logo
الصدمة الإيكولوجية.. كوكب يحتضر في صمت

الصدمة الإيكولوجية.. كوكب يحتضر في صمت

الجزيرةمنذ 6 أيام
تحيط بنا البيئة من كل مكان، وتوفّر لنا ولغيرنا من الكائنات كل مقومات الحياة التي تكفل بقاءنا واستمراريتنا، وتقوم الحياة بفضل التوازن بين مكونات النظام البيئي وعناصره، وهو كلمة السر التي تضمن استقرار تلك العناصر في معادلة الحياة.
والنظام البيئي بمكوناته ليس نظامًا ساكنًا، بل هو في حالة تفاعل ديناميكي مستمر، ويتحقق التوازن -كما يقول علماء البيئة- بقدرة النظام على العودة إلى وضعه الأول بعد أي تغير يطرأ عليه، دون حدوث تغير أساسي في مكوناته.
فالأكسجين الذي نتنفسه -وهو عنصر حيوي من عناصر الغلاف الجوي- يحافظ على استقرار نسبته في الجو من خلال تفاعلات عدة، ينقص خلالها ويزيد في دورة مستمرة من الاستهلاك والإنتاج، إلا أن نسبته تظل ثابتة في النهاية بشكل يضمن استمرار الحياة، التي تعتمد عليه ولا تقوم إلا به.
وتاريخ الحياة على الأرض هو تاريخ التفاعل بين الأحياء والبيئة المحيطة بها؛ وعبر مئات الملايين من السنين ظهرت الحياة التي تعمر الأرض الآن، وهي تنمو وتتطور بدقة وتوازن بين عناصرها.
ورغم الأحداث الطبيعية القاسية عبر تاريخ الأرض، استطاعت الحياة وأنظمتها البيئية التكيف والمواءمة حتى تستقر عناصرها إلى أن ظهر الإنسان، الذي كان بدوره في حالة تفاعل أيضًا مع محيطه البيئي باحثًا عن أسباب البقاء ومقومات الحياة.
الأثر البشري
لم يكن أثر الإنسان في بيئته كغيره من الأحياء؛ فبفضل تراكم تجاربه الحضارية، منذ العصور البدائية حتى العصر الحديث، تمكن البشر ليس فقط من الانتفاع بالبيئة، بل وصل التأثير التراكمي -بما طوره من وسائل وتقنيات- إلى تغيرات هائلة في بيئته المحيطة، شكلت ضغطًا هائلًا على النظام البيئي ومكوناته، واستنزافًا لعناصره، وإخلالًا بالتوازن بينها بشكل كارثي لم يحدث من قبل، كما تؤكد إليزابيت كولبرت في كتابها "الانقراض السادس" إذ تقول: "لم يسبق لأي مخلوق على هذا الكوكب أن غيّر الحياة بهذا الشكل من قبل".
ولكننا لم ندرك ذلك إلا مع بدايات القرن التاسع عشر -في أعقاب الثورة الصناعية الأولى- حين ظهرت الدراسات الخاصة بالبيئة والأحياء بشكل مكثف، وتطورت التقنيات المساعدة للرصد والتحليل والقياس، لتسجيل تلك التغيرات وتتبعها، حتى بدت ملامح الصدمة الإيكولوجية تظهر على الأنظمة البيئية وعلينا، فكانت الصدمة بوجهيها كارثة على البيئة وعلى البشر على السواء.
الصدمة الإيكولوجية الأولى.. الأمطار الحمضية
بدأت الصدمة مع منتصف القرن التاسع عشر، وتحديدًا عام 1852، حين اكتشف الكيميائي الأسكتلندي روبرت سميث ظاهرة الأمطار الحمضية، أثناء قيامه بتحليل مياه الأمطار بالقرب من المنشآت الصناعية ذات المداخن الهائلة، في إنجلترا وأسكتلندا، والتي أحالت أجواء وهواء المدن إلى ضباب ملوث، صار علامة مميزة لها ولتلك الحقبة.
