
لماذا أُثيرت قضية "خور عبد الله" الآن؟ ومن يقف وراءها؟
السيادة، بالمفهوم البرجوازي للدولة القومية، غير موجودة في العراق. فهناك أكثر من خمسين نقطة وقاعدة وموقعًا عسكريًا تركيًا في كردستان العراق، فلا ذكر لها في الإعلام حتى من باب تسجيل موقف. أما الميليشيات المنضوية في "الحشد الشعبي"، الذي أُقِرَّت شرعيته بقانون صادق عليه مجلس النواب عام ٢٠١٦، فَرئيس أركانه بو فدك يعلن أنه ينتظر أوامر من المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، للرد على إسرائيل إثر اغتيالها لرئيس المكتب السياسي لحماس في طهران قبل أشهر. ولا حديث او حتى عتاب بين الأحبة على هذا التصريح -حكومة السوداني ووزرائها- وهناك مجموعات أخرى تصرّح بأن نزع سلاحها على يد الحكومة مجرّد 'وهم'، بل وتقوم بتهديد الحكومة العراقية اذا ما أقدمت عليه. وبين هذا وذاك فموسم المسيرات في ضرب الحقول النفطية في دهوك والسليمانية ومطار كركوك، في بلد، ليس لمسؤوليه شغل ولا شاغل سوى العويل والبكاء على حصر السلاح بيد الدولة وقدسية السيادة. من جهة أخرى، حوّلت كل من إيران وإسرائيل السماء العراقية خلال ١٢ يوم من القتال إلى ساحة للعبة كرة المنضدة، حيث يضرب كل منهما الآخر من خلالها. كما أن إيران بين الحين والآخر تقصف مدينة أربيل بحجة استهداف 'أوكار الجواسيس الإسرائيليين'، في حين أن أكبر وكر للتجسس على إيران والمنطقة بأكملها هو السفارة الأمريكية في بغداد، التي تعد واحد من أكبر سفاراتها في العالم ويبلغ عدد موظفيها أكثر من 5000 شخص، ومع ذلك فهي محروسة من قبل 'الحرس الثوري' وميليشياته الولائية في العراق. ورغم كل هذا، ترتفع سخونة الاحتجاجات والمطالبات حول 'خور عبد الله' والبكاء على سيادة العراق!
لماذا هذه الضجة الان حول "خور عبد الله"، ومن يقف ورائها؟:
اتفاقية "خور عبد الله" هي حصاد هزيمة العراق في احتلاله للكويت، وصادقت عليها حكومة المالكي الثانية في ٢٩ نيسان سنة ٢٠١٢، ووقع الاتفاقية عن الحكومة وزير النقل هادي العامري. وتحولت الى قانون المرقم ٤٢ عام ٢٠١٣ بعد مصادقة البرلمان ثم توقيع الرئاسة عليها ونشرت في جريدة (الوقائع العراقية) العدد ٤٢٩٩ الصادرة في ٢٥ تشرين الثاني ٢٠١٣، وأودعت في صندوق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية.
ثلاثة مشاهد ساخرة في مشهد "الصحوة الوطنية" التي اجتاحت اليوم عقول وصدور عدد من السياسيين في الأحزاب والميليشيات الإسلامية "الولائية": الأول، عددٌ ممّن يرفعون اليوم لواء الوطنية والسيادة، ويتباكون بحرقة على 'خور عبد الله'، كانوا جزءًا من حكومة نوري المالكي التي وقّعت على اتفاقية خور عبد الله عام 2012. اما المشهد الثاني: إلغاء الاتفاقية أو إبطال قانون التصديق عليها جاء بعد عشر سنوات من المصادقة عليها، وتحديدًا في 4 أيلول/سبتمبر 2023، وهو ما يطرح تساؤلات جدّية حول التوقيت والدوافع. والمشهد الأخير، أن القاضي فائق زيدان، رئيس مجلس القضاء الأعلى، كان شاهدًا على قرار المحكمة الاتحادية بإبطال القانون، وهي محكمة تُعد جزءًا من مجلس القضاء الأعلى الذي يتحكم به زيدان نفسه. لكنه اليوم، وبعد سنتين من القرار، يفاجئنا بمقالٍ في صحيفة الشرق الأوسط (الصادرة في 25 تموز/يوليو) يقول فيه إن إلغاء قانون الاتفاقية غير قانوني!
