logo
تصعيد أميركي جديد ضد الهند قبيل انتهاء مهلة الرسوم الجمركية

تصعيد أميركي جديد ضد الهند قبيل انتهاء مهلة الرسوم الجمركية

العربي الجديدمنذ 3 أيام
صعد الرئيس الأميركي
دونالد ترامب
موقفه تجاه الهند قبل يومين فقط من انتهاء المهلة التي حددها لبدء تطبيق رسوم جمركية جديدة، معلناً أن جميع الواردات الهندية إلى الولايات المتحدة ستفرض عليها رسوم بنسبة 25% بدءاً من الأول من أغسطس/آب، ما يعمق التوترات التجارية بين البلدين ويضع مستقبل العلاقات الاقتصادية على المحك.
وفي منشورات متتالية عبر منصة "تروث سوشال"، أكد الرئيس الأميركي أن المهلة المحددة لتطبيق الرسوم على الهند لن تمدد تحت أي ظرف، مضيفاً أن الهند لطالما فرضت رسوماً تجارية تعتبر من بين الأعلى في العالم، إلى جانب حواجز غير جمركية مرهقة. كما اتهم نيودلهي بشراء الجزء الأكبر من أسلحتها من روسيا والصين، ما اعتبره ترامب أمراً غير مقبول في شراكة استراتيجية. وكتب ترامب، في منشور آخر: "الموعد النهائي في الأول من أغسطس هو الموعد النهائي.
يوم عظيم لأميركا
".
من جانبها، حاولت الحكومة الهندية احتواء تداعيات القرار الأميركي، وأكد مسؤول رفيع في وزارة التجارة أن نيودلهي لا تعتبر الرسوم الجمركية نهاية للتفاوض، بل إجراء مؤقت يمكن معالجته خلال الأسابيع المقبلة. وبحسب رويترز، فإن الهند تسعى للتوصل إلى اتفاق تجاري أشمل مع واشنطن قبل نهاية الخريف، رغم الإقرار بأن التصعيد الجمركي قد يخلق موجة توتر اقتصادي غير مرغوبة. وأفادت رويترز أن المفاوضات لم تعلق رسمياً، لكن مهلة ترامب أغلقت باب التفاهم قصير الأمد.
اقتصاد دولي
التحديثات الحية
محادثات أميركية صينية لتمديد هدنة الرسوم الجمركية
وأحدث التصعيد الأميركي أثراً فورياً في الأسواق المالية الهندية، إذ سجل مؤشر Nifty 50 تراجعاً بنسبة 0.29%، وانخفض مؤشر Sensex بنسبة 0.33% خلال تداولات الثلاثاء، مع خروج رؤوس أموال أجنبية تجاوزت قيمتها 700 مليون دولار في أقل من يومين، وفقاً لبيانات بورصة بومباي. وفي سوق العملات، تراجعت الروبية الهندية إلى 86.23 مقابل الدولار، وهو أدنى مستوى لها منذ مارس/آذار 2025، ما دفع البنك المركزي إلى التدخل بشكل محدود لتقليص خسائر العملة، بحسب رويترز.
وفي السياق، أكدت وكالة موديز للتصنيف الائتماني في تقرير صدر أمس الأربعاء، أن الهند قادرة على احتواء تداعيات القرار الأميركي بفضل تنوع قاعدة صادراتها ونمو سوقها الداخلي، ووصفتها بأنها واحدة من أكثر الاقتصادات الناشئة مرونة في مواجهة الضغوط التجارية، مشيرة إلى أن الرسوم المفروضة قد تشكل تحدياً مؤقتاً وليس تحولاً هيكلياً. ونقلت صحيفة ذا إيكونوميك تايمز" عن خبراء موديز قولهم إن الطلب المحلي المتماسك، وسياسات الاستثمار التحفيزية، تبقى نقاط قوة لصمود الهند.
ومن جانبهم انتقد مسؤولون هنود سابقون وخبراء اقتصاديون اللهجة التصعيدية التي تبناها الرئيس الأميركي، معتبرين أن أسلوب الضغط التجاري لا يليق بالعلاقات بين دولتين ديمقراطيتين حليفتين. وفي تصريح لصحيفة "تايمز أو إنديا"، قال نائب رئيس معهد التجارة الخارجية في نيودلهي إن اتفاق الهند الأخير مع بريطانيا يجب أن يكون نموذجاً يحتذى به، مؤكداً أن نيودلهي لن تخضع لإكراه اقتصادي. وأشار إلى أن الاتفاق مع لندن تم على أسس متوازنة، خلافاً للموقف الأميركي الذي وصفه بأنه ابتزاز تفاوضي.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مقدمة برامج سابقة تتولى أبرز منصب قضائي في واشنطن
مقدمة برامج سابقة تتولى أبرز منصب قضائي في واشنطن

