سورية إلى استعادة الحياة البرلمانية
شكّل الرئيس السوري أحمد الشرع "اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب"، في خطوة تؤسّس لاستعادة الحياة البرلمانية، بعد انهيار نظام الاستبداد، وتنهي عقوداً من العدمية السياسية، وتدفع إلى بناء دولة ديمقراطية حديثة، قدّم السوريون ثمناً باهظاً من أجل الوصول إليها. وأناط المرسوم الرئاسي باللجنة الإشراف على تشكيل هيئات فرعية في المحافظات، تنتخب ثلثي أعضاء "مجلس الشعب"، على أن يعيّن الرئيس الثلث الأخير كما نصّ الإعلان الدستوري الناظم للحياة السياسية للبلاد خلال الفترة الانتقالية، والمحدّدة بنحو خمس سنوات. ويتكون المجلس التشريعي المنتظر من 150 عضواً، موزّعين حسب عدد السكان على المحافظات، وفق فئتي الأعيان والمثقفين، ووفق شروط تقرّها اللجنة العليا للانتخابات.
ولم يحدّد المرسوم فترة لهذه اللجنة للانتهاء من مهامها التي تتطلب زيارة المحافظات السورية لتشكيل هيئات ناخبة. ولا تزال واحدة من أكبر المحافظات السورية وأكثرها أهمية، وهي الحسكة، خارج سيطرة الدولة السورية، فضلاً عن الجزء الأكبر من محافظتي الرقّة، وجانب من محافظة دير الزور وآخر من ريف حلب الشمالي الشرقي، وكل هذه المناطق تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي لم تدخل الحياة السياسية في البلاد بعد. وحافظ المرسوم على التسمية التي كانت معتمدة لدى النظام البائد للمجلس التشريعي، وهي "مجلس الشعب"، ما فجّر مخاوف لدى قطاع واسع من السوريين من اتجاه الإدارة إلى اتباع الآليات نفسها التي اعتمدها "البائد" في اختيار أعضاء هذا المجلس. وبعد تشكيل اللجنة، دبّت الحياة من جديد في مبنى المجلس في سوق الصالحية في دمشق، والذي يعد من معالم العاصمة السياسية، ويرتبط بذاكرة السوريين ارتباطاً كبيراً، فهو عنوان بارز لمجدهم من جهة، وغفلتهم من جهة أخرى.
في 1928، جرت انتخابات لـ"مجلس تأسيسي" وضع أول دستور للبلاد، في أعقاب القضاء على الثورة السورية الكبرى
عرف السوريون الحياة البرلمانية قبل 105 سنوات، فبلادهم كانت من الدول العربية السبّاقة في هذا المجال الذي لم يكن سائداً في هذه الدول، سواء التي كانت تحت سلطة الدولة العثمانية أو خارجها. ويُنظر إلى المؤتمر السوري الأول في منتصف عام 1919 في النادي العربي بدمشق بعد خروج الأتراك من سورية أنه أول صيغة تشريعية تمثيلية للشعب في التاريخ السياسي للبلاد. وكان عدد أعضائه 90 عضواً من أنحاء سورية الطبيعية كافة (سورية، لبنان، الأردن، فلسطين)، واستمرّت أعماله نحو عام، شرّع خلاله الحكم الملكي بقيادة فيصل بن الحسين (1883- 1933)، وصاغ أول دستور في تاريخ البلاد، اختار النظام البرلماني الدستوري للحكم. ولكنه لم يدم، فمع دخول الفرنسيين إلى سورية منتصف عام 1920 حلّت قوة الانتداب المؤتمر السوري، وبذلك دخلت البلاد فراغاً سياسياً وثورات ضد قوة الاحتلال الجديدة التي قسّمت سورية إلى دويلات على أسس طائفية فجة.
