logo

دولة الاحتلال: 3 وقائع في نهار فاشي واحد

بقلم: صبحي حديدي
ارتكب الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون جريمة نكراء في ناظر الساسة الإسرائيليين حين صرّح بأنّ الاعتراف بدولة فلسطينية ليس مجرد واجب أخلاقي بل هو مطلب سياسي فجاءه الردّ الفوري من وزارة خارجية الاحتلال: حرب ماكرون الصليبية ضدّ الدولة اليهودية تتواصل لأنه لا يوجد حصار أصلاً ولكنّ الحقائق لا تهمّ ماكرون و بدلاً من ممارسة الضغط على الجهاديين الإرهابيين يريد ماكرون مكافأتهم بدولة فلسطينية .
للمرء أن يتساءل: هل الإشارة حقاً إلى ماكرون نفسه أحد أصدق أصدقاء دولة الاحتلال في فرنسا وأوروبا والعالم؟ أليس هذا هو ذاته الذي انخرط في الحجيج المبكر لقادة الغرب إلى مستوطنات غلاف غزّة للإعراب عن التضامن الأقصى غير المشروط مع الاحتلال؟ ألم يضع ماكرون بعض شروط قصوى متشددة في واقع الأمر قبيل اعتراف باريس بدولة فلسطينية بينها إطلاق سراح الرهائن ونزع سلاح حماس و عدم مشاركة الحركة في تسيير شؤون الدولة و إصلاح السلطة الفلسطينية والاعتراف من جانب الدولة المستقبلية بدولة الاحتلال و حقّها بالعيش في أمان و إنشاء بنية أمنية في كل المنطقة …؟
في واقعة ثانية خلال اليوم ذاته لجأت السلطات الإسرائيلية إلى منع وفد دبلوماسي عربي وإقليمي رفيع من دخول الضفة الغربية للاجتماع مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية كان مؤلفاً من وزراء خارجية مصر وقطر والسعودية والإمارات والأردن وتركيا وكأنّ ثلاثة من هؤلاء لا يمثلون دولاً تجمعها مع دولة الاحتلال اتفاقيات سلام أو تطبيع. أو كأنّ وجود وزير خارجية سعودي في زيارة إلى الضفة الغربية هي الأولى منذ 1967 ليست فرصة لتأكيد ما يتشدق به رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من تلميحات حول تغيير الشرق الأوسط ودنوّ التطبيع مع الرياض.
وإلى جانب تأكيد سيطرة الاحتلال الفعلية على الأرض والأجواء (كان مقرراً للوفد أن يصل في حوّامة) والتذكير بأنّ السلام الإسرائيلي حسب اتفاقيات أوسلو لم يعد جديراً حتى بالحبر الذي كُتب به فإنّ الذريعة الذي استندت إليها سلطات الاحتلال لتبرير المنع لا تضيف سوى الإهانة: أنّ الوفد يمكن أن يشجع سلطة محمود عباس على مزيد من الترويج لتأسيس دولة فلسطينية وكأنّ هذه الدول لا تقرّ أصلاً مبدأ حلّ الدولتين.
الهزيع الأخير من ليل اليوم ذاته شهد واقعة ثالثة في إغارة طائرات حربية إسرائيلية على أهداف في منطقة الساحل السوري شملت اللاذقية وطرطوس وأسفرت عن قتيل وعدد من الجرحى بذريعة استهداف مخازن أسلحة وصواريخ تهدد الملاحة الدولية وليس دولة الاحتلال وحدها. ولأنّ شهر أيار (مايو) الماضي شهد انخفاضاً ملحوظاً للغارات الإسرائيلية ضدّ العمق السوري في غمرة تقارير تحدثت عن مفاوضات غير مباشرة سورية ـ إسرائيلية بوساطة تركية وأذربيجانية فإنّ استئناف الاعتداءات في هذا التوقيت بالذات يبعث برسائل إلى دمشق وتركيا أوّلاً ثمّ إلى واشنطن تالياً لتفخيخ بعض تصريحات المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس بار حول اتفاقية عدم اعتداء بين سوريا ودولة الاحتلال.
ثلاث وقائع في يوم واحد إذن تشير كل واقعة منها إلى مدى العنجهية متعددة الأبعاد وحسّ تأثيم أقرب الأصدقاء والمناصرين والنزعة العدوانية التي يقتات عليها نتنياهو شخصياً ومنها تنطلق أجنداته الشخصية السياسية والقضائية. لكنها إلى هذا كله وسواه تفضح المدى الفاشي والعنصري والانعزالي الذي بلغته دولة الاحتلال سواء في العربدة الصريحة ضدّ الرئيس الفرنسي من زاوية استعادة الحروب الصليبية أو ضدّ دول فتحت عواصمها لسفارات إسرائيلية أو حتى ضدّ نهج سياسي ودبلوماسي واقتصادي أخذ يعتمده البيت الأبيض حول سوريا الجديدة.
اليوم الواحد هذا يبقى مع ذلك تحصيل حاصل منتظَر من هذا الكيان والأرجح أنّ القادم أكثر إفصاحاً وأشدّ فضحاً.
حقوق النشر © 2024 أخبار اليوم الجزائرية . ة