ما كان يقف خلف إبطال الاتفاقية في 2023 هو ببساطة نفوذ إيران في العراق والمنطقة. فعندما تصاعد الخلاف بينها وبين الكويت بشأن حقل الدرة النفطي والغازي الواقع في منطقة خور عبد الله، حركت طهران أذرعها في العراق للضغط على الكويت من خلال إبطال الاتفاقية. فما الذي تغيّر اليوم في المشهد السياسي، حتى ينقسم أهل 'الإطار التنسيقي' من نواب وبرلمانيين وسلطة تنفيذية وقضائية، إلى "خونة" و"وطنيين"، وإلى من يبكي بحرقة أشد من حرّ صيف العراق على السيادة وخور عبد الله، ومن يُتّهم ببيع العراق بـ'رخص التراب'؟ الجواب ببساطة، انه الشرق الأوسط الجديد. التحولات الكبرى عصفت بالشرق الأوسط، وفي القلب منها تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة.
هذه الرياح دفعت رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ورئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، إلى "الاستيقاظ من الغفوة الوطنية" – إن صح التعبير – ومحاولة اللحاق بالركب الجديد، الذي تتجه سفنه نحو الغرب. ان السوداني، الذي غرق مدّة سنتين في "الصحوة الوطنية" الإيرانية، يحاول اليوم الانسحاب من موقف إلغاء الاتفاقية، بهدف، تحسين موقعه السياسي أمام الكويت، بوصفها بوابة الخليج، وبالتالي المحيط العربي، بما يمنحه فرصة لتعزيز فرص تجديد ولايته بعد انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبلة، وإعادة التموضع سياسيًا بعد تراجع مكانة الجمهورية الإسلامية، من خلال خلق مسافة بينه وبين طهران، في محاولة لكسب رضا المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، وإظهار عدم خضوعه للنفوذ الإيراني – على الأقل في هذه المرحلة – بعد فشله في كبح جماح الميليشيات، ومحاولة تقويض خصومه السياسيين من حلفاء إيران داخل العراق، عبر تقديم نفسه كلاعب مستقل ومتوازن. في المقابل، يحاول خصوم السوداني استخدام ورقة "خور عبد الله" للظهور بمظهر 'المدافع عن السيادة'، ووصمه بالخيانة، واتهامه بعدم الأهلية لحماية مقدرات العراق، بهدف النيل منه انتخابيًا.
معضلة "خور عبد الله" لا تكمن في مَن باعها أو مَن اشتراها، ولا في التنازع بين التخوين والوطنية، ولا حتى في ما إذا كان التنازل عنها قانونيًا أم غير قانوني. فجميع الأطراف التي صادقت على الاتفاقية من مختلف الأطراف والاطياف في حكومة المالكي والبرلمان، بمختلف انتماءاتهم، سبق أن قدّموا ثروات العراق وجماهيره على طبق من ذهب للغزاة الأميركيين مقابل تنصيبهم في السلطة.
المعضلة الحقيقية تكمن في غياب الحصانة السياسية لدى الجماهير، ما يجعل من السهل اللعب على عواطفهم وجرّهم إلى أتون الصراع السياسي، مع التعمية على ما وراء هذا الصراع من ضحك على الذقون، في موسمٍ بات معروفًا بـ"الاصطياد في المياه العكرة". الإعلام المأجور والمشبوه، المملوك للأحزاب والميليشيات، ومعه جوقة السياسيين، لم يفتحوا أفواههم يومًا ولم يثيروا أي ضجة حول حقيقة أن الحكومات العراقية المتعاقبة دفعت أكثر من 52 مليار دولار إلى صندوق التعويضات للكويت – وهو مبلغ يفوق أضعاف قيمة 'خور عبد الله' نفسه.
