
تفاصيل جديدة عن المقترح الأميركي بشأن وقف إطلاق النار بغزة
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن أمس الأول الثلاثاء، في منشور على منصته تروث سوشيال، أن إسرائيل وافقت على الشروط اللازمة للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة لمدة 60 يوما، مبيّنا أن الوسطاء القطريين والمصريين سيتولون تقديم مقترح نهائي، وأضاف "آمل أن تقبل حماس هذا الاتفاق لأنه لن يتحسن، بل سيزداد سوءا".
وقالت حركة حماس إنها تتعامل بمسؤولية عالية، وتجري مشاورات وطنية لمناقشة مقترحات جديدة تلقتها من الوسطاء، من أجل الوصول إلى اتفاق يضمن إنهاء العدوان، وتحقيق الانسحاب، وتقديم الإغاثة بشكل عاجل في قطاع غزة.
وأوضحت الحركة أن الوسطاء يبذلون جهودا مكثفة من أجل جسر الهوة بين الأطراف، والوصول إلى اتفاق إطار، وبدء جولة مفاوضات جادة.
المقترح الأميركي
ووفقا لما رشح من تسريبات فإن الوثيقة الأميركية المطروحة تتضمن وقف إطلاق نار لمدة 60 يومًا، بضمانات من الرئيس الأميركي دونالد ترامب تضمن استمراره طوال المدة.
وتقترح الورقة جدولا الإفراج عن 10 أسرى إسرائيليين أحياء و18 جثمانا، وفق الترتيب التالي:
في اليوم الأول يطلق 8 أسرى أحياء.
في اليوم السابع تسلم 5 جثامين.
في اليوم الثلاثين تسلم 5 جثامين.
في اليوم الخمسين يطلق 2 من الأسرى الأحياء.
وفي اليوم الستين تسلم 8 جثامين.
على أن تجري عمليات تبادل الأسرى بدون احتفالات أو استعراضات.
وينص الاقتراح على دخول المساعدات الإنسانية فورا إلى قطاع غزة وفقًا لاتفاق 19 يناير/كانون الثاني الماضي، وبكميات كافية، بمشاركة الأمم المتحدة والهلال الأحمر.
ووفقا للمقترح، وبعد الإفراج عن 8 أسرى، سينسحب الجيش الإسرائيلي من مناطق في شمال غزة، حسب خرائط يتم التوافق عليها، كما ستتم عملية انسحاب إسرائيلية من مناطق في الجنوب في اليوم السابع، حسب خرائط متفق عليها.
وستعمل فِرَق فنية على رسم حدود الانسحابات خلال مفاوضات سريعة تُجرى بعد الاتفاق على الإطار العام للمقترح.
مفاوضات وقف إطلاق نار دائم
ومع بدء سريان الاتفاق، ستبدأ مفاوضات حول وقف دائم لإطلاق النار، تتناول أربع نقاط رئيسية:
وفي اليوم العاشر، ستقدم حماس كل المعلومات والأدلة حول الأسرى المتبقين وما إذا كانوا أحياء أو أموات، مع تقارير طبية، وفي المقابل، ستقدم إسرائيل معلومات كاملة عن الأسرى الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم من غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويتضمن المقترح ضمانات لالتزام ترامب وجديته تجاه الاتفاق، وأنه في حال نجاح المفاوضات خلال فترة التهدئة، فسيؤدي ذلك إلى نهاية دائمة للنزاع.
ترامب سيعلن الاتفاق
سيقدم الوسطاء (مصر، قطر، الولايات المتحدة) ضمانات بأن مفاوضات جادة ستجري خلال فترة التهدئة، وإذا استدعى الأمر، يمكن تمديد تلك الفترة، وفي حال التوصل إلى اتفاق، سيتم إطلاق سراح جميع الأسرى المتبقين.
سيُعلِن الرئيس ترامب بنفسه التوصل إلى الاتفاق، وكذلك التزام الولايات المتحدة بمواصلة المفاوضات لضمان وقف دائم لإطلاق النار، وسيتولى المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف قيادة المفاوضات لإنهاء الحرب.
