
الناقد باقر جاسم محمد وآراؤه النقدية
ولد الناقد باقر جاسم محمد حمادي بقلي في مدينة الحلة بتاريخ1-7-1951 وبعد اجتيازه الدراسة الاعدادية التحق بكلية الآداب- جامعة بغداد – قسم اللغة الانكليزية وتخرج فيها عام 1976، وعين مدرساً وبعدها حصل على درجة الماجستير في علم اللغة التطبيقي، وكان تخصصه الدقيق في الأسلوبية اللسانية، وذلك في قسم اللغة الإنجليزية في كلية التربية – ابن رشد – جامعة بغداد في العام 1998، وكانت أطروحته بعنوان 'روابط التماسك النصي بوصفها معالم أسلوبية في القصة القصيرة'.
– عمل مدرساً للغة الإنجليزية في المدارس الثانوية العراقية، ثم اختير مشرفاً اختصاصياً في اللغة الإنجليزية في التعليم الثانوي في بغداد للفترة من 8-1-1991 ولغاية 1-11-1998، بعدهاعمل مدرساً في قسم اللغة الإنجليزية في كلية الآداب في جامعة ناصر في مدينة زليتن في ليبيا للفترة من 6-11-1998 ولغاية 31-8-2002. وقد قام بتدريس المواد: اللسانيات العامة والترجمة النظرية .
كما عمل رئيسا ً لقسم اللغة الإنجليزية في كلية الآداب في مدينة زلطن التابعة لجامعة ناصر في ليبيا للفترة من 2-9-1999 ولغاية 31-8-2002 ومدرساً للغة الإنجليزية في كلية إعداد المعلمين في مدينة زلطن التابعة لجامعة السابع من أبريل في ليبيا للفترة من 2-9-2002 ولغاية 20-7-2006، وقد قام بتدريس النحو الإنجليزي وطرق التدريس للمرحلة الثالثة، والصوتيات، ثم رئيساً لقسم اللغة الإنجليزية في كلية إعداد المعلمين في مدينة زلطن في الزاوية ليبيا للفترة من 2-9-2003 ولغاية 20-7-2006 وبعد عودته للعراق عمل تدريسياً في كلية الآداب – جامعة بابل منذ 2-8-2006 إلى حين انتقاله إلى كلية التربية الأساسية 1-10-2014. وقام بالتدريس في قسم الآثار حيث ألقى محاضرات في مادة 'نصوص آثاريه باللغة الإنجليزية' للمرحلتين الثالثة والرابعة، وفي قسم اللغة العربية حيث يدرس مادة 'الأدب المقارن' للمرحلة الرابعة،وعمل معاوناً للشؤون الإدارية والمالية في كلية الآداب – جامعة بابل للفترة من 2010 ولغاية 12012، ورئيساً لقسم اللغة الإنجليزية في كلية التربية الأساسية منذ 15-10-2014 ولغاية 11-10- 2015حتى احالته على التقاعد، توفي في 14-5-2023 ودفن في مدينة النجف.
بدأ نشر نتاجه الأدبي في الشعر والقصة منذ العام 1969، ونشر نتاجه في حقلي النقد الأدبي والترجمة منذ العام 1971، وقد نشرت أعماله في الدوريات الأدبية المتخصصة مثل مجلات 'الأقلام' و'الثقافة الأجنبية' و'الأديب المعاصر' و'آفاق عربية' و'العميد' العراقية، ومجلات 'الآداب' اللبنانية، و'الكلمة' اللندنية، و'عالم الفكر' الكويتية و'علامات' المغربية، و'اللسان العربي' التي تصدر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، و'غيمان' اليمنية، و'الفصول الأربعة' الليبية، فضلا ً عن عشرات المقالات والدراسات المنشورة في الصفحات الثقافية في الصحف العربية، وعين رئيسا لتحرير مجلة الثقافة الأجنبية حتى رحيله.
– عضو اتحاد أدباء وكتاب بابل-عضو اتحاد الأدباء العرب- عضو هيئة تحرير مجلة (رؤيا) وهي مجلة تعنى بالحداثة في الأدب والحياة وتصدر في النجف الأشرف- رئيس تحرير مجلة الثقافة الأجنبية التي تصدر عن وزارة الثقافة العراقية.
