
تطبيع العنف السياسي في الولايات المتحدة في عهد ترمب
العنف السياسي كان حاضراً منذ نشأة السياسة نفسها. فقد مارسه كل من اليسار واليمين ضد الأعداء السياسيين - لا باعتباره انحرافاً عرضياً - بل كسمة طبعت الحركات السياسية الراديكالية.
وكان فلاديمير لينين (الزعيم الثوري المؤسس للاتحاد السوفياتي) قد طور علماً قائماً على الإرهاب، معتبراً العنف أداةً لا بد منها لإسقاط الدولة. أما الزعيم النازي أدولف هتلر فقد قال في كتابه "كفاحي"، إن "الشرط الأول والأساس للنجاح هو الاستخدام الدائم والممنهج للعنف". وبالمثل، تبنى بينيتو موسوليني الزعيم الإيطالي - سواءٌ في بداياته كاشتراكي أو بعد تحوله لاحقاً إلى الفاشية - العنف السياسي كأداة لا غنى عنها. وقد دأب المتطرفون على شيطنة خصومهم، والإصرار على الرد بالعنف مبررين ذلك بأية وسيلة.
لذا، لا جديد فعلياً في تصاعد العنف السياسي الذي بات جزءاً معتاداً وأكثر تجذراً في الحياة الأميركية. وعلى رغم أن قسماً كبيراً منه يستهدف "الديمقراطيين"، فإن "الجمهوريين" أنفسهم لم يكونوا بمنأى عنه. فقد شهدت حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2024 محاولتي اغتيال استهدفتا دونالد ترمب، كذلك تعرض السياسي ستيف سكاليس الذي يتولى اليوم زعامة الأغلبية "الجمهورية" في مجلس النواب، لإطلاق نار أثناء مباراة بيسبول عام 2017.
جديرٌ بالملاحظة أن ما يُعرف بـ"غرف الصدى" على وسائل التواصل الاجتماعي" [حيث تعرض الخوارزميات للمستخدمين آراء متشابهة فلا يسمعون سوى "صدى" أفكارهم]، إلى جانب سهولة الحصول على السلاح، يشكلان بيئة خصبة تستقطب طيفاً واسعاً من المهمشين وأصحاب نظريات المؤامرة والمتطرفين ذوي النزعات الألفية. لكن وفق أي مقياس موضوعي، يبقى العنف السياسي في جوهره عنفاً مضاداً للثورة، وفي الوقت الراهن، من الواضح أن هذا النمط من العنف تغذيه خطابات حركة "ماغا"، من خلال تجريد الضحايا من إنسانيتهم والسخرية منهم.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في ولاية مينيسوتا، أقدم مسلح مؤيد لدونالد ترمب ومعارض للإجهاض، بعدما تنكر في زي شرطي، على قتل ميليسا هورتمان الرئيسة السابقة لـ"مجلس نواب مينيسوتا" Minnesota House of Representatives، وزوجها مارك، بدم بارد. وأطلق المهاجم نفسه 17 رصاصة على السنياتور الديمقراطي جون هوفمان وزوجته إيفيت، لكنهما نجوَا بأعجوبة. وقد حدث ذلك في ولاية يُطلق عليها تاريخياً لقب "مينيسوتا اللطيفة".
وسارع أنصار حركة "ماغا" على الفور إلى توجيه اللوم نحو "الليبراليين". فقد نشر العضو في "مجلس الشيوخ" عن ولاية يوتا السيناتور مايك لي، صوراً للمسلح مع تعليق جاء فيه: "هذا ما يحدث عندما لا يحصل الماركسيون على مبغاهم". وفي جملة واحدة قصيرة، روج السيناتور لي لمغالطتين: الأولى، أن القاتل كان معارضاً سياسياً لحركة "ماغا" ولم يكن مؤيداً لترمب، والثانية، أن المصدر الحقيقي للعنف هو الماركسيون والماركسية.
قد تكون لدى الولايات المتحدة مشكلات كثيرة، لكن التمسك بمبادئ كارل ماركس، أو حتى الإلمام بها، ليسا من بينها. أما المنشور الثاني للسيناتور "الجمهوري" لي: "كابوس في شارع والتز (نُشر في الأصل مع خطأ إملائي)"، فكان محاولة ساخرة وغريبة لإلقاء اللوم على حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز، وكأنه هو المسؤول عن حادثة إطلاق النار.