وسبق أن نقل موقع أكسيوس عن مسؤول إسرائيلي كبير أن الولايات المتحدة أوضحت لإسرائيل وحماس أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن شروط إنهاء الحرب خلال وقف إطلاق النار مدة 60 يوما، فإن إدارة ترامب ستدعم تمديده إذا كانت هناك مفاوضات جادة بشأن هذه القضية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 42 دقائق
- الجزيرة
ما سر عدم استخدام الصين لسلاح الجو؟
في فبراير/شباط 1979، غزت الصين شمال فيتنام في هجوم خاطف، كانت الدبابات تتوغل في عمق الحدود، والجنود يتساقطون بالآلاف، لكن السماء ظلّت صامتة. لم تُحلّق طائرة واحدة من أسطول جيش التحرير الشعبي فوق الجبهة، ولم تُسجَّل أي طلعة جوية. ورغم امتلاك الصين حينها مئات الطائرات المقاتلة، اختارت إبقاء سلاح الجو خارج المعركة تمامًا، خوفًا من استفزاز الاتحاد السوفياتي ، الحليف الأوثق لهانوي. ومنذ تلك اللحظة، لم تختبر الصين قدراتها الجوية في أي نزاع مباشر، وظلّت حريصة على تجنّب الانخراط في حروب خارج حدودها. في المقابل، خاضت الولايات المتحدة وحلفاؤها سلسلة طويلة من العمليات العسكرية، امتدت من الخليج إلى البلقان، وصولًا إلى أفغانستان، وكان سلاح الجو خلالها في صميم المعركة وأداة الحسم الأساسية. وعلى الرغم من أن الصين أصبحت اليوم تمتلك واحدا من أضخم وأكثر أساطيل الطيران تطورا في العالم، يضمّ نحو أربعة آلاف طائرة، تُشكّل المقاتلات منها أكثر من 50%، مما يضعها في المرتبة الثالثة عالميا من حيث الحجم، فإن هذه القوة الهائلة لم تُختبر بعد في ساحات القتال. وهو ما يفتح بابًا واسعًا للتساؤلات حول مدى جاهزيتها الفعلية، إذ تظلّ المناورات والتدريبات -مهما بلغت دقتها- محكومة بسيناريوهات منضبطة ومحددة سلفا، تختلف كليا عن فوضى المعركة الحقيقية وما تكتنفه من مفاجآت وغموض لا يمكن التنبؤ به. في النهاية، لا شيء يوازي اختبار الحرب. ومع تقاعد الجيل الأخير من الطيارين الصينيين الذين خاضوا مواجهات فعلية في منتصف القرن الماضي، لم يعد سلاح الجو الصيني يملك خبرة قتالية حقيقية. وقد عبّرت وسائل الإعلام العسكرية الصينية ذاتها عن هذه الهواجس، حين انتقدت الصحيفة الرسمية للجيش الصيني في عام 2018 ما وصفته بـ"داء السلام"، في إشارة إلى التآكل التدريجي في الكفاءة والانضباط الذي تخلّفه فترات السلم الطويلة، خاصة في مؤسسة عسكرية لم تُختبر بالنار. إعلان في المقابل، يرى بعض المسؤولين الصينيين أن الغياب عن ميادين القتال لا ينبغي أن يُعد مؤشرًا على الضعف بالضرورة، ويستشهدون بجيوش كبرى لم تخض حروبا متكررة، لكنها أثبتت كفاءتها حين اندلعت المواجهة. ومع ذلك، يبقى السؤال معلّقا: هل بوسع هذه القوة الجوية الضخمة أن تُحقق تفوقا حقيقيا إذا اندلع نزاع واسع النطاق؟ أم أنها، رغم مظهرها المهيب، مجرد أداة ردع رمزية قد تنكشف عند أول اختبار عن عملاق من ورق؟ سماء مُقيّدة بسلاسل الأرض! لفهم إستراتيجية سلاح الجو الصيني في صورتها المعاصرة، لا بد من العودة إلى الجذور الفكرية التي شكّلت عقيدة الصين العسكرية، وفي مقدمتها مبدأ "الدفاع النشط"، الذي تعود أصوله إلى عهد ماو تسي تونغ. ففي عام 1928، قدّم ماو صياغته الشهيرة لتكتيكات حرب العصابات: "عندما يتقدم العدو؛ نتراجع. عندما يعسكر؛ نُزعجه. عندما يتعب؛ نهاجمه. وعندما يتراجع؛ نلاحقه". كانت تلك المقولة تجسيدًا واضحًا لرؤية عسكرية تمزج بين "الكُمُون الإستراتيجي" و"الهجوم المضاد المرن"، بهدف الحفاظ على زمام المبادرة في مواجهة خصم يتفوق عددا وعتادا. وقد تمثّل التطبيق العملي الأبرز لهذا النهج في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، من خلال تبنّي سياسة "استدراج العدو إلى العمق"، وهي إستراتيجية تقوم على انسحاب منظّم نحو قواعد خلفية، يهدف إلى إنهاك العدو تدريجيًّا، قبل مباغتته بهجوم مضاد حاسم يُكسَر به الحصار وتُدمَّر أجزاء من قوته. بهذا الشكل، تحوّل هذا الأسلوب من مجرد تكتيك ميداني إلى قاعدة مركزية لعقيدة "الدفاع النشط" بوصفها رؤية إستراتيجية متكاملة. ألقت هذه المرحلة التاريخية بظلالها العميقة على بنية الجيش الصيني، بما في ذلك سلاح الجو. فكما يوضح شياو مينغ تشانغ، الأستاذ المشارك في قسم القيادة والإستراتيجية بكلية الحرب الجوية التابعة لسلاح الجو الأميركي، فإن التفكير الدفاعي الذي طبع العقيدة العسكرية الصينية دفع بكين إلى تشكيل قوة جوية ترتكز أساسا على عدد كبير من المقاتلات، لا القاذفات. ذلك أن المقاتلات تتماشى مع طبيعة العمليات الدفاعية، بينما تُستخدم القاذفات غالبا في ضرب العمق المعادي، وهو ما لم يكن متّسقا مع التوجّه الإستراتيجي الصيني في تلك المرحلة. كذلك، نُظر إلى سلاح الجو بوصفه امتدادا تكتيكيا للقوات البرية، ينبغي بناؤه وفق متطلبات ساحة المعركة الأرضية، انطلاقا من اقتناع راسخ بأن الصين دولة برية في جوهرها. ومن هذا المنطلق، لم يُعامل سلاح الجو بوصفه قوة إستراتيجية مستقلة، بل أداة دعم للعمليات البرية، ويُقاس نجاحه بمدى فاعليته في إسناد القوات البرية، لا بقدرته على تحقيق أهداف جوية مستقلة. وانعكس ذلك في العقيدة العسكرية، التي اعتبرت أن أي انتصار تحققه القوات البرية يُحتسب تلقائيا إنجازا يُسجّل لسلاح الجو أيضا، وهو ما كرّس تبعيته الهيكلية والوظيفية للجيش البري. بيد أن الحرب الكورية في خمسينيات القرن الماضي، مثّلت أول اختبار خارجي فعلي لجدوى هذا التصور، وحينها أدرك القادة الصينيون مدى تفوّق القوات الجوية الأميركية. لكنهم رغم ذلك، لم يعيدوا النظر في البنية الإستراتيجية لسلاحهم الجوي بشكل جذري، بل ظلّ الرهان منصبّا على العنصر البشري، تأثرا بإرث حرب العصابات، وهو ما عزّز مكانة سلاح الجو داخل المؤسسة العسكرية، دون أن يمنحه استقلالًا إستراتيجيا حقيقيا، بل أبقاه في موقع القوة التكميلية التابعة للجيش البري. التحوّل البطيء..الدفاع وحده لا يكفي غير أن المحطة الأبرز في تحوّل نظرة الصين إلى دور سلاح الجو جاءت في تسعينيات القرن الماضي، كما يشير سكوت تانر، محلل الأمن الصيني وخبير الشؤون الآسيوية. فقد دفعت الدروس القاسية المستفادة من هزيمة العراق في حرب الخليج بكين إلى إجراء مراجعة عميقة لعقيدتها العسكرية، انتهت إلى اقتناع مفاده أن "القوة الأضعف التي تكتفي بالدفاع ستبقى حبيسة موقع المتلقي للضربات"، وأن المبادرة لا تُنتزع إلا "بشنّ عمليات هجومية نشطة". تزامن هذا التحوّل