
«ابن خلدون»... زيارة جديدة بعيون فرنسية
يتضمن الكتاب تأملات متفرقة من جانب بوتول حول أهمية آراء ابن خلدون كمؤسس لعلم الاجتماع الحديث، وأيضاً دوره كمؤرخ، حيث يقطع المؤلف في كتابه بأنه لولا ما كتب ابن خلدون في التاريخ لجهلنا اليوم ما كان عليه تاريخ أفريقيا الشمالية منذ الفتح الإسلامي حتى القرن الرابع عشر، فقد كان يرى أن جميع أنواع المجتمعات هى نتاج «ظواهر طبيعية». وعندما تناول تفسير الخصائص السيكولوجية لكل شعب من الشعوب، سعى جاهداً إلى أن يثبت أن سبب هذه الخصائص هو الظروف المادية لحياة أغلبية أعضاء هذه المجتمعات.
لم يعتقد ابن خلدون في وراثة تلك الخصائص السيكولوجية، فهى تُكتسب بالتعليم وتثبت بالبيئة، حيث تساءل؛ ما الأسباب التي تساعد على تكوين طابع أي شعب؟ ويردّ بأن «المناخ» يسهم في تحديد نوعية أساليب وأنشطة الناس وأخلاقهم والمظهر العام لعقليتهم وطبعهم المألوف. ويقول إن الأجواء الحارة والجافة، على سبيل المثال، تحمل الناس على المرح وخفة الروح وعدم الحذر كما في مصر. في حين أن الأجواء الباردة الرطبة كما في مدينة فاس المغربية والمحاطة بهضاب باردة تجعل سكانها يسيرون مطأطئي الرأس كأنهم تحت وطأة الحزن. كما يمكننا ملاحظة ما لدى سكان المناطق الباردة من تحوط وحذر إلى حدّ أن أي فرد يدخر مؤونة من القمح كافية لعدة سنين، ويفضل أن يذهب كل عام إلى السوق ليبتاع غذاءه على ألا يمس ما خزنه.
ويلاحظ ابن خلدون أن الشعوب الأقل تمديناً تقوم بأكثر الفتوحات اتساعاً، وهي حقيقة من شأنها أن تدهش أي مؤرخ يدرس أحوال الشرق في العصر الوسيط، لكنه يفسر ذلك تفسيراً اقتصادياً خالصاً بأن البدو والمتوحشين ليس لهم وطن ينحدرون منه ولا بلد يجنحون إليه.
واستطاع ابن خلدون أن يبدي بشأن الدول التي رآها تنشأ من حواليه ملاحظة ذكية للغاية، فالشعوب التي تنجح في تحقيق انتصارات عسكرية كبيرة وحكم سياسي مستقر هي بالضبط الشعوب التي كانت حياتها خشنة وعاداتها قليلة التهذيب وحضاراتها قليلة التقدم. ويرى أن انتصار هذه الشعوب إذن لم يكن راجعاً إلى خصائص حضارية، وإنما إلى أسباب معنوية ترفع إلى أقصى درجة القوة الهجومية لدى القبائل التي تحيا حياة البداوة. وفي رأي ابن خلدون، أن المؤهل الوحيد لـ«النبالة»، أي ذلك الذي يجعل جماعة معينة مؤهلة لتقلد السلطة، هو «العصبية»، فإذا كانت الأسرة المالكة أو الجماعة كثيرة العدد، وإذا أتيح لها أتباع مخلصون حقّاً نتيجة إحساسها بالتكافل ونتيجة روح التضامن والولاء لدى أعضائها، فإنها تستطيع إقرار هيبتها.
