
غزة سراييفو.. وسراييفو غزة!
يفضل العرب الاستمتاع بزيارة المناطق الخضراء؛ فهم يذهبون إلى مجاري الأنهار، ومنابع الشلالات، وأماكن القفز في أعالي الغابات.. وأثناء تجولي مع المرشد السياحي في مدينة سراييفو (عاصمة البوسنة)، التي يشير الشق الأول من اسمها إلى "سراي" أي "القصر" باللغة العثمانية، وأثناء زيارتي إلى مقبرة شهداء مجزرة سربرينيتشا، وأثناء جولتي في المناطق المتضررة من الحرب، لم ألحظ وجود العرب فيها، بينما وجدتهم في أسواق المدينة القديمة!
كنتيجة للحرب الدامية، تهجر حوالي مليونين من المسلمين البوشناق إلى عدة دول في أوروبا، أهمها ألمانيا والنمسا. وبعد مرور أكثر من عقدين من الزمان، كثيرون منهم لم يرجعوا إلى بلدهم
ما زلت أذكر ملامح وجهه الخمسيني الحزين، وأسمع صوته الذي بح من سرد قصص الحرب على المهتمين! أكمل السيد قائلاً: لسنا وحدنا من يفتقدكم، فلسطين كذلك! (وكانت حرب 7 أكتوبر في غزة قد دخلت سنتها الثانية). صمتُّ لوهلة، وآثرتُ الصمت مع ابتسامة خفيفة.
مرشدنا هو علي أديروفيتش، جندي سابق كان عمره لا يتجاوز ثمانية عشر عامًا عندما بدأت الحرب في البوسنة، ولحسن الحظ لم يصب جسده في الحرب ولم يفقد أهله، إلا أنه بعد انتهاء الحرب أصيب بالاكتئاب وأدمن على الماريجوانا، ثم خضع للعديد من جلسات العلاج النفسي بعدها.
سألتُه مقاطعة حديثه الهادئ بدرجة صوتية رتيبة: هل كان لعائلتك دور في رحلة التعافي؟ أجاب: "بالتأكيد"، ثم أخذ يسرد بهدوء فضل والدته ثم والده، ثم زوجته المسلمة التي كان لها -حسب قوله- أكبر العون. كان علي والعديدون غيره يتحدثون عن الحرب وكأنها انتهت البارحة؛ فمشاهد وأحداث الحرب حاضرة في أذهانهم تماماً بعد مرور أكثر من 29 عامًا.
رُزِقت البوسنة موقعاً إستراتيجياً مميزاً، يربط أوروبا المسيحية بالشرق المسلم.. وفي دول البلقان، العِرْق يقابل الدين؛ فالصرب هم مسيحيون أرثودوكس، والكروات هم مسيحيون كاثوليك، والبوشناق (البوسنيون) هم مسلمون بالأغلبية. وبعد تفكك دولة يوغوسلافيا الاشتراكية، التي كانت تضم كلًا من: البوسنة والهرسك، وصربيا، وكرواتيا، ومقدونيا، والجبل الأسود، وسلوفيينا، وبعد تصويت أغلبية البوسنيين على استقلالهم، بدأ الغزو الصربي في الشهر الرابع من عام 1992م، ولم ينتهِ إلا بعد إبرام معاهدة دايتون في باريس أواخر عام 1995م.
كنتيجة للحرب الدامية، تهجر حوالي مليونين من المسلمين البوشناق إلى عدة دول في أوروبا، أهمها ألمانيا والنمسا. وبعد مرور أكثر من عقدين من الزمان، كثيرون منهم لم يرجعوا إلى بلدهم، ولا يزال الصرب يسكنون مناطق في عمق أرض البوسنية في أشبه ما يكون بإقليم حكي ذاتي.
"انظري إلى هذه البيوت، يسكنها رجل وحيد أو امرأة، من دون ذرية، فهم يعملون في أوروبا ويرسلون الأموال إلى عوائلهم"… كانت معظم البيوت مكونة من طابقين، كبيرة وخاوية وحزينة! أطلّت عجوز من نافذة بيت وقالت بلغتها الأم ما معناه: "أخبرهم عن الحرب يا بني، أخبرهم عما عشناه في أيامنا".