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

من التهديد الهاتفي إلى الرسائل السرية.. تفاصيل الحملة النفسية الإسرائيلية على النخبة الإيرانية
من التهديد الهاتفي إلى الرسائل السرية.. تفاصيل الحملة النفسية الإسرائيلية على النخبة الإيرانية

خبر للأنباء

timeمنذ 5 ساعات

  • خبر للأنباء

من التهديد الهاتفي إلى الرسائل السرية.. تفاصيل الحملة النفسية الإسرائيلية على النخبة الإيرانية

في أعقاب الموجة الأولى من الضربات الإسرائيلية على إيران، يوم 13 يونيو (حزيران)، التي أودت بحياة قادة عسكريين بارزين، وعدد من العلماء النوويين، أطلق عملاء استخبارات إسرائيليون حملةً سريةً تهدف إلى ترهيب كبار المسؤولين الإيرانيين، في محاولة لإرباك القيادة الإيرانية، وزعزعة استقرار النظام، بحسب ما نقلته «واشنطن بوست» عن 3 مصادر مطّلعة على العملية. ووفقاً للمصادر، أجرى عناصر يتحدَّثون الفارسية من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية اتصالات هاتفية مباشرة مع مسؤولين كبار في طهران، محذرين إياهم من أنهم سيكونون الهدف التالي، ما لم يتوقفوا عن دعم نظام المرشد علي خامنئي. وأفاد أحدهم بأنه تم التواصل مع أكثر من 20 شخصية رفيعة. وقد حصلت «واشنطن بوست» على تسجيل صوتي ونصٍّ مكتوب لإحدى هذه المكالمات، التي جرت في يوم بدء القصف الإسرائيلي نفسه، 13 يونيو. في هذه المكالمة، قال عميل إسرائيلي لجنرال إيراني بارز: «أنصحك الآن، لديك 12 ساعة للفرار مع زوجتك وطفلك. وإلا فأنت على قائمتنا الآن». ثم أضاف: «نحن أقرب إليك من وريدك. ضع هذا في ذهنك. الله يحفظك». طُلب من الجنرال، وهو عضو في «الحرس الثوري»، أن يُسجل مقطع فيديو يُعلن فيه تبرؤه من النظام خلال مهلة لا تتجاوز 12 ساعة. ردّ الجنرال قائلاً: «كيف أرسله إليكم؟» فقال العميل: «سأرسل لك معرف (تلغرام). أرسله هناك». من غير المعروف ما إذا كان هذا الفيديو قد تم تسجيله أو إرساله. ووفقاً لأحد المصادر، لا يزال الجنرال المعني على قيد الحياة، ويُعتقد أنه موجود داخل إيران. وذكر مصدر آخر أن الهدف من العملية لم يكن الاغتيال بقدر ما كان بث الخوف والتشويش في صفوف القيادة الإيرانية. جاءت هذه المكالمات في إطار حملة أوسع وصفتها الجهات الأمنية الإسرائيلية بأنها «مكملة للهجمات العسكرية» على منشآت نووية ومراكز تصنيع أسلحة ومنصات إطلاق صواريخ، حيث تم تفعيل خلايا استخبارات سرية، ومخابئ أسلحة تم تجهيزها مسبقاً داخل الأراضي الإيرانية، وبعضها كان خاملاً لأسابيع أو حتى أشهر. الهجوم الإسرائيلي على إيران أسفر في ساعاته الأولى عن مقتل شخصيات بارزة من الدائرة المقربة لخامنئي، إلى جانب قادة نوويين، في هجمات نفَّذتها طائرات مسيَّرة مفخخة، أو عبوات ناسفة فجَّرت مباني في وسط طهران، وفقاً لتقارير إسرائيلية وغربية، وتصريحات رسمية إيرانية. ولطالما أظهرت إسرائيل قدرتها على تنفيذ عمليات اغتيال دقيقة داخل طهران. ففي يوليو (تموز) الماضي، اغتالت إسماعيل هنية، زعيم حركة «حماس» عبر جهاز متفجر وُضع داخل دار الضيافة الرسمية، حيث كان يقيم في العاصمة الإيرانية. أما الحملة السرية لتخويف شخصيات إيرانية فلم تُستهدَف في الموجة الأولى من الضربات، فقد شاركت فيها أجهزة أمنية إسرائيلية عدة؛ بهدف بث الرعب في صفوف الطبقة القيادية من الدرجتين الثانية والثالثة، وفقاً لمصدرَين مطلعَين على العملية. في المقابل، قال مسؤولون أمنيون غربيون إنهم لم يرصدوا حتى الآن أي انشقاقات بين قادة الجيش الإيراني أو «الحرس الثوري». وذكر مصدر إسرائيلي أن بعض القادة تلقوا رسائل تحذيرية وُضعت تحت أبواب منازلهم، وآخرين تلقوا اتصالات مباشرة أو عبر زوجاتهم. «هم يعلمون جيداً أننا نراهم، وأن اختراقنا الاستخباراتي كامل»، قال المصدر. كما أشار مصدر مطلع إلى أن بعض هؤلاء القادة تلقوا اتصالات متكررة من الاستخبارات الإسرائيلية؛ ما أدّى إلى نشوء تواصل مستمر بين الطرفين.

طهران والكيان.. نهاية المواجهات وبداية المفاوضات
طهران والكيان.. نهاية المواجهات وبداية المفاوضات