لم يقف الأمر عند المطر الحمضي وآثاره الكارثية، التي شكلت صدمة إيكولوجية للتربة ومكوناتها، وتدميره لمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، وتسمم العديد من السكان والحيوانات بتلك المياه الملوثة، وتلف المحاصيل، وتشوه العديد من المباني والمنشآت نتيجة تفاعل المياه الحمضية مع مواد البناء، ما شكّل صدمة لغرب أوروبا الصناعية بأكملها في ذلك الوقت.
الصدمة الإيكولوجية الثانية.. المبيدات القاتلة
لم تقف الصدمة البيئية عند الأمطار الحمضية، بل أضافت المبيدات التي ظهرت بعد ذلك، واستُخدمت على نطاق واسع، خاصة في الولايات المتحدة الأميركية، حين قامت الحكومة برش تلك المبيدات بكثافة بالطائرات فوق المزارع، للقضاء على الآفات والحشرات التي تسببت في تدمير وإتلاف العديد من المحاصيل، فجاءت الصدمة حيث تسربت تلك المبيدات الى مسام التربة، وترسبت إلى النباتات والمحاصيل، ووصلت الى مصادر الماء والغذاء؛ ما شكل تهديدًا خطيرًا لم يشعر به أحد إلا بعد ظهور آثارها الكارثية، التي دخلت النظام البيئي ولم تخرج منه بعد؛ فهي تحتاج مئات السنين حتى تتحلل وتخرج من النظام البيئي.
إلا أن آثارها لم تقف عند ذلك، بل امتدت إلى تغيرات تشبه أثر المواد المشعة في تغيير البنية الوراثية الجينية للأحياء، ما ساعد على ظهور طفرات وتشوهات، واختلال كبير في وظائف الخلايا والأنسجة، وعجّل بظهور السرطانات.
وقد عالجت تلك الصدمة وتصدت لها الدكتورة راتشيل كارسون، عالمة الأحياء الأميركية، التي ألفت كتابها الشهير "الربيع الصامت"، الذي يعد أول وأهم كتاب لنشر الوعي البيئي، محذرًا من المخاطر التي تهدد البيئة، وبالأخص تلك المبيدات القاتلة كل صور الحياة.
وقد خاضت معركة بكتابها ضد الحكومة الفدرالية وأصحاب الشركات، حتى وصل الأمر إلى تداول ما كتبته في جلسات الكونغرس، وانتهت إلى الاعتراف بتلك الآثار الكارثية، وإقرار قوانين للحد من استخدام تلك المبيدات القاتلة، والبحث في سبل وقاية طبيعية بدلًا من ذلك، وهذا يعد انتصارًا لكارسون، التي صارت رائدة للحركة البيئية العالمية بعد ذلك.
تقول كارسون في كتابها "الربيع الصامت": "يتعرض البشر جميعًا، ولأول مرة في تاريخ العالم، إلى ملامسة كيماويات خطيرة، من لحظة الحمل إلى يوم الموت، فلقد انتشرت المبيدات خلال العالم الحي وغير الحي بأكمله، حتى أصبحت موجودة الآن في كل مكان تقريبًا".
إنه ليس مجرد تغير طارئ على النظام البيئي، بل هو خلل بنيوي في تركيبة النظام البيئي، سيحتاج معه النظام عقودًا وعقودًا من السنين حتى يتعافى من تلك الآثار الكارثية؛ فالصدمة الإيكولوجية ليست مجرد تغيير يتعرض له النظام البيئي، بل هي تغيير كبير غير متوقع، وعلى نطاق واسع وخلال فترة زمنية قصيرة، ومن ثم فهو حدث كارثي مفاجئ، يسبب اضطرابًا كبيرًا في النظام البيئي، وخللًا في توازن مكوناته لا يمكن إصلاحه بسهولة.
