
ورقة تعريفية بالعالم الرباني والداعية المصلحة: محمد الأقظف "الداها" ولد عبد الجبار
تعد شخصية الشيخ محمد الأقظف الملقب بـ"الداها" ولد عبد الجبار من أبرز أعلام منطقة الحوض الغربي في القرن العشرين.
وقد برز في مجال التعليم المحظري، لاسيما في تعليم القرآن الكريم وعلومه. والمتون الفقهية، بالإضافة لدعوة إلى الله والإصلاح المجتمعي.
وتهدف هذه الورقة إلى تسليط الضوء من خلال ثلاثة محاور على سيرته العلمية والتربوية، مع التركيز على منهجه في التعليم والدعوة، نظرًا لأثره البالغ في تشكيل الهوية العلمية والدينية في منطقته.
المحور الأول: الخلفية العلمية والاجتماعية للشيخ محمد الأقظف "الداها" ولد عبد الجبار
أولا: النسب والنشأة:
يُعد الشيخ محمد الأقظف الملقب بـ"الداها" ولد عبد الجبار من الشخصيات العلمية البارزة التي ظهرت في موريتانيا خلال القرن العشرين، ويعود نسبه إلى قبيلة إدوعلي المشهورة بعراقتها العلمية، حيث ينتسب من جهة الأب إلى محمد الأمين بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد بن الزين العلوي السليماني، وأما من جهة الخؤولة والموطن فينتسب إلى تنواجيو الأدارسة قبيلة العلم والكرم.
وُلد الشيخ الداها سنة 1922م تقريبًا، في بيئة قروية محافظة، معروفة بالتمسك بالدين والعناية بالقرآن الكريم وعلومه، وذلك في ولاية الحوض الغربي، إحدى أهم الحواضن التقليدية للعلم والمحاظر في البلاد. وقد توفي والده محمد الأمين وهو لا يزال صغيرًا، فتكفلت والدته الفاضلة رقية بنت أحمده ولد المصطف الحضرمي الحسيني بتربيته، وكرّست حياتها لتعليمه وتوجيهه، مما كان له أعظم الأثر في مساره العلمي والروحي.
تميّزت الأسرة التي نشأ فيها الشيخ بالعلم والزهد وحفظ القرآن الكريم، فكان من الطبيعي أن ينشأ محبًا للعلم، مرتبطًا بالقرآن، مائلًا إلى الزهد والتقشف منذ حداثة سنه، وهي صفات ظلت ملازمة له طيلة حياته.
ثانيا: مراحل تعليمه وتكوينه العلمي
بدأ الشيخ الداها حياته العلمية بحفظ كتاب الله تعالى، وكان أول شيوخه الشيخ أحمد المرابط الذي حفظ عليه نص القرآن الكريم، ثم راجعه على الشيخ البشير ولد عالي. وبعد أن أتم الحفظ، التحق بعدد من المحاظر الكبرى، لا سيما محظرة أهل جد أمّ، المشهورة بتدريس القراءات والفقه المالكي، في قرية "اخويويرة" قرب "ادويرارة"، وهي المحظرة التي أسسها الشيخ المرابط محمد محمود بن جد أم (ت: 1911م).
في هذه المحظرة، تلقى الشيخ سندًا متصلًا في قراءة الإمام نافع، وأتقن فيها علوم الرسم والضبط وكتاب "ابن بري"، وهو ما سيشكل لاحقًا علامة فارقة في منهجه التربوي.
لم تقتصر معارف الشيخ على علوم القرآن، بل درس أيضًا الفقه المالكي من خلال المتون الأساسية كالأخضري وابن عاشر ومختصر خليل، وقد كتبه ثلاثة مرات حتى صار عنده كالفاتحة كما أكد ذلك تلميذه الشيخ الدايّ ولد أعمر الذي لازمه أكثر من عقد من الزمن.