الشروق

timeمنذ 21 ساعات

  • الشروق

طهران والكيان.. نهاية المواجهات وبداية المفاوضات

أعتقد أن وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بين إيران والكيان الصهيوني، سيصمد ليفسح المجال للمفاوضات التي لن تكون سلسة بالنظر إلى الوضع غير الطبيعي الذي سبّبته هذه المواجهات بعد الاعتداء المزدوج الإسرائيلي الأمريكي على إيران. وهناك مؤشرات كثيرة، تعزز هذه الفرضية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر. المؤشر الأول: هو أن الكيان الصهيوني لا يملك النفس الطويل، ولا يقوى على الصمود في حرب استنزاف طويلة الأمد، فطبيعة هذا الكيان -كما يدل عليه تاريخه- أنه كيان ينزع إلى الحروب الخاطفة والقصيرة كما أن طبيعة الشعب الإسرائيلي أنه شعب غير متعود وغير مستعد لأي ظروف غير عادية وهذا ما أشارت إليه كثير من التقارير الإخبارية المتواترة عن الحالة النفسية المتوترة لقطاع كبير من الإسرائيليين منذ بدء المواجهة بين طهران والكيان خاصة في حيفا وتل أبيب الكبرى، وكذا حالات الهجرة العالية خارج 'الأرض المحتلة' هروبا من جحيم الصواريخ والمسيَّرات الإيرانية التي باتت تطبع الحياة اليومية للإسرائيليين. وبالإضافة إلى ذلك، لم يعهد عن 'إسرائيل' أنها ثبتت في حرب من حروبها أمدا طويلا بما فيها تلك التي خاضتها ضد العرب التي لم تخرج منها إلا بلجوئها إلى حلفائها التقليديين. المؤشر الثاني : هو حالة الإنهاك الاقتصادي للكيان الصهيوني بسبب تكلفة الحرب وكذا جبهات المواجهة الكثيرة التي فتحتها إسرائيل في غزة ولبنان واليمن وسوريا والعراق وإيران. ويشير الخبراء الاقتصاديون في هذا الصدد إلى أن إسرائيل تتكبد خسارة اقتصادية مكلفة وأنها لا تقوى على الاستمرار على هذا النحو لأن ذلك من شأنه تحريك الجبهة الداخلية التي تشير الإحصاءات إلى أن النسبة الغالبة منها رافضة لمبدأ الحرب. المؤشر الثالث: هو أن دونالد ترمب ربما اقتنع أو أقنعه مستشاروه الأمنيون أخيرا بأن إقحام الولايات المتحدة الأمريكية في الصراع الإيراني الصهيوني سيعرّض القواعد والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط للخطر كما أنه يتعارض مع شعار دونالد ترامب 'أمريكا أولا'. وفي هذا السياق، ومن المفارقات التي تميز تصريحات ترامب قوله بعد الهجمة الصاروخية الإيرانية على القاعدة الأمريكية 'العديد' في قطر بأنه سيكون هناك وقف لإطلاق النار بين إيران وإسرائيل في ظرف أربع وعشرين ساعة والتي ستنهي مواجهات دامت اثني عشر يوما. لقد أعاد ترامب نشر ما قاله الاقتصادي 'جيفري ساكس' عن