logo
27 عامًا على مكب الكفور "المؤقت" وسحابة الجنوب السّوداء

27 عامًا على مكب الكفور "المؤقت" وسحابة الجنوب السّوداء

المدنمنذ 6 ساعات

منذ حوِّلت قطعة الأرض العامّة في وادي الكفور عام 1998 إلى مكبٍّ يستقبل نفايات أربعٍ وثلاثين بلدة دفعةً واحدة، اكتسبت البلدة الجنوبيّة سمعةً سيئة بوصفها بؤرةً متعدّدة المصادر للتلوّث. جاء القرار يومها شرارةً أولى أرخت بظلِّها الثقيل على الوادي كلّه: فقد أنشئ المكبّ بلا بنيةٍ تحتيّة للمعالجة أو للطمر الصحّي، ومع مرور السنين تمدّدت مزاريب النفايات العشوائيّة، فتحوّل الحيّز الأخضر إلى تلالٍ من الفضلات. هذه الصورة فتحت الباب لاحقًا لسلسلةٍ لا تنتهي من الاحتجاجات وقرارات الإقفال وإعادة التشغيل، يرافقها سيلٌ من الوعود الرسميّة بـ"حلولٍ جذريّة" لم ينفّذ منها شيء. واليوم تعود الأزمة إلى الواجهة عبر تعليقات ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعيّ تتحدّث عن التلوّث الذي يسبِّبه المعمل للبيئة وللسكّان.
أزمة متناسلة
خلال العقد الأوّل بعد 1998 تدهور المشهد البيئيّ بصمتٍ نسبيّ، قبل أنّ ينتفض الأهالي لأوّل مرّة في 11 نيسان 2011. فقد شهدت بلدة الشرقيّة المجاورة اعتصامًا حاشدًا تحت شعار "الشعب يريد إسقاط المكبّ"، دشّن مرحلةً من الانتفاضات الشعبيّة الّتي كانت تتكرّر كلّما تفاقمت الروائح أو تصاعد الدخان. وبعد أقلّ من عام، في 21 آب 2012، برز تحرّكٌ داخل الكفور نفسها اتّهم البلدية بالتعاقد مع شركة ترمي النفايات فوق أراضٍ زراعيّة، ما كرّس شعورًا بأنّ الإدارات المحليّة باتت جزءًا من المشكلة لا من الحلّ. وفي 5 نيسان 2014 أعلن رسميًّا عن إنشاء "معمل النفايات للشقيف" في الكفور بغرض التسبيخ والفرز بدل الحرق، مع وعودٍ بتشجير محيطه "على الطريقة الأوروبيّة". غير أنّ المشروع ولد منقوصًا إذ أقيم بلا مطمرٍ نهائيّ للعوادم، فكان أشبه بترحيل للأزمة من مرحلةٍ إلى أخرى.
وبين عامي 2015 و2018 تعمّقت الأزمة بدل أنّ تنحسر. ففي 27 تشرين الثاني ثمّ في 21 من حزيران العامّ 2016، وافقت وزارة البيئة على دراسة الأثر البيئيّ لأوّل معملٍ لإحراق الإطارات تابع لآل تاج الدين، تلتها رخصةٌ من وزارة الصناعة، فشرعِنت منشأةٌ كانت قد افتتحت فعليًّا في العام 2013 وأقفلت ثمّ عادت إلى العمل عام 2019. هكذا دخل حرق الإطارات المشهد، مضافًا إلى جبلٍ متراكم من النفايات المنزليّة غير المفروزة. وفي 3 تموز 2018 كشفت تحقيقاتٌ صحافيّة ازدهار ما وصف بـ"تجارة النفايات" داخل المعمل تحت غطاء اتحاد بلديات الشقيف، من دون أيّ فرزٍ حقيقيّ؛ إذ كانت القمامة تباع وتشترى كما لو كانت سلعةً عادية، لا مكوّنًا سامًّا يهدّد التربة والمياه والهواء.
الانفجار الكبير
مع حلول 2019 انفجرت الأزمة على نحوٍ أشدّ حدّة. ففي 4 تشرين الأوّل أعيد فتح معمل الكفور استثنائيًّا بعد تكدّس النفايات في النبطية، رغم استمرار غياب مطمرٍ للعوادم. وفي 17 حزيران 2020 منع ناشطون من دخول المعمل أثناء محاولتهم توثيق مخالفاته، وسط اتهاماتٍ بالهيمنة السياسيّة وتراشقٍ للمسؤوليّات بين الوزارات والبلديات. ابتداءً من آب 2022 ظهر وجهٌ أشدّ قتامةً للأزمة: ثلاثة معامل لحرق الإطارات – الخنسا، وتاج الدين، وطهماز – بدأت تعمل بلا فلاتر، فتنفث كربونًا أسود سامًّا حتّى سمّى الأهالي الوادي "وادي الموت". وفي 24 آب 2023 كدّس معمل طهماز الإطارات وأحرقها ليلًا، مطلِقًا "السحابة السوداء" التي غطّت البلدة بطبقةٍ خانقة من الكربون، وثبّتت الصور والفيديوهات اللحظة على وسائل التواصل. ليعود ويتمّ إقفال المعامل الثلاثة بالشمع الأحمر، في شهر أيلول، لعدم مطابقتها المواصفات البيئيّة، لكنّ الإقفال كان شكليًّا.
وعود هشّة