مع إدراك متزايد للحاجة إلى حماية المصالح القومية الصينية، ليس فقط على امتداد حدودها، بل أيضا خارجها، خاصة مع تنامي احتمالات اندلاع مواجهة عسكرية حول تايوان. ومن هنا، بدأت الصين بإعادة تعريف سلاحها الجوي بوصفه عنصرا أساسيا في خوض الحروب الحديثة. ومنذ عام 1993، اعتمدت بكين إستراتيجية عسكرية جديدة تقوم على الاستعداد لكسب "حروب محلية تحت ظروف تقنية عالية"، وهو ما فرض متطلبات نوعية جديدة على القوات الجوية. وقد عبّر الرئيس الصيني السابق، جيانغ تسه مين ، عن هذا التحوّل بوضوح في مارس/آذار 1999، حين أكّد أن الهدف الإستراتيجي لسلاح الجو الصيني هو "التحول التدريجي من قوة دفاعية إلى قوة تجمع بين الدفاع والهجوم". ولتنفيذ هذه الرؤية، أطلقت بكين برنامجا ضخما لتحديث سلاحها الجوي، تضمن اقتناء مقاتلات متقدمة من روسيا مثل "سوخوي 30″، إلى جانب تطوير نماذج محلية رائدة مثل "جيه-10″، وتوسيع أسطولها من طائرات الإنذار المبكر والنقل والتزود بالوقود. كما دخلت الصين نادي الدول المصنعة للطائرات الشبحية عبر طراز "جيه-20″، وشرعت في العمل على نماذج مستقبلية لمقاتلات الجيل السادس، في إشارة واضحة إلى طموحها لقيادة سباق التفوق الجوي في آسيا. ومع ذلك، فإن التحوّل الكمّي والنوعي في مستوى العتاد لم يرافقه تغيير جذري موازٍ في العقيدة التشغيلية. فحتى بعد تحديث ترسانتها الجوية، حافظت الصين على خط إستراتيجي واضح بعدم المبادرة بالاشتباك الجوي المباشر، ما لم تفرض الظروف القصوى ذلك. ورغم ما تبنّته بكين من إصلاحات عسكرية واسعة النطاق، تحت قيادة الرئيس الحالي، شي جين بينغ ، فإن سلاح الجو لا يزال يُنظر إليه باعتباره أداة للردع الإستراتيجي أكثر من كونه وسيلة لتحقيق الهيمنة الهجومية. وبينما قد يُنظر إلى بعض التغييرات، مثل التخلي عن المبدأ التقليدي "لا تطلق النار أولا"، أو تقليص أعداد القوات البرية لصالح تعزيز ميزانية القوات الجوية ونفوذها، كمؤشرات على تحوّل جذري في النهج العسكري، فإن هذه الخطوات تعبّر في جوهرها عن سعي لتعزيز جاهزية الردع الوقائي، أكثر مما تعكس تحوّلا نحو عقيدة هجومية شاملة. لقد انتقلت الصين من نموذج "الدفاع الجامد" إلى "الدفاع المرن"، الذي يتيح تنفيذ ضربات استباقية محسوبة في حال تهديد المصالح الحيوية، وهو ما يُعرف بمفهوم "الهجوم الدفاعي"، الذي صاغته بكين ليكون وسيلةً للردع لا للتوسع أو العدوان. ويتناغم هذا التوجّه مع الفلسفة الصينية العريقة المستمدة من فكر "صن تزو"، التي تجسّدها مقولته الشهيرة: "أفضل الانتصارات هي التي تتحقق دون قتال". وعلى هذا الأساس، يختلف مفهوم الردع الصيني جوهريًّا عن نظيره الغربي؛ ففي حين يرتكز الردع في المفهوم الغربي على التهديد العلني والمباشر بمعاقبة الخصم لثنيه عن سلوك معين، تصوغه الصين ضمن سياقها الثقافي الخاص، الذي يمزج بين استعراض القوة العسكرية، والحرب النفسية، والإشارات الضمنية. ومن هذا الفارق المفاهيمي، تقدّم العقيدة الجوية الصينية نموذجا مغايرا في علاقات القوة. فهي تسوّق نفسها على أنها قوة عظمى "مسؤولة"، تحجم عن استخدام القوة العسكرية المباشرة، بخلاف ما تصفه بالسجل الدموي للغرب. وقد منحها هذا الخطاب