
مشروع قانون ترامب للموازنة يتعثر في الكونغرس
وبعدما أقر مجلس الشيوخ الثلاثاء مشروع القانون بأرجحية صوت جيه دي فانس نائب الرئيس، كان من المفترض أن يبت مجلس النواب خلال النهار بشأن "مشروع القانون الواحد الكبير والجميل" الذي يتضمّن تخفيضات ضريبية ضخمة واقتطاعات شاملة في الرعاية الصحية بقيمة آلاف مليارات الدولارات.
غير أن معارضة عدد من النواب المحافظين أرغمت الرئيس الجمهوري للمجلس مايك جونسون على وقف آلية إقرار النص، وتعليق تصويت إجرائي لأكثر من 7 ساعات وسط جمود تعذر كسره.
ففي ظل غالبية تقتصر على 8 مقاعد، لا يمكن للحزب الرئاسي تحمل معارضة أكثر من 3 جمهوريين.
لكن بحلول منتصف الليل في واشنطن، كان آخر تصويت إجرائي قبل الإقرار النهائي يواجه 5 أصوات "معارضة" بين الجمهوريين ، ما يهدد بإسقاط مشروع القانون.
غير أنه يبقى بإمكان النواب تعديل تصويتهم قبل إغلاق عملية الاقتراع، وباشر جونسون مشاورات سعيا لإقناع المعارضين في صفوف الغالبية بتبديل رأيهم.
وأعلن في وقت متأخر ليل الأربعاء عبر شبكة "فوكس نيوز" أنه سيبقي العملية مفتوحة "للوقت اللازم".
"ماغا غير مسرورة"
من جانبه، صعّد ترامب النبرة وكتب على منصته "تروث سوشال" بعيد منتصف الليل "ماذا ينتظر الجمهوريون؟؟؟ ما الذي تحاولون إثباته؟؟؟".
وأضاف الرئيس البالغ 79 عاما والمعروف بأطباعه السريعة الغضب "ماغا غير مسرورة، وهذا سيكلفكم أصواتا"، في إشارة إلى قاعدته التي تحمل اسم شعاره الانتخابي "لنجعل أميركا عظيمة مجددا".
ويمثل هذا "القانون الكبير والجميل" مثلما أطلق عليه الرئيس، حجر الزاوية لبرنامجه الاقتصادي، وهو يحض الكونغرس منذ عدة أسابيع على إقراره قبل الجمعة، يوم العيد الوطني الذي حدّده كموعد رمزي لإصدار الموازنة.
وفي طليعة التدابير المدرجة في مشروع القانون:
تمديد الإعفاءات الضريبية الضخمة التي تم إقرارها خلال ولاية ترامب الأولى (2017-2021).
إلغاء الضريبة على الإكراميات التي كانت من أبرز وعود الرئيس الانتخابية.
توفير مليارات الدولارات الإضافية لقطاع الدفاع ومكافحة الهجرة.
وأكد ترامب الأربعاء أنه في حال إقرار المشروع، ستشهد الولايات المتحدة"نهضة اقتصادية لم تعرفها من قبل".
غير أن دراسات مستقلة تشير إلى أن الفئة الرئيسية التي ستستفيد منه ستكون الأسر الأكثر ثراء، في حين أن ملايين الأميركيين المتواضعي الدخل قد يخسرون إمكانية الوصول إلى برامج الضمان الصحي والمساعدات الغذائية.
كبح الدين
ويحذر خبراء وسياسيون من زيادة ضخمة متوقعة في العجز الفدرالي.
وتشير تقديرات مكتب الموازنة في الكونغرس المسؤول عن تقييم تأثير مشاريع القوانين على المالية العامة، إلى أن مشروع القانون من شأنه أن يزيد الدين العام بأكثر من 3.4 تريليونات دولار بحلول عام 2034، فيما سيكلف تمديد الإعفاءات الضريبية 4.5 تريليونات دولار.
وقال النائب الجمهوري عن تكساس كيث سيلف مبررا معارضته في التصويت الإجرائي: "جئت إلى واشنطن للمساعدة على كبح ديننا الوطني"، معتبرا أن الأمر في نهاية المطاف هو "مسألة أخلاقية".
وللتعويض جزئيا عن زيادة العجز، يخطط الجمهوريون لخفض ميزانية برنامج "ميدك ايد"، الضمان الصحي العام الذي يعتمد عليه ملايين الأميركيين من ذوي الدخل المحدود.
ومن المقرر تخفيض برنامج سناب للمساعدات الغذائية بشكل حاد، وإلغاء العديد من الحوافز الضريبية دعما لاعتماد للطاقة المتجددة التي أقرت في عهد الرئيس السابق جو بايدن.
ويواجه المشروع معارضة ديموقراطية موحدة في مجلس النواب.
وقال زعيم الأقلية الديموقراطية في المجلس حكيم جيفريز إن "هذه الموازنة الكبيرة البشعة تؤذي الأميركيين العاديين لتكافئ أصحاب المليارات".
ماسك ينتقد
من جانبه، انتقد الملياردير الأميركي إيلون ماسك مشروع القانون، واصفا إياه بأنه "مجنون ومدمّر تماما"، وذلك بعد أسابيع من تسوية خلاف بين الرجلين بسبب تعليقات رجل الأعمال على التشريع.
