
أزمات مفهوم الديمقراطية وانعكاساتها في أميركا وإسرائيل
ورغم ما يبدو من بريق شعاري يبشر بالمساواة والحرية، فإن حقيقة الأمر أن الأغلبية قد تكون، وفق رؤية الفلاسفة الكلاسيكيين كأفلاطون وأرسطو، "غوغاء" أو "دهماء" و"رعاع"، ما يفضي إلى حكم فاسد لا يخدم مصلحة الجميع، بل مصلحة هذه الأغلبية ذاتها، التي قد تكون فاسدة ومحدودة في رؤيتها ومصالحها.
تتجلى الأزمة الثانية في تمثيلية الديمقراطية التي تركز على فئة الأغلبية فقط، ما يحوِّل الفئات الأخرى إلى هامش سياسي يُحيَّد من خلاله صوتهم وقرارهم، ويُحسبون زوراً ضمن الأكثرية. هذا الوضع يحرم العديد من الأفراد والجماعات من المشاركة الفعلية في صنع القرار، ويُنتج استقطاباً اجتماعياً وسياسياً حاداً، يؤدي إلى إضعاف شرعية النظام الديمقراطي ذاته.
أما الأزمة البنيوية الثالثة، فتتمثل في ازدواجية المعايير التي تتحكم بممارسة الديمقراطية؛ حيث تتبنى الدولة الأم شعارات الحرية والمساواة وسيادة القانون، بينما تطبق خارج حدودها سياسات وحشية شرسة ضد الشعوب الأخرى. هذه الازدواجية تكشف عن تناقض صارخ يستوجب إعادة النظر في تطبيق الديمقراطية كمفهوم عالمي، خصوصاً في سياقات الاستعمار الحديث والهيمنة الإمبريالية.
الأزمة الرابعة ترتبط بصلاحية التقييم الديمقراطي، فغالباً ما يُترك قرار ما إن كانت ممارسة معينة ديمقراطية أم لا لجهات أو أطراف تمارس التلاعب بالمفهوم، خصوصاً حين يصبح القتل والتدمير أدوات لحماية الديمقراطية ومحاربة "التطرف"، ما يبرر العنف وينزع عن الديمقراطية طابعها الحقوقي والإنساني.
أما الأزمة الخامسة، فهي التحول المريع للديمقراطية من نظام حكم إلى أيديولوجيا شمولية، حيث يسود التعصب والإقصاء تجاه المعارضين والمختلفين، ما يحوِّل الديمقراطية إلى أداة قمعية تخالف جوهرها الأصلي.
تستخدم الولايات المتحدة والحكومة الإسرائيلية شعارات الديمقراطية والحرية كغطاء لممارسات عنيفة واستعمارية، تشمل الاحتلال والاستيطان وانتهاك حقوق الإنسان، ما ينفي تطبيق القيم الديمقراطية الحقيقية خارج حدود الدولة الأم
هذه الأزمات البنيوية أسفرت عن خمس نتائج واضحة، خصوصاً في التجربة السياسية لأميركا وإسرائيل.
النتيجة الأولى هي تقويض مبدأ سيادة الشعب ، حيث يُفترض أن الديمقراطية تلتزم بإرادة الأغلبية، لكن على أرض الواقع في أميركا وإسرائيل، ورغم معارضة واسعة للحروب، مثل تلك الدائرة على غزة، تستمر قيادات مثل ترامب ونتنياهو في المضي قدماً في تلك الحروب، ما يجعل الديمقراطية مجرّد شعار بلا مضمون.
النتيجة الثانية تتجلى في تمجيد هيبة الدولة على حساب الأقليات ، فتسود في أميركا سياسات تستهدف الأقليات الإثنية، بينما في إسرائيل تتعرض الفئات الفلسطينية للتمييز والاضطهاد، في ظل غياب تمثيل سياسي حقيقي لهم.
النتيجة الثالثة هي ازدواجية القيم في السياسة الخارجية ، حيث تستخدم الولايات المتحدة والحكومة الإسرائيلية شعارات الديمقراطية والحرية كغطاء لممارسات عنيفة واستعمارية، تشمل الاحتلال والاستيطان وانتهاك حقوق الإنسان، ما ينفي تطبيق القيم الديمقراطية الحقيقية خارج حدود الدولة الأم.