العربي الجديد

timeمنذ 2 ساعات

  • العربي الجديد

مقدمة برامج سابقة تتولى أبرز منصب قضائي في واشنطن

صدّق مجلس الشيوخ الأميركي، السبت، على تعيين القاضية ومقدمة البرامج التلفزيونية السابقة جانين بيرو في منصب قضائي بارز، لتكون بذلك أحدث شخصية تلفزيونية يضمها دونالد ترامب الصورة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولد دونالد ترامب في 14 حزيران/ يونيو 1946 في مدينة نيويورك، لأبوين من أصول ألمانية واسكتلندية، تلقى تعليمه الأولي في مدرسة كيو فورست بمنطقة كوينز في مدينة نيويورك. التحق بالأكاديمية العسكرية في المدينة نفسها، وحصل عام 1964 على درجة الشرف منها، ثم انضم إلى جامعة فوردهام بنيويورك لمدة عامين، ثم التحق بجامعة بنسلفانيا، وحصل على بكالوريوس الاقتصاد 1968 إلى إدارته. وأُكد تعيين بيرو في منصب المدعية العامة لمنطقة كولومبيا بغالبية 50 صوتاً مقابل 45، حيث كان ترامب قد حض مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه الجمهوريون على الانتهاء من الموافقة على ترشيحاته خلال عطلة نهاية الأسبوع. وعُينت بيرو في هذا المنصب بشكل مؤقت في مايو/ أيار من قبل ترامب الذي منح العديد من المناصب الحكومية المؤثرة لمذيعين في شبكات تلفزيونية. وسبق أن وصف ترامب المدعية العامة السابقة لمقاطعة ويست تشستر في نيويورك والبالغة 74 عاماً بأنها امرأة "لا مثيل لها". واشتهرت بيرو بتقديمها لبرنامج "القاضية جانين بيرو" التلفزيوني بين عامي 2008 و2011، ثم برنامج "العدالة مع القاضية جانين" على قناة فوكس نيوز، واستمر 11 عاماً. تقارير دولية التحديثات الحية أزمة ديمقراطيي أميركا: عجز عن توحيد الصفوف ومواجهة ترامب وشاركت أيضاً في تقديم برنامج "الخمسة" على قناة فوكس نيوز، إلى أن تولت منصبها المؤقت الذي يُعد من أقوى مناصب المدعين العامين في الولايات المتحدة. وبهذا تنضم بيرو إلى سلسلة مذيعين آخرين تولوا مناصب رسمية، مثل وزير الدفاع بيت هيغسيث الذي شارك في تقديم برنامج "فوكس آند فريندز ويك إند" ووزير النقل شون دافي الذي شارك في برنامج من نوع تلفزيون الواقع وبتقديم برنامج "فوكس بيزنس". وقال كبير الديمقراطيين في اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ ديك دوربين، إن بيرو "لا ينبغي أن تكون مدعية عامة دائمة للولايات المتحدة"، واصفاً اختيارها بأنه "موافقة سطحية لدونالد ترامب". وبرر دوربين موقفه بترويج بيرو لنظريات المؤامرة في ما يتعلق بانتخابات عام 2020 التي خسرها ترامب أمام جو بايدن. كذلك نشرت كتباً عدة بينها كتاب "كاذبون، مسرّبون، وليبراليون" عام 2018 الذي يتناول المؤامرة على ترامب، وقد وصفته صحيفة واشنطن بوست بأنه "متملق". ودين زوجها السابق ألبرت بيرو بالتهرب الضريبي عندما كانت مدعية عامة في نيويورك، لكن ترامب عفا عنه خلال ولايته الرئاسية الأولى. وفي إطار التصديق السريع على ترشيحات ترامب، عُين محامي ترامب السابق إميل بوف قاضياً استئنافياً فدرالياً الأسبوع الماضي. (فرانس برس)

