
"حزب أميركا": فجر جديد في السياسة الأميركية أم فقاعة عابرة؟
وبدا أن ما حذر منه الرئيس الأميركي المؤسس يتجسد اليوم في السياسات الأميركية التي باتت أكثر استقطاباً على نحو يثير القلق في الداخل حول تفتت المجتمع الأميركي وانقسامه، غير أنه خلال الأعوام الأخيرة، ولا سيما منذ صعود نجم الرئيس الأميركي دونالد ترمب على الساحة السياسية كمرشح للرئاسة عام 2016، زادت الأصوات الباحثة عن حزب سياسي قوي ينافس قطبي السياسة الأميركية الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، بالنظر إلى ضعف الأحزاب السياسية الأخرى التي بالكاد يعرفها الأميركيون.
ووسط حرب كلامية بلغت أوجها خلال الأيام الماضية بين ترمب وحليفه السابق المليارير الأميركي إيلون ماسك الذي قام بالدور الأكبر في دعم حملة الرئيس الأميركي عبر تبرعاته التي وصلت إلى 300 مليون دولار لمجموعة "أميركا باك" السياسية، فإن الأخير أعلن أمس السبت عن إطلاق حزب سياسي جديد باسم "حزب أميركا"، يمنح المواطن العادي صوتاً حقيقياً، على عكس ما يصفه بالبنية الحالية "الأحادية" التي تمثل الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
"حزب أميركا"
ورداً على الخلاف حول مشروع قانون الموازنة الجديد الذي أطلق عليه ترمب "القانون الكبير الجميل"، كتب ماسك على حسابه بمنصة "إكس"، "إذا جرى تمرير هذا القانون الجنوني للإنفاق، فسيُشكل 'حزب أميركا' في اليوم التالي. بلدنا بحاجة إلى بديل عن الحزب الموحد الديمقراطي-الجمهوري لكي يكون للشعب صوت فعلي". وينتقد ماسك الأثر المالي للقانون، باعتباره سيزيد العجز الوطني بمقدار 3.3 تريليون دولار خلال العقد المقبل، استناداً إلى توقعات مكتب الموازنة في الكونغرس، كما ينظر إليه على أنه يحبط الجهود التي بذلها عبر ما يعرف بـ"وزارة الكفاءة الحكومية" للحد من الإنفاق العام.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حين أن الدعوة إلى حزب سياسي جديد منافس للحزبين التقليديين اللذين يسيطران على صنع القرار الأميركي، ليست نادرة من نوعها، إذ هناك من يظهر في كل دورة انتخابية يدعو إلى مرشح مستقل يقود حزباً ثالثاً، لكن هناك من يرون داخل الولايات المتحدة أن الأمر لم يعُد "نكتة"، بل إن الظروف اللازمة لنجاح حزب ثالث قد تكون بدأت تتشكل بالفعل.
رغبة داخلية في حزب ثالث
على مدى عقدين، أظهرت استطلاعات معهد "غالوب" الأميركي، حاجة الأميركيين إلى حزب ثالث رئيس لأن الحزبين الجمهوري والديمقراطي "يقومان بعمل ضعيف جداً" في تمثيل الشعب الأميركي، إذ صوتت الغالبية بنسبة تراوح ما بين 58 و63 في المئة في 12 استطلاع للرأي لمصلحة وجود حزب ثالث. والأسبوع الماضي، أظهر استطلاع جديد أن ما يقارب نصف الناخبين الديمقراطيين يرون أن "وجود حزب سياسي ثالث ضروري" في الولايات المتحدة.
