
يديعوت أحرونوت: إسرائيل تقودها حكومة مجنونة ويجب إسقاطها فورا
وشدّد المحلل العسكري على أن المشكلة لا تتعلق بنتنياهو فقط، بل بكل أعضاء الحكومة "المصابين بتشويه في الفكر وكسوف في المنطق". وأكد أن القيادة السياسية، رغم تحقيق أغلب أهدافها العسكرية في قطاع غزة ، بحسب قوله، ترفض الاعتراف بالنصر وتسعى إلى معارك إضافية لا جدوى منها.
وأضاف المحلل العسكري "أنا فقط خائف منهم" في تأكيد على حالة القلق التي يشعر بها من نهج الحكومة الحالية، معتبرا أن الاستمرار في الحرب على هذا النحو "لا يخدم سوى الأوهام".
واتهم بن يشاي الحكومة بالانشغال بـ"محاولة انقلاب قضائي" بدلا من التركيز على الملفات الأمنية، مما "زاد الانقسام وخلق أجواء من الكراهية". وقال إن "الحكومة العاقلة لا تشجع على انقلاب قضائي في خضم حرب على 7 ساحات".
وأبرز بن يشاي ما سماها "المفارقة الكبرى"، إذ تروّج الحكومة لقانون يعفي نحو 80 ألف شاب من الحريديم من الخدمة العسكرية، بل تحفّزهم على عدم الانخراط فيها عبر منحهم مزايا اجتماعية واقتصادية، في وقت "يتوسل فيه الجيش الإسرائيلي إلى ضم 10 آلاف جندي إضافي للحفاظ على الإنجازات الأمنية ومنع التدهور إلى حرب جديدة خلال فترة قصيرة".
وقال إن حكومة عاقلة "ما كانت لتفكر أصلا في تمرير مثل هذا القانون الذي يمزق النسيج الاجتماعي، ويدمر ما سماها فكرة الدولة اليهودية والديمقراطية"، حيث عبّر ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي، في تصريحات مغلقة، عن "خشيتهم من فقدان الحافز لدى الجنود الذين يشعرون بالتمييز والغبن".
"المدينة الإنسانية"
وخصص المحلل العسكري جزءا كبيرا من مقاله لنقد مشروع بناء ما يسمى "المدينة الإنسانية" التي يسعى نتنياهو -المطلوب للجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب بغزة- ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش إلى إقامتها في منطقة جنوب قطاع غزة بين محوري موراغ المستحدث وفيلادلفيا الذي يفصل قطاع غزة عن مصر ، وذلك من أجل إيواء مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين سيجبرون على النزوح من شمال القطاع وجنوبه.
ورغم أن بن يشاي حاول التسويق لادعاءات الاحتلال بأن هذه المدينة ليست معسكر اعتقال أو إبادة، فإنه مع ذلك انتقدها بشدة من زاوية أنها "ستتحول إلى مخيم ضخم للاجئين، ستضطر إسرائيل لإنفاق مليارات الدولارات على بنائه، بما يشمل بنى تحتية للمياه والكهرباء والصرف الصحي والمستشفيات التي تحتاجها أعداد هائلة من الفلسطينيين قد تصل إلى مليون شخص في نهاية المطاف".
وتساءل قائلا: "بعد كل الوقت والموارد التي سيجري استثمارها في بناء مخيمات اللاجئين هذه، ليس من الواضح ما الغرض العسكري منها، وما المصلحة الإسرائيلية التي ستخدمها هذه المدينة الإنسانية".
وأضاف المحلل أن الحكومة تعتقد "أن حشر الفلسطينيين قرب الحدود مع مصر سيقرّب فكرة تهجيرهم خارج غزة. لكن هذا وهم كامل، لأن لا دولة غربية واحدة مستعدة لاستيعاب عشرات الآلاف أو مئات الآلاف من اللاجئين من غزة".