بين تونس وواشنطن
بين تونس وواشنطن

العربي الجديد

timeمنذ 7 ساعات

  • العربي الجديد

بين تونس وواشنطن

ليست العلاقات التونسية الأميركية جيّدة، خلافاً لما تسوّقه البيانات الرسمية للمسؤولين في البلدَين، فزيارة المستشار الخاص للرئيس ترامب لشؤون أفريقيا، مسعد بولس، تونس أخيراً، ضمن جولة مغاربية، لم تقرّب الشقّة بين الطرفَين، رغم تغيّر أولويات السياسة الخارجية الأميركية. عندما استولى الرئيس قيس سعيّد على مؤسّسات الدولة، وغيّر صلاحياتها، انتقدت إدارة الرئيس جو بايدن معظم الإجراءات التي أقدم عليها، من دون أن تصف ما حصل بـ"الانقلاب". ودار يومها خلافٌ بين الطرفَين في مسألة الحريات وتعطلّ مسار الانتقال الديمقراطي. وحاولت واشنطن أن تضغط على السلطات التونسية من دون القطع معها، وهو ما دفع النظام نحو تسريع الخطى في اتجاه التقارب مع محور روسيا – الصين - إيران، وهو المحور الذي اتسعت خلافاته مع الغرب، حتى بلغت درجة إعلان الحرب المفتوحة. تغيّرت الإدارة الأميركية ولم تتغيّر سياسات سعيّد. فاجأه الرئيس سعيّد مبعوث ترامب، عند استقباله، بصور أطفال غزّة المهدّدين جوعاً، وهي حركة رمزية لم يستسغها الضيف، ورأى فيها "خرقا للأعراف الدبلوماسية"، حسب مجلة "جون أفريك". كانت تلك رسالة صريحة من الرئيس التونسي أراد منها التعبير عن رفضه السياسة الوحشية المتبعة من الكيان الصهيوني، والمدعومة أميركيا. وهي في الوقت نفسه رفض ضمني لأحد أهداف الزيارة التي منها توسيع دائرة الدول العربية المنخرطة في اتفاقيات أبراهام المؤدّية إلى التطبيع الكامل مع إسرائيل، والتي تعتبر من ثوابت السياسة الخارجية للرئيس ترامب. الورقة الثانية التي يمكن لواشنطن أن تمارس من خلاها الضغط على بلاد ضعيفة مثل تونس، التعاون الاقتصادي والعسكري. في هذا المفصل الحسّاس، لم يتردّد سعيّد في التأكيد في المحادثات على أن تونس اختارت مبدأ تعدّد الشراكات، والبحث عن شركاء اقتصاديين من شأنهم تخفيف الضغط عليها وتمكينها من مجال أوسع يحرّرها من الضغوط عليها، وأن تتم هذه الشراكة بعيداً من الرغبة في الهيمنة والابتزاز. هكذا يتبين أن زيارة مسعد بولس الاستطلاعية تونس لم تحقّق أهدافها من وجهة نظر واشنطن، على الرغم من أن المحادثات لم تتطرّق إلى المسائل الحرجة التي يرفض قيس سعيّد الخوض فيها، ويعتبرها شأنا داخلياً لا يحقّ لأيّ جهة أجنبية التحدّث في شأنها. وهي تمسّ ملفّ حقوق الإنسان والمساجين السياسيين واستقلالية القضاء والحريات والصحافة، فهذه المسائل لم تعد من أوليات الرئيس الأميركي الحالي. من جانب آخر، تشير المصادر إلى رفض واشنطن مجمل المساعدات التي طلبها الطرف التونسي، بحجّة أن سياسة البيت الأبيض تجاه العلاقة بأفريقيا قائمة على "التجارة لا المعونة"، وهي سياسة تضرّرت منها (ولا تزال) تونس التي تمرّ بأوضاع اقتصادية ومالية صعبة ومعقّدة، فالقرار الذي أصدره ترامب، وتُفرَض بموجبه رسومٌ جمركيةٌ بنسبة 25% على السلع التونسية بداية من أول أغسطس/ آب 2025، من شأنه أن يزيد من نسبة الضغط على الأوضاع المالية في البلاد، رغم أن هذا القرار لا يستهدف تونس بالذات بقدر ما يشمل مختلف الدول، في ظلّ الحرب التجارية المتواصلة التي تخوضها واشنطن حالياً. وفي الآن نفسه، دليل على أن تونس لم يعد ينظر إليها بلداً صديقاً ومدللاً لأميركا. المؤكّد أن العلاقات بين البلدَين أصبحت فاترةً، وأن السياسة الأميركية الراهنة لم تترك مجالاً للرهان عليها، خصوصاً في ظلّ تراجع الدبلوماسية التونسية. فما يتّخذه ترامب (وما يعلنه) من مواقف يجعل السلطة والمعارضة تسحبان ثقتهما من الإدارة الأميركية، وتتجنّبان التعامل معها، ولا تراهنان عليها. حتى أطراف المعارضة التي كانت من قبل توظّف لصالحها المواقف الرسمية الأميركية الناقدة للسلطة في مجال حقوق الإنسان، أصبحت اليوم تعتمد على نفسها في صراعها مع النظام القائم في تونس. لم يبقَ من أميركا سوى الوجه القبيح لإدارتها.