من آثار الاحتباس الحراري الضغط والتأثير على الإنتاج الزراعي ودوراته، وقد شهدنا ذلك في العام 2022، حين ضربت الهند موجة حارة عنيفة في أبريل/ نيسان، سببت خسائر هائلة تقدر بملايين الأطنان، ما دفع الحكومة الهندية إلى اتخاذ قرار وقف تصدير القمح
ليس صدمة واحدة بل صدمات
والصدمة الإيكولوجية هنا لا تقف عند حدود النظام البيئي، بل تسبب بالتبعية صدمات أخرى اقتصادية واجتماعية وصحية وسياسية؛ فمن أمثلة الصدمات الإيكولوجية -غير ما ذكرنا- نجد تدمير الموائل الطبيعية، وفقدان التنوع البيولوجي، والتسبب في انقراض العديد من الأنواع الحية، ومنها -بل وعلى رأسها- المتهم الأكبر في تحولات بيئية كارثية كبرى، في عصرنا وفي المستقبل، ألا وهو التغير المناخي.
الصدمة المناخية واحترار الكوكب
والتغير المناخي -وهو لا يكفيه حيز المقال الصغير- يحدث بسبب خلل في مكونات التركيب الغازي للغلاف الجوي؛ نتيجة دخول كميات هائلة من الغازات الدفيئة التي تحبس الحرارة، ما يتسبب في تداعيات أخرى كمتوالية هندسية، أو كرة صخرية تتدحرج من أعلى قمة جبل إلى أسفله، ولا يستطيع أحد إيقافها.
ومما حذر منه العلماء أن الانبعاثات وصلت لمرحلة لا يمكن للنظام البيئي استيعابها أو تحملها، ما يشكل ضغطًا هائلًا عليه سيتجاوز به حدوده القصوى في التحمل، أو -كما يسميها علماء المناخ- النقاط الحرجة أو حدود اللاعودة، ما ينذر بتبعات كارثية أخرى على مختلف الأنظمة البيئية، من البحار والمحيطات التي تمتص المزيد والمزيد من غازات الاحتباس الحراري، وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون متسببًا في تحمض المحيطات، وتعريض صحة الشعاب المرجانية للخطر، ومن ثم الكائنات التي تعتمد عليها، وكذلك المجتمعات البشرية التي تعتمد اقتصاداتها على تلك الموائل المرجانية الطبيعية، وهي خسائر اقتصادية كبيرة لها تداعيات أخرى يحذّر منها العلماء، مثل التغير في أحوال الطقس، ودورات الكتل الهوائية، والتسبب في ذوبان الجليد، وارتفاع منسوب البحار، ما يهدد مدنًا ساحلية بأكملها.
ومن آثار ذلك الاحتباس الحراري الضغط والتأثير على الإنتاج الزراعي ودوراته، وقدرة المحاصيل على تحمل موجات الحرارة المفاجئة، وقد شهدنا ذلك في العام 2022، حين ضربت الهند -التي تشكل ثاني أكبر مصدر للقمح- موجة حارة عنيفة في أبريل/ نيسان، سببت خسائر هائلة تقدر بملايين الأطنان، ما دفع الحكومة الهندية إلى اتخاذ قرار وقف تصدير القمح، وقد جاء ذلك في وقت كانت الحرب فيه لا تزال قائمة بين روسيا وأوكرانيا، التي تعد المصدر الأول للقمح، والتي كانت بدورها بسبب الحرب قد أوقفت تصديره؛ بسبب الخسائر وهروب المزارعين من مناطق القتال والنزاع المسلح.
