
حين يباع التضامن بألف يورو.. شهادة السكنى تكشف وجها مؤلما لمغاربة إسبانيا
في قلب المجتمع المغربي المهاجر بإسبانيا، تبرز تحديات معقدة تعكس أحيانا هشاشة العلاقات الداخلية، وتضع القيم المشتركة على المحك.
شهادة السكنى، تلك الوثيقة الإدارية البسيطة التي من المفترض أن تكون وسيلة لفتح أبواب الحقوق الأساسية للمهاجرين، تحولت في بعض الأوساط إلى سلعة تباع وتشترى بمبالغ قد تصل إلى 1000 يورو، في سلوك يصعب تبريره مهما كانت الظروف، هذا الواقع المؤلم الذي بدأ يتفشى في مدن الكبرى باسبانيا، خصوصا برشلونة ومدريد.
هذا ولطالما اعتبر المغاربة في المهجر، وخصوصا في إسبانيا، مثالا على الروح التضامن الجماعية، وعلى التآزر بين أفراد الجالية، خصوصا حين يتعلق الأمر بمساعدة حديثي الوصول أو من يمرون بظروف قانونية صعبة، وقد لعبت العديد من الجمعيات المغربية بالخارج دورا محوريا في هذا الجانب، مقدمة يد العون، ومكرسة ثقافة الوقوف مع الآخر، دون مقابل، غير أن الواقع الذي يطفو على السطح يضع هذه الصورة موضع تساؤل.
ما يجري اليوم لا يتعلق فقط بتحول أفراد من الجالية إلى سماسرة يتاجرون في حاجة الغير، بل يتعلق بتآكل منظومة أخلاقية وإنسانية، فبيع وثيقة سكنى لشخص لا يملك عقد إيجار، ولا مأوى ثابت، ولا حتى شبكة دعم، ليس مجرد صفقة عابرة، بل هو شكل من أشكال الإقصاء والإذلال، يعمق من هشاشة هذا الإنسان بدل انتشاله.
إن الحديث عن هذه الظاهرة لا يهدف إلى جلد الذات، بل إلى دق ناقوس الخطر، لأننا أمام مشهد يهدد وحدة الجالية المغربية بالخارج، ويضعف ثقة المهاجر في محيطه الطبيعي، مما يجعله عرضة للاستغلال، وربما للسقوط في براثن العزلة والتهميش. وإذا كانت السلطات المحلية الإسبانية تتحمل جزءا من المسؤولية بسبب تأخرها في تقديم حلول واضحة وعملية لتسهيل الاندماج وتسوية الوضعيات القانونية، فإن على أفراد الجالية أيضا مسؤولية أخلاقية ومجتمعية لا تقل أهمية.
الوعي بهذه الظواهر، والحديث عنها بجرأة، هو الخطوة الأولى نحو إعادة ترميم ما تآكل، ولا نحتاج إلى شعارات كبيرة، بل إلى ممارسات صغيرة تعيد لثقافة التعاون معناها الحقيق، و أن يمنح فرد شهادة سكنى لآخر مجانا، ليس تنازلا بل هو استثمار في مجتمع أكثر تماسكا، وأكثر احتراما للكرامة الإنسانية، فالقيمة لا تقاس بالمبلغ الذي يدفع، بل بالأثر الذي يترك في حياة إنسان.
الهجرة في جوهرها ليست مجرد انتقال جغرافي، بل انتقال جماعي لقيم وهوية ومسؤوليات، وكلما حافظنا على جذور التضامن، كلما ضمنا بقاء الجالية متماسكة، واقفة، ومؤثرة في محيطها.
وما يؤلم في هذا الواقع ليس فقط أن مغاربة يعانون في صمت وهم يطرقون كل الأبواب للحصول على شهادة سكنى تمكنهم من تسوية أوضاعهم القانونية والعيش بكرامة، بل أن بعض من يبيعون هذه الوثيقة هم من نفس الجالية، بل من نفس الدم، أحيانا يبيعونها لأقاربهم، لأصدقائهم، لآباء وأمهات في أمس الحاجة، بلا حياء ولا ضمير، لا يرون في هذا المستفيد إنسانا في أزمة، ولا رب أسرة نازحا بلا مأوى، بل يرونه فقط فرصة للربح، لأنه 'ضعيف' أو 'محتاج'، وكأن الضعف صار تهمة، والمساعدة صارت تجارة.
