أحدث الأخبار مع #صبحيحديدي


إيطاليا تلغراف
منذ 19 ساعات
- سياسة
- إيطاليا تلغراف
كنيسة مار الياس: بين بطريرك غاضب و«مؤرّخ» هاوٍ
صبحي حديدي نشر في 26 يونيو 2025 الساعة 22 و 58 دقيقة إيطاليا تلغراف صبحي حديدي كاتب وباحث سوري يقيم في باريس في 23 حزيران (يونيو) الجاري نشر «المؤرخ» السوري سامي مبيّض مقالة جزمت بأنّ التفجير الإرهابي الذي طال مؤخراً كنيسة مار الياس، في منطقة الدويلعة من العاصمة السورية دمشق، هو «الأوّل من نوعه منذ 1860»؛ أي منذ أحداث ما يُعرف باسم «طوشة النصارى» التي شهدت أعمال عنف دامية ضدّ المسيحيين في حي باب توما وبعض أرجاء حيّ القيمرية ذات الأغلبية المسيحية، فسقط عشرات الضحايا، وانتُهكت مقدسات وأماكن عبادة. وكان مبيّض قد أصدر، في سنة 2021، كتاباً حول تلك الفتنة، بعنوان «نكبة نصارى الشام أهل ذمة السلطنة وانتفاضة 1860»؛ وبالتالي لم يتردد في القفز على عملية كنيسة مار الياس الإرهابية، وأطلق الاستنتاج القاطع بأنّ ذلك الاستهداف كان الأوّل منذ «الطوشة». ليس هذا السلوك جديداً على «مؤرّخ» هاوٍ، كدّس مراراً سلسلة فاضحة من الأخطاء والحماقات عن التاريخ السوري؛ بعضها كان يتعمد تسطيح الأحداث والوقائع على نحو يجنّبه المساءلة، كما يقرّبه من نظام بشار الأسد، ومن مؤسسة «وثيقة وطن» التي كانت تديرها بثينة شعبان. وهو صاحب النماذج التالية من النبوءات: «في سوريا، لا أحد توقّع أنه سيأتي يوم يخرج فيه المتظاهرون إلى الشوارع، مطالبين بتغيير النظام، من وحي الربيع العربي في تونس، وليبيا، ومصر»؛ أو: «لا أحد تخيّل أنّ الدولة سوف تُجبَر، تحت ضغط المتظاهرين الغاضبين أنفسهم، إلى تغيير الدستور». فإذا تصفّح المرء كتابه «فولاذ وحرير: رجال ونساء صنعوا سوريا 1900 ـ 2000»، الذي صدر بالإنكليزية سنة 2006، فسيجد معلومات من هذا النوع، تُنقل هنا بالحرف تقريباً: ـ زكريا تامر روائي سوري، له 75 رواية (نعم، رواية!) وهو يُعتبر أبرز كتّاب أدب الأطفال في العالم العربي. ـ رياض الترك صاحب خطّ ماويّ، اختلف فيه مع خالد بكداش؛ واعتُقل سنة 1980 وأفرج عنه سنة 1998 بعد أن تعهّد بـ «ترك السياسة وقضاء ما تبقى من حياته في سلام وأمان». ـ بثينة شعبان في طليعة كتّاب وفناني سوريا الحديثة والمعاصرة. وبعد نشر مقالة مبيض، كان يوحنا العاشر يازجي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يؤبن ضحايا التفجير الإرهابي، فشدد بدوره على أن هذه المجزرة هي الأولى ضدّ المسيحيين منذ «طوشة الشام»، حسب تعبيره. وليس المرء واثقاً من أنّ غبطته استند على «المؤرّخ»، بالنظر إلى أسبقية تاريخ نشر مقالة الأخير؛ أو أنه يتبنى الصلة أصلاً، من دون حاجة إلى سند راهن. وفي الحالتين، تجاهل مبيض والبطريرك حقائق ساطعة، برهنت عليها أدلة دامغة، حول عشرات الحالات من استهداف الكنائس ودور العبادة المسيحية، ابتداءً من آذار (مارس) 2011: من جانب النظام أوّلاً (40 واقعة) والجماعات المتشددة (7) وتنظيم داعش (6) وجبهة النصرة (1) وفصائل في المعارضة المسلحة (14)… وكلّ هذا موثق بالتفاصيل في تقرير «الشبكة السورية لحقوق الإنسان». وإذا كان أمراً مألوفاً أنّ «المؤرّخ» لم ينبس ببنت شفة حول «تأريخ» تلك الوقائع العنفية بحقّ الكنائس، فما بالك باستنكارها أو ربطها بأي «طوشة» سابقة؛ فإنّ المستغرب، في المقابل، هو الصمت المطبق الذي التزمه البطريرك يازجي إزاء تلك الانتهاكات الصارخة بحقّ مواطنيه وأبناء رعيته ودور عبادتهم. فإذا كان الارتهان للسلطة لدى «المؤرّخ»، وما ترافق معه من تدوين براءات الذمة لجرائم النظام وأجهزته وجيشه، هما بعض السبب؛ فما الذي أعاق غبطته عن النطق بالحقيقة في وجه المعتدين، أجمعين، وأياً كانت هوياتهم السياسية والتنظيمية والعقائدية؟ ثمّ إذا صحّ، بالفعل، أن انطواء صفحة «الحركة التصحيحية» مكّن البطريرك اليوم من حقّ التعبير الصريح، أسوة بسائر أبناء سوريا الجديدة؛ أفلا يُنتظر منه، هو في مقام أوّل، أن يمارس هذا الحقّ كاملاً متكاملاً غير منقوص، فيشير إلى جرائم الماضي والحاضر معاً؟ ليست هذه السطور المقامَ المناسب لإعادة فتح ملفات «طوشة 1860»، سواء لجهة توصيفها الأقصى كاحتراب أهلي ضيّق النطاق وقصير الأمد؛ أو البحث في جذور الوقائع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبينها خلفيات صناعة الحرير (وكانت «ثقيلة» في تلك الأيام!)؛ وصلاتها المحتملة مع عزل بشير الثاني، واضطرار بعض مسيحيي المشرق إلى البحث عن راعٍ غربي فرنسي؛ وما إذا كانت كتابات بطرس البستاني، وفصول «نفير سوريا»، معينة على جلاء الكثير من الغموض والالتباس أو التحريف التلقائي… المقام، في المقابل، يستلزم المساجلة ضدّ الخلط المتعمد بين جريمة إرهابية، تمثّل عقلية جهادية إسلامية أصولية إرهابية، لا تغيب عن بواعثها كراهيةٌ ضمنية للآخر المختلف عموماً وللمسيحيين خصوصاً، في قطب أوّل؛ وبين تلميحات تجمع الغمغمة إلى الغمز إلى التلميح حول الجريمة ذاتها بوصفها غير مسبوقة إلا في سنة 1860، أو أنها تستهدف المكوّن المسيحي في قلب الاجتماع الوطني السوري، وتمهّد استطراداً لاحتراب أهلي، في قطب ثانٍ. للمرء أن يتفهم شيوع هذا الخلط على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث الحابل قرين النابل من دون أيّ ضوابط ومعايير تضمن تحكيم العقل والمسؤولية. بيد أنّ الأمر يختلف، وبالتالي يستوجب السجال والاعتراض والمناهضة، حين يشترك في إذكاء اللهيب «مؤرّخ» هاوٍ بائس، وبطريرك غاضب يتغافل عامداً عن جرائم سابقة كانت رعيته ضحية لها. وهذه سطور لا تزعم امتلاك أي طراز من المعطيات حول اتكاء البطريرك على «المؤرّخ»، بل لا ترى دلالة إضافية في النفي أو الإيجاب بصدد الصلة بين المقالة وخطبة التأبين؛ لأنّ الاتفاق على اقتباس «الطوشة» إياها بصدد الجريمة الإرهابية ضدّ كنيسة مار الياس الدمشقية، بعد 165 سنة وسياقات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وطائفية متغيّرة، جوهرياً في كثير منها؛ إنما ينتهي إلى الإضرار بالقراءة العقلية والوطنية للواقعة الثانية، وإعادة قراءة الواقعة الأولى على نحو شديد الاختزال وبالغ الأذى. وفي مناخات كهذه، قد لا يعدم المرء «قراءة» أخرى نسيج وحدها، كما يُقال، تفتح بوّابة منفلتة الحدود والأبعاد، وتفترض ما هو أبعد بكثير من اعتداء إرهابي همجي ضدّ مصلّين في كنيسة: أي إلى احتراب سوري أهلي/ أهلي، بين مسلمين ومسيحيين عموماً، بما يقبل استسهال التوسيع نحو حضور و/ أو غياب التنويعات داخل المكوّن الواحد (سنّي أساساً، أي ليس علوياً أو درزياً