تلك أمثلة بسيطة فقط عن حجم التغيرات الهائلة التي سببها -ولا يزال يسببها- النشاط البشري المتطرف سلمًا وحربًا في بيئة كوكب الأرض، والتي بدأنا بالفعل نحصد مرارة آثارها، ونشهد بأنفسنا تلك الصدمة الإيكولوجية -أو الصدمات إن أردنا الدقة- التي لن تنتهي قريبًا بأي حال إذا لم نتحرك، لا أقول لوقف تلك الآثار، فقد فات الأوان لوقفها خاصة مع تلك النزعة الرأسمالية المتوحشة، التي لا تريد أن توقف أرباحها المتضاعفة من نزيف الكوكب، لكن نتحرك على الأقل لتخفيف آثارها، وبحث سبل التكيف معها، بأقل الخسائر على حياتنا وحياة الأجيال القادمة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سخونة مياه البحر المتوسط تنذر بأحداث مناخية متطرفة
سخونة مياه البحر المتوسط تنذر بأحداث مناخية متطرفة

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

سخونة مياه البحر المتوسط تنذر بأحداث مناخية متطرفة

تشهد منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​درجات حرارة سطح بحر قياسية و"شاذة" مما أدى إلى ارتفاع كبير في سخونة المياه. وتم رصد أشد ارتفاع بدرجات الحرارة في حوض البحر الأبيض المتوسط ​​الغربي، مما ينذر بحسب الخبراء بحدوث أعاصير وفيضانات خصوصا فصل الخريف. ويوصف البحر المتوسط بـ"النقطة الساخنة" للتغير المناخي. فهو مساحة جغرافية شبه مغلقة تقريبا، تُرصد فيها آثار التغير المناخي التي تنعكس أيضا على درجة حرارة البحر في الوقت الحالي، ويُعدّ الخلل في درجة حرارة البحر المتوسط إيجابيا، أي أن الحرارة مرتفعة جدا مقارنة بالمعتاد. ويرى الباحثون أن ما يثير القلق بشأن ارتفاع درجات حرارة مياه البحر القياسية هو احتمالية تأثيرها على الأحوال الجوية القاسية والفيضانات خلال أواخر الصيف وأشهر الخريف، فالرطوبة العالية تؤدي إلى ارتفاع نقاط الندى، وبالتالي زيادة طاقة الحمل الحراري التي تُغذي العواصف الرعدية في الأسابيع والأشهر المقبلة. وتُعد موجة الحر المستمرة في البحر المتوسط أحد أهم سياقات "الشذوذ" البحرية المُلاحظة عالميا هذا العام. وهي موجة حر بحرية استثنائية أخرى، بعد ارتفاع ملحوظ في درجات حرارة البحار في السنوات الأخيرة. وغالبا ما تتفاقم موجات الحر البحرية بفعل الظروف الجوية (انعدام ضغط الرياح تحت ضغط مرتفع مع غطاء سحابي محدود). ويُظهر السجلات أن مواسم الصيف التي تُعزز هذه الأحداث قد يكون لها تأثير بالغ الأهمية، وخاصة على النظم البيئية للمياه الضحلة. وتتطور غالبا موجات الحر البحرية مع نشوء أنماط واسعة النطاق، مما يؤدي إلى موجات حر طويلة ومتواصلة بشكل غير معتاد، وبدرجات حرارة أعلى بكثير من المعدل الطبيعي. وتحدث هذه الموجات عادة تحت القبة الحرارية. وعندما يكون البحر أكثر سخونة تحصل عمليات تبخّر أكثر، ومن المحتمل تاليا أن نشهد المزيد من المياه في الغلاف الجوي، واحتمال هطول الأمطار سيكون أكبر لأنّ الغلاف الجوي سيكون محمّلا بالمزيد من الرطوبة. وقد بلغت درجات الحرارة غرب ووسط البحر المتوسط ​​مستويات قياسية في هذا الوقت من العام. وكان يونيو/حزيران الماضي أكثر دفئًا بشكل ملحوظ من المتوسط، وأعلى بكثير من المتوسط ​​طويل الأمد منذ الشتاء الماضي. وتُعتبر "المتوسط" ​​الأكثر تقلبا في الأجزاء الوسطى والغربية من المنطقة، وتحديدا الأجزاء الغربية، حيث ارتفعت درجات الحرارة عن المعتاد