
بعد انتكاسة المفاوضات... هل يلوح اتفاق قريب في الأفق؟
تطورات دراماتيكية قد يفهمها البعض بأن مسار المفاوضات لإنجاز صفقة تبادل الأسرى قد انهار كلياً ودخل نفقاً مظلماً ، لكن القراءة المتأنية للمشهد تكشف أبعاداً أخرى أعمق وخيارات تتجاوز المواقف الإعلامية التي صدرت مقارنة بالمواقف الحقيقية على طاولة التفاوض.
جوهر الأزمة التي ظهرت يشير إلى رفض "إسرائيل" وأميركا المطلب الأساسي الذي تصر عليه المقاومة الفلسطينية ، ألا وهو الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وتحديداً من الأماكن السكنية، بمعنى أدق، انسحاب يؤدي ويمهد الطريق مفاوضات توصل إلى وقف إطلاق نار دائم في غزة، لا هدنة مؤقتة هشة تعيد "إسرائيل" لاستئناف عدوانها مجدداً.
في تفسير هذه المواقف تظهر جلياً معادلة القوة التي تفرضها المقاومة في المسار السياسي والتي ترى أن أي اتفاق يمكن أن يحدث لا يضمن انسحاباً كاملاً لقوات الاحتلال الإسرائيلي من مناطق سكنية توغل فيها داخل قطاع غزة يعني عملياً تكريساً لواقع من الاحتلال الإسرائيلي الجديد والحصار والتجويع والقتل البطيء لأكثر من مليوني فلسطيني في وقت تمنح فيه الإدارة الأميركية "إسرائيل" لفرض تنازلات جوهرية على المقاومة في قضايا أخرى مثل مفاتيح تبادل الأسرى وحدود الانسحاب مقابل هدنة إنسانية مؤقتة لستين يوماً بهدف إعادة ترتيب أوراقها عسكرياً.
ثمة سؤال يطرح نفسه هنا، هل فعلاً تمتلك "إسرائيل" القدرة على ابتزاز المقاومة الفلسطينية عسكرياً أكثر مما فعلت إلى الآن، فما روّجته قبل أشهر في حملتها العسكرية على غزة باسم حملة عربات جدعون لم يثنِ المقاومة عن شروطها ولم يؤثر في عملية التفاوض التي جرت.
في نظرة أعمق إلى الواقع الميداني في قطاع غزة وحتى قبل أقل من أربع وعشرين ساعة من كتابة هذا المقال، كان الميدان يتحدث عن وحل تورط فيه في قطاع غزة عبر العمليات المركزة التي نفذتها المقاومة ضد الدبابات الإسرائيلية في خان يونس وقبلها في بيت حانون.
وفق اعترافات معلنة نُشرت من قبل عدد كبير من محللي جيش الاحتلال الإسرائيلي وبعض قادته، فإن حملة عربات جدعون التي روّجها رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد إيال زامير كخطوة حاسمة لاستعادة الأسرى من قطاع غزة والقضاء على المقاومة، انتهت بفشل ذريع من دون تحقيق أهدافها الاستراتيجية، سواء على صعيد وقف الصواريخ أم القضاء على عمل المقاومة على الأرض، وأن هناك أحداثاً وقعت خلال هذه الحملة زادت من حالة الاستنزاف وإنهاك جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأصابت وحداته في مقتل في أكثر من عملية نفذتها المقاومة، بينما شهدت ساحات القتال في غزة زيادة في وتيرة العمليات المنظمة ضد الدبابات الإسرائيلية، وهذا ما شكل حال استنزاف كبير وصدمة لدى المؤسسة العسكرية في "إسرائيل"، وأحدث حالاً من الارتباك والصدمة في بيئة وُصفت بالصعبة والمعقدة وغير الصالحة للقتال من وجهة نظر كثيرين من الخبراء والمراقبين في "إسرائيل". اليوم 10:18
27 تموز 11:46
نجحت المقاومة الفلسطينية خلال حملة عربات جدعون في استثمار حال الإرهاق والاستنزاف الشديدين برفع الكلفة الميدانية على الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ أكثر من عملية وصفها كثير من المراقبين بالعمليات الجريئة التي لم تحدث طيلة سنوات الصراع بين "إسرائيل" والفلسطينيين.
