
واشنطن بين "لعبة الخداع" واستراتيجية "النهايات المفتوحة" لأزمات المنطقة
في غزة، سطرت إدارتا بايدن وترامب على حد سواء، أسوأ أشكال التنصل من الاتفاقات المبرمة، والتي جاءت بمبادرة منها أساساً، لتعود في كل مرة، إلى تبني الرؤية والرواية الإسرائيلية، لا تصور نهائياً حول غزة وفلسطين ما بعد الحرب، نعرف ما الذي لا تريده واشنطن، بيد أنها لم تبح حتى الآن، بما تريده، هي لم تنطق مرة – زمن ترامب – بعبارة "حل الدولتين"، واتخذت موقفاً من مؤتمر نيويورك الذي رعته وبادرت إليه، كلٌ من السعودية وفرنسا، ووصفته بـ"غير المثمر"، وضغطت على دول عدة، حتى لا تشارك في أعماله، وكالت الاتهامات لكل حكومة اعترفت أو كشفت عن نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية....لكنها في المقابل، لم تخبرنا بما يجول في خاطرها، حول مصير شعب كامل، من حقه كسائر شعوب الأرض، ممارسة تقرير المصير وبناء دولته المستقلة، ثمة دولة ناقصة في الإقليم، لا شعب فائض عن الحاجة، وفقاً للنظرية الصهيونية – الدينية الأكثر فاشية وتطرفاً.
في مفاوضات التهدئة ووقف إطلاق النار، لم تكن واشنطن للحظة، وسيطاً نزيهاً ومحترماً، كانت الخصم الأكثر تطرفاً في كثير من الأحيان من العدو الإسرائيلي...كانت الخصم والحكم، وآخر ألاعيبها، الانسحاب من آخر جولات التفاوض، وهي التي لطالما انفردت بإشاعة أجواء الانفراج، والتبشير بقرب التوصل إلى "حلّ"...حمّلت حماس وزر الفشل، مع أن الوسيطين العربيين، كان لهما رأي آخر، وخرج سيد البيت الأبيض شاهراً هراوة التهديد والوعيد، تاركاً لنتنياهو التقرير في شأن الخطوة التالية، قبل أن تعود الإدارة، إلى الحديث عن تقدم كبير (ماركو روبيو) وعودة المفاوضات إلى سكتها (ستيف ويتكوف)، انقلاب مخادع في المشهد، حتى قبل أن يجف حبر القرار بسحب الوفد الأميركي من الدوحة.
"النهايات المفتوحة" لأزمة العدوان على غزة، تغري "إسرائيل"، بالذهاب إلى أبعد أحلامها السوداء وأطماعها التوسعية، من احتلال القطاع بالكامل وبسط السيادة عليه، إن أمكنها ذلك، إلى الاكتفاء بالحديث عن ضم الشريط الأمني ومناطق في عمق الشمال، مقابلة لمستوطنات الغلاف الكبرى... ترك الحبل على الغارب لنتنياهو وزمرة الفاشيين الجدد، يقع في قلب الاستراتيجية لغزة ومستقبل القضية الفلسطينية.
في لبنان، لم يختلف الأمر كثيراً، هي من توسط لإنهاء الحرب، وهي من ترأس ورعى لجنة الرقابة الخماسية، للإشراف على التنفيذ، وهي اليوم، من ينذر بالجحيم للبنان إن لم ينصع للإملاءات الإسرائيلية... هي من يستعجل نزع سلاح المقاومة، حتى وإن قاد ذلك إلى تعميم الخراب على مساحة البلاد، ترفض تقديم أي ضمانات للبنان، وتتنصل من أي مطلب للضغط على "إسرائيل"... أكثر من ذلك، لم يتردد موفدها توم باراك، بالقضاء على حلم اللبنانيين بـ"الوطن النهائي" ويلوح بورقة ضمهم إلى سوريا تحت إدارة حكمها الجديد.
"الخداع" هو اسم اللعبة التي يمارسها باراك في بيروت، يكتفي بتوزيع الوعود المعسولة، ويُسمع كل فريق ما يود سماعه، يشيد بإجابات الرئاسات الثلاث على الورقة الأميركية، ثم يحمل عليها، ويعرض بدلاً منها، جداول زمنية ضيقة للغاية لنزع السلاح، أما مطالب اللبنانيين، الحقّة والمشروعة، فلا إجابات قاطعة عنها، بل إبقاؤها عالقة بانتظار "حسن الاستجابة" الإسرائيلية.