في 5 شباط 2024 زار وزير البيئة ناصر ياسين النبطية معلنًا خطّةً لإعادة تشغيل المعمل "بعد صيانته" وإنشاء مطمرٍ صحّي في دير الزهراني، مع نقل وصاية المنشآت إلى وزارته. بدت الوعود جديدةً في صياغتها، قديمةً في سياقها؛ فالأهالي يسمعون مثلها منذ أكثر من عشرين عامًا. وما إن حلّ عام 2025 حتّى تجلّت هشاشتها: ففي 14 أيّار أكّدت بلدية الكفور استمرار طمر نفايات الكفور وتول والنبطية "بشكلٍ دوريّ"، وتقدّمت بشكوى جديدة ضدّ معمل طهماز. وقبل ذلك، في 20 كانون الثاني ، وثّقت دراسةٌ لـ CEOBS الأضرار البيئية الناجمة عن التصعيد العسكريّ بعد أكتوبر 2023، مشيرةً إلى احتمال تلوّث منشآت النفايات ومعامل الإطارات جنوبيّ لبنان، بما في ذلك محيط الكفور، بموادّ سامّة نتجت عن القصف والحرائق.
أصوات الأهالي
وسط هذه الدوّامة ترتفع أصوات السكان فتقدّم رواياتٍ لا تعكسها البيانات الرسميّة. تقول مريم عبيد، ابنة البلدة، لـ"المدن": "منذ عام 2016 ونحن نعاني مسألة الحرق. في 2023 عالجنا المشكلة المرتبطة بمصنع حرق الإطارات؛ فقد كان يحرق الإطارات يوميًّا وتسبّب في أزمة كبيرة في منطقة تسمّى الكفور. تجاوزنا تلك المشكلة، لكنّنا عدنا إلى قضية حرق النفايات". تشرح عبيد أنّ مجموعاتٍ تحرق الإطارات ليلًا في وادٍ يربط القرى لاستخراج الحديد والأسلاك، ثم تعود نهارًا لجمعها، وأنّ قرًى خالية من المطامر تلقي عبئها على الجار: "ينزلون النفايات ويضعونها في الوادي ثم يفتّتونها ويحرقونها… يبدأون الحرق بعد المغيب، وإذا لم يتمكّنوا عند المغيب يبدأونه ليلًا للتخلّص منها بلا نقلٍ أو طمرٍ نظاميّ". وتلفت إلى أنّ الكميّات ازدادت مع تزايد الكثافة السكانية والاستهلاك، وأنّ الخلافات الانتخابيّة – كما حدث في بلدية دير الزهراني – تستخدم أحيانًا كورقة ضغطٍ تشعل المطامر كلّها. وتختتم: "منذ 2016 إلى اليوم، كلّما حللنا مسألة عدنا إلى أخرى؛ وكلّها مرتبطة بحرق الإطارات والنفايات، ولذلك ارتفعت معدّلات السرطان والحساسيّة على نحوٍ مقلق".
أرقام مقلقة
ليس التوصيف الميدانيّ وحده ما يرسم مأساة الكفور؛ فالأرقام الخفيّة تزيد الشكوك. فقد سجّلت مستشفيات النبطية – وفق تقديرات جمعيّاتٍ محليّة – ارتفاعًا ملحوظًا في أمراض الربو والتحسّس منذ 2019، تاريخ تشغيل محرّقات الإطارات بمعايير سلامةٍ شبه معدومة. وفي غياب منظومة رصدٍ رسميّة، يعتمد السكان على ما تلتقطه حواسّهم من روائح خانقة، أو ما يلمسونه في أجسادهم من أوجاعٍ وصفير. هكذا تتعاظم تراكميّة التلوّث: فكلّ "حلّ" يقدّم –من فرزٍ أو حرقٍ أو مطمر– يأتي منقوصًا أو بلا رقابة، فيتحوّل سريعًا إلى مصدر تلويثٍ إضافيّ. أمّا التشريعات فموجودةٌ نظريًّا؛ قرارات الإقفال صدرت منذ 2021، لكنّ المعامل ظلّت تعمل بغطاءٍ سياسيّ أو بلديّ، فيما توصيات لجان الأثر البيئيّ تراوح مكانها.
المعضلة إذًا ليست في غياب حلولٍ تقنيّة، بل في العجز المستمرّ عن تطبيقها. يرى خبراء محلّيون أنّ المنطقة يمكن أن تستفيد من إنشاء محطة معالجة حراريّة متكاملة مزوّدة بفلترةٍ مطابقة للمواصفات الأوروبيّة، على أن يربط تشغيلها بفرزٍ من المصدر يوفّر سمادًا وموادّ عضويّة تشترى بعقودٍ شفّافة. وبينما تبدو هذه الاقتراحات بديهيّةً في دولٍ أخرى، تبدو في الكفور تحدّيًا سياسيًّا أكثر منه تقنيًّا.
على مدى سبعةٍ وعشرين عامًا تحوّل مكبٌّ صغيرٌ على أرضٍ عامّة إلى "سحابةٍ سوداء" تظلِّل سماء الجنوب. التسلسل الزمنيّ الطويل يثبت أنّ الأزمة ولدت بلديّة، وترعرعت وزاريّة، وتضخّمت حين أوكِل أمر البيئة إلى التجاذبات والتحالفات. وما دامت المعايير الصحيّة تقرأ بعيون السياسة المُحايدة والّتي لا تهتم بالأثر البيئيّ، ستظلّ الكفور – ومعها بلدات الجنوب – رهينة معادلةٍ تقايِض الهواء النظيف بمكسبٍ آنيّ، وترهن الصحّة العامّة لمحرقةٍ مستمرّة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