أو إسماعيلياً) في مواجهة مكوّن واحد (مسيحي أرثوذكسي أساساً، أي ليس كاثوليكياً أو بروتستانتياً)؛ وهنا درجة قصوى من خبط العشواء في قسر الاجتماع الوطني السوري داخل هندسة دينية ومذهبية افتراضية وصمّاء. مفهوم تماماً، بالطبع، أن تنطوي خطبة البطريرك على مشاعر شتى عاطفية، بينها الغضب والأسى والتفجع والترحّم؛ وغبطته محقّ في ملامة سلطات الأمر الواقع، فالرئيس الانتقالي مسؤول في المقام الأول عن انفلات الأمن في بلد يزعم أنه يقود انتقاله من عقلية الثورة/ الفصيل إلى عقلية الدولة/ المؤسسة. غير مفهوم، في المقابل، وهو بالتالي غير مفيد إذا لم يكن يُلحق الأذى، أن تستبطن الخطبةُ أيّ معنى فئوي في التحريض أو التحشيد؛ ليس بحقّ السلطة وحدها، وإلا لأمكن تفهّم النبرة، ولكن بحقّ اجتماع وطني سوري ظلّ المسيحيون فيه أبناء متساوين مع أشقاء لهم مسلمين، بصرف النظر عن الطوائف والمذاهب. هنا العتبى على غبطته، ومنها أيضاً يُستمدّ انعدام العتب على «مؤرّخ» هاوٍ ظلت نظرته إلى تاريخ بلده قاصرة حسيرة، محرَّفة ومحرِّفة؛ حولاء، باختصار، في كلّ حال ومآل. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف السابق فرص نجاح حكومة السودان الجديدة التالي هل باتت الظروف مهيأة للوصول إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة؟


إيطاليا تلغراف
١٣-٠٦-٢٠٢٥
- سياسة
- إيطاليا تلغراف
فادي صقر: «سفّاح التضامن» أم «المقدّم النصيري»؟
صبحي حديدي نشر في 12 يونيو 2025 الساعة 22 و 52 دقيقة إيطاليا تلغراف صبحي حديدي كاتب وباحث سوري يقيم في باريس في مستوى أوّل من السجال حول شخصيات فادي مالك أحمد (أو فادي صقر لاحقاً، وراهناً) لا تُحسد سلطات أحمد الشرع الانتقالية على الورطة التي علقت بها بعد اتضاح منحها الأمن والأمان (ثمّ سلطة التوسط مع أبناء الطائفة العلوية، من حيّ عشّ الورور في دمشق، إلى بلدات قرفيص والدالة في أعالي جبال الساحل السوري). هذه، أغلب الظنّ، ورطة أخلاقية تمسّ ما قطعت «فصائل التحرير» من عهود وما أبرمت من عقود، ليس مع شخصيات تُحتسب على «فلول» النظام بمقادير مختلفة متفاوتة، فحسب؛ بل كذلك، وأولاً، مع شارع شعبي اقتنع، أو انطلت عليه بسهولة، مقولة أحمد الشرع بصدد الانتقال من عقلية الفصيل/ الثورة إلى عقلية الدولة/ القانون. لكنها، أيضاً واستطراداً، ورطة سياسية تخصّ عناوين مثل التسامح مع الماضي أو طيّ صفحته (على عجل، كما يتوجب التشديد)؛ وإدخال خصوم الماضي إلى صفوف الحاضر والمستقبل (ليس بأقلّ عجالة، أو حتى تعجلاً، هنا أيضاً)؛ واستفزاز الضمير الشعبي العريض، المثقل بالجراح الغائرة والمظالم الجائرة ومطالب إحقاق الحق. الورطة أمنية، إلى هذا، في ضوء تقارير شتى متقاطعة أشارت إلى أنّ أعدادا غير قليلة ممّن قاتلوا في صفوف فلول النظام، خلال تمرّد 8 و9 آذار (مارس) وما تخلله على الجانبين من أعمال قتل على الهوية الطائفية، كانوا يحملون في جيوبهم وثائق تسوية أوضاع مع سلطات الأمر الواقع، لم تمنعهم من حمل السلاح تحت راية مقداد فتيحة وأضرابه. وهي، ثالثاً، ورطة قانونية وحقوقية تتجاوز، بكثير وبعمق جزائي ومقاضاة واجبة، عموميات أمثال حسن صوفان ونور الدين البابا حول «السلم الأهلي»؛ لأنها، في خطأ فادح أوّل، تستفزّ الضمير الشعبي العريض، المثقل بجراح غائرة ومظالم جائرة ومطالب إحقاق حقّ وراءه ملايين المطالبين. منذا الذي، ابتداء من الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، مروراً بوزير الداخلية أنس خطاب وليس انتهاء بأيّ عضو عالي المهارات في «التفلسف» حول العفو والتسامح والمسالمة الأهلية؛ يملك، اليوم أو في غد قريب أو بعيد، مقدرة طمس الصفات الدامغة التي اقترنت بشخص صقر؟ مَن يطمس عن مظهره الراهن، المُعاد إنتاجه وتدويره وتحسينه، سلسلة الصور التالية، الراسخة في ضمائر ضحاياه وخصومه قبل أنصاره ومحازبيه: ـ أحد كبار قياديي ميليشيا «قوات الدفاع الوطني»، التي لم تكن بعيدة عن احتلال الصفة الأعنف والأشرس والأشدّ دموية في مساندة النظام، عن طريق ارتكاب المجازر الجماعية والفردية، وموالاة «الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» والميليشيات المذهبية العراقية تارة، أو موالاة القوات الروسية ومجموعات «فاغنر» تارة أخرى، في دير الزور كما في مخيم اليرموك، وفي القامشلي كما في حي حمص. 2 ـ المهندس، إذا لم يكن القائد الآمر، خلف سلسلة مجازر عُدّت «ممنهجة»، على ما في المفردة من بذاءة دلالية دموية، في حيّ التضامن الدمشقي خصوصاً، في سنة 2013، ولم تُفتَضح إلا بعد 9 سنوات حين كشفت تفاصيلها الوحشية صحيفة الـ»غارديان» البريطانية. 3 ـ «أمير الحرب» الذي اهتدى إلى الأشغال والأعمال والتجارة والنهب والفساد والإفساد، ومارسها وفقاً لأنساق شديدة الابتذال لم يكن لروائحها الكريهة إلا أن تزكم أنوف أسياده أنفسهم، وسيداته أنفسهنّ والحقّ يُقال؛ كما في ملفّ مجمّع الـ«بيغ فايف» الدمشقي، حين اضطرّ كبار تماسيح اللصوصية إلى إجراء الحدّ الأدنى من وضع الكمامات على الأنوف. 4 ـ فإذا كانت السلطة الانتقالية قد منحت صقر الأمن والأمان، فهل في وسعها التوسط له لدى البيت الأبيض والخزانة الفدرالية الأمريكية لرفع اسمه عن لائحة عقوبات، جمعته في الأصل مع أمثال لونا الشبل وعمار ساعاتي وآخرين من غاسلي دماء السوريين عن أيدي كبار مجرمي الحرب؟ وقد يتساءل متسائل، محقاً في درجات غير ضئيلة: ولكن… أليست هذه هي، بالضبط، الصفات التي منحت صقر موقعاً تفاوضياً، وامتيازاً خاصاً لدى بيئاته الاجتماعية والسياسية والمناطقية، ثمّ الطائفية تالياً، كي يحصل من سلطات الشرع الانتقالية على تفويض بالتوسط و«حقن الدماء»؛ حتى إذا كان الثمن مرافقة محافظ دمشق في تعزية ضحايا التصفيات الطائفية في عشّ الورور، أو قبلها التجوّل هنا وهناك في قرى الساحل السوري بهدف «تعزيز السلم الأهلي»، على نحو استعراضي فاقع ومسرحي هابط؟ نعم، بالطبع، من وجهة نظر السلطة الانتقالية الراهنة، قبل انطلاق معارك ّ»ردع العدوان» حيث يتردد اليوم كلام مثير عن التنسيق مع صقر وأمثاله، أو بعد سقوط النظام فجر 8 كانون الأول (ديسمبر) 2023، أو خلال وبعيد تمرّد الفلول ومجازر الساحل السوري مطلع آذار (مارس) الماضي. ولكن لا، بالطبع أيضاً، من وجهة نظر وطنية وسياسية واجتماعية وتاريخية لا تعتبر أبناء الطائفة العلوية، في غالبية عالية على الأقلّ، «مخابر تجريب» لدى قائد سابق في «قوات الدفاع الوطني»، استحقّ بالفعل لقب «سفاح التضامن»؛ لا لأي اعتبار آخر يسبق حقيقة وجود أبناء الطائفة العلوية في قلب