
ترمب يبدأ حملته لـ"تطويق" الصين تجارياً عبر فيتنام وجيرانها
ففي ولايته الأولى، أجبر ترمب الشركات على تقليص اعتمادها على الصين، أما الآن، فهو يضغط على الدول لاستبعاد بكين من سلاسل التوريد الخاصة بها، حسبما ذكرت "نيويورك تايمز".
ويُعد الاتفاق التجاري الأولي، الذي أُعلن الأربعاء، بين الولايات المتحدة وفيتنام، الخطوة الأهم حتى الآن نحو تحقيق هذا الهدف.
ورغم أن تفاصيل الاتفاق ما تزال محدودة، إلا أن الصادرات الفيتنامية إلى الولايات المتحدة ستواجه رسوماً جمركية بنسبة 20%، وهو معدل أقل مما كان ترمب قد هدّد به سابقاً.
لكن اللافت في الأمر، بحسب "نيويورك تايمز" أن الاتفاق سيفرض رسوماً بنسبة 40% على أي صادرات من فيتنام تُصنّف على أنها إعادة تصدير (transshipment)، أي السلع التي مصدرها الحقيقي دولة أخرى (غالباً الصين) وتم تمريرها فقط عبر فيتنام.
وذكرت الصحيفة الأميركية، أن هذا البند موجه تحديداً إلى الصين، التي استخدمت فيتنام ودولاً مجاورة لها لـ"الالتفاف" على الرسوم الأميركية عبر إعادة تصنيع البضائع.
ويحتمل أن تصبح هذه القاعدة جزءاً من صفقات تجارية مماثلة بين الولايات المتحدة ودول أخرى في جنوب شرق آسيا، في محاولة لتجنب الرسوم الباهظة التي دخلت حيّز التنفيذ الأربعاء.
ضغوط على جيران الصين
ويضغط مفاوضو ترمب التجاريون على جيران فيتنام، مثل إندونيسيا، لتقليل المحتوى الصيني في سلاسلهم الإنتاجية. كما يطلبون من تايلندا فحص الاستثمارات الأجنبية بدقة أكبر، بهدف منع انتقال الشركات الصينية إليها. وهناك أيضاً ضغط على بعض الدول لتقييد تصدير التكنولوجيا الحساسة مثل أشباه الموصلات (semiconductors).
وقال ستيف أوكن، الرئيس التنفيذي لشركة "APAC Advisors": "إدارة ترمب تقول: إذا أردت أن تكون شريكاً تجارياً للولايات المتحدة، فعليك أن تفصل نفسك استراتيجياً عن الصين"، ثم أضاف: "السؤال الآن هو: هل ستوافق الدول على ذلك؟".
وتزيد جهود الولايات المتحدة لعزل الصين من التحديات التي تواجه دول جنوب شرق آسيا، وهي منطقة استراتيجية لبكين، وتُعد بالفعل في طليعة الحرب التجارية والصناعية العالمية، بحسب "نيويورك تايمز".
وأعلنت وزارة التجارة الصينية الخميس أنها "تجري تقييماً" للاتفاق الأميركي الفيتنامي، مؤكدة أنها "تعارض بشدة أي اتفاق يأتي على حساب مصالح الصين، وستتخذ إجراءات مضادة لحماية حقوقها ومصالحها المشروعة".
وذكرت الصحيفة الأميركية أن تفاصيل الاتفاق لم تتضح بعد، بما فيها النسبة المسموح بها من المكونات الصينية في المنتجات الفيتنامية المصدّرة، وكيفية تطبيق القواعد ومراقبتها.
وضع حرج
وكانت فيتنام في وضع حرج خلال المفاوضات، إذ هدد ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة 46% على صادراتها، مما أحدث صدمة في صناعات مثل الملابس، الأحذية، والإلكترونيات، والتي باتت تعتمد على فيتنام كبديل عن الصين.
وقال تران كوانج، مسؤول تنفيذي في شركة عطور منزلية تصدر معظم منتجاتها لأميركا: "20% ليست أفضل سيناريو، لكنها ليست كارثة".
وأضاف أنه يؤيد فرض الرسوم المرتفعة على إعادة التصدير، لأنها تحمي الشركات الفيتنامية من المنافسة غير العادلة مع شركات صينية صغيرة تنتقل لفيتنام فقط لتغيير ملصقات منشأ المنتجات.
