
أ.د. خالد واصف الوزني يكتب : بريكس تضع قواعد نظام عالمي جديد
القمة العالمية السابعة عشرة لمجموعة بريكس والتي عُقِدَت الأسبوع الماضي في ريو دي جانيرو باتت تؤكِّد ما تناولته في عدة مرات سابقة من أنَّ العالم يسير بثبات نحو نظام سياسي اقتصادي عالمي جديد. النظام الجديد تَبرز أهم سماته بتكتُّل عالمي متنامي بدأ بأربع دول، وتتطور اليوم إلى إحدى عشرة دولة عضو وثماني دول شريكة، وهناك العديد من دول العالم منها من تقدَّمت للعضوية، ومنها من تراقب وتتابع وتنتظر. بيد أنَّ الدول الأعضاء الفاعلين، الذين لا يكادون يمثِّلون أكثر من 5% من عدد دول العالم، هم في الحقيقة يشكِّلون ما يزيد على 50% من مساحة الكون، و45% من عدد سكانه، وباتوا اليوم يحددون، أو يصنعون، ما يزيد على 50% من النمو العالمي المتحقق خلال العامين الماضيين.
مجموعة بريكس، بمؤسسيها من البرازيل، وروسيا، والصين، والهند، وجنوب إفريقيا، باتت الكيان الذي سيرسم قواعد النظام العالمي الجديد، متعدد الأقطاب اقتصادياً وسياسياً، وخاصة النظام المالي المتعلق بتسويات التبادل التجاري العالمي، ونظام تحديد أسعار الصرف، ونظام المديونية، ونظام التعاملات البنكية، بل وأسس ومصادر تمويل التنمية في مجال دعم القطاعات الاقتصادية الواعدة، وخاصة في الطاقة والمياه والذكاء الاصطناعي. النظام العالمي الجديد سيضع قواعد المديونية العالمية، وحسابات موازين المدفوعات وآليات تحديد أسعار الصرف.
وباعتقادي التام أنَّ العقد الرابع من هذا القرن، أي في أقل من أربعة أعوام، سيشهد أفولاً تدريجياً لدور الدولار الأمريكي في التعاملات الدولية، وتراجعاً مضطرداً لدور صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي في تحديد قواعد اللعبة الاقتصادية، وفي سيطرة السياسية، وقد تختفي قواعد منظمة التجارة العالمية، لتحلَّ في موقعها منظمة بريكس ذاتها، بقواعدها ومتطلباتها للتبادل التجاري والتعاملات العالمية. المشهد يشير إلى عدم اختفاء الدولار، بشكل كامل، وعدم تحوُّله إلى ما تحوَّل إليه الجنيه الإسترليني عقب انتهاء نفوذ إمبراطورية بريطانيا العُظمى؛ لأنَّ قواعد اللعبة والمصالح السياسية باقية في كثير من قواعدها في يد السيطرة العسكرية للإمبراطورية الأمريكية، ما يحتِّم الاستمرار بالتعامل بعملة الدولار، بل ودعمها عبر حسابات دولارية محلية وعالمية، خوفاً وطمعاً.
اجتماع دول البريكس تمخَّض عنه بوضوح التوجُّه الرسمي والحقيقي نحو نظام مدفوعات مستقل بين البنوك المركزية للدول الأعضاء، بهدف تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي ونظام سوفت المُسيطَر عليه أمريكياً، ومن الواضح أنَّ دول الأعضاء التي بدأت تؤسِّس نظاماً للدفع تحت مسمّى نظام بريكس للدفع BRICS Pay تؤسس لمرحلة جديدة من اللامركزية النقدية عبر نظام يقدِّم تنوُّعاً في أدوات التسويات المالية العالمية، إما من خلال التسويات المباشرة بالعملات المحلية، أو باستخدام العملات المُشفَّرة المدعومة من دول ذات سيادة ومكانة عالمية، مثل الصين، أو عبر نظام مختلط تحكمه سلة متنوعة من العملات المحلية، والمُشفَّرة. القمة التي شهدت توسُّعاً نوعياً في العضوية لتشمل دولاً من آسيا، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية، بشّرت بإرهاصات نظام عالمي جديد، يتحلل فيه العالم من سطوة النظام المالي العالمي الحالي، وينطلق نحو تعددية مالية، ليست بريئة من الحسابات السياسية، ولكنها أفضل من التبعية والانصياع لمزاج نظام مالي ظاهره ديمقراطي متحرر، وباطنه دكتاتورية من العقوبات، والمصالح، والقمع السياسي، والتبعية المؤذية، والأهواء الفردية المزاجية تارةً والعنصرية أحياناً.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا
منذ 2 ساعات
- رؤيا
انخفاض أسعار الذهب في التعاملات الأوروبية مع ترقب الأسواق
تراجع طفيف لأسعار الذهب في أوروبا وسط ترقب المستثمرين للأسواق العالمية الذهب ينخفض مع ارتفاع مؤشر الدولار وعقود الفضة تسجل مكاسب ملحوظة شهدت أسعار العقود الآجلة للذهب تراجعاً طفيفاً خلال جلسة التداول الأوروبية ، الإثنين، وسط متابعة حذرة من المستثمرين لتطورات الأسواق العالمية. ووفقاً لبيانات بورصة نيويورك التجارية (كومكس)، انخفضت عقود الذهب لشهر أغسطس بنسبة 0.04%، لتصل إلى 3,365.25 دولاراً للأونصة وقت كتابة هذا التقرير. وكان السعر قد سجل في وقت سابق من الجلسة مستوى أدنى عند 3,363.80 دولاراً للأونصة. ويتوقع المحللون أن يجد الذهب نقاط دعم فنية عند مستوى 3290.20 دولاراً، بينما تقع أقرب نقطة مقاومة له عند 3389.20 دولاراً. ويأتي هذا الانخفاض في أسعار المعدن الأصفر بالتزامن مع ارتفاع طفيف في مؤشر الدولار الأمريكي، الذي يقيس أداء العملة الخضراء مقابل سلة من ست عملات رئيسية، حيث ارتفع بنسبة 0.07% ليصل إلى مستوى 97.60 نقطة، وهو ما يزيد عادةً من تكلفة الذهب على حائزي العملات الأخرى.