مع مقتل شخصين وإصابة اثنين بجروح خطرة، وتيتم أطفال أصبحوا بلا والدين، وترويع مجتمع هادئ وتقدمي بفعل هذا العنف، جاء رد اليمين الأميركي بأن الليبراليين هم الذين يتحملون المسؤولية عن كل ما حدث. من هنا، لا داعي للاعتذار، أو حتى لإبداء التعاطف. فبالنسبة إلى هؤلاء، الأمر لا يستحق الاهتمام. صحيح أن ترمب قال في البداية إنه لا مكان للعنف السياسي، لكنه سرعان ما خصص وقتاً ليؤكد أنه لن يتصل بحاكم ولاية مينيسوتا تيم والز، لمناقشة ما جرى، لأنه - على حد تعبيره - شخص "فوضوي"، "يفتقر إلى الكفاءة"، وهو "حاكمٌ سيئ". في منطق ترمب، لا مكان للتعاطف. وحده العداء السياسي يعلو على كل اعتبار.
وقبل أسبوعين فقط، تعرض السيناتور "الديمقراطي" أليكس باديلا للطرح أرضاً والاعتداء الجسدي، على يد عناصر تابعين لوزيرة الأمن الداخلي الأميركية كريستي نويم، وذلك لتجرئه على محاولة التحدث خلال مؤتمر صحافي في ولاية كاليفورنيا. وكان عناصر الحماية يدركون تماماً أنه سيناتور أميركي، فقد عرف عن نفسه مرات عدة. وعلى رغم توثيق الحادثة بالفيديو، فإن إدارة ترمب لجأت ببساطة إلى الكذب. ونُقل عن الرئيس الأميركي قوله إن باديلا - وهو نجل مهاجرَيْن مكسيكيين عملا في وظائف متواضعة ليتمكنا من إرساله للدراسة في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" - "يبدو وكأنه مهاجر غير شرعي".
اللافت أنه من بين 53 سيناتوراً "جمهورياً" في "مجلس الشيوخ"، لم يُعرب سوى اثنين من زملاء باديلا عن رفضهم لما جرى، فيما آثر الباقون الصمت. ولم تكن تلك حادثة منعزلة. ففي مايو (أيار) الماضي، اعتُقل عمدة نيوارك راس باراكا، ووُجهت إلى النائبة لامونيكا ماكيفر تهمة الاعتداء الجنائي على عناصر "إدارة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك" وعرقلة عملهم. وفي الأسبوع الماضي فقط، تعرض براد لاندر المراقب المالي في مدينة نيويورك، للضرب والاعتقال على يد عناصر الوكالة نفسها، لمجرد مطالبته برؤية مذكرة توقيف. يُشار إلى أن جميع هؤلاء هم من "الديمقراطيين"، وثلاثة منهم من ذوي البشرة الملونة.
عام 2022، عندما جرى اقتحام منزل رئيسة "مجلس النواب" آنذاك نانسي بيلوسي في محاولة لاغتيالها (لكنها لم تكن في المنزل) - أصيب زوجها الثمانيني بول بيلوسي بكسر في الجمجمة جراء ضربة بمطرقة. في البداية انتشرت شائعة لا أساس لها من الصحة في أوساط حركة "ماغا"، مفادها أن الحادثة نتجت عن لقاء مثلي انتهى على نحو عنيف، قبل أن تتحول القصة برمتها إلى مادة للسخرية.
في المقابل، تحول ترمب إلى كوميدي ساخر، قائلاً: "سنواجه نانسي بيلوسي المجنونة، التي دمرت سان فرانسيسكو - كيف حال زوجها، هل يعلم أحد؟". ولم يتوقف عند هذا الحد، بل أضاف: "هي تعارض بناء جدار على حدودنا، على رغم أن لديها جداراً حول منزلها - ويبدو واضحاً أنه لم يجدِ نفعاً كما ينبغي".
دونالد ترمب الابن - النسخة المصغرة عن والده - انضم إلى موجة السخرية، معيداً نشر صورة تظهر مطرقة وملابس داخلية وُصفت بأنها: "زي بول بيلوسي في عيد الهالوين".