حاولت "إسرائيل" مراراً وتكراراً رسم مشهد نصر وهمي أمام الجمهور الإسرائيلي، إلا أن هذه السياسة اصطدمت بتحولات كبيرة في المواقف الدولية تجاه ما يجري في قطاع غزة من عمليات قتل وتدمير وتجويع وصلت ذروتها، إذ باتت "إسرائيل" منبوذة وبشكل غير مسبوق، خاصة في أوروبا التي بدأت تمارس ضغوطاً ومواقفها تجاوزت بيانات الاستنكار إلى خطوات عملية ضد "إسرائيل"، كان آخرها فرنسا التي وجهت صفعة سياسية بإعلانها الاعتراف بدولة فلسطينية، ومثل هذا الموقف سيشجع دولاً أخرى على السير في الدرب ذاته ربما كانت مترددة في وقت سابق، ومثل هذه المواقف ستفقد "إسرائيل" أهم أوراقها السياسية، ألا وهي شرعية الاستمرار في القصف والحصار من دون مساءلة .
ثمة سؤال آخر يطرح نفسه، أمام هذه التطورات الحاصلة، هل انسحاب الوفدين الإسرائيلي والأميركي يعني نهاية المسار الدبلوماسي؟ أم هو ورقة ضغط جديدة هدفها إجبار المقاومة على تقديم تنازلات تحت تهديد القوة؟ في وقت ربما أظهرت المقاومة فيه بعضاً من المرونة في المواقف استشعاراً بمعاناة الفلسطينيين في قطاع غزة، الذين يتعرضون لسياسة القتل والتجويع، فُهم بطريقة خاطئة من "إسرائيل"، غير أن هذه المرونة لا تعني استعدادها لقبول أي صيغة تطال الثوابت لأي صفقة تسجل بها مكسباً سياسياً، دفعت ثمنه صموداً أسطورياً طوال الأشهر الماضية.
"إسرائيل" في الوقت الحالي وتحديداً في علاقتها مع قطاع غزة تواجه معضلة كبيرة، فهي لم تعد تملك أدوات ضغط كبيرة أو نوعية كافية أو جديدة فقد استخدمت كل شيء، باستثناء ما تملكه من قدرتها على القصف الجوي الهمجي الذي فشل أيضاً في كسر إرادة المقاومة أو تقليص قدرتها على فرض كلفة باهظة على جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الأشهر القليلة الماضية، ومع دخول الإجازة الصيفية للكنيست الإسرائيلي والتي تستمر ثلاثة أشهر، يجد نتنياهو نفسه مضطراً لتحقيق اختراق سياسي يحمي حكومته من محاولات إسقاطها من بعض شركائه، وتحديداً التحالف الذي يقوده بن غفير وسموتريتش، وهذا ما يفسر من خلال التلويح بالتصعيد المفاجئ والذي قد يكون للاستهلاك الإعلامي أكثر مما هو توجه حقيقي لشن عمليات عسكرية جديدة وواسعة في ظل حال التعثر للجيش على حسم المعركة ميدانياً لمصلحته، وفي ظل المآزق الداخلية التي يواجهها الجيش في قطاع غزة.
في الزاوية الأخرى من الصورة، بات واضحاً أن المقاومة الفلسطينية تراهن على عدة عوامل، أبرزها صمود الجبهة الداخلية في قطاع غزة، وبدء تبلور مواقف دولية كبيرة ضاغطة على "إسرائيل" في ظل حرب التجويع التي أحدثت زلزالاً سياسياً في المنطقة سيدفع "إسرائيل" للعودة إلى طاولة المفاوضات مجدداً بشروط تفاوضية أكثر واقعية، و طول أمد الحرب واستمرار المعاناة الإنسانية سيدفعان جميع الأطراف إلى استئناف العملية التفاوضية لحسم القضايا الجوهرية مثل مفاتيح الأسرى وسبل التبادل وخرائط الانسحاب من المناطق السكنية إلى الحدودية وفق معايير معينة، ونتنياهو يدرك أكثر من غيره أنه معني بحصد ثمار ما قبل الانتخابات المبكرة والاستحقاق المرتقب .
أمام هذه التطورات والمعطيات ، يمكن القول إن مشهد العودة إلى المفاوضات مفتوح على كل الاحتمالات، بمعنى أدق، أن ما جرى ليس توقفاً كاملاً ولا انهياراً تاماً، هي فترة من عض الأصابع، لا تحسمها إلا طاولة المفاوضات، بل صلابة المواقف التي تمسكت بها المقاومة على الأرض طيلة الأشهر الماضية .
التاريخ يعلمنا دروساً مهمة وتحديداً في الحروب الطويلة، أن حال الاستنزاف الطويل قد تولّد صفقات كبرى ، وهذه الصفقات تحدث حينما يشعر طرف ما رغم ميزان قوته العسكرية بحال من الإرهاق والاستنزاف، والمشهد في قطاع غزة قد يدفع باتجاه اقتراب مثل هذه اللحظة، في وقت باتت فيه "إسرائيل" تشهد عزلة دولية غير مسبوقة ، ومواقف دولية مطالبة بشكل صريح بضرورة وقف الحرب .
