logo
الانتحار يتزايد في صفوف جنود الاحتلال الإسرائيلي بغزة

الانتحار يتزايد في صفوف جنود الاحتلال الإسرائيلي بغزة

عكاظمنذ يوم واحد
كشفت وسائل إعلام إسرائيلية اليوم (الأحد) عن بدء جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي بالشكوى من وجود نقص في عدد القوات وتكليفهم بمهمات ليست ضمن تدريباتهم.
وذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن هناك جنوداً في قوات النخبة يشتكون من تكليفهم بمهمات لا تتوافق مع تدريباتهم، موضحة أن جنوداً في وحدات النخبة مثل الكوماندوز وماجلان أوكلت لهم مهمات قوات المشاة.
وأشارت إلى أن قوات النخبة تقوم بمهمات وحدات المشاة بسبب النقص بعد مقتل وجرح نحو 10 آلاف جندي، مبينة أن الجنود يشتكون من تكليفهم بنشاطات عسكرية تستغرق أحيانا 12 ساعة متواصلة.
ويأتي ذلك في الوقت الذي شهد جيش الاحتلال ارتفاعاً غير مسبوق في حالات الانتحار والأزمات النفسية في صفوف جنوده منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، وسُجلت هذا الأسبوع حالة انتحار جديدة بعد أن أقدم مقاتل من لواء «غولاني» على إنهاء حياته في قاعدة عسكرية جنوب الأراضي المحتلة.
وافادت تقارير بأن الجندي غادر قطاع غزة للعودة إلى قاعدة سدي تيمان، وكان في انتظاره محققو الشرطة العسكرية لاستجوابه في إطار تحقيق فُتح قبل نحو شهر، وعقب خضوعه للتحقيق، قرر قادته سحب سلاحه الشخصي، غير أنه استولى على سلاح أحد زملائه أثناء نومه وأطلق النار على نفسه، تاركاً رسالة انتحار.
وأفادت تقارير إعلامية بأنه جرى تسجيل أكثر من 21 حالة انتحار العام الماضي، فيما انتحر 17 جندياً في 2023، لكن منذ مطلع 2025 جرى تسجيل نحو 14 حالة انتحار جديدة.
وأفاد الصحفي في صحيفة «هآرتس» للشؤون المجتمعية، توم ليفينسون، بأن الأرقام المقلقة التي سجلت أخيراً تعكس ارتفاعاً واضحاً في معدلات الانتحار بين أفراد الجيش الإسرائيلي منذ بدء الحرب على غزة، ما يثير تساؤلات حادة عن الضغوط النفسية الهائلة التي يواجهها الجنود في ظل ظروف أمنية ومعيشية صعبة.
وأشار إلى أن المؤسسة العسكرية تعزو هذا الارتفاع إلى تعبئة واسعة النطاق، خصوصاً في صفوف قوات الاحتياط، إذ خدم مئات الآلاف لأشهر طويلة في جبهات قتالية معقدة، مبيناً أن نسبة كبيرة من حالات الانتحار سُجلت بين الجنود في الخدمة الفعلية، ما يعكس حجم العبء النفسي الذي يرافق المهمات العسكرية اليومية.
بالمقابل قالت كتائب القسام إنها استهدفت أمس دبابة إسرائيلية شرق حي الزيتون جنوب مدينة غزة، وإنها رصدت هبوط الطيران المروحي للإجلاء.
أخبار ذات صلة
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