وذكرت "نيويورك تايمز" أن التجارة والاستثمار الصيني ساعدا في دعم النمو في فيتنام والمنطقة، لكن جنوب شرق آسيا تعاني من تدفق السلع الصينية التي تُخرج الشركات المحلية من السوق.
وأدى دعم بكين لمصانعها وسط أزمتها العقارية إلى طفرة في الصادرات الصينية حول العالم. لكن فرض قيود على تجارة الصين في المنطقة، قد يؤدي إلى تداعيات متسلسلة قد تضر اقتصادات جنوب شرق آسيا.
وإلى جانب مخاطر دبلوماسية أيضاً، فقد يؤدي الضغط الأميركي إلى دفع بعض الدول أكثر نحو الحضن الصيني. فبكين أظهرت أنها مستعدة للرد بصرامة، مثل مقاطعة السلع، أو تقييد تصدير المعادن النادرة التي تعتمد عليها جاراتها. كما أنها زادت من توتراتها العسكرية في بحر الصين الجنوبي.
وقالت باڤيدا بانانوند، أستاذة التجارة الدولية في جامعة "ثاماسات" في تايلندا: "سياسياً، يجب أن نكون حذرين بين قوتين عظيمتين. الصين قوة اقتصادية كبرى، ليست كمستوردة، بل أيضاً كمستثمرة ومصدر رئيسي للتصدير".
في الأسابيع الأخيرة، بدأت بعض دول المنطقة، مثل تايلندا وماليزيا وإندونيسيا، اتخاذ إجراءات صارمة لمراقبة إعادة التصدير، مما يعطي مؤشرات عما قد توافق عليه في صفقاتها التجارية القادمة مع واشنطن.
ففي تايلندا، التي تواجه تهديداً بفرض رسوم أميركية بنسبة 36%، قدّرت الحكومة أن فحص الصادرات بدقة سيؤدي إلى خسارة 15 مليار دولار من صادراتها إلى الولايات المتحدة، ما يعادل ثلث فائضها التجاري مع واشنطن في العام الماضي.
كما وعدت تايلندا بتشديد الرقابة على الاستثمارات الأجنبية في قطاعات مثل السيارات الكهربائية، حيث ضخت الشركات الصينية أموالاً ضخمة لجلب مورديها المحليين.
أما ماليزيا وإندونيسيا، فقد شددتا قواعد التصدير وضبطتا إصدار شهادات المنشأ مركزياً لتفادي الاحتيال، وفق "نيويورك تايمز".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 40 دقائق
- الشرق السعودية
قانون ترمب "الكبير والجميل" يُثير جدلاً وسط توقعات بتكلفة سياسية كبيرة
رغم الانتقادات الحادة والتحفظات داخل الحزب الجمهوري، تمكن الرئيس الأميركي دونالد ترمب من تمرير مشروع قانون خفض الضرائب والإنفاق المعروف باسم "القانون الجميل والكبير"، ليتضمن حزمة واسعة النطاق وضخمة من التخفيضات تبلغ قيمتها 3.4 تريليون دولار، ومع ذلك ثمّة من يعتقد أن هذه الخطوة قد تُكلّف الجمهوريين ثمناً سياسياً باهظاً في انتخابات التجديد النصفي المقبلة. وأشارت وكالة "أسوشيتد برس" إلى أن مشروع القانون الذي تبنّاه ترمب، يُعد إنجازه التشريعي الأبرز حتى الآن، ويقارن بما فعله سلفاه باراك أوباما، الذي أقر قانون "الرعاية الصحية الميسّرة"، وجو بايدن الذي أقر "قانون خفض التضخم". وأوضحت الوكالة، في تقرير نشرته السبت، أن جميع هذه القوانين احتُفِي بها عند تمريرها، لكنها تحولت لاحقاً إلى أهداف سياسية في الحملات الانتخابية التالية، وبالنسبة لترمب، فإن مكاسب التخفيضات الضريبية قد تتلاشى وسط الجدل المحتدم بشأن بنود أخرى في القانون، والتي يرى الديمقراطيون أنها ستُجبر الأميركيين الفقراء على التخلي عن التأمين الصحي، وتقوّض سياسات الطاقة المعتمدة منذ أكثر من عقد. وأجبر ترمب جميع الجمهوريين في الكونجرس تقريباً، عبر "الإقناع والترهيب"، وفقاً لـ"أسوشيتد برس"، على دعم مشروع القانون الرئيسي الخاص به، رغم تحفظ بعضهم على جزء من بنوده، لافتةً إلى أنه "اعتمد على أسلوبه المعروف في مجال الأعمال قبل دخوله عالم السياسة، والذي تمثّل في التركيز على الترويج للمشروع تحت