وكذلك يرى ابن خلدون أن فلسفة التاريخ تقوم على روح العصبية، لكنها ليست هي وحدها التي تقوم على تلك الروح، وإنما تقوم عليها أيضاً التغيرات المستمرة في أحوال الأفراد، وهي ما يسمى حالياً «الترقي الاجتماعي» لبعض الأفراد أو لبعض الأسرات. ويجب أن نلاحظ هنا الجرأة التي يبديها ابن خلدون في هذا الموضوع الحساس، موضوع النبالة، التي لا يرى فيها غير انعكاس لبعض ظروف الحياة لدى مجموعة من الناس في ظرف ما، على نحو يجعله سابقاً لعدد من علماء الاجتماع المشهورين.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مباشر
منذ 2 ساعات
- مباشر
مصر وروسيا توقّعان بروتوكولاً وعقداً بشأن محطات الطاقة النووية
القاهرة – مباشر: وقّعت جمهورية مصر العربية وجمهورية روسيا الاتحادية اتفاقية بشأن التعاون فى بناء وتشغيل محطات الطاقة النووية فى مصر. وقّع عن مصر محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة وعن روسيا الاتحادية أليكسى ليخاتشوف المدير العام للمؤسسة الحكومية الروسية للطاقة الذرية "روساتوم"، وذلك بمقر الوزارة بالعلمين، بحسب بيان. يأتي ذلك في إطار التعاون الممتد بين جمهورية مصر العربية، وجمهورية روسيا الاتحادية فى مجال الطاقة النووية، وفى ضوء الشراكة وبرنامج العمل والخطة الزمنية لمشروع المحطة النووية بالضبعة. وفى سياق متصل، شهد محمود عصمت ، وأليكسي ليخاتشوف مراسم توقيع الملحق المكمل لعقد إنشاء وتشغيل محطة الضبعة للطاقة النووية. ووقع المحلق، شريف حلمى رئيس هيئة المحطات النووية، واندري بيتروف رئيس شركة اتوم ستروى إكسبورت. ويأتي توقيع البروتوكول والعقد المكمل، في إطار حرص الجانبين المصرى والروسي على تسريع وتيرة تنفيذ مشروع المحطة النووية بالضبعة لتوليد الكهرباء وفقاً للجداول الزمنية المحددة والمعتمد، وذلك فى إطار البرنامج المصرى للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، والاعتماد على الطاقة النظيفة كركيزة أساسية في تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية المحدثة للطاقة حتى عام 2040. وقال محمود عصمت، إن التعاون والشراكة بين مصر وروسيا تجسد الإرادة السياسية القوية لدى البلدين الصديقين، وعمق العلاقات الثنائية والالتزام المتبادل بتنفيذ هذا المشروع القومي الحيوي الذي يمثل نقلة في قطاع الكهرباء والطاقة. وأوضح، إن توقيع البروتوكول المكمل والملحق التعاقدي اليوم يمثل خطوة مهمة نحو استكمال مشروع محطة الضبعة النووية في مراحله المختلفة، ويمثل انعكاسًا حقيقيًا للتعاون المثمر بين مصر وروسيا، لتنفيذ المشروع القومي بما يتماشى مع استراتيجية مصر للطاقة 2040، التي تهدف إلى تحقيق مزيج متوازن ومستدام من مصادر الطاقة، وتعزيز الاعتماد على الكهرباء النظيفة. ومن جانبه، أكد أليكسي ليخاتشوف على الشراكة الاستراتيجية والتنسيق والتعاون لانجاز مشروع الضبعة العملاق، مشيرًا إلى أن توقيع هذه الوثائق يأتي فى إطار المخطط الزمنى للمشروع ويؤكد التزام روسيا الثابت بدعم جهود مصر العربية في بناء أول محطة