بمقدار 5 إلى 6 درجات مئوية. وهذا جعل يونيو/حزيران يُسجل أرقاما تاريخية قياسية. ويشهد جزء صغير فقط من بحر إيجه "شذوذا" حراريا سلبيا، أي أن درجات حرارة سطح البحر أقل بقليل من المتوسط، أما بقية البحر المتوسط فحرارته مرتفعة للغاية. أحداث مناخية مقلقة وتشير التقديرات إلى أنه مع نهاية يونيو/حزيران 2025، يتجاوز متوسط ​​درجة حرارة سطح البحر المتوسط ​​اليومي المتوسطَ التاريخي بـ3 درجات مئوية تقريبا، مما يجعله الأكثر دفئًا على الإطلاق. وبلغ المتوسط ​​طويل الأمد حوالي 23 درجة مئوية بهذا الوقت من العام، بينما سيصل في عموم عام 2025 إلى ما يقارب 26 درجة مئوية. ويشير التحليل الأخير لظاهرة "شذوذ" درجات حرارة سطح البحر في جميع أنحاء أوروبا إلى أن معظم البحار المحيطة بالقارة أعلى بكثير من المتوسط، وخاصة عبر البحر المتوسط. وهذه إشارة مثيرة للقلق إلى أن هذه المياه "الشاذة" إلى حد كبير قد تؤدي إلى أحداث مناخية كبرى في الأشهر المقبلة. ويدعو الخبراء إلى ضرورة مراقبة عن كثب للبحر المتوسط شديد الحرارة خلال أشهر الصيف، إذ تلعب البحار الدافئة دورا أساسيا في هطول الأمطار الخريفية. وكلما ارتفعت درجة حرارة المياه، زادت احتمالية هطول أمطار غزيرة و"متطرفة". وقد تؤدي درجات حرارة البحر المرتفعة للغاية إلى هطول أمطار غزيرة أكثر من المعتاد خريفا. وهذا يفسر شدة الظواهر الجوية المنفردة وكميات الأمطار الكبيرة اللازمة لدعم فيضانات كبرى بالدول المطلة على المتوسط ​​(مثل إيطاليا وسلوفينيا وكرواتيا وفرنسا وإسبانيا). وكانت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي قد أشارت إلى أنه "منذ ثمانينيات القرن الـ20، حدث تغيير جذري في النظم البيئية البحرية في البحر المتوسط، مع انخفاض التنوع الحيوي وتكاثر الأنواع الغازية. وأثناء موجات الحر البحرية بين عامي 2015 و2019 في البحر المتوسط، شهد نحو 50 نوعا -بينها الشعاب المرجانية وقنافذ البحر والرخويات وذوات الصدفتين ونبتة بوسيدون، وغيرها- نفوقا هائلا بين السطح وعلى عمق 45 مترا، بحسب دراسة نُشرت في يوليو/تموز 2022 بمجلة "غلوبال تشانغ بيولوجي".

هل يواجه طفلك صعوبات حادة في فهم الرياضيات؟ إليك الحل
هل يواجه طفلك صعوبات حادة في فهم الرياضيات؟ إليك الحل

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

هل يواجه طفلك صعوبات حادة في فهم الرياضيات؟ إليك الحل

رغم أن الرياضيات تُعد مادة أساسية في التعليم المدرسي، فإن تعلمها يشكل تحديا لملايين الأطفال حول العالم، وغالبا ما يؤدي ذلك إلى اتهامهم بالكسل أو قلة الذكاء. ويتساءل الكثير من الأطفال أمام آبائهم: لماذا نقضي شهورا في تعلم القسمة المطولة بينما يمكننا استخدام الآلة الحاسبة لحل المسائل المعقدة؟ هذا السؤال، الذي يبدو بسيطا، تتناوله العديد من الدراسات التي تبحث في تأثير تعلم الرياضيات على نمو الدماغ ووظائفه. الرياضيات تساعد على نمو دماغك تشير أبحاث علم الأعصاب إلى أن بنية الدماغ ليست ثابتة، ولكنها تتغير باستمرار مع التعلم، في خاصية تعرف بالمرونة العصبية "Neuroplasticity" حيث تعاد برمجة الشبكات العصبية عبر إنشاء روابط جديدة بين الخلايا العصبية أو تقوية الروابط الموجودة عندما نتعلم شيئا جديدا، وهو ما يعني أن حل تمارين الرياضيات لا يحسن من أداء طفلك الدراسي فقط، لكنه يعيد تشكيل دماغه