اسم (الكبير والجميل)، ثم الضغط بلا هوادة لتمريره في الكونجرس، معتمداً فقط على أصوات الجمهوريين". "انحياز إلى الأغنياء" رأت الوكالة أن نجاح ترمب سيُختبر قريباً في انتخابات التجديد النصفي لعام 2026، إذ يخطط الديمقراطيون للترشح مستندين إلى اتهام الرئيس الجمهوري بالانحياز إلى الأغنياء على حساب الفقراء الذين قد يُحرمون من التأمين الصحي. ويجادل ترمب والجمهوريون بأن مَن يستحق التأمين سيحصل عليه، غير أن محللين محايدين يتوقعون زيادة كبيرة في عدد غير الحاصلين على تأمين صحي، وفي الوقت نفسه، يُنتظر من الجمهوريين أن يُثبتوا أن القانون سيُنعش الاقتصاد في ظل حالة عدم اليقين والاضطرابات التجارية الراهنة. وحاول ترمب دحض الاتهامات بمنح الأفضلية للأغنياء من خلال تضمين بنود تُخفّض الضرائب على العاملين الذين يتلقون إكراميات، ومَن يتقاضون أجراً عن ساعات عمل إضافية، وهما فئتان تمثلان نسبة صغيرة من القوى العاملة في الولايات المتحدة. وذكرت "أسوشيتد برس" أن تمديد التخفيضات الضريبية التي أقرها ترمب خلال ولايته الأولى، والتي كانت مهددة بالانتهاء من دون تدخل الكونجرس، يتيح للرئيس الأميركي القول إن ملايين المواطنين سيتجنبون زيادات ضريبية وشيكة، لكن لتمويل هذه التخفيضات والأولويات المكلفة الأخرى، لجأ الجمهوريون إلى تقليصات حادة في برنامج "Medicaid"، ما يتناقض مع وعود ترمب بعدم تأثير القانون على المستفيدين من برامج الدعم الحكومية. وقال النائب الجمهوري جايسون سميث، رئيس لجنة الطرق والوسائل في مجلس النواب الأميركي، إن "أهم ما في الأمر، أنه (ترمب) يُلبي نداء الناس المنسيين، ولهذا كان مطلبه الأول هو إلغاء الضرائب على الإكراميات والعمل الإضافي، وإعفاء كبار السن من الضرائب"، وأضاف: "أعتقد أن ذلك سيكون له تأثير كبير". وكثيراً ما شهد الرؤساء الأميركيون تراجع إنجازاتهم التشريعية الكبرى على يد خلفائهم، حيث تحوّلت هذه القوانين في بعض الأحيان، وفقاً للوكالة، إلى أعباء سياسية تُثقل كاهل حزبهم في الانتخابات التالية. من جانبه، اعتبر كايل كونديك، محلل الانتخابات في مركز السياسة بجامعة فرجينيا، أنه "لا يوجد دليل من الماضي القريب أو حتى البعيد على أن تمرير قانون ضخم من قبل حزب الرئيس أدى إلى مكافأة انتخابية". تآكل شبكة الأمان الاجتماعي يأمل الديمقراطيون في تحويل خسائرهم السياسية إلى مكاسب انتخابية، خاصةً في ظل تعهد ترمب في يناير الماضي بـ"رعاية برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية"، مؤكداً أنه "لن يتم المساس بها إلا إذا وُجد إسراف أو هدر"، وقال آنذاك: "الناس لن يتأثروا، بل سيكون كل شيء أكثر فاعلية". لكن بحسب الوكالة، هذا الوعد "بعيد كل البُعد" عما اختاره الرئيس الأميركي والجمهوريون في نهاية المطاف، إذ لم يقتصر التقليص على برنامج "Medicaid" فحسب، بل طال أيضاً المساعدات الغذائية للفقراء، بهدف تحقيق توازن في الميزانية الطموحة. وتُشير تقديرات مكتب الميزانية في الكونجرس إلى أن القانون الجديد سيؤدي إلى حرمان 11.8 مليون شخص من التأمين الصحي بحلول عام 2034، وهي تقديرات رفضها الجمهوريون. وذكر السيناتور الديمقراطي بريان شاتز، أنه "في ولاية ترمب الأولى، منع الديمقراطيون وقوع نتائج سيئة، إذ لم يُلغ قانون الرعاية الصحية الميسّرة، وتم تقديم مساعدات كورونا، لكن هذه المرة الوضع مختلف، فالمستشفيات ستُغلق، والناس سيموتون، وتكاليف الكهرباء سترتفع، وسيُحرم البعض من الطعام". ويواجه ترمب أيضاً معارضة من بعض