إنها لحظة مؤلمة حين يتحول المهاجر إلى عائق أمام مهاجرٍ آخر، لا نصيرا له، والأنكى حين تمتد هذه العقلية إلى من عاشوا التجربة ذاتها بالأمس القريب، ثم نسوا أو تناسوا، وقرروا أن يبيعوا معاناتهم السابقة على هيئة توقيع مقابل مال.
يقول الله تعالى:
'وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ'
– [سورة الشعراء، الآية 183]
كلمة موجهة لكل من يستغل حاجة
الناس: ما تبيعه اليوم بدم بارد، قد تبتلى به غدا، فالدنيا دول، وما تقدمه لأخيك سترى أثره، خيرا كان أو شرا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بلبريس
منذ 2 ساعات
- بلبريس
الكتاني وآخرون يطالبون الحكومات بفتح الجهاد في غزة
دعا عدد من الدعاة والعلماء المسلمين في تجمع عقد بتركيا الى فتح باب الجهاد أمام جماهير الأمة، لنجدة ودعم غزة التي تتعرض لحرب مدمرة على جميع الأصعدة ، مطالبين الحكومات الإسلامية بفتح باب الجهاد أمام جماهير الأمة . أوضح البيان أن هذا النداء جاء بعد خطاب أبي عبيدة الناطق الرسمي باسم كتائب القسام ، وبأن كلمته كانت 'صرخة حق وجرس إندار كان وقعه أشد على النفوس الأحرار من زخات الرصاص، لأنه فضح المتخادلين والقاعدين والساكتين ' وجاء في البيان على لسان الشيخ السلفي الحسن بن علي الكتاني، رئيس رابطة اتحاد علماء المغرب العربي وعضو الأمانة العامة للهيئة العالمية لأنصار النبي، وبجانبه عدد من العلماء من مختلف دول الأمة، مخاطباً الحكومات: 'إن كنتم لا تملكون القرار، فافتحوا المعابر لنغيث إخواننا الذين يموتون جوعًا وعطشًا.' كما ذكر هذا الأخير أن وكالة الأونروا تتوفر على مواد غذائية تكفي القطاع لثلاثة أشهر كاملة في مدينة العريش المصرية، معتبراً أن منعها عن الوصول جريمة أخلاقية وتاريخية. كما شددت هذه الهيئة على ضرورة وقوف الحكومات والعاملين فيها في صفوف الأمة، محذّرة من خطورة التخاذل والانحياز لسياسات تتنكر لقيم الولاء والبراء. واعتبرت أن مثل هذا التخاذل يعرضهم لغضب الله وعذابه في الدنيا والآخرة. واختتمو البيان متسائلين بمرارة: 'هل ألفنا مشهد موت الأطفال عطشاً وجوعاً في حصار هو الأبشع في ذاكرة الإنسانية؟'.


بديل
منذ 6 ساعات
- بديل
هل أصبحنا اليوم في حاجة إلى تعديل دستوري يضمن تأسيس أحزاب ذات بعد جهوي؟
في ظل عجز الأحزاب السياسية في صيغتها الحالية عن تأطير الحياة السياسية، حيث أصبحت تقتصر على إدارة الصراع بين النخب الحزبية، التي وإن اختلفت انتماءاتها المناطقية والجهوية، فإن تأثيرها وحلبة صراعها تبقى حبيسة محور القنيطرة الدار البيضاء. إن الوظيفة الأساسية للأحزاب، والمتمثلة في تأطير المواطنين ضمن الحياة السياسية، يفترض بها أن تكون أحزاب قواعد تصنع النخب، لا أحزاب نخب تصنع تبعية القواعد العمياء. من خلال تجربتي المتواضعة في إطار العمل السياسي، أو حتى إبان التحصيل العلمي، حضرت العديد من المؤتمرات لأحزاب مختلفة يمينا، يسارا ووسطا. وإن كنا في المغرب، كما في العديد من بلدان العالم النامي، نعيش مشكلا على مستوى