ويقول المراقبون إن الرغبة في وجود أحزاب ثالثة ترتفع دائماً مع تزايد الاضطرابات الداخلية والاستقطاب الحاد، فالأحزاب التي تكون خارج السلطة لديها ردان طبيعيان، الأول هو الإحباط الداخلي من قيادة الحزب نفسها، والثاني هو البحث عن بدائل. وفي هذا السياق، قال أستاذ السياسة لدى جامعة جورجتاون مايكل كازين، لمجلة "نيوزويك" الأميركية، إنه "من المرجح أن يكون الديمقراطيون الآن أكثر تأييداً لحزب ثالث لأنهم غير راضين عن القادة الحاليين للحزب. الأحزاب الثالثة لا تدوم طويلاً في السياسة الوطنية لكنها كانت مهمة لحسم الانتخابات في أوقات مختلفة في الماضي."
النيوليبراليون الجدد
ويقول الكاتب الأميركي نات كوهين، إنه خلال الأعوام الأخيرة، بدأت فئة جديدة بالظهور، لا تجد مكاناً في أي من الحزبين، وليس من الواضح أن أياً منهما سيتمكن بسهولة من تلبية مطالبها. وظهور هذه الفئة المهمشة هو الشرط المسبق الذي يُغفل عنه لقيام حزب ثالث. ويرى أنه في حين لا يمكن لماسك أن يكون ممثلاً حقيقياً لهذه الفئة، غير أنه يُعد مثالاً على شخص ينتمي إلى هذه المجموعة.
لا يضع كوهين اسماً محدداً لهذه الفئة، لكنه يشير إليها في مقالة بصحيفة "نيويورك تايمز" من خلال مجموعة من السمات، فهذه الفئة تؤيد أموراً مثل تقليل العجز المالي وإلغاء القيود التنظيمية والتجارة الحرة والهجرة ذات المهارات العالية، إذ يكون من الممكن التعرف إليها من خلال التسميات التي أطلقها عليها منتقدوها من اليسار واليمين مثل "النيوليبراليين" أو "العولميين"، وإن كانت هذه الفئة الجديدة لا تمجد الأسواق بالضرورة ولا تعارض الإنفاق الحكومي.
ويشير إلى أن مجموعة جديدة من التحديات الاقتصادية والمالية بعد جائحة "كوفيد-19"، أعادت إحياء أفكار سياسية قديمة، فقد أسهم مزيج من ارتفاع أسعار السلع والإسكان وارتفاع أسعار الفائدة والديون الوطنية المتصاعدة، في إعادة قضايا مثل إلغاء التنظيمات وتقليص الموازنات والهجرة، وغيرها لدائرة النقاش. ومع ذلك، فإن النيوليبراليين الجدد لم يتبلوروا بعد كجماعة متماسكة، إذ إنهم لا يزالون يرون أنفسهم ديمقراطيين أو جمهوريين، ويواصلون العمل ضمن الحزبين الرئيسين. لكنهم يعتقدون بأن هذه التحديات تمثل تهديداً خطراً لمستقبل البلاد، في وقت يرون فرصة نادرة لإطلاق نمو استثنائي، وإذا تفاقمت مشكلاتهم خلال الأعوام المقبلة ولم يتمكن الحزبان من معالجة مخاوفهم بصورة كافية، فقد تتوافر الشروط اللازمة لقيام حزب ثالث.
فئة ذات نفوذ
وهذه الفئة المحتملة تتمتع بنفوذ واسع، بفضل تمويلها القوي وداعميها المؤثرين في الإعلام و"وادي السيليكون" وفي "وول ستريت" وواشنطن، ولديها أسباب قوية للاعتقاد بأنها قادرة على التأثير في الحزبين الرئيسين، مثل رجل الأعمال مارك كوبان والمرشح الديمقراطي السابق في الانتخابات التمهيدية 2020 أندرو يانغ اللذين أعربا عن دعمهما لماسك.