النتيجة الرابعة تتعلق بالعسكرة المفرطة للديمقراطية ، حيث يتم تبرير التدخلات العسكرية والحروب على أساس حماية الديمقراطية ومحاربة الإرهاب، وهذا يعزز من ثقافة العنف ويضعف أسس التسامح والعدالة.
أما النتيجة الخامسة فهي التحول إلى أيديولوجيا شمولية ، تظهر في تصنيف المعارضين على أنهم "متطرفون" في أميركا، وفي محاولة إسرائيل قمع أي نقد للصهيونية، ما يحوِّل الديمقراطية إلى أداة للقمع الفكري والإعلامي.
في الختام، تؤكد هذه القراءة النقدية أن الديمقراطية، كما تمارسها الولايات المتحدة وإسرائيل، تحمل تناقضات جوهرية بين شعاراتها النظرية وممارساتها العملية، وهذا يستدعي إعادة تفكير جذرية في فهمنا للديمقراطية، ليس فقط كنظام حكم، بل أيضاً كنموذج سياسي وأخلاقي يحترم الجميع، ويضمن العدالة والحرية والمساواة حقاً لا مجرد خطاب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
25 منظمة حقوقية تدعو غينيا لكشف مصير ناشطَين اختطفا قبل عام
دعت 25 منظمة حقوقية محلية ودولية اليوم الثلاثاء، السلطات الغينية إلى الكشف فورا عن مصير ناشطَيْن بجبهة الدفاع عن الدستور، وذلك بعد عام على اختفائهما القسري، وسط تزايد حوادث الاختطاف في "مناخ من الرعب". وتعرض عمر سيلا ومامادو بيلو باه للاختفاء القسري قبل عام، ودعت المنظمات السلطات الغينية لضمان تقديم الأشخاص المشتبه في مسؤوليتهم عن حوادث الاختطاف والاختفاء القسري في البلاد إلى العدالة من خلال محاكمات عادلة. وشددت المنظمات على أن السلطات الغينية ينبغي عليها أن تُمكِّن الضحايا من الوصول إلى العدالة وسبل الانتصاف الفعال. وقالت منظمات حقوق الإنسان"ندعو السلطات الغينية إلى إنهاء هذا الصمت غير المحتمل بشأن مصير الناشطين الاثنين في جبهة الدفاع عن الدستور". وأضافت "لا شيء يشير إلى أنها أجرت تحقيقات فعلية للعثور عليهما منذ اختفائهما قبل عام". وكان مامادو بيلو باه وعمر سيلا قد اعتُقلا في 9 يوليو/تموز 2024 في منزل الأخير في كوناكري على يد رجال مسلحين، قبل أن يُنقلوا على ما يبدو بواسطة القوات الخاصة إلى أرخبيل جزر لوس. ويُعتقد أن الناشطين الحقوقيين خضعا للاستجواب والتعذيب، وفقا لعضو ثالث من الجبهة اختُطف معهما وتم الإفراج عنه في اليوم التالي، وقد أنكرت السلطات احتجازهما، ولا يزال مصيرهما مجهولًا حتى الآن. وتعد جبهة الدفاع عن الدستور حركة من المجتمع المدني تنادي بالعودة إلى الحكم المدني، وتم حلها في عام 2022 وكان عمر سيلا منسقها الوطني، قد دعا إلى مظاهرة في 11 يوليو/تموز 2024 ضد القمع الإعلامي وغلاء المعيشة، من بين أمور أخرى. وأعلن المدعي العام في 17 يوليو/تموز 2024 عن فتح "تحقيقات دقيقة وشاملة" بشأن عدة حوادث اختطاف من بينها اختطاف عمر سيلا ومامادو بيلو باه، ولكن لم تُقدَّم أي معلومات عن تقدُّم هذه التحقيقات حتى الحين.