طبعاً خلال أحداث السادس من يناير (كانون الثاني) الماضي، حين اقتحم آلاف الأشخاص مبنى الكابيتول، وهتف بعضهم مطالباً بإعدام نائب ترمب آنذاك مايك بنس، بينما اقتحم آخرون مكتب نانسي بيلوسي، بدا كل ذلك وكأنه جزءٌ طبيعي من المشهد. لساعات طويلة، امتنع ترمب عن التدخل لوقف الهجوم، بل نُقل عنه تلميحه إلى أن بنس ربما يستحق الشنق بالفعل. وحين عاد إلى السلطة، أصدر عفواً عاماً من دون تمييز، عن أكثر من 1000 شخص من مقتحمي الكابيتول، بمن فيهم الذين تورطوا بأعمال عنف، واعتدوا على أكثر من 1000 عنصر من الشرطة، وتسببوا بسقوط عدد من القتلى. في نظر ترمب، هؤلاء هم الوطنيون الحقيقيون.
تم تغليف العنف السياسي ضد الأعداء المتصورين بروح ساخرة - في مسعى إلى إقناع الناس بأنه لا داعي للقلق في شأن هؤلاء الضحايا، ولا على ما يجري في شوارع الولايات المتحدة أو داخل مؤسساتها الفيدرالية. مع ذلك، يبقى الخطاب غير المسؤول الذي يحرض على العنف، أمراً مرفوضاً أياً كان مصدره على امتداد الطيف السياسي. وعلى عكس الاحتجاج السلمي، فإن هذا النوع من الخطاب لا يندرج ضمن حرية التعبير - بل يُعد جريمة صريحة.
أما إلقاءُ اللوم على ضحايا العنف السياسي، أو التقليل من معاناتهم، أو التغاضي عن محاولات تطبيع الاستبداد من خلال تعويد الناس على تقبل مشاهد القمع، فجميعها ممارسات لا تقل خطورة، وتستدعي القلق بالمقدار نفسه. إنها ببساطة ممارسات خاطئة، ولا شيء فيها يدعو إلى الضحك.
إيريك لويس هو محامٍ في مجال حقوق الإنسان وعضو في مجلس إدارة صحيفة "اندبندنت"

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 2 ساعات
- Independent عربية
غروسي: إيران قد تتمكن من تخصيب اليورانيوم مجددا خلال أشهر
رجّح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي أن تتمكن إيران من البدء بإنتاج يورانيوم مخصب "في غضون أشهر"، على رغم الأضرار التي لحقت بمنشآتها النووية جراء الهجمات الأميركية والإسرائيلية، وفق ما صرّح به لشبكة "سي بي أس نيوز" أمس السبت. وأطلقت إسرائيل في 13 يونيو (حزيران) سلسلة هجمات على مواقع عسكرية ونووية إيرانية بهدف منع الجمهورية الإسلامية من تطوير سلاح نووي، على رغم نفي إيران المتكرر لهذا الطموح. ولاحقاً انضمت الولايات المتحدة إلى حملة القصف الإسرائيلية لتستهدف ثلاث منشآت رئيسية تابعة لبرنامج إيران النووي. وأعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يوم الخميس الماضي أن الأضرار التي لحقت بمنشآت بلاده النووية بعد 12 يوما من الحرب مع إسرائيل "كبيرة"، في حين أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن البرنامج النووي الإيراني تراجع "عقودا". لكن غروسي أشار في مقابلة مع برنامج "واجه الأمة" على شبكة "سي بي أس نيوز" إلى أن "بعضه لا يزال قائماً". وقال غروسي وفقاً لنص المقابلة الذي نشر السبت "أقول إنه بإمكانهم، كما تعلمون، في غضون أشهر، تشغيل بضع مجموعات من أجهزة الطرد المركزي لإنتاج اليورانيوم المخصب، أو أقل من ذلك". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويبقى السؤال الرئيسي ما إذا كانت إيران قد تمكنت من نقل بعض أو كل مخزونها المقدر بـ408,6 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب قبل الهجمات. وهذا اليورانيوم مخصّب بنسبة 60 في المئة، أي أعلى من المستويات المخصصة للاستخدام المدني وأقل من المطلوب لصنع سلاح نووي. لكن هذه المواد في حال خضعت لمزيد من التخصيب ستكون كافية نظريا لإنتاج أكثر من تسع قنابل نووية. وأقر غروسي في المقابلة "لا نعرف أين يمكن أن تكون هذه المواد". وتابع "لذا، ربما يكون بعضها قد دُمر في الهجوم، لكن بعضها ربما يكون قد نقل. لا بد من توضيح في مرحلة ما". وصوّت مجلس الشورى الإيراني على مشروع قانون لتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما رفضت طهران طلب غروسي زيارة المواقع المتضررة، وبخاصة منشأة فوردو النووية الرئيسية. وقال غروسي "يجب أن نكون في وضع يسمح لنا بالتحقق والتأكد مما هو موجود هناك، وأين هو وماذا حدث". كان ترمب قد قال في مقابلة منفصلة مع شبكة "فوكس نيوز" إنه لا يعتقد أن المخزون قد نقل. وأضاف وفق مقتطفات من المقابلة "إنه أمر يصعب القيام به"، متابعاً "لم يحركوا شيئاً". وأكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو السبت دعم واشنطن "لجهود التحقق والمراقبة الهامة التي تبذلها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران"، مشيداً بغروسي ووكالته على "تفانيهما واحترافيتهما". وستبث مقابلة غروسي مع مارغريت برينان في برنامج "واجه الأمة" كاملة اليوم الأحد.