27 عامًا على مكب الكفور "المؤقت" وسحابة الجنوب السّوداء
27 عامًا على مكب الكفور "المؤقت" وسحابة الجنوب السّوداء

المدن

timeمنذ 6 ساعات

  • المدن

27 عامًا على مكب الكفور "المؤقت" وسحابة الجنوب السّوداء

منذ حوِّلت قطعة الأرض العامّة في وادي الكفور عام 1998 إلى مكبٍّ يستقبل نفايات أربعٍ وثلاثين بلدة دفعةً واحدة، اكتسبت البلدة الجنوبيّة سمعةً سيئة بوصفها بؤرةً متعدّدة المصادر للتلوّث. جاء القرار يومها شرارةً أولى أرخت بظلِّها الثقيل على الوادي كلّه: فقد أنشئ المكبّ بلا بنيةٍ تحتيّة للمعالجة أو للطمر الصحّي، ومع مرور السنين تمدّدت مزاريب النفايات العشوائيّة، فتحوّل الحيّز الأخضر إلى تلالٍ من الفضلات. هذه الصورة فتحت الباب لاحقًا لسلسلةٍ لا تنتهي من الاحتجاجات وقرارات الإقفال وإعادة التشغيل، يرافقها سيلٌ من الوعود الرسميّة بـ"حلولٍ جذريّة" لم ينفّذ منها شيء. واليوم تعود الأزمة إلى الواجهة عبر تعليقات ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعيّ تتحدّث عن التلوّث الذي يسبِّبه المعمل للبيئة وللسكّان. أزمة متناسلة خلال العقد الأوّل بعد 1998 تدهور المشهد البيئيّ بصمتٍ نسبيّ، قبل أنّ ينتفض الأهالي لأوّل مرّة في 11 نيسان 2011. فقد شهدت بلدة الشرقيّة المجاورة اعتصامًا حاشدًا تحت شعار "الشعب يريد إسقاط المكبّ"، دشّن مرحلةً من الانتفاضات الشعبيّة الّتي كانت تتكرّر كلّما تفاقمت الروائح أو تصاعد الدخان. وبعد أقلّ من عام، في 21 آب 2012، برز تحرّكٌ داخل الكفور نفسها اتّهم البلدية بالتعاقد مع شركة ترمي النفايات فوق أراضٍ زراعيّة، ما كرّس شعورًا بأنّ الإدارات المحليّة باتت جزءًا من المشكلة لا من الحلّ. وفي 5 نيسان 2014 أعلن رسميًّا عن إنشاء "معمل النفايات للشقيف" في الكفور بغرض التسبيخ والفرز بدل الحرق، مع وعودٍ بتشجير محيطه "على الطريقة الأوروبيّة". غير أنّ المشروع ولد منقوصًا إذ أقيم بلا مطمرٍ نهائيّ للعوادم، فكان أشبه بترحيل للأزمة من مرحلةٍ إلى أخرى. وبين عامي 2015 و2018 تعمّقت الأزمة بدل أنّ تنحسر. ففي 27 تشرين الثاني ثمّ في 21 من حزيران العامّ 2016، وافقت وزارة البيئة على دراسة الأثر البيئيّ لأوّل معملٍ لإحراق الإطارات تابع لآل تاج الدين، تلتها رخصةٌ من وزارة الصناعة، فشرعِنت منشأةٌ كانت قد افتتحت فعليًّا في العام 2013 وأقفلت ثمّ عادت إلى العمل عام 2019. هكذا دخل حرق الإطارات المشهد، مضافًا إلى جبلٍ متراكم من النفايات المنزليّة غير المفروزة. وفي 3 تموز 2018 كشفت