
الرابح والخاسر في اتفاق الكونغو ورواندا برعاية واشنطن
جرت مراسم توقيع الاتفاق في مقر وزارة الخارجية الأميركية، وقال مبعوث الرئيس الأميركي، مسعد بولس، في حفل التوقيع، إن اتفاقَ سلامٍ نهائيًا سيُوقَّع رسميًا نهاية شهر يوليو/ تموز الجاري، بين الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي والرواندي بول كاغامي، بمشاركة الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض.
لم تعلن واشنطن بعد عن تفاصيل الاتفاق المُوقَّع بين الغريمين التاريخيين، لكن المعلومات القليلة التي رشحت تفيد بأن الاتفاق ينص على وقف دعم الحركات المسلحة الناشطة في منطقة شرق الكونغو، ويضمن مصالح كلٍّ من رواندا والكونغو، الاقتصادية والأمنية، ويوقف سيل الدماء النازف في هذه المنطقة الغنية بالمعادن النادرة، منذ أكثر من ثلاثين عامًا.
وبغض النظر عن محتوى الاتفاق، فإن هذا الحدث في حد ذاته يُعتبر تطورًا نوعيًا مهمًّا في الصراع الدامي المتطاول في شرق الكونغو الديمقراطية، ويُعد نجاحًا كبيرًا جدًّا للدبلوماسية الأميركية، عجزت عن تحقيقه قوى إقليمية ودولية كثيرة.
ولا شك أن استقرار شرق الكونغو سيؤدي إلى استقرار إقليم البحيرات الكبرى المضطرب منذ سنوات، وسيعزز مسيرة التنمية، ويدفع حركة اقتصاد المعادن، وهو أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الولايات المتحدة لرعاية اتفاق السلام بين الكونغو ورواندا.
وفي سبيل التوصل إلى هذا الاتفاق، فإن الولايات المتحدة لم تبدأ من الصفر، لكنها اعتمدت على مخزون وافر من التجارب والاتفاقات التي تبنتها جهات أفريقية ودولية عملت منذ سنوات على هذا الملف، أهمها جهود أنغولا الطويلة باسم الاتحاد الأفريقي، وجنوب أفريقيا، ومحاولات المجموعة الاقتصادية لدول شرق أفريقيا، وانتهاءً بالمبادرة القطرية التي نجحت في جمع الرئيسين الكونغولي والرواندي في الدوحة، برعاية أمير دولة قطر.
لكن الولايات المتحدة استفادت من كل ذلك التراث التفاوضي ونسبته لنفسها في اتفاق واشنطن. وكما يقول المثل الأفريقي: يجمعها النمل ويطؤها الفيل.
انتهازية تشيسيكيدي السياسية
كيف ولماذا التقطت أميركا القفاز ورمت بثقلها في هذه المبادرة المحفوفة بالمخاطر؟ ومن الذي وضع الطُعم المغري الذي جذب أميركا إلى أتون هذا الموضوع المعقّد؟
مرةً أخرى، هو اقتصاد التعدين والمعادن الثمينة والنادرة التي تزخر بها أرض الكونغو الديمقراطية.
للإلمام برأس الخيط، علينا أن نستذكر التطور الدرامي للأحداث في شمال كيفو منذ مطلع هذا العام، والتي دارت بعكس ما تشتهيه حكومة الكونغو الديمقراطية.
فقد استطاعت حركة M23 المتمردة، والمدعومة من الحكومة الرواندية، إلحاق هزيمة نكراء بالجيش الكونغولي في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، وسيطرت على مدينة غوما الإستراتيجية، عاصمة إقليم شمال كيفو، ثم واصلت مسيرتها الظافرة وسيطرت على مدينة بوكافو، وبذلك أصبحت تسيطر على الوضع العسكري تمامًا في إقليم مهم سياسيًا، وغني بالموارد الطبيعية النادرة.