احتراماً للقانون الدولي
احتراماً للقانون الدولي

الشرق الأوسط

timeمنذ 2 ساعات

  • الشرق الأوسط

احتراماً للقانون الدولي

في خضم التصعيد الإقليمي القابل للتجدد بين إيران وإسرائيل، وبعد الغارات الأميركية التي استهدفت من دون أن تنجح بالكامل منشآت نووية، أو مواقع سيادية، تتخذ دول كبرى في العالم السني مثل السعودية وتركيا ومصر وعموم دول الاعتدال، مواقف ثابتة تعبّر عن رفضها لأي تدخل عسكري أو خرق للسيادة. هذه المواقف لا تصدر عن عداء ديني أو آيديولوجي لليهود؛ أو إظهار التعاطف مع إيران، بل عن منطلقات مبدئية واستراتيجية تتمثل في احترام القانون الدولي، وسيادة الدول، وتفضيل المقاربات الدبلوماسية، ورفض أوهام «الشرق الأوسط الجديد» الذي لا يحمل جديداً سوى الخراب المعاد إنتاجه. السعودية، التي تقود اليوم قطار التنمية الإقليمي، تجاوزت ثنائية محور «الممانعة أو الاعتدال»، وتحولت إلى أنموذج للمنطقة في السعي نحو تحقيق الرفاه والانتقال من اقتصاد ريعي إلى دولة استثمار، وتحول اجتماعي منغمس في بناء الإنسان السعودي والاستثمار فيه، وتمكين الشباب، والانفتاح على العالم وفق مرجعية وطنية هي رؤية 2030. الرياض دائماً تذكر الجميع بالثمن الباهظ الذي دفعته المنطقة منذ غزو العراق، مروراً بحروب التدخلات السريعة، وصولاً إلى الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، إذ ليس لدول المنطقة «ذاكرة قطط» لأنَّها تدرك بوعيها السياسي آثار تلك التجارب العبثية، وتدرك أن «تفكيك الدول» لم يأتِ يوماً بنتائج أفضل من النظم التي كان يُراد إسقاطها. فالبديل في كل مرة كان الفوضى، والطائفية، وانتشار الميليشيات، وخراب المؤسسات، وملايين اللاجئين الذين لم تجد لهم الأمم المتحدة مأوى حتى الآن. في هذا السياق، يأتي الموقف الجديد لمحور ما يمكن تسميته «محور السيادة» بوصفه مرآة لحسابات الدولة، لا انفعالات اللحظة. فرغم التنافس مع طهران، وصراع النفوذ على مناطق أخرى وتعقيدات الوضع في غزة، لم تنزلق هذه الدول إلى مواجهة مفتوحة مع إيران، مدركةً أن هذا سيخلق فوضى عارمة لا يمكن السيطرة عليها، ويضيف ساحة اضطراب جديدة إلى حدودها. أما العلاقة مع إسرائيل وكل ما يسوق له من فرص السلام، فلا يمكن أن يدخل ضمن خانة المفكر فيه مع هذا التوغل في غزة والضفة، والاستخدام الوحشي المفرط للقوة ضد الأطفال والمدنيين، وهذا موقف يتطابق فيه الرأي السياسي والمجتمعي، ولا يعبر عن كره أو معاداة للسامية، أو عدم رغبة في السلام، بل هو ينطلق من احترام قرارات الشرعية الدولية، والحفاظ على أهل غزة والفلسطينيين وحقهم المشروع والعادل. المعادلة الجديدة التي تتبناها «دول محور السيادة» لا تقوم على حب طهران أو كره تل أبيب؛ بل على رؤية صلبة تقول: لا يمكن للمنطقة أن تستمر رهينة تناقضات