تحقيقاتٌ صحافيّة ازدهار ما وصف بـ"تجارة النفايات" داخل المعمل تحت غطاء اتحاد بلديات الشقيف، من دون أيّ فرزٍ حقيقيّ؛ إذ كانت القمامة تباع وتشترى كما لو كانت سلعةً عادية، لا مكوّنًا سامًّا يهدّد التربة والمياه والهواء. الانفجار الكبير مع حلول 2019 انفجرت الأزمة على نحوٍ أشدّ حدّة. ففي 4 تشرين الأوّل أعيد فتح معمل الكفور استثنائيًّا بعد تكدّس النفايات في النبطية، رغم استمرار غياب مطمرٍ للعوادم. وفي 17 حزيران 2020 منع ناشطون من دخول المعمل أثناء محاولتهم توثيق مخالفاته، وسط اتهاماتٍ بالهيمنة السياسيّة وتراشقٍ للمسؤوليّات بين الوزارات والبلديات. ابتداءً من آب 2022 ظهر وجهٌ أشدّ قتامةً للأزمة: ثلاثة معامل لحرق الإطارات – الخنسا، وتاج الدين، وطهماز – بدأت تعمل بلا فلاتر، فتنفث كربونًا أسود سامًّا حتّى سمّى الأهالي الوادي "وادي الموت". وفي 24 آب 2023 كدّس معمل طهماز الإطارات وأحرقها ليلًا، مطلِقًا "السحابة السوداء" التي غطّت البلدة بطبقةٍ خانقة من الكربون، وثبّتت الصور والفيديوهات اللحظة على وسائل التواصل. ليعود ويتمّ إقفال المعامل الثلاثة بالشمع الأحمر، في شهر أيلول، لعدم مطابقتها المواصفات البيئيّة، لكنّ الإقفال كان شكليًّا. وعود هشّة في 5 شباط 2024 زار وزير البيئة ناصر ياسين النبطية معلنًا خطّةً لإعادة تشغيل المعمل "بعد صيانته" وإنشاء مطمرٍ صحّي في دير الزهراني، مع نقل وصاية المنشآت إلى وزارته. بدت الوعود جديدةً في صياغتها، قديمةً في سياقها؛ فالأهالي يسمعون مثلها منذ أكثر من عشرين عامًا. وما إن حلّ عام 2025 حتّى تجلّت هشاشتها: ففي 14 أيّار أكّدت بلدية الكفور استمرار طمر نفايات الكفور وتول والنبطية "بشكلٍ دوريّ"، وتقدّمت بشكوى جديدة ضدّ معمل طهماز. وقبل ذلك، في 20 كانون الثاني ، وثّقت دراسةٌ لـ CEOBS الأضرار البيئية الناجمة عن التصعيد العسكريّ بعد أكتوبر 2023، مشيرةً إلى احتمال تلوّث منشآت النفايات ومعامل الإطارات جنوبيّ لبنان، بما في ذلك محيط الكفور، بموادّ سامّة نتجت عن القصف والحرائق. أصوات الأهالي وسط هذه الدوّامة ترتفع أصوات السكان فتقدّم رواياتٍ لا تعكسها البيانات الرسميّة. تقول مريم عبيد، ابنة البلدة، لـ"المدن": "منذ عام 2016 ونحن نعاني مسألة الحرق. في 2023 عالجنا المشكلة المرتبطة بمصنع حرق الإطارات؛ فقد كان يحرق الإطارات يوميًّا وتسبّب في أزمة كبيرة في منطقة تسمّى الكفور. تجاوزنا تلك المشكلة، لكنّنا عدنا إلى قضية حرق النفايات". تشرح عبيد أنّ مجموعاتٍ تحرق الإطارات ليلًا