وتعتقد ناتاشا ليندستيدت من جامعة إسكس بأن الثروة الهائلة التي يمتلكها ماسك قد تُمكنه من تجاوز العقبات التقليدية وتشكيل قوة مقلقة ضمن السياسة الأميركية. وتشير إلى أن العدد المتزايد من الناخبين المستقلين المحبطين من الوضع السياسي القائم، قد يشكّلون قاعدة دعم قوية لحزب ماسك الجديد. ومع استمرار حال الاستياء من الحزبين الرئيسين، ترى أن هذا التوقيت مثالي لشخصية من خارج المؤسسة مثل ماسك لاستغلال هذا الإحباط الشعبي.
في المقابل، يتبنى توماس غيفت من كلية لندن الجامعية رؤية أكثر تشاؤماً، ويرى أن خطوة ماسك بتأسيس حزب سياسي جديد قد تكون مجرد مناورة استراتيجية أكثر منه التزاماً جاداً. ويُبرز غيفت القوة الراسخة للأحزاب التقليدية في الولايات المتحدة والموارد الهائلة التي تمتلكها، مما يجعل من الصعب للغاية على أي حزب جديد أن يحقق تأثيراً حقيقياً.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
هل تأثرت حياة الطبقة الوسطى في روسيا جراء العقوبات الغربية؟
يتنقل سيرغي وماريا اللذان يسكنان ضاحية موسكو في سيارة صينية ويشترون أصنافاً محلية من الجبن ويقضون عطلاتهم في فنزويلا، معتبرين أن العقوبات المفروضة على روسيا رداً على حربها على أوكرانيا "ليست مأساة". ويسكن الزوجان في ميتيشي، المدينة البالغ عدد سكانها 300 ألف نسمة إلى شمال شرقي العاصمة موسكو، وجدَّدا أخيراً شقتهما المتواضعة المؤلفة من غرفتين، والتي يعيشان فيها مع ثلاثة أولاد وقطتين وكلب. وهما يملآن برادهما بمنتجات روسية. فرض الغرب أولى العقوبات الاقتصادية على روسيا عام 2014، بعد ضمها شبه جزيرة القرم الأوكرانية، وشددها لاحقاً مع بدء حرب روسيا على أوكرانيا في الـ24 من فبراير (شباط) 2022. وفي ظل هذا الوضع حرم الروس من عديد من المنتجات الغربية، وبات سفرهم إلى الاتحاد الأوروبي والدول الداعمة لكييف عموماً أكثر كلفة وتعقيداً، غير أن قسماً منهم يؤكد أنه تكيف مع العقوبات. غياب العلامات التجارية الأوروبية وقالت ماريا تيابوت (43 سنة) الموظفة في شركة لمستحضرات التجميل إنها قلما تهتم بالسياسة ولا تذكر حتى متى بدأت العقوبات، متسائلة "ربما خلال (كوفيد)؟". من جهته أوضح زوجها سيرغي ديوجيكوف (31 سنة)، "ليست مأساة أن تغيب العلامات الأوروبية والغربية" عن السوق، معتبراً أن الشعب الروسي "يتدبر أمره جيداً" من دونها. وقال إنه اضطر بعد حادثة سير قبل عامين إلى الانتظار "ثلاثة أشهر" بسبب العقوبات لتلقي قطع غيار حتى يتمكن من إصلاح سيارته، وهي من طراز "كيا". وتابع، "أدركت عندها أن عليَّ تبديل سيارتي الكورية بسيارة صينية". ويصل دخل سيرغي وماريا مجتمعين إلى نحو 300 ألف روبل (3800 دولار)، ما يزيد على المتوسط الوطني، غير أنهما اضطرا إلى اقتراض مبلغ للتمكن من شراء سيارة جديدة. وتابع سيرغي، "انظروا إلى (ماكدونالدز) الذي أغلق أبوابه، فكوسنو إي توتشكا يؤدي الوظيفة ذاتها والأطفال يحبونه كثيراً"، في إشارة إلى السلسلة الروسية التي استحوذت منذ 2022 على مئات من مطاعم "ماكدونالدز" عندما