الورقي، بل غزت الفضاءات الإلكترونية أيضًا، فنُشر نتاجها في العديد من الصحف العراقية والعربية، مثل بابليون، التآخي، صباح بابل، الحقيقة، المدارات، النهار، ومجلات ثقافية كـ سطور الأدبية، أرمارجي، دار العرب وغيرها، كما تفاعل معها القارئ الرقمي الذي رأى في نصوصها مزيجًا من الغنائية الرقيقة والرؤية الأنثوية الجريئة. اليوم، وبعد أن أصبحت عضوًا في اتحاد أدباء وكتاب بابل، وفي المنتدى الإبداعي، تمضي ريام في طريقها بخطى واثقة، وهي تتهيأ لإصدار مجموعتها الشعرية الثانية، وسط ترقب محبي الشعر الذين وجدوا في 'متلازمة ستندال' وعدًا شعريًا لا يُخلف. ريام الربيعي لا تكتب الشعر لأنها تريده، بل لأنها تُجبر عليه. القصيدة فيها شرفةٌ تطل منها على ذاتها والعالم، وكل بيت شعرٍ تكتبه هو محاولة للنجاة، ولتضميد ما لا يُقال. إنها شاعرة في زمن ندر فيه الشعراء الحقيقيون، وامرأة تعرف أن القصيدة، حين تكون صادقة، لا تحتاج إلا أن تُقال كي تهزّ قلب العالم.


موقع كتابات
٢٧-٠٥-٢٠٢٥
- موقع كتابات
الدكتور علي الربيعي ذاكرة المسرح العراقي
في قلب الحلة، المدينة التي تنام على ضفاف الفرات وتحرسها نخلة الحكمة، وُلد الدكتور علي محمد هادي الربيعي في الخامس والعشرين من شباط عام 1967، ليكون أحد أولئك القلائل الذين يربطون بين المعرفة والتوثيق، وبين الهوية والحداثة، عبر بوابة المسرح العراقي، بوصفه مرايا الأمة وصوتها المجهول. نشأ الربيعي بين أزقة الحلة القديمة، في حيّ الجمعية، واختط لنفسه منذ فتوّته طريقًا فيه من الجمال الفني بقدر ما فيه من النُبل الأكاديمي، فجمع بين عشق الخشبة وصرامة الباحث، ليتخرج من كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل سنة 1990، ثم يعود إلى حضن الجامعة ذاتها، ليجمع بين التاريخ والفن، فينال البكالوريوس في التاريخ، والماجستير، ثم الدكتوراه في الفنون المسرحية، مُعززًا علمه بشهادات مهنية وشهادات كفاءة عالية، جعلت منه واحدًا من أبرز أعمدة المسرح الأكاديمي في العراق. لم يكن الدكتور علي الربيعي مجرد أكاديمي يكتب من خلف المكاتب، بل كان شاهدًا مشاركًا في رحلة المسرح العراقي، وموثِّقًا دؤوبًا لذاكرته المتشظية بين الحروب والمنفى والخيبات. فقد أنجز أكثر من أربعين كتابًا مطبوعًا، شكّلت خزانة معرفية لا غنى عنها لأي باحث أو قارئ مهتم بتاريخ المسرح العراقي والعربي. كتب عن المسرحيات المفقودة، وعرّف بجيل المسرحيين المهمَّشين، وأخرج من ظلال النسيان أسماء مثل شالوم درويش وأنور شاؤول وسليم بطي وهادي جبارة الحلي. وخلّد مدنًا وأزمنة منسية في كتبه عن المسرح في الحلة والمدارس والأجواق العراقية والمسيحية واليهودية، حتى غدا أرشيفًا ناطقًا للمسرح المنسي والمستبعد. أعماله ليست مجرد توثيق، بل نقد وتحليل يقرأ التحولات الجمالية والاجتماعية في بنية العرض المسرحي العربي والعراقي، من خلال دراسات رصينة نشرت في أبرز المجلات المحكمة في العراق والعالم العربي، بل وحتى في مجلات عالمية مثل Linguistica Antverpiensia. وقد تناولت أبحاثه قضايا جوهرية مثل الاغتراب، التصوف، الواجب ، والوجودية، مما يدل على عمق قراءاته واتساع منهجه المقارن. عضويته الفاعلة في نقابة الفنانين العراقيين منذ عام 1991، وفي اتحاد أدباء وكتاب بابل منذ 2014، ليست