
مفاعل بوشهر حجر الأساس للبرنامج النووي الإيراني
ويعد المفاعل أيضا أول محطة نووية لإنتاج الطاقة في الشرق الأوسط ، وإن كانت المنطقة قد شهدت قبلها تشييد وحدات نووية بحثية في إيران والعراق وسوريا وإسرائيل.
وتنتمي المنشأة الإيرانية إلى نوعية مفاعلات الماء المضغوط بقدرة إنتاجية تبلغ 1024 ميغاوات. وتعتبر شركة "أتوم ستروي إكسبورت" الروسية المقاول الرئيسي للمشروع.
التشييد
بدأت إيران في العهد البهلوي بناء المحطة عام 1975 بواسطة شركة "زيمنس" الألمانية، وكان من المقرر دخولها مرحلة التشغيل بحلول عام 1985 إلا أن انتصار الثورة الإيرانية التي أطاحت بالنظام البهلوي عام 1979 عرقلت المشروع.
وتعرض المفلعل لقصف صاروخي وغارات جوية في فترة الحرب العراقية الإيرانية (1988-1980)، مما ترك آثارا مرئية بجوار المحطة.
وعقب سنوات من تجميد عمليات البناء والتطوير في مفاعل بوشهر النووي، وقعت إيران عام 1995 اتفاقية مع شركة أتوم ستروي أكسبورت الروسية لاستكمال المشروع، واتفقتا على إعادة تصميم المفاعل ليتوافق مع المعايير الروسية.
أدت العقوبات الدولية والمشاكل الفنية والمالية إلى تأخير التشغيل نحو 10 سنوات عن الجدول المقرر عام 1999، إلى أن بدأت المحطة توليد الكهرباء في أغسطس/آب 2011 بقدرة ألف ميغاوات.
ووفقا لاتفاق منظمة الطاقة الذرية الإيرانية مع روسيا ، يتم تزويد المحطة بالوقود النووي من الجانب الروسي، كما يتم إعادة النفايات المشعة إلى روسيا. أما إدارة المحطة فتقع على عاتق الكوادر الإيرانية المتقنة للغة الروسية، بينما تتم الاستعانة بمستشارين روس للإشراف الفني.
جسم المفاعل
ويتكون جسم المفاعل من الفولاذ الكربوني المقاوم للصدأ، ويبلغ قطره 5 أمتار و53 سنتيمترا، وارتفاعه 11 مترا و18 سنتيمترا.
ومصدر إنتاج الحرارة في هذا المفاعل هو الوقود النووي من نوع ثاني أكسيد اليورانيوم، بدرجات تخصيب تبلغ 4.02% و3.62% و2.4% و1.6%.
يتم تصنيع الوقود على شكل أقراص أسطوانية قطرها 7.75 مليمترا وارتفاعها 12 مليمترا، توضع داخل أنابيب الوقود بعدد يتراوح بين 300 و315 قرصا لكل أنبوب، وفقا لما تنشره الصحافة الفارسية.
يبلغ قطر قلب المفاعل 3.16 أمتار، وارتفاعه 3.55 أمتار. أما قطر الجدار الفولاذي الكروي للمفاعل فيصل إلى 56 مترا، بسماكة تتراوح بين 3 و5 سنتيمترات للحماية من الأضرار الداخلية وأي انفجارات محتملة.
هذا التصميم قادر على تحمل زلزال بقوة 10 درجات على مقياس ريختر، كما أن أجزاء من المباني مثبتة على نوابض لزيادة مقاومتها للزلازل. إضافة إلى ذلك، جميع المباني معزولة ضد مخاطر الفيضانات أو التسونامي.
تُخلّف محطة بوشهر 3 أنواع من النفايات: سائلة وغازية وصلبة.
وفيما يخص النفايات الغازية، تحتجز أولا لفترة زمنية لتقليل مستوى التلوث، ثم تمر في مرشحات كربونية قبل إطلاقها عبر مدخنة بارتفاع 110 أمتار، وفي هذه المرحلة تكون خالية تماما من أي ملوثات.