كنت أقارن ما أسمعه وما أقرؤه عن حرب البوسنة بما عايشته داخل غزة خلال اعتداء الصهاينة، وسرعان ما وجدت الكثير من التشابه.. تشابهًا وليس تطابقًا؛ فما حدث في غزة الصامدة لن يشبهه أي حدث، مع أنّ المجاعة حاضرة في المشهدين.
في متحف "الحرب والإبادة" الأشهر هناك، اطلعت على شهادات الأطباء الذين سكنوا المستشفيات لعلاج سيل الجرحى الذي لا ينتهي، ورأيت أوعية المياه البلاستيكية التي كان البوشناق يحملون الماء فيها أثناء حصار الصرب لمدينتهم، وأكياس الأرز والدقيق، وعلب التونة واللحوم المحفوظة والبازلاء، التي استطاعت المنظمات الإغاثية توزيعها على المدنيين بعد مرور ثلاث سنوات من الحرب، ولولا غنى الأرض بالأنهار والبحيرات لمات الناس عطشًا.. ألا يشبه ذلك ما يحدث في غزة؟
والتبرير هو تماماً كتبرير الصهاينة لإبادة الشعب الفلسطيني على أنه رد فعل طبيعي لأحداث 7 أكتوبر؛ فالصرب -وبشكل غير رسمي- برروا غزوهم بأن البوشناق خائنون تدينوا بدين العدو (ويقصدون العثمانيين المسلمين)، كما أن الهالكين والمعاصرين منهم لا يعترفون بجرائم الحرب التي ارتكبوها في حق البوشناق، حيث قُتِل ما لا يقل عن 8000 مسلم ومسلمة خلال 4 أيام فقط في سربرينيتشا، ويبررون ما حصل بادعاء أن موت المدنيين لا مفر منه في أي حرب! ولقد صدرت أحكام قضائية بالسجن المؤبد على بعض الرؤوس الصربية المدبرة لمجازر البوسنة، التي تمت على الرغم من وجود قوات الأمم المتحدة.
عندما تزور هذه البلاد فإنك تجد أن جميع أسماء الشهداء المسطرة على جدران المقابر والمتاحف هي أسماء إسلامية، وتشاهد جميع صور الأمهات المنتحبات على أولادهن يظهرن فيها باللباس الإسلامي، ثم تجد من ينكر حدوث التطهير العرقي للمسلمين في البوسنة، والعجب أن بعض البوسنيين ممن لم يعاصروا الحرب ينشر هذا الزعم أيضًا!
في سراييفو، تشم رائحة إسطنبول بمجرد أن تدخل حارتها القديمة، فماء السبيل الجاري أسفل القبب الصغيرة والمنارات المخروطية للمساجد يحييك من بعيد، والبيوت الحجرية الصغيرة تدفئك تحت أسقفها الخشبية، فقد فتحت الدولة العثمانية هذه البلاد في القرن الخامس عشر بعد الميلاد، واستمر حكمها لمدة لا تقل عن 400 عام.
أجلس في الميدان وأتأمل في مظاهر الحياة التي لا تنام قبل العاشرة مساء، ينادي التركي على أخيه، ويتسوق العربي سائلاً عن سعر البضاعة، ويتجول الصينيون وسط جماعات كبيرة، وينشغل البوسنيون بتحصيل رزقهم.