ويسهم في نموه. وهو ما دعمته دراسة أخرى لجامعة أكسفورد أظهرت أن الطلاب الذين توقفوا عن دراسة الرياضيات عند سن الـ16 أظهروا مستويات أقل من حمض "جاما أمينوبيوتيريك"، وهي مادة كيميائية في الدماغ تعتبر ضرورية لنمو الدماغ وتلعب دورا في التعلم والذاكرة، ما قد يؤثر على نموهم المعرفي لاحقا. كما أظهر بحث آخر أجري في كلية الطب بجامعة ستانفورد أن ممارسة الرياضيات تنشط الحصين وهو الجزء المسؤول عن نقل المعلومات من الذاكرة القصيرة الأمد إلى الطويلة الأمد. وأظهرت الدراسة أن الأطفال الذين تعلموا الحساب الذهني أو تمكنوا من حفظ الحقائق الرياضية البسيطة بدلا من الاعتماد على العد بالأصابع تكون لديهم مساحة أكبر في أدمغتهم لتعلم مفاهيم جديدة، ويميلون للتعلم بشكل أسرع. الطلاقة الحسابية كثيرًا ما شغل هذا السؤال المعلمين والآباء: ما أفضل طريقة لتعليم الأطفال الرياضيات؟ هل يجب التركيز على حفظ جدول الضرب وسرعة الحل؟ أم على الفهم العميق للمفاهيم؟ في تقرير حديث نُشر في مجلة "العلوم النفسية" بعنوان "ماذا يعلمنا علم التعلم عن الطلاقة الحسابية؟"، اقترح الباحثون نهجًا يقوم على 3 مراحل لتطوير الطلاقة الحسابية لدى الأطفال، تبدأ بالفهم، تليها الممارسة المحددة بزمن، ثم التفكير والنقاش. هذا النموذج لا يلغي الحفظ، بل يدمجه في إطار أوسع يعزز الفهم ويعمّق المهارات الحسابية. وقد أكدت الدراسة أهمية اتباع هذه الخطوات في التعليم المبكر للرياضيات، لضمان بناء أساس متين يوازن بين سرعة الأداء وجودته من جهة، وبين القدرة على التفكير الرياضي السليم من جهة أخرى: مراقبة تقدم الطفل وتحديد ثغرات الفهم عند الطفل منح الطفل إستراتيجيات تساعده مثل استخدام الرقم 10 كنقطة مرجعية للحسابات الذهنية استرجاع الحقائق وحفظها مثل جدول الضرب عند التأكد من إتقان الطفل لهذه الحقائق ابدأ في تعويده على حل التمارين المحددة بوقت لتشجيعه على ممارسة إستراتيجيات الاسترجاع السريع بدلا من العد البطيء. وأكدت هذه الدراسة على أن التعلم الفعال لا يفرض الاختيار بين السرعة والفهم ولكن يدمج بينهما بشكل تدريجي. كيف تفرق بين عسر الرياضيات والقلق منها؟ من الطبيعي أن يواجه الأطفال صعوبات مؤقتة أثناء تعلم مفاهيم رياضية جديدة، لكن استمرار هذه الصعوبات أو اقترانها بأعراض مثل التوتر أو الانسحاب الاجتماعي قد يشير إلى وجود اضطراب يتطلب تدخلا متخصصا. واحدة من هذه الحالات تُعرف باسم عسر الحساب (Dyscalculia)، وهو اضطراب معرفي يصيب نحو 5% إلى 10% من الأفراد، ويشبه إلى حد كبير عسر القراءة، لكنه لا يحظى بالشهرة نفسها. يعاني المصابون به من صعوبات في فهم المفاهيم العددية الأساسية، مثل الكميات، مما يؤثر على قدرتهم في أداء مهام حياتية بسيطة مثل الطهي أو التعامل مع المال. أعراض عسر الحساب صعوبة في فهم المفاهيم العددية مثل "أكبر من" و"أصغر من". عدم الربط بين الرقم المكتوب والكلمة المنطوقة التي تمثله (مثل 5 وخمسة). صعوبة في حفظ جداول الضرب. مشاكل في عد النقود أو تقدير الزمن والمسافة. ورغم أن السبب الدقيق لعسر الحساب لا يزال غير معروف، تشير الأبحاث إلى احتمال وجود عوامل وراثية، إلى جانب اختلافات في بنية الدماغ ووظائفه. وللأسف، قد يُساء فهم الأطفال المصابين بعسر الحساب، فيتهمهم الأهل أو المعلمون بالكسل أو قلة الذكاء. في حين أن التقييم النفسي