قبولا في كثير من دول الجنوب العالمي، التي تقارن بين التدخلات العسكرية الأميركية المتكررة في الشرق الأوسط، وبين إحجام الصين عن خوض مغامرات مشابهة. وهكذا، يصبح ضبط النفس العسكري الصيني عنصرا داعما لقوتها الناعمة، ومُفسحا المجال لتوسيع نفوذها عبر أدوات الاقتصاد والدبلوماسية. إستراتيجية منع الوصول.. جدار الصين الصاروخي تتجسّد النزعة الدفاعية في العقيدة العسكرية الصينية المعاصرة من خلال تبنّيها لإستراتيجية "منع الوصول/تحريم دخول المنطقة" (A2/AD)، التي أصبحت إحدى ركائز تصورها للأمن القومي. فبدلًا من إرسال قوات جوية لضرب الخصوم في عمق أراضيهم، تُركز بكين جهودها على بناء منظومات صاروخية متقدمة تجعل من الاقتراب من نطاقها الجغرافي مخاطرة جسيمة. يتمثل جوهر هذه الإستراتيجية في نشر طبقات دفاعية متعددة من الصواريخ المضادة للسفن والطائرات، مثل الصاروخ الباليستي "دونغ فينغ–26″، المعروف بلقب "قاتل حاملات الطائرات"، القادر على إصابة أهداف بحرية متحركة على مسافة تصل إلى أربعة آلاف كيلومتر. إلى جانب ذلك، تعتمد الصين على صواريخ كروز جوالة، ومنظومات دفاع جوي متطورة مثل "إس-400″ الروسية و"إتش كيو-9" المحلية الصنع. تهدف هذه الترسانة، مجتمعة، إلى ردع، أو على الأقل تأخير، أي تدخل عسكري معادٍ، وخاصة من قبل الولايات المتحدة، في المناطق التي تعتبرها الصين ذات أهمية إستراتيجية قصوى، مثل مضيق تايوان وبحر جنوب الصين. وتُسهم هذه الرؤية، جزئيًّا، في تفسير إحجام الصين عن نشر مقاتلاتها الجوية على نطاق واسع، إذ تراهن بكين على قدرتها الصاروخية لحسم المواجهة الجوية منذ بدايتها، عبر استهداف منصات العدو الهجومية -كمطارات الإقلاع وحاملات الطائرات- بدل الانخراط في معارك جوية مباشرة مرهقة وطويلة. وتعزز هذا التوجّه جملة من المؤشرات الأخرى؛ فالصين لا تسعى إلى فرض هيمنة جوية عالمية على غرار الإستراتيجية الأميركية، بل تركز أساسًا على تأمين أمنها القومي، وحماية مصالحها الإقليمية الآخذة في التمدد. ومن ثم، ترتكز إستراتيجية سلاح الجو الصيني على بناء قوة قادرة على بسط السيطرة في "مسارح العمليات ذات الأولوية"، وتقديم الدعم العملياتي واللوجستي للقوات البرية والبحرية، فضلًا عن أداء دور ردعي ذي طابع إستراتيجي. وعلى الصعيد العملياتي، يواجه سلاح الجو الصيني تحديًا جوهريًّا يتمثل في النقص الحاد في طائرات التزود بالوقود جوًّا، مما يقيد قدراته على تنفيذ ضربات بعيدة المدى، أو استعراض قوته الجوية على نطاق عابر للقارات. فوفقًا لأحدث البيانات، تمتلك الولايات المتحدة أكثر من 400 طائرة تزوّد بالوقود جوًّا، مقابل ثلاث فقط لدى الصين، وهو فارق شاسع يعوق أي طموح صيني حالي لنشر القوة الجوية خارج المحيط الإقليمي، ويؤكد الاتجاه العام نحو حصر الاستخدام الجوي في نطاقات محسوبة بعناية ضمن المسارح القتالية ذات الأولوية. سلاح الغموض.. على العالم أن يخشى جيشا لم يُجرَّب بعد! من ناحية أخرى، فإن امتلاك الصين لقوة جوية هائلة دون استخدامها فعليًّا يثير حالة من عدم اليقين في أذهان خصومها، فغياب الخبرة القتالية يترك قدرة الصين الحقيقية على خوض حرب حديثة موضع تخمين أكثر منها موضع يقين. فمن