وفي 1928، جرت انتخابات لـ"مجلس تأسيسي" وضع أول دستور للبلاد، في أعقاب القضاء على الثورة السورية الكبرى، ذهبت أغلب مقاعده إلى "الكتلة الوطنية" التي كانت أبرز التشكيلات السياسية في ذاك الحين. لكن الفرنسيين عطّلوا المجلس بسبب الخلاف على مواد الدستور إلى أن جرت انتخابات أخرى في 1932، ثم جرت انتخابات أخرى في 1936. ولكن اندلاع الحرب العالمية الثانية في 1939 أدّى إلى تعطيل الدستور في سورية إلى 1943، حيث نُظّمت انتخابات برلمانية فازت بها "الكتلة الوطنية" مرة أخرى. وفي 29 مايو/ أيار، رفضت حامية المجلس النيابي في دمشق إنزال العلم السوري عنه وتحية العلم الفرنسي، فقصفت القوات الفرنسية المبنى ما أدّى إلى مقتل عناصر من هذه الحامية، في موقف بطولي لا يزال حاضراً في الذاكرة، مهّد الطريق أمام استقلال سورية وخروج الفرنسيين منها بشكل نهائي في إبريل/ نيسان 1946. وبعد استقلال سورية بعام، نُظّمت انتخابات جديدة نتج عنها مجلس نيابي لم يعمّر طويلاً، فقد وقع في 1949 أول انقلاب عسكري في سورية، قاده حسني الزعيم الذي قتل بعد أشهر في انقلاب آخر قاده سامي الحناوي والذي لقي هو الآخر حتفه في 1950. ولكن يُحسب لهذا الرجل أنه رفض تولي السلطة بنفسه، وسلّمها لسياسيين تقليديين وانتخبت جمعية تأسيسية وضعت الدستور الأشهر في 1950. في نهاية 1949 شهدت البلاد انقلاباً ثالثاً قاده أديب الشيشكلي الذي حيّد الدستور، ووضع دستوراً آخر أجريت على أساسه انتخابات لمجلس نيابي جديد راحت أغلب مقاعده لحركة التحرير العربي (تزعّمها أديب الشيشكلي)، والحزب القومي السوري. في 1954، غادر الشيشكلي البلاد بعد انقلاب عليه. وفي سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، عادت الحياة البرلمانية إلى سورية، فجرت انتخابات دفعت أحزاباً قومية إلى الواجهة، مثل حزب البعث العربي الاشتراكي. أقر ذاك المجلس الوحدة مع مصر في 1958، والتي لم تدم طويلاً فحدث الانفصال في 1961 أعقبته انتخابات نيابية كانت الأخيرة في البلاد التي دخلت عام 1963 مرحلة جديدة ساد فيها الاستبداد وتحكّم الحزب الواحد بالحياة السياسية. استولى في 1970 حافظ الأسد على السلطة ووضع في 1974 دستوراً نص على أن حزب البعث "قائد الدولة والمجتمع"، واعتمد على مبدأ تعيين أعضاء مجلس الشعب من الحزب الحاكم وأحزاب ما سمّيت "الجبهة الوطنية"، التي تدور في فلكه وبعض المستقلين المقرّبين منه. وفي عقد التسعينيات، سمح الأسد بانتخابات للمستقلين، ما سمح بدخول بعض الأسماء المعارضة للنظام، لعل أبرزها رياض سيف، والذي لم يحتمل النظام وجود معارض حقيقي له تحت قبّة مجلس الشعب، فاعتقله سنوات.
مرّ قرن وأكثر على أول تجربة نيابية ديمقراطية في سورية، تجدّد آمال السوريين باستعادتها بشكل أكثر تطوّراً وتمثيلاً وقدرة على الفعل
في منتصف عام 2000 توفي حافظ الأسد، فاجتمع مجلس الشعب بعد شهر وعدّل خلال دقائق المادة 83 من الدستور التي تنص على أن سن الرئيس يمكن أن تكون 34 سنة، وهي سن بشار الأسد في ذلك الوقت. جرت قبل انطلاق الثورة السورية في ربيع 2011 أكثر من عملية انتخابية، كلها كرّست سلطة حزب البعث، وسطوة الأجهزة الأمنية في بلاد بلا سياسة. في 2012 وفي سياق محاولات فاشلة لوأد الثورة، وضع بشّار الأسد دستوراً على مقاسه، ألغى شكلاً المادة الثامنة من دستور أبيه والتي تنص على قيادة "البعث" الدولة والمجتمع. لم يتغيّر شيء في المشهد السياسي على الإطلاق، ما خلا إدخال النظام البائد متهمين بارتكاب جرائم حرب ومتزعمي مليشيات وتجار مخدّرات الى مجلس الشعب الذي كان يكتفي بالفرجة على بلاد تحترق طوال سنوات. كان مجرّد واجهة خالية من أي قيمة سياسية، مهمّته التصديق على ما يردّه من قوانين صادرة عن بشار الأسد لا أكثر ولا أقل. لم يكن السوري يعيره أي اهتمام وأي احترام، تعلوه الكآبة كلّما مرّ في شارع الصالحية أمام مبنى البرلمان الذي كان عنواناً بائساً للعجز والاستبداد واللهو السياسي الماجن، والعدمية.