دولية لا تخدم سكانها. فالجيل الجديد في الشرق الأوسط لا يعرف حروب 1967، ولا اتفاقيات 1978، ولا يشعر بأن الصراع العربي - الإسرائيلي يختزل حياته، هذا الجيل - الذي يشكل غالبية السكان - يريد العمل، والتعليم، والإنترنت، وسوقاً حرة، لا تستهلكها العقوبات ولا تدمّرها الانفجارات، ومع ذلك، لا يمكن أن يظل حبيس «العدمية» القاسية التي تفرزها لغة الأرقام ومنطق الصورة في عالم شديد التواصل اليوم تجاه ما يحدث ضد الأبرياء في غزة وفلسطين. هذا التحول الجيلي في الأولويات، والموقف الاستراتيجي في الدول، يعكس لحظة فارقة قابلة للاستثمار تقول بوضوح: الشرق الأوسط لم يعُد ذلك الإقليم القابل للتلاعب، ولا البيدق الذي يُحرّك في صراع القوى الكبرى. فالدول الإقليمية لم تعُد تعاني عقدة «الحماية الغربية»، ولا ترى في كل منافسة إقليمية تهديداً وجودياً؛ بل تملك من الثقة والرؤية ما يجعلها تتحدث بنديّة، وتفاوض على المصالح، وتضع الحدود لما يُقبل وما يُرفض. ما تطلبه دول محور «السيادة» - رغم الخلافات بينها - ليس مستحيلاً: احترام سيادة الدول، وكبح التوسع العسكري، وتحجيم الميليشيات، وإعادة الروح إلى القانون الدولي. وليس من العقل في شيء أن تبقى منطقة تمتد من كابل إلى غزة، ساحة مفتوحة للضربات والتجارب، بينما تتفرج الأمم المتحدة، وتغيب التفاهمات الكبرى، ويعلو صوت المدافع على صوت التنمية. أما على الجانب الأميركي، فالسؤال اليوم لم يعُد عن كيفية التعامل مع إيران أو الدفاع عن إسرائيل، بل: ماذا تريد واشنطن من المنطقة؟ وهل تدرك أن حلفاءها الإقليميين لم يعودوا أدوات تنفيذ؛ بل شركاء في صنع القرار، يملكون مقارباتهم، وأولوياتهم، وهموم شعوبهم؟ وإذا كانت إسرائيل تسعى لتوسيع نفوذها بحجج «الأمن» أو بأوهام شرق أوسط جديد، فإن الأمن لا يُصان بالقصف، ولا تُبنى الشرعية على أنقاض القانون. كما أن الحجج التي حاولت إسرائيل تسويقها لم تعُد تقنع أحداً، فالمنطقة اليوم أكثر وعياً، وأكثر انفتاحاً، وأكثر واقعية. من يُرِد الأمن، فليصنع السلام. ومن يُرِد السلام، فليعترف بأن للآخرين سيادة لا يجوز انتهاكها، وحقوقاً لا يمكن القفز عليها. والحال أن المواقف الإقليمية الرافضة للتدخلات الخارجية لا يمكن اختزالها في شعارات آيديولوجية. إن السعودية وتركيا ومصر وغيرها من دول الإقليم، تقول بوضوح: نريد شرقَ أوسط جديداً، لكنه لا يُبنى على الأنقاض، ولا يُدار بالمظلات العسكرية، ولا يُختزل في خطوط حمراء ترسمها واشنطن أو تل أبيب؛ بل نريد شرقَ أوسط تُصنع فيه النهضة من الداخل، وتحترم فيه الهويات، وتعلو فيه رايات التنمية على دمار الجغرافيا السياسية. إنها ليست مسألة حب أو كره؛ إنها مسألة وعي إقليمي يتجذّر، واحترام للقانون الدولي الذي طالما استُخدم أداة للمصالح، لا مرجعية للعدالة.

