logo
ماذا بعد الناتج الإجمالي؟

ماذا بعد الناتج الإجمالي؟

الشرق الأوسطمنذ 3 أيام
الناتج الإجمالي هو الرقم الأثير لدى الحكومات وصنّاع السياسات والمستثمرين، فهو المؤشر الذي يستخدم على نطاق واسع للحكم على صحة الاقتصاد، وتُبنى على أساسه الميزانيات، وتُقاس به الإنجازات الاقتصادية، وتُطلق على أساسه خطط النمو والازدهار، وهو المؤشر الذي يحتل العناوين، ويوجّه الرأي العام، كل ذلك لأنه ببساطة رقمٌ واحد، يمكن شرحه بسهولة متناهية، ويعطي انطباعاً عن النجاح أو الفشل، إلا أنه في النهاية يبقى رقماً واحداً، يعطي منظوراً أحادي الجهة، ولا يعكس أبعاداً كثيرة تهم الدول بل وتتمحور حولها توجهات العديد من الدول، فهو لا يعكس أهداف وتحديات التنمية المستدامة، ولا يقيس مدى التحول الرقمي، ولا العدالة المجتمعية وفوارق الدخل، فهل ما زال هذا المؤشر يتناسب مع العصر الحالي؟
عندما ظهر مفهوم الناتج المحلي الإجمالي في ثلاثينات القرن العشرين، كان العالم يغص بالكساد العظيم، وكان هذا المؤشر أداة طارئة لقياس نشاط الاقتصاد الكلي في وقت كانت قلة الأنشطة الاقتصادية مشكلة العالم، واستخدم لاحقاً خلال الحرب العالمية الثانية لتقدير الطاقة الإنتاجية للدول وتسخيرها في الحرب، وتبنّته بعد ذلك المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، ليصبح بعد ذلك المعيار القياسي لمقارنة اقتصادات الدول حتى وقتنا هذا، ولا شك أنه مفيد في قياس الحجم الاقتصادي، ولكنه قاصر في معايير جوهرية مثل الرفاه المعيشي وجودة الحياة وغيرها.
وهناك عدة أمثلة لوجوه القصور في مؤشر الناتج الإجمالي المحلي، فهو لا يأخذ في الحسبان التفاوت في توزيع الثروة، فقد يُظهر أن بعض الدول ذات ناتج قوميٍّ عالٍ، وهي دول تتسع فيها الفجوة بين الفقراء والأغنياء كما هو الحال في الهند، وقد يُظهر أن بعض الدول في نمو مطّرد، وهي تعاني من مشاكل هيكلية داخلية قد تعصف باقتصادها كما هو الحال مع الصين، وعلى الرغم من أن الصين بالفعل معجزة العصر الحالي بانتشال مئات الملايين من تحت خط الفقر، ويرتبط ذلك ارتباطاً وثيقاً بنمو الناتج الإجمالي، فإن هذا المؤشر لم يوضح الصورة بأكملها، ودلالة ذلك أن هذا المؤشر لم يأخذ في الحسبان أزمة القطاع العقاري الذي يمثل ربع الناتج الإجمالي الصيني على الأقل، وينطبق الأمر نفسه على الدول التي تشهد تدهوراً بيئياً أو انخفاضاً في الخدمات الصحية أو غيرها من الأمور الجوهرية.
وقد ظهرت مؤشرات عدة تعطي انطباعاً أكثر شمولية من الناتج الإجمالي مثل مؤشر التنمية البشرية الذي يجمع بين ثلاثة أبعاد وهي متوسط العمر المتوقع، ومستوى التعليم، ونصيب الفرد من الدخل القومي، ليعكس قدرة الإنسان على عيش حياة طويلة صحية مثمرة، كذلك مؤشر الحياة الفضلى الذي تبنّته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والذي ينظر في أحد عشر بُعداً للحياة منها جودة السكن والصحة والبيئة والعمل والمشاركة المجتمعية والتوازن بين الحياة الشخصية والمهنية، جميع هذه المؤشرات تبدو أكثر ملاءمة لإعطاء فكرة أشمل عن الدول، فلماذا لا يتم استخدامها على نطاق واسع؟
الواقع أن هذه المؤشرات البديلة غالباً ما تكون معقدة وصعبة القياس وتفتقر إلى التوافق الدولي في منهجياتها، وغالباً ما تتبنى العديد من الدول مؤشرات تناسب حيثياتها، ولا تناسب بكل حال دولاً أخرى، ويسبب ذلك صعوبة في المقارنة بين عبر الزمن أو بين الدول، كما يتطلب حساب بعض هذه المؤشرات توفر بيانات دقيقة عن المحتوى المحلي، ولا تمتلك العديد من الدول الإمكانات لتوفير هذه البيانات، وهي بعد ذلك كله، تحتاج إلى شرح، بعكس الناتج الإجمالي الذي يمتلك جاذبية لا تضاهى، رقم واحد سهل الفهم، وقابل للتداول إعلامياً، يسهل حسابه ويعطي مرونة في المقارنات التاريخية والجغرافية.
سيكمل مؤشر الناتج الإجمالي قرناً من الزمن بعد سنواتٍ قليلة، ولا يبدو أن هناك أي مؤشر قريب لمنافسته، ولا مجال للتشكيك بأهميته وقدرته على قياس حجم الأنشطة الاقتصادية، وقد كان كافياً خلال القرن الماضي لكنه قد لا يكون كذلك للعقود المقبلة، والتقدم الاقتصادي لا يقاس بعدد وحجم الأنشطة الاقتصادية فحسب، بل بجودتها وتنوعها ومناسبتها لتوجهات الدول، ولو كان هذا الرقم كافياً لما حرصت الدول على تنويع الاقتصاد، والتشجيع على العمل التطوعي، وتطوير التعليم، والارتقاء بالخدمات الصحية، والحفاظ على البيئة، كل ذلك لا يُقاس بالناتج الإجمالي، بل وبعضه لا ينعكس حتى عليه.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مختصان يوضحان لـ«عكاظ» أهداف وثمرات «برمجان المنورة»
مختصان يوضحان لـ«عكاظ» أهداف وثمرات «برمجان المنورة»