للطاقة النووية، مضيفاً: "فخورون بشراكتنا الاستراتيجية مع مصر، ونتطلع إلى مواصلة التعاون المشترك لتنفيذ هذا المشروع الطموح الذي سيسهم في تعزيز أمن الطاقة في مصر وتحقيق أهداف التنمية المستدامة'. حمل تطبيق معلومات مباشر الآن ليصلك كل جديد من خلال أبل ستور أو جوجل بلاي للتداول والاستثمار في البورصة المصرية اضغط هنا تابعوا آخر أخبار البورصة والاقتصاد عبر قناتنا على تليجرام لمتابعة قناتنا الرسمية على يوتيوب اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك السعودية.. تابع مباشر بنوك السعودية.. اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك المصرية.. تابع مباشر بنوك مصر.. اضغط هنا ترشيحات صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر ترتفع لـ 970 مليون قدم مكعبة يومياً


الاقتصادية
منذ 4 ساعات
- الاقتصادية
تكاليف "تشات جي بي تي" النفسية تتراكم
التأثيرات النفسية على مستخدمي الذكاء الاصطناعي تمتد من تآكل القدرات الذهنية إلى تحفيز نوبات الذهان التالي هل الذكاء الاصطناعي آمن للدعم النفسي؟ استخدام "تشات جي بي تي" قد يرتبط بتراجع التفكير النقدي والتعلّق العاطفي والنوبات الذهانية يصيب أمر مقلق أدمغتنا مع تزايد الإقبال على استخدام منصات الذكاء الاصطناعي. فقد كشفت دراسات أن الموظفين المحترفين الذين يعتمدون على "تشات جي بي تي" في تنفيذ مهامهم قد يفقدون تدريجياً شيئاً من مهارات التفكير النقدي وتحفيزهم. كما بدأت تتشكّل روابط عاطفية قوية بين بعض المستخدمين وروبوتات الدردشة، ما يفاقم مشاعر الوحدة لدى بعضهم. وفي حالات أكثر تطرفاً، أُصيب بعض الأشخاص بنوبات ذهانية بعد قضاء ساعات طويلة يومياً في الحديث مع هذه الأدوات. لا يزال من الصعب قياس تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي على الصحة النفسية بدقة، نظراً لاستخدامه في إطار من الخصوصية بعيداً عن الأنظار، غير أن الشهادات المتزايدة تشير إلى وجود تكلفة أوسع تستدعي اهتماماً جدياً من صنّاع السياسات والشركات التقنية المطوّرة لهذه النماذج. . مخاطر قد تؤدي إلى الانتحار قالت ميتالي جاين، وهي محامية ومؤسِّسة "قانون العدالة التقنية "(Tech Justice Law)، إن أكثر من 12 شخصاً تواصلوا معها في الشهر الماضي، كانوا "قد تعرّضوا لنوع من النوبات الذهانية أو حالات وهم نتيجة تفاعلهم مع تشات جي بي تي، والآن أيضاً مع منصة جيميناي من جوجل". جاين محامية رئيسية في دعوى قضائية مقدمة ضد شركة تتهم روبوت الدردشة التابع لها بالتلاعب بصبي يبلغ من العمر 14 عاماً عبر تفاعلات خادعة وإدمانية وذات طابع جنسي صريح، ما أدى في نهاية المطاف لانتحاره. وتشير الدعوى، التي تطالب بتعويضات غير محددة، إلى أن "جوجل" التابعة لشركة "ألفابت" أدت دوراً محورياً في تمويل هذه التقنية ودعم تفاعلاتها من خلال النماذج التأسيسية والبنية التحتية التقنية التي وفّرتها. من جهتها، نفت "جوجل" أن تكون قد أدّت دوراً محورياً في تطوير تقنيات كما امتنعت عن التعليق على الشكاوى الأحدث