وقد أصدر مجموعة شعرية، وترجم ثلاثة الكتب، وأربعة كتب نقدية، ومجموعة قصصية واحدة، اضافة لدراسات ومقالات نقدية نشرت في الصحف والمجلات العراقية والعربية.
– شارك في الندوات الفكرية والأدبية المتخصصة في العراق والبلدان العربية الأخرى. وفي الحلقات الدراسية في مهرجان المربد، وفي مؤتمر الأدباء العرب السادس عشر الذي انعقد في طرابلس الغرب في من 1-10-1988 ولغاية 9-10-1988 من العام 1988، وشارك في الندوات النقدية التخصصية التي عقدتها الجامعات العراقية مثل بغداد وبابل والمستنصرية والموصل والبصرة وديالى، وفي أعمال المؤتمر العلمي السابع (اللغة العربية: الماضي المحمود والمستقبل المنشود) المنعقد في كلية الآداب في جامعة الزرقاء في الأردن، للفترة من 29-11-2010 ولغاية 2-12-2010، وشارك في أعمال المؤتمر العلمي (قضايا المنهج في اللغة والأدب) المنعقد في كلية الآداب في فاس – المغرب، للفترة 18-19 -5-2011، والمؤتمر العلمي (نقد الأنساق الثقافية ودراسات ما بعد الاستعمار) المنعقد في الكلية المتعددة الاختصاصات في الرشيدية – المغرب، للفترة 24-25 -5-2011.
ودرست آراؤه النقدية في عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه التي نوقشت في بعض الجامعات العراقية والعربية، واختارته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مبدعا ً في مجالات الشعر والقصة والترجمة في العام 2007، وذلك بموجب كتاب وزارة التعليم العالي- دائرة البحث والتطوير- قسم رعاية العلماء والمبدعين ذي العدد 2205 في 19-4-2007.
وفاز بالجائزة الأولى لاتحاد الأدباء والكتاب في بابل في حقل النقد الأبي في عام2009، وجائزة الدولة الأولى في حقل النقد الأدبي للعام 2010، وهي الجائزة التي تشرف على منحها وزارة الثقافة في العراق.
توفي في 14 أيار 2023 بعد صراع مع المرض، واقيم له حفل تأبيني شارك فيه عدد من الشعراء والكتاب الذين زاملوه في مشواره الثقافي.
يعد باقر جاسم محمد واحداً من أبرز النقاد في المشهد الثقافي العراقي المعاصر. تميز بمساهماته الغنية في النقد الأدبي والفكري، حيث جمع بين التحليل العميق والرؤية الفكرية الواسعة، مما جعله شخصية بارزة في الساحة الأدبية.
ولقد تميزت كتابات باقر جاسم محمد بالعمق والتحليل الدقيق، حيث تناول في كتاباته قضايا مختلفة تتعلق بالأدب العربي والحداثة والتقليد، وبرع في تحليل النصوص الأدبية بطرق مبتكرة، معتمداً على أدوات نقدية متنوعة تجمع بين المناهج التقليدية والمناهج الحديثة مثل البنيوية، والتفكيكية، والتأويلية. وقد اتسم أسلوبه بالتوازن بين التحليل الموضوعي والرؤية الشخصية، حيث كان يحرص على تقديم قراءات تتيح للقارئ فرصة التفكير وإعادة النظر في النصوص، وقد تميزت كتاباته بلغة واضحة وسلسة، مما جعلها في متناول شريحة واسعة من القراء.
كما اعتمد في مقارباته النقدية على الربط بين الأدب والواقع الاجتماعي، مؤمناً بأن الأدب ليس منفصلاً عن بيئته، بل يعكس تطلعات المجتمع وقضاياه. وقد استفاد من هذا المنهج في تحليل أعمال أدبية عراقية وعربية، مما جعله يقدم رؤى نقدية جديدة.
وله نشاطه المميز في المشهد الثقافي العراقي، حيث شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات الأدبية، وساهم في تنظيم ورش عمل لتدريب الشباب على مهارات النقد الأدبي، وعمل أيضاً في الصحافة الثقافية، حيث كتب مقالات نقدية أثرت النقاش الثقافي في العراق، وعلى الرغم من التحديات التي واجهها بسبب الظروف السياسية والاجتماعية في العراق، ظل متمسكاً بدوره كمثقف وناقد يسعى إلى تطوير الفكر الأدبي والنقدي في بلده.