عكاظ

timeمنذ 40 دقائق

  • عكاظ

مختصان يوضحان لـ«عكاظ» أهداف وثمرات «برمجان المنورة»

‏كشف مختصون لـ«عكاظ» تفاصيل مبادرة ⁧‫«برمجان المنورة⁩» التي أطلقته إمارة منطقة ⁧‫المدينة. وطبقا للمختص في الأنشطة الاجتماعية والمبادرات المجتمعية الدكتور حميد الأحمدي، فإن المبادرة تمثل استكمالا للمبادرات السابقة التي نجحت إمارة المدينة في توسيع نطاق خدماتها للمواطنين والمقيمين من خلال مراكز الخدمة الشاملة الموزعة في المنطقة، وقدمت للمراجعين أقصى الخدمات في وقت زمن قياسي. والمبادرة منصّة تجمع المبدعين والمبتكرين، وتهدف إلى تعزيز التحول الرقمي ورفع كفاءة الأداء الحكومي. وأبرز الفئات المستهدفة الجهات الحكومية والمهنيين والمبتكرين والطلاب وحديثي التخرج، وأبرز مسارات المشاركة، المتابعة الذكية للخدمات والمرافق، وإثراء تجربة الزائر، والنقل الذكي والتنقل المستدام والرعاية الصحية، والتقنية البيئية، والبني التحتية الذكية. تطوير البرامج الرقمية من جانبه أوضح المستشار الإعلامي عبدالغني القش أن المبادرة تمثل امتدادا لتطوير البرامج الرقمية وتطويرها وفرصة للمبدعين والابتكار لإبراز إبداعاتهم في المجال الرقمي، خصوصا أنه سبق لبعض المبدعين إنشاء تطبيقات قيمة ذات جودة عالية وتمت الاستفادة منها بشكل كبير، والمبادرة سيكون لها مردود طيب على إنشاء برامج وتطبيقات نوعية يستفاد منها وتقدم خدمات نوعية. أخبار ذات صلة

ماسك يثني على ترمب: نجح في حلّ الصراعات الخطيرة
ماسك يثني على ترمب: نجح في حلّ الصراعات الخطيرة