وقال إنه حتى لو أبدى نصف سكان غزة استعدادهم للهجرة، فهم لن يقبلوا سوى بالهجرة إلى دول غربية قد تتحسن فيها أوضاعهم، وليس إلى دول أفريقية أو آسيوية قد تزداد فيها أوضاعهم سوءا.
كما رفض فكرة أن إقامة مدينة مغلقة في جنوب القطاع ستؤدي إلى فصل السكان عن حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ووصفها بأنها "منفصلة تماما عن الواقع".
واستشهد المحلل بتجارب سابقة قائلا: "كما حدث في المنطقة الإنسانية في المواصي بخان يونس ومناطق أخرى من غزة، سينتقل أعضاء حماس العزل مع عائلاتهم إلى المدينة الإنسانية، وسيخوضون معارك شوارع مع العشائر المتمردة عليهم، التي ستأتي أيضا إلى المدينة لتلقي المساعدات الغذائية"، على حد زعمه.
كما أشار إلى أن ما يسمى "المصارف الأمنية" التي يسعى الشاباك إلى إنشائها لتصفية عناصر حركتي حماس والجهاد بين اللاجئين أثبتت عدم فعاليتها سابقا، قائلا: "عندما فرّ سكان شمال القطاع إلى المواصي، كان بينهم عناصر من حماس، وحين أتيح لهم لاحقا العودة، عادوا سريعا إلى مواقعهم".
وهم خطير
ورأى بن يشاي أن سبب إصرار نتنياهو على الاستمرار في الحرب هو أنه لا يريد الاعتراف بأن إسرائيل حققت بالفعل نصرها العسكري تقريبا، على حد زعمه، بل يسعى لتحقيق نصر كاسح يتمثل في القضاء التام على حماس، وهو ما وصفه المحلل بأنه "وهم خطير".
واعتبر أن نتنياهو "لا يرغب في الاعتراف بأن إسرائيل فازت في هذه الحرب في جميع الساحات تقريبا، باستثناء اليمن"، على حد زعمه، وقال إنه "حتى في غزة، لم يتبقَّ سوى القليل جدا يمكن انتزاعه من حماس عبر عمليات الجيش"، محذرا من أن "التكلفة والفائدة المترتبة على تحقيق نصر عسكري كامل قد تجعل من مثل هذا النصر نصرا باهظا جدا، وقال بتهكم "انتصار آخر مثل هذا ونحن نضيع".
وأكد أن "كل حرب يجب أن تكون المحطة الأخيرة سياسية"، سواء في غزة أو لبنان أو سوريا أو إيران"وإن كان سيستغرق الأمر وقتا أطول هناك".
ودعا إلى "إعادة جميع الأسرى" كخطوة أولى، محذرا من أن بقاءهم بيد بحماس "سيجعل الجيش عاجزا عن إنهاء العمليات العسكرية بفاعلية"، مؤكدا أن إطلاق سراحهم وحده كفيل بإنهاء النقاش الداخلي المسموم الذي يمزق المجتمع الإسرائيلي ويزرع الكراهية فيه، حسب تعبيره.
السلطة الفلسطينية
كما طالب بن يشاي بإشراك السلطة الفلسطينية في ترتيبات "اليوم التالي" في غزة، مؤكدا أن على نتنياهو وسموتريتش أن يسمحا للسلطة الفلسطينية بأن تكون جزءا من اليوم التالي في قطاع غزة، وإلا فسيتعين عليهم "الاختيار بين تحول غزة إلى صومال آخر أو حكومة عسكرية إسرائيلية تتطلب منا موارد وقوة عقلية لا نملكها".
وشدّد على أن إسرائيل يجب أن تتمسك بمبدأين: أولهما "أن تكون هي المسؤولة الوحيدة عن أمنها وأمن مواطنيها"، والآخر أن "يتمكن الجيش الإسرائيلي من الحفاظ على وجود (دفاعي) أمامي في القطاع".
