logo
اليوغا بأجساد نساء عربيات: نفس، حريّة، ومقاومة

اليوغا بأجساد نساء عربيات: نفس، حريّة، ومقاومة

شفق نيوزمنذ يوم واحد
"شعرتُ بحرية عظيمة رغم أني كنت في ورشة تدريبية داخل مركز تأمُّل مغلق لا يُسمح لي بالخروج منه. سألتُ نفسي: ماذا لو شاركت هذا الشعور مع نساء يعشن قرب الجدار الفاصل (في الضفة الغربية)، أو في مخيمات اللجوء، حيث العالم الخارجي مليئ بالقيود والضغوط، لكن داخل الفرد واسع بلا حدود؟".
بهذه الكلمات تصف شدن نصّار، مدربة اليوغا الفلسطينية، واحدة من اللحظات المؤسسة في مسيرتها مع اليوغا.
بدأت نصّار ممارسة التأمُّل عندما كانت تتابع دراستها الجامعية في بريطانيا، لكنها سرعان ما وجدت نفسها تغوص في عالم رياضة اليوغا الرحب، بحثاً عن الاتزان الداخلي والحرية، في عالم خارجي يفتقر إلى الشعور بالأمان.
هذا الشعور بالاتساع الداخلي وسط تضييق خارجي أصبح لاحقاً جزءاً من فلسفتها في تعليم اليوغا، خصوصاً للفتيات والنساء في الضفة الغربية.
واليوغا هي ممارسة جسدية وعقلية وروحية قديمة نشأت في الهند منذ آلاف السنين ومارسها الرجال والنساء على حدّ سواء، وانتشرت بشكل كبير في دول العالم خلال العقدين الأخيرين.
تقول نصّار لبي بي سي إنها وبعد تجربة التأملية في جنوب شرق آسيا، راودتها فكرة مشاركة هذا الشعور بالتحرر الداخلي مع نساء يعشن في أماكن فيها تقييدات جسيمة: "كانت اليوغا بالنسبة لي أداة مقاومة داخلية ناعمة، تساعدنا في إعادة بناء علاقتنا مع أجسادنا وسط بيئة قاسية".
وتضيف أنّ العديد من النساء اللواتي تعاملت معهنّ في الضفة الغربية يعشن في توتر يومي مزمن، وليس مجرد صدمة عابرة.
وتتابع: "جاءتني امرأة قُتل ابنها أمام عينيها، ووجدت في اليوغا ملاذاً. إحدى النساء كانت تخشى إغلاق عينيها أثناء التأمل. كانت تقول لي: 'كلما أغمضت عينيَّ، أرى سواداً ويتملكني الخوف'. وبعد أشهر من ممارسة اليوغا، جاءتني يوماً لتقول: 'أصبحت الآن أستطيع الجلوس وحدي في البيت وأغمض عينيَّ دون خوف'".
ما هي اليوغا؟
وحتى نفهم التأثير النفسي والعقلي والجسدي لليوغا، علينا بدايةً أن نفهم ماهيتها.
اليوغا ممارسة جسدية وعقلية وروحية تعود جذورها إلى الهند قبل آلاف السنين، وتهدف إلى تناغم الجسم مع العقل من خلال التنفس، التأمل، والحركات المدروسة.
تأخذ حركات اليوغا أسماء مستقاة من الطبيعة والحيوانات؛ مثل وضعية الثعبان، المستوحاة من ثعبان الكوبرا، والتي تقوي العمود الفقري وتمنحه الليونة، ووضعية الشجرة، التي ترمز إلى المرونة، واستقرار العقل.
اليوغا ليست مجرد استعراض حركي. المنطق وراء الحركات أنّ الجسم والعقل مترابطان؛ أي أن حركات الجسد يستتبعها تخفيف التوتر والضغوط. والممارسون لا يحتاجون إلى سنوات لتجربتها: يمكن للمرء، رجلا كان أم امرأة، أن تبدأ بأي مستوى جسماني، وبالممارسة واستمرارية التمرين تزداد المرونة والقوة تدريجياً.
تنفس ومقاومة؟
هل يمكن أن يكون التنفس فعل مقاومة؟ وهل التأمل أداة لمراجعة علاقة الفرد بالعالم وبالظروف الضاغطة والقاهرة؟
هذا ما تجيبنا عليه شدن، حيث تقول: "لست أعلم ما إذا كنت أُدرِّس اليوغا في مكان آخر بخلاف رام الله، هل كانت علاقتي مع اليوغا ستكون بهذا العمق".
وتضيف: "أحياناً عند الذهاب من مكان لآخر لتدريب اليوغا (في الضفة الغربية)، أعلق لساعات في زحمة الحواجز الأمنية. وأحياناً أشهد بنفسي على عمليات إطلاق نار على أشخاص قرب الجدار".
ومنذ العام 2002، بنت إسرائيل جداراً طوله يزيد عن 700 كيلومتر على طول حدود الضفة الغربية المحتلة لعزلها.
وتقول شدن إنّ ممارسة اليوغا "تقويني من الداخل. عندما يحدث موقف مثل هذا، وأرى الناس في حالة ذعر ورعب، توصلني اليوغا إلى أن أجد في داخلي مكاناً هادئاً وساكناً ومتزناً".
وتضيف "الاحتلال قد يحتل أرضك، لكنه لا يستطيع أن يحتلك من الداخل أو يحتل عقلك إذا كان لديك الأدوات اللازمة للتصدي لذلك، وهذا ما علمتني إياه اليوغا، وما أعلمه بدوري للنساء في الضفة ومخيمات اللجوء".
إعادة امتلاك الجسد
لجسد المرأة في السياقات العربية تصوُّرات مختلفة، ويراه البعض عورة أو عيباً.