اليوم 09:30
اليوم 08:39
"النهايات المفتوحة" لأزمات لبنان المركبة، هي الاستراتيجية المعتمدة أميركياً كذلك... في فلسطين لا وعد بدولة للفلسطينيين... وفي لبنان، تهديد بتبديد دولة اللبنانيين... ومع ذلك، نرى من بين اللبنانيين، كما من بين الفلسطينيين، من لا يزال يتعلق بحبال الأوهام، ويراهن على "اختلافات" و"تباينات" بين واشنطن وتل أبيب، بل ويمضي قدماً مع الأميركيين في ممارسة لعبة الخداع والضغط على الشركاء في الوطن، من دون أن يدرك أنه "الثور الأبيض" الذي سيؤكل إن أُكِلَ "الثور الأسود".
في سوريا كانت "الانتقالات" الأميركية المفاجئة من النقيض إلى النقيض، صادمة حتى لأقرب حلفاء واشنطن، وأكثرهم التصاقاً باستراتيجياتها... من الحذر والتحفظ بداية التغيير، إلى الانفتاح والإشادة والترحيب ورفع العقوبات والرهان على النظام الجديد، قبل أن تعود "ريما لعادتها القديمة"، ويجري التلويح من جديد بـ"قيصر" وتبدأ لعبة الضغط والابتزاز للنظام، لتسريع مسار تكيف مع مقتضيات التطبيع الإبراهيمي، والتسليم لـ"إسرائيل" باحتلاليها: القديم والجديد، لأجزاء استراتيجية وغنية واسعة من الأراضي السورية.
لم يكن الحديث عن وحدة سوريا وسيادة وسلامة أراضيها، سوى فصل من فصول "لعبة الخداع"، لتخدير النظام الجديد، وداعميه من عرب وأتراك بخاصة، فاستراتيجية "النهايات المفتوحة"، يجري العمل بها في سوريا أيضاً... واشنطن لم تعد تمانع في اعتماد "فيدرالية الأقليات"، وهي تضغط مع تل أبيب، لفصل محافظات الجنوب الثلاث عن بقية الوطن السوري، تحت عناوين أمنية خادعة، وليس مستبعداً أبداً أن تدعم نشوء كيانات أقلّوية في الساحل والشمال الشرقي، فكل ما يهمها في سوريا، هو حفظ أمن "إسرائيل"، وإطفاء شهيتها التوسعية، وتجنيد سوريا "المفيدة"، الممتدة من حلب إلى دمشق، مروراً بحماة وحمص، في مشروع "صدّ إيران" ومنع تمددها، وخنق حزب الله ومنع تعافيه.
لا تصور أميركياً لسوريا بعد الأسد، الملف مفتوح لمختلف السيناريوهات، بانتظار إنضاج السيناريو الأكثر ملاءمة لمصالح "إسرائيل" وتفوقها... بخلاف ذلك، لا ضريبة على الكلام المعسول بحق الشرع وإدارته، وهو دائماً من النوع القابل للانقلاب إلى نقيضه، وربما بين طرفة عين وإغماضتها، إدارة الأزمة السورية، بدل حلها، وإبقاء نهاياتها مفتوحة، هي عناوين الاستراتيجية الأميركية في سوريا وحيالها.
أما إيران، فقد كانت بالأمس، مسرحاً لأكبر "لعبة خداع" مارستها واشنطن، حين انطلقت مع "إسرائيل" في أول وأكبر ضربات جوية وصاروخية توجه لهذا البلد، قبل 48 ساعة فقط، من التئام الجولة السادسة من المفاوضات النووية في مسقط...أما اليوم، فإن واشنطن، تمارس الألاعيب ذاتها، وبالأدوات ذاتها، تكذب حين يتحدث رئيسها عن "استجداء" إيراني للتواصل مع إدارته، ويكذب حين ينفي نواياه "تغيير النظام"، والشيء الوحيد القابل للتصديق في تصريحاته المنفلتة، هو تهديده بمعاودة استهداف المنشآت الاستراتيجية لإيران، فتلكم مصلحة إسرائيلية عليا ثابتة، لا يمكن إتمامها، إلا بإسقاط النظام، كما قال نتنياهو مراراً وتكراراً.