والتربوي المتخصص يمكن أن يحدد بدقة طبيعة التحديات التي يواجهها الطفل، كما يساعد على اكتشاف نقاط قوته، مما يتيح تقديم الدعم الملائم له. قلق الرياضيات قلق الرياضيات هو شعور نفسي بالرهبة والتوتر عند التعامل مع الأرقام أو المسائل الحسابية، ويحدث لدى أشخاص لا يعانون من أي صعوبة معرفية. تؤدي مشاعر القلق هذه إلى إرباك الذاكرة العاملة، وهي المسؤولة عن الاحتفاظ بالمعلومات مؤقتا، مما يجعل الطفل ينسى الخطوات أو يفقد تسلسل الحل، ويشعر بالعجز، ثم يتجنب الرياضيات تماما، مما يفاقم المشكلة ويؤثر على أدائه في مواد أخرى مثل العلوم والتكنولوجيا. أعراض وأسباب قلق الرياضيات تتشابه أعراض قلق الرياضيات مع أعراض القلق العام، وتشمل: إعلان توتر عضلي. تسارع ضربات القلب. تعرّق اليدين. ومن أبرز الأسباب المحتملة: تجارب تعليمية سلبية. ضعف الدعم الأسري خاصة في أداء الواجبات. الصور النمطية مثل الاعتقاد بأن الأولاد أفضل من البنات في الرياضيات، مما يضعف ثقة الفتيات بأنفسهن. طرق العلاج والتخفيف يمكن لمختصي التربية أو الصحة النفسية استخدام العلاج المعرفي السلوكي لمساعدة الطفل على تعديل الأفكار السلبية المرتبطة بالرياضيات. كما تفيد تقنيات أخرى مثل: تمارين التنفس العميق. كتابة الأفكار والمشاعر. تعليم الرياضيات في بيئة آمنة ومنخفضة الضغط من خلال الألعاب أو التطبيقات التفاعلية. نصائح لتعزيز تعلم الطفل للرياضيات تنمية مهارات الحساب الذهني وتقليل الاعتماد على الآلة الحاسبة. استخدام الرياضيات في مواقف الحياة اليومية مثل الطهي أو التسوق. إدخال الألغاز والألعاب الذهنية في الروتين التعليمي. مساعدة الطفل على حفظ الحقائق الأساسية مثل جداول الضرب واختصارات العمليات. تخصيص وقت يومي للمراجعة في جو من الدعم والهدوء. دمج الرياضيات في الأنشطة العملية مثل الأشغال اليدوية.

الطين قد يكون حلا بسيطا لامتصاص ثاني أكسيد الكربون
الطين قد يكون حلا بسيطا لامتصاص ثاني أكسيد الكربون

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

الطين قد يكون حلا بسيطا لامتصاص ثاني أكسيد الكربون

في عالم يبحث عن حلول فعّالة من حيث التكلفة وقابلة للتطوير لأزمة المناخ، اكتشف باحثون أن جزيئات الطين الصغيرة تلعب دورا كبيرا للغاية في امتصاص ثاني أكسيد الكربون الذي يعد ملوثا رئيسيا للغلاف الجوي. وأظهرت دراسة صادرة عن جامعة بيردو الأميركية أن الطين الذي يعد أحد أكثر المواد النانوية شيوعا على الأرض، قد يلعب دورا مفاجئا في خفض انبعاثات الكربون. ووجد الباحثون طريقة لاستخدام هذه المادة البسيطة والوفيرة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون (CO₂) مباشرة من الهواء. ودرس فريق جامعة بيردو المعادن الطينية بالتعاون مع فريق مختبرات ساندي الأميركية منذ أكثر من 30 عاما، واكتشفوا تفاصيل مهمة حول سلوك هذه الجسيمات الدقيقة. ويقول كليف جونستون، الباحث الرئيسي والأستاذ في كلية العلوم بجامعة بيردو: "تتميز المعادن الطينية بمساحة سطحية عالية جدا. فملعقة كبيرة من الطين تعادل تقريبا مساحة ملعب كرة قدم أميركية". ويشير جونستون إلى أن معظم هذه المساحة السطحية توجد في المسام الداخلية للطين التي تحتوي على مناطق قطبية وغير قطبية. وبينما تفضل جزيئات مثل ثاني أكسيد الكربون المناطق غير القطبية، يفضل بخار الماء المناطق