تلفت انتباهك أعلام فلسطين على أبواب مقاهي الحارة التاريخية، وملصقات متفاوتة الأحجمام مناهضة لحرب غزة على أعمدة محطات انتظار الباصات، وجداريات الغرافيتي المصبوغة بألوان علم فلسطين بين البيوت؛ فبسبب ما ذاقه البوسنيون من ويلات الحرب، ولأنهم أيضاً مسلمون، فهم داعمون للقضية الفسطينية حتى النخاع!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
محمد الضيف قاد كتائب القسام وأرهق الاحتلال ثلاثة عقود
محمد الضيف، فنان مسرحي وسياسي فلسطيني، أسهم بتأسيس أول فرقة فنية إسلامية في فلسطين تسمى "العائدون"، قبل أن يصبح أحد أهم المطلوبين للتصفية من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ثم عين قائدا عاما لأركان كتائب عز الدين القسام ، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس). وقيل إنه لقب بـ"الضيف" لأنه حل ضيفا على الضفة الغربية ، وأسهم في بناء كتائب القسام فيها. شخصية الضيف محاطة بالغموض، وارتبط اسمه دائما بالحذر والحيطة وسرعة البديهة، ولا يظهر إلا لماما، ولم يظهر منذ محاولة اغتيال فاشلة -من بين محاولات كثيرة- أواخر سبتمبر/أيلول 2002، إلا في تصريحات ترتبط بعمليات عسكرية للمقاومة، آخرها عملية طوفان الأقصى فجر السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وأعلنت حماس في 30 يناير/كانون الثاني 2025 استشهاده. المولد والنشأة ولد محمد دياب إبراهيم المصري -وشهرته محمد الضيف- عام 1965 في أسرة فلسطينية لاجئة أجبرت على مغادرة بلدتها "القبيبة" داخل فلسطين المحتلة عام 1948. واستقرت هذه الأسرة الفقيرة بداية الأمر في أحد مخيمات اللاجئين، قبل أن تقيم في مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة. فقر أسرته المدقع أجبره مبكرا على العمل في مهن عدة، ليساعد والده الذي كان يعمل في محل للغزل، وبعد أن كبر أنشأ مزرعة صغيرة لتربية الدجاج، ثم حصل على رخصة القيادة لتحسين دخله. تزوج الضيف في يوليو/تموز2001 من غدير الصيام، التي كانت تلقب بـ"أم فوزي"، وهي ابنة عم القيادي في حركة حماس سعيد صيام، ولم يُرزقا بأبناء. ثم تزوج من وداد عصفور عام 2007، وأنجبا 7 أطفال هم خالد وبهاء وعمر وخديجة وحليمة، إضافة إلى اثنين آخرين استشهدا مع والدتهما عام 2014. وقبل انطلاق عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أوصى الضيف أبناءه بحفظ القرآن الكريم، والتعمق في علومه، وتحصيل العلم النافع. وقد عاشت أسرته حياة متواضعة، وكان الضيف يتقاضى ما يكفي لسد حاجات عائلته دون أي فائض. درس العلوم في الجامعة الإسلامية بغزة، وأثناء هذه الفترة برز طالبا نشيطا في العمل الدعوي والطلابي والإغاثي وفي مجال المسرح. تشبع الضيف في فترة دراسته الجامعية بالفكر الإسلامي، فانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين ، وكان من أبرز ناشطي الكتلة الإسلامية، ثم التحق بحركة حماس وعُدّ من أبرز رجالها الميدانيين. إعلان التجربة السياسية اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلية محمد الضيف عام 1989، وقضى 16 شهرا في سجونها، وبقي موقوفا دون محاكمة بتهمة العمل في الجهاز العسكري لحماس. وتزامن خروجه من السجن مع بداية ظهور كتائب القسام بشكل بارز على ساحة المقاومة الفلسطينية، وذلك بعد تنفيذها عمليات عدة ضد أهداف إسرائيلية. انتقل الضيف إلى الضفة الغربية مع عدد من قادة القسام في قطاع