وقال ماسك في منشور على إكس "أحدث نسخة من مشروع القانون (المنظور أمام) مجلس الشيوخ ستدمر ملايين الوظائف في أميركا وستسبب ضررا إستراتيجيا هائلا لبلدنا".
وأضاف "إنه (مشروع القانون) يقدم مساعدات لصناعات عفا عليها الزمن بينما يلحق ضررا بالغا بصناعات المستقبل".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
واشنطن تعاقب إيران وحزب الله واستهداف إسرائيلي لعنصر من فيلق القدس بلبنان
أعلنت إسرائيل -اليوم الخميس- أنها استهدفت عنصرا من فيلق القدس في لبنان، في حين أظهر موقع الخزانة الأميركية فرض عقوبات جديدة على الحزب وإيران. وقال الجيش الإسرائيلي إنه نفذ غارة استهدفت عنصرا -يعمل لمصلحة فليلق القدس الإيراني- "ضالعا في تهريب الأسلحة بلبنان". ونقل مراسل الجزيرة أن مسيرة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة خلدة عند المدخل الجنوبي لبيروت. وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات جديدة على شخصيات وكيانات مرتبطة بإيران. وقد أظهر موقع وزارة الخزانة الأميركية أن الولايات المتحدة فرضت -اليوم الخميس- عقوبات جديدة متعلقة بإيران، فضلا عن أخرى تستهدف جماعة حزب الله اللبنانية. وتستهدف العقوبات أيضا شبكة أعمال تهرِّب النفط الإيراني على أنه نفط عراقي، إضافة إلى عقوبات أخرى على مؤسسة مالية يديرها حزب الله، وفق بيان الخزانة الأميركية. وأضافت الوزارة أن شبكة شركات -يديرها رجل الأعمال العراقي سليم أحمد سعيد- تشتري وتشحن نفطا إيرانيا تقدر قيمته بمليارات الدولارات، وتموّهه على أنه نفط عراقي أو ممزوج به منذ عام 2020 على الأقل. وقال وزير الخزانة سكوت بيسنت إن "الوزارة ستواصل استهداف مصادر إيرادات طهران وتكثيف الضغوط الاقتصادية لعرقلة وصول النظام إلى موارد مالية تغذي أنشطته المزعزعة للاستقرار". وتقول الوزارة إنها فرضت عقوبات أيضا على عدة سفن تتهمها بالمشاركة في التستر على نقل النفط الإيراني بما يزيد الضغط على " أسطول الظل" الإيراني. وفرضت الوزارة عقوبات على عدد من كبار المسؤولين وكيان مرتبط بمؤسسة القرض الحسن المالية الخاضعة لسيطرة حزب الله. وأضافت أن هؤلاء المسؤولين أجروا معاملات بملايين الدولارات استفاد منها حزب الله في نهاية المطاف.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
ارتفاع تلوث الطاقة بأميركا مع توسع استخدام الفحم
وصلت انبعاثات قطاع الطاقة بالولايات المتحدة إلى أعلى مستوياتها خلال 3 سنوات، ومن المرجح أن ترتفع أكثر خلال أشهر الذروة في الصيف، إذ يدفع استخدام أنظمة تكييف الهواء المتزايد إلى زيادة توليد الطاقة من المحطات التي تعمل بالفحم والغاز الطبيعي. وعلى مدى الأشهر الـ5 الأولى من عام 2025، ارتفعت انبعاثات قطاع الطاقة في الولايات المتحدة من حرق الوقود الأحفوري بنسبة 5% إلى حوالي 640 مليون طن متري، وفقا لبيانات إمبر. وتنبع الزيادة البالغة 32 مليون طن تقريبا في الانبعاثات -مقارنة بالفترة نفسها العام الماضي- بشكل رئيسي من زيادة استخدام الفحم ضمن مزيج توليد الطاقة، إذ خفضت شركات الطاقة حتى الآن استخدام الغاز الطبيعي مقارنة بالعام الماضي بعد ارتفاع أسعار الغاز. وارتفع مستوى تلوث الطاقة بنسبة 5% إلى أعلى مستوياته في 3 سنوات خلال الفترة من يناير/كانون الأول إلى مايو/أيار، مدفوعا بشكل أساسي بارتفاع بنسبة 20% على أساس سنوي في تلوث الفحم. وبدأت شركات الطاقة في زيادة توليد الكهرباء من الفحم والغاز من أجل تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء من المنازل والشركات المرتبطة بالاستخدام المتزايد لمكيفات الهواء التي تستهلك كثيرا من الطاقة. وستؤدي هذه الاتجاهات الأعلى في توليد الطاقة بدورها إلى زيادة إجمالي تلوث قطاع الطاقة، حتى مع وصول إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة النظيفة مثل المزارع الشمسية إلى مستويات قياسية. وعلى مدار النصف الأول من عام 2024، ارتفع توليد الطاقة التي تعمل بالفحم في الولايات المتحدة بنسبة 14% مقارنة بالفترة نفسها عام 2024 إلى 14.9 مليون