جهة، يرى البعض أن هذا الغياب الميداني يجعل من الجيش الصيني "نمرًا من ورق"، تنقصه التجربة الفعلية تحت ضغط النيران. ومن جهة أخرى، يُحذّر آخرون من خطورة هذا الاستنتاج، معتبرين أن الصين عوّضت غياب الحروب بتدريب صارم وتحديث تقني متواصل، قد يجعلان منها خصمًا شرسًا عند أول اختبار حقيقي. وهكذا، يتحول الغموض نفسه إلى ورقة لصالح بكين. فخصومها لا يعرفون بدقة مدى جاهزية قواتها الجوية، وحلفاؤها لا يستطيعون الجزم بكيفية تصرفها في حال اندلاع نزاع. والنتيجة أن الجميع يبني حساباته على أسوأ السيناريوهات: الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة يتعاملون مع فرضية أن الصين ستكون خصما خطيرا إذا قررت الدخول في حرب، بينما تسعى الصين إلى طمأنة جيرانها بأنها لا تعتزم خوض مغامرات عسكرية في الوقت الراهن، حتى لا تدفعهم إلى الاصطفاف ضدها. ويتعزز هذا الحذر من خلال التقارير المتزايدة التي ترصد النمو المطّرد في قطاع الصناعات العسكرية الصينية، وخصوصا في مجال الطيران العسكري، ومدى انعكاس ذلك على المستوى العملياتي في بؤر التوتر حول العالم. وفي حين لم تختبر الصين قوتها الجوية مباشرة في حروبها الخاصة منذ عقود، فإن مقاتلاتها وتقنياتها القتالية تجد طريقها إلى ساحات قتال فعلية من خلال جيوش حليفة، وهو ما يمنح بكين تجربة ميدانية غير مباشرة تعزّز من مصداقيتها العسكرية. وتُعدّ باكستان أبرز الأمثلة على ذلك؛ إذ تُعدّ أكبر مستخدم خارجي للطائرات الصينية، خاصة مقاتلات "جيه إف-17 ثاندر"، التي طُوّرت بالتعاون مع بكين، وأثبتت فعاليتها في مهام الاعتراض والدوريات الجوية ضد الهند. بل إن بعض التقارير تشير إلى أن هذه المقاتلات شاركت في الاشتباك الجوي الشهير بين الهند وباكستان عام 2019، الذي أسفر عن إسقاط طائرة "ميغ-21" هندية وأسر طيارها. وفي اشتباكات أبريل/نيسان الأخيرة بين البلدين، أكدت مصادر باكستانية أن قواتها الجوية أسقطت خمس طائرات هندية، بينها ثلاث طائرات "رافال" فرنسية الصنع، باستخدام مقاتلات صينية من طراز "جيه-10 سي". وتُرجّح التقارير أن تلك المقاتلات كانت مزوّدة بصواريخ "بي إل-15" جو–جو، التي تُعدّ من أحدث الأسلحة الصينية البعيدة المدى. ويتميّز هذا الصاروخ برادار نشط يعمل بتقنية مصفوفة المسح الإلكتروني، مما يمنحه قدرة عالية على مقاومة التشويش، ويُقدّر مدى النسخة التصديرية منه بأكثر من 150 كيلومترًا، وهو ما يتيح للطائرات الاشتباك مع أهداف خارج نطاق الرؤية المباشرة. أما في القارة الأفريقية، فتبرز نيجيريا مثالا آخر على الاختبار الميداني للتكنولوجيا الصينية، حيث أشاد المسؤولون العسكريون هناك بأداء مقاتلات "جيه إف-17 ثاندر" في العمليات ضد المتمردين بشمال البلاد. ففي أبريل/نيسان 2022، أعرب رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة النيجيرية، الجنرال لاكي إيرابور، عن "رضاه التام" عن أداء هذه المقاتلات، مؤكدًا أنها تلبي المتطلبات الأمنية الحالية والمستقبلية بفضل قدراتها القتالية المتقدمة. توفر هذه الحروب "بالوكالة" فرصة قيّمة للصين لاختبار معداتها في بيئات قتال حقيقية، مما يساعدها على رصد الثغرات التقنية وتطوير منتجاتها