غزة، ومكث فيها فترة من الزمن، وأشرف على تأسيس فرع لكتائب القسام هناك، وبرز بصفته قائدا للكتائب القسامية بعد اغتيال الشهيد عماد عقل عام 1993. أشرف محمد الضيف على عمليات عدة، من بينها أسر الجندي الإسرائيلي نخشون فاكسمان، وبعد اغتيال الشهيد يحيى عياش (أحد أهم رموز المقاومة) يوم 5 يناير/كانون الثاني 1996 خطط لسلسلة عمليات فدائية انتقاما له نتج عنها وقوع أكثر من خمسين قتيلا إسرائيليا. وأثناء سجنه كان الضيف قد اتفق مع زكريا الشوربجي وصلاح شحادة على تأسيس حركة منفصلة عن حماس بهدف أسر جنود الاحتلال، فكانت كتائب القسام. وكان للضيف دور بارز في تطوير أسلحة حماس ، مما جعله من الشخصيات الرئيسية في قوائم المطلوبين للاحتلال. اعتقلته السلطة الفلسطينية في مايو/أيار 2000، لكنه تمكن من الفرار مع بداية انتفاضة الأقصى ، التي عُدّت محطة نوعية في تطور أداء الجناح العسكري لحماس، كما كشفت هذه المرحلة عن قدرة كبيرة لدى الضيف في التخطيط والتنفيذ أقضّت مضاجع الاحتلال بعمليات نوعية أوقعت عشرات القتلى ومئات الجرحى. وبعد اغتيال صلاح شحادة وخلافة الضيف له أعد خطة تضمنت تدريب مقاتلين غير استشهاديين، وخطط لنقل المعركة لتكون داخل إسرائيل، ووضعته واشنطن عام 2015 على لوائح الإرهاب. أحداث حي الشيخ جراح ردد الشباب الفلسطينيون في المظاهرات التي خرجت في القدس في مايو/أيار 2021 شعار "حط السيف قبال السيف.. إحنا رجال محمد ضيف"، حين سعى الاحتلال الإسرائيلي إلى طرد عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح الملاصق للحرم القدسي وتسليمه لمستوطنين إسرائيليين. وحذر الضيف في تلك الفترة قائلا "إن لم يتوقف العدوان على أهالي حي الشيخ جراح في القدس المحتلة في الحال فإن كتائب القسام لن تقف مكتوفة الأيدي وسيدفع الاحتلال الثمن غاليا". وأكد أن قيادة المقاومة الفلسطينية وكتائب القسام تراقبان ما يحدث في القدس عن كثب، قبل أن تتحركا فعليا ردا على استمرار العدوان الإسرائيلي في القدس. وكانت قوات الاحتلال قد منعت ترديد اسمه في المظاهرات أو رفع المحتجين العلم الفلسطيني. الإعلان عن "طوفان الأقصى" صباح السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أعلن القائد العام لكتائب عز الدين القسام بدء عملية عسكرية ضد إسرائيل باسم "طوفان الأقصى" وإطلاق آلاف الصواريخ باتجاهها. وقال محمد الضيف في رسالة صوتية إن الضربة الأولى لـ"طوفان الأقصى" استهدفت مواقع ومطارات وتحصينات عسكرية إسرائيلية، وإنه تم إطلاق 5 آلاف صاروخ وقذيفة خلال الدقائق العشرين الأولى من العملية. وأشار إلى أن هذه العملية تأتي في ظل الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وتنكّر الاحتلال للقوانين الدولية وفي ظل الدعم الأميركي والغربي والصمت الدولي. وأوضح الضيف أن قيادة القسام "قررت وضع حد لكل جرائم الاحتلال، وانتهى الوقت الذي يعربد فيه دون محاسب"، وفق تعبيره. ودعا محمد الضيف الشباب الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وداخل إسرائيل إلى الانتفاض نصرة للأقصى، وقال "اليوم، كل من عنده بندقية فليخرجها فقد آن أوانها". كما قال الضيف "أدعو إخوتنا في المقاومة ب لبنان و إيران و اليمن و العراق و سوريا للالتحام مع المقاومة ب فلسطين". أهمية الرجل العسكرية جعلته مطلوبا على درجة كبيرة من الأهمية لإسرائيل التي ما فتئت أجهزة مخابراتها تعمل ليلا