ميغاواط في الساعة. وكان الدافع الرئيسي وراء ارتفاع استخدام الفحم هو الزيادة الحادة في سعر الغاز الطبيعي خلال الربع الأول من العام، مما فرض ضغوطا جديدة على تكاليف المرافق وحفز الاستخدام الأعلى للفحم الأرخص ضمن مخاليط توليد الطاقة. وتنتج محطات الطاقة التي تعمل بالفحم ما يقرب من 950 ألف طن متري من ثاني أكسيد الكربون لكل تيراواط ساعة من إنتاج الكهرباء، وفقًا لشركة إمبر. ويقارن ذلك بنحو 540 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون لكل تيراواط ساعة من محطات الطاقة التي تعمل بالغاز، وهو ما يفسر لماذا ارتفعت انبعاثات الوقود الأحفوري الإجمالية ارتفاعا حادا أكثر بكثير من إنتاج الطاقة من الوقود الأحفوري حتى الآن هذا العام. ويبدو أن هذا الاتجاه سيمتد هذا العام بعد أن ضربت موجات حر قياسية عدة أجزاء من الولايات المتحدة خلال النصف الثاني من يونيو/حزيران، ومن المتوقع أن تشهد مزيدا من موجات الحر خلال يوليو/تموز وأغسطس/آب وحتى سبتمبر/أيلول. ولدى الولايات المتحدة فترتا ذروة محددتان لاستخدام الطاقة كل عام للتدفئة خلال فصل الشتاء وللتبريد خلال فصل الصيف. ولمواجهة الارتفاع الناتج عن استخدام الكهرباء، ستحتاج شركات المرافق إلى إنتاج قدر أكبر من الطاقة من جميع مصادر الإنتاج، ولكن بشكل خاص من الوقود الأحفوري المطلوب لتلبية الجزء الأكبر من استخدام النظام في الليل عندما يتوقف توليد الطاقة الشمسية. وبما أن أسعار الغاز تظل أعلى بكثير من مستويات العام الماضي، فإن معظم أنظمة توليد الطاقة ستواصل إعطاء الأولوية لرفع الإنتاج من الفحم الأرخص نسبيا بدلا من الغاز الأكثر تكلفة. ويؤدي هذا إلى تمهيد الطريق لارتفاع جديد في انبعاثات الطاقة، التي وصلت بالفعل إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2022، ومن المقرر أن تصل إلى ذروتها السنوية خلال الأشهر المقبلة مع نشر شركات الطاقة كل الطاقة التي يمكنها حشدها لمواكبة الطلب.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
الانهيار الخطير للقوة البحرية الأميركية
مقدمة الترجمة في عام 2022، كتبت كوري شاك، الزميلة الأولى ومديرة دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد "أميركان إنتربرايز"، مقالا في مجلة "فورين أفيرز" يحذر من انهيار القوة البحرية الأميركية اعتمادا على كتابين هما "حكم الأمواج" لبروس جونز، و"العصر الأزرق" لغريغ إيستربروك، وكلاهما يطرح حججا قوية مفادها أن أمن الولايات المتحدة وازدهارها يعتمدان على الهيمنة البحرية، كما يحذران من أن المياه التجارية العالمية سوف تتحول مرة أخرى إلى ساحة للعنف. ترصد شاك ملامح الانحدار الخطير للبحرية الأميركية، وعلى رأسها تراجع عدد السفن التي تشغلها مقارنة بالصين، والحوادث الناجمة عن الإرهاق ونقص الصيانة والتدريب، فضلا عن التراجع الكبير في الميزانية المتصلة بتطوير قدرة أميركا البحرية، وهي ملامح لا تزال مستمرة وتتواتر إلى اليوم. وتتبّع شاك في نهجها التحليلي إطارا نقديا يستعرض أبرز ملاحظاتها على الكتابين الرئيسيين الذين تناقشهما في هذا التقرير، لكنها توضح بجانب هذا النقد، أهمية الكتابين في تسليط الضوء على الكثير من القضايا الحساسة التي تُعنى بمسألة تراجع قوة البحرية الأميركية. وقد قمنا خلال الترجمة برصد وإضافة التحديثات المهمة في هذا الصدد، ومع ذلك تبقى النتيجة النهائية التي خلصت إليها شاك، ومن ورائها جونز وإيستربروك قائمة إلى اليوم، وهي أن الولايات المتحدة تواجه تهديدا حقيقيا لهيمنتها البحرية. نص الترجمة في عام 1897، ضغط البرلمان البريطاني على جورج غوشن، اللورد الأول للأميرالية (الإدارة الحكومية المسؤولة عن قيادة البحرية الملكية البريطانية)*، بشأن التهديد المحتمل الذي يشكله التحالف البحري المتزايد بين القوى الأوروبية القارية. وعندما سُئل عما ستفعله المملكة المتحدة إذا واجهت العديد من السفن الأوروبية في البحر، أجاب غوشن: "ثق في العناية الإلهية وفي أميرال جيد" (الأميرال هو أعلى رتبة عسكرية في البحرية وغالبا ما يحوزها