وجد الرئيس تشيسيكيدي نفسه في موقف لا يُحسد عليه، وكان أمامه خياران أحلاهما مرّ: إما التفاوض مع حركة M23 وتقديم تنازلات سياسية مؤلمة، وهو ما ظل يرفضه منذ وصوله إلى السلطة، أو فقدان السلطة كلها، لأن الحركة المتمردة كانت قادرة على الزحف نحو العاصمة، مقتفية ذات الطريق الذي سلكه الرئيس السابق جوزف ديزيريه كابيلا في العام 1995، عندما استولى على إقليم كيفو، ثم واصل زحفه نحو العاصمة كينشاسا. في تلك الفترة، كان كثير من المراقبين يعتقدون أن أيام تشيسيكيدي في السلطة باتت محدودة.
ولما كانت الحاجة أم الاختراع، توجه الرئيس الكونغولي نحو أميركا مباشرة، وقدم لها عرضًا مغريًا جدًا: المعادن الثمينة مقابل السلام والأمن في شرق الكونغو. ولما كانت حكومة الرئيس ترامب تفكر بعقل التجار، فقد كانت البيع رابحًا بالنسبة لها، وقبلت الرهان، وما خفي أعظم.
عودة الى ممر لوبيتو
تُعتبر منطقة البحيرات الكبرى منطقةً مهمةً جدًا لأميركا، لما تختزنه من ثروات طبيعية هائلة، وما تحويه أرضها من معادن نادرة وثمينة، ولقربها النسبي من أميركا عبر المحيط الأطلسي. لذلك، اهتمّت الإدارات الأميركية المختلفة بهذه المنطقة.
ونذكر زيارة الرئيس الأميركي السابق بايدن إلى أنغولا، وزيارات وزير خارجيته المتعددة إلى دول جنوب وشرق أفريقيا. كان الهدف الرئيس هو السيطرة على موارد هذه المنطقة ومحاصرة النفوذ الصيني المتجذّر فيها.
وهكذا، بلورت الولايات المتحدة مشروعًا اقتصاديًا طموحًا أُطلق عليه "ممر لوبيتو"، وهو طريق سكة حديد يمتد من أنغولا إلى زامبيا فالكونغو الديمقراطية، ومنها إلى المحيط الأطلسي. الغرض الرئيس من هذا المشروع هو نقل المعادن النفيسة في هذه المنطقة إلى الولايات المتحدة.
ويُعتبر ممر لوبيتو هو الطريق "الضرار" لقطار "الحرية" الذي أنشأته الصين، والذي يربط زامبيا والكونغو وتنزانيا، ومنها إلى الصين عبر المحيط الهندي. وتُعتبر الصين المستثمر الأكبر في شرق الكونغو في مجال المعادن، باستثمارات إجمالية تتجاوز ستة مليارات دولار.
فرص أمام الاتفاق
وهكذا نرى أن هناك مصالح كبيرة لطرفي الاتفاق الأساسيين، وهما الولايات المتحدة الأميركية والكونغو الديمقراطية. ولما كانت مصالح أميركا كبيرة ومغرية، فقد استخدمت كل أدواتها الدبلوماسية، الناعمة والخشنة، لجرّ رواندا إلى قبول الاتفاق والتوقيع عليه. وهي في ذلك استخدمت سياسة "العصا والجزرة" المعروفة، حيث ضمن الاتفاق لرواندا مكاسب ليست بالقليلة.
يحمل اتفاق واشنطن فرصًا عديدة لنجاحه، منها:
الثقل السياسي للولايات المتحدة، راعية الاتفاق، التي سترمي بكل ثقلها العالمي للضغط على كل الأطراف المعنية للالتزام بما وقّعت عليه. ولدى أميركا أدوات كثيرة يمكن أن تستخدمها في سبيل ذلك.
كثافة الضغوط الدولية على رواندا لرفع يدها الطويلة والكفّ عن تأجيج الصراع في شرق الكونغو. فقد جاهرت عدة جهات دولية نافذة، مثل فرنسا والاتحاد الأوروبي وجنوب أفريقيا، باتهام رواندا بالتدخل السافر في دعم حركة "M23".
وعليه، لم يعد إنكار كيغالي لتدخلها في الصراع مجديًا، ولذلك فإن رواندا نفسها بدأت تبحث عن مخرج مشرّف من هذا الصراع.