غادرت السلسلة الأميركية روسيا على غرار عديد من الشركات الغربية في أعقاب الحرب الروسية. العقوبات في الحياة اليومية وأكدت ماريا ،"لا أشعر بوطأة العقوبات على صعيد حياتي اليومية وعائلتي وعملي وأوقات فراغي". وتقر بأن بعض المنتجات غابت تماماً عن الأسواق، وفي طليعتها عدد من الأدوية، لكنها تبدي أملها في أن تنتجها الصناعات الروسية، أما بالنسبة إلى لوازم الرعاية الأساسية، فتؤكد أن ثمة "منتجات مماثلة روسية". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وتأكيداً لذلك تقول إنها تحب جبنة "الكاممبير" المنتجة في روسيا، موضحة "إنها لذيذة. لم أذق جبنة (الكاممبير) الفرنسية الحقيقية، لا يمكنني أن أقارن بينهما، لكن هذه تناسبني تماماً". وهي تشتري أيضاً زبادي من علامة جديدة حلت محل منتجات شركة "دانون" الفرنسية، بعدما وضعت الدولة الروسية يدها عليها في 2023 وأعادت بيعها لاحقاً إلى أحد أقرباء الزعيم الشيشاني رمضان قديروف. الاستيراد عبر دولة ثالثة وعلى رغم العقوبات تستورد بعض المنتجات الغربية الشعبية عبر دول ثالثة، مما ينعكس على أسعار بيعها. وبموازاة ذلك تحتفظ روسيا بعلاقات تجارية مع دول مثل بيلاروس ودول القوقاز التي تمدها بالفاكهة والخضراوات ومشتقات الحليب. وبات الروس يقصدون هذه الدول للسياحية بعدما أصبح من المتعذر عليهم الوصول إلى أوروبا مع وقف الرحلات المباشرة وصعوبة الحصول على تأشيرات دخول. ويعمد الزوجان الآن إلى التنقل داخل روسيا والقيام برحلات إلى أميركا اللاتينية، وهما زارا فنزويلا، الدولة الخاضعة مثل روسيا لعقوبات أميركية، وقالا عنها إنها "بلد شعبه ودود جداً ويحب الروس". ولا يبديان قلقاً حيال التضخم بنسبة نحو 10 في المئة الذي تسجله روسيا، على وقع النفقات العسكرية الباهظة وعواقب العقوبات، لأن السلطات أرغمت أصحاب العمل على زيادة الأجور. وقالت ماريا، "ثمة تضخم في كل أنحاء العالم. عمتي تعيش في ألمانيا، ولديهم تضخم هناك أيضاً".


Independent عربية
منذ 2 ساعات
- Independent عربية
زوارق تطلق النار على سفينة قبالة الحديدة في اليمن
قالت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية اليوم الأحد إن سفينة تعرضت لإطلاق نار من زوارق صغيرة عدة، استخدمت أسلحة خفيفة وقذائف، على بعد 51 ميلاً بحرياً جنوب غربي الحديدة في اليمن. وأضافت الهيئة في إشعار أن فريقاً أمنياً مسلحاً رد على إطلاق النار وأن الأمر لا يزال مستمراً. ويأتي ذلك بينما قال الجيش الإسرائيلي وقت مبكر من اليوم إنه اعترض صاروخاً أطلق من اليمن باتجاه إسرائيل، مردفاً أن صفارات الإنذار أطلقت في مناطق عدة كما هو متبع في مثل هذه الحالات. ومنذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، يستهدف الحوثيون إسرائيل وحركة الملاحة في البحر الأحمر، مما أدى إلى اضطراب التجارة العالمية. وهددت إسرائيل الحوثيين في اليمن بحصار بحري وجوي إذا استمرت الجماعة المتحالفة مع إيران في شن هجمات على إسرائيل، تقول إنها تنفذها تضامناً مع غزة. والغالبية العظمى من عشرات الصواريخ والطائرات المسيرّة التي أطلقوها جرى اعتراضها أو لم تصِب الهدف، ونفذت إسرائيل سلسلة من الضربات الانتقامية. وأدى تصاعد الهجمات في البحر الأحمر إلى دفع معظم شركات الشحن والتجار خلال ديسمبر (كانون الأول) عام 2023 ومطلع العام الماضي إلى تجنب هذا الممر المائي الرئيس لتجارة السلع العالمية، وتحويل المسار نحو طريق رأس الرجاء الصالح. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وعلى رغم قصر المسافة بصورة كبيرة وانخفاض استهلاك الوقود ومدة الرحلة الأقصر، فإن رحلة ناقلات المنتجات المكررة والنفط الخام فئة المدى الطويل (LR)إلى أوروبا من الخليج العربي توفر خصماً بالكاد يصل إلى 200 ألف دولار مقارنة بالطريق الأطول عبر رأس الرجاء الصالح، وفقاً لبيانات "أس أند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس"، بسبب ارتفاع علاوة أخطار الحرب. وتوقفت حركة ناقلات الغاز الطبيعي المسال عبر البحر الأحمر وقناة السويس أكثر من عام بسبب تصاعد الهجمات الحوثية على السفن التجارية، ومع ذلك ظلت سوق شحن الغاز الطبيعي المسال ضعيفة نتيجة العدد الكبير من السفن الجديدة التي طلب بناؤها، مما فاق تأثير تباطؤ مشاريع إمدادات الغاز الجديدة. وأظهرت بيانات "أس أند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس" أن أسعار الشحن المقدرة للغاز الطبيعي المسال تراجعت، إذ وصلت إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 9 آلاف دولار يومياً للمعدل اليومي لناقلات الغاز الطبيعي "أتلانتيك" و11 ألف دولار للمعدل اليومي لـ"آسيا باسيفيك"، بينما بلغ المعدل الأخير نحو 12750 دولاراً يومياً في الـ15 من يناير (كانون الثاني) الماضي. وقال محللون في "أس أند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس" إنه "من المتوقع أن تظل وتيرة تسليم السفن الجديدة قوية هذا العام، بخاصة مع دخول رقم قياسي يبلغ 90 ناقلة غاز طبيعي مسال بالحجم التقليدي إلى السوق. وبينما يرجح أن تنمو إمدادات التسييل الجديدة بمقدار 26.9 مليون طن، فإن الزيادة في قدرة الشحن ستتفوق مجدداً على نمو الإمدادات".


Independent عربية
منذ 4 ساعات
- Independent عربية
"حزب أميركا": فجر جديد في السياسة الأميركية أم فقاعة عابرة؟
خلال خطابه الوداعي عام 1796، قال الرئيس المؤسس للولايات المتحدة الأميركية جورج واشنطن إن "التناوب في السيطرة بين فصيل وآخر الذي يتفاقم بروح الانتقام الطبيعية الناجمة عن الانقسامات الحزبية،... هو في حد ذاته استبداد مروع"، إذ أراد وقتها التحذير من خطر تلك الانقسامات والصراعات السياسية. وبدا أن ما حذر منه الرئيس الأميركي المؤسس يتجسد اليوم في السياسات الأميركية التي باتت أكثر استقطاباً على نحو يثير القلق في الداخل حول تفتت المجتمع الأميركي وانقسامه، غير أنه خلال الأعوام الأخيرة، ولا سيما منذ صعود نجم الرئيس الأميركي دونالد ترمب على الساحة السياسية كمرشح للرئاسة عام 2016، زادت الأصوات الباحثة عن حزب سياسي قوي ينافس قطبي