مرّ قرن وأكثر على أول تجربة نيابية ديمقراطية في سورية، تجدّد آمال السوريين باستعادتها بشكل أكثر تطوّراً وتمثيلاً وقدرة على الفعل، وربما يعتبر تشكيل "اللجنة العليا للانتخابات"، خطوة في اتجاه حياة برلمانية حقيقية بناء على دستور عصري يفتح أبواب سورية ونوافذها التي ظلت مغلقة حيناً ثقيلاً من الزمان، أمام التغيير الذي دفع من أجله السوريون ثمناً باهظاً، لتعبيد الطريق أمام مجلس حقيقي لـ الشعب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

العربي الجديد
منذ 9 ساعات
- العربي الجديد
سورية إلى استعادة الحياة البرلمانية
شكّل الرئيس السوري أحمد الشرع "اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب"، في خطوة تؤسّس لاستعادة الحياة البرلمانية، بعد انهيار نظام الاستبداد، وتنهي عقوداً من العدمية السياسية، وتدفع إلى بناء دولة ديمقراطية حديثة، قدّم السوريون ثمناً باهظاً من أجل الوصول إليها. وأناط المرسوم الرئاسي باللجنة الإشراف على تشكيل هيئات فرعية في المحافظات، تنتخب ثلثي أعضاء "مجلس الشعب"، على أن يعيّن الرئيس الثلث الأخير كما نصّ الإعلان الدستوري الناظم للحياة السياسية للبلاد خلال الفترة الانتقالية، والمحدّدة بنحو خمس سنوات. ويتكون المجلس التشريعي المنتظر من 150 عضواً، موزّعين حسب عدد السكان على المحافظات، وفق فئتي الأعيان والمثقفين، ووفق شروط تقرّها اللجنة العليا للانتخابات. ولم يحدّد المرسوم فترة لهذه اللجنة للانتهاء من مهامها التي تتطلب زيارة المحافظات السورية لتشكيل هيئات ناخبة. ولا تزال واحدة من أكبر المحافظات السورية وأكثرها أهمية، وهي الحسكة، خارج سيطرة الدولة السورية، فضلاً عن الجزء الأكبر من محافظتي الرقّة، وجانب من محافظة دير الزور وآخر من ريف حلب الشمالي الشرقي، وكل هذه المناطق تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي لم تدخل الحياة السياسية في البلاد بعد. وحافظ المرسوم على التسمية التي كانت معتمدة لدى النظام البائد للمجلس التشريعي، وهي "مجلس الشعب"، ما فجّر مخاوف لدى قطاع واسع من السوريين من اتجاه الإدارة إلى اتباع الآليات نفسها التي اعتمدها "البائد" في اختيار أعضاء هذا المجلس. وبعد تشكيل اللجنة، دبّت الحياة من جديد في مبنى المجلس في سوق الصالحية في دمشق، والذي يعد من معالم العاصمة السياسية، ويرتبط بذاكرة السوريين ارتباطاً كبيراً، فهو عنوان بارز لمجدهم من جهة، وغفلتهم من جهة أخرى. في 1928، جرت انتخابات لـ"مجلس تأسيسي" وضع أول دستور للبلاد، في أعقاب القضاء على الثورة السورية الكبرى عرف السوريون الحياة البرلمانية قبل 105 سنوات، فبلادهم كانت من الدول العربية السبّاقة في هذا المجال الذي لم يكن سائداً في هذه الدول، سواء التي كانت تحت سلطة الدولة العثمانية أو خارجها. ويُنظر إلى المؤتمر السوري الأول في منتصف عام 1919 في النادي العربي بدمشق بعد خروج الأتراك من سورية أنه أول صيغة تشريعية تمثيلية للشعب في التاريخ السياسي للبلاد. وكان عدد أعضائه 90 عضواً من أنحاء سورية الطبيعية كافة (سورية، لبنان، الأردن، فلسطين)، واستمرّت أعماله نحو عام، شرّع خلاله الحكم الملكي بقيادة فيصل بن