لذلك لا يمكن إنكار التأثير الكبير الذي تركه في النقد الأدبي العراقي. فقد نجح في تقديم نموذج للنقد الذي يجمع بين الجدية الأكاديمية والانفتاح على القراءات الجديدة، وهو يمثل علامة فارقة في النقد الأدبي العراقي، إذ استطاع أن يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وأن يقدم رؤى نقدية عميقة ساهمت في تعزيز دور النقد في الثقافة العربية.
-حميد المطبعي-موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين-ج3-1998.
-د. صباح نوري المرزوك-موسوعة أعلام الحلة- ج1 – 2001.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 6 أيام
- موقع كتابات
ريام الربيعي حين يكتب الجمال أنوثته شعراً
في مدينة الحلة، حيث تختلط عبق الحضارات القديمة بصوت النهر الخفيض، ولدت الشاعرة ريام الربيعي عام 1991، وحملت منذ نعومة أناملها حساسية الشاعر وإرهاصات الكلمة المشتهاة. لم تكن تلك الطفلة التي تنصت لحكايات الجدات، وتتأمل الغروب من ضفاف شط الحلة، تدرك أن القصيدة ستصبح لاحقاً موطنها البديل، وملاذها الأجمل حين تضيق الأرض بما رحبت. ريام ليست شاعرة عابرة في زمن مكتظ بالضجيج، بل هي صوتٌ نسويٌّ ينطلق من تخوم الذات، ليعيد ترتيب اللغة على إيقاعٍ مختلف. كتبت الشعر باكرًا، وهي بعد طالبة على مقاعد كلية الفنون الجميلة – جامعة بابل، لتتخرج عام 2013 محملة بخبرة جمالية لا تقتصر على الشعر فقط، بل تمتد إلى تخوم التشكيل والبصر ودهشة اللون. ولعلّ هذا المزيج بين الفن البصري والكتابة هو ما منحها حساسية خاصة في اختيار مفرداتها، فقصائدها تُبصر كما تُقرأ، وتُشَمُّ كما تُسمَع. أصدرت عام 2022 مجموعتها الشعرية الأولى 'متلازمة ستندال'، وهو عنوانٌ لم يكن بريئًا؛ فالستندال، كما في الطب النفسي، هو دهشة الجمال المفرطة حدّ الانبهار المؤلم. وهذا بالضبط ما تصنعه قصائد ريام: إنها تباغتك بجمالها، ثم تترك فيك رعشةً لا تفسير لها. القصيدة عندها ليست بناءً لغويًا بقدر ما هي انفعال روحي، تنفجر أحيانًا كصرخة، وأحيانًا كهمس، لكنها في الحالتين تحتفظ بصدقٍ داخلي يجعلها مؤثرة دون تكلف. جاء عن مجموعتها الأولى دراسة بعنوان: 'متلازمة ستندال: بوحٌ حوائي بصوتٍ عالٍ'،(الحوار المتمدن) رأى فيها تواشجًا واضحًا بين الشعر وفلسفة الفن، إذ تخرج القصيدة عند ريام من عمق التجربة الأنثوية، لا بوصفها ترفًا أو حكاية، بل بوصفها وجودًا قلقًا يطالب بحقه في البوح والاختلاف. لقد وجد النقاد في شعرها توهجًا عاطفيًا يتجاوز النمطية، ويتكئ على وعي ثقافي معاصر يجعل من كل نصّ مشروعًا لجمالية جديدة، تنطلق من الذات إلى العالم. شاركت ريام في مهرجانات أدبية وثقافية متنوّعة، مثل بوابة عشتار الثاني، وعشتار تقرأ، واليوم العالمي للمرأة، وكانت في كل إطلالة لها تحمل نبرة مختلفة، وأسلوبًا في الإلقاء يشي بأنها لا تقرأ القصيدة بل تحياها. وبصوتها العذب، واستحضارها البصري للنص، كانت تستحوذ على