الجمهوريين، إذ حذر السيناتور الجمهوري عن كارولاينا الشمالية توم تيليس مراراً من أن القانون سيؤدي إلى خسائر كبيرة في التغطية الصحية بولايته وغيرها، مما سيجعلهم عرضة لهجمات سياسية مشابهة لتلك التي واجهها الديمقراطيون بعد إقرار قانون "أوباماكير". وبعد تجاهل تحذيراته، أعلن تيليس عدم ترشحه لإعادة الانتخاب بعد معارضته لتمرير القانون وتعرضه لانتقادات من ترمب، وقال: "إذا كان هناك بُعد سياسي للأمر، فهو الأثر الهائل الذي سيحدث في ولايات مثل كاليفورنيا، والولايات الزرقاء (الديمقراطية) ذات الدوائر الحمراء (الجمهورية). الرواية ستكون سلبية للغاية في ولايات مثل كاليفورنيا، ونيويورك، وإلينوي، ونيوجيرسي". أما السيناتور الجمهورية ليزا موركوفسكي، التي كانت صوت الحسم في مجلس الشيوخ لتمرير القانون، فأقرت بأن التشريع "بحاجة إلى مزيد من العمل"، داعيةً مجلس النواب إلى مراجعته، لكن النواب لم يستجيبوا. وأظهرت استطلاعات الرأي الأولية أن قانون ترمب لا يحظى بشعبية كبيرة حتى بين المستقلين ونسبة غير قليلة من الجمهوريين، في حين قالت مصادر في البيت الأبيض إن نتائج استطلاعاتهم لا تعكس هذا الاتجاه. وفي ختام التقرير، أشارت "أسوشيتد برس" إلى أن الجمهوريين وحدهم يحتفلون بهذا الإنجاز التشريعي، وهو ما لا يبدو أنه يزعج ترمب، الذي قال في خطاب ألقاه بولاية آيوا بعد تمرير القانون: "الديمقراطيون عارضوا القانون فقط لأنهم يكرهون ترمب، وهذا لا يزعجني.. لأنني أكرههم أيضاً".


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
الديمقراطيون... الآراء حول إسرائيل تتغير بسرعة
لإدراك أهمية فوز زهران ممداني الصادم في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي التي جرت الشهر الماضي لمنصب عمدة نيويورك، يجدر بنا أن نتذكر مفاجأة أخرى حدثت قبل 11 عاماً وعلى بُعد نحو 300 ميل إلى الجنوب، في انتخابات تمهيدية للحزب الجمهوري في الكونغرس بالقرب من ريتشموند بولاية فرجينيا. ففي عام 2014، تحدى ديف برات، أستاذ الاقتصاد غير المعروف في كلية راندولف ماكون، إريك كانتور، الذي كان آنذاك زعيم الأغلبية في مجلس النواب. وكان برات قد تفوق عليه بفارق هامشي يزيد على 10 إلى 1، وعلى الرغم من ذلك، فاز بـ11 نقطة مئوية، ليصبح بذلك أول منافس رئيسي يطرد زعيم الأغلبية في مجلس النواب في التاريخ الأميركي. من الناحية الآيديولوجية، لا توجد قواسم مشتركة تُذكر بين برات وممداني. ولكنهما فازا في الانتخابات التمهيدية لأسباب متشابهة: فقد استغل كل منهما الهوة بين القاعدة الشعبية في حزبه ونخبته. في عام 2014، أبدى العديد من الناخبين الجمهوريين كراهية لمؤسسة الحزب الجمهوري. واليوم، يشعر العديد من الديمقراطيين بقدر مماثل من الغضب إزاء الساسة الذين يزعمون أنهم يمثلونهم. وفي عام 2014، استخدم برات قضية واحدة على وجه الخصوص لتوضيح تلك الهوة: الهجرة. أمّا اليوم، فقد صار الاغتراب الديمقراطي أكثر غموضاً. ولا يبدو أن أي موضوع واحد يلوح في الأفق بقدر ما كانت عليه قضية الهجرة بين الجمهوريين قبل عقد من الزمان. ومع ذلك، فإن فوز ممداني يوضح الهوة الكبيرة بين العديد من الديمقراطيين العاديين وبين المؤسسة الديمقراطية حول موضوع واحد على وجه الخصوص: إسرائيل. وركز ممداني في رسالته على جعل مدينة نيويورك في متناول الجميع. وقد ركزت حملة المرشح الأوفر حظاً في السباق أندرو كومو - بالإضافة إلى مهاجمة ممداني باعتباره عديم الخبرة ومتهاوناً في مكافحة الجريمة - بشكل مكثف على التزام