نتنياهو ومفاده أن هذا الأخير يعمل على جر الولايات المتحدة الأمريكية إلى حروب عبثية، كان هذا في وقت سابق قبل أن يخص ترامب نتنياهو بمعاملة خاصة بعد وصوله إلى البيت الأبيض وقبل أن يقتنع أخيرا بأن الإصغاء المستمر لنتنياهو والاستجابة لطلباته قد يضر بأمريكا وبه شخصيا ومن ثم فإن التخلص منه أو وقف التعاون معه على أقل تقدير بعد نهاية المواجهة بين إيران وإسرائيل يعد أولوية لا محيص عنها. ومما قاله ترامب في هذا الصدد والذي استغربه كثير من المحللين الاستراتيجيين: 'تم الاتفاق بشكل تام بين إسرائيل وإيران على أنه سيكون وقف إطلاق نار كامل وشامل في غضون ست ساعات'. إن وقف الحرب بهذه السرعة تماما كما بدأت، يعد على الأرجح وسيلة لجأ إليها ترامب لإنهاء حالة الإنهاك الذي تعانيه إسرائيل والبحث عن مخرج مشرِّف لها يبعد عنها من جهة شبح المواجهة الطويلة مع إيران، ويعيدها من جهة أخرى إلى الواجهة أو ينقذها من شبح الانهيار والخطر الوجودي الذي يهددها كما صرح بذلك مسؤولون في حكومة الكيان. لم يكن حتى أكثر المتفائلين من المحللين الاستراتيجيين أن تكون نهاية المواجهات بين إيران والكيان بهذه السرعة وخاصة بعد الضربات الإيرانية للقاعدة الأمريكية في 'العديد' بدولة قطر إذ صرح ترامب عقب ضرب المنشآت الحيوية في فوردو ونطنز وأصفهان بأن أي رد إيراني سيقابَل برد أمريكي أكثر إيلاما، فما الذي دفع ترامب للعدول عن هذا التهديد والجنوح إلى السلم بعد اجتماعه مع فريقه الأمني؟ لا نملك جوابا على هذا السؤال ولكن الأيام القادمة كفيلة بكشف التفاصيل والملابسات. ا لمؤشر الرابع: هوأن ترامب ربما شعر بحرج كبير بعد الاستهداف الإيراني لقاعدة 'العديد' في دولة قطر، وخاصة في ظل جهود الوساطة التي تقوم بها هذه الأخيرة لحل النزاعات بالطرق السلمية من دون اللجوء إلى القوة التي لن تزيد -باتفاق كل المحللين الاستراتيجيين- إلا في تفاقم الأوضاع واتساع رقعة الصراع. إن قطر مشهود لها بدورها المحوري والجوهري في الوساطة والبحث عن مخرج أو على الأقل عن متنفِّس للمعاناة الإنسانية في غزة وينبغي أن يعترف لها بهذا الدور الذي سيستمر بعد نهاية المواجهات بين إيران وطهران. أعتقد أن قطر وسيط مهم في عملية المفاوضات بغضّ النظر عن المعتدي والمعتدى عليه وينبغي تشجيعها على الاستمرار في هذا المسعى لا إقحامها في صراع ليست طرفا فيه. المؤشر الخامس: يبدو أن الفريق الأمني لدونالد ترامب قد انتهى بعد اجتماعه في خضم الهجمات الإيرانية على قاعدة 'العديد' إلى قناعة بأن الرد والرد المضاد لن يصنع السلام الذي ينشده