انقلاب السردية الإسرائيلية... كيف خسر الاحتلال هيمنته الإعلامية؟
انقلاب السردية الإسرائيلية... كيف خسر الاحتلال هيمنته الإعلامية؟

العربي الجديد

timeمنذ 7 ساعات

  • العربي الجديد

انقلاب السردية الإسرائيلية... كيف خسر الاحتلال هيمنته الإعلامية؟

لطالما كانت إسرائيل (وما زالت) معنيّةً بالصورة الإعلامية، وباستخدام كلّ الوسائل الممكنة لفرض الهيمنة لسرديّتها؛ فقد حرصت الصهيونية، حتى قبل تأسيس الكيان، على التأثير في "هوليوود"، عبر امتلاك الاستوديوهات الكبرى في صناعة السينما الناشئة، ثمّ امتلاك شبكات البثّ الإعلامية وكبريات الصحف العالمية، التي تمكّنت من إقناع غالبية الجمهور الغربي عموماً، والأميركي على وجه الخصوص، بالرواية الصهيونية. ولم يكن الإعلام، منذ تأسّست دولة الاحتلال، مجرّد أداة للترويج، بل اعتُبر سلاحاً متقدّماً في ترسانة الدولة، وفهم مصطلح "الهسبارا" (الإعلام) دبلوماسيةً إعلاميةً في مستويات مختلفة، وتوزّع أعبائها بين أكثر وزارات الدولة ومؤسّساتها أهميةً، وصولاً إلى جماعات الضغط اليهودية في الخارج. وأصبح يروّج أن "كسب معركة الرأي العام الدولي، لا يقل أهمية عن أيّ معركة جوية أو برّية"، حسبما كتب آلان ديرشوفيتس، مؤلف كتاب "The Case for Israel" (2003). غير أن الحرب الدائرة في العامين الأخيرين، وعمليات الحصار والتجويع والمجازر اليومية التي ترتكبها إسرائيل، وميل قطاعات واسعة من الشباب على وجه الخصوص إلى الإعلام غير التقليدي، جعلت ما كان ينظُر الإسرائيليون إليه شرعيةً دوليةً مكتسبةً، ووسيلةً للردع المعنوي للخصوم، يتحوّل جبهة قتال تهدّد أمن إسرائيل القومي، ما أدّى، في النهاية، إلى كسر الاحتكار الصهيوني للرواية، وفوجئ العالم بأن ما تكرّر على مسامعه طوال العقود الماضية عن "تحضّر" الإسرائيليين، وعن الفلسطيني "الإرهابي"، والعربي "البدوي"، ما هو إلا محض افتراءات ودعاية صهيونية كاذبة. وخلال العقود الماضية، اعتمدت إسرائيل على ثلاث ركائز إعلامية؛ فحرصت دائماً على تقديم نفسها ضحيةً دائمةً للعداء العربي والإسلامي، وربط أيّ هجوم عليها بالإرهاب ومعاداة السامية، واحتكار تعريف العنف والمظلومية. وهي ثلاثية ضمنت لها تدفّق الدعم الرسمي الغربي، وتأييد شرائح واسعة لكيانٍ جرى تقديمه امتداداً للديمقراطية الغربية، وسط محيطٍ قمعيٍّ متخلّف، ولأرضٍ جرى تصويرها "أرض ميعاد لشعب مُضطهَد". صحيحٌ أن غالبية الدعم الرسمي الغربي لم يتوقّف، لكنّ التأييد