
بين الحذر والتحالفات.. ما سِر البطء المصري في التقارب مع دمشق؟
فعلى الرغم من اللقاء الذي جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنظيره السوري أحمد الشرع في مارس/آذار الماضي ب القاهرة ، على هامش القمة العربية الاستثنائية، والذي أوحى حينها بوجود نية تقارب سريع بين البلدين، فإن وتيرة الخطوات المصرية تجاه دمشق تسير ببطء، ما يثير تساؤلات عن خلفيات هذا التريث.
ويرى مراقبون أن مصر، رغم خصوصية علاقتها التاريخية ب سوريا ، لا تزال تعتبر المشهد السوري الحالي غامضا، سواء من حيث استقراره السياسي أو الأمني، إلى جانب القلق من الخلفية الإسلامية للنظام الجديد، وعلاقته المتينة بأنقرة، وهو تقارب لا يخلو من الحرج بالنسبة للدبلوماسية المصرية، في ظل التنافس الإقليمي مع تركيا.
مشهد سياسي مضطرب
ويؤكد الخبير في العلاقات الدولية أيمن سمير، في حديثه للجزيرة نت، أن سوريا تمر بمرحلة إعادة تشكل على المستويين السياسي والأمني، وسط تحديات جسيمة تواجهها القيادة الجديدة، لا سيما بشأن الجماعات المسلحة التي لا تزال تسيطر على مناطق واسعة من البلاد.
ويشير سمير إلى وجود عشرات آلاف العائلات المرتبطة بمقاتلي تنظيم الدولة وتنظيمات مسلحة أخرى، ممن يقطنون في مخيمات مثل " الهول"، مما يبقي الوضع الأمني في البلاد في حالة توتر دائم.
ورغم بعض الانفتاح الدولي على دمشق، يلفت سمير إلى أن سوريا لا تزال مصنفة ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب في السياسة الأميركية، وهو ما يعكس استمرار الحذر في تعامل المجتمع الدولي معها، وليس فقط القاهرة. ويضيف: "حتى الدول الأوروبية حين تدرس تخفيف العقوبات، فإنها تفعل ذلك تدريجيا وبأقصى درجات الحذر، وهو نفس ما تنتهجه مصر".
ويشدد الخبير المصري على أن القاهرة حرصت منذ البداية على تبني موقف متوازن، إذ استقبلت الرئيس السوري الجديد خلال القمة العربية، وقدمت مساعدات إنسانية، فضلا عن استضافتها آلاف اللاجئين السوريين، لكنها في الوقت نفسه حرصت على إبقاء العلاقة عند مستوى دعم الشعب فقط.
ويضيف أن مصر لم تتوان في دعم الموقف السوري في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، لا سيما ما يتعلق بإلغاء اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 وسيطرة الاحتلال على مناطق في درعا والقنيطرة والسويداء. ويقول: "في مثل هذه الملفات، تقف القاهرة بوضوح إلى جانب دمشق، مع التمسك بمبدأ رفض التدخلات الخارجية".
ويختتم سمير حديثه بتأكيد الموقف المصري على دعم حل سياسي سوري شامل، يقوم على الحوار بين جميع مكونات المجتمع السوري، ويضمن استعادة الدولة مكانتها ودورها العربي والإقليمي.
أما أستاذة العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، نهى بكر، فترى أن العلاقات المصرية السورية، بعد رحيل نظام بشار الأسد ، تخضع لحسابات إستراتيجية دقيقة، ترتبط في المقام الأول بمنع تحول سوريا إلى بؤرة للفوضى أو منطلق للجماعات المتشددة التي قد تهدد الأمن المصري.
وتقول بكر للجزيرة نت، إن القاهرة تتبنى ما وصفته بـ"الحياد الحذر"، ريثما تتضح معالم السلطة الجديدة في دمشق، مؤكدة أن الاستقرار في سوريا شرط أساسي لأي انخراط مصري جاد في عملية إعادة الإعمار أو الاستثمار في مجالات الطاقة، لا سيما ما يرتبط بتصدير الغاز المصري عبر الأراضي السورية.
وتضيف أن هذه الخطط قد تصطدم بعقبات داخلية، أبرزها هشاشة الوضع السياسي والانقسامات العرقية والطائفية، إلى جانب ما يثار بشأن علاقة بعض أركان النظام السوري الجديد ب جماعة الإخوان المسلمين ، وهو ما تعتبره مصر تهديدا مباشرا لأمنها القومي وهويتها السياسية.