قد يُختزل الجسد الأنثوي إلى مساحة تخضع للرقابة والتقييم من خلال نظرة ذكورية تُرسّخ أدواراً تقليدية وتفرض معايير صارمة للظهور والجمال والسلوك.
لكنّ اليوغا مكّنت العديد من النساء من إعادة امتلاك أجسادهنّ، وتجمع المدربات الثلاث اللواتي قابلناهنّ على أنّ اليوغا غيّرت نظرة النساء، اللواتي قمن بتدريبهنّ، لأجسادهنّ تماماً.
وتقول فاطمة المنصوري، وهي مدربة رائدة قدّمت اليوغا في بلادها البحرين منذ أكثر من 15 عاماً وكانت وراء اعتماد اليوغا في بلادها كممارسة طبية تكميلية: "نجد كثيراً من المتدرّبات يشعرن لأوّل مرة بأنّ أجسادهنّ مكان آمن، وليست عبئاً أو عاراً أو أداة للمقارنة مع أجساد أخرى".
فيما تقول نوف المروعي، وهي من أوائل النساء اللواتي مارسن اليوغا ودرّسنها وتخصصن في تدريبها في السعودية، أنّ "من أكبر المكاسب التي تمنحها اليوغا للنساء هو الإحساس بالسيادة على أجسادهنّ".
مضيفة أنه "من خلال الممارسة المستمرة، تتعلّم المرأة أن تنظر إلى جسدها كمساحة آمنة، وليس كموضوع لإطلاق الأحكام".
وتقول آية قرطام، وهي مدربة يوغا مصرية، إنّ "اليوغا منحت النساء مساحة للإصغاء لأجسادهنّ، بدلاً من مراقبتها بهدف توجيه النقد لها".
وتضيف: "شاهدت هذا مراراً: نساء يكتشفن أنّ باستطاعتهنّ التنفس والحركة والوجود دون أحكام".
أمّا بالنسبة لها شخصياً، فتقول "اليوغا ساعدتني على تخفيف القسوة التي كنت أعامل بها نفسي، وأعادت بناء علاقتي بجسدي على أساس الرفق وليس السيطرة".
من جهة أخرى، تقول المنصوري إنّ اليوغا ساعدتها أيضاً على استعادة جسدها في لحظات صعبة في حياتها.
وتقول: "بدأ مشواري مع اليوغا بعد تشخيصي بمرض الفيبروميالجيا والإرهاق المزمن، وهو مرض مزمن عطّلني تماماً عن مواصلة حياتي المعتادة وعملي".
وتضيف: "في تلك المرحلة، لم أكن أبحث عن اليوغا تحديداً، بل كنت أبحث عن وسيلة أستعيد بها جسدي وأساعد بها نفسي على التعامل مع مرض مزمن لم يكن له علاج واضح. وكانت اليوغا هي الملاذ والعلاج".
وعلى الرغم من أنّ اليوغا ممارسة تأملية تُركز على التنفس والتأمل والوعي الجسدي، ويعني أن يصغي من يمارسها لجسده، ولما يشعر به، لما يحتاجه، بدلاً من مجرد مراقبته أو الحكم عليه، إلا أنّ الحضور القوي للجسد الأنثوي في ممارسة اليوغا، بملابس رياضية قد تُظهر تفاصيله، وبحركات توصف أحياناً بأنها "متحررة"، يصطدم في حالات كثيرة، بنظرة مجتمعية تُحمل النساء مسؤولية الشكل الذي يظهرن به وأثره المفترض على "الآخر".
في هذا السياق، وجدت كثير من الممارسات والمدرّبات أنفسهن أمام معركة غير معلنة: استعادة ملكية الجسد لنفسها، بعيداً عن أعين الرقيب الخارجي.
تقول المنصوري: "في البداية كنت أُسأل كثيراً عن اللباس. لماذا ترتدين ملابس ضيقة؟ لماذا هذه الوضعية؟ كأن الجسد الأنثوي خطر يجب إخفاؤه، حتى وهو يمارس شيئاً نافعاً وآمناً".
من تابو إلى اعتراف رسمي
لم تكن ممارسة اليوغا سهلة في كل السياقات العربية. العديد من مدربات اليوغا اللواتي تحدثت إليهن بي بي سي عربي وصفن شكوكاً مجتمعية، وأحياناً شبهات دينية، رافقت بداياتهنّ.
قبل أن تلقى اليوغا رواجاً ويزداد الوعي بها في الدول العربية كممارسة تمنح الإنسان صفاء روحياً ولياقة بدنية، طالها الكثير من سوء الفهم، حيث كان يُنظر إليها في بعض الأحيان على أنها طقس ديني يرتبط بالهندوسية أو البوذية، أو خروجاً عن تصور المجتمع للدين والتدين.
من الكويت، حدثتنا الشيخة شيخة الصباح، الحائزة عام 2025 على وسام "بادما شري"، أحد أرفع الأوسمة المدنية في الهند، لدورها في نشر ثقافة اليوغا في بلدها.
وهي أيضاً أول كويتية تحصل على شهادة مدرّبة يوغا معتمدة.
وتقول الصباح: "كنت أشعر أنني أُمارس شيئاً لا يُفهم جيداً. لم يكن هناك وعي بأن اليوغا يمكن أن تكون تمريناً للجسد والعقل، لا ممارسة دينية".
لكنّ الوضع الآن تغير كثيراً، بحسب الصباح، بعد الاعتراف الرسمي بدور اليوغا، وازدياد الوعي المجتمعي بها.
تروي لنا المنصوري، تجربة مشابهة. إذ قالت: "في البداية، كان هناك التباس كبير لدى الناس حول ما تعنيه اليوغا. البعض ربطها بالبوذية أو الهندوسية، لكن مع الوقت، بدأت تتضح الصورة، خصوصاً مع ازدياد عدد المدربين المعتمدين".