في وادٍ يربط القرى لاستخراج الحديد والأسلاك، ثم تعود نهارًا لجمعها، وأنّ قرًى خالية من المطامر تلقي عبئها على الجار: "ينزلون النفايات ويضعونها في الوادي ثم يفتّتونها ويحرقونها… يبدأون الحرق بعد المغيب، وإذا لم يتمكّنوا عند المغيب يبدأونه ليلًا للتخلّص منها بلا نقلٍ أو طمرٍ نظاميّ". وتلفت إلى أنّ الكميّات ازدادت مع تزايد الكثافة السكانية والاستهلاك، وأنّ الخلافات الانتخابيّة – كما حدث في بلدية دير الزهراني – تستخدم أحيانًا كورقة ضغطٍ تشعل المطامر كلّها. وتختتم: "منذ 2016 إلى اليوم، كلّما حللنا مسألة عدنا إلى أخرى؛ وكلّها مرتبطة بحرق الإطارات والنفايات، ولذلك ارتفعت معدّلات السرطان والحساسيّة على نحوٍ مقلق". أرقام مقلقة ليس التوصيف الميدانيّ وحده ما يرسم مأساة الكفور؛ فالأرقام الخفيّة تزيد الشكوك. فقد سجّلت مستشفيات النبطية – وفق تقديرات جمعيّاتٍ محليّة – ارتفاعًا ملحوظًا في أمراض الربو والتحسّس منذ 2019، تاريخ تشغيل محرّقات الإطارات بمعايير سلامةٍ شبه معدومة. وفي غياب منظومة رصدٍ رسميّة، يعتمد السكان على ما تلتقطه حواسّهم من روائح خانقة، أو ما يلمسونه في أجسادهم من أوجاعٍ وصفير. هكذا تتعاظم تراكميّة التلوّث: فكلّ "حلّ" يقدّم –من فرزٍ أو حرقٍ أو مطمر– يأتي منقوصًا أو بلا رقابة، فيتحوّل سريعًا إلى مصدر تلويثٍ إضافيّ. أمّا التشريعات فموجودةٌ نظريًّا؛ قرارات الإقفال صدرت منذ 2021، لكنّ المعامل ظلّت تعمل بغطاءٍ سياسيّ أو بلديّ، فيما توصيات لجان الأثر البيئيّ تراوح مكانها. المعضلة إذًا ليست في غياب حلولٍ تقنيّة، بل في العجز المستمرّ عن تطبيقها. يرى خبراء محلّيون أنّ المنطقة يمكن أن تستفيد من إنشاء محطة معالجة حراريّة متكاملة مزوّدة بفلترةٍ مطابقة للمواصفات الأوروبيّة، على أن يربط تشغيلها بفرزٍ من المصدر يوفّر سمادًا وموادّ عضويّة تشترى بعقودٍ شفّافة. وبينما تبدو هذه الاقتراحات بديهيّةً في دولٍ أخرى، تبدو في الكفور تحدّيًا سياسيًّا أكثر منه تقنيًّا. على مدى سبعةٍ وعشرين عامًا تحوّل مكبٌّ صغيرٌ على أرضٍ عامّة إلى "سحابةٍ سوداء" تظلِّل سماء الجنوب. التسلسل الزمنيّ الطويل يثبت أنّ الأزمة ولدت بلديّة، وترعرعت وزاريّة، وتضخّمت حين أوكِل أمر البيئة إلى التجاذبات والتحالفات. وما دامت المعايير الصحيّة تقرأ بعيون السياسة المُحايدة والّتي لا تهتم بالأثر البيئيّ، ستظلّ الكفور – ومعها بلدات الجنوب – رهينة معادلةٍ تقايِض الهواء النظيف بمكسبٍ آنيّ، وترهن الصحّة العامّة لمحرقةٍ مستمرّة.