وختم مقاله قائلا "ليس أمامنا خيار، سنزيل حكومة خبيثة من الأرض وننهي مسيرة الحماقة، قبل أن تلحق هذه الحكومة أضرارا أكثر خطورة وبما لا رجعة فيها بأمننا ونسيجنا الاجتماعي".
ودعا المحلل إلى تحرك جماهيري واسع، مشددا "إذا لم تتوصل هذه الحكومة إلى مسار عقلاني يخدمنا نحن المواطنين في غضون أسابيع قليلة، فلن يكون هناك خيار سوى الانضمام إلى الجهود الرامية إلى إسقاطها من خلال إضراب عام بلا موعد انتهاء ونزول جماهيري إلى الشوارع".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
خبير إسرائيلي: انتقام خامنئي يقترب ومخاوف من عودة الحرب مع إسرائيل
قال تقرير نشرته صحيفة يسرائيل هيوم إن انتقام المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي يقترب، وحذر من سوء تقدير قد ترتكبه القيادة الإيرانية ويعيد إشعال فتيل الحرب مع إسرائيل من جديد. وأوضح التقرير أن هناك جدلا يدور في أوساط إيران السياسية والأمنية بشأن تنفيذ ضربة استباقية مفاجئة ضد إسرائيل، خاصة بعد تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمنع إيران من تطوير برامجها النووية والصاروخية. وأكد التقرير بقلم يوسي منشوروف الخبير في شؤون إيران بمعهد مسغاف للأمن القومي والإستراتيجية الصهيونية في القدس أن إيران وإسرائيل دخلتا مرحلة جديدة من المواجهة الإستراتيجية، وأن إسرائيل عازمة على منع إيران من الحصول على سلاح نووي، في حين تسعى طهران إلى الانتقام جراء خسائرها في حرب الـ12 يوما. تصعيد محتمل واستند التقرير إلى ما كشفته صحيفة "وطن إمروز" الإيرانية أول أمس الأحد عن نقاشات مكثفة بين قادة سياسيين وأمنيين إيرانيين بشأن تنفيذ ضربة استباقية ردا على تهديدات إسرائيل المتكررة. ووفق التقرير، حذرت الصحيفة -التي وصفها التقرير بأنها متحفظة وراديكالية- من أن إسرائيل تعد لهجوم جديد، ودعت الحكومة إلى توجيه ضربة استباقية "قبل ساعات أو حتى ساعة واحدة فقط" من بدء الهجوم الإسرائيلي "الصهيوني"، حسب التقرير. ودعت "وطن إمروز" -وفق ما نقله التقرير- إلى تهيئة الرأي العام الإيراني لتقبّل مثل هذا الهجوم، مؤكدة على أنه خطوة ضرورية لإنهاء دوامة الحروب المتكررة وفرض ردع طويل الأمد ضد إسرائيل. وذكر التقرير أن إيران لم توافق رسميا على وقف إطلاق النار ، وإنما علّقت هجماتها فقط شرط توقف الهجمات الإسرائيلية، مما يرفع مخاطر سوء التقدير والتصعيد المفاجئ. مؤشرات وفي هذا الصدد، لفت التقرير إلى أن مهدي محمدي المستشار الإستراتيجي لرئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف والمفاوض النووي السابق نشر صورة على إنستغرام تُظهر هجوما نوويا على إسرائيل، ومع أنه حذفها لاحقا بعد جدل واسع مدعيا أن النشر تم دون علمه فإنه أعرب عن دعمه امتلاك إيران السلاح النووي كوسيلة للردع. وأضاف تقرير "يسرائيل هيوم" أن التهديدات الأوروبية بإعادة تفعيل آلية العقوبات الدولية في أكتوبر/تشرين الأول تزيد توتر الوضع في إيران، حيث صرح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأن ذلك يعادل هجوما عسكريا على بلاده. وأشار إلى أن التحدي الأكبر لإسرائيل في المرحلة المقبلة هو الجمع بين المراقبة الاستخباراتية الدقيقة والتنسيق الإستراتيجي مع الولايات المتحدة لمنع إيران من تطوير السلاح النووي ، وتجنب أي تحرك خاطئ يعيد إشعال الحرب. وخلص إلى أن إسرائيل تحتاج إلى تقييم دقيق للأضرار التي لحقت ببرنامج إيران النووي، من أجل تحديد الخطوات المقبلة في مواجهة هذا التهديد المتصاعد.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