وتختتم بكر بالتأكيد على أن أولوية القاهرة هي حماية أمنها واستقرارها الداخلي، موضحة أن سياسة التمهل في فتح قنوات التعاون مع دمشق تعكس هذه الرؤية الواقعية.
ماضي الشرع يقلق الحاضر
في السياق ذاته، يربط الباحث في الشؤون العربية والدولية د.محمد اليمني، التريث المصري بخلفية الرئيس أحمد الشرع، مشيرا إلى أنه كان على صلة بجماعات ذات توجهات متشددة، مما يثير قلقا داخل مؤسسات صنع القرار المصرية.
ويقول اليمني للجزيرة نت، إن سوريا لا تزال تشهد صراعات داخلية على أسس طائفية وعرقية، كما حدث أخيرا مع بعض مكونات المجتمع السوري مثل الدروز والشيعة، وهو ما يعزز موقف القاهرة في تجنب التورط في تحالفات قد تنعكس سلبا على استقرارها.
ويؤكد أن السياسة الخارجية المصرية تتسم بالمرونة والبراغماتية، لكنها لا تتهاون في الملفات التي تمس أمنها المباشر، مستشهدا بمواقف مصر الحاسمة في التعامل مع التحديات على الحدود مع ليبيا والسودان.
كما يلفت إلى وجود ضغوط أميركية متزايدة على حلفاء واشنطن للاعتراف بالحكومة السورية الجديدة، في إطار سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لرفع العقوبات، بما فيها "قانون قيصر"، بهدف إعادة إدماج سوريا في المنظومة الدولية، لكن اليمني يؤكد أن هذه الخطوات لم تغير من الواقع الميداني كثيرا، إذ لا يزال الانقسام الداخلي سيد الموقف.
ويختتم الباحث بالإشارة إلى البعد التاريخي للعلاقة بين البلدين: "الجيشان المصري والسوري وقفا معا في حرب أكتوبر 1973، وحققا نصرا كبيرا على إسرائيل، لكن الظروف اليوم مختلفة، والتعقيدات الراهنة تحتم التروي، لا الاندفاع".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
لازاريني: غزة تحتضر ويجب وقف إطلاق النار الآن
قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني إن غزة تحتضر ويجب وقف إطلاق النار الآن. جاء ذلك في رسالة نشرتها الوكالة، أمس الاثنين، ذكر فيها لازاريني أن أكثر من 1500 عامل في المجال الطبي وأكثر من 600 شخص ممن يتضورون جوعا أثناء محاولتهم اليائسة للحصول على مساعدات غذائية، استشهدوا في غزة. وقال "إنه خيار قاسٍ بين موتين". ودعت الأونروا إلى وقف إطلاق النار الآن في قطاع غزة، حيث ترتكب إسرائيل إبادة جماعية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وأكدت الأونروا، في سلسلة منشورات عبر حسابها على منصة إكس، أنه يجب رفع الحصار عن غزة التي تمنع إسرائيل وصول المساعدات إليها. ولفتت إلى الكارثة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون في غزة، بقولها "الوقت ينفد بالنسبة للناس في غزة. الطعام ينفد بالنسبة للناس في غزة. الأدوية تنفد بالنسبة للناس في غزة. الأماكن الآمنة نفدت بالنسبة للناس في غزة". وأعلنت الأونروا أن آلاف الشاحنات المحملة بالمساعدات تنتظر من أجل غزة، وأن هناك ما يكفي من الغذاء لسكان غزة بأكملها. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تشن إسرائيل إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
"رايتس ووتش": أكثر من 272 مليون طفل خارج التعليم في 2024
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن أحدث البيانات العالمية الخاصة بالتعليم والتأثير المباشر لقرارات التمويل الحكومية على حياة الأطفال تظهر أن هناك 272 مليون طفل ويافع خارج المدرسة الابتدائية والثانوية في 2024، من بينهم حوالي 200 مليون خارج التعليم الثانوي. وسجلت المنظمة أن هذا الرقم يمثل زيادة تقديرية بنحو 21 مليون طفل خارج المدرسة مقارنة بسنة 2023. وأفادت المنظمة بأن الرقم الذي وصفته بـ"الصادم" لا يعكس حجم الأزمة بالكامل، إذ قدّر معهد اليونسكو للإحصاء وتقارير الرصد العالمي للتعليم أن 13 مليون طفل خارج المدرسة في المناطق المتأثرة بالنزاعات. وأضافت أنه لو أُخذ بعين الاعتبار جميع الأطفال غير الملتحقين بالمدارس بسبب