ونهارا في تعقبه وتتصيد الفرصة للإيقاع به. وتتهمه إسرائيل -التي سمته "رأس الأفعى" و"ابن الموت"- بالوقوف وراء عدد من العمليات العسكرية الكبرى ضد أهداف إسرائيلية، وحاولت اغتياله في مناسبات عدة، آخرها كان في صيف عام 2014 أثناء العدوان على غزة. ونفذت إسرائيل حينها ضربات صاروخية متتالية على منزل في حي الشيخ رضوان بغزة فقد محمد الضيف على إثرها زوجته وابنه الرضيع. وأمام التعقب الإسرائيلي أصبح الضيف يتعامل بحيطة ويقظة، فلا يستعمل أجهزة الهاتف المحمول ولا الأجهزة التكنولوجية الحديثة، ويحذر في كل تحركاته تماما كحذره في اختيار دائرته القريبة منه القليلة العديد. ورغم نجاحه في البقاء حيا خلال السنوات الماضية فإن الضيف -المكنى بأبي خالد- كان قريبا من الموت في خمس محاولات اغتيال تعرض لها في الأعوام 2001 و2002 و2003 و2006، وآخرها محاولة في 2014. وأشهر تلك المحاولات كانت أواخر سبتمبر/أيلول 2002، إذ اعترفت إسرائيل بأنه نجا بأعجوبة عندما قصفت مروحياتها سيارات في حي الشيخ رضوان بغزة، لتتراجع عن تأكيدات سابقة بأن الضيف قتل في الهجوم المذكور. حاولت المخابرات الإسرائيلية تصفية الضيف مجددا، وبررت فشلها بأنه "هدف يتمتع بقدرة بقاء غير عادية" ويحيط به الغموض، ولديه حرص شديد على الابتعاد عن الأنظار. ولم يكن الضيف أبدا على شاشات الإعلام، وكل ما يعرف عنه هو تصريحاته المكتوبة أو المسجلة، مما يجعل نجاح المخابرات الإسرائيلية في تصفيته أمرا صعبا. وأعلنت حماس بداية أغسطس/آب 2023 استشهاد زوجة الضيف وابنه علي البالغ من العمر 7 أشهر، في غارة إسرائيلية حاولت استهدافه. ويوم 13 يوليو/تموز 2024 هاجم الاحتلال منطقة المواصي في خان يونس بسلسلة غارات، أعلن أنها كانت تستهدف اغتيال الضيف. ونفت حماس أن تكون الغارة استهدفت الضيف، وقالت إن هذه ادعاءات للتغطية على حجم المجزرة المروعة التي ارتكبها الاحتلال في هذه الغارات. مذكرة اعتقال يوم 20 مايو/أيار 2024 أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان تقديمه طلبا للمحكمة لاستصدار أمر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت ومن جهة أخرى القادة في حرة حماس يحيى السنوار ومحمد الضيف و إسماعيل هنية بتهم ارتكابهم جرائم حرب ، وجرائم ضد الإنسانية عقب أحداث أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتعليقا على هذا القرا، قال سامي أبو زهري القيادي في حركة حماس لرويترز إن قرار الجنائية الدولية طلب إصدار مذكرة اعتقال بحق 3 من قادة الحركة الفلسطينية "مساواة بين الضحية والجلاد". وأضاف أن قرار المحكمة يشجع إسرائيل على الاستمرار في "حرب الإبادة". الاغتيال في 30 يناير/كانون الثاني 2025 نعى أبو عبيدة المتحدث باسم كتائب القسام قائد هيئة أركان كتائب القسام محمد الضيف. وقال في كلمة مصورة "نزف إلى أبناء شعبنا العظيم استشهاد قائد هيئة أركان كتائب القسام محمد الضيف". وأعلن أبو عبيدة "استشهاد ثلة من المجاهدين الكبار من أعضاء المجلس العسكري للقسام"هم قائد هيئة أركان القسام محمد الضيف، وعدد من القادة أبرزهم مروان عيسى نائب قائد أركان القسام، وقائد ركن الأسلحة والخدمات القتالية غازي أبو طماعة، وقائد ركن القوى البشرية رائد ثابت، وقائد لواء خان يونس رافع سلامة. وكان جيش الاحتلال قد أعلن قبلها اغتيال الضيف في 13 يوليو/تموز 2024 في غارة على خان يونس جنوبي قطاع غزة.