تتميز مدخنة المحطة بمعايير أمان عالية وتحتوي على مرشحات تجعل الإشعاع المنبعث منها أقل حتى من الإشعاع الطبيعي الموجود في البيئة.
أما النفايات السائلة والصلبة، فتخزن في براميل خاصة. وتأتي النفايات السائلة من عمليات الغسيل داخل المحطة، بما في ذلك مياه غسيل الملابس الملوثة والمخلفات السائلة من المختبرات المشعة. وتوضع هذه السوائل في براميل زرقاء اللون تحتوي على خلاطات داخلها، ويتم مزجها بالجير والإسمنت حتى تتحول إلى حالة صلبة.
وتشمل النفايات الصلبة قطع الغيار المستهلكة ومواد البناء والملابس والقفازات والأدوات المكتبية والأدوات المستعملة التي توضع بدورها في براميل بيضاء خاصة.
يتم الاحتفاظ بهذه النفايات داخل المحطة حتى ينخفض مستوى الإشعاع فيها إلى المستويات الطبيعية، وعندها فقط يتم إخراجها من المنشأة.
وتراقب السلطات البيئة ضمن دائرة نصف قطرها 70 كيلومترا حول المحطة، ويشمل ذلك اختبارات منتظمة للماء والتربة والحيوانات والأسماك وفحوصات دورية للسكان المحليين لقياس الجرعات الإشعاعية التي يتعرضون لها.
أما فيما يخص نفايات الوقود النووي المستهلك، فلا تتم معالجتها في الموقع، فالوقود يأتي من روسيا ويعاد إليها، إذ بعد تبريده وانخفاض مستوى إشعاعه، يتم إعادته إلى المصدر الروسي دون أي معالجة إضافية.
الطاقة
تساعد المحطة في فترات الذروة الاستهلاكية في الفصول الحارة على تغذية شبكة الكهرباء الوطنية بشكل مستمر، وعلى مدار 24 ساعة بألف ميغاواط من الكهرباء المستقرة، كما تساعد في فصل الشتاء، وهو موسم ذروة استهلاك الغاز في إيران، على تخفيض استهلاكه في البلاد بمقدار 6 ملايين متر مكعب يوميا.
وتعمل المحطة مدة تقارب عشرة أشهر في السنة، وفي الأيام التي لا تشهد فيها ذروة استهلاك الكهرباء، يتم إيقاف تشغيل المحطة لإجراء عمليات تزويد الوقود (استبدال الثلث المستهلك) وللصيانة الدورية، وتستغرق العملية نحو شهرين في هذه الحالة.
وتقول إيران إن إنتاج الكهرباء في محطة بوشهر النووية نظيف تماما وخال من الملوثات الشائعة في محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالوقود الأحفوري، مما يعني أنه يتم منع إنتاج 7 ملايين طن من غازات الدفيئة سنويا.
الأمان
وفقا لما نشرته الصحافة الإيرانية فإن أمان المحطات النووية في جميع أنحاء العالم يُبنى في الوقت الحاضر على مبدأ "الدفاع المتعمق"، إذ يدفع هذا المفهوم المصممين إلى وضع سلسلة من الحواجز المادية المتتالية في مسار انتشار المواد المشعة إلى البيئة.
ويوفر وجود طبقات متعددة من الحواجز المادية حماية من الآثار الضارة للمواد المشعة على العاملين في التشغيل، والبيئة المحيطة بالمحطة، والسكان القريبين منها.
وتتكون هذه الحواجز بالترتيب من: الشبكة الخزفية لأقراص الوقود وغلاف قضبان الوقود ومعدات الدورة الأولية والوعاء الفولاذي، وأخيرا الغلاف الخرساني. ومن الجدير بالذكر أن أكثر من 98٪ من نواتج الانشطار (المواد المشعة) تُحتجز داخل الشبكة الخزفية لأقراص الوقود.
تتكون الوحدة الأولى من محطة بوشهر النووية من مفاعل ماء مضغوط من نوع "في في إي آر 1000" (VVER-1000) طراز "في-446" (V-446) الذي يختلف تماما من حيث الهيكل ومبدأ العمل عن محطة تشيرنوبيل النووية، ويتوافق مع المحطات النووية الغربية التي تعمل بمفاعلات "بي دبليو آر" (PWR) التي تتمتع بأمان ذاتي.