من جهتها، تقول المروعي: "واجهت في البداية نظرات ريبة، وكانت الصورة النمطية تربط اليوغا بمعتقدات معينة. لكني كرّست جهدي في التوعية، وفي تدريب آلاف المدربات".
أصبحت المروعي لاحقاً رئيسة الاتحاد الآسيوي لرياضات اليوغا، وحصلت عام 2018 على وسام "بادما شري".
اليوغا كمساحة شفاء
ما يُميز اليوغا ليس الجانب البدني فقط، أو أنها سبيل للحصول على لياقة بدنية عالية بل قدرتها على خلق مساحة نفسية آمنة.
تقول المروعي إنّ: "اليوغا تعلمك ملاحظة أفكارك، مشاعرك، سلوكك. هي ممارسة شخصية جداً، حتى عندما تتم ضمن مجموعة. إنها تأخذك إلى الداخل، وتخلق تواصلاً عميقاً مع الجسد".
أمّا المنصوري، فتؤكد أن اليوغا كانت لها شخصياً وسيلة تعافٍ: "بعد سلسلة من الأزمات الصحية والنفسية، وبعد حادث سقوط من أعلى حصان أدى إلى إصابات خطيرة في الظهر، ساعدتني اليوغا على التعافي جسديا ونفسياً، وعلى تقبل جسدي وحبه وفهمه، على أن أكون فيه لا ضده".
نصّار، بدورها، تذهب إلى أبعد من ذلك: "عندما أمارس التنفس والتأمل، أشعر أنني أستعيد هذا البيت الداخلي، المكان الذي لا يستطيع أحد لمسه".
وكان البحث عن الشفاء سبيل دخول المروعي إلى عالم اليوغا.
تقول: "قصتي مع اليوغا بدأت عام 1998. كان عمري 17 عاماً. حينها شُخِصت بمرض مناعي، ومُنعت بسبب ذلك من ممارسة الكثير من الأنشطة. وجدت كتاباً لدى أبي، الذي كان مهتماً بفنون القتال. بدأت عن طريق هذا الكتاب ممارسة اليوغا، وبدأت أشعر بتحسن كبير في الأعراض. ومن وقتها ما توقفت عن اليوغا".
وتقول قرطام "كانت اليوغا رفيقة مخلصة لي في لحظات حزن وتحولات كبيرة. لم تزل الألم، لكنها منحتني أدوات لأبقى حاضرة دون أن أغرق فيه".
وتضيف "صرت أكثر صبراً، أكثر تسامحاً مع نفسي، وأقدر على التعايش مع الألم دون محاولة إصلاحه فوراً".
من تجربة شخصية إلى مسؤولية اجتماعية
تحوّلت قصص الممارسة الفردية إلى مبادرات جماعية، ومساحات دعم لنساء أخريات.
تقول الصباح "كان حلمي أن أرى اليوغا تُدرّس في المدارس والجامعات، أن تكون أداة متاحة للجميع، وليست حكراً على النخب أو على من يسافر إلى الهند".
وترى قرطام إنه من الأنانية أن يحتفظ المرء لنفسه بكنز مثل اليوغا، بل يجب مشاركته مع الآخرين حتى تعم المنفعة.
وتقول: "مع الوقت شعرت أن من الأنانية أن أحتفظ بكل هذا التحول لنفسي. بدأت أشارك التجربة مع صديقاتي، ثم تحوّل الأمر إلى مسار تدريبي كامل. لم تكن المسألة تمارين جسدية فقط، بل خلق مساحات آمنة لنساء كي يتنفسن ويحررن مشاعرهن دون خوف".
أمّا المروعي، فترى أنّ تمكين النساء من خلال الجسد هو مسار طويل يتطلب وقتاً وصبراً وثقة.
وتضيف: "اليوغا لا تتطلب جسداً مثالياً. بل هي ما يمنح الجسد مرونته وقوته مع الوقت. من المهم أن تعرف المرأة أنها لا تحتاج لأي شرط مسبق لتبدأ، فقط النية والالتزام".
قد لا تكون اليوغا، كما تقول المروعي، أداة للمواجهة المباشرة، لكنها بالتأكيد أداة للتماسك النفسي وللصمود في وجه ضغوط اليومي.
تقول: "اليوغا تعلم التقبل، وتفتح الباب أمام التغيير الهادئ والمتدرج. إنها تقودك نحو ذاتك، وهنا تبدأ رحلة الشفاء".
في عالم يضج بالصخب والمواجهات والصراعات، قد تكون العودة إلى التأمل والتنفس والاتصال النفسي-الجسدي خير سبيل لاستعادة الذات.
وهذا ما تراه قرطام، التي تقول "العودة إلى التنفس وسط عالم يجرّنا نحو الضجيج والمقارنة، هو فعل راديكالي. السلام الداخلي قد يبدو خياراً ناعماً، لكنه في الواقع أحد أكثر الأفعال تحوّلاً وتحدّياً".
وبينما لا تزال بعض المجتمعات تنظر بعين الريبة إلى اليوغا، أو تراها نوعاً من الترف أو الترفيه، يبدو أنّ نساء كثيرات في العالم العربي اخترنها وسيلة للتمكين، لا للمواجهة، أداة استعادة، لا تحدٍ، مساحة تنفس، لا صراخ.
وفي ذلك، ربما، تكمن قوة اليوغا.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سجن الأمير عبد القادر ومن معه في سجن لامبواز ! معمر حبار
سجن الأمير عبد القادر ومن معه في سجن لامبواز ! معمر حبار