هوية أغلب الأحزاب السياسية، فلم نعد نفرق بين حزب اليمين واليسار، ناهيك عن الوسط، فقد لاحظت أن تأثير القواعد الحزبية الممثلة للجهات والأقاليم لا يعدو أن يكون مسرحيات يتم من خلالها توظيف البعد الجهوي والإثني لمناطق المغرب، لترسيخ شرعية قيادات حزبية متحكمة، تحتاج لنغمات ومظاهر فلكلورية تثبت من خلالها أنها تضع البعد الجهوي في صلب اهتماماتها. في حين أنها في الواقع لا تعيره أي اهتمام، ولا يخرج في أغلب الأحيان عن 'شوي ديال الصواب' أو إرضاءات ظرفية حتى يمر المؤتمر بسلام. إن مكمن الداء في معضلة الأحزاب السياسية هو أنها لم تعد أحزاب قواعد، بل أحزاب نخب، همها الوحيد هو كيف تصل إلى السلطة، ولا تحمل أغلبها، مع كامل الأسف، مشروعا مجتمعيا، وإن كانت بعضها تحمل إرهاصات لذلك. لكن المرحلة الحالية تحتاج مشروعا مجتمعيا ذا بعد جهوي، خاصة عندما نتحدث عن منطقتنا التي تستعد لتنزيل مشروع الحكم الذاتي. فهل تعي الأحزاب الوطنية حساسية الظرفية والمسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقها؟ مع كامل الأسف، لا زالت جل الأحزاب السياسية لا تتعامل مع المنطقة باعتبارها بوابة كل تغيير. فالخير كله يأتي من الصحراء، والشر كله يأتي منها أيضا، وهي مقولة خالدة للراحل المغفور له الملك الحسن الثاني. ولا أظن أن القيادات الحزبية الحالية أكثر بعد نظر أو أفهم لواقع المنطقة من جلالته، ولا من قيادات الأحزاب الوطنية التي، وإن ارتكبت أخطاء تاريخية في عدم فهمها لواقع المنطقة وحاجياتها وتطلعات شبابها، فإن أغلب من تقدم بهم العمر في الحياة، على الأقل، أقروا بتلك الأخطاء في نهاية حياتهم السياسية. - إشهار - لكن الأكثر خطورة اليوم هو تواجد قيادات حزبية تعاني من فقر معرفي، يحول دون فهمها لواقع المنطقة، ويضعف من أي دور محوري لها في الاصطفاف خلف السياسات الملكية بشكل إيجابي. يعود ذلك، بالأساس، لأن أغلبهم لم يعايش عن قرب ما جرى في الصحراء، ولا يعرف عن المنطقة سوى أنها خزان انتخابي يضمن له مقاعد نيابية، ويحتاج لعدد لا بأس به من 'الدراريع والملاحف' والأغاني الوطنية، وصياغة خطابات حماسية في البيانات الختامية للمؤتمرات. إن عدم قدرة أغلب الأحزاب الوطنية على فهم متطلبات المنطقة، سواء في مرحلة نظام الدولة المركزية أو نظام الجهوية الحالي، يجعلها أقل قدرة على التكيف مع نظام الحكم الذاتي، وأقل فاعلية في الاصطفاف خلف مسيرة التغيير التي يقودها جلالة الملك محمد السادس نصره الله. إن وجود أغلب الأحزاب السياسية في شكلها الحالي، وهي غير قادرة على مواكبة المشروع الملكي لتنزيل مبادرة الحكم الذاتي، يجعلنا ربما في أمس الحاجة لتعديل دستوري يسمح بإنشاء أحزاب جهوية، تكون قادرة على تأطير الحياة السياسية في المنطقة، وتكون بداية خير من الصحراء في اتجاه باقي جهات المملكة، التي ستكون هي الأخرى على موعد مع نظام جهوي جديد أكثر تقدما. عندها فقط، سيصبح من المستساغ أن تبقى الأحزاب الوطنية حبيسة حساباتها النخبوية في إطار الاستحقاقات الوطنية.