أقرّ اتفاق واشنطن تكوين آلية مشتركة بين الكونغو ورواندا لمتابعة التنفيذ، والتأكد من وفاء كل طرف بالتزاماته، وربما تتطور هذه الآلية مستقبلًا لتصبح قوات مشتركة لمراقبة الحدود.
كما أقرّ الاتفاق تكوين مجموعة مراقبة ثلاثية تضم أميركا وقطر والاتحاد الأفريقي، تسهر على التأكد من التزام كل الأطراف بما وقّعت عليه.
ضمن اتفاق واشنطن لرواندا مكاسب اقتصادية مهمة، منها السماح بتصدير المعادن الثمينة عبر رواندا، وهو ما تقوم به الحركات المتمردة الآن بشكل غير رسمي، وكذلك التزام الشركات الأميركية بتطوير المناجم الموجودة داخل رواندا، بما من شأنه أن ينعش الاقتصاد الرواندي.
تحديات أمام الاتفاق
بالمقابل، فإن اتفاقية واشنطن تواجه صعوبات ليست بالهينة، قد تنعكس سلبًا على مصالح الراعي والرعية، منها:
مدى استعداد الشركات الأميركية الكبرى للمجازفة بالعمل في منطقة ذات مخاطر أمنية عالية، يصعب السيطرة عليها. ويؤكد ذلك أن الشركات الصينية التي تعمل في هذه المنطقة كثيرًا ما تعرّضت لهجمات من الحركات المسلحة، وفقدت العديد من العاملين، لكنها تحمّلت تلك المخاطر بصبر كبير.
لم يتحدث الاتفاق بوضوح عن الحركات المسلحة المنتشرة في هذه المنطقة منذ سنوات. ويبدو أن أميركا تعتمد في هذا الجانب على الجهود القطرية، وتتابع نتائج مفاوضات الدوحة الجارية بين حكومة الكونغو وحركة M23، وربما يُضمّن هذا الاتفاق كملحق لاتفاقية واشنطن.
لكن ماذا عن قوات الجبهة الوطنية لتحرير رواندا، التي تصر الحكومة الرواندية على تصفيتها؟ وهل ستنظم الدوحة لقاءات أخرى بين هذه الجبهة وحكومة رواندا؟ وماذا عن الحركات الصغيرة الأخرى، التي أصبحت تعيش على فوهة البندقية؟
لم يرشح حديث بعد عن طبيعة اتفاق المعادن بين الكونغو وأميركا، وصرّح الرئيس الكونغولي الأسبوع الماضي أن الاتفاق لم يُوقّع بعد، لكنه سيكون اتفاقًا مرضيًا لشعب الكونغو، ويحفظ حقوق الدولة والأجيال القادمة.
لكن المعلوم أن منطقة شرق كيفو تعمل فيها شركات صينية كثيرة منذ زمن بعيد، واستثمرت الصين أكثر من ستة مليارات دولار، كما أن دولًا أخرى مثل جنوب أفريقيا لها شركات عاملة في ذات المنطقة.
فكيف ستوفق الحكومة الكونغولية بين كل هذه الفسيفساء دون أن تخلق صراعًا مبكرًا بين أميركا والصين على الموارد؟ وهل سيرضي هذا الاتفاق طموح مؤسسات المجتمع المدني الناشطة بقوة في إقليم كيفو؟ وهل سيرضي الاتفاق الأحزاب والتكتلات المعارضة التي تنشط بقوة في هذه المنطقة؟
خسارة دبلوماسية
لقد حققت الولايات المتحدة الأميركية مكسبًا دبلوماسيًا مهمًا بنجاحها في إخراج اتفاقية واشنطن بين الكونغو الديمقراطية ورواندا. ويُعدّ الصراع في الكونغو، الذي تجاوز عمره الثلاثين عامًا، واحدًا من أكثر الصراعات تعقيدًا، ولا شك أن تسويته ستحقق استقرارًا كبيرًا في منطقة البحيرات الكبرى وشرق أفريقيا عمومًا. وهذا مكسب كبير يُحسب للدبلوماسية الأميركية.