قائد الأسطول). وبعبارة أخرى، لم يكن لدى المملكة المتحدة إجابة جيدة على تحدٍ بهذا الحجم. واليوم يمكننا قول الشيء نفسه عن الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالتهديد الذي تشكله الصين الصاعدة بسرعة. لسنوات عديدة، تشبثت الولايات المتحدة باعتقاد "شبه ديني" مفاده أن الصين ستصبح أكثر ديمقراطية وليبرالية سياسيا مع تزايد ازدهارها الاقتصادي. والآن بعد أن دحض النظام "السلطوي" في بكين هذه النظرية، يبدو أن الشعب الأميركي لا يستطيع أن يثق إلا في الأميرالات الصالحين في البحرية الأميركية للتعامل مع التهديد الوشيك المتمثل في الصين، حتى مع اعتماد الاقتصاد الأميركي بشكل متزايد على خصم واشنطن اللدود في بكين. ويرجع هذا إلى أن المنافسة بين بكين وواشنطن ستتحول بشكل متزايد إلى صراع على القوة البحرية، وهو ما يفشل العديد من المراقبين في تقديره بشكل ملائم. كثيرا ما يسخر المحللون البحريون قائلين إن الجيش الأميركي ينبغي له في حالة اندلاع حرب مع الصين؛ أن يضرب أولا ميناء لونغ بيتش في كاليفورنيا، لأن تعطيل التجارة البحرية الصينية إلى الولايات المتحدة من شأنه أن يلحق ببكين ضررا أكبر من مهاجمة بر الصين الرئيسي. والحقيقة هي أن سلاسل التوريد العابرة للحدود الوطنية متشابكة لدرجة أن التأخيرات الناجمة عن الوباء في الصين تسببت في اختناقات مرورية باهظة التكلفة لسفن الحاويات في لونغ بيتش (بولاية كاليفورنيا)، لدرجة أن إدارة بايدن فكرت في نشر الحرس الوطني للمساعدة في حل تلك الاختناقات. لقد أدت جائحة "كوفيد-19" إلى زيادة الوعي بهذه الروابط العالمية، وحفزت بعض الحكومات على النظر في "إعادة" توطين الإنتاج داخليا، خاصة في الصناعة الحيوية، لكن شبكات الاستثمار والاتصالات والإنتاج التي تربط الاقتصادات معًا تستمر في التوسع. وتعتبر التجارة البحرية والطاقة عنصرين حيويين لهذه الشبكات العالمية، إذ يتم نقل حوالي 90% من السلع المتداولة في العالم عن طريق البحر. ورغم أنه كثيرا ما تدور المناقشات الراهنة حول أساليب القوة والاستراتيجية في القرن 21 حول الحدود الجديدة للفضاء الإلكتروني والمنافسة في الفضاء الخارجي، تبقى الحقيقة أنه -في الأمد القريب على الأقل- ستتمحور غالبية الأحداث الجيوسياسية المفصلية حول ساحة أقدم وأكثر ألفة، وهي البحر. وفي هذا الصدد، صدر قبل أعوام قليلة كتابان يقيمان التحديات البحرية ويناقشان أهمية العلاقات بين القوى البحرية المعاصرة. إن كتابيّ "حكم الأمواج" لبروس جونز و"العصر الأزرق" لغريغ إيستربروك، يتناولان في المقام الأول الأمن الدولي، استنادا إلى فرضية الخبير الاستراتيجي البحري والمؤرخ ألفريد ثاير ماهان القائلة بأن "تاريخ القوة البحرية.. هو في معظمه تاريخ عسكري". ويطرح كلا الكتابين حججا قوية مفادها أن أمن الولايات المتحدة وازدهارها يعتمدان على الهيمنة البحرية، وكلاهما يحمل في طياته نذرا بأن المياه التجارية العالمية ستتحول مرة أخرى إلى ساحة للعنف. ورغم أن هذا الطرح ربما يثير حفيظة بعض الخبراء، فإنه يقدم لأغلب القراء رؤى مفيدة حول الجوانب البحرية للاقتصاد العالمي، وصعود الصين، وقضية التغير المناخي. الأمواج الهائجة يتبنى جونز نهجًا صحفيًا، وهو يوظف الروايات حول لقاءاته ومحادثاته الخاصة كأساس لأفكاره وتفسيراته. ولتسليط الضوء على مركزية المحيطات في التجارة والاتصالات اليومية، يرسم الكاتب خريطة لشبكة ضخمة من أنابيب نقل الوقود وكبلات نقل البيانات تحت سطح البحر، ما يسلط الضوء على الاعتماد الاقتصادي العالمي على النقل البحري، ويؤكد بشكل قاطع أن المحيطات "تلعب دورا محوريا بشكل مدهش في مجال الطاقة، وفي الصراع العالمي بشأن تغير المناخ". يسعى جونز إلى إظهار أن "محيطات العالم تتحول بسرعة إلى أهم منطقة مواجهة بين الجهات الفاعلة العسكرية الكبرى في العالم"، ويرى أن أنماط التعاون التي سادت في القرن 20 آخذة في التآكل، مما يمهد الطريق لصراع واسع النطاق، وأن الصراعات الجيوسياسية تدور الآن في أعالي البحار. في ضوء هذه التوقعات القاتمة، يحذر جونز