الشعبي تآكل مع قصف الجيش الصهيوني المستشفيات والمدارس وتدمير مقوّمات الحياة في غزّة، والتجويع الممنهج حتى الموت؛ الذي بدأ منذ الأيام الأولى للعدوان الصهيوني، ووصل إلى ذروته في الأشهر الماضية. يتغيّر المشهد، وتنقلب الرواية، وتتحوّل إسرائيل من دولة مُحاصِرة، إلى دولة مُحاصَرة أخلاقياً ويمكن القول إن خسائر إسرائيل في هذه الحرب تركّزت في ثلاثة اتجاهات: أولها، الأزمات المجتمعية التي فاقمت الحرب، والمجتمع الذي تعمّقت أزماته وتفكّكه. وثانيها، الجيش الذي فقد قوة ردعه، والقدرة على الانتصار وتحقيق أهداف الحرب التي وضعها في الأيام الأولى من القتال. أمّا الخسارة الكبرى فتكمن في انقلاب الرواية ضدّ إسرائيل على المستوى الشعبي العالمي، وخصوصاً في أوساط الشباب. لا ينكر أحد بالطبع أن طول أمد الحرب يمثّل عامل ضغط كبير على المقاومة وحاضنتها في غزّة، خصوصاً في ظلّ سياسة الحصار الخانق والقتل بالتجويع، لكن الواضح أن هذا الضغط الذي تستخدمه إسرائيل، رغبةً منها في دفع المقاومة إلى اللجوء إلى أيّ اتفاق يلبّي كلّ احتياجات إسرائيل، أو إلى الاستسلام الكامل، حسب لفظ الرئيس الأميركي ترامب ومعه القيادة الإسرائيلية... طول أمد الحرب، نقول، سلاح ذو حدّين؛ فمن ناحية يبدو السيناريو المستخدم حالياً ورقةً أخيرةً بعد أن عجزت إسرائيل وحلفاؤها عن تحقيق هدفَي الحرب الأساسيَّين (استعادة الأسرى وهزيمة المقاومة) بكلّ وسائل الضغط العسكري والاجتماعي الممكنة، وفي ظلّ حالة إعياءٍ وإرهاقٍ شاملة لجيشها يؤكّدها كلّ الخبراء العسكريين الإسرائيليين، لكنّه، في الوقت نفسه، يدفع الشعوب التي تشاهد تصرّفات الجيش الصهيوني، التي فاقت النازية، وبموافقة كاملة من الإدارة الأميركية، إلى كراهية إسرائيل، وهو ما تثبته استطلاعات الرأي، ويمثّل خطراً استراتيجياً على الكيان الصهيوني، لأن استمرار الصراع، كما تذكر دراسة نشرها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، بعنوان "أمن إسرائيل القومي... المبادئ الموجّهة للعقيدة والسياسات لعامي 2025-2026"، يعطي الشرعية للسردية الفلسطينية، ويسبّب ضغوطاً كبيرةً على إسرائيل وحلفائها ومؤيّديها، ما قد يقيّد حرّيتها في التصرّف، ويعرّضها للإدانة والعزلة في الساحة العالمية، وربّما يقلّص الاهتمام الدولي باحتياجاتها الأمنية مستقبلاً. وهو أمرٌ أصبح ملموساً بوضوح في تحوّلات مواقف إعلاميين ومشاهير عالميين، وانتقادهم النازية الصهيونية، بعد تأييدهم في