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
أوبزرفر: لماذا سحبت "بي بي سي" فيلما عن قصف الأطقم الطبية بغزة؟
كشف منتجا فيلم وثائقي أعدته شبكة "بي بي سي" البريطانية -يتناول استهداف الجيش الإسرائيلي الأطقم الطبية والمستشفيات في قطاع غزة – عن أن إدارة القناة سحبت الفيلم قبيل موعد بثه بعد سلسلة من التأجيلات، لأسباب وصفوها بأنها سياسية وليست تحريرية. وكان الفيلم الذي حمل عنوان "غزة.. أطباء تحت القصف"، والذي أخرجه كريم شاه وأعدّته الصحفية الاستقصائية الحائزة جوائز راميتا نافاي وزميلها بن دي بير، ثمرة تحقيق استمر عاما كاملا، ووثق شهادات مؤلمة لأطباء ومسعفين فقدوا زملاءهم وأفرادا من عائلاتهم في القصف الإسرائيلي. وأوضح معدا الفيلم -في مقال لهما بصحيفة أوبزرفر البريطانية- أن العمل نال موافقة المحامين والمحررين في "بي بي سي"، وحاز ثناء كبار المسؤولين التحريريين، بيد أن عرضه أجل لعدة مرات قبل أن يسحب نهائيا في مايو/أيار الماضي، قبل أيام من بثه. ووفقا للمنتجين، فإن إدارة "بي بي سي" طرحت فكرة تقليص دور راميتا نافاي من "مراسلة" إلى "مساهمة خارجية"، بذريعة أن تغريداتها على موقع إكس (تويتر سابقا) اعتُبرت "منحازة" للفلسطينيين، رغم كونها إعادة تغريد لمصادر حقوقية توثق الانتهاكات. واعتبر المنتجان أن المؤسسة الإعلامية البريطانية العريقة رضخت لضغوط وخشيت من تكرار ما حدث مع فيلم وثائقي سابق عن غزة بعنوان "كيف تنجو في منطقة حرب"، سُحب من منصاتها بعد الجدل الذي أثاره بسبب كون الراوي "وهو طفل عمره 14 عاما ابنا لوزير في حركة حماس". وأشارا في مقالهما إلى أن إدارة "بي بي سي" بررت التأجيل بأن الفيلم الجديد يحتاج لمراجعة من مستويات عليا داخل المؤسسة، واعتبرت أن هناك حساسية سياسية كبيرة بشأن تغطية الحرب على غزة، خاصة في ظل الانتقادات التي وُجهت لتغطية القناة والتي اتُهمت بأنها تمنح "تكافؤا زائفا" بين ما جرى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول ، والرد الإسرائيلي الذي خلف عشرات آلاف القتلى الفلسطينيين. كما كشفا أن بعض الاجتماعات التحريرية كانت تدار بروح من الرقابة الذاتية، حيث أُثيرت أسماء نشطاء مؤيدين لإسرائيل، وقيل إن بعض المعلومات في الفيلم قد تُرفض إذا اعتُبرت غير مقبولة من منظمات ضغط إعلامي مؤيدة لإسرائيل. وتابعا أنه في أحد الاجتماعات، قال أحد كبار صحفيي "بي بي سي" إنه يجب حذف بعض المعلومات لأنها لن تُرضي منظمة كاميرا، وهي هيئة رقابة إعلامية مؤيدة لإسرائيل. ورغم محاولة القناة لاحقا بث مقتطفات قصيرة من الفيلم، فإن شرطا قانونيا أُدرج في العقد ينص على منع منتجي الفيلم أو أي طرف يشتريه من "الإساءة لبي بي سي" أو الإيحاء بأنه فيلم معتمد من المؤسسة، وهو ما أدى إلى رفض التوقيع على العقد. وفي نهاية المطاف، بثت قناة "شانل 4" البريطانية الفيلم كاملا، ونال إشادة واسعة من النقاد والمتابعين، بينما تواصلت ردود الفعل داخل "بي بي سي" وخارجها، حيث أبدى عديد من الصحفيين تعاطفهم مع فريق العمل، وأكدوا أنهم "في الجانب الصحيح من التاريخ". لكن راميتا نافاي ودي بير اختتما شهادتهما بالقول: "نحن لا نريد أن نكون في الجانب الصحيح من التاريخ، بل في الجانب الصحيح من الزمن الحاضر".