ومع زيادة الطاقة النيوترونية للمفاعل، ترتفع درجة حرارة الماء فيه، مما يؤدي بدوره إلى تقليل الطاقة النيوترونية وكبح تفاعل الانشطار المتسلسل المستقر في قلب المفاعل.
وفي حال تعرّض المحطة للخطر وانخفاض مؤشرات الأمان فيها، وفقا لتعليمات تشغيل المحطة، يتم تخفيض طاقة المفاعل إلى المستوى المطلوب أو إيقاف تشغيله تماما لاستعادة مستوى الأمان المطلوب.
في حالة وقوع حادث محتمل، تتولى أنظمة الأمان رباعية القنوات مهمة إيقاف المفاعل وإزالة الحرارة المتبقية في القلب، ويكفي وجود قناة واحدة أثناء الحادث، بينما تمت إضافة القنوات الثلاث الأخرى لزيادة عامل أمان النظام، وتعمل هذه القنوات بشكل منفصل ومستقل عن بعضها البعض.
وفي حال وقوع حادث تعمل أنظمة الأمان على إيقاف تفاعل الانشطار النووي المتسلسل المستقر وتبريد المفاعل والحد من آثار الحادث. وهذه الأنظمة مجهزة بمولدات ديزل خاصة بها، مما يمكنها من مواصلة العمل حتى في حالة انقطاع التيار الكهربائي بالكامل في المحطة.
وبني المفاعل بشكل يجعله مقاوما لاصطدام مباشر بطائرة بوينغ 747 العملاقة، وبالطائرات الحربية، كما أنه مقاوم للزلازل التي تصل شدتها إلى 8 درجات على مقياس ريختر.
وفي حال حدوث مثل هذه الكوارث، لن تتضرر منشآت المفاعل أو قلبه، وسيوقف نظام التحكم والحماية التلقائي تشغيل المحطة بأمان ويحولها إلى حالة آمنة بسهولة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 5 أيام
- الجزيرة
برنامج وطني قطري لتوجيه طلاب المدارس نحو سوق العمل
الدوحة ـ قبل 6 سنوات، أطلق مركز قطر للتطوير المهني، التابع ل مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع ، برنامج "مهنتي – مستقبلي"، واضعا نصب عينيه هدفا إستراتيجيا يتمثل في ربط طلاب المرحلة الثانوية في قطر بميدان العمل الواقعي، وتوجيههم نحو مسارات مهنية مدروسة تتماشى مع قدراتهم وتطلعاتهم، وتستجيب في الوقت نفسه لاحتياجات سوق العمل الوطني. ويعد البرنامج، الذي انطلقت نسخته السابعة هذا الأسبوع، أحد أبرز المبادرات المهنية في قطر، إذ يستقطب سنويا عشرات المؤسسات والشركات الكبرى لتقديم تجارب تدريبية واقعية لطلبة المدارس، في بيئات عمل متنوعة تشمل قطاعات حيوية مثل الطب والطيران والإعلام والتكنولوجيا والقطاع المصرفي والطاقة، ما يجعله منصة مثالية لتكوين وعي مهني مبكر لدى الطلبة وبناء جسر عملي بين التعليم وسوق العمل. وتشهد النسخة الحالية من البرنامج توسعا نوعيا لافتا، حيث يشارك فيها 250 طالبا وطالبة من مختلف المدارس الثانوية في الدولة، مقابل 86 فقط في النسخة الماضية، وينخرط المشاركون في تجارب تدريبية لدى 25 جهة ومؤسسة تمثل طيفا واسعا من القطاعات، من بينها مجالات ناشئة كالتكنولوجيا والرياضة والإعلام والاتصال، في خطوة تعكس تنوع الخيارات المهنية المتاحة أمام الشباب القطري. معايشة واقعية ويؤكد المدير التنفيذي لمركز قطر للتطوير المهني سعد عبد الله الخرجي، في حديثه للجزيرة نت، أن برنامج "مهنتي – مستقبلي" بات اليوم من أكبر برامج المعايشة المهنية في قطر من حيث حجم المشاركة وتنوع القطاعات والتخصصات، مشيرا إلى أن المركز يعمل على التوسع وتعزيز الشراكات ليغدو البرنامج منصة وطنية شاملة تسهم في بناء قدرات الشباب وتوجيههم نحو مستقبل مهني واعد. وأوضح الخرجي أن البرنامج يستهدف طلاب الصف التاسع حتى