القطبية، وباختيار أنواع معينة من الطين وتعديل بنيتها الأيونية، أمكن تحسين المواد القادرة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون. تركز الدراسة على مجموعة من المعادن الطينية تُسمى السمكتيت (Smectite) وهي من أكثر المواد النانوية شيوعا في الطبيعة، وتسمح مساحتها السطحية الشاسعة ويرشحها حجمها الصغير بشكل مثالي للتطبيقات البيئية، وخاصة لالتقاط غازات مثل ثاني أكسيد الكربون. وتتميز هذه المجموعة بقدرتها على امتصاص كميات كبيرة من الماء وتغيير حجمها بشكل كبير. وتُستخدم معادن السمكتيت في العديد من التطبيقات الصناعية والزراعية والطبية، مثل تنقية المياه، وتعديل التربة، وصناعة مستحضرات التجميل. وفي بحث سابق، درس الفريق كيفية امتصاص الطين للملوثات السامة من الماء. وأشار جونستون إلى أن "عملنا السابق ركز على امتصاص الملوثات العضوية السامة من معادن الطين من المحاليل المائية". ووجدت الدراسة أن أنواعا معينة من "السمكتيت" لها أسطح طاردة للماء ويمكنها امتصاص مستويات كبيرة من الملوثات، مثل الديوكسينات، وهي أحد أكثر المركبات العضوية السامة المعروفة. وتنتج الديوكسينات غالبا عن الاحتراق والأنشطة الصناعية، وهي ملوثات ضارة، وقد منح نجاح المواد الطينية في التقاط هذه السموم الباحثين الثقة لتطبيق أساليب مماثلة لامتصاص غازات مثل ثاني أكسيد الكربون. وركزت معظم جهود احتجاز ثاني أكسيد الكربون سابقا على مواد عالية التقنية مثل "الزيوليت"، وهي مجموعة من المعادن البلورية المائية التي تتكون أساسا من السيليكات والألومينات. كما ركز الباحثون على الأطر المعدنية العضوية، والمواد الماصة الصلبة، وأُغفِلت غالبا المعادن الطينية، لكن هذه الدراسة الجديدة غيّرت هذا المنظور. واعتمد فريق البحث على نوع محدد من "السمكتيت" يُسمى "السابونيت"، وهو معدن طيني ذو تركيبة كيميائية معقدة تشمل الكالسيوم والمغنيسيوم والحديد والسيليكون والألومنيوم والهيدروكسيد والماء. واستكشفوا كيفية تعامل "السابونيت" مع ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، اللذين يتنافسان على المساحة في مسام الطين الدقيقة. وبدلا من تسخين الطين لتعزيز قدرته على الامتصاص، اتخذ الباحثون مسارا مختلفا، إذ درسوا تأثير الرطوبة، ووجدوا أن السابونيت ينجذب بشدة لثاني أكسيد الكربون عند انخفاض الرطوبة. وتعد هذه المرة الأولى التي يُظهر فيها الباحثون كيف يمكن لمعادن الطين أن تمتص كلا من ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء في ظروف قريبة مما نختبره في الحياة اليومية، من حيث تركيزات ثاني أكسيد الكربون المحيطة ودرجة حرارة الغرفة. ويرى الباحثون أن نتائج هذا الاكتشاف واعدة. فمع وفرة الطين وانخفاض سعره، قد يوفر طريقة قابلة للتطوير لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من الهواء. كما يمكن للناس استخدامه لخفض الانبعاثات من المصانع أو تخزين ثاني أكسيد الكربون تحت الأرض، ويمكن كذلك إبقاؤه خارج الغلاف الجوي على المدى الطويل. وقد يُوسّع هذا البحث نطاق المواد الماصة لمعالجة إحدى أكثر مشاكل كوكب الأرض تحديا، وقد يكون الطين موردا غير مكلف ووفيرا لامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء، وأداة فعّالة في مواجهة تغير المناخ.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store