logo
انقطاع غاز الاحتلال عن الأردن يعزز مطالب البحث عن خيارات آمنة

انقطاع غاز الاحتلال عن الأردن يعزز مطالب البحث عن خيارات آمنة

العربي الجديدمنذ 3 أيام
فتح انقطاع
الغاز الطبيعي
عن الأردن الذي يحصل عليه من إسرائيل في أعقاب عدوانها على إيران في الثالث عشر من يونيو/ حزيران الجاري وتبادل الضربات بين الجانبين لنحو 12 يوماً، الباب مجدداً أمام مطالبات أردنية بالبحث عن بدائل آمنة للإمدادات وإعادة النظر في اتفاقية استيراد الغاز من الكيان المحتلّ والعمل على إلغائها.
وقد أوقفت إسرائيل ضخّ الغاز إلى الأردن خلال عدوانها على إيران، ما اضطر الجانب الأردني للتحول لاستخدام الوقود الثقيل لإنتاج التيار الكهربائي بكلف مرتفعة، والحصول على كميات من الغاز من مصر لإدامة توفر الكهرباء لمختلف الاستخدامات، كما أوقفت الحكومة تزويد المصانع بالغاز الطبيعي بسبب تلك الأوضاع، ليتم بعد وقف الحرب استئناف الإمدادات، وفق شركة الكهرباء الوطنية الأردنية المملوكة بالكامل للحكومة. وتعهّدت الحكومة الأردنية بتحمّل أي كلف إضافية لتوليد الكهرباء بسبب انقطاع الغاز الإسرائيلي حينها وعدم زيادة الأسعار لتغطية الفروقات المالية اللازمة لعمليات التوليد.
وكانت اتفاقية الغاز مع إسرائيل قد جوبهت بمعارضة شعبية ونيابية ونقابات مهنية وأحزاب وغيرها في الأردن، للضغط باتجاه عدم توقيعها، لكن الحكومة رأت فيها مصلحةً اقتصاديةً وذهبت لإتمامها. وأكد خبراء ومختصون أهمية اعتبار ما حدث من توقف لضخ الغاز من قبل سلطات الاحتلال وقفةً لمراجعة واقع الطاقة في الأردن وتعزيزه وعدم البقاء عرضةً لاحتمالات انقطاع الغاز، وربما تعمد الكيان المحتل ذلك مستقبلاً، في إطار ممارساته غير المشروعة بشكل عام في المنطقة.
الخبير في قطاع الطاقة والنفط هاشم عقل قال لـ"العربي الجديد" إنه في ظل التحديات الإقليمية والتقلبات السياسية، باتت مسألة أمن الطاقة في الأردن أولوية وطنية لا يمكن تجاهلها، خصوصاً مع تكرار انقطاعات الغاز الطبيعي، الذي يشكّل أحد الأعمدة الرئيسة في توليد الكهرباء.
وبين الاعتماد على الواردات الخارجية وضعف الإنتاج المحلي، يقف الأردن أمام معادلة صعبة تتطلّب استراتيجيات مدروسة لضمان أمن التزود بالطاقة واستقرار الأسعار، وفق عقل، مشيراً إلى أن الأردن لا يزال يعتمد بشكل كبير على الغاز المستورد عبر خطوط أنابيب إقليمية، ما يجعله عرضة لمخاطر سياسية أو فنية مفاجئة.
وأكد أن تنويع المصادر بات ضرورة، عبر توقيع اتفاقيات مع دول منتجة، مثل قطر أو الجزائر، إضافة إلى تعزيز استيراد الغاز المسال عبر ميناء العقبة، ما يتيح مرونة واستقلالية في إدارة الإمدادات. وأضاف أن الأردن يعوّل على تطوير حقل الريشة وزيادة إنتاجه من الغاز الطبيعي، لكن التقدم لا يزال محدوداً. وقال: "المطلوب اليوم هو تسريع أعمال التنقيب وجذب استثمارات جديدة من الشركات العالمية لتوسيع نطاق الإنتاج المحلي، ما يقلل من التبعية ويمنح الأردن قدرة تفاوضية أكبر، ومع ارتفاع كلف الوقود التقليدي، تتجه الأنظار إلى الطاقة المتجددة كمصدر آمن".
طاقة
التحديثات الحية
الأردن يفعّل خطة طوارئ ويعلّق مؤقتاً إمدادات الغاز إلى المصانع
بدوره، قال المدير العام الأسبق لشركة الكهرباء الوطنية الحكومية عبد الفتاح الدرادكة إن الأردن شهد في 13 يونيو/ حزيران واحدة من أبرز الأزمات التي تعرّض لها قطاع الطاقة خلال السنوات الأخيرة، تمثلت بانقطاع الغاز الطبيعي القادم من شرق البحر المتوسط، والذي انعكس مباشرة على كلفة إنتاج الكهرباء، وأثار العديد من التساؤلات حول مدى جاهزية النظام الكهربائي الوطني لمواجهة مثل هذه التحديات.