يديعوت أحرونوت: نتنياهو أعطى مرونة أكبر لفريق التفاوض
نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصادر مطلعة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- أعطى الفريق المفاوض في الدوحة مرونة أكبر وخيارات أوسع لاتخاذ القرار في المحادثات الجارية للتوصل إلى اتفاق مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس). ويأتي هذا التطور، بالتزامن مع اجتماع مرتقب للمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية في إسرائيل، سيتم خلاله إطلاع الوزراء على آخر التطورات المتعلقة بالمفاوضات الجارية في العاصمة القطرية الدوحة لإنجاز اتفاق إطار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. وقد أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى احتمال إحراز تقدم بشأن الخرائط التي ستحدد خطوط انسحاب الجيش الإسرائيلي في إطار الاتفاق. كما سيناقش المجلس مسألة إقامة ما يسمى بالمدينة الإنسانية في جنوب قطاع غزة. وكان نتنياهو، قد أمر رئيس أركان الجيش إيال زامير ، بإعداد خطة بديلة للخطة التي عرضها في آخر اجتماع، على أن تكون عملية وقابلة للتطبيق في غضون وقت قصير. هذا، ونقلت وكالة رويترز عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن خطة إقامة ما تعرف بمدينة إنسانية في جنوبي غزة، أصبحت تثير خلافات بين القيادتين السياسية والأمنية. وقال المسؤولون إن نتنياهو رفض الخطة التي كان قد طلبها سابقا من الجيش لإقامة ما يوصف بمدينة إنسانية، وأمر بإعداد ما سماه بديلا أرخص وأسرع. كما نقلت رويترز عن مصدر عسكري إسرائيلي أن الخطة معقدة وتتطلب ترتيبات لوجيستية دقيقة للبنية التحتية مثل الصرف الصحي والنظافة والخدمات الطبية وإمدادات المياه والغذاء. إعلان خطط للبقاء من ناحية أخرى، نقل موقع "واللا" الإسرائيلي عن مصادر أن جيش الاحتلال ينفذ عملية هندسية تهدف لتعزيز وجوده بتوسيع قواعد في المنطقة العازلة وبناء محاور. وقالت مصادر الموقع إن الجيش الإسرائيلي يصمم الميدان بطريقة تمكنه من فرض سيطرة أفضل خلال وقف إطلاق النار وما بعده. وأضافت أن أنشطة الجيش الهندسية تبعث رسالة واضحة بأنه يستعد للبقاء طويلا.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
لماذا تفشل إيران في تفكيك شبكات الموساد؟