انتباه المتلقين، وتعيد إليهم الإيمان بأن القصيدة لا تزال قادرة على أن تبني عالماً، أو تفتح نافذةً في جدار اليأس. لم تكتفِ ريام بالنشر الورقي، بل غزت الفضاءات الإلكترونية أيضًا، فنُشر نتاجها في العديد من الصحف العراقية والعربية، مثل بابليون، التآخي، صباح بابل، الحقيقة، المدارات، النهار، ومجلات ثقافية كـ سطور الأدبية، أرمارجي، دار العرب وغيرها، كما تفاعل معها القارئ الرقمي الذي رأى في نصوصها مزيجًا من الغنائية الرقيقة والرؤية الأنثوية الجريئة. اليوم، وبعد أن أصبحت عضوًا في اتحاد أدباء وكتاب بابل، وفي المنتدى الإبداعي، تمضي ريام في طريقها بخطى واثقة، وهي تتهيأ لإصدار مجموعتها الشعرية الثانية، وسط ترقب محبي الشعر الذين وجدوا في 'متلازمة ستندال' وعدًا شعريًا لا يُخلف. ريام الربيعي لا تكتب الشعر لأنها تريده، بل لأنها تُجبر عليه. القصيدة فيها شرفةٌ تطل منها على ذاتها والعالم، وكل بيت شعرٍ تكتبه هو محاولة للنجاة، ولتضميد ما لا يُقال. إنها شاعرة في زمن ندر فيه الشعراء الحقيقيون، وامرأة تعرف أن القصيدة، حين تكون صادقة، لا تحتاج إلا أن تُقال كي تهزّ قلب العالم.


موقع كتابات
٢٧-٠٥-٢٠٢٥
- موقع كتابات
الدكتور علي الربيعي ذاكرة المسرح العراقي
في قلب الحلة، المدينة التي تنام على ضفاف الفرات وتحرسها نخلة الحكمة، وُلد الدكتور علي محمد هادي الربيعي في الخامس والعشرين من شباط عام 1967، ليكون أحد أولئك القلائل الذين يربطون بين المعرفة والتوثيق، وبين الهوية والحداثة، عبر بوابة المسرح العراقي، بوصفه مرايا الأمة وصوتها المجهول. نشأ الربيعي بين أزقة الحلة القديمة، في حيّ الجمعية، واختط لنفسه منذ فتوّته طريقًا فيه من الجمال الفني بقدر ما فيه من النُبل الأكاديمي، فجمع بين عشق الخشبة وصرامة الباحث، ليتخرج من كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل سنة 1990، ثم يعود إلى حضن الجامعة ذاتها، ليجمع بين التاريخ والفن، فينال البكالوريوس في التاريخ، والماجستير، ثم الدكتوراه في الفنون المسرحية، مُعززًا علمه بشهادات مهنية وشهادات كفاءة عالية، جعلت منه واحدًا من أبرز أعمدة المسرح الأكاديمي في العراق. لم يكن الدكتور علي الربيعي مجرد أكاديمي يكتب من خلف المكاتب، بل كان شاهدًا مشاركًا في رحلة المسرح العراقي، وموثِّقًا دؤوبًا لذاكرته المتشظية بين الحروب والمنفى والخيبات. فقد أنجز أكثر من أربعين كتابًا مطبوعًا، شكّلت خزانة معرفية لا غنى عنها لأي باحث أو قارئ مهتم بتاريخ المسرح العراقي والعربي. كتب عن المسرحيات المفقودة، وعرّف بجيل المسرحيين المهمَّشين، وأخرج من ظلال النسيان أسماء مثل شالوم درويش وأنور شاؤول وسليم بطي وهادي جبارة الحلي. وخلّد مدنًا وأزمنة منسية في كتبه عن المسرح في الحلة والمدارس والأجواق العراقية والمسيحية واليهودية، حتى غدا أرشيفًا ناطقًا للمسرح المنسي والمستبعد. أعماله ليست مجرد توثيق، بل نقد