من تراجع الهيمنة البحرية الأميركية، لكن توصياته غير واقعية وتفتقر إلى الدقة التحليلية، فهو يدعو -على سبيل المثال- إلى إنشاء "تحالف من التحالفات" تعمل من خلاله الولايات المتحدة على تنسيق التعاون العالمي بين جميع الاقتصادات المستهلكة للطاقة. كما دعا واشنطن إلى "معالجة مسألة الفائزين والخاسرين من العولمة"، و"اعتماد الخطط اللازمة للحد من انبعاثات الكربون"، دون أن يقدم سوى القليل من التفاصيل حول كيفية متابعة هذه المقترحات. يدعو إيستربروك أيضا إلى الحفاظ على الهيمنة البحرية الأميركية، ولكنه يتخذ مساراً مختلفاً. ومن الواضح أن هذا الكتاب موجه بشكل رئيسي إلى أنصار اليسار السياسي، حيث يؤكد أن "كثيرًا من الناس لا يحبون المنظمات العسكرية". ويردف قائلا: "إن الأسباب التي تجعلنا نكرههم لا تحتاج إلى بيان، ويمكننا أن نحلم باليوم الذي لن تحتاج فيه أي دولة إلى جيش أو بحرية". ومن أجل جلب نوع من التوازن إلى حججه، يقدم إيستربروك "حجة ليبرالية لصالح البحرية الأميركية"، قائلا إن قوتها أدت إلى "انخفاض مذهل في معدلات الفقر في العالم النامي". ويرى إيستربروك أنه بالإضافة إلى الحفاظ على الهيمنة البحرية الأميركية، يمكن لواشنطن أن تسعى إلى تعزيز النطاق العالمي للبحرية الأميركية من خلال زيادة زيارات سفنها إلى الموانئ، وإنشاء المزيد من القواعد للدفاع عن الحلفاء، وفرض حرية الملاحة. ولكنه يضعف حجته من خلال ملاحظته أن الدَّين الوطني الأميركي أصبح بالفعل ضخما للغاية، بحيث لا يجعل مثل هذه الخطوات قابلة للتحقيق من الناحية المالية. وكشأن جونز، يقدم إيستربروك عددا من الوصفات السياسية للحل، ولكنه لا يبذل الكثير من الجهد لتقييم البدائل. بيد أن إيستربروك يبدو أكثر مثالية من جونز، حيث يقترح إنشاء "منظمة محيطات عالمية" من شأنها أن توفر "نظام حوكمة عالميا حقيقيا" لحماية حقوق العمال، وتقييد الأسلحة، وتنظيم مشاريع الطاقة البحرية، وفرض التجارة الحرة، وضمان المعايير البيئية في جميع أنحاء المياه الدولية. يقدم المؤلفان ادعاءات خاطئة تؤثر على مصداقية تحليلاتهما وأفكارهما التوجيهية. على سبيل المثال، يفسر جونز أزمة السويس عام 1956 على أنها "واحدة من اللحظات الأولى التي كان يمكن أن تتصاعد فيها الحرب الباردة إلى صراع فعلي"، في حين أن أزمة 1948-1949 بسبب الحصار السوفياتي لبرلين والحرب الكورية تتناسب مع هذا الوصف بشكل أوثق. من جانبه، يزعم إيستربروك خطأً أن "الولايات المتحدة لديها نفس العدد تقريباً من السفن البحرية الحديثة القابلة للنشر مثل كل الدول الأخرى مجتمعة"، في حين أن الصين وحدها لديها بحرية أكبر من الولايات المتحدة. كما يلقي إيستربروك باللوم في الاحتكاك بين الصين والولايات المتحدة على "تضخيم التهديدات من جانب المجمع الصناعي العسكري الأميركي والتهويل من جانب الصحفيين"، مما يعفي الصين من أي مسؤولية. وفيما يتعلق ببحر جنوب الصين، حيث انتهكت بكين بشكل روتيني السيادة الإقليمية للدول الأخرى وأنشأت جزرًا اصطناعية لإنشاء قواعد عسكرية، يخلص إيستربروك إلى أنه "حتى الآن، كانت هذه المياه سلمية وخالية من العنف في الغالب، وهو أمر لا تنال الصين أي تقدير عليه من قبل الغرب". غليان في المحيط ولكن رغم عيوبهما، يمثل كلا الكتابين محاولة رائعة لجذب القراء العاديين إلى مجالات متخصصة. إذ ولكي تتمكن الولايات المتحدة من مواجهة تحديات العولمة، وصعود الصين، وتغير المناخ، فسيحتاج الأميركيون العاديون إلى تطوير فهم أفضل للقضايا البحرية ودور بلادهم كقوة بحرية. ومن أجل أن تحافظ الولايات المتحدة على النظام الدولي المتدهور الذي أشاد به جونز وإيستربروك، فستحتاج إلى استعادة قوتها البحرية العسكرية والمدنية التي سمحت لها بالضمور. لقد مكّن الترابط العالمي الذي أشاد به المؤلفان؛ من ظهور تكتلات لوجستية خاصة هائلة الحجم، أصبحت الآن ضخمة مقارنة بأسطول الولايات المتحدة البحري التجاري، الذي يعد ضروريا لقدرة الولايات المتحدة على التعبئة العسكرية في أوقات الحروب. في عام 1950، كان الأسطول البحري التجاري