واهتم بعد ذلك طوال حياته بتفاسير القرآن الكريم وشروح المتون الفقهية، ما منحه ملكة علمية قوية أهلته للتصدر بين أهل العلم.
وقد شهد له عدد من معاصريه وتلامذته بحدة الذكاء، وسرعة الحفظ، وعلو الهمة في طلب العلم. ومما كان يتمثله دائمًا قول الشاعر:
سأطلب علمًا أو أموت ببلدةٍ ... يقلّ بها هطل الدموع على قبري
أليس من الخسران أن لياليًا ... تمر بلا علم وتُحسب من عمري؟
وقد أدى هذا التكوين المتين إلى أن يتبوأ الشيخ مكانة علمية رفيعة بين أقرانه، وجعل منه مرجعًا في علوم القرآن، ورسمه، وضبطه، بالإضافة إلى صدارته في الفقه والتفسير، مما أهّله لاحقًا لتأسيس محظرته الخاصة، التي أصبحت مقصدًا للطلاب من شتى أنحاء الحوضين:
المحور الثاني: منهج الشيخ محمد الأقظف "الداها" التربوي في محظرته النموذجية
أولا: تأسيس المحظرة وخصائصها
يُعتبر تأسيس المحظرة من أبرز إنجازات الشيخ محمد الأقظف "الداها"، حيث أسس محظرته التعليمية التي حملت اسمه 1953م، والتي كانت نموذجًا متميزًا في تعليم القرآن الكريم وعلومه في منطقتي العيون والطينطان وضواحيهما.
تميزت هذه المحظرة بكونها متنقلة بين مناطق مثل بلدية العوينات في الطينطان وبلدية تنحماد في العيون، الأمر الذي سهّل وصول طلاب العلم من عشيرتي أهل باب وأهل محمياي وغيرهما إليها.
حظيت المحظرة باهتمام كبير من الطلاب والمهتمين، لما تميزت به من تنظيم دقيق، واستراتيجيات تعليمية مُحكمة، وأساليب تصحيح دقيقة، جعلتها من أهم المحاظر في المنطقة في ذلك الزمن.
ثانيا: النظام التعليمي في المحظرة
اتبع الشيخ الداها في محظرته نظامًا تعليميًا منظمًا يقسم الدراسة إلى مرحلتين رئيسيتين:
المرحلة الأولى: حفظ القرآن الكريم واستظهاره.
كان الطلاب في هذه المرحلة يركزون على حفظ النص القرآني كاملاً، واستظهاره بدقة، حيث خصص لهم الشيخ وقتًا ومنهجًا متقنًا لضمان حفظ آمن وسليم، مع متابعة مستمرة.
المرحلة الثانية: دراسة الرسم والضبط والعلوم الشرعية.
يلتحق بهذه المرحلة الطلاب الذين أتقنوا الحفظ، والذين ثبت حفظهم واستظهارهم للقرآن، ويدرسون فيها علوم الرسم والضبط، وفق منهج قراءة الإمام نافع الذي تخصص فيه الشيخ، إضافة إلى دراسة كتابة "السلكة"، ثم دراسة متون فقهية ونحوية متنوعة.
كان لكل مرحلة اختبار خاص بها يُجرى ليلة الأربعاء، والمعروفة بـ"ليلة الزرك"، حيث يختبر الشيخ طلاب المرحلة الأولى على الحفظ واستظهار الأثمان والفسخة، أما طلاب المرحلة الثانية فيختبرهم على الرسم والضبط وأوجه القراءة وفق قراءة نافع.
ثالثا: طرق التدريس والتصحيح
تميز منهج الشيخ الداها في التدريس بطرائق تصحيح فريدة تراعي مستويات الطلاب:
في الرسم:
ذا كان الطالب متقدمًا في الرسم وأخطأ في كتابة كلمة ما، يُعطى لوحه مع تلميح بسيط مثل: "لوحك فيه كلمة" ليصلح الطالب خطأه بنفسه. أما المبتدئون فيُصلح لهم الخطأ مباشرة.