هبة بريس
منذ 12 ساعات
- هبة بريس
حين يباع التضامن بألف يورو.. شهادة السكنى تكشف وجها مؤلما لمغاربة إسبانيا
عمر الرزيني- مكتب برشلونة في قلب المجتمع المغربي المهاجر بإسبانيا، تبرز تحديات معقدة تعكس أحيانا هشاشة العلاقات الداخلية، وتضع القيم المشتركة على المحك. شهادة السكنى، تلك الوثيقة الإدارية البسيطة التي من المفترض أن تكون وسيلة لفتح أبواب الحقوق الأساسية للمهاجرين، تحولت في بعض الأوساط إلى سلعة تباع وتشترى بمبالغ قد تصل إلى 1000 يورو، في سلوك يصعب تبريره مهما كانت الظروف، هذا الواقع المؤلم الذي بدأ يتفشى في مدن الكبرى باسبانيا، خصوصا برشلونة ومدريد. هذا ولطالما اعتبر المغاربة في المهجر، وخصوصا في إسبانيا، مثالا على الروح التضامن الجماعية، وعلى التآزر بين أفراد الجالية، خصوصا حين يتعلق الأمر بمساعدة حديثي الوصول أو من يمرون بظروف قانونية صعبة، وقد لعبت العديد من الجمعيات المغربية بالخارج دورا محوريا في هذا الجانب، مقدمة يد العون، ومكرسة ثقافة الوقوف مع الآخر، دون مقابل، غير أن الواقع الذي يطفو على السطح يضع هذه الصورة موضع تساؤل. ما يجري اليوم لا يتعلق فقط بتحول أفراد من الجالية إلى سماسرة يتاجرون في حاجة الغير، بل يتعلق بتآكل منظومة أخلاقية وإنسانية، فبيع وثيقة سكنى لشخص لا يملك عقد إيجار، ولا مأوى ثابت، ولا حتى شبكة دعم، ليس مجرد صفقة عابرة، بل هو شكل من أشكال الإقصاء والإذلال، يعمق من هشاشة هذا الإنسان بدل انتشاله. إن الحديث عن هذه الظاهرة لا يهدف إلى جلد الذات، بل إلى دق ناقوس الخطر، لأننا أمام مشهد يهدد وحدة الجالية المغربية بالخارج، ويضعف ثقة المهاجر في محيطه الطبيعي، مما يجعله عرضة للاستغلال، وربما للسقوط في براثن العزلة والتهميش. وإذا كانت السلطات المحلية الإسبانية تتحمل جزءا من المسؤولية بسبب تأخرها في تقديم حلول واضحة وعملية لتسهيل الاندماج وتسوية الوضعيات القانونية، فإن على أفراد الجالية أيضا مسؤولية أخلاقية ومجتمعية لا تقل أهمية. الوعي بهذه الظواهر، والحديث عنها بجرأة، هو الخطوة الأولى نحو إعادة ترميم ما تآكل، ولا نحتاج إلى شعارات كبيرة، بل إلى ممارسات صغيرة تعيد لثقافة التعاون معناها الحقيق، و أن يمنح فرد شهادة سكنى لآخر مجانا، ليس تنازلا بل هو استثمار في مجتمع أكثر تماسكا، وأكثر احتراما للكرامة الإنسانية، فالقيمة لا تقاس بالمبلغ الذي يدفع، بل بالأثر الذي يترك في حياة إنسان. الهجرة في جوهرها ليست مجرد انتقال جغرافي، بل انتقال جماعي لقيم وهوية ومسؤوليات، وكلما حافظنا على جذور التضامن، كلما ضمنا بقاء الجالية متماسكة، واقفة، ومؤثرة في محيطها. وما يؤلم في هذا الواقع ليس فقط أن مغاربة يعانون في صمت وهم يطرقون كل الأبواب للحصول على شهادة سكنى تمكنهم من تسوية أوضاعهم القانونية والعيش بكرامة، بل أن بعض من يبيعون هذه الوثيقة هم من نفس الجالية، بل من نفس الدم، أحيانا يبيعونها لأقاربهم، لأصدقائهم، لآباء وأمهات في أمس الحاجة، بلا حياء ولا ضمير، لا يرون في هذا المستفيد إنسانا في أزمة، ولا رب أسرة نازحا بلا مأوى، بل يرونه فقط فرصة للربح، لأنه 'ضعيف' أو 'محتاج'، وكأن الضعف صار تهمة، والمساعدة صارت تجارة. إنها لحظة مؤلمة حين يتحول المهاجر إلى عائق أمام مهاجرٍ آخر، لا نصيرا له، والأنكى حين تمتد هذه العقلية إلى من عاشوا التجربة ذاتها بالأمس القريب، ثم نسوا أو تناسوا، وقرروا أن يبيعوا معاناتهم السابقة على هيئة توقيع مقابل مال. يقول الله تعالى: 'وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ' – [سورة الشعراء، الآية 183] كلمة موجهة لكل من يستغل حاجة الناس: ما تبيعه اليوم بدم بارد، قد تبتلى به غدا، فالدنيا دول، وما تقدمه لأخيك سترى أثره، خيرا كان أو شرا.