إن التغيير الجذري في العملية السياسية، وإنهاء عمر هذه السلطة، هو الطريق الوحيد لحماية مقدّرات الجماهير وثرواتهم، وضمان توزيعها بشكل عادل. وذلك لا يمكن أن يتحقق إلا عبر حكومة غير قومية وغير دينية أي علمانية، تقرّ دستورا وقانونًا مدنيًا ضامنًا للمساواة المطلقة بين جميع المواطنين، دون أي تمييز على أساس القومية أو الدين أو الطائفة أو الجنس.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرأي
منذ 40 دقائق
- الرأي
من هي الدول التي قد تلحق بفرنسا للاعتراف بالدولة الفلسطينية؟
نشر موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت»، تقريراً حول اعتراف فرنسا المرتقب بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967. ورصد التقرير بعض الخطوات التي اتخذت في هذا الصدد، كما رصد الدول التي يمكن أن تتبع فرنسا وتتخذ خطوة مماثلة. وقالت مصادر فلسطينية للموقع العبري، إن إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، «لم يأتِ من فراغ، بل هو خطوة نضجت على مدى أشهر من المفاوضات الهادئة والضغط المتزايد من الداخل والخارج، ونتيجة مباشرة لسنوات من العمل الدبلوماسي». وأكد مصدر دبلوماسي فلسطيني رفيع المستوى، أن «الظروف كانت مهيأة بعد أن غرقت إسرائيل في وحل غزة، خصوصاً أن العالم بات يدرك أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار». ووفقًا للتقرير العبري، فإن القرار الفرنسي يستند إلى مراسلات رسمية بين ماكرون والرئيس الفلسطيني محمود عباس. وفي رسالته، أكد الرئيس الفرنسي أن الاعتراف مبني على سلسلة من الالتزامات كان أبلغها عباس لباريس، منها إدانته لهجوم 7 أكتوبر 2023، والالتزام بإجراء إصلاحات جذرية في السلطة الفلسطينية، وإجراء انتخابات عامة خلال عام تحت إشراف دولي. سيكون التالي في الوقت الحالي لا تتعجل بريطانيا الانضمام، وكذلك العديد من الدول. وأصدرت لندن بياناً مشتركاً مع فرنسا وألمانيا، دعت فيه الدول الثلاث إلى إنهاء الحرب بوقف فوري لإطلاق النار، مؤكدةً التزامها بدعم جهود الوساطة التي تبذلها الولايات المتحدة وقطر ومصر. وقال قادة الدول في بيان مشترك: «يجب أن تنتهي الكارثة الإنسانية التي نشهدها في غزة الآن. نعارض بشدة جميع الجهود الرامية إلى فرض السيادة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة». لكن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أكد الجمعة أن الاعتراف يجب أن يكون «جزءاً من خطة أكثر شمولاً»، في حين أعلنت ألمانيا انها لا تنوي فعل ذلك «على المدى القريب». وقالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني، إن الاعتراف بدولة فلسطين قبل قيامها قد يؤدي إلى نتائج عكسية. وأضافت «أنا أؤيد بشدة (قيام) دولة فلسطين، لكنني لا أؤيد الاعتراف بها قبل إقامتها». وتابعت ميلوني «إذا تم الاعتراف على الورق بشيء غير موجود، فقد تبدو المشكلة وكأنها حُلّت وهي لم تُحل». ويعتقد عوفر برونشتاين، مستشار ماكرون لشؤون الشرق الأوسط، أن دولاً أخرى ستنضم إلى فرنسا، مشيراً في مقابلة مع موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت»، إلى أن بريطانيا والبرتغال وبلجيكا ومالطا وهولندا والدنمارك والسويد ودول أخرى أعطت موافقتها الأولية لمبدأ الاعتراف بدولة فلسطينية. هدف ماكرون يورد الموقع العبري، ان اعتراف ماكرون بالدولة الفلسطينية، يأتي في ظل الوضع الداخلي المتدهور للرئيس الفرنسي، فمنذ أن حل البرلمان في يونيو