ترامب بل سيفضي على النقيض من ذلك إلى حرب إقليمية وإلى صراع بين المعسكر الأمريكي الإسرائيلي والمعسكر الإيراني الروسي والصيني والباكستاني والكوري الشمالي ناهيك عن تدخل فصائل أخرى موالية لإيران على خط المواجهة، مما سيوسع دائرة الحرب وهو الأمر الذي لا يريده ترامب الذي صرّح أكثر من مرة بأنه جاء لصناعة السلام وليس لصناعة الحروب، ولو أن نظرته إلى السلام مثيرة للجدل؛ فهو لا يريد سلاما بالمعنى التقليدي المتعارف عليه، وهو القبول بمبدأ التنازلات المتبادلة بين الأطراف المتصارعة بل يريد سلاما من نوع آخر وهو 'سلام القوة'. المؤشر السادس: اعتقادنا بأن اقتناع ترامب وإسرائيل بأن الضربات الأمريكية الجوية الأخيرة المركزة على منشآت فوردو ونطنز وأصفهان كافية لإبعاد شبح السلاح النووي الإيراني وأنه لم يبق أمام ترامب بعد هذا الإنجاز الكبير – كما وصفه– إلا وقف الآلة الحربية وتفعيل الآلة الدبلوماسية لإقناع أتباعه وربما مناوئيه بأنه يعمل لصناعة السلام وليس لصناعة الحرب. إن أكبر هاجس لترامب هو خشيته من نجاح إيران في تخصيب اليورانيوم وهو ما يمهد الطريق –حسبه– لامتلاك إيران للقنبلة النووية، وما دام أن الضربات المركزة باستخدام طائرات بـي 2 الخارقة للتحصينات قد وفت بالغرض فإنه لا جدوى بعد ذلك من استمرار المواجهة بين إيران وإسرائيل. المؤشر السابع: يبدو أن ترامب قد أصغى أخيرا إلى نصائح بعض مستشاريه بأن نتنياهو يدفعه إلى المغامرة بالقوات الأمريكية لكسب حربه ضد إيران وتوظيفها كورقة لإسكات معارضيه وبقاء حكومته التي تواجه انتقادات لاذعة من بعض الأحزاب الإسرائيلية ومن الشارع الإسرائيلي وخاصة عائلات الأسرى الإسرائيليين التي تخرج في مسيرات شيه يومية للمطالبة بإعادة الأسرى ومحاسبة نتنياهو وتحميله وحكومته مسؤولية الحرب العبثية في غزة. إنني أؤكد مرة أخرى ما قلته في مقال سابق بـ'الشروق اليومي' بأن نهاية نتنياهو وشيكة وإن أول الغيث هو أن أول مظلة سيفقدها نتنياهو بعد نهاية المواجهة بين إيران والكيان هي مظلة ترامب. لقد أعاد ترامب نشر ما قاله الاقتصادي 'جيفري ساكس' عن نتنياهو ومفاده أن هذا الأخير يعمل على جر الولايات المتحدة الأمريكية إلى حروب عبثية، كان هذا في وقت سابق قبل أن يخص ترامب نتنياهو بمعاملة خاصة بعد وصوله إلى البيت الأبيض وقبل أن يقتنع أخيرا بأن الإصغاء المستمر لنتنياهو والاستجابة لطلباته قد يضر بأمريكا وبه شخصيا ومن ثم فإن التخلص منه أو وقف التعاون معه على أقل تقدير بعد نهاية المواجهة بين إيران وإسرائيل يعد أولوية لا محيص عنها.