في شهر يونيو/حزيران 2025، استفاقت طهران على صدمة اغتيال صفوة قادتها العسكريين، بمَن فيهم رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة اللواء محمد باقري، وقائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي ، فضلا عن مقتل قائد القوات الجو فضائية بالحرس الثوري اللواء أمير حاجي زاده رفقة هيئة أركانه، وذلك في الساعات الأولى للهجوم الإسرائيلي. وأعقب تلك الهجمات ببضعة أيام تصفية قائد استخبارات الحرس الثوري العميد محمد كاظمي وعدد من مساعديه. بمرور الوقت تتكشف تفاصيل إضافية لما حدث خلال الحرب، حيث كشفت وكالة أنباء "فارس" الرسمية، في 13 يوليو/تموز الجاري، عن أن إسرائيل استهدفت في اليوم الرابع للحرب اجتماعا رفيع المستوى للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، حضره رؤساء السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، حيث هوجمت مداخل ومخارج قاعة الاجتماع في الطابق السفلي لمبنى محصن غرب طهران بقنابل ثقيلة بهدف شل حركة الخروج وقطع تدفق الهواء، على غرار ما رشح من معلومات في عملية اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله. تمكّن المجتمعون من النجاة عبر فتحة طوارئ، لكنّ عددا منهم، وبينهم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أُصيبوا بجروح طفيفة. وتُجري السلطات تحقيقا في احتمال وجود اختراق بشري مباشر مَكّن تل أبيب من معرفة توقيت الاجتماع وموقعه. عكَسَ هذا التطور لحظة انكشاف إضافية لأعلى مستوى في منظومة القرار السيادي الإيراني. فلم تكن الضربات مجرد تصعيد عسكري في الحرب التي اندلعت فجأة، بل كانت إعلانا فجًّا عن نصر استخباراتي إسرائيلي بُنِي على مدى عقدين من التغلغل والاختراق، وأصبح السؤال الرئيسي عن حجم الشبكات الاستخبارية التي مَكّنت إسرائيل من تنفيذ تلك العمليات النوعية في قلب طهران. الملمح الأساسي في تلك الضربات هو طبيعة أهدافها ودقة تنفيذها وتنوّع أدواتها، فبعضها تم بطائرات مسيّرة، والبعض الآخر بعبوات ناسفة داخل مركبات، وبعضها بفرق اغتيال فضلا عن القصف الجوي. هذا التنوع في أساليب التنفيذ كشف وجود طبقات متعددة من العملاء داخل المؤسسات الإيرانية ذاتها، وجعل من الصعب التنبؤ بنمط الضربات أو منع تكرارها. وتشير المعطيات الميدانية إلى أن الموساد لم يعتمد فقط على التكنولوجيا، بل على شبكات بشرية مزروعة في محيط القيادات، وفي دوائر لوجستية سهّلت مراقبة التحركات وتوفير معلومات حساسة عن الاجتماعات والمواكب والسيارات المستخدمة وحتى المنازل ومقرات القيادة الآمنة والبديلة. التراكم الاستخباراتي الإسرائيلي ما جرى في يونيو/حزيران 2025 لم يكن سوى تتويج لمسار طويل من حرب الظل. فمنذ أكثر من عقد، كثّف جهاز الموساد من أنشطته داخل إيران، مستهدِفا العلماء النوويين، ومنشآت التخصيب، وكوادر في الحرس الثوري. ونفّذ عمليات اغتيال لعلماء نوويين مثل مسعود محمدي وداريوش رضائي ومصطفى روشن مطلع العقد الماضي، ثم سرق نصف طن من وثائق الأرشيف النووي عام 2018، واغتال العالِم البارز محسن فخري زاده في 2020، ثم اغتال العقيد في فيلق القدس حسن صياد خدائي برصاص مسلحين قرب منزله في طهران عام 2022 بذريعة إشرافه على محاولات تنفيذ عمليات اختطاف واغتيالات لإسرائيليين في قبرص ودول أخرى، وأخيرا اغتيال قائد حركة حماس إسماعيل هنية في غرفته بمجمع تابع للحرس الثوري في طهران عام 2024. أشارت تلك الهجمات إلى مراكمة ممنهجة لقدرة إسرائيل على ضرب