الثاني عشر، وهي المرحلة العمرية التي يبدأ فيها تحديد ميول الطالب المهنية، مشيرا إلى أن بعض الطلبة يشاركون في البرنامج لأكثر من مرة ويخوضون تجارب مختلفة في عدة قطاعات، وهو ما يساعدهم على بلورة اختيارات أكاديمية ومهنية أكثر دقة، لا سيما في التخصصات الدقيقة مثل المجال الطبي. وأضاف أن المؤسسات الشريكة في النسخة الحالية ارتفعت إلى 25 جهة، مقارنة بـ15 فقط العام الماضي، وهو ما يعكس تنامي اهتمام المؤسسات الوطنية بالمساهمة في بناء جيل واع ومؤهل لمتطلبات سوق العمل المتغير. وعي مهني من جانبه، يرى محمد علي اليافعي، رئيس قسم البرامج والخدمات المهنية في المركز، أن البرنامج يمثل تجربة تعليمية عملية تعزز الوعي المهني المبكر لدى طلبة المدارس الثانوية في قطر، من خلال الدمج بين التعلم التجريبي المباشر والتفاعل مع بيئات العمل الحقيقية في مؤسسات مرموقة. وأوضح اليافعي، في حديثه للجزيرة نت، أن البرنامج يتيح للمشاركين خلال أسبوع من التدريب الميداني الفرصة لاكتساب مهارات حيوية مثل التفكير النقدي، والعمل الجماعي، والتواصل المهني، في سياقات عمل واقعية، وهذا يسهم في إعدادهم بشكل أفضل لمتطلبات المرحلة الجامعية وما بعدها. ويدرج البرنامج ضمن سلسلة مبادرات "المعايشة المهنية" التي ينظمها المركز، إلى جانب برامج أخرى مثل "الموظف الصغير" الذي يستهدف الأطفال من 7 إلى 15 عاما، وبرنامج "القرية المهنية" الموجه لطلبة المرحلتين الإعدادية والثانوية، حيث يبنى "مهنتي – مستقبلي" على مخرجات هذه البرامج ويمنح الطلاب تجربة تدريبية متقدمة أكثر تخصيصا. 12 ألف ساعة تدريب وأشار اليافعي إلى أن البرنامج استطاع منذ انطلاقه قبل 6 سنوات أن يستقطب أكثر من 500 طالب وطالبة، خاضوا أكثر من 12 ألف ساعة تدريبية ميدانية داخل مؤسسات الدولة، موضحا أن القيمة المضافة لا تقتصر على الطلاب، بل تشمل المؤسسات الشريكة التي تستفيد من طاقة الشباب وفضولهم، وتتعرف على كفاءات واعدة قد تنضم إلى كوادرها في المستقبل. وأكد أن الأثر الحقيقي للبرنامج يتجلى على المدى البعيد في بناء ثقافة "التعلم مدى الحياة" لدى الجيل الجديد، إذ تبدأ رحلة اكتساب المهارات من لحظة دخول الطالب إلى بيئة العمل، وتتواصل عبر سنواته الدراسية وما بعدها، مشيرا إلى أن البرنامج يمثل نقطة تحوّل في مسار الطلبة المهني والمعرفي. وتكشف نتائج استطلاعات الرأي والمتابعة التي يجريها مركز قطر للتطوير المهني بشكل دوري بعد انتهاء كل نسخة من البرنامج، أن نسبة كبيرة من الطلبة المشاركين أكدوا أن تجربتهم في "مهنتي – مستقبلي" أثرت بشكل مباشر على اختياراتهم الجامعية وتوجهاتهم الأكاديمية. الطالب محمود فهد، أحد المشاركين في النسخة الحالية، أوضح في حديثه للجزيرة نت أنه اختار البرنامج لأنه يطمح لدراسة الطب، وكان يتوق لمعرفة هذا المجال عن قرب، خاصة أن عائلته تمتلك مستشفى في سوريا ويأمل في العودة والعمل هناك بعد التخرج، وأضاف أن هذه التجربة ستمنحه رؤية أعمق لتحديد قراره بشأن التخصص المناسب. فرصة مثالية أما الطالب عمر صلاح الدين، فقال إنه يرغب في دراسة العلاج الطبيعي، وقد قرر المشاركة في البرنامج ليعيش تجربة العمل الميداني واقعيا، وهذا يساعده في اتخاذ قرار أكاديمي مدروس. وأضاف أن الشراكات التي يعقدها البرنامج مع مؤسسات مثل "سبيتار" و"مؤسسة حمد الطبية" تمنحه فرصة مثالية لاكتشاف بيئة العمل في هذا المجال. ويتماشى البرنامج مع رؤية قطر الوطنية 2030، لا سيما في شقها المتعلق بتنمية الموارد البشرية وتحفيز اقتصاد المعرفة، فمن خلال التوجيه المبكر وتقديم تجارب عملية واقعية، يسهم "مهنتي – مستقبلي" في إعداد جيل شاب واع ومؤهل للانخراط في سوق العمل بمهارات ومعرفة تتناسب مع احتياجات التنمية الوطنية.