وتحليل يقرأ التحولات الجمالية والاجتماعية في بنية العرض المسرحي العربي والعراقي، من خلال دراسات رصينة نشرت في أبرز المجلات المحكمة في العراق والعالم العربي، بل وحتى في مجلات عالمية مثل Linguistica Antverpiensia. وقد تناولت أبحاثه قضايا جوهرية مثل الاغتراب، التصوف، الواجب ، والوجودية، مما يدل على عمق قراءاته واتساع منهجه المقارن. عضويته الفاعلة في نقابة الفنانين العراقيين منذ عام 1991، وفي اتحاد أدباء وكتاب بابل منذ 2014، ليست عضويات شكلية، بل حضور ثقافي متجدد، يتجسد في مساهماته الدائمة في المؤتمرات، والمهرجانات، وورش العمل. وهو أحد الأسماء التي تكرَّمت بتقديرات محلية وعربية، منها وسام الفنون من المهرجان المسرحي الدولي في مصر، وأوسمة من نقابة الفنانين، ومؤسسة الإبداع العراقي، فضلًا عن مئات الشهادات التقديرية وكتب الشكر. أما في المجال الإداري، فقد شغل مواقع حساسة ومؤثرة، من رئاسة قسم الفنون المسرحية، إلى عمادة كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل، إلى عضوية اللجنة الوزارية لاعتمادية كليات الفنون. كما أشرف على أكثر من خمس عشرة رسالة ماجستير، وعشر أطروحات دكتوراه، وناقش العشرات غيرها في جامعات العراق المختلفة، مما يجعله من أبرز الأكاديميين في رفد الجيل الجديد بالمنهج والانفتاح. وقد ترك أثرًا عميقًا في طلابه، ليس فقط من خلال ما لقّنه إياهم من علوم نظرية، بل من خلال تجربته الأخلاقية والتربوية، حيث يرونه أستاذًا لا يبخل بنصيحة أو تشجيع أو فتح باب نحو النشر والتجريب. كثير من طلبته اليوم يحملون أفكاره في أطاريحهم، ويتتبعون رؤاه في فهم التحولات الفنية والدرامية في العراق، ويرون فيه مثال الأستاذ المنفتح على الجديد دون أن يقطع صلته بالأسس والمنابع. أما في المهرجانات الثقافية والفنية، فكان وجهًا دائمًا، لا كمشارك فقط، بل كمؤثر ومحكِّم ومقدّم لرؤى نقدية تفتح باب الحوار وتعيد ترتيب المفاهيم الجمالية. شارك في مهرجانات عربية ومحلية مثل مهرجان بغداد الدولي للمسرح، مهرجان المسرح العربي، مهرجان أيام بابل، مهرجان بابل للثقافات، ومهرجان المسرح الجامعي، وغيرها، وكان في كل مرة يحمل مشروعًا معرفيًا يؤسس لفهم جديد للمسرح، ويعيد ربطه بالجمهور والواقع. لم يكتف الدكتور الربيعي بما أنجزه، بل واصل الحفر في ذاكرة المسرح من خلال مشاريع توثيقية استثنائية مثل سلسلة 'من خزانة المسرح'، و'المسرح العراقي في وثائق دائرة السينما والمسرح'، و'مخرجو الفرقة القومية'، و'مهرجان المسرح العراقي – مسيرة إبداع'، وهي مشاريع لا تثمّن بثمن لأنها تُنقذ الماضي من الغياب. لقد كتب الدكتور علي الربيعي في النقد الفني، والأدب، والتاريخ، ونُشرت له مقالات في صحف ومجلات محلية وعربية، وكتب عنه آخرون دراسات أكاديمية وتراجم تقديرية، لأنه ليس فقط ناقدًا مسرحيًا أو مؤرخًا فنيًا، بل ضمير من ضمائر الثقافة العراقية في زمن العتمة والتشظي.