أول الحرب إسرائيل، علاوة على اضطرار قادة دول للتهديد بالاعتراف بفلسطين. هذه المواقف إمّا محاولةً لعدم خسارة هؤلاء الإعلاميين والنجوم شعبيّتهم وجماهيرهم، أو أنها صحوة ضمير مفاجئة، في كلّ حال، وبغض النظرّ عن حقيقة أن الدولة الفلسطينية التي تهدّد دولٌ غربيةٌ بالاعتراف بها هي فاقدة لأيّ مقومات الدولة الحقيقية، ولا تعدو نيّة الاعتراف بها التهديد، فإن هذه المؤشّرات هي دليل تراجع واضح وخسارة كبيرة للسردية الصهيونية. وقد كشفت استطلاعات رأي أوروبية، نشرتها صحيفة ذا غارديان في يونيو/ حزيران الماضي، أن الدعم الشعبي لإسرائيل في دول غرب أوروبا وصل إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، ناهيك بالطبع عن العالم الإسلامي وأميركا اللاتينية وأفريقيا ودول شرق آسيا، وأن المقارنة بين هذا الدعم قبل الحرب وبعدها يكشف كارثةً استراتيجيةً لإسرائيل؛ فالرؤية السالبة تجاه الكيان تتصاعد على المستوى الشعبي الغربي، حتى تدنّت نسبة من لديه رؤية إيجابية عن الكيان، لتنحصر بين 13% - 21% من إجمالي الأوروبيين الغربيين، مقابل ارتفاع نسبة من لديه رؤية سالبة عن الكيان بين 63 - 70% مع استمرار ارتفاعها، وهي نسب تختلف من دولة أوروبية إلى أخرى؛ إذ تصل إلى 75% في إسبانيا والسويد، وترتفع إلى 78% في هولندا، بل إن هذه النظرة السالبة ارتفعت أيضاً بين مواطني دول شرق أوروبية؛ مثل بولندا (62%)، والمجر (53%)، رغم التأييد الحكومي المُعلَن للخطاب الصهيوني، على عكس حكومات غرب أوروبا، التي يضطرها الرأي العام إلى انتقاد الحكومة الإسرائيلية أحياناً، من دون أن يؤثّر ذلك في وقف دعمها العيني والعسكري لإسرائيل. ولا تقتصر هذه الآراء على أوروبا وحدها، فقد أظهر استطلاع أجراه مركز بيو (إبريل/ نيسان الماضي) أن آراء الأميركيين تجاه إسرائيل ازدادت سلبيةً؛ فأعرب 53% عن رأي سالب تجاهها، وهي نسبة مستمرّة في الارتفاع. ولم تكن هذه الاستطلاعات إلا انعكاساً لموجة رفض شعبي أوروبي لاستقبال الإسرائيليين في الفنادق والمنتجعات والمطاعم، وبثّ مشاهد مصوّرة في مواقع التواصل الاجتماعي تظهر حجم الرفض تجاه الكيان الصهيوني، وتزيد من حدّته. وهي مظاهر انعكست حتى في تقييم الإسرائيليين لمدى شعورهم بهذه الأزمة، وأصبح أكثر من 58% منهم، حسب استطلاع أجري في يونيو الماضي، يشعرون بأنهم غير مرحّب بهم في أيّ مكان في العالم، وهي نسبة زادت أكثر لاحقاً لتصل إلى 62%، حسب ما نشرته "يديعوت أحرونوت" في الشهر