لا تصور نهائياً لمستقبل إيران، فقط "نهايات مفتوحة"، يشمل ذلك معاودة الحرب، ودعم جماعات انفصالية وتقسيم إيران، ما لم ترفع طهران الراية البيضاء، وتلتحق بقضّها وقضيضها بالقاطرة الإبراهيمية، وهذا ضرب من الخيال، تُنزع عنه صفة "السيناريو"، دع عنك المحتمل والمرجح.
لا حلول أميركية، أو حتى تصورات حلول، لأي من أزمات الإقليم الكبير... إدارة هذه الأزمات، وفقاً لنظرية "النهايات المفتوحة"، هي المقاربة الأميركية المعتمدة حتى إشعار آخر، وهي تستوجب اللجوء المتكرر لكل أدوات الكذب والخداع، والاعتماد المفرط على "أزعر الحي"، وما يمكن لعضلات جيشه المفرودة، التي يجري تنميتها وتضخيمها بالفيتامينات والمكملات الغذائية الأميركية، أن تنجزه في ميادين العربدة والاستباحة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الميادين
منذ 4 ساعات
- الميادين
أسامة حمدان: نجدد تأكيدنا على التعامل بإيجابية مع أي طلب لإدخال الطعام لأسرى الاحتلال مقابل إدخال المساعدات لشعبنا
أسامة حمدان: نجدد تأكيدنا على التعامل بإيجابية مع أي طلب لإدخال الطعام لأسرى الاحتلال مقابل إدخال المساعدات لشعبنا


الميادين
منذ 4 ساعات
- الميادين
عشية جلسة مجلس الأمن.. حماس تدعو لقرارات ملزمة للاحتلال بوقف حرب الإبادة والتجويع
أكد القيادي في حركة حماس، أسامة حمدان، في تصريح صحفي، اليوم الاثنين، أن" كسر الحصار وفتح كل المعابر فوراً، وإدخال الغذاء والماء والدواء بشكل عاجل إلى كامل قطاع غزّة، هو الكفيل بإنهاء الكارثة الإنسانية في القطاع". وشدّد حمدان على "عدم الرضوخ لسياسة الاحتلال المدعومة أميركيّاً في توزيع المساعدات ضمن مخطط هندسة التجويع والفوضى". حمدان دعا أعضاء مجلس الأمن الدولي إلى "الضغط على الاحتلال لوقف المأساة الإنسانية في قطاع غزة، التزاماً بالقانون الدولي الإنساني، الذي يحمّل القوة القائمة بالاحتلال المسؤولية عن توفير ما يلزم لحياة السكان، ووقف سياسة التجويع الجماعي التي ترقى إلى جريمة حرب". 4 اب 4 اب كما طالب القيادي بحماس مجلس الأمن بـ"قرارات واضحة وملزمة للاحتلال بوقف حرب الإبادة، بما فيها من مجازر، وانتهاكات، وتجويع، وتدمير للحياة المدنية في القطاع، وتلزم الاحتلال بالانسحاب من القطاع، وفتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية، ووقف انتهاكاته ضد الأسرى في سجونه". إلى ذلك، جدّد حمدان تأكيد الحركة استعدادها للتعامل بإيجابية مع أي طلب للصليب الأحمر بإدخال أطعمة وأدوية للأسرى الإسرائيليين في غزة، وضرورة "إجبار الاحتلال على فتح الممرات الإنسانية بشكل طبيعي ودائم لمرور الغذاء والدواء لعموم أبناء شعبنا". وحمّل حمدان حكومة نتنياهو المسؤولية الكاملة عن حياة جميع الأسرى لدى المقاومة، مضيفاً أنه في الوقت نفسه، يتحمّل نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية، مسؤولية الحالة التي وصل إليها الأسير الجندي "إيفاتار ديفيد"، بسبب تصعيد الحصار والتجويع ومنع وصول الغذاء والماء والدواء إلى القطاع. ويعقد مجلس الأمن، الثلاثاء، جلسة طارئة بشأن قطاع غزة، حيث أكّد حمدان أن الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي يحاولان تغيير مسار الجلسة الطارئة لمجلس الأمن، لمناقشة أوضاع الجنود الإسرائيليين الأسرى متجاهلين أوضاع أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع. وبالإضافة إلى القصف والإبادة، يشار إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي يشن حرب تجويع على قطاع غزة أدّت، حتى الساعة، إلى ارتقاء 180 شهيداً، من بينهم 93 طفلاً، فيما بلغ عدد الضحايا من منتظري المساعدات الـ 1516 شهيداً، إضافة إلى أكثر من 10067 جريحاً.