كنيسة مار الياس: بين بطريرك غاضب و«مؤرّخ» هاوٍ
كنيسة مار الياس: بين بطريرك غاضب و«مؤرّخ» هاوٍ

إيطاليا تلغراف

timeمنذ يوم واحد

  • إيطاليا تلغراف

كنيسة مار الياس: بين بطريرك غاضب و«مؤرّخ» هاوٍ

صبحي حديدي نشر في 26 يونيو 2025 الساعة 22 و 58 دقيقة إيطاليا تلغراف صبحي حديدي كاتب وباحث سوري يقيم في باريس في 23 حزيران (يونيو) الجاري نشر «المؤرخ» السوري سامي مبيّض مقالة جزمت بأنّ التفجير الإرهابي الذي طال مؤخراً كنيسة مار الياس، في منطقة الدويلعة من العاصمة السورية دمشق، هو «الأوّل من نوعه منذ 1860»؛ أي منذ أحداث ما يُعرف باسم «طوشة النصارى» التي شهدت أعمال عنف دامية ضدّ المسيحيين في حي باب توما وبعض أرجاء حيّ القيمرية ذات الأغلبية المسيحية، فسقط عشرات الضحايا، وانتُهكت مقدسات وأماكن عبادة. وكان مبيّض قد أصدر، في سنة 2021، كتاباً حول تلك الفتنة، بعنوان «نكبة نصارى الشام أهل ذمة السلطنة وانتفاضة 1860»؛ وبالتالي لم يتردد في القفز على عملية كنيسة مار الياس الإرهابية، وأطلق الاستنتاج القاطع بأنّ ذلك الاستهداف كان الأوّل منذ «الطوشة». ليس هذا السلوك جديداً على «مؤرّخ» هاوٍ، كدّس مراراً سلسلة فاضحة من الأخطاء والحماقات عن التاريخ السوري؛ بعضها كان يتعمد تسطيح الأحداث والوقائع على نحو يجنّبه المساءلة، كما يقرّبه من نظام بشار الأسد، ومن مؤسسة «وثيقة وطن» التي كانت تديرها بثينة شعبان. وهو صاحب النماذج التالية من النبوءات: «في سوريا، لا أحد توقّع أنه سيأتي يوم يخرج فيه المتظاهرون إلى الشوارع، مطالبين بتغيير النظام، من وحي الربيع العربي في تونس، وليبيا، ومصر»؛ أو: «لا أحد تخيّل أنّ الدولة سوف تُجبَر، تحت ضغط المتظاهرين الغاضبين أنفسهم، إلى تغيير الدستور». فإذا تصفّح المرء كتابه «فولاذ وحرير: رجال ونساء صنعوا سوريا 1900 ـ 2000»، الذي صدر بالإنكليزية سنة 2006، فسيجد معلومات من هذا النوع، تُنقل هنا بالحرف تقريباً: ـ زكريا تامر روائي سوري، له 75 رواية (نعم، رواية!) وهو يُعتبر أبرز كتّاب أدب الأطفال في العالم العربي. ـ رياض الترك صاحب خطّ ماويّ، اختلف فيه مع خالد بكداش؛ واعتُقل سنة 1980 وأفرج عنه سنة 1998 بعد أن تعهّد بـ «ترك السياسة وقضاء ما تبقى من حياته في سلام وأمان». ـ بثينة شعبان في طليعة كتّاب وفناني سوريا الحديثة والمعاصرة. وبعد نشر مقالة مبيض، كان يوحنا العاشر يازجي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يؤبن ضحايا التفجير الإرهابي، فشدد بدوره على أن هذه المجزرة هي الأولى ضدّ المسيحيين منذ «طوشة الشام»، حسب تعبيره. وليس المرء واثقاً من أنّ غبطته استند على «المؤرّخ»، بالنظر