الجزيرة
منذ 11 ساعات
- الجزيرة
مسلسل الجريمة "القبة الزجاجية".. ذاكرة مشروخة وبيت من الكوابيس
في بلدة سويدية صغيرة تغطيها الغابات، وتخفي خلف هدوئها جريمة حدثت في الماضي، وتجددت في الوقت الحاضر، تدور أحداث مسلسل "القبة الزجاجية" Glass Dome، وهو مسلسل جريمة وتشويق نفسي من إنتاج نتفلكس. المسلسل من تأليف الكاتبة السويدية كاميلا لاكبيرغ، وأماندا هوغبيرج، وأكسيل ستيرنه، ومن إخراج هنريك بيورن وليزا فرزانه، ويعرض في ست حلقات مكثفة ومشحونة. يدور المسلسل حول ليلى نيس، التي تلعب دورها "ليوني فينسنت" الطبيبة الشرعية ومحللة السلوك التي تعود إلى مسقط رأسها بعد موت أمها بالتبني، لتظهر في الوقت نفسه جريمة اختطاف فتاة، تعيد إليها ماضيها المؤلم وذكريات اختطافها في طفولتها. يشارك في البطولة جون هيدنبرج في دور والدها بالتبني فالتر نيس، المحقق المتقاعد الذي يخفي سرا قاتلا. ينتمي المسلسل إلى نوعية أدب الجريمة والتشويق الإسكندنافي (Nordic noir) وهو نوع أدبي وتلفزيوني ظهر في دول شمال أوروبا وحقق شهرة واسعة بفضل أجوائه الخاصة وملامحه القاتمة وإيقاعه البطيء. ماذا لو سرق طفولتنا من أحببناهم؟ تبدأ الحلقة الأولى بعودة الطبيبة الشرعية ليلى نيس إلى بلدتها الهادئة بعد وفاة والدتها بالتبني، لكن عودتها سرعان ما تفتح أبوابا لأسئلة غامضة بلا إجابات، خصوصًا بعد مقتل صديقة طفولتها لويز في ظروف غامضة واختطاف ابنتها أليسيا. تتقاطع هذه الجريمة الحديثة مع ماض مؤلم تحمله ليلى، إذ تبدأ ذكريات اختطافها وهي طفلة بالظهور في مشاهد ضبابية ومشوشة. تعود تلك الصور إلى فترة حبسها في مكان مظلم وضيق، حيث تومض بين الحاضر والماضي دون ترتيب زمني، حتى يبدو للمشاهد أحيانًا، أن الطفلة المرتجفة قد تكون صورة من الذاكرة. أو ربما واقعا يتكرر من جديد. يتحول الزمن داخل المسلسل إلى مساحة هشة وغير مستقرة، حيث تتداخل شخصية المرأة التي تبحث عن الطفلة المختطفة مع الفتاة التي لم تتعافَ بعد من صدمة اختطافها. وكلما اقتربت ليلى من الحقيقة، شعرت بأنها تنجرف نحو القفص الزجاجي ذاته الذي لم تغادره يوما. هذا التداخل بين الماضي والحاضر لا يعزز فقط التشويق في الحبكة، بل يكشف أيضا عن هشاشة النفس البشرية حين تُجبر على التعايش مع صدمة لم تُشف منها تماما. بين التحقيق وذاكرة البطلة لا تتجه الحبكة فقط نحو فك لغز الجريمة الجديدة، بل تتوازى معها طبقات نفسية تتكشف تدريجيا داخل عالم البطلة الداخلي. فمع تصاعد التحقيق في مقتل لويز واختطاف الطفلة أليسيا، تتسلل الشكوك نحو الأب "سعيد"، الغريب عن البلدة، مما يكشف عن مستويات من التمييز الاجتماعي ضده، دون أن تُقال بوضوح، بل تتسلل