إيران من الداخل، وأن الموساد نقل الصراع من ميدان المواجهة العسكرية إلى شوارع طهران، وهو ما كان من المفترض أن يدفع إلى عملية مراجعة عميقة وإعادة هيكلة لأجهزة الأمن الإيرانية لتحديد الخروقات وعلاجها. وفي هذا السياق، يُذكّرنا جيمس أولسون، الرئيس السابق لقسم مكافحة التجسس في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ، بطبيعة هذا النوع من الصراعات الاستخبارية، حيث شدّد في كتابه "كيف تقبض على جاسوس؟" على أن أفضل أساليب مكافحة التجسس هي اختراق أجهزة الاستخبارات المُعادية، وتجنيد الضباط المسؤولين عن شبكات الاختراق، وهي مقاربة تؤكد أن الردع الاستخباري لا يُبنى على الدفاع وحده، بل على المبادرة الهجومية. تعدد الأجهزة وتشظي القرار الأمني تُعاني إيران من مأزق يتجلى في تعدد مؤسساتها الأمنية وتضارب صلاحياتها. فبدلا من وجود جهاز استخبارات مركزي موحد، تتوزع المهام بين وزارة الاستخبارات (إطلاعات) واستخبارات الحرس الثوري، إضافة إلى أجهزة استخبارات تابعة للشرطة، والقضاء، والباسيج، والجيش. ورغم أن وزارة الاستخبارات أُنشئت عام 1984 بهدف دمج الأجهزة الأمنية المتناحرة بعد الثورة، فضلا عن تخويلها "بالحصول على معلومات الاستخبارات الأجنبية ومعالجتها، وإجراء عمليات مكافحة التجسس لمنع المؤامرات الداخلية والخارجية ضد الثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية الإيرانية"، حسب ما ورد في قانون تأسيس الوزارة، فإنها فشلت في احتواء هذا التشظي. ومع صعود الحرس الثوري في العقدين الأخيرين، تحولت وزارة الاستخبارات التي يشترط قانون تأسيسها أن يكون الوزير شخصا حاصلا على درجة الاجتهاد الديني وفق المذهب الشيعي، إلى جهة بيروقراطية تخضع لإشراف السلطة التنفيذية، وتتقاسم النفوذ مع جهاز استخبارات الحرس الذي تأسس بعد احتجاجات 2009. وبينما يُفترض أن تتكامل المؤسستان، فإن العلاقة بينهما ظلت على الدوام مشوبة بالتنافس. لقد علَّق قائد الحرس الثوري السابق وأمين مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي على حادث التخريب في مفاعل نطنز واغتيال العالم النووي فخري زاده بالدعوة إلى تطهير مجتمع الاستخبارات، فيما ألقى وزير الاستخبارات السابق محمود علوي (2013-2021) باللوم على الحرس الثوري في اغتيال زاده لمسؤوليته عن أمن كبار المسؤولين والشخصيات البارزة، كما اتهم استخبارات الحرس الثوري بتعرضها للاختراق من طرف الموساد. فيما ألقى علي يونسي، وزير الاستخبارات الأسبق (1999-2005) في عهد خاتمي، باللوم في إخفاقات مكافحة التجسس على إنشاء منظمات موازية، والتنافس بين الأجهزة الأمنية، وتسييس الأمن عبر التركيز المفرط على المعارضين بدلا من حماية البلاد من التهديدات الخارجية. هذا التشظي الهيكلي حال دون بناء منظومة استخبارات مضادة متماسكة، وجعل الأمن الإيراني مشلولا، حيث تسعى كل جهة إلى توسيع نفوذها، حتى لو أدى ذلك إلى فوضى في توزيع المسؤوليات، وإلى ثغرات يستغلها الموساد بنجاح، مما سمح له بالتحرك في الفراغات الناتجة عن صراع النفوذ بين المؤسستين بحسب تحليلات عدد من المختصين الإيرانيين ولذا لم