الحسين (1883- 1933)، وصاغ أول دستور في تاريخ البلاد، اختار النظام البرلماني الدستوري للحكم. ولكنه لم يدم، فمع دخول الفرنسيين إلى سورية منتصف عام 1920 حلّت قوة الانتداب المؤتمر السوري، وبذلك دخلت البلاد فراغاً سياسياً وثورات ضد قوة الاحتلال الجديدة التي قسّمت سورية إلى دويلات على أسس طائفية فجة. وفي 1928، جرت انتخابات لـ"مجلس تأسيسي" وضع أول دستور للبلاد، في أعقاب القضاء على الثورة السورية الكبرى، ذهبت أغلب مقاعده إلى "الكتلة الوطنية" التي كانت أبرز التشكيلات السياسية في ذاك الحين. لكن الفرنسيين عطّلوا المجلس بسبب الخلاف على مواد الدستور إلى أن جرت انتخابات أخرى في 1932، ثم جرت انتخابات أخرى في 1936. ولكن اندلاع الحرب العالمية الثانية في 1939 أدّى إلى تعطيل الدستور في سورية إلى 1943، حيث نُظّمت انتخابات برلمانية فازت بها "الكتلة الوطنية" مرة أخرى. وفي 29 مايو/ أيار، رفضت حامية المجلس النيابي في دمشق إنزال العلم السوري عنه وتحية العلم الفرنسي، فقصفت القوات الفرنسية المبنى ما أدّى إلى مقتل عناصر من هذه الحامية، في موقف بطولي لا يزال حاضراً في الذاكرة، مهّد الطريق أمام استقلال سورية وخروج الفرنسيين منها بشكل نهائي في إبريل/ نيسان 1946. وبعد استقلال سورية بعام، نُظّمت انتخابات جديدة نتج عنها مجلس نيابي لم يعمّر طويلاً، فقد وقع في 1949 أول انقلاب عسكري في سورية، قاده حسني الزعيم الذي قتل بعد أشهر في انقلاب آخر قاده سامي الحناوي والذي لقي هو الآخر حتفه في 1950. ولكن يُحسب لهذا الرجل أنه رفض تولي السلطة بنفسه، وسلّمها لسياسيين تقليديين وانتخبت جمعية تأسيسية وضعت الدستور الأشهر في 1950. في نهاية 1949 شهدت البلاد انقلاباً ثالثاً قاده أديب الشيشكلي الذي حيّد الدستور، ووضع دستوراً آخر أجريت على أساسه انتخابات لمجلس نيابي جديد راحت أغلب مقاعده لحركة التحرير العربي (تزعّمها أديب الشيشكلي)، والحزب القومي السوري. في 1954، غادر الشيشكلي البلاد بعد انقلاب عليه. وفي سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، عادت الحياة البرلمانية إلى سورية، فجرت انتخابات دفعت أحزاباً قومية إلى الواجهة، مثل حزب البعث العربي الاشتراكي. أقر ذاك المجلس الوحدة مع مصر في 1958، والتي لم تدم طويلاً فحدث الانفصال في 1961 أعقبته انتخابات نيابية كانت الأخيرة في البلاد التي دخلت عام 1963 مرحلة جديدة ساد فيها الاستبداد وتحكّم الحزب الواحد بالحياة السياسية. استولى في 1970 حافظ الأسد على السلطة ووضع في 1974 دستوراً نص على أن حزب البعث "قائد الدولة والمجتمع"، واعتمد على مبدأ تعيين أعضاء مجلس الشعب من الحزب الحاكم وأحزاب ما سمّيت "الجبهة الوطنية"، التي تدور في فلكه وبعض المستقلين المقرّبين منه. وفي عقد التسعينيات، سمح الأسد بانتخابات للمستقلين، ما سمح بدخول بعض الأسماء المعارضة للنظام، لعل أبرزها رياض سيف، والذي لم يحتمل النظام وجود معارض حقيقي له تحت قبّة مجلس الشعب، فاعتقله سنوات. مرّ قرن وأكثر على أول تجربة نيابية ديمقراطية في سورية، تجدّد آمال السوريين باستعادتها بشكل أكثر تطوّراً وتمثيلاً وقدرة على الفعل في منتصف عام 2000 