عضويات شكلية، بل حضور ثقافي متجدد، يتجسد في مساهماته الدائمة في المؤتمرات، والمهرجانات، وورش العمل. وهو أحد الأسماء التي تكرَّمت بتقديرات محلية وعربية، منها وسام الفنون من المهرجان المسرحي الدولي في مصر، وأوسمة من نقابة الفنانين، ومؤسسة الإبداع العراقي، فضلًا عن مئات الشهادات التقديرية وكتب الشكر. أما في المجال الإداري، فقد شغل مواقع حساسة ومؤثرة، من رئاسة قسم الفنون المسرحية، إلى عمادة كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل، إلى عضوية اللجنة الوزارية لاعتمادية كليات الفنون. كما أشرف على أكثر من خمس عشرة رسالة ماجستير، وعشر أطروحات دكتوراه، وناقش العشرات غيرها في جامعات العراق المختلفة، مما يجعله من أبرز الأكاديميين في رفد الجيل الجديد بالمنهج والانفتاح. وقد ترك أثرًا عميقًا في طلابه، ليس فقط من خلال ما لقّنه إياهم من علوم نظرية، بل من خلال تجربته الأخلاقية والتربوية، حيث يرونه أستاذًا لا يبخل بنصيحة أو تشجيع أو فتح باب نحو النشر والتجريب. كثير من طلبته اليوم يحملون أفكاره في أطاريحهم، ويتتبعون رؤاه في فهم التحولات الفنية والدرامية في العراق، ويرون فيه مثال الأستاذ المنفتح على الجديد دون أن يقطع صلته بالأسس والمنابع. أما في المهرجانات الثقافية والفنية، فكان وجهًا دائمًا، لا كمشارك فقط، بل كمؤثر ومحكِّم ومقدّم لرؤى نقدية تفتح باب الحوار وتعيد ترتيب المفاهيم الجمالية. شارك في مهرجانات عربية ومحلية مثل مهرجان بغداد الدولي للمسرح، مهرجان المسرح العربي، مهرجان أيام بابل، مهرجان بابل للثقافات، ومهرجان المسرح الجامعي، وغيرها، وكان في كل مرة يحمل مشروعًا معرفيًا يؤسس لفهم جديد للمسرح، ويعيد ربطه بالجمهور والواقع. لم يكتف الدكتور الربيعي بما أنجزه، بل واصل الحفر في ذاكرة المسرح من خلال مشاريع توثيقية استثنائية مثل سلسلة 'من خزانة المسرح'، و'المسرح العراقي في وثائق دائرة السينما والمسرح'، و'مخرجو الفرقة القومية'، و'مهرجان المسرح العراقي – مسيرة إبداع'، وهي مشاريع لا تثمّن بثمن لأنها تُنقذ الماضي من الغياب. لقد كتب الدكتور علي الربيعي في النقد الفني، والأدب، والتاريخ، ونُشرت له مقالات في صحف ومجلات محلية وعربية، وكتب عنه آخرون دراسات أكاديمية وتراجم تقديرية، لأنه ليس فقط ناقدًا مسرحيًا أو مؤرخًا فنيًا، بل ضمير من ضمائر الثقافة العراقية في زمن العتمة والتشظي.


الأنباء العراقية
٢٦-٠٥-٢٠٢٥
- الأنباء العراقية
كتارا توثق فوزها بجائزة بابل العالمية عبر جدارية فنية
بغداد - واع قررت إدارة الحي الثقافي (كتارا)، اليوم الإثنين، توثيق فوزها بجائزة بابل العالمية عبر جدارية فنية لفاطمة الشيباني. وذكر بيان لمؤسسة بابل العالمية للثقافات والفنون، تلقته وكالة الأنباء العراقية (واع)، أنه "توثيقًا لفوز الحي الثقافي كتارا في الدوحة بجائزة بابل العالمية للمدن الثقافية 2 في الدورة 12 لمهرجان بابل للثقافات العالمية التي أقيمت برعاية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قررت إدارة الحي الثقافي (كتارا) إقامة جدارية فنية توثق ذلك من تصميم الفنانة التشكيلية فاطمة الشيباني". وأضاف البيان، "تمت الموافقة على التصميم المشترك وبوشر بتنفيذه في إحدى واجهات الحي الثقافي المقابلة للخليج العربي".