وزير روسي: قطاع الطاقة يواجه تحديات خطيرة تتطلب مسؤولية مشتركة
وزير روسي: قطاع الطاقة يواجه تحديات خطيرة تتطلب مسؤولية مشتركة

صدى البلد

timeمنذ يوم واحد

  • صدى البلد

وزير روسي: قطاع الطاقة يواجه تحديات خطيرة تتطلب مسؤولية مشتركة

أكد وزير الطاقة الروسي سيرجي تسيفيليف، أن التحول الجاري في مجال الطاقة سيكون له تأثير بالغ على اقتصادات الدول، وعلى مستوى المعيشة لشعوبها. وقال في تصريحات لقناة ' القاهرة الإخبارية '، :" قطاع الطاقة العالمي يشهد تغيّرات خطيرة وتحديات متسارعة، في ظل تنامي الطلب على الكهرباء وانتشار التقنيات الحديثة، موضحًا، أن هذا التحول لا يقتصر فقط على الإنتاج، بل يشمل كامل سلسلة الطاقة الأولية، مما يحتم على الجميع مسؤولية كبرى في توجيه هذا القطاع نحو تنمية مستدامة تخدم الأجيال القادمة. وتابع: "نحن نؤمن بأن مسؤوليتنا اليوم ليست فقط اقتصادية أو بيئية، بل هي مسؤولية تجاه مستقبل أبنائنا وأحفادنا"، موضحًا، أن هذا ما يدفع روسيا للعمل حاليًا على ترسيخ المبادئ الأساسية التي ستُبنى عليها طاقة المستقبل. وشدد وزير الطاقة الروسي على أن طاقة المستقبل يجب أن تقوم على مبدأ العدالة، منتقدًا الاقتصار على معايير ضيقة مثل مكافحة انبعاثات الكربون أو التوسع المتسارع في الطاقة المتجددة بمعزل عن الواقع المحلي لكل دولة، لافتًا، إلى إن لكل دولة خصوصية في مستوى المعيشة والتقدم التكنولوجي، ولهذا يجب تطوير أنظمة طاقة تتوافق مع هذه الخصائص، مع ضمان توافر الطاقة للمواطنين والصناعات بأسعار مناسبة. وأوضح أن العدالة الطاقوية لا تعني فقط توفير الكهرباء، بل أن تكون بأسعار يمكن للجميع تحمّلها، وأن تتيح فرصًا لتطور الاقتصاد ورفع مستوى المعيشة، دون الإضرار بالبيئة: "الطاقة العادلة تُبنى على مزيج من العوامل البيئية، والتقنية، والاجتماعية، ويجب تنفيذها بشكل خاص يناسب ظروف كل دولة على حدة".