توفي حافظ الأسد، فاجتمع مجلس الشعب بعد شهر وعدّل خلال دقائق المادة 83 من الدستور التي تنص على أن سن الرئيس يمكن أن تكون 34 سنة، وهي سن بشار الأسد في ذلك الوقت. جرت قبل انطلاق الثورة السورية في ربيع 2011 أكثر من عملية انتخابية، كلها كرّست سلطة حزب البعث، وسطوة الأجهزة الأمنية في بلاد بلا سياسة. في 2012 وفي سياق محاولات فاشلة لوأد الثورة، وضع بشّار الأسد دستوراً على مقاسه، ألغى شكلاً المادة الثامنة من دستور أبيه والتي تنص على قيادة "البعث" الدولة والمجتمع. لم يتغيّر شيء في المشهد السياسي على الإطلاق، ما خلا إدخال النظام البائد متهمين بارتكاب جرائم حرب ومتزعمي مليشيات وتجار مخدّرات الى مجلس الشعب الذي كان يكتفي بالفرجة على بلاد تحترق طوال سنوات. كان مجرّد واجهة خالية من أي قيمة سياسية، مهمّته التصديق على ما يردّه من قوانين صادرة عن بشار الأسد لا أكثر ولا أقل. لم يكن السوري يعيره أي اهتمام وأي احترام، تعلوه الكآبة كلّما مرّ في شارع الصالحية أمام مبنى البرلمان الذي كان عنواناً بائساً للعجز والاستبداد واللهو السياسي الماجن، والعدمية. مرّ قرن وأكثر على أول تجربة نيابية ديمقراطية في سورية، تجدّد آمال السوريين باستعادتها بشكل أكثر تطوّراً وتمثيلاً وقدرة على الفعل، وربما يعتبر تشكيل "اللجنة العليا للانتخابات"، خطوة في اتجاه حياة برلمانية حقيقية بناء على دستور عصري يفتح أبواب سورية ونوافذها التي ظلت مغلقة حيناً ثقيلاً من الزمان، أمام التغيير الذي دفع من أجله السوريون ثمناً باهظاً، لتعبيد الطريق أمام مجلس حقيقي لـ الشعب.


العربي الجديد
منذ 2 أيام
- العربي الجديد
توقيع اتفاقية لإنشاء محكمة خاصة بأوكرانيا وروسيا ترفضها
أعلنت روسيا، اليوم الخميس، أنها ستتجاهل أحكام المحكمة الخاصة التي تهدف إلى محاكمة كبار المسؤولين الروس ، بعدما وقعت أوكرانيا ومجلس أوروبا المعني بحقوق الإنسان، أمس الأربعاء، اتفاقاً يشكل حجر الأساس لإنشاء المحكمة. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا للصحافيين إن "عمل هذه الهيئة وقراراتها لن تكون ذات قيمة بالنسبة لنا. سنعتبر انضمام أي دولة إليها عملاً عدائياً". ووقع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأمين العام لمجلس أوروبا آلان بيرسيه الاتفاق بمقر المجلس في مدينة ستراسبورغ الفرنسية. وقال زيلينسكي خلال مراسم التوقيع "هذه خطوة بالغة الأهمية حقاً. يجب أن يعرف كل مجرم حرب أن العدالة ستتحقق، وهذا يشمل روسيا. نحن الآن نعزز العمل القانوني بطريقة جادة". وأضاف "ما زال الطريق طويلاً أمامنا. واتفاق اليوم ليس إلا البداية. علينا اتخاذ خطوات حقيقية حتى ينجح. وسيتطلب الأمر تعاوناً سياسياً وقانونياً وثيقاً للتأكد من أن كل مجرم حرب روسي سيواجه العدالة، بما في ذلك (الرئيس فلاديمير) بوتين". وطالبت أوكرانيا بإنشاء مثل هذه المحكمة منذ بدء الحرب الروسية عليها في فبراير/ شباط 2022، متهمة القوات الروسية بارتكاب آلاف من جرائم الحرب، كما تعتزم محاكمة الروس على تنظيم الغزو. ووافق مجلس أوروبا المكون من 46 عضواً، والذي تأسس في أعقاب الحرب العالمية الثانية لدعم حقوق الإنسان وسيادة القانون، على المحكمة في مايو/أيار، قائلاً إن الهدف منها هو أن تكون مكملة للمحكمة الجنائية الدولية وتسد الثغرات القانونية في الملاحقات القضائية. وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت مذكرة اعتقال بحق بوتين، تتهمه بترحيل مئات الأطفال من أوكرانيا بشكل غير قانوني. ونظرياً يمكن لهذه المحكمة مقاضاة كبار المسؤولين الروس عن الغزو الروسي لأوكرانيا وصولاً إلى الرئيس بوتين. ويأمل مجلس أوروبا أن تبدأ المحكمة عملها العام المقبل. تبادل مجموعة جديدة من الأسرى من ناحية أخرى، تبادلت أوكرانيا وروسيا مجموعة جديدة من الجنود الأسرى اليوم بموجب اتفاق أبرم خلال محادثات في إسطنبول في وقت سابق من هذا الشهر. وقال زيلينسكي على وسائل التواصل الاجتماعي: "اليوم، يعود محاربون من القوات المسلحة والحرس الوطني وحرس الحدود إلى ديارهم"، ونشر صوراً للعسكريين المحررين وهم يبتسمون. وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان: "عادت مجموعة أخرى من العسكريين الروس من الأراضي التي يسيطر عليها نظام كييف". في الأثناء، نقلت وكالة "إنترفاكس" للأنباء عن الكرملين اليوم أنه لم يجر إحراز أي تقدم حتى الآن فيما يتعلق بتحديد موعد للجولة المقبلة من محادثات السلام مع أوكرانيا. ونقلت وكالة "تاس" عن المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، قوله إن روسيا تؤيد استمرار جهود الوساطة الأميركية. أخبار التحديثات الحية أردوغان: ترامب سيأتي إلى تركيا إذا حضر بوتين وبعد انقطاع دام أكثر من ثلاث سنوات، استأنفت روسيا وأوكرانيا محادثات مباشرة في إسطنبول في 16 مايو/أيار وفي الثاني من يونيو/ حزيران، في ما أدى إلى سلسلة من عمليات تبادل الأسرى وإعادة جثث الجنود القتلى. إلا أن هذه المحادثات لم تحقق أي تقدم يذكر نحو التوصل إلى وقف إطلاق النار الذي تسعى أوكرانيا، بدعم من الغرب، من أجل الوصول إليه. (فرانس برس، رويترز، العربي الجديد)


العربي الجديد
منذ 2 أيام
- العربي الجديد
كان مفترضاً أن تكون ألف مدينة
كنّا نقرأ في العام 2000 على مقاعد الدراسة في كتاب "عالم جديد" لجيروم بانديه وفيديركو مايور عن برنامج الامم المتحدة الٳنمائي، وعن أن العالم يحتاج إلى ألف مدينة، إلى ألف حكاية، تبدأ من نافذة، لا من مدن ذاهبة من دمارٍ ٳلى آخر، فتقتل الحرب في الشرق الأوسط كل ما تقع عليه تحت وطأة القنابل الٳسرائيلية والأميركية، وفي شروط سلام صارت أصعب بعد المواجهة الٳسرائيلية – الٳيرانية أخيراً، مع حفاظ ٳسرائيل على حالة من عدم الاستقرار، بل الفوضى على حدودها المجاورة والبعيدة، التي لم تكن موضع معاهدات سلام، اعتماداً على القوة فترة طويلة، ما قد يغني عن أي تسويةٍ سلمية. فكرة أن تجرّ ٳسرائيل العالم ٳلى حربٍ أبدية خاصة بها، لمنع قيام دولة فلسطينية مستقلّة. هذا ما صنعه بنيامين نتنياهو في غزّة، وما يفعله في الضفة الغربية، بينما يواصل جيشه، علاوة على ذلك قصف لبنان وسورية واليمن وٳيران كما يشاء. وهذا ما حلمت به الأحزاب القومية المتطرّفة والعنصرية، والتي تشكل جزءاً من الائتلاف الحاكم الأكثر يمينية في تاريخ الدولة اليهودية. وها هو البحر الأبيض المتوسط مسرحاً