إلى أسبقية تاريخ نشر مقالة الأخير؛ أو أنه يتبنى الصلة أصلاً، من دون حاجة إلى سند راهن. وفي الحالتين، تجاهل مبيض والبطريرك حقائق ساطعة، برهنت عليها أدلة دامغة، حول عشرات الحالات من استهداف الكنائس ودور العبادة المسيحية، ابتداءً من آذار (مارس) 2011: من جانب النظام أوّلاً (40 واقعة) والجماعات المتشددة (7) وتنظيم داعش (6) وجبهة النصرة (1) وفصائل في المعارضة المسلحة (14)… وكلّ هذا موثق بالتفاصيل في تقرير «الشبكة السورية لحقوق الإنسان». وإذا كان أمراً مألوفاً أنّ «المؤرّخ» لم ينبس ببنت شفة حول «تأريخ» تلك الوقائع العنفية بحقّ الكنائس، فما بالك باستنكارها أو ربطها بأي «طوشة» سابقة؛ فإنّ المستغرب، في المقابل، هو الصمت المطبق الذي التزمه البطريرك يازجي إزاء تلك الانتهاكات الصارخة بحقّ مواطنيه وأبناء رعيته ودور عبادتهم. فإذا كان الارتهان للسلطة لدى «المؤرّخ»، وما ترافق معه من تدوين براءات الذمة لجرائم النظام وأجهزته وجيشه، هما بعض السبب؛ فما الذي أعاق غبطته عن النطق بالحقيقة في وجه المعتدين، أجمعين، وأياً كانت هوياتهم السياسية والتنظيمية والعقائدية؟ ثمّ إذا صحّ، بالفعل، أن انطواء صفحة «الحركة التصحيحية» مكّن البطريرك اليوم من حقّ التعبير الصريح، أسوة بسائر أبناء سوريا الجديدة؛ أفلا يُنتظر منه، هو في مقام أوّل، أن يمارس هذا الحقّ كاملاً متكاملاً غير منقوص، فيشير إلى جرائم الماضي والحاضر معاً؟ ليست هذه السطور المقامَ المناسب لإعادة فتح ملفات «طوشة 1860»، سواء لجهة توصيفها الأقصى كاحتراب أهلي ضيّق النطاق وقصير الأمد؛ أو البحث في جذور الوقائع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبينها خلفيات صناعة الحرير (وكانت «ثقيلة» في تلك الأيام!)؛ وصلاتها المحتملة مع عزل بشير الثاني، واضطرار بعض مسيحيي المشرق إلى البحث عن راعٍ غربي فرنسي؛ وما إذا كانت كتابات بطرس البستاني، وفصول «نفير سوريا»، معينة على جلاء الكثير من الغموض والالتباس أو التحريف التلقائي… المقام، في المقابل، يستلزم المساجلة ضدّ الخلط المتعمد بين جريمة إرهابية، تمثّل عقلية جهادية إسلامية أصولية إرهابية، لا تغيب عن بواعثها كراهيةٌ ضمنية للآخر المختلف عموماً وللمسيحيين خصوصاً، في قطب أوّل؛ وبين تلميحات تجمع الغمغمة إلى الغمز إلى التلميح حول الجريمة ذاتها بوصفها غير مسبوقة إلا في سنة 1860، أو أنها تستهدف المكوّن المسيحي في قلب الاجتماع الوطني السوري، وتمهّد استطراداً لاحتراب أهلي، في قطب ثانٍ. للمرء أن يتفهم شيوع هذا الخلط على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث الحابل قرين النابل من دون أيّ ضوابط