مجلس النواب يقرّ الاثنين اعتماداً بـ16 ألف مليار ليرة... الزيادة للعسكريين تُدفع بدءاً من أول آب عن شهرين
مجلس النواب يقرّ الاثنين اعتماداً بـ16 ألف مليار ليرة... الزيادة للعسكريين تُدفع بدءاً من أول آب عن شهرين

النهار

timeمنذ 2 أيام

  • النهار

مجلس النواب يقرّ الاثنين اعتماداً بـ16 ألف مليار ليرة... الزيادة للعسكريين تُدفع بدءاً من أول آب عن شهرين

برغم "القلة" في السيولة، وشحّ الواردات، استطاعت الحكومة تمرير زيادة مقطوعة للعسكريين ومتقاعديهم، تساعد، على هزالتها، في تصحيح بعض الخلل في أجور القوى الأمنية والعسكرية التي تتزايد وتتعاظم مهماتها ومسؤولياتها الوطنية يوماً بعد يوم، وفي رواتب المتقاعدين العسكريين الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الدولة. فبعدما أقر مجلس الوزراء مشروع قانون يقضي بإعطاء منحة مالية شهرية للعسكريين بالخدمة الفعلية (14 مليون ليرة شهرياً) وللمتقاعدين العسكريين (12 مليون ليرة شهرياً)، يعقد مجلس النواب جلسة تشريعية عامة الاثنين المقبل لإقراره وفتح اعتماد بقيمة 16 ألف مليار ليرة ، أي ما يعادل نحو 180 مليون دولار، لتغطية كلفة الزيادة المقررة للعسكريين، بدءاً من شهر تموز حتى نهاية السنة. وفيما تقتصر الزيادة حالياً على العسكريين، يطالب بعض النواب بتوسيعها لتشمل المدنيين، خصوصاً المتقاعدين منهم. وتالياً بات على الحكومة والمجلس النيابي، توسيع مروحة المستفيدين من الزيادة، وضخ المزيد من السيولة في جيب ما يعادل 280 ألفاً من العسكريين والمتقاعدين في مختلف الأسلاك والأجهزة، ومتقاعدي الإدارة العامة، درءاً للحراكات الشعبية من جهة، ورفعاً لبعض الغبن الذي طال العاملين في القطاع العام، علماً بأن المدنيين ينقسمون إلى فئات بحسب مواقعهم الوظيفية، إذ يتقاضى البعض 10 ملايين ليرة، فيما يتقاضى المديرون العامون ما بين 20 و22 مليوناً. وفق مصادر متابعة فإن "الزيادات ستُدفع بالدولار، ولا مشكلة في ذلك مع مصرف لبنان خصوصاً أن الزيادة ستتم تغطيتها كاملة بإيرادات جديدة. ولكن صرفها لن يكون في بداية تموز، بل يُتوقع أن تُسدّد دفعتان عن شهري تموز وآب في أول آب". لكن وصفة صندوق النقد الدولي بأن "لا زيادة من دون تغطية" التي تلتزمها الحكومة ووزارة المال، تدفع إلى التساؤل عن المصدر الذي ستعتمده الحكومة في تغطية هذه الزيادات، خصوصاً بعدما تآكلت نسبياً الزيادة التي أقرّتها الحكومة على البنزين والمازوت، بعد الارتفاع الكبير في أسعار النفط عالمياً. ولكن المصادر عينها أكدت أن قرار إخضاع مادتي البنزين والمازوت لرسم استهلاك داخلي مقطوع إضافي فُرض بطريقة غير مباشرة، بحيث أضيف مبلغ 175 ألف ليرة على صفيحة المازوت و100 ألف على صفيحة البنزين، وتالياً قد تؤمن المبالغ المطلوبة لتغطية النفقات، حتى لو شُمل المتقاعدون المدنيون لاحقاً". الميزة الأهم لهذه الآلية برأي المصادر، أنها "تحقق تحصيلاً سريعاً وتغطي كامل الزيادات حتى في حال شمول المتقاعدين المدنيين، بما يتيح للدولة ضبط نفقاتها خارج الموازنة، علماً بأن "المازوت لم يكن يخضع لأي ضريبة أو رسم جمركي أو رسم استهلاك، بعكس ما هو معمول به عالمياً، إذ لا يوجد بلد لا يفرض ضرائب على المازوت، نظراً لأضراره البيئية والصحّية، فيما المعروف أن ثمة "ضريبة عالمية تُعرف بضريبة الكربون (carbon tax)تُفرض على الملوّثات". حتى الآن لا تتوافر أرقام دقيقة عن الإيرادات الناتجة عن القرار، وفيما تقدّر كلفة الزيادة المخصصة للعسكريين حتى نهاية العام بنحو 180 مليون دولار، يُتوقع أن تغطّى بالكامل من هذه الرسوم خلال فترة تراوح بين 5 و6 أشهر.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store