لتراكم مجموعة كبيرة من الحروب والنزاعات والصراعات الحضارية الراهنة، والمناقشات حول مستقبل السلاح النووي في مآلاته الكارثية. الناس خائفون، ٳنهم في مرمى النيران، وكل العالم اليوم يخاف من العالم، والشرعية الدولية، والسلطات تتفكّك، وتتحوّل إلى عالم هشّ. كان من المفترض أن تكون المدن أوطاناً للكرامة، مراكز للإبداع، لا مسارح للرعب في ظل سلام عالمي يتدهور، وشرعيّة خانقة واقتصاد منهك في عولمة اقتصادية (مفترض أن تكون عولمة العدالة والقانون والديمقراطية)، ونخبٍ عالمية تعاني فقدان السيطرة على المشهدين، السياسي والاجتماعي. لا توجد حالياً تدخّلات مدروسة بعناية من الحكومات والخبراء لرسم استراتيجية عالمية لٳنهاء الحروب، سواء في أوكرانيا أو غزّة، أو غيرهما، ووقف ما خلفته من تهجير ونزوح، ورؤية الحدود الحقيقية للقوة العسكرية الأميركية الصلبة في العقود الأخيرة، وما تنوي الدولة اليهودية أن تفعله بقوتها، مدعومة من أميركا ومن الذكاء الاصطناعي وأجهزة الاستخبارات التي أثبتت تفوّقها في لبنان وٳيران. تكلفة الإفراط في استخدامات القوة باهظة جدّاً، في حين أن حل مشكلتي الجوع والفقر ومواجهة تحدّيات المناخ في العالم، لا تحتاج ٳلى حرب عالمية ثالثة، بل ٳلى ٳرادة سياسية، وكذلك التفكير في ٳعادة ٳحياء المدينة بالحقوق الممنوحة للمجتمعات المدنية وحقوق الٳنسان، وبوجود مساحة عالمية للديمقراطية ومدّها بالاستدامة والاستقرار والتنمية... هذه هي الأولوية، فيما تعكسه سياسات وقف الحرب في المنطقة (مشكورة قيادة دولة قطر) من ٳعادة الٳحساس بالتوازن السياسي في الشرق الأوسط وفي العالم. لكن لا ضمانات مع مجرى الأحداث في لغتها وتقلباتها وتحوّلاتها التي تجعل الناس تبدأ بالمطالبة بمنقذ من أمور متتابعة ومتشابهة على شكل تراجيديا دموية وسط عوالم أفرغت من كل مساءلة. ولم يأت الاقتناع بأن الدولة العبرية في حساباتها السياسية بشأن فلسطين وٳيران ودول الجوار في وضعٍ يسمح لها بٳعادة تشكيل الشرق الأوسط بشكل أعمق ولأفضل حال. تبدو عائدات السلام العالمي قد اختفت مع ارتفاع الميزانيات العسكرية ٳلى أعلى مستوى لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ظنّ العالم أنه تخلّص من القرن العشرين وجنونه، وأن العالم الجديد سيولد من المدن والنواحي السويولوجيّة والديمغرافيّة والأنثروبولوديّة والعمرانية والتنموية والبيئية بوصفها مراكز للسلام والحرية والعدالة والتضامن ومن تاريخ جديد ديمقراطي، لا من حروب الأنظمة الدينية والقومية المغلقة المرتبطة بها، والتي خلفت تداعيات عرضت ذاكرة المدينة وهويتها لمخاطر حقيقية ضاعفت من حدّتها وجسامتها النزاعات الداخلية التي احتدمت أكثر في البلدان العربية. وبلغت التحولات ذروتها في ما خلفته من دمار وتهجير وأسر ضحية البؤس والفقر والٳحباط والعزلة والٳقصاء وتصاعد الراديكالية والعنف... هي فوضى كبيرة، والموضوعات التي ترتبط فيها لا تعدّ ولا تحصى، وسببها الأساسي الظاهرة الٳسرائيلية المعزولة، وتنفيذها سياسات واسعة النطاق في الاحتلال والتوسع والعنصرية. افتُتح القرن الواحد والعشرون على مشهد البرجين في نيويورك يسقطان، ومن تحتهما، سقطت ألف مدينة أخرى