الجزيرة
منذ 9 ساعات
- الجزيرة
ماذا يعني دمج صندوق النقد المراجعة الخامسة والسادسة لبرنامج إقراض مصر؟
القاهرة- أثار قرار صندوق النقد الدولي دمج المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج دعم مصر المالي بقيمة 8 مليارات دولار، للخريف المقبل، تساؤلات حول خلفيات هذه الخطوة المفاجئة، وتداعياتها المحتملة على جهود القاهرة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وقدرتها على تنفيذ الإصلاحات الجوهرية التي يطالب بها الصندوق. وقالت المتحدثة باسم الصندوق، جولي كوزاك، في تصريحات صحفية، إن المناقشات أشارت إلى الحاجة للمزيد من الوقت لوضع اللمسات الأخيرة على تدابير السياسة الرئيسية، لا سيما تلك المتعلقة بدور الدولة في الاقتصاد، ولضمان إمكانية تحقيق الأهداف الحاسمة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي. وزارت بعثة من صندوق النقد الدولي القاهرة بين 8 و 16 مايو/ أيار الماضي في إطار مراجعته الخامسة، وأشارت إلى أن إتمام المراجعة سيتم افتراضيا من مقر الصندوق في واشنطن. وحسب بيان للبعثة فإنه "مع استقرار الاقتصاد الكلي الجاري حاليًا، من الضروري أن تُجري مصر إصلاحات أعمق لإطلاق العنان لإمكانات النمو في البلاد، وخلق وظائف عالية الجودة لأعداد متزايدة من السكان، والحدّ بشكل مستدام من مواطن الضعف، وزيادة قدرة الاقتصاد على مواجهة الصدمات". وأضاف: "لتحقيق هذه الأهداف، ينبغي أن يكون تقليص دور القطاع العام في الاقتصاد بشكل حاسم، وتوفير فرص متكافئة لجميع الأطراف الاقتصادية، من الأولويات الرئيسية للسياسات. وسيلعب تطبيق سياسة ملكية الدولة وبرنامج تخارج الاستثمارات في القطاعات -التي التزمت الدولة بتقليص وجودها فيها- دورًا حاسمًا في تعزيز قدرة القطاع الخاص على المساهمة بشكل أفضل في النمو الاقتصادي في مصر. واستكمالًا لذلك، لا بد من مواصلة الجهود لتحسين بيئة الأعمال". وأقر الصندوق مراجعته الرابعة للبرنامج في مارس/آذار، مما أتاح صرف دفعة بقيمة 1.2 مليار دولار. ويجري الصندوق مراجعاته لبرنامج مصر كل 6 أشهر في جدول محدد مسبقا. ما موقف الحكومة المصرية من قرار صندوق النقد الدولي؟ لم تُصدر الحكومة المصرية حتى الآن أي تعليق رسمي على قرار الصندوق، ما زاد من حالة الغموض والترقب بشأن الأسباب وراء عدم الوفاء بالتزاماتها الإصلاحية في المدى القصير، وخياراتها لتجاوز الأزمة. لماذا دمج صندوق النقد المراجعة الخامسة والسادسة الخريف المقبل؟ يُعزى القرار، في جزء كبير منه، إلى التقدم غير الكافي الذي أحرزته الحكومة في محاور رئيسية، تشمل تقليص بصمة الدولة في النشاط الاقتصادي، وضمان تكافؤ الفرص، وتحسين مناخ الأعمال. ويؤكد الصندوق على أن أولويات المرحلة الراهنة تتركز على تفعيل سياسة ملكية الدولة وتسريع برنامج التخارج من الأصول في القطاعات التي أبدت الحكومة نيتها للانسحاب منها، ويرى الصندوق أن هذه الخطوات أساسية لتمكين القطاع الخاص من قيادة نمو اقتصادي أقوى وأكثر استدامة في مصر. ورغم قرار دمج المراجعتين وما يترتب عليه من تأجيل صرف الشريحة المالية الخامسة، يرى الصندوق أن مصر تواصل إحراز تقدم في إطار برنامجها للإصلاح الاقتصادي الكلي، مشيرا إلى تحسينات ملحوظة في التضخم وفي مستوى احتياطيات النقد الأجنبي التي ارتفعت. ماذا يعني قرار صندوق النقد تأجيل المراجعة الخامسة ودمجها مع السادسة؟ بحسب المتحدثة باسم الصندوق، فإن قرار الدمج يهدف إلى منح السلطات مزيدا من الوقت لاستكمال الإجراءات الأساسية، وخاصة تقليص دور الدولة في الاقتصاد، وتسريع تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، إلى جانب المضي قدما في الإصلاحات الضريبية الهيكلية. ومن شأن قرار الدمج تأجيل صرف شريحة تمويلية جديدة لم يتم تحديد حجمها لكن الشريحة الرابعة كانت بمقدار 1.2 مليار دولار، ليصل إجمالي المبالغ المقدمة من الصندوق إلى مصر نحو 3.5 مليارات دولار منذ بدء البرنامج في مارس/آذار 2024. كان مجلس النواب المصري أقر، الأسبوع الماضي، تعديلات جديدة على قانون ضريبة القيمة المضافة تشمل المقاولات والسجائر والمشروبات الكحولية إلى جانب استحداث ضريبة قيمة مضافة على البترول الخام. هل هي المرة الأولى التي يقرر صندوق النقد تأجيل مراجعته لمصر؟ قال عضو اللجنة الاستشارية للاقتصاد الكلي بمجلس الوزراء، محمد فؤاد، إن "قرار الصندوق ليس هو الأول من نوعه لمصر ولكنه سلبي على المدى القصير، ويحمل مؤشرا واضحا على عدم إحراز تقدم ملموس في تعهد الحكومة بتقليص بصمة الدولة في النشاط الاقتصادي وإفساح المجال للقطاع الخاص، كما أن الصندوق يرى في الإصلاحات الضريبية مجرد خطوات "إدارية" وليست "هيكلية". وبشأن تأثير القرار على الاقتصاد المصري، أوضح فؤاد لـ(الجزيرة نت) أن دمج المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج صندوق النقد، ومن ثم تأخر صرف الشريحة التمويلية الجديدة سيشكل مزيدا من الضغط على ميزان المدفوعات المصري، في ظل اعتماد الحكومة على هذه الشرائح لسداد جزء من التزاماتها المالية، خصوصا أقساط القروض القائمة. ما تداعيات تأجيل صرف الشريحة الخامسة على الاقتصاد المصري؟ لم يقتصر القلق، وفق فؤاد، على الجانب المالي الداخلي، بل امتد إلى شراكات التمويل الخارجي؛ إذ حذر من احتمال تأثر الشريحة الثانية من دعم الاتحاد الأوروبي المخصص لمصر، نظرا لارتباطه الوثيق باستمرار التنسيق مع صندوق النقد. كان البرلمان الأوروبي وافق في أبريل/نيسان 2025 على صرف 4 مليارات يورو (4.68 مليارات دولار) كشريحة ثانية من حزمة دعم مالي كلي بقيمة 5 مليارات يورو (5.85 مليارات دولار)، بعد تسلم مصر مليار يورو (1.17 مليار دولار) منها في ديسمبر/كانون الأول الماضي. ورغم هذه الملاحظات، استبعد فؤاد أن يؤدي قرار التأجيل إلى أزمة في سعر الصرف أو نقص في العملة الأجنبية، مؤكدا وجود تدفقات قوية للأموال الساخنة، وتعافٍ ملحوظ في السياحة، إلى جانب ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج. هل كان قرار تأجيل المراجعة الخامسة مفاجئا لمصر ولماذا؟ قال الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار إن قرار صندوق النقد الدولي بدمج المراجعتين الخامسة والسادسة جاء مخالفًا لتوقعات الحكومة المصرية، موضحًا أن "الأسباب الرئيسية وراء هذه الخطوة تتمثل في تباطؤ تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، وعلى رأسها تقليص دور الدولة في الاقتصاد، وعدم رفع حصيلة الضرائب إلى نحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي، إذ لا تزال عند 13%". ولفت نوار، في تصريحات لـ(الجزيرة نت)، إلى أن الصندوق طالب بإعادة النظر في قائمة الإعفاءات من ضريبة القيمة المضافة، فضلا عن مراجعة الامتيازات الممنوحة لبعض الكيانات مثل صناديق الاستثمار السيادية. ما رؤية الحكومة المصرية لزيادة حصيلة الضرائب؟ في هذا السياق، أقر البرلمان الشهر الماضي بروتوكولا يعفي صندوق مصر السيادي والشركة "القابضة" التابعة لصندوق أبو ظبي من الضرائب، وهو ما اعتبره الخبير "تحديًّا صارخًا" لمطالب الصندوق المتعلقة بالعدالة الضريبية، في حين تُظهر رؤية الحكومة لزيادة حصيلة الضرائب أنها "توسيع للقاعدة الضريبية"، وهو ما يعني عمليا زيادة الأعباء الضريبية والرسوم على المواطنين. هل حققت الحكومة المصرية تقدمًا في برنامج الطروحات؟ رغم تعهدات الحكومة، يراوح برنامج الطروحات الحكومية مكانه، إذ يرى الصندوق أن القرض الممنوح لمصر ليس مجرد دعم مالي، بل أداة إصلاح هيكلي تهدف إلى تمكين القطاع الخاص، وتخارج الدولة من النشاط الاقتصادي المباشر، ويرى نوار أن الصندوق غير راضٍ عن وتيرة التنفيذ، ويضغط في اتجاه تسريع التخارج وتفعيل المنافسة الحرة في السوق. ما حجم الضغوط المالية على مصر ومستقبل التوقعات؟ حذّر الخبير الاقتصادي من أن تأجيل صرف الشريحة التالية يمثل تحديا إضافيا للمالية العامة، خاصة أن الحكومة كانت تعوّل على المبلغ لسداد التزامات لصالح الصندوق، بالتالي فإن الخيارات أمام مصر ستنحصر في إصدار صكوك سيادية جديدة أو اللجوء إلى أسواق القروض الدولية بأسعار فائدة مرتفعة. وخلص نوار إلى أن هذا الواقع المالي الصعب، إلى جانب سياسة الفائدة المرتفعة، سيؤديان إلى بقاء التضخم عند مستويات مرتفعة، ما يفرض ضغوطًا إضافية على الجنيه ويجعل انطلاقة العام المالي الجديد شديدة الصعوبة. ماذا حققت مصر من برنامج الطروحات حتى الآن؟ منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عن خطة لطرح ما لا يقل عن 10 شركات حكومية خلال عام 2025، من بينها 4 شركات تابعة للجيش هي (وطنية، وصافي، وشل أوت، وسايلو)، إلا أن هذه الوعود لم تُترجم حتى الآن إلى خطوات فعلية على أرض الواقع. حققت مصر 6 مليارات دولار من خلال تنفيذ 21 صفقة منذ بدء برنامج الطروحات الحكومية على مدار السنوات الأربع الماضية رغم انضمام مؤسسة التمويل الدولية التي تعمل كمستشار إستراتيجي للحكومة في برنامج الطروحات.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
بين الحذر والتحالفات.. ما سِر البطء المصري في التقارب مع دمشق؟
القاهرة- رغم إعلانها المتكرر دعم وحدة الأراضي السورية ووقوفها إلى جانب خيارات الشعب السوري، تتعامل مصر بحذر مع القيادة الجديدة في دمشق برئاسة الرئيس أحمد الشرع ، مستندة إلى اعتبارات أمنها القومي وتحالفاتها الإقليمية والدولية، فضلا عن تخوفها من الانخراط السريع في نظام لم تستقر أوضاعه السياسية والأمنية بعد. فعلى الرغم من اللقاء الذي جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنظيره السوري أحمد الشرع في مارس/آذار الماضي ب القاهرة ، على هامش القمة العربية الاستثنائية، والذي أوحى حينها بوجود نية تقارب سريع بين البلدين، فإن وتيرة الخطوات المصرية تجاه دمشق تسير ببطء، ما يثير تساؤلات عن خلفيات هذا التريث. ويرى مراقبون أن مصر، رغم خصوصية علاقتها التاريخية ب سوريا ، لا تزال تعتبر المشهد السوري الحالي غامضا، سواء من حيث استقراره السياسي أو الأمني، إلى جانب القلق من الخلفية الإسلامية للنظام الجديد، وعلاقته المتينة بأنقرة، وهو تقارب لا يخلو من الحرج بالنسبة للدبلوماسية المصرية، في ظل التنافس الإقليمي مع تركيا. مشهد سياسي مضطرب ويؤكد الخبير في العلاقات الدولية أيمن سمير، في حديثه للجزيرة نت، أن سوريا تمر بمرحلة إعادة تشكل على المستويين السياسي والأمني، وسط تحديات جسيمة تواجهها القيادة الجديدة، لا سيما بشأن الجماعات المسلحة التي لا تزال تسيطر على مناطق واسعة من البلاد. ويشير سمير إلى وجود عشرات آلاف العائلات المرتبطة بمقاتلي تنظيم الدولة وتنظيمات مسلحة أخرى، ممن يقطنون في مخيمات مثل " الهول"، مما يبقي الوضع الأمني في البلاد في حالة توتر دائم. ورغم بعض الانفتاح الدولي على دمشق، يلفت سمير إلى أن سوريا لا تزال مصنفة ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب في السياسة الأميركية، وهو ما يعكس استمرار الحذر في تعامل المجتمع الدولي معها، وليس فقط القاهرة. ويضيف: "حتى