موقع كتابات
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- موقع كتابات
الشاعر مالك مسلماوي.. أصالة الحرف وتجريب القصيدة
تمثل تجربة الشاعر مالك مسلماوي نموذجًا لافتًا في مشهد الشعر العراقي الحديث، إذ تتضافر في منجزه الشعري والنقدي عناصر التجريب الفني، والوعي الثقافي، والتحول الجمالي. وُلِد الشاعر في ناحية المشخاب بمحافظة القادسية عام 1950، وتكوّنت بداياته التعليمية والثقافية في سياق اجتماعي ريفي تقليدي، انتقل لاحقًا إلى مدينة الحلة التي أصبحت حاضنته الثقافية وفضاءه الإبداعي. تخرج من قسم اللغة العربية – كلية الآداب – جامعة بغداد سنة 1975، وعمل مدرسًا لسنوات طويلة، ثم نال درجتي الماجستير والدكتوراه من الجامعة الحرة، تخصصًا في اللغة والنقد الأدبي، ما أضفى على نصوصه بعدًا معرفيًا وتجريبيًا في آن واحد. ينتمي مالك مسلماوي إلى جيلٍ من الشعراء الذين تجاوزوا الصيغ الشعرية التقليدية، وانخرطوا في أفق قصيدة النثر بوصفها فضاءً مفتوحًا للبوح والتأويل والانتهاك البنيوي للأنماط الموروثة. في مجموعاته الكثيرة، التي تربو على خمس عشرة مجموعة شعرية، تتجلى نزعة متمردة على النمط، تبحث عن القصيدة في هوامش اليومي، وفي فجوات اللغة، وفي ما يسميه النقاد بـ'جماليات القلق'. عناوين مجموعاته مثل 'شاعر رديء'، 'يوميات نعال'، 'علبة فارغة في شارع الحمرا'، تمثل إعلانات صريحة عن اشتغاله على تفكيك بلاغة البطولة والذات المركزية، إذ يُقدِّم الشاعر ذاته بوصفها كائنًا هامشيًا مأزومًا، ويعكس في شعره حواريةً مع الواقع، لكن لا على نحو مباشر، بل من خلال ترميز كثيف ومجازات مركبة وسخرية وجودية. ما يميز تجربة المسلماوي أنه لم يقف عند حدود الإنتاج الشعري، بل مارس النقد بوصفه فعلًا تفسيريًا وأداة تأويلية، تستبطن الشعر من داخله وتعيد قراءته وفق آليات تحليلية حداثية. في كتبه مثل 'قصيدة النثر العراقية: العودة إلى الذات' و'تدجين اللغة الهاربة' و'جدل الاختلاف: اندحار الوعي وأزمة الذات'، نجد محاولة واعية لفهم تحولات الشعر العراقي، من خلال تتبّع البنية الأسلوبية، وتحليل آليات الخطاب، ومساءلة جدلية اللغة والهوية والذات. ولعلّ هذا التوازي بين الإبداع والتنظير مكّن الشاعر من صياغة نص شعري لا يقوم على الانفعال وحده، بل يتأسس على معمار لغوي ومعرفي يتطلب قارئًا مؤهّلًا للتفاعل معه. ويمكننا القول إنه يمثل امتدادًا لخطاب شعري حداثي بدأ مع الستينيات، لكنه لا يستعيد ذلك الخطاب بنسخته الأولى، بل يقدمه بصيغة أكثر تشتتًا، وأكثر تأملًا في أزمة المعنى وغربة الذات وتشظي اللغة. فهو لا يكتب من موقع اليقين، بل من موقع الالتباس، ولا يسعى إلى إنتاج الدهشة فقط، بل إلى توليد السؤال، وزعزعة سلطة الشكل والمحتوى. إن شعره هو شعر تأمل في الخراب اليومي، واستنطاق للمهمل، واحتفاء بالشخصي العابر بوصفه تمثيلًا للكوني العميق. وهو، في هذا السياق، يُعدّ من الأصوات التي أنجزت مشروعًا شعريًا متكاملًا يتقاطع فيه الحس الجمالي مع البعد الفلسفي، ويتجاور فيه القلق الوجودي مع توتر اللغة، ويترسّخ فيه حضور الذات ككائن هشّ في مواجهة عالم مفكك. ختاما فهو ليس شاعرًا تقليديًا ولا تجريبيًا بالمطلق، بل هو شاعر يحفر في اللغة بحثًا عن ذاته وذواتنا، ويكتب من موقع الالتباس ليصوغ نصوصًا شديدة التوتر والدلالة. وقد مكّنه هذا التوازن بين الرؤية الإبداعية والاشتغال النقدي