في النظرات والكلمات العابرة. وفي العمق، تبدأ ذاكرة ليلى في الغوص أبعد من الحاضر، حيث تعود إلى ماضيها طفلةً متبناة، فتبدأ في التشكيك في الرواية الرسمية التي كبرت عليها. الذكريات لا تأتي واضحة، بل كظلال متقطعة: أبواب تُغلق، طفلة ترتجف في الظلام، انعكاس وجهها على زجاج بارد. شيء ما في هذه الصور يجعلها تتساءل: هل كانت طفولتها "المنقذة" حقا كذلك؟ أم أنها كانت سجنا مغلفا بالحنان الظاهري؟ تنمو هذه الشكوك لتطاول علاقتها بوالدها بالتبني، فتتأرجح بين مشاعر الحنان والخوف، كأن شيئًا غير معلن يخيم على علاقتهما، شيء لا يجرؤ أحد على قوله. يتحول النصف الأول من المسلسل إلى رحلة نفسية عبر ذاكرة ليلى، تستعيد فيها فصولًا من الطفولة المسكوت عنها، وتتفكك أمامها طبقات من الصمت المجتمعي والتواطؤ، وكأن ما كُبت في الماضي بدأ يطالب بحقيقته الآن. حين تتسلل الحقيقة عبر الذاكرة في الحلقة الرابعة والخامسة من المسلسل، تخرج الحقائق من الظل إلى النور، وتقترب ليلى من الإجابة التي تحاول الهرب منها، ولا يصبح التساؤل عمن ارتكب الجريمة فقط، ولكن من تستر عليها أيضا، وظل يحرس القفص الزجاجي سنوات، خاصة بعد ظهور شاهد في قضية الاختطاف الحديثة، يحمل ملامح ما، تذكرها بماضيها، ويحفز وجوده ذكريات أكثر وضوحا من ماضيها، لتدخل ليلى في دوامة تفقد فيها الزمن ويتداخل الماضي بالحاضر. يتصاعد توتر ليلى وتتزايد شكوكها، عندما تكتشف أنها محاطة بشبكة من الأكاذيب من كل من تحب. تتحول عائلتها الصغيرة إلى غرباء لا تعرفهم، وتزداد حدة الكوابيس وتتطابق مع ما يحدث في الواقع، ويتكرر ظهور الضوء الأبيض الذي يسلط بقوة على القفص الزجاجي، كإشارة بصرية إلى انكشاف السر القديم. في هاتين الحلقتين، تتساقط الأقنعة، وتنكشف الدوافع وتضيق دائرة الشك حول "فالتر" الأب بالتبني الذي ظهر أن حبه لليلى مجرد وهم كبير. تنجح ليلى كمحققة في إظهار الحقيقة، لكنها تنهزم كابنة بمعرفة نفس الحقيقة. الانفجار الأخير.. عندما تنكسر القبة يصل المسلسل إلى ذروته في الحلقة السادسة والأخيرة، ويتغير التساؤل ليصبح: كيف تحملت ليلى الكذبة سنوات؟ لم يكن الأب هو الحامي، لكنه كان السجان الذي عزلها في غرفة زجاجية، وأوهمها أنها هدية القدر له بعدما فقد ابنته. تنهار السردية التي عاشتها ليلى سنوات، وتتجلى القبة الزجاجية كرمز للامتلاك والحب المشوه، حينما يعرف المشاهد أن الأب الحنون بعد فقد ابنته البيولوجية، لم يستطع مواجهة الفجوة العاطفية التي حدثت داخله، فارتكب جريمة اختطاف ليلى، وعندما بدأت في الاستقلال عنه، أعاد ارتكاب الجريمة باختطاف إليسيا، لتعويض ذلك الاحتياج الدائم لوجود ابنة تحت سيطرته بالكامل.