الميليشيا بلا مشروع: «حزب الله» ما بعد زمن السلاح
الميليشيا بلا مشروع: «حزب الله» ما بعد زمن السلاح

الشرق الأوسط

timeمنذ 2 ساعات

  • الشرق الأوسط

الميليشيا بلا مشروع: «حزب الله» ما بعد زمن السلاح

كانَ صعباً، ولا بدَّ، أن يتابعَ «حزب الله» مشهد مقاتلي «حزب العمال الكردستاني» وهم يحرقون بنادقهم بأيديهم، في احتفال علني. شكّلت هذه المشاهد نهاية رمزية لفصلٍ طويل من الكفاح المسلح في المنطقة، وافتتاحاً صامتاً لمرحلة جديدة تفرض إعادة النظر في وظائف العنف وأدواره خارج الدولة. لم يكن هذا القرار نتيجة اتفاق سياسي ضاغط، ولا تتويجاً لانتصار ميداني حاسم، بل تعبيراً عن إدراك عميق بأن زمن البندقية غير النظامية، بكل ما حمله من شعارات قومية أو دينية، قد شارف على الانتهاء، وأن في ذلك ما يستدعي تغييراً في التصورات والأهداف والمواقف. في العراق أيضاً، وعلى الرغم من دقة توازناته السياسية، تمكّنت الحكومة من رفع وحماية شعار النأي بالنفس عن الحرب الإيرانية – الإسرائيلية الأخيرة، وتثبيت مبدأ أن لا سلاح خارج الدولة، متجاوزة ضغوط المحور أو غوايات اللحظة. تعلو في بغداد النبرة بشأن توحيد القرار العسكري، بموازاة مزاج وطني صاعد منحاز للدولة على حساب الميليشيات. في غزة، انتهت الحرب بهزيمة سياسية وعسكرية أخرجت «حماس» عملياً من نقاشات «اليوم التالي» عن إعادة الإعمار وهيكلة السلطة السياسية. فقدت الحركة السيطرة على جزء كبير من القطاع، وانكشفت أمام أهلها، قبل خصومها، وبات تحييد سلاحها هو المحطة الأخيرة المتفق عليها بين جميع المؤثرين. في هذا السياق الإقليمي المائل نحو ترتيب أوراق ما بعد الفوضى، بقي «حزب الله» معلّقاً على تخوم خطابه القديم، يراقب انهيار منظومات تشبهه، ويتلمّس ملامح التحول من حوله، من دون أن يجد سردية جديدة قادرة على إعادة تبرير وجوده بالشكل الذي اعتاده. فالهزيمة البنيوية التي تعرّض لها الحزب في حرب 2024، لم تُقابل بإعادة تقييم استراتيجية، بل بتعميق لهجة الممانعة، وتغليف السلاح بمفردات دينية تُخرجه من التداول السياسي إلى فضاء القداسة. لم يعد سلاح «حزب الله» مجرّد أداة مقاومة، بل أصبح، في الخطاب، امتداداً لعقيدة، وأمانة إلهية، ترتبط كلها بهوية خاصة. وهو تحوّل في اللغة، يُراد له أن يحصّن السلاح من النقد والرقابة والتسويات، عبر إلحاقه بالماورائي والوجودي. لكن هذا التصعيد العقائدي لا يصدر من موقع قوة، بل من موقع قلق وخوف. فالبيئة الحاضنة للحزب لم تعد على حالها، والدعم الإيراني يمرّ بأزمة أولويات، والأفق السوري يتّجه نحو تسويات كبرى، حتى مع إسرائيل، ستُفاجئ الحزب بتفاهمات لا مكان فيها للمشاريع العقائدية المسلّحة. كما أنَّه كلام يتوازى مع تقارير موثوقة عن تباينات عميقة داخل الحزب تفرزها المراجعات الداخلية الجارية بشأن الدور والوظيفة والقدرة، وتكلفة الارتباط بالمشروع العسكري لإيران. في المقابل، يواصل رئيسا الجمهورية اللبنانية جوزيف عون والحكومة نواف سلام، تنفيذ خطوات مهمة ولو غير كافية تحت غطاء القرار «1701»، شملت إزالة مئات المواقع التابعة لـ«حزب الله» جنوب نهر الليطاني، تنفيذاً لقرار وقف إطلاق النار الذي أُرغم الحزب على الموافقة عليه. لا يعني أي من ذلك أنّ الدولة استعادت كامل سيادتها، لكنّه يعني بالتأكيد أنّ الانكشاف بات أكبر، وأنّ فائض الهيمنة لم يعد مقبولاً، لا إقليمياً ولا دولياً، ولا حتى داخلياً في ظلّ تراجع التأييد الشعبي للحزب في بيئته وبين عموم اللبنانيين، نتيجة الكلف الاقتصادية والاجتماعية التي دفعها الناس على مدار عقدين. زِدْ على ذلك أنّ إسرائيل، بدعم أميركي وأوروبي، لم تعد تتعامل مع الحزب كجزء من ميزان الرعب التقليدي، بل كهدف مشروع للضربات الاستباقية عند الحاجة، على ما يُستقرأ من الغارات والاغتيالات المستمرة. فإلى أين يأخذ «حزب الله» لبنان؟ هل ما زال الرهان على محور إقليمي يتفكّك كفيلاً بتأمين شرعية دائمة لسلاحٍ لم يعد يُقنع حتى بعض المقرّبين؟ وهل الخطاب الغيبي يكفي لتغطية التراجع البنيوي البائن؟ هل يملك «حزب الله» ما يكفي من وعي سياسي واستقلالية على مستوى القرار ليبدأ الفصل بين العقيدة الثورية العابرة للحدود وبين المشروع السياسي الوطني؟ ما من مؤشر يؤكد أن الحزب يملك حتى الآن إجابات واضحة. لكن المؤكد أن لبنان لا يحتمل الانتظار. أكثر من أيّ وقت مضى، بات سلاح «حزب الله» يشكّل تهديداً وجودياً للبنان، كما أشار الموفد الأميركي توم برّاك، وكما يستشعر معظم اللبنانيين بفطرتهم. لكن الآكد من تهديد الكيان اللبناني، هو ما يُمكن أن يصيب بيئة الحزب جراء هذا. فاستمرار هذا السلاح خارج الدولة، قد يزجّهم في صدام دائم مع بقيّة المكوّنات، ويُلغي إمكانيّة بناء شراكة وطنية مستقرّة. إن لم يُعالَج ملف السلاح اليوم، فإنّ الثمن لن يكون حرباً جديدة مع إسرائيل فقط، بل تفككاً داخلياً سيضرب النسيج الشيعي أولاً قبل أن يطول سواه.