الأميركي يشكل 43% من الشحن العالمي، وبحلول عام 1994 انخفضت هذه النسبة إلى 4% فقط رغم صدور قانونٍ عام 1920 يشترط أن يتم بناء السفن المارة بين الموانئ الأميركية وتسجيلها في الولايات المتحدة وتشغيلها بواسطة طاقم أغلبه من المواطنين الأميركيين. ويحتل الأسطول التجاري الأميركي الحالي، الذي يتألف من 393 سفينة، المرتبة 27 على مستوى العالم. وعلى النقيض من ذلك، تمتلك الصين ثاني أكبر أسطول بحري تجاري في العالم، وهذا لا يشمل أسطول الصيد شبه العسكري "سيئ السمعة" الذي تستخدمه بكين لشن غارات على المياه المتنازع عليها (يشير كتاب حقائق السي آي أي أن الأسطول التجاري الأميركي يقبع في المركز السابع عالميا، بينما تحتل الصين المركز الثالث وفق تقديرات عام 2023). والمشكلة هنا أن افتقار الولايات المتحدة إلى أسطول تجاري ضخم يجعل البلاد تعتمد بشكل أكبر على قواتها البحرية، التي تقلص أسطولها أيضًا بشكل حاد. كانت البحرية الأميركية تمتلك سفنا في عام 1930 أكبر مما لديها اليوم، بينما حلت الصين محل الولايات المتحدة كأكبر قوة بحرية في العالم في عام 2020. ويظل الهدف الذي وضعته وزارة الدفاع الأميركية لزيادة حجم الأسطول من 306 إلى 355 سفينة عام 2034 حلما بعيد المدى، حيث لم يوفر الكونغرس التمويل اللازم له حتى الآن. في غضون ذلك، تفرض الاستراتيجية العسكرية الحالية للولايات المتحدة ضغوطا عملياتية شديدة على هذه القوة المحدودة بالفعل. وفي ضوء استعدادات واشنطن لصراع محتمل مع الصين، والتزامها بإرسال قوات إلى أوروبا في حالة وقوع هجوم على حليف في حلف الناتو، واستخدامها للزيارات الدبلوماسية للموانئ والتدريبات العسكرية كوسيلة لتعزيز العلاقات مع الشركاء الأميركيين، فإن الجيش الأميركي يعاني من ضغوط شديدة. وفي عدد من المناسبات، بدا أن الإدارات الأميركية تضيف إلى العبء المتراكم، كما في حالة الالتزام العلني للولايات المتحدة في عهد بايدن بالدفاع عن تايوان، على خلاف سياسة واشنطن المستمرة منذ عقود في "الغموض الاستراتيجي" حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستهب لمساعدة الجزيرة في حالة الغزو الصيني. هذه المسؤوليات الصعبة مجتمعة، من غير المرجح أن تستطيع القوات الأميركية التعامل معها في الوقت الراهن. ومما يزيد الضغط على الجيش الأميركي أن القادة المسؤولين عن صياغة خطط الحرب "يفرضون مطالب ضخمة على القوات تفوق بشكل واضح قدراتها، ما يخلق فجوة ضخمة بين "الطلب" و"العرض". وحتى أسطول مكون من 500 سفينة لن يكون قادرًا على تلبية هذه المتطلبات المستحيلة. هذا التناقض الهائل بين العرض والطلب على القوات البحرية الأميركية يؤثر سلبا على أفراد الخدمة: ففي كل عام، يتم تمديد فترات نشر ما يقرب من 20 سفينة، وتقوم حاملات الطائرات بانتظام بنشر قواتها بشكل متتالٍ دون توقف للصيانة. هذه الفجوة بين الالتزامات البحرية وقدرات الأسطول تؤدي إلى استنزاف البحرية الأميركية، كما يتضح من العدد المتزايد من الحوادث في البحر. (على سبيل المثال، فقدت حاملة الطائرات هاري ترومان طائرتين من طراز إف/أي-18 سوبر هورنيت"، واحدة بنيران صديقة، والأخرى بسبب انزلاقها أثناء مناورات الحافلة لتفادي رصاص الحوثيين في اليمن مؤخرا. وحتى بعيدا عن ساحات الاشتباك، تشير تقارير قيادة السلامة البحرية الأميركية إلى زيادة معدلات الحوادث البحرية الخطيرة بين وحدات الأسطول، (ارتفع عدد الحوادث البحرية من الفئة (أ) -وهي الحوادث التي تؤدي إلى الوفاة أو العجز الدائم للأفراد أو الأضرار بالممتلكات بقيمة أكثر من 2.5 مليون دولار- إلى أعلى رقم خلال عقد من الزمن)*. وبشكل عام، ارتفع معدل الحوادث البحرية خلال السنوات الثلاث الماضية بواقع 8 حوادث في عام 2022، ومثلها في عام 2023، و10 حوادث في عام 2024. وقبل ذلك في عام 2021، ألقى مكتب المحاسبة الحكومي -وهو هيئة رقابية فيدرالية- باللوم في هذه الإخفاقات؛ على نقص أعداد الطاقم والإرهاق ونقص التدريب. وفي عام 2018، وجد تقييم داخلي للبحرية أن 85% من الضباط الصغار كانوا يفتقرون إلى المهارات