التي تحدّثت عنها المحامية جاين بشأن حالات الوهم. في المقابل، قالت شركة "أوبن إيه آي" إنها تعمل على تطوير "أدوات مؤتمتة لرصد مؤشرات الضيق النفسي والعاطفي لدى المستخدمين، بما يتيح لتشات جي بي تي الاستجابة بشكل أكثر ملاءمة". لكن الرئيس التنفيذي، سام ألتمان، أقرّ الأسبوع الماضي بأن الشركة لم تتوصّل بعد إلى وسيلة فعالة لتحذير المستخدمين من أنهم "يوشكون على الانهيار الذهني"، موضحاً أن كلّ محاولة سابقة لإصدار تحذيرات من هذا النوع كانت تُقابل برسائل احتجاج من المستخدمين. تدليل "الأنا" مع ذلك، يرى خبراء أن إطلاق التحذيرات أمر ضروري، خاصة عندما يكون من الصعب رصد التلاعب أو حتى إدراكه. فـ"تشات جي بي تي" كثيراً ما يجامل مستخدميه بأسلوب بالغ الفاعلية، إلى حدّ أن المحادثات قد تقودهم تدريجياً إلى الغوص في الأفكار المؤامراتية، أو ترسيخ قناعات لم تكن في السابق سوى خواطر عابرة. ويعتمد البرنامج أسلوباً سلساً ومتصاعداً في بناء هذا الأثر. ففي محادثة مطوّلة نُشرت أخيرا، انخرط أحد المستخدمين في نقاش مع "تشات جي بي تي" حول مفهومي السلطة والذات، فبدأت المحادثة بعبارات مدح تصفه بالذكاء، قبل أن يرفعه البرنامج تدريجياً إلى مرتبة "الإنسان الخارق" و"الذات الكونية"، وصولاً إلى وصفه بـ"الديميرج" – أي الكائن الذي يُنسب إليه بداية الكون – بحسب نصّ المحادثة المنشور على الإنترنت، والذي شاركه خبير سلامة الذكاء الاصطناعي إيلايزر يودكوفسكي. إلى جانب اللغة التي تعظّم المستخدم تدريجياً، يكشف نصّ المحادثة كيف عمد "تشات جي بي تي" إلى تأكيد مشاعر المستخدم بطريقة ضمنية، حتى عند التطرّق إلى عيوبه. فعندما أقرّ المستخدم بأنه يميل إلى ترهيب الآخرين، لم يتعامل الروبوت مع ذلك كسلوك إشكالي، بل أعاد تأطيره على أنه دليل على "حضور قوي جداً"، فبدا مدحاً مقنّعاً في هيئة تحليل نفسي. هذا الشكل المتقدّم من تدليل الأنا قد يدفع الأفراد إلى الانغلاق داخل فقاعات شبيهة بتلك التي تحيط ببعض أثرياء التكنولوجيا، وتفضي بهم أحياناً إلى سلوكيات غير متزنة. وعلى عكس الإطراء العام الذي توفّره منصات التواصل الاجتماعي عبر الإعجابات والتعليقات، توحي المحادثات الفردية مع روبوتات الدردشة بقدر أكبر من الحميمية والصدق، ما يجعلها أكثر إقناعاً، بأسلوب يذكّر بحاشية كبار قادة قطاع التكنولوجيا الذين يوافقونهم على كلّ آرائهم. وقال دوجلاس راشكوف، الكاتب والمفكّر المتخصص في الإعلام "ستجد كلّ ما ترغب بسماعه، وبأسلوب مضخّم"، مشيراً إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت على الأقل تنتقي من محتوى موجود لتعزيز ميول المستخدم أو آرائه، أما الذكاء الاصطناعي، "فبوسعه توليد محتوى مُعدّ بدقة ليناسب عالمك الداخلي". تأجيج نوبات الذهان أقرّ سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي"، بأن النسخة الأحدث من "تشات جي بي تي" تتضمّن نزعة تملّق "مزعجة"، مؤكداً أن الشركة تعمل على إصلاح هذا الخلل. ورغم ذلك، لا تزال مظاهر الاستغلال النفسي مستمرة. حتى الآن، لم