وأضاف الدرادكة في تحليل له حول حادثة انقطاع الغاز الإسرائيلي أنه رغم التقدّم المحرَز في تنويع مصادر الطاقة، فإن هذه الأزمة جاءت لتؤكد الحاجة المُلِحّة إلى تعزيز أمن التزوّد بالطاقة، وإعادة تقييم البنية التحتية الحالية، والتسريع بتنفيذ المشاريع الاستراتيجية.
وأشار إلى أن هذه الأزمة جاءت في وقت حرج، إذ كانت الباخرة العائمة الخاصة بتخزين وتغييز الغاز الطبيعي المسال (FSRU)، والتي تعتمد عليها المملكة الأردنية منذ عام 2015، قد غادرت المياه الأردنية بعد انتهاء عقد استئجارها. وكانت هذه الباخرة تُمثل ركيزة أساسية في استقبال شحنات الغاز المسال وإعادة تحويلها إلى الحالة الغازية لتغذية محطات الكهرباء، وذلك قبل سريان اتفاقية الغاز مع شركة "نوبل إنرجي" الإسرائيلية حيث أصبحت بعد ذلك ومنذ عام 2020 تمثل احتياطياً استراتيجياً لانقطاع الغاز من شرق البحر المتوسط ولغاية تاريخ انتهاء عقدها هذا العام.
وأضاف الدرادكة أن غياب الباخرة الأولى قبل جاهزية البديلة والوحدة الشاطئية، خلق فجوة حرجة في سلسلة التوريد، ما ساهم في حدوث هذه الأزمة، بالتزامن مع انقطاع الغاز المستورد من البحر المتوسط. وأشار إلى أنه يجرى العمل حالياً على استئجار باخرة بديلة بنظام التأجير التمويلي لمدة عشر سنوات، بحيث تنتقل ملكيتها لاحقاً للحكومة، وفي الوقت ذاته، يتم إنشاء وحدة تغييز شاطئية في ميناء العقبة (جنوب الأردن)، من المقرر الانتهاء منها في عام 2026، لتكون البنية التحتية الأساسية الدائمة لاستقبال الغاز المسال.
وبحسب التقديرات الرسمية، أدى انقطاع الغاز إلى زيادة الكلف اليومية لإنتاج الكهرباء بمعدل 1.8 مليون دينار (2.53 مليون دولار)، رغم الإجراءات السريعة التي اتخذتها والحكومة للتخفيف من الأثر، مثل استيراد نحو 100 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز المصري، في وقت تُعاني فيه مصر نفسها من شح الغاز المحلي.
طاقة
التحديثات الحية
الأردن يعلن استقرار الكهرباء ونجاح تحديث شبكات المياه
ولعبت الطاقة المتجددة دوراً كبيراً في امتصاص حدة الأزمة، إذ بلغت مساهمتها نحو 27% من إجمالي توليد الكهرباء، إضافة إلى 16% من النفط الصخري. هذا التنوع في المصادر أسهم في تجنّب تكرار السيناريو الكارثي لعام 2011، حين انقطع الغاز المصري وكانت مساهمته تفوق 80%، ما أجبر الأردن على استخدام الديزل والوقود الثقيل، بكلفة تجاوزت عشرة أضعاف كلفة الغاز، مما تسبب حينها في خسائر يومية بلغت 4 ملايين دينار، وتراكم ديون وصلت إلى 4.75 مليارات دينار (6.69 مليارات دولار) في نهاية عام 2015.
وقال الدرادكة إن هذه الأزمة كشفت عن نقاط ضعف لا يمكن تجاهلها، وأظهرت في الوقت ذاته أهمية الاستمرار في إصلاحات قطاع الطاقة. ومن أبرز الدروس المستفادة أهمية التخطيط المسبق لمرحلة انتقالية بين مغادرة الباخرة العائمة ASKEMO ووصول الباخرة الجديدة والتي ستستعمل كخزان للغاز المسال واستكمال وحدة التغييز الشاطئية. كذلك تبرز الحاجة إلى وجود احتياطي تشغيلي دائم من الوقود البديل (ديزل وزيت وقود ثقيل) في محطات التوليد ومرافق الشركة اللوجستية، وأهمية الربط الكهربائي الإقليمي، وخصوصاً مع المملكة العربية السعودية التي تمتلك قدرة إنتاجية هائلة يمكن أن تساند الأردن في حالات الطوارئ، وفق الدرادكة.
وأكد أن ضمان استمرارية التيار الكهربائي ليس مجرد شأن فني أو تقني، بل هو عنصر أساسي في الأمن الوطني والاقتصادي والاجتماعي، وكلما كانت الخطط الاستراتيجية أكثر شمولاً واستباقية، كلما تمكن الأردن من مواجهة التحديات بثقة وكفاءة.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