من أن يكون حاضرًا وفاعلًا في المشهد الشعري العراقي المعاصر، بوصفه أحد أبرز كتّاب قصيدة النثر، الذين لم يفرطوا بالجوهر الشعري، بل أعادوا صياغته بما يليق بعصر مفتوح على الانكسار. ونختار من شعره (القصيدة الضائعة) لتحليلها وابراز خصائصها الفكرية والجمالية. عنوان القصيدة يشير إلى فقدان الأصل، وغياب المرجع، وانهيار اليقين الشعري. القصيدة ليست فقط نصًا مفقودًا، بل هي تجربة ذاتية مشتتة تبحث عن تماسك داخل ذات تمزقها الأسئلة والمفارقات. وهي تنتمي إلى قصيدة النثر التأملية، وتتحرك في مناخ من القلق الوجودي والتشكيك المعرفي، وتُبنى على مناجاة بين الشاعر و'الإله'، الذي يتحول تدريجيًا إلى 'الذات' و'اللا أحد'. وهي بنية تنزاح من الخطاب الصوفي نحو خطاب وجودي معاصر. وأبرز المحاور الكبرى للنص تتمثل في مفارقة المعلِّم واليتيم،'يا من علّمني كل شيء ، وتركَني وحيدًا في اللاشيء'. فهو هنا يبدأ بمرثية للمعرفة، حيث التعليم لم ينتج خلاصًا، بل عزلة وجودية في فراغ رمزي (اللاشيء). المعرفة، بدل أن تكون نورًا، صارت عبئًا. ويجد أن الشعر فعل خلاص ومحنة: 'علّمني الشعر… كي لا أَحترق وأتلاشى'. هنا تبرز الجدلية بين الشعر والاحتراق: الشعر ليس ترفًا ولا زينة، بل فعل نجاة روحي، وربما وهم نجاة. إنه شكل من أشكال الصراع مع العدم. ويرى القراءة كعاهة وجودية: 'اشفني من القراءة والكتابة…لأعود أميًا مثل قطتي'. هنا ذروة في المفارقة الشعرية: الشاعر، الذي يعيش على اللغة، يرى فيها مصدر ألمه. اللغة فقدت قدرتها على إنقاذه، فتحوّلت إلى عائق أمام البراءة، وأمام تلقّي العالم بتلقائية. يتمنى أن يكون 'قطًا' لا يعرف سوى المواء. ورمزية القطة والأشياء الجامدة ترتسم خيالا في قوله: 'أقرأ لها شعرًا… فتشيح بهدوئها عني'. فالقطة تمثل الكائن الطبيعي غير الملوث بالوعي، الرافض للخطاب الرمزي، بما يرمز إلى رفض الكون غير البشري للمنجز الشعري. كما أن الجمادات (الأحجار التي يتعثر بها منذ صباه) تصبح شهودًا على العجز الشعري، بل على التاريخ الشخصي المعطل. ونجد في هذه القصيدة تحولات أسلوبية وصوت الشعري:فالضمير الثاني (أنت) يتحوّل تدريجيًا إلى ضمير المتكلم (أنا)، مما يعكس حركة الانطواء. واستخدام التكرار ('علمني الشعر') بوصفه لحنًا داخليًا يعمق الإلحاح والضياع. وتداخل الخطاب الصوفي بـ'جحيمية' حديثة: النار، النبذ، الحيرة، لغة القصيدة تجمع بين البساطة التعبيرية والعمق الفلسفي، وألفاظ تميل إلى التجريد: الشيء، اللاشيء، النار، الصحو، الجغرافيا، الحزن… فيما تستخدم المفردات الحسية ('يدي'، 'لساني'، 'قميصي') لنقل الإفلاس الوجودي الكامل، حتى أدوات التعبير خانته. أما مسك الختام فيها فهو يوحي بكثير من الدلالات التي يمكن استجلائها: 'علمني أن أكون شاعرًا… عاريًا .. من التاريخ.. والجغرافيا.. والحزن…' هذه الخاتمة تلخّص مشروع الشاعر الفني: التخلص من كل إرث، من كل سياق، من كل شعور، من أجل الوصول إلى شاعرية عارية، غير مثقلة بالماضي، ولا متورطة بالحزن. لكنه لا يصل، بل يظل 'مبلّلًا بأخطائه' و'قصيدته الضائعة'. لذلك فإن 'القصيدة الضائعة' هي مرآة قلقة لذات تبحث عن خلاص شعري روحي، لكنها تصطدم بجدار اللغة، وببرود العالم، وبتشظي المعنى. فهو هنا يكتب الشعر لا بوصفه صناعة، بل بوصفه سؤالًا وجوديًا فادحًا، متجردًا من كل مظاهر التجميل والتزويق، ومشبَعًا بألم المعرفة واحتراق الدلالة.