ساحة التحرير

timeمنذ 6 ساعات

  • ساحة التحرير

سجن الأمير عبد القادر ومن معه في سجن لامبواز ! معمر حبار

سجن الأمير عبد القادر ومن معه في سجن لامبواز ! معمر حبار Amel Chaouti: 'Les Algériennes du château d'Amboise. La suite d'émir Abd el Kader', Édition Sedia, 1er semestre, 2016, Alger, Algérie, Contient 176 Pages. مقدمة القارئ المتتبّع: ميزة الكتاب، أنّ الكاتبة بذلت جهدا، ووقتا لزيارة سجن لامبواز. والمقبرة التي دفن فيها 25 جزائري سجين. والبلدية. والمتحف الذي يضم الوثائق النّادرة، والثّمينة، والمهمّة التي تتعلّق بمرحلة وظروف سجن الأمير عبد القادر ومن معه من زوجه، وإخوته، ونساء قادته، والخدم، والأطفال، والرضع. رحمة الله عليهم ، ورضي الله عنهم وأرضاهم جميعا. ترى الكاتبة أنّه ضاع 15 ألف مخطوط له علاقة بالأمير عبد القادر. 12 الكاتبة مقيمة بفرنسا. 19 تقول: جدي اسمه الأمير عبد القادر. 30 لم يكن من أهدافي الكتابة عن الأمير عبد القادر. والأمير عبد القادر شخصية مشوّهة لدى الجزائري، والفرنسي. 37 قالت: لا حظت أنّ فترة سجن الأمير عبد القادر تمّ حذفها من البرامج التعليمية في الجزائر. 71 تكذّب الكاتبة وبقوّة، وشراسة مقولة أنّ للأمير عبد القادر زوجة واحدة فقط. ولم يعدّد، وهي: خيرة بنت علي. 80 الجزائريين لا يفضّلون الأسطورة بشأن الأمير عبد القادر. 80 ثمّ تضيف: وبما أنّكم ترفضون الأسطورة حول الأمير عبد القادر. لماذا تجعلون من الأمير عبد القادر زوجة واحدة فقط؟ رغم أنّ القانون الجزائري يبيح التّعدد. 81 السّبت بتاريخ: 16 أكتوبر 1852. تمّ إطلاق سراح الأمير عبد القادر ومن معه من مرافقيه. 123 الأمير عبد القادر وليس 'عبد القادر بن محي الدين: أقول: ظلّت الكاتبة وطوال صفحات الكتاب تقول، وتردّد: 'عبد القادر بن محي الدين'. ولم تذكر مرّة واحدة -أقول مرّة واحدة- لقب الأمير عبد القادر. وحين تذكر 'الأمير'. تذكره بمفرده، ودون ذكر الأمير عبد القادر. لم تذكر الكاتبة أسباب ذلك. ولم أقف من خلال قراءتي للكتاب على الأسباب غير المعلنة. ذكرت اسم 'الأمير' لأوّل مرّة في صفحة 44. ودون ذكر الأمير عبد القادر. مع العلم، 'لامورسيار' يخاطب الأمير عبد القادر بعبارة: 'سيدي الحاج عبد القادر بن محي الدين'. 45 عنوان الكتاب: استعملت الكاتبة -وحسب ترجمتي- مصطلح: 'توابع الأمير عبد القادر' كعنوان للكتاب. أختلف معها في اختيارالعنوان. وأرى أنّه لا يناسب عظمة الأمير عبد القادر. الذي لا يرى أنّه المركز وما دونه تابع. بل يعامل الخدم، وأسرى العدو معاملة السّيّد. كيف بمن معه من مرافقيه. للأمانة، الكاتبة متمكّنة في اللّغة الفرنسية. والمسألة لا علاقة لها باللّغة. لأنّي أنظر إلى المصطلح من الناحية الحضارية وليس اللّغوية. ومن هنا كان هذا الاختلاف. وإلى أن يظهر شرح جديد لها مخالف لما ذهبنا إليه. واضح جدّا أنّ الكاتبة نقلت العنوان عن عبارة مكتوبة باللّغة الفرنسية على مدخل المقبرة في صفحة 13، وهي: 'هنا، يرقد خمسة وعشرون من توابع الأمير المتوفين ما بين 1848 و1852'. يمكن -في تقديري- استعمال مصطلحات: مرافقوه، عائلته، ومن معه. وغير ذلك. واستعملت الكاتبة في ثنايا الكتاب مصطلح: مرافقوه -ses compagnons والسؤال: لماذا الفرنسيين المحتلين اختاروا هذه التسمية التي لا تناسب الأمير عبد القادر؟ وما الهدف من وراء ذلك؟. توحيد الآيات: جاء في صفحة 15: وضع الأمير عبد القادر نفس آيات سور القرآن الكريم على قبور الجزائريين المسجونين الذين ماتوا. حتّى لا يكون هناك تمييز بين أحد. ولأنّه لا يعترف بالاعتبارات الهرمية التي تفرّق النّاس بين النّساء، والأطفال، والضباط في هذه الدنيا. أضيف: وهذا ما يعزّز ما ذهبت إليه من رفضي لمصطلح: 'توابع الأمير عبد القادر'. الأمير عبد القادر لم يستسلم: تستعمل الكاتبة، وباستمرار مصطلح: 'استسلام الأمير عبد القادر؟!' 21. أقول: قراءاتي المتأخرة دفعتني لاستعمال مصطلح: الظروف التي فرضت على الأمير عبد القادر وضع السّلاح. الفرق واضح بين المصطلحين. وسبق أن تعرّضنا لذلك في مقالاتنا العديدة حين تطلّب المقام ذلك. الأمير عبد القادر ليس أسطورة: تقول الكاتبة عن الأمير عبد القادر: الفرنسيين هم الذين 'حوّلوا العدو إلى بطل أسطوري'. وتستغرب موقف فرنسا. وإن كانت لا تستغرب تعظيم الجزائريين له. 22-23 سجن لامبواز وليس قصر لامبواز: أقول: من الأخطاء الشائعة -حسب قراءاتي- قول 'قصر لا مبواز؟!'. كما جاء في صفحة 39 وغيرها. والحقيقة هو 'سجن لا مبواز'. تعرّض سيّدنا الأمير عبد القادر لإهانة، وإذلال في سجن لا مبواز. وتجاوزت محنته كونه سجين. إنّي على يقين أنّ الأمير عبد القادر لم يضع ضمن الاحتمالات أنّ الاستدمار الفرنسي سيخونه، ويحوّل طلبه من السفر إلى الإسكندرية، أو عكا إلى سجن لا مبواز حيث الذّلّ والهوان. واضح جدّا أنّ الأمير عبد القادر ألقى السّلاح لأجل الذين معه من زوجه، وقادته، والأطفال، والرّضع. والذين لم يستطيعوا مواجهة الخيانة، والحصار، والمطاردة التي كانت تلاحقهم في الداخل والخارج. ظلّ الأمير عبد القادر في سجن لا مبواز ذلك الشجاع، والبطل، والعظيم، والكبير الذي لا ينحني، ولا يمد يد لعدو الأمس ولا سجّان اليوم. إطلاق سراح الأمير عبد القادر من المجرم نابليون. ليس كرما، ولا منّة منه ولا من فرنسا المحتلّة، ولا فرنسا الحالية. بل واجب لأنّهم حاربوه وهو صاحب الأرض. وخدعوه وهو الوفيّ مع العدو قبل الصديق، وسجنوه وهو العزيز الكريم في أهله ووطنه الجزائر. وذكرت الكاتبة أنّ الأمير عبد القادر ومن معه. كان تحت قانون السجين. 