منظمة التحرير تشكل فريقاً قانونياً لمواجهة دعاوى التعويضات الإسرائيلية
منظمة التحرير تشكل فريقاً قانونياً لمواجهة دعاوى التعويضات الإسرائيلية

العربي الجديد

timeمنذ ساعة واحدة

  • العربي الجديد

منظمة التحرير تشكل فريقاً قانونياً لمواجهة دعاوى التعويضات الإسرائيلية

أعلنت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، اليوم الثلاثاء، عن قرارها تشكيل الفريق القانوني الوطني لمواجهة دعاوى التعويضات الإسرائيلية المزعومة. وتُعدّ قضية التعويضات التي تفرضها إسرائيل على السلطة الفلسطينية من أبرز أزمات أموال المقاصة ، إذ تخصم إسرائيل، منذ سنوات، وبشكل أحادي، مبالغ كبيرة بدعوى تغطية ديون الكهرباء والمياه ورواتب الأسرى والشهداء، معتبرة هذه المخصّصات دعماً للإرهاب، وهو ما يتسبب بأزمة مالية للسلطة الفلسطينية. وناقشت اللجنة التنفيذية، خلال اجتماع لها، دعاوى التعويضات المرفوعة أمام المحاكم الإسرائيلية ضد منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية، ووضعت استراتيجية قانونية وطنية ودولية لحماية المال العام الفلسطيني وحقوق الشعب الفلسطيني وممثليه الشرعيين، وأكدت اللجنة التنفيذية أهمية تحرك المجتمع الدولي لوضع حد لاستمرار دولة الاحتلال الإسرائيلي في سرقة أموال المقاصة تحت ذرائع واهية، كما قرّرت بذل المزيد من الجهود مع الأشقاء العرب للالتزام بتنفيذ ما قررته القمم العربية المتعاقبة بشأن تقديم المساعدات لدولة فلسطين في إطار الالتزامات وشبكة الأمان العربية. وعقدت اللجنة التنفيذية اجتماعاً استعرضت فيه الأوضاع السياسية والأمنية، خاصّة أعمال التخريب والتدمير وجرائم القتل التي تقوم بها عصابات المستوطنين بحقّ أبناء الشعب الفلسطيني في مختلف مناطق الضفة الغربية، بمساعدة جيش الاحتلال ورعاية حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، إضافة إلى الاستيلاء على أراضي ومزارع المواطنين، وتهجيرهم، وحرق منازلهم، وتحويلها إلى مقرات عسكرية لقوات الاحتلال. أخبار التحديثات الحية نواب بالكونغرس الأميركي لترامب: أوقف عسكرة الغذاء في غزة كما اتخذت اللجنة التنفيذية مجموعة من القرارات والإجراءات الخاصة ببقية بنود جدول أعمالها ومتابعة تنفيذها. وطالبت اللجنة التنفيذية، في بيان لها عقب الاجتماع، بحصر وتوزيع المساعدات الإنسانية من خلال وكالة "الأونروا" وحدها دون غيرها. وأكدت ضرورة توحيد جهود القوى والفصائل الفلسطينية كافة، والتصدي لمحاولات الضمّ الصامت لأراضي الفلسطينيين التي تقوم بها سلطات الاحتلال، ودعت إلى تعزيز الوحدة الوطنية على الأرض، وتنظيم لجان الحماية في جميع المناطق، لنكون أكثر قوة وفعالية في مجابهة قطعان المستوطنين وأعمالهم الوحشية، مؤكدة تلاحم المؤسّسات الوطنية كافة مع أبناء الشعب الفلسطيني، وتوفير الإمكانيات المادية اللازمة لهم في معركتنا لإفشال المخططات الاستيطانية. كما ناقشت اللجنة التنفيذية الأوضاع في قطاع غزة، في ظل استمرار الحصار وحرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها جيش الاحتلال بحق أبناء شعبنا، وحرمانهم من أبسط مقومات العيش والحياة، حتّى الأطفال الرضع منهم. وفي السياق ذاته، دعت اللجنة المجتمع الدولي ومؤسّساته إلى وقف فوري لإطلاق النار، بالتزامن مع تقديم وتنظيم المساعدات الإنسانية لأهالي قطاع غزة. وأكدت اللجنة التنفيذية استمرار الجهود السياسية والدبلوماسية عربياً وإقليمياً ودولياً، من أجل سرعة انعقاد المؤتمر الدولي الذي كان مقرراً في شهر يونيو/ حزيران في نيويورك، برئاسة المملكة العربية السعودية وفرنسا، تحت مظلة الأمم المتحدة، من أجل تطبيق قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، وفي مقدمتها حل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية على طريق إنهاء الاحتلال. وقرّرت اللجنة التنفيذية العمل على عقد اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني مباشرة بعد وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