يتضح بعد إذا ما كانت العلاقة بين استخدام "تشات جي بي تي" وتراجع مهارات التفكير النقدي التي أشارت إليها دراسة حديثة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تعني حقاً أن الذكاء الاصطناعي سيجعلناً أكثر غباءً وضجراً. لكن ما تُجمع عليه دراسات عدة هو وجود روابط أوضح بين هذه الأدوات وحالات التعلّق المفرط، بل وحتى الشعور بالوحدة، وهي ملاحظات أقرت بها "أوبن إيه آي" نفسها. لكن مثلها مثل شبكات التواصل الاجتماعي، صُممت النماذج اللغوية الضخمة للحفاظ على التفاعل العاطفي مع المستخدمين، مستعينة بعناصر تُضفي طابعاً إنسانياً على التجربة. إذ يستطيع "تشات جي بي تي" قراءة مشاعر المستخدم من خلال تعابير الوجه ونبرة الصوت، كما يمكنه الحديث والغناء بل وحتى الضحك بصوت بشري يثير القلق لمدى واقعيته. وحذر الطبيب النفسي راجي جرجس من جامعة كولومبيا في تصريح لموقع Futurism من أن هذا المزيج الذي يجمع بين الميل إلى تأكيد أفكار المستخدم، والإطراء المستمر، والتفاعل شديد الإنسانية، قد "يؤجّج نوبات الذهان" لدى الأشخاص الأكثر عرضة للاضطرابات النفسية. ضرورة الحماية الاستباقية الطابع الخاص والشخصي لاستخدام الذكاء الاصطناعي يصعّب تتبّع تأثيراته في الصحة النفسية، غير أن الأدلة على الأضرار المحتملة تتزايد، بدءاً من التبلّد المهني، مروراً بالتعلّق العاطفي، ووصولاً إلى أشكال جديدة من الوهم. وقد تختلف تكلفة هذه التحولات عن تلك التي سبّبتها وسائل التواصل الاجتماعي، التي تمثّلت في تنامي الشعور بالقلق وتعميق حدة الانقسامات، فترتبط في حالة الذكاء الاصطناعي بطبيعة علاقتنا بالناس وبالواقع ذاته. لهذا، تقترح المحامية ميتالي جاين الاستفادة من مفاهيم قانون الأسرة في تنظيم الذكاء الاصطناعي، من خلال الانتقال من التحذيرات الشكلية إلى حماية استباقية تستند إلى الطريقة التي يعيد بها "تشات جي بي تي" توجيه المستخدمين المضطربين نحو أحد أحبّائهم. وقالت "المشكلة ليست في ما إذا كان الطفل أو البالغ يعتقد أن هذه الروبوتات حقيقية- فغالباً هم لا يظنون ذلك- بل في أن العلاقة التي تنشأ تبدو لهم حقيقية، وهنا الفرق". وإذا كانت هذه العلاقات مع الذكاء الاصطناعي تبدو واقعية إلى هذا الحد، فإن مسؤولية حمايتها يجب أن تكون واقعية أيضاً. غير أن مطوّري الذكاء الاصطناعي يعملون في فراغ تنظيمي شبه كامل، وفي غياب الرقابة، ثمة خوف من أن تتحوّل هذه التأثيرات النفسية الدقيقة إلى أزمة صحية عامة. خاص بـ"بلومبرغ"


الشرق الأوسط
منذ يوم واحد
- الشرق الأوسط
«ابن خلدون»... زيارة جديدة بعيون فرنسية