من العام الماضي، ودعا إلى انتخابات مبكرة، في قرار محير لم يستطع أي معلق تفسيره، تشهد شعبية ماكرون تراجعاً ملحوظاً في الرأي العام، وأصبحت حكومته حكومة أقلية، وتعرض لإهانات برلمانية من اليسار واليمين على حد سواء. تحرك نيابي بريطاني وفي لندن، طالب أكثر من 220 نائباً في مجلس العموم، ينتمي عشرات منهم إلى حزب العمال الحاكم، الجمعة، الحكومة بالاعتراف رسمياً بدولة فلسطين، ما يزيد الضغوط على رئيس الوزراء كير ستارمر. وجاءت الدعوة في رسالة وقعها نواب من تسعة أحزاب سياسية بعد أقل من 24 ساعة من إعلان ماكرون أن بلاده ستعترف رسميا بدولة فلسطين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل. وستكون فرنسا أول دولة من مجموعة السبع، وأقوى دولة أوروبية حتى الآن، تتخذ هذه الخطوة، وهو ما أثار إدانة من إسرائيل والولايات المتحدة. ويتعرض ستارمر لضغوط محلية ودولية متزايدة في شأن الاعتراف بدولة فلسطين، مع تصاعد المعارضة للحرب المستمرة في غزة وسط مخاوف من مجاعة جماعية في القطاع المحاصر. وأشار الموقعون من أحزاب بينها حزب المحافظين من يمين الوسط والديمقراطيين الليبراليين الوسطيين، فضلاً عن أحزاب إقليمية في اسكتلندا وويلز، إلى «الروابط التاريخية لبريطانيا وعضويتنا في مجلس الأمن». كما أشاروا إلى دور بريطانيا في قيام دولة إسرائيل من خلال وعد بلفور عام 1917. وتفيد قائمة أعدتها «فرانس برس» بأن 142 دولة على الأقل من أصل 193 دولة أعضاء في الأمم المتحدة، بما فيها فرنسا، تعترف الآن بدولة فلسطين التي أعلنتها القيادة الفلسطينية في المنفى عام 1988. في عام 1947، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين التي كانت آنذاك تحت الانتداب البريطاني إلى دولتين مستقلتين، إحداهما يهودية والأخرى عربية. وفي العام التالي، أُعلن قيام دولة إسرائيل. وعلى مدى عقود، أيدت الغالبية العظمى من المجتمع الدولي مبدأ حل الدولتين اللتين يعيش فيهما الإسرائيليون والفلسطينيون جنبا إلى جنب في سلام وأمن.


المدى
منذ 2 ساعات
- المدى
لقاء بين حسين خليل وطلال ارسلان في خلدة… هذا ما بحثاه
التقى المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل الأمير طلال إرسلان في دارته في خلدة حيث بحث الطرفان آخر المستجدات السياسية والأمنية التي تمر بها المنطقة ولبنان وسوريا وتوقف الطرفان عند الأحداث الأليمة التي حصلت في محافظة السويداء حيث أكدا على حق كل المكونات السورية في أن تكون محمية في بلادها وشريكة في الحكم وإدارة البلد. كما استنكرا الاعمال الاجرامية الشنيعة والقتل المروع في السويداء وجوارها الذي يغذي روح الفتنة والتناحر في المنطقة ولا يخدم إلا المخطط الصهيوني العدواني. واستنكر الطرفان الاعتداءات الإسرائيلية الاجرامية اليومية على لبنان ارضاً وشعباً ومنشآت مطالبين الدولة اللبنانية بجميع أركانها القيام بكل ما يلزم داخلياً وخارجياً لوضع حد لهذه الأفعال الاجرامية. وقد ادان الطرفان العدوان الصهيوني الغادر بحق الشعب الفلسطيني المظلوم في غزة والضفة، وسياسة التجويع القاتل، في ابشع مجزرة ترتكب في هذا القرن بهدف تهجير الشعب الفلسطيني من ارضه ووطنه.


المدى
منذ 2 ساعات
- المدى
واشنطن بوست عن مسؤول بالبيت الأبيض: ترامب يعتقد أن الوضع في غزة كارثي ويجب أن ينتهي
The post واشنطن بوست عن مسؤول بالبيت الأبيض: ترامب يعتقد أن الوضع في غزة كارثي ويجب أن ينتهي appeared first on AlMada - أخبار لبنان والعالم.