
حديث الصيف: أيام العرب في الجاهلية
آثر معدّها للنشر، بحكم تخصصه، أن ينشرها «مصورةً» على المخطوط كي يستطيع القارئ قراءتها بخط ناسخها الشيخ إبراهيم بن عيسى، وهي طريقةٌ جديدةٌ فيما أعرف لم تشتهر كثيراً بين الناشرين، والكتاب صادر عن دار «جداول» المرموقة.
أيام العرب في الجاهلية كموضوعٍ لا كتاب هي أيامٌ شهيرةٌ، نقلت أكثرها كتب التاريخ القديمة، وكتب الأدب العتيقة، نثراً وشعراً، سيرةً وأحاديث، تاريخاً ووقائع، وأي قارئ للأدب العربي لا بد أن يقف عند قول ابن خلدون في المقدمة: «وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم، أن أصول هذا الفن، وأركانه، أربعة دواوين، وهي (أدب الكتاب) لابن قتيبة، وكتاب (الكامل) للمبرّد، وكتاب (البيان والتبيين) للجاحظ، وكتاب (الأمالي) لأبي علي القالي البغدادي، وما سوى هذه الأربعة، فتبعٌ لها، وفروع عنها».والمخطوطة أعلاه مخطوطةٌ نجديةٌ نادرةٌ، نجت في ظل ظروفٍ تاريخيةٍ وسياسيةٍ وبيئيةٍ، من الإحراق والإتلاف، ومن عوامل البيئة القاسية التي قضت على كثيرٍ من شبيهاتها، وكذلك في ظل الإصرار على الإغلاق الممنهج للمخطوطات لدى بعض المؤسسات المعنية بها، بحيث ظل كثير منها محفوظاً لا منشوراً، فظلّ بعيداً عن أيدي الباحثين والدارسين، تحت ذرائع شتى، بعضها تاريخي وبعضها اجتماعيٌ تجاوزه الزمن، ولهذا ومع «رؤية 2030» اتخذت بعض المؤسسات سياسات تنويرية وعلمية تتيح كثيراً مما لديها للباحثين والمهتمين، وبشكل عمليٍ وتقني حديثٍ، وأوضح الأمثلة على ذلك السياسة المعلنة الجديدة لـ«دارة الملك عبد العزيز».
عانى الباحثون والمؤرخون النجديون طويلاً من غياب الوثائق ورفض إتاحتها للباحثين، وقد منح ذلك تميزاً لبعض المؤرخين المحليين بحكم حجم الوثائق التي يمتلكونها، إما بالشراء المباشر القديم والاكتناز وإما بالاستحواذ، وهي قصة تاريخية جديرةٌ بالبحث والتحقيق.
هذه المعاناة استمرت طويلاً، بحيث اضطر بعض المؤرخين للهاث عقوداً من الزمن خلف تلك الوثائق أو ما يشابهها أو يعاصرها في الأرشيفات الأجنبية، في تركيا، وبريطانيا، وفرنسا، وأميركا، وقد أخرج عدد منهم كتباً مهمةً بناء على قراءة تلك الوثائق والاطلاع على شواردها ونوادرها ومقارنتها بالمنشور والمعلن، ومن ذلك بعض الكتب المهمة التي صدرت عن بعض الأحداث أو الشخصيات اعتماداً على بعض تلك المصادر.
لا ينسى التاريخ ولا تخطئ العين كتاباً جليلاً صدر قبل أكثر من ربع قرنٍ، وتحديداً في 1999 وهو كتاب «الملك عبد العزيز: سيرته وفترة حكمه في الوثائق الأجنبية» صادرٌ عن «دار الدائرة للنشر والتوثيق» بتمويلٍ ورعايةٍ من الأمير الكبير الراحل سلطان بن عبد العزيز، وكان هذا الكتاب مشروعاً عظيماً يرأسه الدكتور سعد الصويان الذي قاد فيه لجاناً متعددةً ومتخصصين كثراً، وهم رجالات دولةٍ من الطراز الرفيع مثل: إبراهيم العنقري، وعبد العزيز الخويطر، وعبد الله الشبل، ومطلب النفيسة، وعبد المحسن آل الشيخ، ومحمد الشعفي.هذا مع جهد جماعةٍ من المؤرخين المعتبرين الذين راجعوا كل حرفٍ تقريباً، وقد رُسمت للمشروع خطة عملٍ واعيةٍ بأهمية تأسيس الأرشيفات واقتناء الوثائق، والاعتراف بأن هذا المشروع إنما يقدم «ملخصاتٍ» للوثائق الأصلية لا الوثائق نفسها، مع دليلٍ ميسرٍ للوصول إليها، وحين تقرأ في المقدمة، حجم المشروع ومساحته والجهد الذي يتطلبه، تعجب من سعة المشروع وطموحه، وحين تقرأ عن المنهج المحكم والتفصيلي الذي لا يترك شاردةً ولا واردةً دون أن يعتني بها، إن في الجمع أو التدقيق أو التواصل، تعلم حقاً أنك أمام منجزٍ تاريخيٍ حقيقيٍ للدولة للسعودية جديرٌ بها أن تكون فخورةً به على المدى الطويل.