77 قالت: الفرنسيين لا يطيقون استعمال 'سجن الأمير عبد القادر بلمبواز'. وكما أنّ الجزائريين لا يطيقون إطلاق 'الخيانة؟!' على سيّدنا الأمير عبد القادر. 77 سجن وليس نزهة: قالت: عدد كبير من الجزائريين رجالا، ونساء ماتوا في سجن لامبواز. 87 تستنكر الكاتبة على الجزائريين، والفرنسيين الذين تجاهلوا 4 سنوات من السجن، والمهانة التي تعرّض لها الأمير عبد القادر، ومرافقوه في سجن لامبواز. ثمّ التّحدث عن السّماح له 'بالنزهة في القصر؟ !'. وبناء على رأي طبيب. إنّ هذا لظلم كبير، ومهانة بحدّ ذاتها. 89 الخونة الصبايح: استعان المجرم 'لامورسيير' بـ 200 صبايحي لمحاصرة الأمير عبد القادر. والضابط المغربي هو الذي أخبره برجوع الأمير عبد القادر بعد التضييق الذي تعرّض له من المغرب. وبمساعدة المحتلّ الفرنسي للجزائر. 43 الإسكندرية، أو عكا: اشترط الأمير عبد القادر الذهاب إلى الإسكندرية، أو عكا. ودون ذكر مكان آخر. 44 هدف الاحتلال هو: إجبار الأمير عبد القادر على ألا يذهب للمشرق العربي. وإقناعه بالعيش في فرنسا. 109 المرافقين للأمير عبد القادر عبر ميناء مرسى الكبير لفرنسا: 61 رجل. و 26 امرأة، ومنهم حوامل وعلى وجه الوضع. و6 فتيات. و9 فتيان. وعدد كبير من الرضع. والمجموع 87 من المرافقين، والحاشية. 47 نزلوا بفرنسا بتاريخ: 29 ديسمبر 1847. على السّاعة: 2 و30 دقيقة. وكان الجوّ باردا جدّا. 55 لم يكن في استقبالهم سوى الجنود الفرنسيين. واستغرق السفر أربعة أيّام. واقتيدوا إلى lazaret de saint-mandrier. للخضوع للحجر الصحي لمدّة عشرة أيّام. 55 رسالة الأمير عبد القادر للمحتلّ الذي سجنه ومن معه: رسالة الأمير عبد القادر لفرنسا بتاريخ: 10 جانفي 1848. أي بعد مرور 21 يوم من مجيئه، وسجنه. يذكّرهم بوعده له بالسّفر إلى الإسكندرية، أو عكا. 56 أقول: احتلّت الجزائر سنة 1830 من طرف فرنسا. انطلاقا من تولون. وتمّ سجن الأمير عبد القادر بتولون بتاريخ: 1847. ص58 الموت لدى الأمير عبد القادر: ويقول في رسالته: 'لا يتحدّث لغتهم، ولا عاداتهم، ولا قانونهم، ولا دينهم، ولا حتّى ملابسهم. ألا تفهمون أنّ هذا هو الموت'. 60 أضيف: ومن هنا كان قولنا بأنّه سجن لامبواز وليس قصر لامبواز. الأمير يختار الذهاب إلى الإسكندرية عوض البقاء فرنسا: رسالة الأمير عبد القادر الثّانية بتاريخ: 3 فيفري 1848 إلى نابليون: 'اخترت في البداية الإسكندرية التي لا أعرف فيها أحدا. وليس لي فيها أقارب. لأنّها طريق إلى مكة، والمدينة التي أودّ الذهاب إليها. والموت فيها. وبما أنّك خيّرتني بين البقاء في فرنسا، أو الإسكندرية. فإنّي أفضّل الذهاب إلى الإسكندرية على البقاء في فرنسا. لأنّ ديني لا يسمح لي بالبقاء في فرنسا'. 61 إلى الشام: إطلاق سراح الأمير عبد القادر بتاريخ: 1852. للتّوجه إلى الشام بسورية. ووفى بوعده بأن لا يقاتل أبدا فرنسا المحتلّة. وقد دافع عن فرنسا ضدّ الأتراك أثناء الحوادث الدموية سنة 1860. ص72 العزلة، ومهانة، وذلّ السجن: قال السجناء الجزائريين خلال سجنهم في سجن لامبواز: لم نكن نعرف عن الجزائر شيئا. ومنعنا من كلّ شيء. فعانينا العزلة. 92 رفضت النّساء أن يكشف عليهن الطبيب الفرنسي في سجن لامبواز. وكذلك رفضن الدواء المقدّم من طرفه. 92 قالت النّسوة: لم نكن نعتقد يوما أنّ أبناءنا يولدون في فرنسا. ولهم إخوة، وأخوات من حليب فرنسا. 93 لا أحد يزورنا في السجن. وحالاتنا النفسية منهارة. والمحتلّ لا يفعل أيّ شيء لتحسين أوضاع المساجين الجزائريين. وخسرنا عدّة مرافقين سنة 1849. والبرد زاد من تفاقم الوضع. وطلباتنا بشأن إطلاق سراحنا لم تكن تصل. مقبرة البلدية، ومقبرة سجن لامبواز: قالت جزائرية بعد أن دفنوا ابنها في المقبرة المسيحية: حاولت أن أقنع أبي لكيلا يدفنوا ابننا في وسط المسيحيين. لكن كلمة أبي لم تكن مسموعة كما كانت في أرضنا الجزائر. 97 بعد أن دفنوا اثنين من الأطفال الجزائريين في المقبرة البلدية المسيحية بفرنسا. تدخل الأمير عبد القادر وطلب من فرنسا أن يمنحوه قطعة أرض يدفن فيها الجزائريين. فلبت فرنسا طلبه. بأن تكون المقبرة في سجن لامبواز. 97 الجزائريات السجينات يرفضن أن يكشف عليهنّ الطبيب الفرنسي: رفض النسوة الجزائريات أن يفحصهن الطبيب. وقدم لهن الدواء وفق ما تصفه راهبة للطبيب. والتي لا تحسن اللّغة العربية. 100 لم يسمح للطبيب الفرنسي أن يدخل للنّساء الجزائريات المريضات السجينات ليفحصهن. 107 تأخّر الأطفال في المشي بسبب سوء التغذية، وظروف السجن من برودة ورطوبة، والتغيير الجذري للحياة التي لم يتعوّد عليها الجزائري. 107 المدرسة لإرغام الجزائرئريين لقبول العادات الفرنسية: فكرة تحويل الجزائريين إلى قبول الحضارة، والعادات الفرنسية تعود لسنة 1837. ص111 وفي أكتوبر 1850 سعت الأستاذة eugène allix لإنشاء مدرسة للفتيات الجزائريات، وقالت: 'إذا حوّلتم لحضارتنا 100000 فتاة جزائرية من كلّ طبقات المجتمع، والأعراق في الجزائر، هؤلاء الفتيات سيصبحن بقوّة الواقع، النّساء المفضّلات للرجال المهمين من طبقاتهم، وستضمنون وإلى الأبد احتلال الجزائر وسيكونون الأداة الفاعلة لاحتلالها مستقبلا'. 111 الشرفة – الشلف – الجزائر السّبت 10 محرم 1447هـ، الموافق لـ 5 جويلية 2025