الدفاعية. كما تضيف بعدًا من المصداقية إلى صناعاتها العسكرية، وتعزّز هيبة القوة الجوية الصينية بوصفها "العملاق غير المقاتل". لكن في نهاية المطاف، تظل هذه الاختبارات محدودة الأثر؛ فهي لا تمنح سلاح الجو الصيني نفسه الخبرة القتالية المباشرة، التي تظل عنصرا لا يمكن اكتسابه بالتدريب أو استعارته من تجارب الآخرين. سد الفجوة.. بين المحاكاة والمسيرات تحاول الصين سدّ الفجوة الناتجة عن غياب الخبرة القتالية المباشرة، عبر الاستثمار المكثف في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، مثل المحاكاة الرقمية، والذكاء الاصطناعي، والطائرات غير المأهولة. ففي ميدان التدريب، أنشأت بكين منظومات محاكاة متطورة تُحاكي سيناريوهات الحرب الجوية باستخدام تكتيكات لخصوم مفترضين، كما أدخلت مفهوم "الخصم الافتراضي" ضمن مناوراتها العسكرية، بما يُمكّن الطيارين من اختبار سيناريوهات اشتباك متنوعة ومعقّدة. وفي خطوة لافتة لسدّ الفجوة المعرفية، سعت الصين إلى استقطاب طيارين غربيين سابقين، لتدريب طياريها على آليات التفكير وعقيدة القتال الجوي في الجيوش الغربية. وفي موازاة ذلك، تركز بكين على دمج الذكاء الاصطناعي في إدارة القتال الجوي، بما يتيح له تقديم توصيات آنية حول المناورات المثلى والردود الأنسب على التهديدات، إلى جانب تحليل بيانات الطلعات التدريبية لتشخيص مكامن القوة والضعف بدقة عالية. أما على مستوى الميدان، فقد أثبتت الصين تقدما ملحوظا في مجال الطائرات المسيّرة، التي أصبحت عنصرا أساسيا في الدوريات الجوية حول تايوان، حيث تُستخدم لاختراق الدفاعات الجوية دون تعريض الطيارين للخطر. وتُطوّر الصين حاليا أسرابا من المسيّرات الذاتية التشغيل، إضافة إلى الذخائر الجوالة الانتحارية، القادرة على ضرب أهداف عالية القيمة دون الحاجة إلى مواجهة جوية تقليدية. ويأتي ذلك بالتوازي مع تصعيد غير مسبوق في وتيرة الطلعات الجوية الصينية في محيط تايوان، التي تجاوز عددها في عام 2024 ثلاثة آلاف طلعة. وفي بعض الأيام، كانت عشرات الطائرات تحلق قرب الجزيرة بشكل متزامن، في استعراض واضح للقدرة الجوية، يحقق لبكين جملة من الأهداف: فهو من جهة، يُسهم في تدريب القوات الجوية على التموضع والاقتراب القتالي، ومن جهة أخرى، يختبر فعالية الدفاعات التايوانية، ويرسل رسالة ضغط نفسي وعسكري دائم إلى تايبيه. ولكن؛ رغم هذا التقدم التكنولوجي والتنظيمي، تبقى هناك فجوة لا يمكن تجاوزها بسهولة: غياب الخبرة القتالية الفعلية. فقد أثبت ميدان الحرب أن التكنولوجيا وحدها لا تصنع النصر، ما لم تُرفد بمهارة المقاتل وتمرُّسِه في بيئة الاشتباك الحقيقي. ومهما بلغ التدريب من واقعية أو تعقيد، فلن يُغني عن تراكم التجربة في قلب المعركة. فكما أن ماء البركة لا يعلّم السباحة، كذلك لا تمنح المحاكاة وطلعات الاستعراض الطيارين تلك اللحظة الحاسمة من الاختبار تحت الضغط الفعلي للحرب. وإذا كانت هذه الإستراتيجية قد خدمت الصين خلال سنوات صعودها السلمي، فإن اقترابها من لحظة الصدام الفعلي مع خصومها قد يدفع هذا العملاق الهادئ إلى التحوّل قسريا إلى عملاق مقاتل، يُجرّب للمرة الأولى قدراته في ميدان الحرب.. حيث لا مكان للتجريب!