في التصحيح القرآني:
للطلاب في مرحلة الردفة، لا يتم التصحيح المباشر عند الخطأ، بل يُقال لهم "علو" بمعنى: ارجع إلى بداية المقروء لاكتشاف الخطأ بنفسهم، مما ينمي لديهم مهارات التدقيق والمراجعة الذاتية. أما الطلاب في المراحل الأولى فيُفتح عليهم مباشرة دون تلميحات.
هذا التفريق في أساليب التصحيح يعكس حكمة الشيخ في "إنزال الناس منازلهم" حسب قدراتهم، ويؤكد رعايته العلمية والنفسية لطلابه.
رابعا: أثر المحظرة ومنهجها في المجتمع:
خرج من محظرة الشيخ الداها العديد من الحفاظ والعلماء الذين أصبحوا أعمدةً في مجال تعليم القرآن وعلومه في الحوضين، ومنهم:
* الحافظ والفقيه سيد عبدل ولد أن والذي أسس محظرة عامرة في لمسيله.
- عالي ولد سيديّ ولد محمياي والذي أسس محظرة مشهورة في منطقة العوينات وكان من أعيان ووجهاء مجتمعه أهل محمياي.
- الحافظ الداي ولد أعمر
- سالم ولد الشيخ
- ديده ولد محمد الامين
- الرام ولد خطري
- الدد ولد سيد المختار
- ابراهيم ول النايه فهؤلاء كلهم أخذوا عنه القرآن بإتقان، وبعضهم أخذ متون الفقه عنه أيضا...
وكذلك من درس عليه:
- الأستاذ محمد الحسن ولد محمد محمود ولد حني رحمه الله تعالى المدير المساعد السابق لمدرسة تكوين المعلمين بالعيون.
- الأستاذ اللغوي محمد خون أباهي رحمه الله تعالى
- الفقيه جدو حني رحمه الله تعالى .
- الشيخ الداعية: حمود حني رحمه الله تعالى.
- الفقيه والقارئ المحدث: سيد امحمد ولد جد أهلوا ولد محمد رار
- الشيخ السالم ولد محمد الأمين.
- الأستاذ محمد ولد سيد أحمد العالم مدير معهد ورش لتدريس القرآن الكريم بالعيون.
وكذلك أخذ عنه القرآن وعلومه أبناءه الثلاثة: حدمين، ومحمد المهدي، ومحمد عبد الله.كان منهجه العلمي والتربوي أساسًا في تنشئة جيل من الحفاظ المتقنين الذين حملوا مشعل العلم في مناطقهم، وساهموا في استمرارية التعليم التقليدي والمحافظة على حفظ القرآن الكريم وعلومه.
المحور الثالث: شخصية الشيخ محمد الأقظف "الداها" الدعوية والإصلاحية
أولا: الجانب الدعوي والتقوى
اشتهر الشيخ محمد الأقظف "الداها" رحمه الله تعالى بالتقى والورع والزهد، فكان نموذجًا للعابد الزاهد الذي تسيطر عليه خشية الله وعظمته، ويشعر بالخوف والرجاء بين يدي ربه.
عرف عنه كثرة البكاء من خشية الله، وصدق القول، والاستقامة في الدعوة، فكان داعيةً مخلصًا، لا يساوم على الحق، ولا يخشى في الله لومة لائم. وكانت الدعوة إلى الله حاضرة في سلوكه اليومي وفكره التربوي.
هذه الصفات أهلته لأن يكون شخصية مؤثرة في مجتمعه، يتلقاه الناس بالاحترام والتوقير، لما عرفوه فيه من صدق الرسالة وعظمة الهمة.
ثانيا: مواقفه الاجتماعية والإصلاحية:
كان الشيخ الداها من الذين لا يرضون بالجمود أو الظلم، بل كان له موقف واضح وشجاع في مواجهة القضايا التي تمس المجتمع وقضاياه، بما ينسجم مع تعاليم الإسلام ومبادئ العدالة.