ومعايير تضمن تحكيم العقل والمسؤولية. بيد أنّ الأمر يختلف، وبالتالي يستوجب السجال والاعتراض والمناهضة، حين يشترك في إذكاء اللهيب «مؤرّخ» هاوٍ بائس، وبطريرك غاضب يتغافل عامداً عن جرائم سابقة كانت رعيته ضحية لها. وهذه سطور لا تزعم امتلاك أي طراز من المعطيات حول اتكاء البطريرك على «المؤرّخ»، بل لا ترى دلالة إضافية في النفي أو الإيجاب بصدد الصلة بين المقالة وخطبة التأبين؛ لأنّ الاتفاق على اقتباس «الطوشة» إياها بصدد الجريمة الإرهابية ضدّ كنيسة مار الياس الدمشقية، بعد 165 سنة وسياقات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وطائفية متغيّرة، جوهرياً في كثير منها؛ إنما ينتهي إلى الإضرار بالقراءة العقلية والوطنية للواقعة الثانية، وإعادة قراءة الواقعة الأولى على نحو شديد الاختزال وبالغ الأذى. وفي مناخات كهذه، قد لا يعدم المرء «قراءة» أخرى نسيج وحدها، كما يُقال، تفتح بوّابة منفلتة الحدود والأبعاد، وتفترض ما هو أبعد بكثير من اعتداء إرهابي همجي ضدّ مصلّين في كنيسة: أي إلى احتراب سوري أهلي/ أهلي، بين مسلمين ومسيحيين عموماً، بما يقبل استسهال التوسيع نحو حضور و/ أو غياب التنويعات داخل المكوّن الواحد (سنّي أساساً، أي ليس علوياً أو درزياً أو إسماعيلياً) في مواجهة مكوّن واحد (مسيحي أرثوذكسي أساساً، أي ليس كاثوليكياً أو بروتستانتياً)؛ وهنا درجة قصوى من خبط العشواء في قسر الاجتماع الوطني السوري داخل هندسة دينية ومذهبية افتراضية وصمّاء. مفهوم تماماً، بالطبع، أن تنطوي خطبة البطريرك على مشاعر شتى عاطفية، بينها الغضب والأسى والتفجع والترحّم؛ وغبطته محقّ في ملامة سلطات الأمر الواقع، فالرئيس الانتقالي مسؤول في المقام الأول عن انفلات الأمن في بلد يزعم أنه يقود انتقاله من عقلية الثورة/ الفصيل إلى عقلية الدولة/ المؤسسة. غير مفهوم، في المقابل، وهو بالتالي غير مفيد إذا لم يكن يُلحق الأذى، أن تستبطن الخطبةُ أيّ معنى فئوي في التحريض أو التحشيد؛ ليس بحقّ السلطة وحدها، وإلا لأمكن تفهّم النبرة، ولكن بحقّ اجتماع وطني سوري ظلّ المسيحيون فيه أبناء متساوين مع أشقاء لهم مسلمين، بصرف النظر عن الطوائف والمذاهب. هنا العتبى على غبطته، ومنها أيضاً يُستمدّ انعدام العتب على «مؤرّخ» هاوٍ ظلت نظرته إلى تاريخ بلده قاصرة حسيرة، محرَّفة ومحرِّفة؛ حولاء، باختصار، في كلّ حال ومآل. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف السابق فرص نجاح حكومة السودان الجديدة التالي هل باتت الظروف مهيأة للوصول إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة؟

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store