البرلمانية غيليبراند تعتذر لمرشح بلدية نيويورك زهران ممداني عن تصريحات بشأن 'الجهاد'
البرلمانية غيليبراند تعتذر لمرشح بلدية نيويورك زهران ممداني عن تصريحات بشأن 'الجهاد'

القدس العربي

timeمنذ 2 ساعات

  • القدس العربي

البرلمانية غيليبراند تعتذر لمرشح بلدية نيويورك زهران ممداني عن تصريحات بشأن 'الجهاد'

نيويورك- 'القدس العربي': قدّمت السيناتورة الديمقراطية عن ولاية نيويورك، كيرستن غيليبراند، اعتذارها لمرشح بلدية نيويورك زهران ممداني، بعد أن زعمت في وقت سابق أنه سبق له أن تحدّث عن 'الجهاد العالمي'. ووفقًا لتقرير حصلت عليه صحيفة بوليتيكو، فقد أجرى ممداني وغيليبراند مكالمة هاتفية مساء الإثنين، تزامنًا مع التصويت على مشروع قانون الرئيس دونالد ترامب المعروف باسم 'مشروع القانون الجميل والكبير'. وجاء في ملخص المكالمة أن 'غيليبراند اعتذرت عن سوء توصيفها لسجل ممداني، وعن نبرة حديثها خلال الاتصال'، بحسب ما نقلته الصحيفة. وكانت غيليبراند قد صرّحت مؤخرًا، خلال ظهور إذاعي في برنامج براين لير على محطة WNYC، بأنها تلقت رسائل من ناخبين في نيويورك أعربوا عن قلقهم إزاء تصريحات علنية أدلى بها ممداني دفاعًا عمّن يدعون إلى 'الانتفاضة العالمية'. وأضافت أن ممداني استخدم مصطلح 'الجهاد العالمي' خلال ظهوره، إلا أن مدير الاتصالات في مكتبها أوضح لاحقًا في منشور على منصة 'إكس' أنها أخطأت في التعبير. وقالت غيليبراند في ظهورها الإذاعي: 'هذا أمر بالغ الخطورة، لأن من يمجّدون قتل اليهود يزرعون الخوف في مجتمعاتنا. 'الانتفاضة العالمية' تعني تدمير إسرائيل وقتل جميع اليهود'. وأضافت: 'إذا تم انتخاب السيد ممداني رئيسًا لبلدية نيويورك، فعليه أن يطمئن جميع سكان المدينة بأنه سيحمي اليهود ودور العبادة، ويدعم التمويل المخصص للمؤسسات غير الربحية التي تلبي احتياجات هذه المجتمعات'.