الإمارات تودع إحدى رائدات الإعلام والفن
الإمارات تودع إحدى رائدات الإعلام والفن

وكالة الصحافة المستقلة

timeمنذ يوم واحد

  • وكالة الصحافة المستقلة

الإمارات تودع إحدى رائدات الإعلام والفن

غيب الموت الجمعة 4 يوليو/تموز 2025، الفنانة والإعلامية الإماراتية رزيقة الطارش عن عمر ناهز 71 عاماً، بعد مسيرة ثرية امتدت لأكثر من خمسة عقود في مجالات الإذاعة والتلفزيون والمسرح. الخبر أثار موجة من الحزن بين محبيها وزملائها في الوسط الفني، حيث نعتها الفنانة البحرينية شذى سبت بكلمات مؤثرة عبر 'إنستغرام'، قائلة: 'إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله. العزيزة والغالية رزيقة الطارش في ذمة الله، الله يرحمها ويغفر لها ويسكنها فسيح جناته.' بدأت الطارش رحلتها الإعلامية من بوابة إذاعة أبوظبي عام 1969، بعد تجربة أولى ناجحة في البرامج النسائية والقصص القصيرة منتصف الستينيات، التي سلطت الضوء على موهبتها المتقدمة في وقت مبكر. ثم انتقلت إلى التلفزيون، حيث أثبتت حضورها عبر أعمال شكلت جزءًا من ذاكرة المشاهد الخليجي، مثل 'حظ يا نصيب'، و'حاير طاير'، و'القياضة'، و'سعيد الحظ'، إلى جانب تجسيدها الشخصية المحبوبة 'ميثا' في مسلسل 'أشحفان'، التي أصبحت علامة فارقة في مسيرتها. وامتد نشاطها أيضاً إلى خشبة المسرح، إذ شاركت في خمس مسرحيات بين 1969 و1979، منها 'الله يالدنيا'، و'تب الأول تحول'، ما عزز حضورها كفنانة متعددة الأبعاد. بحلول نهاية السبعينيات، بدأت الطارش مرحلة جديدة من التوسع الفني، فشاركت في أعمال درامية قوية مثل 'الشقيقان' و'الغوص'، لتواصل بعدها مسيرة تجاوزت 40 عملاً دراميًا، شملت الكوميديا والتراجيديا، وكان حضورها السنوي في الدراما الرمضانية طقسًا مألوفًا لجمهورها. وفي عام 2020 وحده، أطلت في ثلاثة مسلسلات جديدة هي: 'مفتاح القفل'، و'بنت صوغان'، و'كنا أمس'، لتظل ناشطة حتى سنواتها الأخيرة. رحلت رزيقة الطارش، لكن إرثها سيبقى حيًّا في ذاكرة الفن الخليجي، كواحدة من الأصوات النسائية المؤسسة للإعلام والدراما في الإمارات. Ask ChatGPT

اليوغا بأجساد نساء عربيات: نفس، حريّة، ومقاومة
اليوغا بأجساد نساء عربيات: نفس، حريّة، ومقاومة