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
كيف علق مغردون على مقترح وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل؟
لقي المقترح الجديد لوقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) و إسرائيل تفاعلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي بين مغردين فلسطينيين، وسط حالة من الترقب الشعبي لما ستؤول إليه المفاوضات المرتقبة في العاصمة القطرية الدوحة، والتي تُعد محط أنظار الفلسطينيين والعالم في ظل المساعي الرامية إلى إنهاء حرب الإبادة المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وكانت وسائل إعلام إسرائيلية أفادت، مساء أمس السبت، بأن إسرائيل قررت إرسال وفد التفاوض إلى الدوحة لمناقشة تفاصيل مقترح وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، بعدما تلقت رد حركة حماس. ومساء الجمعة الماضية، أعلنت حماس أنها سلمت الوسطاء ردها على المقترح بعد استكمال مشاوراتها الداخلية ومع الفصائل والقوى الفلسطينية، ووصفت ردها بأنه "اتسم بالإيجابية"، مؤكدة "الجاهزية بكل جدية للدخول فورا في جولة مفاوضات حول آلية التنفيذ". وتباينت آراء المغردين بشأن المقترح، إذ رأى بعضهم أن رد حركة حماس الإيجابي قد يشير إلى تغيير في إستراتيجية الحركة، معتبرين أن خطوة كهذه قد تعكس تحولا في نهج التعامل مع الحرب المستمرة. وحذر آخرون من أن قبول الاتفاق وتنفيذه قد يُستخدم لاحقا ذريعة لاتهام المقاومة بالتقصير، مشددين على أن "في كل هدنة تلتزم المقاومة بالشروط، بينما العدو هو من يخرقها، ويجب أن يدرك الجميع أن إسرائيل لا ترغب في بقاء المقاومة أصلا". إعلان في حين اعتبر بعض النشطاء أن السيناريو بات واضحا، وقالوا "هذه هدنة مؤقتة لإخراج الرهائن دون وقف الإبادة، ثم عودة للحرب والتجويع، ثم هدنة جديدة لإخراج من تبقى من الرهائن، ثم اشتراط تسليم السلاح مقابل إنهاء الحرب، وفي حال تحقق ذلك، ستتحول غزة إلى وضع شبيه بالضفة الغربية أو يهجر أهلها بالكامل". ورأى فريق آخر أن رغم التعديلات التي أجرتها حماس على مقترح صفقة التبادل، فقد قررت إسرائيل إرسال وفد للتفاوض إلى الدوحة في محاولة لتقريب وجهات النظر، معتبرين أن ذلك "مجرد مراوغة سياسية ستمر لكنها لن تكون الأخيرة". بدورهم، قال مغردون إن بعض أهالي غزة، يوافقون على الهدنة المؤقتة المطروحة حاليا، مشددين على أن "دعوا القرار لمن يواجه الموت كل لحظة، فالقرار ليس نظريا لمن يعيش تحت القصف يوميا". من جانب مختلف، رأى البعض أن حماس والمفاوض الفلسطيني يريدان إنهاء الحرب اليوم قبل الغد، لكنهم ذكّروا بأن الحركة "قالت نعم ثلاث مرات خلال عامين، وفي كل مرة يخرق الاحتلال الاتفاق". وأكد بعض المعلقين أن المعاناة في غزة ألم لا يطاق، لكن "الأشد إيلاما هو العودة إلى المربع الأول بعد كل هدنة بسبب غياب الضمانات الحقيقية". وأشار آخرون إلى أن الأمر معقد للغاية، لأن حماس والاحتلال كلاهما يراقب ما بعد الهدنة والظروف التي ستخلقها، ففي نظر الاحتلال، الهدنة تقربه من هدفه في تقليص عدد الأسرى من 250 إلى 10، بينما بالنسبة لحماس، فإنها تتيح لها إعادة ترتيب صفوفها وتخفيف معاناة الناس، لكن "كل هذا قد ينهار بعد أسابيع من استئناف القتال عقب تسلّم آخر جندي إسرائيلي". كما أوضح أحدهم أن الاتفاق قد يمر سريعا، موضحين أن "ترامب لن يهدر فرصة الإعلان عن اتفاق، ومجرد سفر الوفد يعني أن الخلافات قابلة للتجاوز". واعتبر أن هذه التصريحات "معهودة لإظهار القوة والضغط الميداني"، مضيفا أن "الجميع خطط على أساس مرور الاتفاق هذا الأسبوع"، فيما كشفت وسائل إعلام عبرية أن بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- طلب من الجيش إعداد خطة لفتح معبر رفح في موعد أقصاه الخميس المقبل، دون توضيح تفاصيل ما سُمّي "خطة المعبر". وأوضح أن الخلاف الأساسي يتعلق ببند الانسحاب إلى وضع ما قبل الثاني من مارس/آذار، مرجحا إمكانية تجاوزه بصيغة مرنة تتيح التقدم في المفاوضات. وختم ناشط بالإشارة إلى أنه وسط ضجيج الأخبار وتضارب التحليلات، يبقى أمل الناس في غزة معلقا بخيط رفيع بين الرجاء والخوف، صفقة قد تفتح نافذة للحياة أو تغلقها أمام جولة جديدة من الألم، مؤكدين أن "كل طرف يفاوض من موقعه، لكن الحقيقة أن القلوب هناك تنتظر لحظة صدق تمنح هذا الشعب فرصة لالتقاط أنفاسه من جديد".


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
عبر الشاشة التفاعلية تعرف على المشهد الميداني لعمليات المقاومة في خان يونس
3 نقاط اشتباك رئيسية شرق مدينة جباليا في الشمال وحي الشجاعية وخان يونس المحور الأساسي. اقرأ المزيد