"نُحرّركنّ بالقنابل": تفكيك خطاب النسوية الأمنية
"نُحرّركنّ بالقنابل": تفكيك خطاب النسوية الأمنية

العربي الجديد

timeمنذ 2 ساعات

  • العربي الجديد

"نُحرّركنّ بالقنابل": تفكيك خطاب النسوية الأمنية

في الأحداث الكبرى، كالحروب والأوبئة، غالباً ما يتصدّر الرجال المشهد. رؤساء، وجنرالات، وأطباء، وعلماء، يحتلون الشاشات والتصريحات والتهديدات. وليست هذه المطالعة بصدد مناقشة ذلك كله. لكن هذه الذكورة التي تحتل مشاهد العنف المُقبلة علينا منذ أشهر، وقد اشتدّت في الأيّام الماضية مع بدء العدوان الإسرائيلي على إيران، ثمّ تحوّله إلى مواجهة عسكرية يومية، أعادت النساء إلى الواجهة، على عكس المتوقع، أو ربّما المتوقّع تماماً. في مستهل هذه الحرب، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن إسرائيل تعبّد بحربها هذه "طريق الحرية" أمام الإيرانيين. لتكرّ بعدها سبحة التحليلات عن أوضاع الإيرانيات داخل بلادهن... وبطبيعة الحال، لا يحتاج العالم، ولا الإيرانيات أنفسهنّ، إلى التذكير بأنّهن يعشْن وسط قوانين متشدّدة، وتحت سلطة أبوية/ دينية تجعل الخروج بلا حجاب سبباً للاعتقال والتعذيب، والموت، كما حصل مع الشابة مهسا أميني في سبتمبر/ أيلول 2022. يمكن كتابة موسوعة من أجزاء متعدّدة عن نضال النساء الإيرانيات ضد السلطة الذكورية/ الدينية، والقمع، والمراقبة. لكنّ كلّ ما سبق يخرج من سياقه حين يقرّر مجرم حرب مثل نتنياهو استغلاله لتبرير قصف إيران. وهذا ما عبّرت عنه ناشطات إيرانيات منذ اللحظة الأولى للحرب، رفضن أن يُستخدم نضالهنّ ذريعة لتدمير بلادهنّ وقتل المدنيين، ولعلّ الموقف الأبرز هو الرسالة التي وقّعت عليها أربع نساء مُعتقلات في سجن إيفين شمال غرب طهران: ريحانة أنصاري، وسكينة بروانه، ووريشه مرادي، وغُلنرخ إيرايي، رفضن فيها ربط تحرّر الإيرانيات بـ"التعلق بالقوى الأجنبية أو تعليق الآمال عليها"، مؤكدات أن هذا التحرر يحصل من خلال "نضال الجماهير والاعتماد على القوى الاجتماعية". ما يُقال عن أوضاع النساء في إيران، يُقال أيضاً عن حال أغلب النساء في منطقتنا المهمّ أن ما يُقال عن أوضاع النساء في إيران، يُقال أيضاً عن حال أغلب النساء في منطقتنا. فالقوانين والتشريعات التي ترعى التمييز، والتقاليد الاجتماعية التي تحوّل الاضطهاد إلى قاعدة، واقع تعيشه ملايين النساء، ويدفعن ثمنه في أغلب جوانب حياتهن. منذ 2001 في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2001، وقفت السيّدة الأولى في الولايات المتحدة، لورا بوش، أمام الميكروفون لتُلقي خطاباً غير مسبوق: "حربنا على الإرهاب هي أيضاً حربٌ من أجل كرامة النساء وحقوقهن". لم تكن كلماتها في ندوة نسوية أو بيان من منظمة حقوقية، بل جاءت ضمن حملة تعبئة سياسية وعسكرية لشرعنة غزو أفغانستان، الذي كان قد بدأ قبل شهر فقط. النساء الأفغانيات، ببرقعهنّ وصورهنّ في تقارير الإعلام الأميركي، تحوّلن بين ليلة وضحاها إلى ذريعة إنقاذ استُخدمت لتبرير القصف والاحتلال. من أفغانستان إلى العراق، وصولاً إلى إيران حيث رفعت النساء شعار "نساء، حياة، حرية"، لم تتردّد الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل في اعتناق الخطاب النسوي لخدمة أهداف عسكرية أو جيوسياسية. بات تحرير المرأة، فجأة، مهمة جليلة تتولاها الصواريخ والطائرات المسيّرة. لكن، ماذا عن النساء اللواتي يمتن تحت هذه الصواريخ؟ وماذا عن النساء الفلسطينيات؟ وماذا عن شرعية هذا الخطاب، حين يتبنّاه رجل مثل بنيامين نتنياهو؟ هنا محاولة لفكفكة هذا الخطاب، وتشريح علاقته بما تُعرف اليوم بـ"النسوية الأمنية (Securofeminism) التي تتحالف مع القوة والسلاح تحت غطاء الدفاع عن النساء. وهو، في الوقت نفسه، تذكير بأن القضايا العادلة، حين تقع في فخ الاستخدام السياسي، تفقد جوهرها وتتحوّل أدواتٍ للتلاعب والهيمنة. القضايا العادلة، حين تقع في فخ الاستخدام السياسي، تفقد جوهرها وتتحوّل أدواتٍ للتلاعب والهيمنة في أعقاب عمليات 11 سبتمبر (2001)، احتاجت إدارة جورج بوش الابن إلى غطاء أخلاقي لحربها في أفغانستان. لم يكن كافياً الحديث عن ملاحقة تنظيم القاعدة، ولا عن إسقاط نظام حركة طالبان، فاستحضرت الإدارة الأميركية ملف النساء: تلك الكائنات المسجونة في المنازل، المحرومة من التعليم والموسيقى، والمُجبَرة على ارتداء البرقع. ثم سرعان ما تعزّزت هذه الصورة بمساعدة الإعلام الأميركي، الذي نشر تقارير عن نساء يُعدن إلى المدارس، ويخلعن البرقع، وكأن تحرير المرأة بات فعلاً مرادفاً للاحتلال. مجلّة "تايم" نشرت غلافاً شهيراً لامرأة أفغانية مشوّهة الوجه وكتبت عليه: "ما سيحدُث لو تركنا أفغانستان". لكن الحقيقة أن هذه المرأة لم تُشوّه على يد "طالبان"، بل نتيجة عنف أسري، بعدما اعتدى عليها زوجها. ولم يأتِ أحد على ذكر أن هذه الحكايات، حين تُروى على لسان قوّة احتلال، تتحوّل إلى مسرحية أيديولوجية، لا إلى تعبير عن تضامن. اللافت أن هذا الخطاب لم يكن حكراً على السياسيين، فقد انخرطت نسويات غربيات بارزات في حملة التبرير: منظمّات أميركية مثل Feminist Majority Foundation دعمت الغزو، وصحافيات وناشطات تبنّين فكرة أن القنابل قد تُنبت مدارس للبنات. حتى مجلة Ms النسوية، رحّبت بالتدخل العسكري بوصفه نصراً للنساء. لكنّ ما حدث فعلاً أنّ الأفغانيات عانين من تحالف الولايات المتحدة مع أمراء الحرب الذين لم يكونوا أقلّ قمعاً من حركة طالبان، وفق تقارير حقوقية عديدة. لم يُستشَرن، لم يُصغَ إليهن، بل حُوِّلن إلى أدوات بروباغندا. عانت الأفغانيات من تحالف الولايات المتحدة مع أمراء الحرب الذين لم يكونوا أقلّ قمعاً من حركة طالبان طرحت الباحثة الأنثروبولوجية، ليلى أبو لغد، سؤالاً حاسماً: "هل تحتاج النساء المسلمات إلى إنقاذ؟". أما الأكاديمية والناقدة الأميركية ــ الهندية غاياتري سبيفاك، فوصفت ذلك بنموذج "الرجل الأبيض الذي ينقذ النساء الملونات من الرجال الملونين". إنها نسخة القرن الواحد والعشرين من عبء الرجل الأبيض الاستعماري. وقد أظهرت التجربة أن "الإنقاذ" لم يأتِ إلا بمزيد من الفوضى، ومزيد من العنف، ومزيد من استغلال النساء. كانت النتائج على الأرض كارثية. الأفغانيات، بدلاً من أن يحصلن على الحماية والفرص، وجدن أنفسهن بين نيران "طالبان" وفساد الحكومة الأفغانية المدعومة من واشنطن. بل تعرّض بعضهن للاغتصاب من مليشيات مدعومة من أميركا. وبعد عقدين من الحرب، عادت "طالبان" إلى الحكم، وعادت النساء إلى دائرة