الماضي (يوليو/ تموز)، وأصبح التعبير السائد لدى الإسرائيليين "العالم بات ضدنا"، مع اعتقادٍ جازم بأن الحكومة الإسرائيلية فشلت في المعركة الإعلامية. أظهر استطلاع مركز بيو أن 53% من الأميركيين عبّروا عن رأي سالب تجاه إسرائيل ثمّة مشكلة يغفل عنها الإسرائيليون؛ حين يردّ بعضهم أسباب الفشل الإعلامي إلى عدم استغلال الموارد التي توفّرها الدولة لكسب معركة الرواية. في هذا السياق، ترى الصحافية في "يسرائيل هيوم"، شيريت كوهين، في مقال نشر في يونيو الماضي، أن وزارة الخارجية لم تستغلّ أكثر من نصف مليار شيكل (135 مليون دولار) مخصّصة للدعاية والإعلام، ونتيجة ذلك تلاشت صور "7 أكتوبر" (2023)، ولم يبقَ سوى الحرب الوحشية التي ينفّذها الكيان في غزّة، وهو ما يكلّف إسرائيل، ليس فقدان التعاطف فحسب، بل تعرّضها لسياسات عدائية من دول قريبة أو بعيدة. وتنبع الأزمة هنا، في حالة العمى الإستراتيجي التي تسيطر على الحكومة الإسرائيلية ومؤيّديها، منذ هجوم 7 أكتوبر، فلم يعد هؤلاء يدركون أن سقوط السردية الإسرائيلية لا يرتبط في الحقيقة بتقصير الخارجية الإسرائيلية أو إهمالها، خصوصاً حين يظهر للعيان أن الإدارة الأميركية ومسؤوليها، علاوة على مسؤولين وقادة دول أوروبية، يتبنون جميعاً الرواية ذاتها التي يروّجها الكيان الصهيوني. وبالتالي فإن خسارة السردية الإسرائيلية المعركة لا ترتبط بالتقصير أو بحجم الإنفاق، خصوصاً أن موارد أصحاب الرواية الأخرى لا يمكن أن تقارن مطلقاً بموارد إسرائيل وحلفائها. وهذا يعني أن مصداقية الرواية الفلسطينية المدعومة بالصورة المباشرة والشهادات الحيّة، وبالدم، وبالأشلاء الممزّقة، تمكّنت وحدها، ومن دون موارد تذكر، أن تحطّم زيف أيّ أكاذيب إسرائيلية. السردية إذاً ليست ترفاً إعلامياً، بل هي جزء من العقيدة الأمنية الإسرائيلية. ويدرك أكثر الباحثين الإسرائيليين المهتمّين بالاستراتيجية، وغالبية المعارضين أن خسارة هذا السلاح في ظلّ استمرار الحرب، وارتكاب المذابح اليومية، والقتل بالتجويع، تمثل خطراً استراتيجياً على قدرة الكيان المستقبلية في الحفاظ على الدعم الغربي أو تبرير سياساته... وهكذا يتغيّر المشهد، وتنقلب الرواية، وتتحوّل إسرائيل من دولة مُحاصِرة إلى دولة مُحاصَرة أخلاقياً. وتلك معركة لا يمكن خوضها بالدبابات ولا بأقوى سلاح جوي في الشرق الأوسط، بل بالصور والكلمات والدم والضمير الشعبي العالمي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store