يكن غريبا أن تتكرّر عمليات تسلل العملاء أو أن يتنقل عناصر يُشتبه بتخابرهم بين المؤسسات دون كشفهم. أبرز مثال على ذلك هو علي رضا أكبري، نائب وزير الدفاع الذي أُعدم لاحقا عام 2023 بتهمة التجسس، بعدما شغل مناصب رفيعة رغم وجود إشارات أمنية تحذيرية، مما كشف أن مَن يجاهرون بولائهم الكامل للنظام أصبحوا هم الحلقة الأضعف أمنيا، كونهم أقل خضوعا للرقابة، وأقرب إلى مواقع النفوذ. إشكالية الاستمرارية الطويلة في القيادة الاستخباراتية: حالة حسين طائب يُظهر بقاء حسين طائب على رأس جهاز استخبارات الحرس الثوري منذ تأسيسه في عام 2009 حتى عام 2022 نموذجا لمشكلة أعمق في بنية القيادة الأمنية الإيرانية، وهي غياب التداول المؤسسي في المواقع الحساسة كما فعلى مدار أكثر من عقد، ارتبطت السياسات الاستخباراتية لطائب بمرحلة حساسة من التحديات الخارجية، لا سيما مع تصاعد أنشطة الموساد داخل إيران. ورغم أن الاستمرارية قد توفّر أحيانا نوعا من الثبات والاستقرار، فإن بقاء القادة في مواقعهم لفترات مطوّلة دون تجديد في المناهج يفتح الباب أمام تكرار الأنماط، ويُقلل من قدرة الجهاز الأمني على التكيف مع طبيعة التهديدات المتغيرة. كما أن طول بقاء المسؤول في منصبه يُنتج بالضرورة شبكات نفوذ داخل الجهاز نفسه، ما قد يُضعف الرقابة الداخلية والتقييم المهني لمجريات الأمور. هذا النمط من الجمود القيادي لا يُسهّل الاختراقات الخارجية فقط، بل يعوق أيضا التطوير التكنولوجي وتحديث العقيدة الأمنية، خاصة في مواجهة خصم يُراكم أدواته ويُجدد آلياته باستمرار كما هو حال الموساد. الرد الأمني الإيراني ردًّا على التصعيد الإسرائيلي داخل العمق الإيراني، أطلقت الأجهزة الأمنية حملة موسعة لتأمين الجبهة الداخلية بطريقة أقرب إلى إعلان الطوارئ الأمنية الشاملة. فنُشرت آلاف العناصر الأمنية في شوارع طهران والمدن الكبرى، وأُقيمت نقاط تفتيش دائمة في مداخل الأحياء والطرقات الرئيسية، وصودرت الأجهزة المحمولة من المواطنين بحثا عن إشارات اتصال مشبوهة أو محتوى سياسي، وأُعلن عن تفكيك شبكات متعاونة مع الموساد، وملاحقة الأنشطة الرقمية التي قد تُستغل لاختراق المنظومات الدفاعية، كما أُعدم 5 أشخاص على الأقل سبق إدانتهم بالتعاون مع الموساد. وضمن هذا السياق، أعلنت وزارة الاستخبارات واستخبارات الحرس الثوري ضبط نحو 10 آلاف طائرة مسيرة صغيرة في طهران وحدها، وضبط ورشة في أصفهان لتصنيع الطائرات بدون طيار والمتفجرات، واعتقال 18 شخصا إثر ضبط مصنع للطائرات المسيرة الهجومية والتجسسية في مدينة مشهد، وضبط ورشة سرية كبيرة في مدينة "ري" لتصنيع طائرات مسيرة صغيرة وقنابل موقوتة، واعتقال عملاء أطلقوا مسيرات صغيرة من الجبال الشمالية الغربية المُطلة على طهران، واعتقال 50 شخصا في سيستان وبلوشستان بتهم التجسس والإرهاب. وقد وثّق تقرير لموقع "هرانا" الحقوقي اعتقال أكثر من 1500 شخص خلال أسبوعين، بينهم مئات اتُّهموا بالإخلال بالأمن القومي أو دعم إسرائيل عبر منصات التواصل، وتنوّعت التهم بين "نشر محتوى مضلل"، و"إعادة نشر صور للهجمات"، و"التجسس"، و"توجيه طائرات مسيرة". كما شملت