ولكن الخاسر الأكبر في ذلك هو الدبلوماسية الجماعية الأفريقية، التي عجزت على مدى ثلاثين عامًا عن جمع الفرقاء وتسوية هذا الصراع المتطاول، واكتفت فقط بالحضور والتصفيق في حفل التوقيع الكبير في واشنطن، وعادت من الغنيمة بالإياب.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
البيت الأبيض يوشك على توقيع أول تشريع وطني شامل للعملات الرقمية
ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن البيت الأبيض يستعد لتوقيع أول تشريع وطني شامل ينظم سوق العملات الرقمية في الولايات المتحدة، في خطوة تاريخية تمثل تحولًا جذريًا في تعامل واشنطن مع هذا القطاع الذي كان حتى وقت قريب يوصف "بالهامشي". فقد صادق مجلس النواب الأميركي مساء أمس الخميس على "قانون العبقرية" (Genius Act)، ومن المرتقب أن يوقعه الرئيس دونالد ترامب رسميًا اليوم الجمعة، ليصبح بذلك أول إطار فدرالي صريح ينظّم التعامل "بالعملات المستقرة"، وهي نوع من العملات الرقمية المدعومة بأصول تقليدية مثل الدولار الأميركي أو السندات منخفضة المخاطر. وتشير بي بي سي إلى أن القانون يشكل أحد ثلاثة مشاريع تشريعية كبرى تدعمها إدارة ترامب بوضوح، رغم أنه كان من بين أبرز من انتقدوا العملات المشفّرة سابقًا، واصفًا إياها "بالخدعة"، قبل أن يبدّل موقفه في ضوء الدعم المالي والسياسي الكبير الذي حصل عليه من هذا القطاع خلال الانتخابات الماضية، إضافة إلى دخوله شريكا تجاريا في شركات عاملة في المجال، أبرزها وورلد ليبرتي فايننشال. دعم وتحذيرات وأوضحت بي بي سي أن القانون حظي بتأييد غالبية أعضاء الحزب الجمهوري، بالإضافة إلى نحو نصف الديمقراطيين، في وقت حاولت فيه منظمات المستهلكين والحقوق الرقمية تعطيل المشروع عبر حملات ضغط وتحذيرات من تبعاته. ففي رسالة جماعية بعث بها تحالف من منظمات حماية المستهلك إلى الكونغرس، نُبّه المشرّعون إلى أن تمرير القانون يمثل "إقرارًا خاطئًا بأمان أدوات مالية لم تثبت موثوقيتها بعد". وجاء في الرسالة: "بعض الأعضاء قد يعتقدون أن تمرير هذا القانون -رغم عيوبه- أفضل من الفوضى التشريعية الحالية، لكننا نرى أن هذا يعكس فهما مضللا للمخاطر البنيوية المرتبطة بهذه العملات". وأضافت المنظمات -وفق ما نقلته بي بي سي- أن القانون "سيسمح بنمو أصول رقمية سيظن المستهلكون خطأ أنها آمنة"، منتقدة ما اعتبرته "انفلاتًا تشريعيًا" يسمح لشركات التكنولوجيا بممارسة أدوار مصرفية من دون الخضوع لرقابة مماثلة. ربط صارم بالدولار في قلب القانون الجديد، تنص التشريعات على إلزام جميع العملات المستقرة بأن تكون مدعومة بنسبة 100% بالدولار الأميركي أو أصول منخفضة المخاطر، بما يضمن استقرارها ويحُدّ من تقلبات السوق. وتُستخدم هذه العملات -حسب بي بي سي- كوسيط مالي لتسهيل التحويلات بين عملات رقمية أكثر تقلبًا مثل بيتكوين، وقد شهدت انتشارًا متسارعًا في السنوات الأخيرة، مع تزايد استخدامها في منصات التداول الدولية. لكن المنتقدين يرون -وفق التقرير- أن هذا التنظيم الجزئي لا يضمن حماية المستهلك في حال إفلاس شركات إصدار العملات المستقرة، ويُكرّس دور شركات تكنولوجية ضخمة في منظومة مالية من دون رقابة مصرفية تقليدية. مشاريع قوانين موازية وتتابع بي بي سي أن