اللازمة للتعامل مع السفن. وتتفاقم هذه التحديات التشغيلية بسبب التحديات الإدارية. وقد انتقد تقرير صادر عن الكونغرس عام 2022 الثقافة البحرية التي "تقدّر الأعمال الإدارية على التدريب على القتال، وقادة السفن الذين يطبقون معايير إدارية صارمة وينفرون من المخاطرة". وتؤكد انتقادات التقرير شكاوى العديد من الضباط البحريين من أن شخصا بمواصفات القائد البحري اللامع خلال الحرب العالمية الثانية تشيستر نيميتز، الذي حوكم عسكريا بسبب سلوكه المتهور في وقت مبكر من حياته المهنية ولكنه أصبح فيما بعد واحداً من أكثر الضباط شهرة في تاريخ البحرية، لن يتمكن أبدا من البقاء في ظل الثقافة البيروقراطية التي تحكم البحرية اليوم. في روايته لانحدار البحرية الملكية البريطانية، يميز المؤرخ أندرو جوردون بين نوعين من العسكريين: "صائدي الفئران" الذين يخرقون القواعد ويكسبون الحروب، و"المنظمين" الذين يتبعون القواعد ويعملون ضمن الإطار البيروقراطي ويتقدمون في الجيوش في زمن السلم فقط، لكي يخسروا الحروب بعد ذلك. ومن خلال إعطاء الأولوية للمهام الإدارية على المهارات الجوهرية اللازمة لكسب الحروب، تعمل الولايات المتحدة على إنشاء أسطول يتحكم فيه "المنظمون"، لكن كفاءته القتالية ربما تكون محل شك كبير. تغيير الموازين وغالبا ما تأتي المشكلة الثقافية المتمثلة في عدم الاهتمام بالكفاءة القتالية في البحرية الأميركية من القمة. على سبيل المثال، وجهت إدارة بايدن السابقة طاقتها نحو أولويات مثل جائحة كورونا العالمية، والركود الاقتصادي الساحق، وأزمة العدالة العرقية، وحالة الطوارئ المناخية. وفي عهده، أكدت حسابات وزارة الدفاع على وسائل التواصل الاجتماعي التزام الوزارة بتوسيع التنوع، وإنهاء التحرش الجنسي، ومعالجة قضايا المناخ. ورغم أهمية هذه القضايا، فإنها ليست الأسباب التي من أجلها وجد الجيش الأميركي. الأهم من ذلك أن البنتاغون لا يمتلك ميزانية كافية لمعالجة هذه القضايا دون استنزاف الأموال اللازمة للإنفاق على الأفراد والمعدات والعمليات (جدير بالذكر أن الرئيس دونالد ترامب ألغى سياسات التنوع في الجيش بعد توليه السلطة مطلع العام الحالي)*. وفيما يبدو، فإن تبني البنتاغون لما يُسمى "الردع المتكامل" الذي يركز على الأدوات الاقتصادية والدبلوماسية للدفاع يُعد مبررا لعدم استخدام القوة العسكرية لردع الخصوم. لفترة طويلة، أثارت مسألة نقص ميزانية القوات المسلحة الأميركية الكثير من التساؤلات تجاه التزام الإدارات الأميركية بالوفاء بالمتطلبات العسكرية. على سبيل المثال، في الميزانية التي اقترحها بايدن لعام 2022، كانت وزارة الدفاع هي الوكالة الفيدرالية الوحيدة التي لم يتم زيادة تمويلها، في حين كان من المقرر زيادة ميزانيات الوكالات المحلية الأخرى بنسبة 16% في المتوسط. في غضون ذلك، رفضت إدارة بايدن تمويل برامج مثل مبادرة الردع في المحيط الهادئ، التي تطلبت استثمارًا في القوات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والتي يعتبرها معظم الخبراء العسكريين حاسمة لردع الصين. وكان الإنفاق الإجمالي الذي خصصته إدارة بايدن للدفاع في ميزانيتها آنذاك غير كافٍ لدرجة أن الكونغرس أضاف في النهاية 24 مليار دولار إلى طلب الإدارة. (في الأعوام التالية، تفطنت الإدارة الأميركية إلى المخاطر الناجمة عن العجز في تمويل الجيش، وقامت بزيادة ميزانية الدفاع إلى 858 مليار دولار عام 2023 "وهي أكبر ميزانية دفاع في تاريخ الولايات المتحدة حتى ذلك الحين"، ثم إلى 886 مليارا عام 2024، و895 مليارا عام 2025، وهي الميزانية التي اعتمدتها إدارة بايدن قبل أسابيع على رحيلها عن المكتب البيضاوي. واليوم، تتعهد إدارة ترامب بزيادة 13% في الإنفاق العسكري خلال عام 2026، بما يعني ميزانية عسكرية تتجاوز تريليون دولار، مقابل خفض بقيمة 163 مليارا في مجالات التعليم والمساعدات الخارجية والطاقة وحماية البيئة. ومن المرجح أن يتوجه جزء من الإنفاق الدفاعي إلى خطط لبناء المزيد من السفن الحربية وفق تعهدات ترامب. ولكن حتى مع هذه الإضافة، فإن