الوكيل
منذ 3 ساعات
- الوكيل
الاسترليني يتراجع إلى أدنى مستوى في ثلاثة أسابيع أمام...
الوكيل الإخباري- تراجع الجنيه الاسترليني اليوم الاثنين، إلى أدنى مستوياته في 3 أسابيع أمام الدولار الأميركي، بحسب ما أفادت صحيفة الغارديان البريطانية. اضافة اعلان وسجّل الاسترليني 3467ر1 دولار، بانخفاض قدره 0.37 بالمئة، كما انخفض أمام العملة الأوروبية الموحدة "يورو" بنسبة 0.32 بالمئة ليصل إلى 1.1533 يورو.


رؤيا
منذ 4 ساعات
- رؤيا
أسعار الذهب لأعلى مستوى في 3 أسابيع ما هي الأسباب؟
الذهب يسجل أعلى مستوى في 3 أسابيع بفعل تهديدات ترمب الجمركية أسعار الذهب تقفز مع تصاعد المخاوف التجارية وترقب بيانات التضخم الأمريكي سجلت أسعار الذهب الفورية أعلى مستوياتها في ثلاثة أسابيع خلال تداولات يوم الإثنين، مدفوعة بعودة قوية للطلب على المعدن الثمين كـ"ملاذ آمن"، وذلك في أعقاب تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية جديدة على الاتحاد الأوروبي والمكسيك، مما أثار حالة من عدم اليقين في الأسواق العالمية. وبينما يستقر الذهب عند مستوياته المرتفعة، يترقب المستثمرون بحذر صدور بيانات التضخم الأمريكية الرئيسية يوم الثلاثاء، والتي قد تحمل مؤشرات هامة حول المسار المستقبلي لأسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي. تهديدات ترمب الجمركية تشعل الطلب على الملاذات الآمنة كان المحرك الرئيسي لصعود الذهب هو إعلان الرئيس ترمب يوم السبت عن نيته فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على الواردات من المكسيك والاتحاد الأوروبي اعتباراً من الأول من أغسطس. وقد جاء هذا التهديد بعد أسابيع من المفاوضات التي لم تفضِ إلى نتائج، مما أدى إلى زيادة المخاوف من اضطراب اقتصادي عالمي ودفع المستثمرين نحو الأصول الآمنة. وقال كلفن وونغ، كبير المحللين في شركة OANDA: "نشهد عودة الطلب على الذهب كملاذ آمن، بسبب حالة عدم اليقين المرتبطة بسياسات الرسوم الجمركية العالمية للولايات المتحدة". ترقب بيانات التضخم وتأثيرها على أسعار الفائدة في حين تدعم المخاطر التجارية أسعار الذهب، فإن قوة الدولار الأمريكي، الذي ارتفع بنسبة 0.2%، تحد من مكاسب المعدن الأصفر. ويتجه كل الاهتمام هذا الأسبوع نحو بيانات مؤشر أسعار المستهلك (التضخم) في الولايات المتحدة لشهر يونيو. وتشير تسعيرات السوق حالياً إلى توقعات بخفض أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي بأكثر من 50 نقطة أساس بحلول ديسمبر. ويُعتبر انخفاض أسعار الفائدة عاملاً إيجابياً للذهب، كونه يقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعدن الذي لا يدر عائداً. أداء المعادن الأخرى شهدت أسواق المعادن الأخرى أداءً متبايناً خلال التداولات الآسيوية: الذهب: ارتفع السعر الفوري بنسبة 0.17% إلى 3,361 دولاراً للأونصة، بعد أن لامس أعلى مستوى له منذ 23 يونيو. الفضة: واصلت أداءها القوي، حيث ارتفعت في المعاملات الفورية بنسبة 1.2% لتصل إلى 38.82 دولاراً للأونصة. وتأتي هذه التحركات لتعكس حالة التجاذب في الأسواق بين المخاوف من التباطؤ الاقتصادي الناجم عن السياسات التجارية، والترقب لبيانات التضخم التي ستحدد بشكل كبير قرارات السياسة النقدية الأمريكية في الأشهر المقبلة.