الجزيرة
منذ 5 أيام
- الجزيرة
أميركا تشدد العقوبات على قطاع النفط الإيراني.. ما التأثيرات والمآلات؟
طهران – فرضت الولايات المتحدة الخميس الماضي حزمة جديدة من العقوبات استهدفت شخصيات وكيانات مرتبطة بإيران، وفق وزارة الخزانة الأميركية، في خطوة قالت واشنطن إنها تهدف إلى تعطيل شبكة تهريب نفط واسعة تُستخدم لتمويل أنشطة تصفها بـ"المزعزعة للاستقرار". ووفق بيان نشره موقع الوزارة، فإن العقوبات تطال شبكة أعمال اتُّهمت بتهريب النفط الإيراني وتمويهه على أنه نفط عراقي وأشارت إلى أن هذه الشبكة، التي يُزعم أنها تُدار من قبل رجل الأعمال العراقي سليم أحمد سعيد، تنشط منذ عام 2020 في تصدير شحنات من النفط الإيراني عبر شركات وهمية وواجهات تجارية متعددة. أوضحت الوزارة أن الشبكة استخدمت أنظمة نقل وشحن معقدة، من بينها تزوير وثائق الشحن والتعاون مع وسطاء وشركات وسيطة في عدة دول، كما شملت العقوبات عددًا من السفن التي وُصفت بأنها جزء من ما يُعرف بـ" أسطول الظل" الإيراني، الذي تتهمه واشنطن بالتحايل على القيود الدولية المفروضة على صادرات النفط. في هذا السياق، صرّح وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت ، بأن بلاده "ستواصل استهداف مصادر إيرادات طهران"، في محاولة للحد من قدرتها على تمويل ما وصفه بـ"أنشطة مزعزعة للاستقرار" في المنطقة. تأتي هذه الخطوة في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، وتنامي المؤشرات على تفاقم الأزمة الاقتصادية في إيران، التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على تصدير النفط كأحد المصادر الأساسية للعملة الصعبة، في ظل العقوبات المفروضة منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018. في المقابل، دانت طهران بشدة العقوبات، ووصفتها بأنها جزء من سياسة ضغط غير إنسانية، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، إن هذه العقوبات تمثل "مثالًا آخر على السياسات اللاإنسانية للولايات المتحدة"، و"انتهاكا صارخا للقانون الدولي"، و"إرهابا اقتصاديا"، كما حمّل بقائي واشنطن مسؤولية العواقب الناجمة عن هذه الإجراءات. وشدّد بقائي على أن مثل هذه الضغوط الاقتصادية "لن تُضعف عزيمة الشعب الإيراني"، بل "تزيد من إصراره على الدفاع عن حقوقه المشروعة". إحصاءات النفط الإيراني يرى مراقبون أن هذه الجولة الجديدة من العقوبات تندرج ضمن سياق أوسع من السياسات الاقتصادية التي تُستخدم كأدوات ضغط في الملفات الجيوسياسية، في وقت تتسارع فيه التطورات الميدانية على أكثر من جبهة إقليمية، وبينما تؤكد واشنطن أنها تستهدف نشاطات غير قانونية، تعتبر طهران أن العقوبات تمثل أدوات حرب اقتصادية تهدف إلى إخضاع إرادتها السياسية والإضرار بالاقتصاد الإيراني. وتُعد إيران ثالث أكبر منتج للنفط ضمن منظمة أوبك، ويبلغ إنتاجها نحو 3.3 ملايين برميل يوميا، ما يعادل حوالي 3% من الإنتاج العالمي، وتصدر نحو 1.8 مليون برميل يوميا من النفط