خصمه الصريح للغاية بحقوق الفلسطينيين. وكان هذا الالتزام أحد الأسباب التي جعلت العديد من المعلقين السياسيين والعملاء يفترضون أن ممداني، وهو عضو شاب في مجلس الولاية، لن يتمكن من الفوز. ولم يُقدّروا مدى التغير واسع النطاق في الرأي العام بشأن هذه القضية. كان هذا التحول على الصعيد الوطني. ففي عام 2013، وفقاً لمؤسسة «غالوب»، تعاطف الديمقراطيون مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين بفارق 36 نقطة مئوية. وقد تراجعت هذه الأرقام الآن، بعد أكثر من 10 سنوات من الحكم اليميني غير المنقطع تقريباً لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وصعود المتعصبين غير المحترفين إلى السلطة مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، والمذابح الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل وحملات التجويع ضد الفلسطينيين في قطاع غزة: في فبراير (شباط) من العام الحالي، وجدت مؤسسة «غالوب» أن الديمقراطيين يتعاطفون مع الفلسطينيين على حساب إسرائيل بهامش قدره 38 نقطة مئوية. ووفقاً لمسح أجرته مجلة «إيكونوميست» وصحيفة «يوغوف» في فبراير، يريد 46 في المائة من الديمقراطيين أن تخفض الولايات المتحدة المساعدات العسكرية للدولة اليهودية. وهناك 6 في المائة فقط يريدون زيادتها، فضلاً عن 24 في المائة يريدون بقاءها في المستوى الراهن. ولا تقتصر هذه الآراء على الشباب التقدميين. تأرجحت آراء الديمقراطيين الأكبر سناً بشكل أكثر حدة من آراء الشباب ضد إسرائيل في السنوات الأخيرة. بين عامي 2022 و2025، ووفقاً لمركز بيو للأبحاث، ارتفعت نسبة الديمقراطيين الذين تبلغ أعمارهم 50 عاماً فأكثر - ممن لديهم وجهة نظر سلبية تجاه الدولة اليهودية - بنسبة ملحوظة بلغت 23 نقطة مئوية. واحد فقط من كل 3 ديمقراطيين ينظر إلى إسرائيل الآن بشكل إيجابي، وفقاً لمؤسسة «غالوب». وهذا من شأنه أن يجعل إسرائيل أقل شعبية من كوبا إلى حد كبير، وأكثر شعبية من الصين بقليل. وعلى الرغم من ذلك، فإن أقوى الشخصيات في الحزب - من قادة الأقلية السيناتور تشاك شومر والنائب حكيم جيفريز إلى العديد من الديمقراطيين الذين من المرجح أن يترشحوا للرئاسة في عام 2028 - تعارض اشتراط ربط الدعم العسكري الأميركي باستعداد إسرائيل لتأييد حقوق الإنسان. وهذا يضعهم في صراع واضح مع قاعدة حزبهم. إن دعم إسرائيل ليس السبب الرئيسي الذي يجعل 62 في المائة من الديمقراطيين، وفقاً لوكالة «رويترز»، يريدون قادة جدد. أكثر ما يثير غضب القاعدة الشعبية من الديمقراطيين هو عدم قدرة حزبهم على هزيمة دونالد ترمب في صناديق الاقتراع والوقوف في وجهه كرئيس. ولكن الدعم الذي لا جدال فيه لإسرائيل أصبح، بالنسبة للكثيرين، رمزاً لخزي واضح وعدم أصالة نخبة الحزب - وهذا يجعلهم عرضة للمتمردين السياسيين الذين لا يخالفون قيم المساواة ومكافحة التمييز. بهذه الطريقة ربط ممداني دعمه لحرية الفلسطينيين برسالته الأوسع. على مستوى الكونغرس، من الصعب اتباع مسار ممداني. ففي الخريف الماضي، ساعد اللوبي المؤثر المؤيد لإسرائيل «أيباك» في هزيمة عضوين مؤيدين للفلسطينيين في مجلس النواب، جمال بومان وكوري بوش. ويكافح المرشحون لمجلسي النواب والشيوخ لجمع ما يكفي من المال لمنافسة الممولين المؤيدين لإسرائيل. إن فوز ممداني ليس بالأمر الهين. بل إنه مؤشر على ما هو قادم. * خدمة «نيويورك تايمز»


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
العالم في مقاعد المتفرجين... بانتظار نوفمبر 2026!