كانت ثمة مشكلةٌ تاريخيةٌ لها ظروفها، وهي أن هذا الكتاب التاريخي العظيم، كتاب «الملك عبد العزيز: سيرته وفترة حكمه في الوثائق الأجنبية»، لم يجد طريقه للنشر والتسويق، ولا للبيع والانتشار واستفادة الباحثين، فظل أكثر من ربع قرنٍ من الزمان رهن المستودعات المظلمة، التي تقتل قوة المعلومة وقوة امتلاك الوثائق وحيازة تأويل التاريخ، وهو الكتاب الذي قدر له حديثاً أن يباع عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويتهافت عليه الباحثون طمعاً في رؤيةٍ أفضل وتعامل أدق مع تاريخنا وتراثنا ومواقف المؤسس العظيم.
أخيراً، فالتاريخ ومعرفته وإتقانه بشكل علميٍ يشكل قوةً معنويةً وسياسيةً لأي دولةٍ أو مجتمعٍ، يقوي مركزها ويزيد مكانتها، فالعناية به مهمةٌ، والنتائج منها جليلة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ ساعة واحدة
- الرياض
رغم دخول (23) ألف طن مساعدات خلال أسبوعغزّة على شفا المجاعة
أكّدت منظمات إنسانية أنّ قطاع غزّة يواجه خطر مجاعة وشيكة، رغم دخول نحو (23000) طن من المساعدات عبر (1.200) شاحنة خلال الأسبوع الماضي، بمعدل (200) شاحنة يوميًا، وهو أقل بكثير من الحاجة اليومية المقدّرة بـ(500) إلى (600) شاحنة. وتواصل عدّة دول تنفيذ عمليات إسقاط جوي للمساعدات، حيث أُسقطت (136) طردًا من الغذاء والدواء، مع توقّع تنفيذ إسقاطات إضافية قريبًا.


صحيفة سبق
منذ 2 ساعات
- صحيفة سبق
غزّة على شفا المجاعة رغم دخول 23 ألف طن مساعدات خلال أسبوع
أكّدت منظمات إنسانية أنّ قطاع غزّة يواجه خطر مجاعة وشيكة، رغم دخول نحو (23000) طن من المساعدات عبر (1.200) شاحنة خلال الأسبوع الماضي، بمعدل (200) شاحنة يوميًا، وهو أقل بكثير من الحاجة اليومية المقدّرة بـ(500) إلى (600) شاحنة. وتواصل عدّة دول تنفيذ عمليات إسقاط جوي للمساعدات، حيث أُسقطت (136) طردًا من الغذاء والدواء، مع توقّع تنفيذ إسقاطات إضافية قريبًا.


عكاظ
منذ 2 ساعات
- عكاظ
تحفيظ بلّسمر تحقق المركز الثاني في مبادرة «أجاويد 3»
برعاية أمير منطقة عسير الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز، حقّقت جمعية تحفيظ القرآن الكريم ببلّسمر إنجازاً مشرفاً بحصولها على المركز الثاني في مبادرة «أجاويد 3»، عن مبادرتها النوعية «تلاوة وعبادة»، التي نافست أكثر من 14 ألف مبادرة على مستوى المنطقة. وعبّر رئيس مجلس إدارة الجمعية علي بن عبدالله الأسمري، عن سعادته بهذا التتويج قائلاً: «هذا الإنجاز هو ثمرة عمل جماعي وجهود مخلصة من المعلمين والمتطوعين والداعمين، ويُمثّل حافزاً لمواصلة العطاء وتقديم مبادرات نوعية تُعزّز تعليم القرآن الكريم وتُرسّخ قيمه في المجتمع، سائلين الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتهم». ويعكس هذا الفوز تميّز الجمعية وريادتها في خدمة كتاب الله الكريم، ويُؤكّد قدرتها على الإبداع والمنافسة على مستوى المبادرات المجتمعية، ضمن مساعيها المستمرة لصناعة جيل قرآني راسخ القيم والهوية. أخبار ذات صلة