عكاظ

timeمنذ 43 دقائق

  • عكاظ

ماسك يثني على ترمب: نجح في حلّ الصراعات الخطيرة

بعد نحو 24 ساعة من تصاعد «الحرب الكلامية» بينهما، نوه الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، اليوم (الأربعاء)، بالرئيس دونالد ترمب، مؤكداً أنه يستحق الثناء لحلّ الصراعات الخطيرة حول العالم. وكتب ماسك في منشور على منصة X، مُشاركاً صورةً لمنشور لترمب، الذي أعلن فيه أن إسرائيل وافقت على وقف العدوان على غزة لمدة 60 يوماً، وقال ماسك مشيراً بحديثه لترمب «يُنسب الفضل لمن يستحقه. لقد نجح دونالد ترمب في حلّ العديد من الصراعات الخطيرة حول العالم». وكان ترمب حذر، (الثلاثاء)، بأن الملياردير إيلون ماسك قد يخسر أكثر بكثير من دعم الحكومة للسيارات الكهربائية الذي سيُلغى إذا أصبح مشروع قانون الإعفاءات الضريبية وتخفيضات الإنفاق الضخم مفعلاً. وقال للصحفيين أثناء مغادرته البيت الأبيض في رحلة إلى فلوريدا: «قد نضطر إلى فرض ضريبة على إيلون». ويمتلك ماسك شركة سيارات كهربائية وشركة فضاء، ولديه عقود حكومية فيدرالية مربحة، قد تضرر بسبب الضريبة التي تحدث عنها ترمب في تصريحاته. وتأتي تصريحات ماسك بعد أن اشتعلت الخلافات بينهما مجدداً هذا الأسبوع، إذ تبادل الحليفان السياسيان السابقان تهديدات علنية حادة بالانتقام. وحسب صحيفة «غارديان»، يُنهي هذا الخلاف، الذي تمحور حول معارضة ماسك لمشروع قانون الضرائب الذي يحمل توقيع ترمب أثناء إقراره في الكونغرس، فترة من التقارب بين اثنين من أقوى رجال العالم. ونشر ماسك في السابق تغريدات صعّد خلالها على مشروع قانون الإنفاق الشامل لترمب على منصته الاجتماعية «إكس»، واصفاً التشريع بأنه «مجنون» ومتعهداً بتشكيل حزب سياسي جديد إذا أُقرّ القانون. ورداً على ذلك، لوح ترمب بأنه قد «ينظر» في ترحيل الملياردير المولود في جنوب أفريقيا، وهدد بخفض الدعم الحكومي لشركات ماسك أو يطلق مخالب ما يُسمى «إدارة كفاءة الحكومة» (دوج) على ماسك، الذي كان رئيسها السابق. وقال ترمب، «دوج هو الوحش الذي كان يديره ماسك، وقد تدور الدائرة ويعود لالتهام إيلون نفسه، ألن يكون ذلك فظيعًا؟». وكانت محاولة ماسك لعرقلة مشروع قانون الضرائب عاملاً رئيسياً في خلافه مع الرئيس الشهر الماضي، ويأتي هجوم الرئيس التنفيذي لشركة تسلا المتجدد في وقت حساس يسعى فيه ترمب إلى تمرير التشريع في الكونغرس. ورفض ترمب انتقادات ماسك لمشروع القانون، زاعماً أن معارضته تنبع من أنه سينهي الإعفاء الضريبي للمستهلكين الذين يشترون السيارات الكهربائية. وقال الرئيس الأمريكي الثلاثاء: «إيلون منزعج للغاية من إلغاء تفويض السيارات الكهربائية، ولكن لا يريد الجميع سيارة كهربائية، أنا نفسي لا أريد سيارة كهربائية». وعندما سأل أحد المراسلين ما إذا كان ترمب يفكر في ترحيل ماسك، أجاب بأنه لا يعرف ولكنه «سينظر في الأمر». ورد ماسك على مقطع فيديو للبيان على X قائلاً: «من المغري جدّاً تصعيد هذا الأمر، لكنني سأمتنع عن ذلك في الوقت الحالي». أخبار ذات صلة

السعودية والمغرب يرسمان خارطة طريق لتعزيز التجارة والاستثمار
السعودية والمغرب يرسمان خارطة طريق لتعزيز التجارة والاستثمار