عن دار «أقلام عربية» بالقاهرة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «ابن خلدون – فلسفته الاجتماعية» لعالم الاجتماع الفرنسي جوستون بوتول، الذي صدرت الطبعة الأولى منه 1930، الطبعة الجديدة من ترجمة غنيم عبدون، ومراجعة مصطفى كامل فودة، وتعدّ أحد أهم الدراسات المعاصرة حول أسرار عبقرية هذا العالم والفيلسوف والمؤرخ العربي الذي ولد بتونس، وعاش في الفترة من 1332 حتى 1406م. يتضمن الكتاب تأملات متفرقة من جانب بوتول حول أهمية آراء ابن خلدون كمؤسس لعلم الاجتماع الحديث، وأيضاً دوره كمؤرخ، حيث يقطع المؤلف في كتابه بأنه لولا ما كتب ابن خلدون في التاريخ لجهلنا اليوم ما كان عليه تاريخ أفريقيا الشمالية منذ الفتح الإسلامي حتى القرن الرابع عشر، فقد كان يرى أن جميع أنواع المجتمعات هى نتاج «ظواهر طبيعية». وعندما تناول تفسير الخصائص السيكولوجية لكل شعب من الشعوب، سعى جاهداً إلى أن يثبت أن سبب هذه الخصائص هو الظروف المادية لحياة أغلبية أعضاء هذه المجتمعات. لم يعتقد ابن خلدون في وراثة تلك الخصائص السيكولوجية، فهى تُكتسب بالتعليم وتثبت بالبيئة، حيث تساءل؛ ما الأسباب التي تساعد على تكوين طابع أي شعب؟ ويردّ بأن «المناخ» يسهم في تحديد نوعية أساليب وأنشطة الناس وأخلاقهم والمظهر العام لعقليتهم وطبعهم المألوف. ويقول إن الأجواء الحارة والجافة، على سبيل المثال، تحمل الناس على المرح وخفة الروح وعدم الحذر كما في مصر. في حين أن الأجواء الباردة الرطبة كما في مدينة فاس المغربية والمحاطة بهضاب باردة تجعل سكانها يسيرون مطأطئي الرأس كأنهم تحت وطأة الحزن. كما يمكننا ملاحظة ما لدى سكان المناطق الباردة من تحوط وحذر إلى حدّ أن أي فرد يدخر مؤونة من القمح كافية لعدة سنين، ويفضل أن يذهب كل عام إلى السوق ليبتاع غذاءه على ألا يمس ما خزنه. ويلاحظ ابن خلدون أن الشعوب الأقل تمديناً تقوم بأكثر الفتوحات اتساعاً، وهي حقيقة من شأنها أن تدهش أي مؤرخ يدرس أحوال الشرق في العصر الوسيط، لكنه يفسر ذلك تفسيراً اقتصادياً خالصاً بأن البدو والمتوحشين ليس لهم وطن ينحدرون منه ولا بلد يجنحون إليه. واستطاع ابن خلدون أن يبدي بشأن الدول التي رآها تنشأ من حواليه ملاحظة ذكية للغاية، فالشعوب التي تنجح في تحقيق انتصارات عسكرية كبيرة وحكم سياسي مستقر هي بالضبط الشعوب التي كانت حياتها خشنة وعاداتها قليلة التهذيب وحضاراتها قليلة التقدم. ويرى أن انتصار هذه الشعوب إذن لم يكن راجعاً إلى خصائص حضارية، وإنما إلى أسباب معنوية ترفع إلى أقصى درجة القوة الهجومية لدى القبائل التي تحيا حياة البداوة. وفي رأي ابن خلدون، أن المؤهل الوحيد لـ«النبالة»، أي ذلك الذي يجعل جماعة معينة مؤهلة لتقلد السلطة، هو «العصبية»، فإذا كانت الأسرة المالكة أو الجماعة كثيرة العدد، وإذا أتيح لها أتباع مخلصون حقّاً نتيجة إحساسها بالتكافل ونتيجة روح التضامن والولاء لدى أعضائها، فإنها تستطيع إقرار هيبتها. وكذلك يرى ابن خلدون أن فلسفة التاريخ تقوم على روح العصبية، لكنها ليست هي وحدها التي تقوم على تلك الروح، وإنما تقوم عليها أيضاً التغيرات المستمرة في أحوال الأفراد، وهي ما يسمى حالياً «الترقي الاجتماعي» لبعض الأفراد أو لبعض الأسرات. ويجب أن نلاحظ هنا الجرأة التي يبديها ابن خلدون في هذا الموضوع الحساس، موضوع النبالة، التي لا يرى فيها غير انعكاس لبعض ظروف الحياة لدى مجموعة من الناس في ظرف ما، على نحو يجعله سابقاً لعدد من علماء الاجتماع المشهورين.