لم تُبْنَ بعد. من نيويورك إلى بغداد، من الموصل إلى صنعاء والخرطوم وطرابلس الغرب، من غزّة إلى بيروت، ومن دمشق وحمص وحلب إلى طهران وشيراز وأصفهان.. المدن لم تعد مدناً، بل باتت جبهات، مواقع قصف مباشر، أهدافاً دقيقة في بيانات الحرب. وتهدّد الحرب بصورة خطيرة الهياكل الاجتماعية وٳدارتها، وكل ما يرتبط بالتنوع الأحيائي الجوهري بالقيم الٳنسانية وأنماطها، وتحرّم كرامة كل من يقيمون فيها في مدن الشرق الأوسط، (ويبدو هذا في المستقبل مع مدن أخرى قابلة للتجزئة لجهة المخاطر التي تتهدّدها). صارت المدينة فضيحة عالمية مع الحروب بشكلها المتطرّف من العزل وتهديد الموارد وفي وسائل التدمير والهجرات الاجتماعية والتوترات والنزاعات المرتبطة بفقدان الأمن الغذائي. كم مات في كييف وفي غزّة؟ كم بقي من جروح؟ من يحمل مفاتيح العودة؟ ومن يملك رخصة الهدم وٳعادة الٳعمار؟ ومن يملك بعدها توسيع فرص السلام في عقول الناس بمكاسب حاسمة أكثر بكثير من الحرب على المستقبل؟ المدينة التي كان يُفترض أن تكون حضناً للجميع لم ينجح العالم في حمايتها، ويكشف الوضع السائد عن فشل القوة، وكذلك النظام الاقتصادي الذي يقدم القروض والسلاح معاً. ويبدو العالم في القرن الحادي والعشرين في أقصى التفتت، وأقصى العنف. وتبدو عائدات السلام العالمي قد اختفت مع ارتفاع الميزانيات العسكرية ٳلى أعلى مستوى لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. صارت المدينة فضيحة عالمية مع الحروب بشكلها المتطرّف من العزل وتهديد الموارد وفي وسائل التدمير والهجرات الاجتماعية بعد أحداث 11 سبتمبر (2001)، بدأ ٳرهاب المدن الكبرى. بدأ كل ما يجري كأنه يردُّ على العالم الجديد، لا ليفنّده فقط، بل ليفجّره. والحرب أسوأ الخيارات، وكثيراً ما تكون أسهلها، مع السهولة المسؤولة عن قتل المدنيين، والسهولة المسؤولة للقادة الأيديولوجيين (وحتى الليبراليين) محبّي الحرب بحسابات أنانية قصيرة الأجل. صار يُنظر إلى المدن "أهدافاً" استراتيجية، لتُقصف بوصفها مراكز عسكرية. وكأن المدن، بدل أن تكون منارات الألفية، صارت ساحاتٍ لتصفية الحسابات بين القرنين، العشرين والواحد والعشرين. أراد العالم ألف مدينة، فأعطي ألف جبهة، وها نحن نعيش زمناً لم يعد يفرّق بين المدينة مكاناً للعيش والمدينة مكاناً للموت المتلفز.لا بوصفه صراعاً بين جيوش، بل قصة مدن تُستهدف، تُحاصر، تُهدم، تُخنق. لم تعد الحرب مجرّد مواجهة عسكرية في ساحات تقليدية، بل أصبحت حرباً على الحياة اليومية، تُشنّ على الكهرباء والماء والمستشفيات (وما أكثرها في غزّة)، على الأطفال والنساء وٳرهاب المدنيين، وعلى البيوت التي كانت مأوى فأصبحت قبوراً، على الطرق التي كانت توصل الناس بعضهم ببعض، فصارت تفصلهم بالموت، فالمدينة لم تعد محايدة، بل تحوّلت إلى جبهة، وربما إلى الضحية الأوضح. هو كلام هاملت... وليس كلام أي رجلٍ آخرعلى "تروث سوشال". هنا القوة! تغريدةٌ واحدة تُسقط بورصة، أخرى تُحيي صفقة، ثالثة تُعلن حرباً ثم تُلغيها في مشهد سياسي عالمي جديد مركّب، يعيد تشكيل العالم وجغرافيا المنطقة. صورة الخوف الكبير القائم في الشرق الأوسط مع تحدّيات السلام العبري الذي يجري تأسيسه.