الخام والمكثفات، وهو أعلى مستوى للصادرات منذ عام 2018، مع اعتماد كبير على السوق الصينية كمستورد رئيسي. تتركز منشآت إنتاج النفط بشكل رئيسي في المناطق الجنوبية الغربية من البلاد، خاصة في محافظة خوزستان (الأهواز). وعلى الرغم من العقوبات الأميركية التي فرضت منذ عام 2018، شهدت صادرات النفط الإيرانية تعافيا تدريجيا عبر إستراتيجيات التحايل على العقوبات مثل النقل من سفينة إلى أخرى وإخفاء مواقع الناقلات، وفي يونيو/حزيران 2025، شنت إسرائيل غارات استهدفت منشآت نووية ومصانع للصواريخ الباليستية في إيران، لكن المنشآت النفطية لم تتضرر، حسبما أكدت الشركة الوطنية الإيرانية لتكرير وتوزيع النفط. أزمة الموازنة وحول تداعيات تشديد العقوبات الأميركية على الاقتصاد الإيراني، قال أستاذ الاقتصاد بيمان مولوي إن استمرار الضغوط، خصوصا تلك التي تستهدف عائدات النفط، من شأنه أن يعمّق أزمة الموازنة في البلاد. وأضاف في تعليق لـ"الجزيرة نت" أنه "في حال تراجعت صادرات النفط الإيراني إلى ما دون 700 ألف برميل يوميا، فإن الحكومة ستواجه صعوبة كبيرة في تغطية نفقاتها، ما يدفعها إلى مزيد من طباعة النقود، وهو ما سيرفع السيولة النقدية بأكثر من 35%، وهو رقم خطير في ظل غياب موارد مالية حقيقية". وحذر مولوي من أن هذا المستوى من التوسع النقدي سيؤدي إلى خلق طلب داخلي بنحو 35 مليار دولار لا يمكن تلبيته، مما سيدفع التضخم إلى تجاوز حاجز 45%، مع احتمالات بتخطي 50% إذا استمرت وتيرة الانخفاض في مبيعات النفط. وتابع "مع ارتفاع التضخم، تتراجع قيمة الريال بشكل متسارع، ما يؤدي إلى موجة من الضغط المالي على الأسر، ويدفع الكثير من المواطنين إلى اللجوء إلى الملاذات الآمنة مثل الذهب والعقارات لحماية قدرتهم الشرائية". ورأى مولوي أن هذه الدينامية ستقود إلى تآكل القوة الشرائية للموظفين وأصحاب الدخل الثابت، وتراجع معدلات الاستثمار في الاقتصاد، خصوصًا في القطاعات الإنتاجية والبنية التحتية. وأضاف "كما رأينا في الفترات التي سبقت توقيع الاتفاق النووي، أو بعد انسحاب إدارة ترامب منه، فإن الاقتصاد الإيراني يظل شديد الهشاشة أمام أي صدمة نفطية أو مالية". تضييق مستمر من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد آيزاك سعيديان، إن الولايات المتحدة تستهدف هذه المرة شبكات معقدة كانت تُسهم في نقل وبيع النفط الإيراني بطرق تلتف على العقوبات السابقة، ما يعني أن هامش المناورة أمام طهران سيضيق أكثر فأكثر. وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى أن تصاعد التوترات العسكرية بين إيران وإسرائيل زاد من تعقيد المشهد الاقتصادي، موضحًا أن "البيئة الإقليمية المضطربة جعلت من الصعب على الحكومة تنفيذ برامجها الإصلاحية، لا سيما ما يتعلق بمعالجة اختلالات الميزانية وتعويض العجز المتراكم". وتابع "الواقع أن النفقات المرتفعة المرتبطة بالأوضاع الأمنية، إلى جانب استمرار العجز المالي والاختلالات الاقتصادية في قطاعات مختلفة، ستجعل من مهمة حكومة الرئيس مسعود بزشكيان في تأمين الموارد لبرامجها الاقتصادية أكثر صعوبة". وختم سعيديان بالقول إن "اعتماد الحكومة الإيرانية على إيرادات النفط يجعلها شديدة التأثر بأي تضييق في قنوات التصدير، سواء كانت رسمية أو غير رسمية، وهو ما يجعل التوقعات الاقتصادية للمرحلة المقبلة قاتمة إلى حدّ كبير".