الدول الأوروبية حين تدرس تخفيف العقوبات، فإنها تفعل ذلك تدريجيا وبأقصى درجات الحذر، وهو نفس ما تنتهجه مصر". ويشدد الخبير المصري على أن القاهرة حرصت منذ البداية على تبني موقف متوازن، إذ استقبلت الرئيس السوري الجديد خلال القمة العربية، وقدمت مساعدات إنسانية، فضلا عن استضافتها آلاف اللاجئين السوريين، لكنها في الوقت نفسه حرصت على إبقاء العلاقة عند مستوى دعم الشعب فقط. ويضيف أن مصر لم تتوان في دعم الموقف السوري في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، لا سيما ما يتعلق بإلغاء اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 وسيطرة الاحتلال على مناطق في درعا والقنيطرة والسويداء. ويقول: "في مثل هذه الملفات، تقف القاهرة بوضوح إلى جانب دمشق، مع التمسك بمبدأ رفض التدخلات الخارجية". ويختتم سمير حديثه بتأكيد الموقف المصري على دعم حل سياسي سوري شامل، يقوم على الحوار بين جميع مكونات المجتمع السوري، ويضمن استعادة الدولة مكانتها ودورها العربي والإقليمي. أما أستاذة العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، نهى بكر، فترى أن العلاقات المصرية السورية، بعد رحيل نظام بشار الأسد ، تخضع لحسابات إستراتيجية دقيقة، ترتبط في المقام الأول بمنع تحول سوريا إلى بؤرة للفوضى أو منطلق للجماعات المتشددة التي قد تهدد الأمن المصري. وتقول بكر للجزيرة نت، إن القاهرة تتبنى ما وصفته بـ"الحياد الحذر"، ريثما تتضح معالم السلطة الجديدة في دمشق، مؤكدة أن الاستقرار في سوريا شرط أساسي لأي انخراط مصري جاد في عملية إعادة الإعمار أو الاستثمار في مجالات الطاقة، لا سيما ما يرتبط بتصدير الغاز المصري عبر الأراضي السورية. وتضيف أن هذه الخطط قد تصطدم بعقبات داخلية، أبرزها هشاشة الوضع السياسي والانقسامات العرقية والطائفية، إلى جانب ما يثار بشأن علاقة بعض أركان النظام السوري الجديد ب جماعة الإخوان المسلمين ، وهو ما تعتبره مصر تهديدا مباشرا لأمنها القومي وهويتها السياسية. وتختتم بكر بالتأكيد على أن أولوية القاهرة هي حماية أمنها واستقرارها الداخلي، موضحة أن سياسة التمهل في فتح قنوات التعاون مع دمشق تعكس هذه الرؤية الواقعية. ماضي الشرع يقلق الحاضر في السياق ذاته، يربط الباحث في الشؤون العربية والدولية د.محمد اليمني، التريث المصري بخلفية الرئيس أحمد الشرع، مشيرا إلى أنه كان على صلة بجماعات ذات توجهات متشددة، مما يثير قلقا داخل مؤسسات صنع القرار المصرية. ويقول اليمني للجزيرة نت، إن سوريا لا تزال تشهد صراعات داخلية على أسس طائفية وعرقية، كما حدث أخيرا مع بعض مكونات المجتمع السوري مثل الدروز والشيعة، وهو ما يعزز موقف القاهرة في تجنب التورط في تحالفات قد تنعكس سلبا على استقرارها. ويؤكد أن السياسة الخارجية المصرية تتسم بالمرونة والبراغماتية، لكنها لا تتهاون في الملفات التي تمس أمنها المباشر، مستشهدا بمواقف مصر الحاسمة في التعامل مع التحديات على الحدود مع ليبيا والسودان. كما يلفت إلى وجود ضغوط أميركية متزايدة على حلفاء واشنطن للاعتراف بالحكومة السورية الجديدة، في إطار سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لرفع العقوبات، بما فيها "قانون قيصر"، بهدف إعادة إدماج سوريا في المنظومة الدولية، لكن اليمني يؤكد أن هذه الخطوات لم تغير من الواقع الميداني كثيرا، إذ لا يزال الانقسام الداخلي سيد الموقف. ويختتم الباحث بالإشارة إلى البعد التاريخي للعلاقة بين البلدين: "الجيشان المصري والسوري وقفا معا في حرب أكتوبر 1973، وحققا نصرا كبيرا على إسرائيل، لكن الظروف اليوم مختلفة، والتعقيدات الراهنة تحتم التروي، لا الاندفاع".