النهار
منذ 5 ساعات
- النهار
إعلام عبري: هذا الصاروخ الذي اضطر ترامب لوقف الهجمات ضد الحوثيين
قالت صحيفة "كالكاليست" الإسرائيلية اليوم الاثنين، إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اضطر إلى وقف هجمات بلاده ضد الحوثيين باليمن في أيار/ مايو الماضي، خشية من أن يصيب صاروخ باليستي دقيق كاد حاملة الطائرات الأميركية 'يو.أس.أس. ترومان'. وبحسب الصحيفة: "رغم أن الإدارة الأميركية بررت قرار وقف الهجمات بأنه جاء بناءً على طلب الحوثيين ورضوخهم، إلا أن الواقع كان مختلفا. فالسبب الحقيقي، وفقا لمصادر أمنية أميركية، كان الخوف من صاروخ باليستي دقيق كاد أن يصيب حاملة الطائرات (يو.أس.أس. ترومان)". وأضافت "كالكاليست" أنه "في 28 نيسان/ أبريل الماضي وخلال غارة جوية روتينية شاركت فيها (ترومان) ومجموعة من المدمرات والسفن الحربية الأخرى، أطلق الحوثيون صاروخ باليستي إيراني الصنع من طراز خليج فارس، يتمتع برأس متفجر يزن 650 كغم، ويطير بسرعة فوق صوتية، ويملك دقة تصل إلى 50 مترا، ما يجعله قادرا على إحداث دمار هائل إذا أصاب هدفا مثل حاملة طائرات". استهداف سفينة في البحر الأحمر من قبل الحوثيين (أرشيفية) في تلك الليلة، تتابع الصحيفة: "انكشفت (الترومان) وتم رصدها بدقة (يُعتقد أن المعلومة وصلت للحوثيين من استخبارات روسية أو إيرانية)، وتم استهدافها بعدة صواريخ، ورغم أن الصاروخ لم يصب الهدف، إلا أن إحدى الطائرات من نوع F-18 سقطت من على سطح الحاملة نتيجة المناورات الحادة لتفادي الصواريخ، ما أحدث صدمة في القيادة العسكرية". وبشأن رد الفعل الأميركي على ذلك، قالت الصحيفة إن "قادة البحرية الأميركية قدموا تقييما استراتيجيا للرئيس ترامب بأن المخاطرة باستمرار الحملة الجوية عالية جدا مقارنة بالمكاسب الممكنة، وأن الهجوم كاد أن يتحول إلى كارثة رمزية وسياسية تتمثل بأن صورة حاملة طائرات أميركية مصابة تُجر إلى الميناء كانت لتكون كارثة علاقات عامة لترامب". ووفق الصحيفة: "في ضوء ذلك، قرر ترامب وقف الحملة وأصدر تصريحا بدا غريبا حتى للحوثيين بأنهم هم طلبوا منه وقف القصف'. وأضافت: "بخلاف طائرات دون طيار وصواريخ كروز، فإن الصواريخ الباليستية المضادة للسفن تشكل تحديا كبيرا، ورغم أنه من السهل رصدها، لكن من الصعب جدا اعتراضها، وقوتها التدميرية هائلة، وإصابة واحدة قد تعني تدمير سفينة بالكامل. صواريخ الحوثيين هذه مبنية على الصواريخ الإيرانية فتح-110، ومُعدّلة لتصيب أهداف بحرية متحركة". ووفق الصحيفة: "الحوثيون لم يُصيبوا أي سفينة، لكنهم اقتربوا جدا – وهذا كان كافيًا لتخويف واشنطن ووقف الحملة. هذا الحدث يُبرز أحد دروس الحروب الحديثة: أحيانًا لا تحتاج إلى الانتصار عسكريا، بل يكفيك تهديد الصورة والهيبة"، مشيرة إلى أن "الحوثيون عادوا لمهاجمة السفن مجددا منذ تموز/ يوليو، مما يدل على أن التهديد لم ينتهِ".