مجلس النواب الأميركي صادق كذلك على مشروعين إضافيين ضمن الحزمة التشريعية المرتبطة بالعملات المشفّرة: الأول يمنع البنك المركزي الأميركي من إصدار عملة رقمية سيادية. والثاني يضع إطارًا تنظيميًا للعملات الرقمية غير المستقرة مثل بيتكوين وإيثيريوم. ويُتوقّع أن يُعرض المشروعان على مجلس الشيوخ خلال الأسبوع المقبل، حيث يتمتع الجمهوريون بأغلبية طفيفة. بالتوازي، كشف التقرير عن نية إدارة ترامب إصدار أمر رئاسي يسمح باستخدام أصول رقمية -منها العملات المشفرة، والذهب، والأسهم الخاصة- ضمن حسابات التقاعد، وهو ما قد يفتح الباب أمام تحويلات مالية واسعة النطاق، تحمل في طياتها فرصًا ومخاطر. سوق العملات المشفرة يحتفل وسجّلت عملة بيتكوين ارتفاعًا قياسيًا هذا الأسبوع، متجاوزة حاجز 120 ألف دولار للمرة الأولى، بالتزامن مع الزخم التشريعي الذي تشهده واشنطن. لكن هذا التفاؤل لا يُقنع جميع الخبراء، إذ عبّر تيري هاينز محلل السياسات العامة في شركة "بانجي بوليسي" عن اعتقاده بأن "قانون العبقرية" سيكون الإنجاز الوحيد للقطاع في المدى القريب. وقال هاينز في تصريح لبي بي سي: "هذه هي نهاية انتصارات العملات المشفرة لفترة طويلة، وربما الوحيدة". وأضاف "عندما يستغرق تمرير الجزء الأسهل (أي العملات المستقرة) ما بين 4 و5 سنوات، ويكاد يسقط بسبب الفضائح والتلاعبات في القطاع، فإن ما تحقق لا يُعد إنجازًا يُحتفى به".


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
خطة أقل طموحا لمجموعة العشرين حول معالجة مخاطر المناخ
قدمت هيئة مراقبة الاستقرار المالي التابعة ل مجموعة العشرين خطة جديدة حول كيفية معالجة مخاطر المناخ، لكنها أوقفت العمل على مجموعة تدابير وسياسات في ظل تراجع الولايات المتحدة الذي مثّل اختبارا للجهود المبذولة للدفع بسياسة مالية موحدة بشأن المخاطر المتعلقة بالمناخ. وانسحبت الولايات المتحدة من مجموعات متعددة مُخصصة لاستكشاف كيفية تأثير الفيضانات وحرائق الغابات والتحولات الكبيرة في السياسات المتعلقة بالمناخ على الاستقرار المالي. وفي خطته متوسطة الأجل، تعهد مجلس الاستقرار المالي التابع لمجموعة العشرين بتكثيف التنسيق وتبادل البيانات بشأن المخاطر المالية المتعلقة بالمناخ. ومع ذلك، أشار المجلس إلى أنه على الرغم من التقدم المحرز في دمج مخاطر المناخ في النظم المالية، فإن بعض أعضائه، بمن فيهم محافظو البنوك المركزية والوزراء، حريصون على إيقاف المزيد من العمل المتعلق بالمناخ. وقال مجلس الاستقرار المالي في تحديث لخارطة طريق المناخ لعام 2021 التي قُدّمت إلى اجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا: "بينما يرى العديد من الأعضاء أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل، يرى بعض الأعضاء أن العمل المنجز حتى الآن كافٍ". وفي المستقبل، سيتخذ مجلس الاستقرار المالي قرارات بشأن المشاريع التي سينفذها، إن وُجدت. وقد أفادت وكالة رويترز الأسبوع الماضي أن وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت لن يحضر اجتماع مجموعة العشرين، التي من المقرر أن ترأسها الولايات المتحدة العام المقبل. وأكد مجلس الاستقرار المالي أنه سيواصل دراسة المواضيع المتعلقة بالمناخ سنويا، وسيركز على دوره كمنسق للعمل الدولي بشأن مخاطر المناخ. وأكد المجلس الرقابي أنه لا يملك خططًا للقيام بأي عمل سياسي أكثر أهمية بشأن دمج المخاطر المالية المتعلقة بالمناخ في عمله الرقابي والتنظيمي. وأضاف أن العمل على هذا الموضوع جارٍ في العديد من المؤسسات الأعضاء فيه. وقال مركز أبحاث "فاينانس ووتش"، ومقره بروكسل، إن عدم الإشارة إلى التدابير التنظيمية الملموسة اللازمة لمعالجة مخاطر المناخ يُعد تراجعًا حادًّا عن طموح مجموعة العشرين الأصلي، ولحظة تراجع متعدد الأطراف. وفي وقت سابق من هذا العام، نشر مجلس الاستقرار المالي دراسة حول جدوى خطط التحول لتحقيق الاستقرار المالي، وفي عام 2024، قدّم تقييمًا للعمل الإشرافي والتنظيمي بشأن المخاطر المالية المتعلقة بالطبيعة.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
إدارة ترامب ترحّل 95 هاييتيّا وسط تشديد سياسات الهجرة
وصلت طائرة أميركية إلى مطار كاب هايتيان شمال هاييتي الأربعاء، وعلى متنها 95 هاييتيّا، وذلك في إطار سياسة صارمة تتبعها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن ضبط . وقد انتشرت عناصر من الشرطة الهاييتية على أرض المطار أثناء وصول الطائرة القادمة من فلوريدا ، في وقت أكد فيه المسؤولون أن بعض المرحّلين لديهم سوابق جنائية وقضوا فترات في السجون الأميركية. وشملت قائمة المرحّلين 11 امرأة، وامتنع العديد من الركاب عن الإدلاء بتصريحات واختاروا إخفاء وجوههم. وروى أحد المرحّلين تجربته قائلا "دخلت الولايات المتحدة في سبتمبر/أيلول 2021، وبعد مشاكل مع الشرطة تلقيت طلبا من وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك بالولايات المتحدة لتسليم نفسي بتاريخ 24 نوفمبر. بعضهم نصحني بالفرار إلى كندا ، لكنني فضلت أن أواجه الموقف. قضيت وقتا في السجن، ثم طلبت منهم ترحيلي إلى بلدي. لست مجرما في هاييتي، ولم أرغب في البقاء خلف القضبان، أنا سعيد بعودتي". وتتم معالجة ملفات المرحّلين في منشأة مؤقتة أُنشئت داخل مطار كاب هايتيان منذ فبراير/شباط الماضي، عقب بدء موجة الترحيلات. وقد أكدت السلطات الهاييتية أن كل حالة ستخضع لمراجعة فردية قبل اتخاذ قرار بالإفراج. ويأتي هذا التطور في سياق تغيير جذري في السياسات الأميركية، ففي يونيو/حزيران الماضي، ألغت وزارة الأمن الداخلي برنامج "الحماية المؤقتة"، الذي كان يسمح لمواطني دول تعاني أزمات أمنية أو إنسانية، ومنها هاييتي، وأفغانستان، والسودان، ولبنان ، بالإقامة والعمل في الولايات المتحدة. ولم يتضح ما إذا كان بعض المرحّلين من المستفيدين السابقين من البرنامج. ومنذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، دفعت إدارته باتجاه تفعيل إجراءات صارمة بحق المهاجرين، ما زاد معدلات الترحيل وأثار حالة من الترقب والقلق في أوساط المجتمعات المهاجرة. وتأتي هذه الترحيلات في وقت تعاني فيه هاييتي من أزمة سياسية واقتصادية متفاقمة، وسط عنف داخلي وتراجع في الخدمات الأساسية، مما يجعل إعادة دمج المرحّلين تحديا إضافيا أمام الحكومة. وبالنسبة للبعض، مثل المرحّل الذي فضّل العودة على السجن، لا يُعد القرار مجرد إجراء قانوني بل تعبيرا عن إرادة شخصية في استعادة الكرامة والانتماء.