الحملة اعتقالات في أوساط المواطنين الإيرانيين اليهود والبهائيين، بدعوى التواصل مع جهات أجنبية، إضافة إلى مداهمات ومصادرة هواتف مهاجرين أفغان بزعم احتمال استغلالهم في جمع المعلومات. وقد أفادت وزارة الداخلية الإيرانية بعودة 772 ألف أفغاني إلى بلادهم خلال العام الجاري، وهو ما تصاعد إثر حملات ترحيل قسرية بحجة ضلوع بعض اللاجئين الأفغان في عمليات التجسس. تُقدَّم هذه الإجراءات باعتبارها جزءا من تحصين الأمن الداخلي في لحظة اشتباك استخباراتي عنيف، لكن هذه الحملات، على اتساعها، لم تُفضِ بعد إلى تفكيك الشبكات التي نفّذت الاغتيالات أو وفّرت معلومات دقيقة عن مواقع الاجتماعات القيادية، ما يثير شكوكا حول قدرتها الفعلية على معالجة منابع الاختراق لا أعراضه. وفي المجال التشريعي، حاول البرلمان الإيراني تمرير قانون يغلظ عقوبة "التعاون مع الدول المعادية"، ويصنفه ضمن تهم "الإفساد في الأرض" التي تصل عقوبتها إلى الإعدام. غير أن مجلس صيانة الدستور تحفّظ على المشروع، مشيرا إلى غموض مفاهيمه، وعدم تحديد الجهة التي تُعرّف "العدو". كما لجأت الحكومة إلى فرض قيود رقمية واسعة، فحجبت بعض التطبيقات الأجنبية، وقنَّنت سرعة الإنترنت، وراقبت شركات الاتصالات حركة الرسائل والمكالمات، بما في ذلك الرسائل النصية التقليدية. الخاتمة.. حلول محتملة كشفت المواجهات الأخيرة بين إيران وإسرائيل أن التحدي الذي تواجهه الأجهزة الإيرانية لا يقتصر على صدّ اختراق أمني هنا أو هناك، بل يتمثل في إعادة تعريف العقيدة الأمنية ذاتها، وتطوير أدواتها لتتلاءم مع طبيعة التهديد المتغير الذي يستخدم التكنولوجيا والشبكات البشرية والنفوذ الرقمي بوصفها وسائل رئيسية للتأثير والاختراق. فما حدث من عمليات اغتيال دقيقة، واستهداف لاجتماعات سيادية، يعكس وجود فجوة عميقة في آليات الكشف والردع، فجوة لا يُمكن معالجتها بإجراءات ظرفية أو بحملات أمنية داخلية موسعة فقط. فبينما نجحت الأجهزة في توقيف عدد من الأفراد المشتبه بتورطهم أو تعاونهم مع جهات أجنبية، بقيت الأسئلة قائمة حول هوية الفاعلين الحقيقيين ومسارات الاختراق النوعية. وفي المقابل، لا يُمكن إنكار أن طبيعة المواجهة غير متكافئة في كثير من أوجهها، فإسرائيل تحظى بدعم أجهزة الاستخبارات الغربية بشكل كبير، ولديها أحدث التقنيات، بينما طهران لا تحظى بدعم مثيل من دول أخرى، ورغم ذلك فالواقع يفرض عليها تطوير منظومتها الأمنية بعقلانية بعيدا عن منطق المعالجات الانفعالية. إن المرحلة المقبلة تضع إيران أمام استحقاق مزدوج: الحفاظ على الأمن والسيادة من جهة، وتعزيز ثقة المجتمع بمؤسساته من جهة أخرى. ولن يتحقق هذا التوازن إلا إذا استندت السياسات الأمنية إلى رؤية إستراتيجية طويلة المدى تُبنى على دراسة الأخطاء السابقة، والاعتماد على أصحاب الكفاءة، وتخصيص الموارد اللازمة لبناء منظومة مكافحة تجسس فعالة. في النهاية، لا تُقاس السيادة فقط بمدى السيطرة على الأرض، بل أيضا بقدرة الدولة على حماية نُخَبها ومواطنيها من الاختراق، وعلى التكيّف مع أنماط التهديد الجديدة، دون أن تُفرط في أمنها أو تُقوّض نسيجها الداخلي.