النزاعات المسلحة من غزة إلى السودان، لـ"ارتفع العدد الإجمالي للأطفال خارج المدرسة إلى نحو 285 مليونا". وزادت موضحة أن معدلات الإقصاء من التعليم على المستوى العالمي هي "أعلى من ذلك في الواقع"، ولفتت إلى أن التقديرات الحالية للأطفال غير الملتحقين بالمدارس لا تشمل "175 مليون طفل في سن ما قبل المدرسة غير المسجّلين، الذين لا يستفيدون من التعليم المبكر الحيوي في هذه المرحلة العمرية". كما اعتبرت أن النقص المزمن في التمويل يفاقم العديد من العوائق والتمييزات المتجذّرة التي يواجهها ملايين الأطفال، وأكدت أنه من دون تخصيص الموارد الكافية لا تستطيع الحكومات توفير تعليم عام مجاني بالكامل، وتعجز عن بناء وتجهيز المدارس وتوفير مواد تعليمية ذات جودة أو استقطاب وتدريب معلمين مؤهلين، أو تكييف الأنظمة التعليمية للاستجابة بشكل كافٍ لحالات الطوارئ. وشددت رايتس ووتش على ضرورة وفاء جميع الحكومات بتعهداتها من أجل التصدي لأزمة التعليم العالمية، كما يتطلب من الحكومات حماية ميزانيات التعليم العام من تدابير التقشف "الرجعية والتخفيضات، وتخصيص موارد تتناسب مع التزاماتها بضمان الحق في التعليم والتعهد بتوفير تعليم عام مجاني وجيد للجميع". كما حثت على ضرورة الوفاء بمعايير التمويل التعليمي المتفق عليها دولياً، من خلال زيادة الإنفاق على التعليم إلى ما لا يقل عن 4% إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي، أو ما لا يقل عن 15% إلى 20% من الإنفاق العام الكلي. وأشارت إلى أن الحكومات المانحة بشكل خاص ينبغي أن تجدد التزامها بتمويل التعليم بما يتماشى مع التزاماتها في مجال المساعدات الخارجية وواجباتها الحقوقية في تقديم الدعم والتعاون الدولي.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
ترامب يستبعد ضرب إيران مجددا ويؤكد عقد اجتماع وشيك معها
استبعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب توجيه ضربة جديدة لإيران، مؤكدا أنه سيتم عقد اجتماع وشيك مع طهران. وقالت ترامب -ردا على أسئلة الصحفيين خلال مأدبة عشاء أقامها لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو – إنه يأمل أن تكون الحرب مع إيران قد انتهت، مشيرا إلى أن القيادة الإيرانية ترغب في عقد لقاء لصنع السلام. وأضاف أنه لا يمكن أن يتخيل أنه يرغب في توجيه ضربة أخرى إلى إيران لأنه تريد التوصل إلى حل، وأكد أنه سيتم عقد اجتماع مع إيران. وأعرب الرئيس الأميركي عن أمله رفع العقوبات الأميركية الصارمة عن إيران في الوقت المناسب، وفق تعبيره. وأوضح أن الخطوة الأخيرة لرفع العقوبات الأميركية عن سوريا ستساعد دمشق على المضي قدمًا، معبرا عن أمله أن تتخذ إيران خطوة مماثلة. وكشف ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط أن الاجتماع مع الإيرانيين سيحدث سريعا جدا وربما سيعقد الأسبوع القادم. من جهته قال نتنياهو إن قدرات أميركا وإسرائيل ساهمت في "استئصال ورمين كانا يهددان إسرائيل وهما سلاح إيران النووي والباليستي". وفي 13 يونيو/حزيران المنصرم، شنت إسرائيل بدعم أميركي عدوانا على إيران استمر 12 يوما، وانضمت إليها الولايات المتحدة التي قصفت منشآت نووية إيرانية، وقد قتل في الضربات الإسرائيلية قادة عسكريون وعلماء نوويون. في حين ردت إيران باستهداف مقرات عسكرية واستخبارية إسرائيلية بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، ثم أعلنت واشنطن في 24 من الشهر نفسه وقفا لإطلاق النار بين تل أبيب وطهران. وتتهم إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة إيران بالسعي لإنتاج أسلحة نووية، بينما تقول طهران إن برنامجها مصمم للأغراض السلمية، بما في ذلك توليد الكهرباء. وتعد إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك ترسانة نووية، وهي غير خاضعة لرقابة دولية، وتواصل منذ عقود احتلال أراض في فلسطين وسوريا ولبنان.