الأمر يتطلب الحفاظ على مستويات الإنفاق الدفاعية الضخمة، بل وزيادتها لفترة طويلة من أجل الوفاء بالمتطلبات الدفاعية المتزايدة للبلاد)*. لقد تسامحت الولايات المتحدة على مدى ما يقرب من عقدين من الزمن مع الفجوة المتزايدة بين وسائلها العسكرية واستراتيجيتها المعلنة. وسوف يتطلب التعامل مع هذه المشكلة من واشنطن تضييق أهدافها، وزيادة إنفاقها بشكل مطرد، أو إيجاد طرق ثورية لتحسين الأداء العسكري. ويمكن للمساهمات من الحلفاء أن تعوض بعض أوجه القصور التمويلية الحالية، لكنها لن تغطيها بصورة كاملة على الإطلاق. التغييرات في البحر من المهم أن نتذكر في هذا المقام أن سبب الهيمنة البريطانية في أواخر القرن 19 يرجع جزئيا إلى أن المملكة المتحدة كانت تعتمد بشكل كبير على سيطرتها على البحر، في حين أدى ظهور السكك الحديدية كشكل من أشكال السفر البري الموثوق به؛ إلى كسر قدرة البريطانيين على التحكم في التجارة والاتصالات. واليوم تواجه الولايات المتحدة خطرا مماثلا من أن تؤدي الاختراقات التكنولوجية والعملياتية إلى تقويض هيمنتها العسكرية أو دفعها خارج إطار الزمن. ورغم كل التركيز على أهمية القوة البحرية، فإنه لا جونز ولا إيستربروك يوليان اهتماما كبيرا للحرب البحرية الحالية والطريقة التي تتغير بها. وينبغي أن يكون الابتكار هو النقطة القوية في الجيش الأميركي، ويجب على الإنفاق الدفاعي الأميركي أن يعكس هذه الأولوية. لقد أجرى الجيش الأميركي مجموعة من التجارب في العمليات التي أسفرت عن تعديلات مهمة، مثل عودة سلاح مشاة البحرية إلى العمليات البرمائية واستثماره في وحدات أصغر حجماً وأكثر قدرة على الحركة. وتعتبر هذه الأنواع من التطورات ضرورية لمنح الجيش الأميركي الميزة التي يحتاجها للدفاع عن المصالح الأميركية، ولكنها ليست كافية، والأخطر أنها لا تحدث بالسرعة الكافية. ورغم الاختلافات الكبيرة بينهما، يتفق ترامب وبايدن على أن الصين تشكل التهديد العسكري الأساسي للولايات المتحدة، وأن منطقة المحيطين الهندي والهادئ هي المسرح المرجح لاندلاع الصراع، وهو مسرح بحري كما هو واضح. وبناء عليه، يتعين أن يعكس الإنفاق الدفاعي هذه الحقيقة، ليس فقط من خلال زيادة أرقام الإنفاق ككل، ولكن أيضا من خلال إعطاء الأولوية للبحرية الأميركية على حساب الجيش الأميركي والقوات الجوية. إن ضمان قوة البحرية أمر بالغ الأهمية، فبدون قوة بحرية قادرة وذات موارد جيدة، لن تتمكن الولايات المتحدة من الدفاع عن حلفائها في اليابان والفلبين، أو تأمين المسرح الأوسع في حال نشوب صراع. وفي هذا الصدد، فإن جونز وإيستربروك على حق تماما، فالسيطرة على البحر ستظل العامل الحاسم في القرن المقبل. تعد الولايات المتحدة قوة مهيمنة "شاذة" وغير تقليدية من حيث مشاركتها على مضض في النظام الدولي الذي خلقته بنفسها. على سبيل المثال، قادت واشنطن المفاوضات التي أدت إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، حيث صاغت "دستوراً للمحيطات" بهدف وضع معايير للنشاط البحري الدولي، ولكن الولايات المتحدة نفسها لم تصادق على الاتفاقية أبدا. وقد أدت المخاوف المتنوعة، مثل قلق الكونغرس بشأن المصالح التجارية في مجال التعدين في قاع البحار العميقة، إلى شعور الرؤساء باليأس من التصديق على الاتفاقية، على الرغم من أن وزارتي الدفاع والخارجية دعتا إلى القيام بذلك. ومع هذا التردد الرسمي في الانضمام إلى المعاهدة، فإن الولايات المتحدة لا تلتزم بشروطها فحسب؛ وبل وتفرضها على الدول الأخرى. إن ما تصفه بعض الدول "باستثنائية" السلوك الأميركي، كما يتضح من رفض واشنطن الالتزام بالاتفاقية بينما تجني فوائدها، يغذي الانتقادات بأن الولايات المتحدة زعزعت استقرار النظام الدولي وأصبحت حليفاً غير موثوق به. وفي ظل هذه الأجواء فإن إحجام واشنطن عن تعزيز قوتها البحرية يرسل رسالة خاطئة إلى حلفائها وشركائها. وإذا كانت الولايات المتحدة تريد الاستمرار في إرساء قواعد النظام الدولي وتطبيقها، فيتعين عليها أن تنتبه إلى بعض النصائح القديمة، وأولها: لا تدر ظهرك للمحيط أبدا.