مَن يصغي إلى خطب الرئيس الأميركي دونالد ترمب يخرج باقتناع أن الرجل واثق من قدرته على تغيير أي واقع لا يعجبه. نظرياً، قد يكون هذا «الاقتناع» صحيحاً. فهو الحاكم المطلق لأقوى دولة في العالم. وهنا استعمال كلمة «المطلق» متعمَّد لأن ترمب نجح خلال الأشهر الماضية، بعد توليه منصبه يوم 20 يناير (كانون الثاني) الفائت، وعبر «الأوامر التنفيذية»، في مصادرة المؤسسات وتهميش المعارضة و«شخصنة» المصالح وتقزيم العلاقات الدولية، بطريقة تذكّر بمقولة «الدولة... أنا» الشهيرة المنسوبة إلى ملك فرنسا لويس الرابع عشر، الذي حكم بين 1661 و1715. طوال هذه الفترة من هيمنة ترمب على مُجريات الأمور ارتضى الجميع، الخصوم قبل الحلفاء، أن يكونوا «جمهور متفرّجين». بين هؤلاء، أبرز «القوى العظمى» المنافسة... أي الصين وروسيا، والدول الغربية «الأطلسية» الحليفة تقليدياً، والحكومات الأخرى التي أقنعت نفسها طويلاً بأنها «صديقة» لواشنطن. وحتى اللحظة، تفاوت تعاطي الجميع مع قناعات «سيد البيت الأبيض» وممارساته وتصريحاته، وفق طيف من الأولويات، لكن النتيجة تظل واحدة. إذ ثمة شعور صحيح - حتى الآن - بـ«عبثية» التصدّي لرئيس أميركي يتمتع بتفويض شعبي واضح و«طازج»، وبفضله «احتكر» كل أدوات الحكم، في مقدّمها: - بطانة كاملة الولاء عُيّنت في جميع الوكالات والهيئات التابعة للسلطة التنفيذية. - غالبية برلمانية منغمسة في حزبيتها تهيمن على السلطة التشريعية، وتستقوي بتيار شعبي «شعبوي» يكاد يكون «تأليهياً» في تسليمه بقدرات الزعيم المخلّص. - سلطة قضائية معظم قضاتها «مؤدلجون» محافظون... تتكامل مفاهيمهم السياسية مع قناعات الحكم ومصالحه. - إعلام «مُدجَّن» أو مُحاصَر، إما لتبعية مالكيه أو بفعل سيطرتهم، حتى البدائل في الإعلام السيبراني و«الذكي» و«الأخطر ذكاءً»! - طبقة كبار الأثرياء «البليونيين» الذين وجدوا أنفسهم مطلقي الأيدي، بل مدعومين من قلب «مركز القرار» لفعل كل ما يخدم مصالحهم، وضرب أي تحدٍ لتلك المصالح. بناءً عليه، وما لم يحدث ما ليس في الحساب، ستستمر حتى الانتخابات النصفية المقبلة - على الأقل - حالة «تأقلم» العالم مع ترمب، وستستمر سياسة «التجربة والخطأ» التي يسير بها على الصعيدين الداخلي والخارجي. ولكن هنا نصل إلى مسألة قدرة ترمب على تغيير أي واقع لا يعجبه. أليست ثمة متغيّرات تفصيلية في حسابات الدول؟ أليست هناك دروس مستفادة... من رهان هنا، ومغامرة هناك، وخيبة أمل ما بين الاثنين؟ بل أليس ثمة ظروف طارئة لم يحسب حسابها كالكوارث الطبيعية مثلاً؟ ثم إن تعميم «التجربة الترمبية» عالمياً قد يكون سيفاً ذا حدّين. وبقدر ما يُمكن أن تعزّز تجارب بعض الحكومات، سواء في أوروبا أو في أميركا اللاتينية، خيارات واشنطن الحالية، فإن ظهور «مدارس» مُستنسَخة عن «ماغا» (إعادة العظمة لأميركا من جديد)، ومزايدة بعض مدّعي الانتماء إلى مدرسة «ماغا»، قد يفجّران تناقضات في دول ذات مجتمعات أقل قوّة ومرونة في استيعاب ما يستوعبه، أو استوعبه، المجتمع الأميركي. من جهة أخرى، سواء نجح ترمب أم فشل بين الآن وموعد الانتخابات النصفية المقررة في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2026، يمكن أن يخلِّف كل من الفشل والنجاح تداعيات ذات أبعاد دولية. وما يزيد المخاطر على هذا الصعيد، وبالأخصّ في «المناطق الساخنة» مثل أوكرانيا والشرق الأوسط وشبه القارة الهندية وتايوان، أن الرئيس الأميركي «رجل صفقات» يعتمد على ثقته بحدسه و«علاقاته العامة» أكثر من إيمانه بالسياسات الاستراتيجية الطويلة المدى. ولهذا نجد أن الولاء المُطلق أو الصداقة الشخصية أو الشراكة المالية كانت المعايير التي اعتُمدت في تشكيل فريق معاونيه ومستشاريه ووزرائه، بعكس معظم أسلافه من الجمهوريين والديمقراطيين. هذا يعني أن العديد من الملفات المُهمة سُلّمت لشخصيات يراها كثيرون مثيرة للجدل وقليلة الأهلية. بل أخذ بعضها يفقد ثقة بعض «القاعدة» الصلبة لآيديولوجيي يمين «ماغا» المتشدّد، ومنهم إعلاميون وحركيون، مثل ستيف بانون وتاكر كارلسون ونك فوينتس... وغيرهم. أما في ما يخصّ الشرق الأوسط، وبالذات قضية فلسطين، فإن تعامل ترمب مع «الحالة الإيرانية» و«الحالة الإسرائيلية» أخذ يفرض نفسه على الجدل السياسي، أقلّه على الصعيد الإعلامي وفي وسائل التواصل الاجتماعي. واللافت أن انتقادات «اليمين المسيحي الأبيض» الأميركي لسياسات بنيامين نتنياهو خرجت إلى العلن، وفي رأسها اتهام «اليمين المسيحي الأبيض» لنتنياهو - وأيضاً اليمين اليهودي الأميركي - بدفع واشنطن دفعاً إلى حرب مع إيران خدمة لأجندة الليكود وإسرائيل الخاصة!! الأوضاع قد تختلف من حيث التفاصيل، لكنها لا تختلف كثيراً من حيث الجوهر في عدد من الدول الأوروبية، وفي مقدّمها بريطانيا، التي ربما تكون قد دخلت مرحلة «إعادة النظر» في حياتها الحزبية. في بريطانيا، التي تقف حكومتها العمالية الحالية بلا تردّد مع إسرائيل، بدأ بالأمس «خلط الأوراق» في «معسكر اليسار» السياسي. إذ أُعلِن عن تأسيس حزب يساري يقوده الزعيم العمالي السابق جيريمي كوربن والنائبة زارة سلطانة المتعاطفان مع القضية الفلسطينية. وتلت هذه الخطوة بدايات إعادة اصطفاف في «معسكر اليمين»، حيث أسّس حزب يميني متطرّف جديد باسم «استعادة بريطانيا» (Restore Britain) يقف على يمين «حزب الإصلاح» المتشدد والمعادي للأجانب... الذي كان قد انشق بدوره عن حزب المحافظين. لذا أزعم أن ما ستعيشه واشنطن حتى نوفمبر 2026، في غياب حلول حقيقية للأزمات الدولية، قد يؤسّس لتحوّلات وتغيّرات مهمّة خارج المشهد الأميركي. وأعتقد أن أخطر وقود هذه التحوّلات؛ التعصّب الديني والعداء العنصري والمآزق المعيشية!