الاقتصادية

timeمنذ 43 دقائق

  • الاقتصادية

السعودية والمغرب يرسمان خارطة طريق لتعزيز التجارة والاستثمار

تسعى السعودية والمغرب إلى زيادة التبادل التجاري وتعزيز تدفق الاستثمارات بالاستفادة من الفرص المتاحة، في ظل استعداد البلدين لاستضافة كأسي العالم 2030 و2034 على التوالي. تُحقق السعودية فائضاً تجارياً كبيراً مع المغرب بالنظر لحجم صادراتها من المنتجات البترولية، ويعمل الطرفان على تحقيق توازن في كفة التجارة بالدفع نحو زيادة وتنويع التجارة بشكل أكبر من خلال دراسة إطلاق خط بحري مباشر. عقد وفد من اتحاد الغرف التجارية السعودية، الممثل للقطاع الخاص، لقاءات مع أربع وزراء مغاربة أمس الثلاثاء في العاصمة الرباط، وكان إطلاق الخط البحري، وتقديم الفرص الاستثمارية في قطاعات الصناعة الغذائية والطاقة المتجددة والسياحة، ضمن أبرز ما طرحه الجانب السعودي على المسؤولين المغاربة، بحسب المحادثات التي حضرتها "الشرق". التبادل التجاري بين المغرب والسعودية بلغ التبادل التجاري بين البلدين العام الماضي نحو 26.4 مليار درهم مغربي (حوالي 3 مليارات دولار)، بزيادة سنوية 7.3%. وتمثل الواردات المغربية من السعودية حصة الأسد بنحو 24.8 مليار درهم، أغلبها منتجات بترولية، بينما لا تتجاوز صادرات الرباط 1.15 مليار درهم، بحسب بيانات حديثة لوزارة الصناعة والتجارة في المغرب. حسن معجب الحويزي، رئيس اتحاد الغرف التجارية السعودية، أشار إلى أن اللقاءات مع الوزراء المغاربة أسفرت عن الاتفاق على ضرورة تفعيل الخط البحري بين البلدين، وتشكيل فريق للعمل على ذلك الأسبوع القادم. وأضاف: "لدينا دعم حكومي من الجانبين السعودي والمغربي". واعتبر الحويزي في تصريح لـ"الشرق" أن "الخط البحري سيُمكن القطاع الخاص من القيام بدوره في تعزيز التبادل التجاري بين البلدين باعتبارهما اقتصادين قويين وبإمكانهما فتح شراكات في أسواق أخرى". بالإضافة إلى الخط البحري، أكد الجانبان على ضرورة الإسراع بتنفيذ فكرة استحداث صندوق مشترك لدعم الشركات المتوسطة والصغيرة للتصدير والاستثمار في البلدين بمشاركة بنوك محلية وإقليمية. وفقاً للأرقام الرسمية، يُقدر حجم استثمارات السعودية في المغرب بنحو 6 مليارات دولار، وتتركز أغلبها في قطاع الطاقة المتجددة، إلى جانب قطاع السياحة والرعاية الصحية والنسيج. وتعتبر "أكوا باور" أكبر شركة سعودية مستثمرة في المغرب وتشغل أكبر مشروع للطاقة الشمسية في البلاد. كأس العالم في المغرب والسعودية.. فرص كبيرة يوفر المغرب إمكانيات استثمارية مهمة لرجال الأعمال السعوديين، خصوصاً في قطاعات الصناعة والتجارة والبنية التحتية، بحسب رياض مزور، وزير الصناعة والتجارة في حديث لـ"الشرق". وأضاف أن البلاد منخرطة في مشاريع كبيرة عديدة استعداداً لاستضافة تظاهرات قارية وعالمية، على رأسها كأس العالم 2030 الذي يمثل فرصةً مهمةً للاستثمار السعودي. أبدى الوفد السعودي اهتماماً كبيراً بقطاع الصناعة الغذائية في ظل سعي السعودية لتحقيق الأمن الغذائي. كما تم بحث فرص زيادة الاستثمارات السعودية في الزراعة وتحلية مياه البحر وإنتاج الطاقات المتجددة. وطلب اتحاد الغرف التجارية السعودية إعفاءات جمركية لزيادة صادرات التمور إلى المغرب بالنظر للطلب الكبير عليها، والتي يتم استيرادها من دول أخرى. يُصدّر المغرب إلى السعودية سيارات سياحية ومستحضراتِ تجميل وسكر وحوامض وخضراوات، فيما يستورد المنتجات البترولية والبلاستيك والكبريت الخام والتمور والورق. ومن شأن إطلاق الخط البحري أن يزيد من تدفق التجارة بين البلدين وبلوغ مستهدف 5 مليارات دولار، كما صرح وزير الصناعة والتجارة المغربي رياض مزور في مقابلة سابقة مع "الشرق". وليد الرعينان، الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية السعودية، يرى أن "أرقام التجارة بين البلدين لا ترقى للطموحات ولا تستغل الإمكانيات المتواجدة في البلدين"، ونوّه في حديث لـ"الشرق" بأن تنظيم السعودية لـ"إكسبو 2030" وكأس العالم 2034، وقبله كأس العالم في المغرب عام 2030، يفتح مجالاً لفرص كبيرة للاستثمار في البلدين بقطاعات عديدة. للاستفادة من فورة مشاريع "رؤية 2030" السعودية، بدأت أولى الشركات المغربية دخول السوق السعودية، على رأسها شركة "أكديطال" التي تعتزم افتتاح مستشفى في الرياض. كما افتتحت "الأشغال العامة للبناء بالدار البيضاء" (TGCC)، أكبر شركة بناء في المغرب، فرعاً لها بهدف تطوير مشاريع مع مجموعة "نايف الراجحي الاستثمارية".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store