الأيام القليلة المقبلة لن تكون سهلة على الفلسطينيين، ستشهد تطورات دراماتيكية غير متوقعة، لكنها ستكون كافية بالإجابة وحاسمة في الوقت نفسه، إلى أي المسارات سيذهب المشهد في قطاع غزة، وقد بدأت إرهاصاته في حركة تحول واضح في الإعلان المفاجىء عن نية "إسرائيل" فتح ممرات إنسانية لإدخال المساعدات ومواقف أميركية جديدة مطالبة بوقف الحرب بشكل تام، في تفسير واضح على بداية النزول عن الشجرة، وهذا المسار في حال تحقق عملياً سيشمل هدنة ثم نهاية لحرب وحشية طالت الأخضر واليابس، لكن نهايتها ستكون إنهاء العدوان وتحرير الأسرى وفشل مشاريع التجويع والحصار والتهجير .
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


LBCI
منذ 21 دقائق
- LBCI
بيان صادر عن مكتب نادر الحريري... هذا ما جاء فيه
أصدر المكتب الإعلامي لنادر الحريري بيانًا أشار فيه إلى أنه "منذ أكثر من أسبوع، يتعرض نادر الحريري لحملة ممنهجة وممولة من جهات معروفة، سبقت ورافقت شكوى افترائية لا تمت إلى الحقيقة والواقع بأي صلة، في محاولة فاضحة للتأثير على القضاء وتضليل الرأي العام. وقد جرى زج حقوق المودعين في "بنك الاعتماد الوطني ش.م.ل." في هذه الحملة المغرضة، علمًا أن المصرف كان قد أصدر بتاريخ 24 تموز الماضي بيانًا واضحًا نفى فيه ما يتم الترويج له عبر بعض المواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، مؤكدًا التزامه الكامل بالقوانين المرعية وحرص إدارته على حماية حقوق المودعين والقيمين عليه." وقال البيان إن "هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها نادر الحريري لحملات مماثلة، سرعان ما ارتدت على أصحابها وسقطت أمام الحقائق الدامغة التي فضحت محاولات الابتزاز والتشهير الرامية للنيل من سمعته ومكانته في المجتمع. واستمرار هذه الحملات اليوم لا يعدو كونه محاولة يائسة للضغط على القضاء وتضليل الرأي العام بمعلومات ملفقة تخالف كل الأصول والأعراف والقوانين." ولفت البيان إلى أنه "إزاء ذلك، يؤكد نادر الحريري التزامه المطلق بسقف القانون، وأنه سيتقدم أمام القضاء المختص بكل المراجعات والإجراءات اللازمة لدحض هذه الأكاذيب وحماية حقوقه كاملة. كما يشدد على أنه غير معني بكل ما يروج من "قيل وقال"، محتفظًا بما لديه من معطيات ومستندات احترامًا للمسار القانوني القائم والتي سيتم تقديمها في الوقت المناسب امام المراجع المختصة، ومؤكدًا أنه لن يتهاون في ملاحقة كل من تسول له نفسه التطاول على اسمه وكرامته."


الميادين
منذ 36 دقائق
- الميادين
أكثر من ألف موظف في الاتحاد الأوروبي في رسالة: ندعو إلى تعليق العلاقات الدبلوماسية مع "إسرائيل"
أكثر من ألف موظف في الاتحاد الأوروبي في رسالة: ندعو إلى تعليق العلاقات الدبلوماسية مع "إسرائيل"


الميادين
منذ ساعة واحدة
- الميادين
مسؤول سابق في "الشاباك": حماس لن ترفع الراية البيضاء حتى لو بعد 100 عام
أقرّ المسؤول السابق في "الشاباك"، إيلان سيجيف، أنّ حركة حماس "لن تتخلى عن سلاحها، ولن وترفع الراية البيضاء حتى لو بعد 100 عام". وأكد سيجيف، في حديث مع قناة "كان" الإسرائيلية، أنّه حتى لو "بقي 3 عناصر من حماس فإنهم سيشكلون خلية وسينفذون هجوماً". اليوم 18:38 اليوم 17:09 ودعا سيجيف إلى الحذر من الكلام، بشأن تخلي حماس عن سلاحها، وقال "تعالوا نوقف بيع الهراء والأوهام للجمهور". وأضاف سيجيف أنّ الوقت قد حان لقول "كل شيء" (في إشارة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة) مقابل جميع الأسرى الإسرائيليين. وتواصل المقاومة الفلسطينية تنفيذ العمليات والكمائن ضد "جيش" الاحتلال في محاور توغّله في قطاع غزة، وتوقع جنوده بين قتيل وجريح.