القمع القاتل، من دون اهتمام إعلامي غربي هذه المرّة. العراق أيضاً عندما بدأ التمهيد لغزو العراق عام 2003، استخدمت إدارة بوش الخطاب نفسه. صحيح أن أسلحة الدمار الشامل كانت الحجّة الأولى، لكن خطاب "تحرير المرأة العراقية" ما لبث أن أصبح جزءاً من آلة ترويج الحرب. وقد صرّح مسؤولون أميركيون علناً إن المرأة العراقية ستنتقل من القمع إلى الحرية بفضل الاحتلال. روّجت حملة بعنوان W stands for Women لتُظهر أن الرئيس بوش يدافع عن النساء. ظهرت البرلمانيات العراقيات الجديدات في المؤتمرات الصحافية الأميركية، في استعراض تمثيلي شكلي في برلمان طائفي. وعلى أرض الواقع، انقلب كلّ شيء: تدهورت البنية التحتية، تفاقم العنف، تراجعت مشاركة النساء في الحياة العامة، وارتفعت نسب الفقر والانتحار والزواج المبكر. المرأة العراقية، التي كانت حتى قبل الحرب من الأكثر تعليماً ومشاركة في العمل في العالم العربي، خسرت مكتسباتها. وازدادت جرائم العنف الجنسي التي ارتكبها الجنود الأميركيون ضد العراقيات، منها على سبيل المثال جريمة المحمودية عام 2006، حين اغتصب خمسة جنود أميركيين الطفلة العراقية عبير قاسم حمزة الجنابي (14 عاماً) ثم قتلوها بعد قتل كل أفراد أسرتها، وحرقوا المنزل والجثث لإخفاء جريمتهم. ببساطة، لم يكرّس النظام الجديد الذي روّجته الولايات المتحدة أي مكاسب حقيقية للنساء، بل سلّم السلطة لأحزاب طائفية ومحافظة، تقلّص معها دور المرأة، وارتفعت معدّلات العنف القائم على النوع الاجتماعي. حتى القوانين التي كانت تحمي بعض حقوق النساء جرى تهميشها، وأعيد إنتاج البنية الأبوية باسم الديمقراطية. النظام الجديد الذي روّجته واشنطن في العراق لم يكرّس أي مكاسب حقيقية للنساء، بل سلّم السلطة لأحزاب طائفية ومحافظة، تقلّص معها دور المرأة في كتابها "ضد النسوية البيضاء" (Against White Feminist)، الصادر عام 2021، تشرح الكاتبة الأميركية (باكستانية الأصل) رافيا زكريا، أنها في خضم الاحتلال الأميركي للعراق، لم تكن برامج "مكافحة الإرهاب" مجرّد خطط أمنية، بل كانت أيضاً مشاريع اجتماعية – فاشلة – حاولت إعادة هندسة علاقة النساء بعائلاتهن ومجتمعاتهن، تحت شعار "التمكين". من بين أبرز هذه البرامج، تبرز مبادرتان: "بنات العراق" و"أخوات الفلوجة"، وهما مشروعان أميركيان تأسّسا خلال سنوات الاحتلال لتجنيد النساء العراقيات في أدوار أمنية واستخبارية، مهمّتهن الرئيسية: التجسّس على الرجال في مجتمعاتهن (الأشقاء، الأزواج، والآباء) تحت ذريعة مواجهة التطرّف. بدا أن الرهان الأميركي يقوم على فكرة أن المرأة العراقية جاهزة للتخلي عن روابطها العائلية، للتحالف مع القوة الأجنبية المحتلة، ما إن يُعرض عليها دور "الشرطية" أو "المخبرة" باسم الحرية. لكن ما قُدِّم كمشروع تحرير أو تمكين، تحوّل في الواقع إلى شكل عنيف من "استخدام النسوية سلاحاً"، بحسب رافيا، إذ تحوّلت المرأة من كائن صاحب قضية إلى أداة تخدم المنظومة الأمنية ذاتها التي دمّرت مجتمعها. أُعِدّت هذه البرامج داخل سردية أوسع هي "النسوية الأمنية" (Securo-feminism). وفق هذا المنطق، ليس مطلوباً من المرأة أن تناضل لأجل العدالة، بل أن تشارك في صياغة الرواية الأمنية الأميركية، عبر جمع