المعمار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والوجداني السوري، ولهم بالتالي ما للآخرين من حقوق، وعليهم ما على الآخرين من واجبات مماثلة، وأفظع الحماقات سوف تكون زجّهم قسراً في قوالب مسبقة طائفية أو مناطقية. وهذه السطور نأت على الدوام عن توصيف النظام الذي شيّده آل الأسد بـ«العلوي»، لأنه ليس دقيقاً بالمعاني السياسية أو الاجتماعية أو الديمغرافية أو حتى الاصطلاحية المجردة، ولسبب جوهري أوّل هو أن مكونات النظام، سواء في الأجهزة الأمنية أو الجيش أو الحزب أو مجلس الوزراء أو الإدارات الكبرى، ضمّت السنّة والعلويين والدروز والإسماعيليين من الطوائف المسلمة، والكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت من المسيحيين. لا يصحّ، في المقابل، إغفال حيثية أنثروبولوجية ومذهبية في آن، ذات صلة بما تمنحه التعاليم النصيرية من تراتبية اجتماعية ــ دينية لشخصية الزعيم «الوليّ» أو القائد «المقدّم»، وما يرتبط بهما من مراتب أدنى تابعة مثل «الرؤساء» و«النقباء» و«النجباء» و«المخلصين» و«الممتَحنين». وفي العصور اللاحقة، بعد فترات الاضطهاد المملوكية والعثمانية، ثمّ خلال الانتداب الفرنسي (1921 ـ 1945) توطد التحالف بين «المقدّم» و«الشيخ»، كما في زعامات مثل جابر عباس زعيم عشيرة الخياطين، ومنافسه إبراهيم الكنج زعيم عشيرة الحدادين، ثمّ سليمان المرشد الذي جمع بين الزعيم العشائري والشيخ وناشر الخزعبلات حسب تقرير للمخابرات الفرنسية بتاريخ 30 يناير 1924. فإذا جاز الافتراض بأنّ فقهاء السلم الأهلي داخل السلطة الانتقالية يراهنون أيضاً على بُعد «المقدّم» في باطن شخصيات صقر المتعددة، التي تبدأ من مجرم الحرب ولا تنتهي عند تمساح النهب والفساد؛ فإنّ الخطأ هنا ليس جسيماً في مستوياته الحسابية كافة فحسب، بل هو إهانة لجراح تلك الأمّ التي تعرف الآن أنّ شقيقها قضى بأيدي عناصر سفاح اسمه فادي صقر، ولكنها تطالب بمعرفة مكان جثمانه، وتفرض على أمثال حسن صوفان ونور الدين البابا أن يجرّا المسامَح من أنفه كي يدلّ على القبر. ليس هذا المطلب تهويلاً درامياً إلا عند أولئك الذين ثاروا ضدّ نظام «الحركة التصحيحية»، وزعموا رِفْع راية الحقّ في وجه الباطل، ونفروا خفافاَ وثقالاً حسب سرديات لم تغب عنها الدراما العالية؛ لكنهم اليوم أكثر عرضة لاحتمال الإصابة بصمم أو خرس إزاء تظاهرات سارت بالأمس في شوارع سوريا، ترفع شعار «لا سلام مع الإفلات من العقاب»! السابق التفاوض الأمريكي الإيراني: أسبوع الحسم


أخبار اليوم الجزائرية
٠٣-٠٦-٢٠٢٥
- سياسة
- أخبار اليوم الجزائرية
دولة الاحتلال: 3 وقائع في نهار فاشي واحد
بقلم: صبحي حديدي ارتكب الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون جريمة نكراء في ناظر الساسة الإسرائيليين حين صرّح بأنّ الاعتراف بدولة فلسطينية ليس مجرد واجب أخلاقي بل هو مطلب سياسي فجاءه الردّ الفوري من وزارة خارجية الاحتلال: حرب ماكرون الصليبية ضدّ الدولة اليهودية تتواصل لأنه لا يوجد حصار أصلاً ولكنّ الحقائق لا تهمّ ماكرون و بدلاً من ممارسة الضغط على الجهاديين الإرهابيين يريد ماكرون مكافأتهم بدولة فلسطينية . للمرء أن يتساءل: هل الإشارة حقاً إلى ماكرون نفسه أحد أصدق أصدقاء دولة الاحتلال في فرنسا وأوروبا والعالم؟ أليس هذا هو ذاته الذي انخرط في الحجيج المبكر لقادة الغرب إلى مستوطنات غلاف غزّة للإعراب عن التضامن الأقصى غير المشروط مع الاحتلال؟ ألم يضع ماكرون بعض شروط قصوى متشددة في واقع الأمر قبيل اعتراف باريس بدولة فلسطينية بينها إطلاق سراح الرهائن ونزع سلاح حماس و عدم مشاركة الحركة في تسيير شؤون الدولة و إصلاح السلطة الفلسطينية والاعتراف من جانب الدولة المستقبلية بدولة الاحتلال و حقّها بالعيش في أمان و إنشاء بنية أمنية في كل المنطقة …؟ في واقعة ثانية خلال اليوم ذاته لجأت السلطات الإسرائيلية إلى منع وفد دبلوماسي عربي وإقليمي رفيع من دخول الضفة الغربية للاجتماع مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية كان مؤلفاً من وزراء خارجية مصر وقطر والسعودية والإمارات والأردن وتركيا وكأنّ ثلاثة من هؤلاء لا يمثلون دولاً تجمعها مع دولة الاحتلال اتفاقيات سلام أو تطبيع. أو كأنّ وجود وزير خارجية سعودي في زيارة إلى الضفة الغربية هي الأولى منذ 1967 ليست فرصة لتأكيد ما يتشدق به رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من تلميحات حول تغيير الشرق الأوسط ودنوّ التطبيع مع الرياض. وإلى جانب تأكيد سيطرة الاحتلال الفعلية على الأرض والأجواء (كان مقرراً للوفد أن يصل في حوّامة) والتذكير بأنّ السلام الإسرائيلي حسب اتفاقيات أوسلو لم يعد جديراً حتى بالحبر الذي كُتب به فإنّ الذريعة الذي استندت إليها سلطات الاحتلال لتبرير المنع لا تضيف سوى الإهانة: أنّ الوفد يمكن أن يشجع سلطة محمود عباس على مزيد من الترويج لتأسيس دولة فلسطينية وكأنّ هذه الدول لا تقرّ أصلاً مبدأ حلّ الدولتين. الهزيع الأخير من ليل اليوم ذاته شهد واقعة ثالثة في إغارة طائرات حربية إسرائيلية على أهداف في منطقة الساحل السوري شملت اللاذقية وطرطوس وأسفرت عن قتيل وعدد من الجرحى بذريعة استهداف مخازن أسلحة وصواريخ تهدد الملاحة الدولية وليس دولة الاحتلال وحدها. ولأنّ شهر أيار (مايو) الماضي شهد انخفاضاً ملحوظاً للغارات الإسرائيلية ضدّ العمق السوري في غمرة تقارير تحدثت عن مفاوضات غير مباشرة سورية ـ إسرائيلية بوساطة تركية وأذربيجانية فإنّ استئناف الاعتداءات في هذا التوقيت بالذات يبعث برسائل إلى دمشق وتركيا أوّلاً ثمّ إلى واشنطن تالياً لتفخيخ بعض تصريحات المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس بار حول اتفاقية عدم اعتداء بين سوريا ودولة الاحتلال. ثلاث وقائع في يوم واحد إذن تشير كل واقعة منها إلى مدى العنجهية متعددة الأبعاد وحسّ تأثيم أقرب الأصدقاء والمناصرين والنزعة العدوانية التي يقتات عليها نتنياهو شخصياً ومنها تنطلق أجنداته الشخصية السياسية والقضائية. لكنها إلى هذا كله وسواه تفضح المدى الفاشي والعنصري والانعزالي الذي بلغته دولة الاحتلال سواء في العربدة الصريحة ضدّ الرئيس الفرنسي من زاوية استعادة الحروب الصليبية أو ضدّ دول فتحت عواصمها لسفارات إسرائيلية أو حتى ضدّ نهج سياسي ودبلوماسي واقتصادي أخذ يعتمده البيت الأبيض حول سوريا الجديدة. اليوم الواحد هذا يبقى مع ذلك تحصيل حاصل منتظَر من هذا الكيان والأرجح أنّ القادم أكثر إفصاحاً وأشدّ فضحاً. حقوق النشر © 2024 أخبار اليوم الجزائرية . ة