السياسة الأميركية الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، بالنظر إلى ضعف الأحزاب السياسية الأخرى التي بالكاد يعرفها الأميركيون. ووسط حرب كلامية بلغت أوجها خلال الأيام الماضية بين ترمب وحليفه السابق المليارير الأميركي إيلون ماسك الذي قام بالدور الأكبر في دعم حملة الرئيس الأميركي عبر تبرعاته التي وصلت إلى 300 مليون دولار لمجموعة "أميركا باك" السياسية، فإن الأخير أعلن أمس السبت عن إطلاق حزب سياسي جديد باسم "حزب أميركا"، يمنح المواطن العادي صوتاً حقيقياً، على عكس ما يصفه بالبنية الحالية "الأحادية" التي تمثل الحزبين الديمقراطي والجمهوري. "حزب أميركا" ورداً على الخلاف حول مشروع قانون الموازنة الجديد الذي أطلق عليه ترمب "القانون الكبير الجميل"، كتب ماسك على حسابه بمنصة "إكس"، "إذا جرى تمرير هذا القانون الجنوني للإنفاق، فسيُشكل 'حزب أميركا' في اليوم التالي. بلدنا بحاجة إلى بديل عن الحزب الموحد الديمقراطي-الجمهوري لكي يكون للشعب صوت فعلي". وينتقد ماسك الأثر المالي للقانون، باعتباره سيزيد العجز الوطني بمقدار 3.3 تريليون دولار خلال العقد المقبل، استناداً إلى توقعات مكتب الموازنة في الكونغرس، كما ينظر إليه على أنه يحبط الجهود التي بذلها عبر ما يعرف بـ"وزارة الكفاءة الحكومية" للحد من الإنفاق العام. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وفي حين أن الدعوة إلى حزب سياسي جديد منافس للحزبين التقليديين اللذين يسيطران على صنع القرار الأميركي، ليست نادرة من نوعها، إذ هناك من يظهر في كل دورة انتخابية يدعو إلى مرشح مستقل يقود حزباً ثالثاً، لكن هناك من يرون داخل الولايات المتحدة أن الأمر لم يعُد "نكتة"، بل إن الظروف اللازمة لنجاح حزب ثالث قد تكون بدأت تتشكل بالفعل. رغبة داخلية في حزب ثالث على مدى عقدين، أظهرت استطلاعات معهد "غالوب" الأميركي، حاجة الأميركيين إلى حزب ثالث رئيس لأن الحزبين الجمهوري والديمقراطي "يقومان بعمل ضعيف جداً" في تمثيل الشعب الأميركي، إذ صوتت الغالبية بنسبة تراوح ما بين 58 و63 في المئة في 12 استطلاع للرأي لمصلحة وجود حزب ثالث. والأسبوع الماضي، أظهر استطلاع جديد أن ما يقارب نصف الناخبين الديمقراطيين يرون أن "وجود حزب سياسي ثالث ضروري" في الولايات المتحدة. ويقول المراقبون إن الرغبة في وجود أحزاب ثالثة ترتفع دائماً مع تزايد الاضطرابات الداخلية والاستقطاب الحاد، فالأحزاب التي تكون خارج السلطة لديها ردان طبيعيان، الأول هو الإحباط الداخلي من قيادة الحزب نفسها، والثاني هو البحث عن بدائل. وفي هذا السياق، قال أستاذ السياسة لدى جامعة جورجتاون مايكل كازين، لمجلة "نيوزويك" الأميركية، إنه "من المرجح أن يكون الديمقراطيون الآن أكثر تأييداً لحزب ثالث لأنهم غير راضين عن القادة الحاليين للحزب. الأحزاب الثالثة لا تدوم طويلاً في السياسة الوطنية لكنها كانت مهمة لحسم الانتخابات في أوقات مختلفة في الماضي." النيوليبراليون الجدد ويقول الكاتب الأميركي نات كوهين، إنه خلال