الجزيرة
منذ 5 أيام
- الجزيرة
موديز تحذر: المواجهة مع إيران تزيد الضغوط المالية على إسرائيل
قالت موديز للتصنيف الائتماني إن المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران ستزيد الضغط على المالية العامة لإسرائيل ، في وقت ثبتت فيه الوكالة تصنيف دولة الاحتلال طويل الأجل بالعملتين المحلية والأجنبية عند "بي إيه إيه 1" (Baa1) مع نظرة مستقبلية سلبية. ويعكس التصنيف ضعف وضع إسرائيل المالي بسبب ارتفاع المخاطر الجيوسياسية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتتوقع موديز أن تقارب نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 75% على المدى المتوسط، وذلك نتيجة لارتفاع الإنفاق الدفاعي وضعف النمو الاقتصادي. وقبل بدء الصراع العسكري مع إيران، توقعت الوكالة أن تصل النسبة إلى 70%. عجز متوقع وتتوقع موديز أن يصل عجز الموازنة الحكومية في إسرائيل إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2025، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التكاليف المرتبطة بالمواجهة العسكرية مع إيران. وكتبت الوكالة في بيانها "لا يزال وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران هشًا. كما أن تجدد الصراع من شأنه أن يهدد القوة الاقتصادية لإسرائيل من خلال الأضرار المادية المحتملة للبنية التحتية وضعف الظروف الأمنية التي قد تؤثر على الاستثمار والنشاط الاقتصادي بشكل عام". وفي الوقت نفسه، أشارت موديز إلى المستوى "غير المسبوق" للمساعدات العسكرية الأميركية خلال المواجهة مع إيران، وقالت الوكالة إن هذا يعكس "دعمًا عسكريًا وسياسيًا أميركيًا صريحًا" والذي تتوقع أن يظل ركيزة أساسية للدعم الخارجي لإسرائيل في المستقبل المنظور. وكانت الوكالة خططت في الأصل لإصدار هذا التقرير في سبتمبر/أيلول الماضي، لكنها أرجأت النشر بسبب تطورات الأوضاع على الأرض، ويبدو أن قرار النشر الآن يعكس توقفًا نسبيًا في التصعيد مع إيران ومؤشرات على أن الحرب على غزة قد تقترب من نقطة تحول، وفق صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية. تصنيفات أخرى كانت وكالة ستاندرد آند بورز غلوبال أكدت -في مايو/أيار الماضي- تصنيف إسرائيل عند "إيه/أيه -1" (A/A-1) لكنها حذرت من أن استمرار الصراع أو اشتداده قد يضر بالأداء الاقتصادي والمالي. إعلان وقالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني الشهر الماضي إن تداعيات الصراع بين إسرائيل وإيران تبدو ضمن النطاق الذي يمكن أن يستوعبه مستوى التصنيف "إيه سلبي" (A سلبي) لإسرائيل. كما أبقت موديز على النظرة المستقبلية لإسرائيل عند "سلبية".