شفق نيوز

timeمنذ يوم واحد

  • شفق نيوز

اليوغا بأجساد نساء عربيات: نفس، حريّة، ومقاومة

"شعرتُ بحرية عظيمة رغم أني كنت في ورشة تدريبية داخل مركز تأمُّل مغلق لا يُسمح لي بالخروج منه. سألتُ نفسي: ماذا لو شاركت هذا الشعور مع نساء يعشن قرب الجدار الفاصل (في الضفة الغربية)، أو في مخيمات اللجوء، حيث العالم الخارجي مليئ بالقيود والضغوط، لكن داخل الفرد واسع بلا حدود؟". بهذه الكلمات تصف شدن نصّار، مدربة اليوغا الفلسطينية، واحدة من اللحظات المؤسسة في مسيرتها مع اليوغا. بدأت نصّار ممارسة التأمُّل عندما كانت تتابع دراستها الجامعية في بريطانيا، لكنها سرعان ما وجدت نفسها تغوص في عالم رياضة اليوغا الرحب، بحثاً عن الاتزان الداخلي والحرية، في عالم خارجي يفتقر إلى الشعور بالأمان. هذا الشعور بالاتساع الداخلي وسط تضييق خارجي أصبح لاحقاً جزءاً من فلسفتها في تعليم اليوغا، خصوصاً للفتيات والنساء في الضفة الغربية. واليوغا هي ممارسة جسدية وعقلية وروحية قديمة نشأت في الهند منذ آلاف السنين ومارسها الرجال والنساء على حدّ سواء، وانتشرت بشكل كبير في دول العالم خلال العقدين الأخيرين. تقول نصّار لبي بي سي إنها وبعد تجربة التأملية في جنوب شرق آسيا، راودتها فكرة مشاركة هذا الشعور بالتحرر الداخلي مع نساء يعشن في أماكن فيها تقييدات جسيمة: "كانت اليوغا بالنسبة لي أداة مقاومة داخلية ناعمة، تساعدنا في إعادة بناء علاقتنا مع أجسادنا وسط بيئة قاسية". وتضيف أنّ العديد من النساء اللواتي تعاملت معهنّ في الضفة الغربية يعشن في توتر يومي مزمن، وليس مجرد صدمة عابرة. وتتابع: "جاءتني امرأة قُتل ابنها أمام عينيها، ووجدت في اليوغا ملاذاً. إحدى النساء كانت تخشى إغلاق عينيها أثناء التأمل. كانت تقول لي: 'كلما أغمضت عينيَّ، أرى سواداً ويتملكني الخوف'. وبعد أشهر من ممارسة اليوغا، جاءتني يوماً لتقول: 'أصبحت الآن أستطيع الجلوس وحدي في البيت وأغمض عينيَّ دون خوف'". ما هي اليوغا؟ وحتى نفهم التأثير النفسي والعقلي والجسدي لليوغا، علينا بدايةً أن نفهم ماهيتها. اليوغا ممارسة جسدية وعقلية وروحية تعود جذورها إلى الهند قبل آلاف السنين، وتهدف إلى تناغم الجسم مع العقل من خلال التنفس، التأمل، والحركات المدروسة. تأخذ حركات اليوغا أسماء مستقاة من الطبيعة والحيوانات؛ مثل وضعية الثعبان، المستوحاة من ثعبان الكوبرا، والتي تقوي العمود الفقري وتمنحه الليونة، ووضعية الشجرة، التي ترمز إلى المرونة، واستقرار العقل. اليوغا ليست مجرد استعراض حركي. المنطق وراء الحركات أنّ الجسم والعقل مترابطان؛ أي أن حركات الجسد يستتبعها تخفيف التوتر والضغوط. والممارسون لا يحتاجون إلى سنوات لتجربتها: يمكن للمرء، رجلا كان أم امرأة، أن تبدأ بأي مستوى جسماني، وبالممارسة واستمرارية التمرين تزداد المرونة والقوة تدريجياً. تنفس ومقاومة؟ هل يمكن أن يكون التنفس فعل مقاومة؟ وهل التأمل أداة لمراجعة علاقة الفرد بالعالم وبالظروف الضاغطة والقاهرة؟ هذا ما تجيبنا عليه شدن، حيث تقول: "لست أعلم ما إذا كنت أُدرِّس اليوغا في مكان آخر بخلاف رام الله، هل كانت علاقتي مع اليوغا ستكون بهذا العمق". وتضيف: "أحياناً عند الذهاب من مكان لآخر لتدريب اليوغا (في الضفة الغربية)، أعلق لساعات في زحمة الحواجز الأمنية. وأحياناً أشهد بنفسي على عمليات إطلاق نار على أشخاص قرب الجدار". ومنذ العام 2002، بنت إسرائيل جداراً طوله يزيد عن 700 كيلومتر على طول حدود الضفة الغربية المحتلة لعزلها. وتقول شدن إنّ ممارسة اليوغا "تقويني من الداخل. عندما يحدث موقف مثل هذا، وأرى الناس في حالة ذعر ورعب، توصلني اليوغا إلى أن أجد في داخلي مكاناً هادئاً وساكناً ومتزناً". وتضيف "الاحتلال قد يحتل أرضك، لكنه لا يستطيع أن يحتلك من الداخل أو يحتل عقلك إذا كان لديك الأدوات اللازمة للتصدي لذلك، وهذا ما علمتني إياه اليوغا، وما أعلمه بدوري للنساء في الضفة ومخيمات اللجوء". إعادة امتلاك الجسد لجسد المرأة في السياقات العربية تصوُّرات مختلفة، ويراه البعض عورة أو عيباً. قد يُختزل الجسد الأنثوي إلى مساحة تخضع للرقابة والتقييم من خلال نظرة ذكورية تُرسّخ أدواراً تقليدية وتفرض معايير صارمة للظهور والجمال والسلوك. لكنّ اليوغا مكّنت العديد من النساء من إعادة امتلاك أجسادهنّ، وتجمع المدربات الثلاث اللواتي قابلناهنّ على أنّ اليوغا غيّرت نظرة النساء، اللواتي قمن بتدريبهنّ، لأجسادهنّ تماماً. وتقول فاطمة المنصوري، وهي مدربة رائدة قدّمت اليوغا في بلادها البحرين منذ أكثر من 15 عاماً وكانت وراء اعتماد اليوغا في بلادها كممارسة طبية تكميلية: "نجد كثيراً من المتدرّبات يشعرن لأوّل مرة بأنّ أجسادهنّ مكان آمن، وليست عبئاً أو عاراً أو أداة للمقارنة مع أجساد أخرى". فيما تقول نوف المروعي، وهي من أوائل النساء اللواتي مارسن اليوغا ودرّسنها وتخصصن في تدريبها في السعودية، أنّ "من أكبر المكاسب التي تمنحها اليوغا للنساء هو الإحساس بالسيادة على أجسادهنّ". مضيفة أنه "من خلال الممارسة المستمرة، تتعلّم المرأة أن تنظر إلى جسدها كمساحة آمنة، وليس كموضوع لإطلاق الأحكام". وتقول آية قرطام، وهي مدربة يوغا مصرية، إنّ "اليوغا منحت النساء مساحة للإصغاء لأجسادهنّ، بدلاً من مراقبتها بهدف توجيه النقد لها". وتضيف: "شاهدت هذا مراراً: نساء يكتشفن أنّ باستطاعتهنّ التنفس والحركة والوجود دون أحكام". أمّا بالنسبة لها شخصياً، فتقول "اليوغا ساعدتني على تخفيف القسوة التي كنت أعامل بها نفسي، وأعادت بناء علاقتي بجسدي على أساس الرفق وليس السيطرة". من جهة أخرى، تقول المنصوري إنّ اليوغا ساعدتها أيضاً على استعادة جسدها في لحظات صعبة في حياتها. وتقول: "بدأ مشواري مع اليوغا بعد تشخيصي بمرض الفيبروميالجيا والإرهاق المزمن، وهو مرض مزمن عطّلني تماماً عن مواصلة حياتي المعتادة وعملي". وتضيف: "في تلك المرحلة، لم أكن أبحث عن اليوغا تحديداً، بل كنت أبحث عن وسيلة أستعيد بها جسدي وأساعد بها نفسي على التعامل مع مرض مزمن لم يكن له علاج واضح. وكانت اليوغا هي الملاذ والعلاج". وعلى الرغم من أنّ اليوغا ممارسة تأملية تُركز على التنفس والتأمل والوعي الجسدي، ويعني أن يصغي من يمارسها لجسده، ولما يشعر به، لما يحتاجه، بدلاً من مجرد مراقبته أو الحكم عليه، إلا أنّ الحضور القوي للجسد الأنثوي في ممارسة اليوغا، بملابس رياضية قد تُظهر تفاصيله، وبحركات توصف أحياناً بأنها "متحررة"، يصطدم في حالات كثيرة، بنظرة مجتمعية تُحمل النساء مسؤولية الشكل الذي يظهرن به وأثره المفترض على "الآخر". في هذا السياق، وجدت كثير من الممارسات والمدرّبات أنفسهن أمام معركة غير معلنة: استعادة ملكية الجسد لنفسها، بعيداً عن أعين الرقيب الخارجي. تقول المنصوري: "في البداية كنت أُسأل كثيراً عن اللباس. لماذا ترتدين ملابس ضيقة؟ لماذا هذه الوضعية؟ كأن الجسد الأنثوي خطر يجب إخفاؤه، حتى وهو يمارس شيئاً نافعاً وآمناً". من تابو إلى اعتراف رسمي لم تكن ممارسة اليوغا سهلة في كل السياقات العربية. العديد من مدربات اليوغا اللواتي تحدثت إليهن بي بي سي عربي وصفن شكوكاً مجتمعية، وأحياناً شبهات دينية، رافقت بداياتهنّ. قبل أن تلقى اليوغا رواجاً ويزداد الوعي بها في الدول العربية كممارسة تمنح الإنسان صفاء روحياً ولياقة بدنية، طالها الكثير من سوء الفهم، حيث كان يُنظر إليها في بعض الأحيان على أنها طقس ديني يرتبط بالهندوسية أو البوذية، أو خروجاً عن تصور المجتمع للدين والتدين. من الكويت، حدثتنا الشيخة شيخة الصباح، الحائزة عام 2025 على وسام "بادما شري"، أحد أرفع الأوسمة المدنية في الهند، لدورها في نشر ثقافة اليوغا في بلدها. وهي أيضاً أول كويتية تحصل على شهادة مدرّبة يوغا معتمدة. وتقول الصباح: "كنت أشعر أنني أُمارس شيئاً لا يُفهم جيداً. لم يكن هناك وعي بأن اليوغا يمكن أن تكون تمريناً للجسد والعقل، لا ممارسة دينية". لكنّ الوضع الآن تغير كثيراً، بحسب الصباح، بعد الاعتراف الرسمي بدور اليوغا، وازدياد الوعي المجتمعي بها. تروي لنا المنصوري، تجربة مشابهة. إذ قالت: "في البداية، كان هناك التباس كبير لدى الناس حول ما تعنيه اليوغا. البعض ربطها بالبوذية أو الهندوسية، لكن مع الوقت، بدأت تتضح الصورة، خصوصاً مع ازدياد عدد المدربين المعتمدين". من جهتها، تقول المروعي: "واجهت في البداية نظرات ريبة، وكانت الصورة النمطية تربط اليوغا بمعتقدات معينة. لكني كرّست جهدي في التوعية، وفي تدريب آلاف المدربات". أصبحت المروعي لاحقاً رئيسة الاتحاد الآسيوي لرياضات اليوغا، وحصلت عام 2018 على وسام "بادما شري". اليوغا كمساحة شفاء ما يُميز اليوغا ليس الجانب البدني فقط، أو أنها سبيل للحصول على لياقة بدنية عالية بل قدرتها على خلق مساحة نفسية آمنة. تقول المروعي إنّ: "اليوغا تعلمك ملاحظة أفكارك، مشاعرك، سلوكك. هي ممارسة شخصية جداً، حتى عندما تتم ضمن مجموعة. إنها تأخذك إلى الداخل، وتخلق تواصلاً عميقاً مع الجسد". أمّا المنصوري، فتؤكد أن اليوغا كانت لها شخصياً وسيلة تعافٍ: "بعد سلسلة من الأزمات الصحية والنفسية، وبعد حادث سقوط من أعلى حصان أدى إلى إصابات خطيرة في الظهر، ساعدتني اليوغا على التعافي جسديا ونفسياً، وعلى تقبل جسدي وحبه وفهمه، على أن أكون فيه لا ضده". نصّار، بدورها، تذهب إلى أبعد من ذلك: "عندما أمارس التنفس والتأمل، أشعر أنني أستعيد هذا البيت الداخلي، المكان الذي لا يستطيع أحد لمسه". وكان البحث عن الشفاء سبيل دخول المروعي إلى عالم اليوغا. تقول: "قصتي مع اليوغا بدأت عام 1998. كان عمري 17 عاماً. حينها شُخِصت بمرض مناعي، ومُنعت بسبب ذلك من ممارسة الكثير من الأنشطة. وجدت كتاباً لدى أبي، الذي كان مهتماً بفنون القتال. بدأت عن طريق هذا الكتاب ممارسة اليوغا، وبدأت أشعر بتحسن كبير في الأعراض. ومن وقتها ما توقفت عن اليوغا". وتقول قرطام "كانت اليوغا رفيقة مخلصة لي في لحظات حزن وتحولات كبيرة. لم تزل الألم، لكنها منحتني أدوات لأبقى حاضرة دون أن أغرق فيه". وتضيف "صرت أكثر صبراً، أكثر تسامحاً مع نفسي، وأقدر على التعايش مع الألم دون محاولة إصلاحه فوراً". من تجربة شخصية إلى مسؤولية اجتماعية تحوّلت قصص الممارسة الفردية إلى مبادرات جماعية، ومساحات دعم لنساء أخريات. تقول الصباح "كان حلمي أن أرى اليوغا تُدرّس في المدارس والجامعات، أن تكون أداة متاحة للجميع، وليست حكراً على النخب أو على من يسافر إلى الهند". وترى قرطام إنه من الأنانية أن يحتفظ المرء لنفسه بكنز مثل اليوغا، بل يجب مشاركته مع الآخرين حتى تعم المنفعة. وتقول: "مع الوقت شعرت أن من الأنانية أن أحتفظ بكل هذا التحول لنفسي. بدأت أشارك التجربة مع صديقاتي، ثم تحوّل الأمر إلى مسار تدريبي كامل. لم تكن المسألة تمارين جسدية فقط، بل خلق مساحات آمنة لنساء كي يتنفسن ويحررن مشاعرهن دون خوف". أمّا المروعي، فترى أنّ تمكين النساء من خلال الجسد هو مسار طويل يتطلب وقتاً وصبراً وثقة. وتضيف: "اليوغا لا تتطلب جسداً مثالياً. بل هي ما يمنح الجسد مرونته وقوته مع الوقت. من المهم أن تعرف المرأة أنها لا تحتاج لأي شرط مسبق لتبدأ، فقط النية والالتزام". قد لا تكون اليوغا، كما تقول المروعي، أداة للمواجهة المباشرة، لكنها بالتأكيد أداة للتماسك النفسي وللصمود في وجه ضغوط اليومي. تقول: "اليوغا تعلم التقبل، وتفتح الباب أمام التغيير الهادئ والمتدرج. إنها تقودك نحو ذاتك، وهنا تبدأ رحلة الشفاء". في عالم يضج بالصخب والمواجهات والصراعات، قد تكون العودة إلى التأمل والتنفس والاتصال النفسي-الجسدي خير سبيل لاستعادة الذات. وهذا ما تراه قرطام، التي تقول "العودة إلى التنفس وسط عالم يجرّنا نحو الضجيج والمقارنة، هو فعل راديكالي. السلام الداخلي قد يبدو خياراً ناعماً، لكنه في الواقع أحد أكثر الأفعال تحوّلاً وتحدّياً". وبينما لا تزال بعض المجتمعات تنظر بعين الريبة إلى اليوغا، أو تراها نوعاً من الترف أو الترفيه، يبدو أنّ نساء كثيرات في العالم العربي اخترنها وسيلة للتمكين، لا للمواجهة، أداة استعادة، لا تحدٍ، مساحة تنفس، لا صراخ. وفي ذلك، ربما، تكمن قوة اليوغا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store