جريمة قرن... وميلاد جديد
جريمة قرن... وميلاد جديد

الشرق الأوسط

timeمنذ 2 ساعات

  • الشرق الأوسط

جريمة قرن... وميلاد جديد

ضرب لي موعداً أكثر من مرة، ومع تلاحق الأحداث لم نتمكن من اللقاء، لكن مهنة الدبلوماسي تتغلب دائماً على المصاعب والعقبات، أخيراً التقينا، كان يريد أن نتحاور حول أوضاع الشرق الأوسط الذي لا يهدأ عن الفوران. الحديث عن المنطقة ذو شجون. التقينا في مقهى وكانت شاشة التلفزيون تذيع عواجلها عن غارة إسرائيلية هنا، وقصف إسرائيلي هناك، وخبر من واشنطن، ولقاء بين هذا الزعيم أو ذاك، والشرق الأوسط هو القاسم المشترك في الأخبار والأنباء. أشار إلى الشاشة المعلقة، وقال: متى يتوقف هذا؟ الدبلوماسي يجيد فن الإصغاء، والكاتب يريد أن يجمع الخيوط لينسج ثوباً لائقاً للحقيقة، قلت بيني وبين نفسي إن صديقي يريد أن يسمع نبض الشارع والنخبة معاً، فقد تعب الدبلوماسي الذي فيه، ويريد أن يصل إلى نهاية لكل هذا العبث في الشرق الأوسط. قلت له: كم مرة تحاورنا وتسامرنا واستخدمنا المفردات نفسها وخرجنا بالانطباع ذاته؟ ابتسم ابتسامة خفيفة، وقال: هل تعرف أن حواراتنا هذه كأنها حوار واحد، نأتي بالمفردات نفسها عن الأماكن نفسها، وكثيراً ما تمنيا أن نتحاور حول كتاب أو نظرية أو فيلم شاهدناه، لكن حيرة الشرق الأوسط تأخذنا إلى بحر لا قرار له. قلت له: ومع هذا ألمح وسط الضباب ضوءاً يمكن أن نهتدي به. ثم نظرت إليه مباشرة، وكان راغباً في معرفة ماهية هذا الضوء في قلب تدمير المدن والأماكن العربية المكتوب على جبينها الحروب التي تلد الحروب. قلت: ربما تكون غزة هي «جريمة القرن» بامتياز، ليس فقط لأنها تمثل ذروة السادية وانهيار القانون الدولي، بل لأنها جردت العالم من أقنعته، وأعادت تعريف الإنسان العربي في مرآة النار والعزلة. وإذا أحسن العرب قراءة هذه الجريمة لا بوصفها نهاية، بل بداية مكثفة لمأساتهم الكونية، فإن غزة قد تتحول من مذبحة إلى لحظة ميلاد، ميلاد نظرية جديدة، تولد من الرماد، وتعيد طرح السؤال الأقدم والأكثر وجعاً: متى نصير رقماً في المعادلة الدولية؟ على غرار الاتحاد الأوروبي، أو «البريكس»، ومنظمة شنغهاي، أو الاتحاد الأوراسي، أو حتى الاتحاد الأفريقي، والرقم الذي أعنيه أن يقوم على التعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، بمعنى أن يكون العرب كتلة حضارية لا كتلة سياسية على نمط أحلام الستينات. كان الدبلوماسي يصغي بإمعان. قلت يا عزيزي: لم تتوقف الحروب في هذه البقعة من الأرض منذ عام 1948، بل تحول الشرق الأوسط إلى «مختبر دائم لتجريب أجيال الحروب، من النكبة إلى الغزو الأميركي للعراق، من الانقلابات إلى الثورات الفوضوية، من الحرب النظامية إلى الحرب الأهلية، من الطائرات المقاتلة إلى الهجمات السيبرانية السرية، ومن الفوضى الخلاقة إلى تخليق المعارك الجانبية. لا تزال إسرائيل حاضرة في كل هذا، تارة بصفتها فاعلاً مباشراً، وتارة بصفتها أداة لوجيستية في منظومة السيطرة. إنها الكيان الذي يمتحن حدود الفوضى الممكنة في المنطقة، ويسهم في إعادة تشكيلها بما يتماشى مع خرائط القوى الدولية. كان الصديق الدبلوماسي في حالة إصغاء تام، حين تساءلت وأجبت، قلت له: علينا أن نطرح الأسئلة بجرأة: لماذا الشرق الأوسط وحده هو ساحة التدمير الدائم؟ لماذا لا يهدأ لبنان الجميل إلا لينفجر من جديد؟ لماذا تُحرق سوريا والعراق - وهما منبتا الحضارات - كل عقد، ويُشطر اليمن، وتُحول ليبيا إلى ساحة للتدريب على الرصاص؟ لماذا لا يتنفس المغرب العربي بعيداً عن هواجس الخوف، ولا يتخلص العرب جميعاً من قلق الوجود؟ كاد يجيب، لكني سبقته وقلت له: لأن هذه البقعة لم تُمنح حق الدخول في الحداثة العالمية، بل جرى تقطيعها كما تقطع المزارع الاستعمارية، وضبطت شعوبها متلبسة بالطائفية والولاء للأقوى، لا للعقد الاجتماعي ولا للمستقبل. إن العرب يا صديقي لم يعرفوا الدولة بوصفها مشروعاً تاريخياً، ولم يتأسس مشروع عربي على نموذج الدولة بصفته عقداً اجتماعياً بين المواطنين، لهذا لم يكن الانتقال إلى الحداثة ممكناً، لأن التحديث كان سطحياً، وفوقياً، ونخبوياً، ومشروطاً بتبعية ثقافية واقتصادية. منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لم تعد غزة مجرد رقعة جغرافية محتلة، بل أصبحت ساحة اختبار للنظام الدولي كله، وملعباً مكشوفاً لأقسى تحالف في التاريخ الحديث، ولكن الأهم: أنها كشفت سقوط فكرة وجود المنظمات الدولية الحارس للنظام الدولي. وكما نعلم أن التاريخ ماكر، فيمكن لمنطقة، لم تنعم بالتحرر، أن تصبح منبعاً لتجديد الفكرة العربية المهددة بالانقراض. ولا سبيل للخروج من هذه المتاهة إلا ببلورة «نظرية عربية شاملة»، لا تكون انعكاساً لهزائم الماضي ولا تقليداً لنظريات الآخر، بل تولد من سؤال المصير، وتؤسس على أربعة أعمدة: أولاً، إعادة تعريف الهوية القائمة على المستقبل الحضاري المشترك. ثانياً، تحرير الذات من المذاهب والطوائف والميليشيات. ثالثاً، الاقتصاد القائم على التكامل العربي، وليس التفاضل. رابعاً وأخيراً، ضرورة التحرر المعرفي والثقافي بخلق بنية فكرية عربية حديثة تنتج المعرفة، وتستلهم الثورة الصناعية الحالية من دون تردد. قلت له: أطلت عليك أيها الدبلوماسي المتعب بقضايا الإقليم، ولكن لم يعد الانتظار ممكناً، يجب أن نبدأ بـ«المائدة العربية المستديرة»، مائدة تجمع المفكرين، والعلماء، والاقتصاديين، والمثقفين، لوضع ميثاق إنقاذ عربي. غزة جرح مفتوح، لكنها أيضاً فرصة أخيرة. جريمة، نعم، لكنها أيضاً «علامة قيامة»، علينا أن نخرج من ركامها بفكرة، لا فقط بدموع، بفهم عميق، لا فقط بغضب عابر. إن ما يحدث اليوم، إذا لم يتحول إلى نقطة انطلاق، فسوف يبتلعنا غداً في نسخته المقبلة: في بيروت أو الخرطوم أو طرابلس أو بغداد، أو صنعاء، أو أي عاصمة عربية أخرى.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store