الأعوام الأخيرة، بدأت فئة جديدة بالظهور، لا تجد مكاناً في أي من الحزبين، وليس من الواضح أن أياً منهما سيتمكن بسهولة من تلبية مطالبها. وظهور هذه الفئة المهمشة هو الشرط المسبق الذي يُغفل عنه لقيام حزب ثالث. ويرى أنه في حين لا يمكن لماسك أن يكون ممثلاً حقيقياً لهذه الفئة، غير أنه يُعد مثالاً على شخص ينتمي إلى هذه المجموعة. لا يضع كوهين اسماً محدداً لهذه الفئة، لكنه يشير إليها في مقالة بصحيفة "نيويورك تايمز" من خلال مجموعة من السمات، فهذه الفئة تؤيد أموراً مثل تقليل العجز المالي وإلغاء القيود التنظيمية والتجارة الحرة والهجرة ذات المهارات العالية، إذ يكون من الممكن التعرف إليها من خلال التسميات التي أطلقها عليها منتقدوها من اليسار واليمين مثل "النيوليبراليين" أو "العولميين"، وإن كانت هذه الفئة الجديدة لا تمجد الأسواق بالضرورة ولا تعارض الإنفاق الحكومي. ويشير إلى أن مجموعة جديدة من التحديات الاقتصادية والمالية بعد جائحة "كوفيد-19"، أعادت إحياء أفكار سياسية قديمة، فقد أسهم مزيج من ارتفاع أسعار السلع والإسكان وارتفاع أسعار الفائدة والديون الوطنية المتصاعدة، في إعادة قضايا مثل إلغاء التنظيمات وتقليص الموازنات والهجرة، وغيرها لدائرة النقاش. ومع ذلك، فإن النيوليبراليين الجدد لم يتبلوروا بعد كجماعة متماسكة، إذ إنهم لا يزالون يرون أنفسهم ديمقراطيين أو جمهوريين، ويواصلون العمل ضمن الحزبين الرئيسين. لكنهم يعتقدون بأن هذه التحديات تمثل تهديداً خطراً لمستقبل البلاد، في وقت يرون فرصة نادرة لإطلاق نمو استثنائي، وإذا تفاقمت مشكلاتهم خلال الأعوام المقبلة ولم يتمكن الحزبان من معالجة مخاوفهم بصورة كافية، فقد تتوافر الشروط اللازمة لقيام حزب ثالث. فئة ذات نفوذ وهذه الفئة المحتملة تتمتع بنفوذ واسع، بفضل تمويلها القوي وداعميها المؤثرين في الإعلام و"وادي السيليكون" وفي "وول ستريت" وواشنطن، ولديها أسباب قوية للاعتقاد بأنها قادرة على التأثير في الحزبين الرئيسين، مثل رجل الأعمال مارك كوبان والمرشح الديمقراطي السابق في الانتخابات التمهيدية 2020 أندرو يانغ اللذين أعربا عن دعمهما لماسك. وتعتقد ناتاشا ليندستيدت من جامعة إسكس بأن الثروة الهائلة التي يمتلكها ماسك قد تُمكنه من تجاوز العقبات التقليدية وتشكيل قوة مقلقة ضمن السياسة الأميركية. وتشير إلى أن العدد المتزايد من الناخبين المستقلين المحبطين من الوضع السياسي القائم، قد يشكّلون قاعدة دعم قوية لحزب ماسك الجديد. ومع استمرار حال الاستياء من الحزبين الرئيسين، ترى أن هذا التوقيت مثالي لشخصية من خارج المؤسسة مثل ماسك لاستغلال هذا الإحباط الشعبي. في المقابل، يتبنى توماس غيفت من كلية لندن الجامعية رؤية أكثر تشاؤماً، ويرى أن خطوة ماسك بتأسيس حزب سياسي جديد قد تكون مجرد مناورة استراتيجية أكثر منه التزاماً جاداً. ويُبرز غيفت القوة الراسخة للأحزاب التقليدية في الولايات المتحدة والموارد الهائلة التي تمتلكها، مما يجعل من الصعب للغاية على أي حزب جديد أن يحقق تأثيراً حقيقياً.