المعلومات، وترسيخ الفكرة بأنّ كلّ رجل عراقي مُشتبه به. ولكن هذه المقاربة تجاهلت أمراً أساسياً: الروابط الاجتماعية والعائلية في المجتمعات العراقية ليست هشّة ولا عشوائية، بل هي، في أحيان كثيرة صمّام الأمان الوحيد وسط الدمار والتفكك الناتج عن الحرب. الروابط الاجتماعية والعائلية في المجتمعات العراقية ليست هشّة ولا عشوائية، بل هي، في أحيان كثيرة صمّام الأمان الوحيد وسط الدمار والتفكك الناتج عن الحرب وإن كانت هذه البرامج قد نجحت لحظيّاً في إنشاء وحدات نسائية أمنية في بعض المناطق، إلا أن أثرها الاجتماعي كان محدوداً أو حتى عكسيّاً. كثير من النساء اللواتي شاركن تعرّضن للوصم، والمجتمعات التي طُبّقت فيها تلك البرامج شهدت توتّراً أكبر بين الجنسين وزيادة في انعدام الثقة. وبحسب رافيا زكريا، لا يغيّر تسويق هذه البرامج، تحت شعار نسوي، من طبيعتها الاستعمارية، فالاعتقاد أن "تحرير المرأة" يمرّ عبر تحويلها إلى سلاح ضدّ محيطها، هو في جوهره رؤية استعلائية ترى في المرأة العربية مجرّد أداة تصلح فقط إذا خدمت أجندة الخارج. هو تفكير يفترض أنّ النساء في المجتمعات المسلمة قابلاتٌ للشراء بالبدلات العسكرية والدورات التدريبية، ومتروكات بلا ولاء إلا لمن يُعطيهن "سلطة على الرجال". ما يجمع الحالات العراقية والأفغانية، والآن الإيرانية، هو ما يُعرف بـ"النسوية الأمنية"، أو تلك النسوية التي تتحالف مع الدولة والجيش والمصالح الجيوسياسية تحت غطاء الدفاع عن النساء. نسوية تشبه العسكر أكثر مما تشبه الحركات النسوية التحرّرية. تحويل النساء رموزاً في أفغانستان والعراق، وفي سرديات إسرائيل عن إيران، تحوّلت النساء من فاعلاتٍ إلى رموز تُستخدم، إلى صور على أغلفة المجلات، إلى حجج في خطابات سياسيين. وبينما تقتل الحروب النساء، تُستخدم أسماؤهن لتبرير هذه الحروب. لا تسعى النسوية الأمنية إلى التحرير، بل إلى إعادة إنتاج النظام القائم، مع تحسين صورته الخارجية، فهي لا تُحرّر النساء، بل تُعيد إدماجهن في النظام العسكري أو الاستعماري كواجهة ناعمة. تُعيّن امرأة ناطقة باسم الجيش. تُوضع صورة فتاة على دبابة. يجري تمويل برنامج تدريب نساء رائدات في بلد محتل. وذلك لإشاعة وهم أو سراب حقوقي. لا تسعى النسوية الأمنية إلى التحرير، بل إلى إعادة إنتاج النظام القائم، مع تحسين صورته الخارجية تجد النسوية الأمنية حلفاء لها في الإعلام، وفي منظمات حقوقية مُموّلة من حكومات غربية. تتحدّث عن الحجاب أكثر مما تتحدّث عن الفقر. تهتم بالتعليم فقط حين يكون بإمكانه أن يخدم خطاب التنمية الغربية. تدعم الفتيات، فقط حين يكنّ معاديات حكومات بلادهن، وليس عندما يطالبن بالعدالة الاجتماعية. وغالباً ما تضع قضايا النساء في خدمة الأمن القومي الأميركي أو الإسرائيلي. أما وقد سُرد كلّ ما سبق، ليس المطلوب، بطبيعة الحال، إنكار وجود ظلم حقيقي تتعرّض له النساء في هذه المجتمعات. لكن المطلوب هو مساءلة من يحتكر سردية الظلم، ومن يختزل المرأة في دور الضحية، ومن يحتكر حقّ "إنقاذها" عبر القصف لا عبر التضامن. • استُخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي في جمع بعض المصادر وترجمتها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store