Independent عربية
منذ 2 ساعات
- Independent عربية
"حزب الله": الغارات الإسرائيلية على لبنان أمر "لا يمكن أن يستمر"
اعتبر الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم أمس السبت أن الغارات الإسرائيلية المتواصلة في لبنان منذ وقف إطلاق النار هي أمر "مرفوض" و"لا يمكن أن يستمر"، في وقت قتل ثلاثة أشخاص بقصف اسرائيلي في جنوب البلاد. وعلى رغم سريان وقف لإطلاق النار منذ نوفمبر (تشرين الثاني )، تشنّ إسرائيل باستمرار غارات على لبنان، خصوصاً في الجنوب توقع قتلى. وتكرر أنها لن تسمح لـ"حزب الله" بإعادة بناء قدراته بعد الحرب التي تكبّد فيها خسائر كبيرة على صعيد بنيته العسكرية والقيادية. وقال قاسم في كلمة بثّتها قناة المنار التابعة لـ"حزب الله"، "نحن التزمنا بالاتفاق، والإسرائيلي لم يلتزم"، مضيفاً "هنا أعتبر أن العدوان الذي يحصل، والخروقات التي تحصل، مسؤولية على الدولة اللبنانية". وأضاف أن "العدوان على النبطية، على المرأة والناس، العدوان على من يعمل في سلك الصيرفة، كل هذه الأمور، حتى العدوان على أي مواطن في الجنوب، هو عدوان مرفوض مئة في المئة، وهذا يجب ألا يكون. على الدولة أن تضغط، على الدولة أن تقوم كل واجبها". وتابع قاسم "يجب أن تعرفوا أن هذا أمر لا يمكن أن يستمر، هي فرصة الآن يقولون، وكم هي الفرصة؟ نحن نُحدد كم هي الفرصة، لكن هل تتصورون أننا سنبقى ساكتين إلى أبد الآبدين؟ لا، هذا كله له حدود". ونصّ وقف إطلاق النار بوساطة أميركية على انسحاب "حزب الله" من المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني (على مسافة حوالى 30 كيلومترا من الحدود) وتفكيك بناه العسكرية فيها، مقابل تعزيز انتشار الجيش وقوة اليونيفيل. كما نصّ على انسحاب القوات الإسرائيلية من مناطق تقدمت إليها خلال الحرب، لكن إسرائيل أبقت على وجودها في خمسة مرتفعات استراتيجية، يطالبها لبنان بالانسحاب منها. وتكرر إسرائيل أنها ستواصل العمل "لإزالة أي تهديد" ضدها، ولن تسمح للحزب بإعادة تأهيل بنيته العسكرية. وتوعّدت الشهر الحالي بمواصلة شنّ ضربات ما لم تنزع السلطات سلاحه. وقتل ثلاثة أشخاص السبت بغارتين إسرائيليتين على جنوب لبنان بحسب وزارة الصحة. وأوردت وزارة الصحة اللبنانية في بيان أن "غارة العدو الإسرائيلي بمسيّرة على سيارة في بلدة كونين أدت... الى سقوط قتيل" وإصابة شخص آخر بجروح. وأعلن الجيش الإسرائيلي من جهته أنه "هاجم في وقت سابق السبت في منطقة كونين جنوب لبنان وقضى على الإرهابي حسن محمد حمودي مسؤول الصواريخ المضادة للدروع في منطقة بنت جبيل في حزب الله". وقال إن حمودي قام خلال الحرب الأخيرة مع حزب الله "بالدفع بمخططات إطلاق قذائف مضادة للدروع نحو الأراضي الإسرائيلية". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) لاحقا، أعلنت وزارة الصحة أن غارة إسرائيلية ثانية "بمسيّرة على دراجة نارية في بلدة محرونة" في منطقة صور، أدّت إلى مقتل شخصين، أحدهما امرأة، وإصابة آخر بجروح. وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيان أصدره ليلا أنه "قتل الإرهابي عباس الحسن وهبي في منطقة محرونة بجنوب لبنان"، مشيراً إلى أن "وهبي كان مسؤولاً عن الاستخبارات في وحدة الرضوان". وأضاف البيان "كان الإرهابي منخرطاً في جهود إعادة بناء حزب الله ونقل الأسلحة. وهذه الأنشطة تشكل انتهاكا سافرا للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان". يأتي ذلك غداة مقتل امرأة وإصابة 25 شخصا بحسب وزارة الصحة في غارات إسرائيلية ندّد بها المسؤولون اللبنانيون على رأسهم رئيس الجمهورية جوزاف عون الذي دعا إلى "تحرّك فاعل من المجتمع الدولي لوضع حدّ لهذه الاعتداءات". وقالت الوزارة إن المرأة قتلت وأصيب 14 آخرون بجروح في غارة اسرائيلية طاولت مبنى سكنيا في مدينة النبطية في جنوب لبنان. في المقابل، نفى الجيش الإسرائيلي استهداف المبنى وقال إنه أصيب "بقذيفة صاروخية كانت داخل الموقع وانطلقت وانفجرت نتيجة الغارة". وأصيب سبعة أشخاص بحسب الوزارة في ضربات عنيفة في منطقة النبطية، بينما أصيب أربعة آخرون في غارة أخرى على بلدة شقرا. وكان الجيش الإسرائيلي أفاد بأن طائراته قصفت في منطقة الشقيف المجاورة للنبطية "موقعا كان يُستخدم لإدارة أنظمة النيران والحماية لحزب الله"، ويعد "جزءا من مشروع تحت الارض تم إخراجه عن الخدمة" نتيجة غارات سابقة. وأشار إلى أنه رصد "محاولات لإعادة إعماره، ولذلك تمت مهاجمة البنى التحتية الإرهابية في المنطقة"، محذّراً من أن "وجود هذا الموقع ومحاولات إعماره تشكل خرقا فاضحا للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان".


Independent عربية
منذ 8 ساعات
- Independent عربية
تطبيع العنف السياسي في الولايات المتحدة في عهد ترمب
العنف السياسي كان حاضراً منذ نشأة السياسة نفسها. فقد مارسه كل من اليسار واليمين ضد الأعداء السياسيين - لا باعتباره انحرافاً عرضياً - بل كسمة طبعت الحركات السياسية الراديكالية. وكان فلاديمير لينين (الزعيم الثوري المؤسس للاتحاد السوفياتي) قد طور علماً قائماً على الإرهاب، معتبراً العنف أداةً لا بد منها لإسقاط الدولة. أما الزعيم النازي أدولف هتلر فقد قال في كتابه "كفاحي"، إن "الشرط الأول والأساس للنجاح هو الاستخدام الدائم والممنهج للعنف". وبالمثل، تبنى بينيتو موسوليني الزعيم الإيطالي - سواءٌ في بداياته كاشتراكي أو بعد تحوله لاحقاً إلى الفاشية - العنف السياسي كأداة لا غنى عنها. وقد دأب المتطرفون على شيطنة خصومهم، والإصرار على الرد بالعنف مبررين ذلك بأية وسيلة. لذا، لا جديد فعلياً في تصاعد العنف السياسي الذي بات جزءاً معتاداً وأكثر تجذراً في الحياة الأميركية. وعلى رغم أن قسماً كبيراً منه يستهدف "الديمقراطيين"، فإن "الجمهوريين" أنفسهم لم يكونوا بمنأى عنه. فقد شهدت حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2024 محاولتي اغتيال استهدفتا دونالد ترمب، كذلك تعرض السياسي ستيف سكاليس الذي يتولى اليوم زعامة الأغلبية "الجمهورية" في مجلس النواب، لإطلاق نار أثناء مباراة بيسبول عام 2017. جديرٌ بالملاحظة أن ما يُعرف بـ"غرف الصدى" على وسائل التواصل الاجتماعي" [حيث تعرض الخوارزميات للمستخدمين آراء متشابهة فلا يسمعون سوى "صدى" أفكارهم]، إلى جانب سهولة الحصول على السلاح، يشكلان بيئة خصبة تستقطب طيفاً واسعاً من المهمشين وأصحاب نظريات المؤامرة والمتطرفين ذوي النزعات الألفية. لكن وفق أي مقياس موضوعي، يبقى العنف السياسي في جوهره عنفاً مضاداً للثورة، وفي الوقت الراهن، من الواضح أن هذا النمط من العنف تغذيه خطابات حركة "ماغا"، من خلال تجريد الضحايا من إنسانيتهم والسخرية منهم. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) في ولاية مينيسوتا، أقدم مسلح مؤيد لدونالد ترمب ومعارض للإجهاض، بعدما تنكر في زي شرطي، على قتل ميليسا هورتمان الرئيسة السابقة لـ"مجلس نواب مينيسوتا" Minnesota House of Representatives، وزوجها مارك، بدم بارد. وأطلق المهاجم نفسه 17 رصاصة على السنياتور الديمقراطي جون هوفمان وزوجته إيفيت، لكنهما نجوَا بأعجوبة. وقد حدث ذلك في ولاية يُطلق عليها تاريخياً لقب "مينيسوتا اللطيفة". وسارع أنصار حركة "ماغا" على الفور إلى توجيه اللوم نحو "الليبراليين". فقد نشر العضو في "مجلس الشيوخ" عن ولاية يوتا السيناتور مايك لي، صوراً للمسلح مع تعليق جاء فيه: "هذا ما يحدث عندما لا يحصل الماركسيون على مبغاهم". وفي جملة واحدة قصيرة، روج السيناتور لي لمغالطتين: الأولى، أن القاتل كان معارضاً سياسياً لحركة "ماغا" ولم يكن مؤيداً لترمب، والثانية، أن المصدر الحقيقي للعنف هو الماركسيون والماركسية. قد تكون لدى الولايات المتحدة مشكلات كثيرة، لكن التمسك بمبادئ كارل ماركس، أو حتى الإلمام بها، ليسا من بينها. أما المنشور الثاني للسيناتور "الجمهوري" لي: "كابوس في شارع والتز (نُشر في الأصل مع خطأ إملائي)"، فكان محاولة ساخرة وغريبة لإلقاء اللوم على حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز، وكأنه هو المسؤول عن حادثة إطلاق النار. مع مقتل شخصين وإصابة اثنين بجروح خطرة، وتيتم أطفال أصبحوا بلا والدين، وترويع مجتمع هادئ وتقدمي بفعل هذا العنف، جاء رد اليمين الأميركي بأن الليبراليين هم الذين يتحملون المسؤولية عن كل ما حدث. من هنا، لا داعي للاعتذار، أو حتى لإبداء التعاطف. فبالنسبة إلى هؤلاء، الأمر لا يستحق الاهتمام. صحيح أن ترمب قال في البداية إنه لا مكان للعنف السياسي، لكنه سرعان ما خصص وقتاً ليؤكد أنه لن يتصل بحاكم ولاية مينيسوتا تيم والز، لمناقشة ما جرى، لأنه - على حد تعبيره - شخص "فوضوي"، "يفتقر إلى الكفاءة"، وهو "حاكمٌ سيئ". في منطق ترمب، لا مكان للتعاطف. وحده العداء السياسي يعلو على كل اعتبار. وقبل أسبوعين فقط، تعرض السيناتور "الديمقراطي" أليكس باديلا للطرح أرضاً والاعتداء الجسدي، على يد عناصر تابعين لوزيرة الأمن الداخلي الأميركية كريستي نويم، وذلك لتجرئه على محاولة التحدث خلال مؤتمر صحافي في ولاية كاليفورنيا. وكان عناصر الحماية يدركون تماماً أنه سيناتور أميركي، فقد عرف عن نفسه مرات عدة. وعلى رغم توثيق الحادثة بالفيديو، فإن إدارة ترمب لجأت ببساطة إلى الكذب. ونُقل عن الرئيس الأميركي قوله إن باديلا - وهو نجل مهاجرَيْن مكسيكيين عملا في وظائف متواضعة ليتمكنا من إرساله للدراسة في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" - "يبدو وكأنه مهاجر غير شرعي". اللافت أنه من بين 53 سيناتوراً "جمهورياً" في "مجلس الشيوخ"، لم يُعرب سوى اثنين من زملاء باديلا عن رفضهم لما جرى، فيما آثر الباقون الصمت. ولم تكن تلك حادثة منعزلة. ففي مايو (أيار) الماضي، اعتُقل عمدة نيوارك راس باراكا، ووُجهت إلى النائبة لامونيكا ماكيفر تهمة الاعتداء الجنائي على عناصر "إدارة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك" وعرقلة عملهم. وفي الأسبوع الماضي فقط، تعرض براد لاندر المراقب المالي في مدينة نيويورك، للضرب والاعتقال على يد عناصر الوكالة نفسها، لمجرد مطالبته برؤية مذكرة توقيف. يُشار إلى أن جميع هؤلاء هم من "الديمقراطيين"، وثلاثة منهم من ذوي البشرة الملونة. عام 2022، عندما جرى اقتحام منزل رئيسة "مجلس النواب" آنذاك نانسي بيلوسي في محاولة لاغتيالها (لكنها لم تكن في المنزل) - أصيب زوجها الثمانيني بول بيلوسي بكسر في الجمجمة جراء ضربة بمطرقة. في البداية انتشرت شائعة لا أساس لها من الصحة في أوساط حركة "ماغا"، مفادها أن الحادثة نتجت عن لقاء مثلي انتهى على نحو عنيف، قبل أن تتحول القصة برمتها إلى مادة للسخرية. في المقابل، تحول ترمب إلى كوميدي ساخر، قائلاً: "سنواجه نانسي بيلوسي المجنونة، التي دمرت سان فرانسيسكو - كيف حال زوجها، هل يعلم أحد؟". ولم يتوقف عند هذا الحد، بل أضاف: "هي تعارض بناء جدار على حدودنا، على رغم أن لديها جداراً حول منزلها - ويبدو واضحاً أنه لم يجدِ نفعاً كما ينبغي". دونالد ترمب الابن - النسخة المصغرة عن والده - انضم إلى موجة السخرية، معيداً نشر صورة تظهر مطرقة وملابس داخلية وُصفت بأنها: "زي بول بيلوسي في عيد الهالوين". طبعاً خلال أحداث السادس من يناير (كانون الثاني) الماضي، حين اقتحم آلاف الأشخاص مبنى الكابيتول، وهتف بعضهم مطالباً بإعدام نائب ترمب آنذاك مايك بنس، بينما اقتحم آخرون مكتب نانسي بيلوسي، بدا كل ذلك وكأنه جزءٌ طبيعي من المشهد. لساعات طويلة، امتنع ترمب عن التدخل لوقف الهجوم، بل نُقل عنه تلميحه إلى أن بنس ربما يستحق الشنق بالفعل. وحين عاد إلى السلطة، أصدر عفواً عاماً من دون تمييز، عن أكثر من 1000 شخص من مقتحمي الكابيتول، بمن فيهم الذين تورطوا بأعمال عنف، واعتدوا على أكثر من 1000 عنصر من الشرطة، وتسببوا بسقوط عدد من القتلى. في نظر ترمب، هؤلاء هم الوطنيون الحقيقيون. تم تغليف العنف السياسي ضد الأعداء المتصورين بروح ساخرة - في مسعى إلى إقناع الناس بأنه لا داعي للقلق في شأن هؤلاء الضحايا، ولا على ما يجري في شوارع الولايات المتحدة أو داخل مؤسساتها الفيدرالية. مع ذلك، يبقى الخطاب غير المسؤول الذي يحرض على العنف، أمراً مرفوضاً أياً كان مصدره على امتداد الطيف السياسي. وعلى عكس الاحتجاج السلمي، فإن هذا النوع من الخطاب لا يندرج ضمن حرية التعبير - بل يُعد جريمة صريحة. أما إلقاءُ اللوم على ضحايا العنف السياسي، أو التقليل من معاناتهم، أو التغاضي عن محاولات تطبيع الاستبداد من خلال تعويد الناس على تقبل مشاهد القمع، فجميعها ممارسات لا تقل خطورة، وتستدعي القلق بالمقدار نفسه. إنها ببساطة ممارسات خاطئة، ولا شيء فيها يدعو إلى الضحك. إيريك لويس هو محامٍ في مجال حقوق الإنسان وعضو في مجلس إدارة صحيفة "اندبندنت"