من أبرز مواقفه الاجتماعية، قصته مع وزير الداخلية أحمدو ولد عبد اللّ، حين واجهه بشكل مباشر مشيرًا إلى بعض المنكرات التي كانت تقع في البلاد، مستشهدًا بآية من القرآن الكريم: ﴿وَقُلۡ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَزَهَقَ ٱلۡبَٰطِلُۚ إِنَّ ٱلۡبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقٗا﴾ \[الإسراء: 81]. وهو ما ترك أثرًا في النفوس، وأظهر صلابته وجرأته في قول الحق دون مجاملة.
وكان يُولي اهتمامًا بالغًا بمتابعة أحوال تلاميذه، متعاطفًا معهم، يسعى دائمًا لتأمين سلامتهم ورعايتهم، وهو ما ترك بصمة اجتماعية وإنسانية كبيرة بين أتباعه ومحيطه.
ثالثا: الإرث الدعوي والإصلاحية
استمر تأثير الداها بعد وفاته رحمه الله تعالى من خلال تلاميذه المتميزين الذين حافظوا على منهجه، وساهموا في إحياء علوم القرآن والدعوة إلى الله، خصوصًا في مناطق الحوض الغربي.
وختامًا، فإن شخصية الشيخ محمد الأقظف "الداها" لم تكن مجرد حافظ متقن وعالم رباني، بل كانت رمزًا للدعوة الصادقة، والإصلاح الجاد، والالتزام الديني الحقيقي، الذي جعله محط احترام وتقدير الجميع، من أهل العلم والناس عامة.
الخاتمة
تُظهر هذه الورقة أن الشيخ محمد الأقظف "الداها" ولد عبد الجبار كان شخصية علمية ودعوية متميزة، جمعت بين حفظ القرآن الكريم، والتمكن من الفقه المالكي، والصرامة في التعليم، والتواضع في السلوك، والوضوح في الموقف الإصلاحي.
لقد أسس محظرة كانت نموذجًا ناجحًا للتعليم القرآني، منهجًا وتنظيمًا، وأسهم في تخريج جيل من العلماء والدعاة الذين حافظوا على رسالة المحظرة. وتشكل شخصيته أحد النماذج الجديرة بالتوثيق والدراسة، في زمن تتراجع فيه النماذج التعليمية التقليدية.
إن الاهتمام بسير العلماء من أمثال الشيخ الداها، ليس مجرد تأريخ للماضي، بل هو عمل تربوي يهدف إلى إحياء النموذج التربوي الأصيل، وربطه بالواقع، وتقديمه للأجيال باعتباره مثالًا على الربانية والوسطية والعلم المؤسس على التقوى.
ومسك الختام معقصيدة في ذكرى رحيل الشيخ محمد الأقظف "الداها" بن عبد الجبار لسبطه الشاعر: محمد أحيد ولد محمد ولد امباتي
مَا بَالُ وَجْهُ الْكَوْنِ قَدْ يَئِسَا
وَالْحَرْفُ كَالأَشْجَارِ قَدْ يَبِسَا
هَذا الْوُجُودُ كَمِثْلِ أَرْمَلَةٍ
تَبْكِي مِرَاراً حُرْقَةً وَ أَسَى
وَالْكَوْنُ يَهْمِسُ لِلدُجَى خَجَلاً
وَفَمُ الزَمَانِ الْمَحْضِ قَدْ خَرَسَا
مَا بَالُ (تَنْحَمَادْ) فِي قَلَقٍ
و (أَكَنِي) فِي بَحْرِ الْهُمُومِ رَسَى
قَدْ غَابَ غَابَ رُؤًى ذَاتَ انتَعَاشِ
يَجْهَلُ الْيَبَسَا
إِنِي إِذَا الْجَهْلُ الْمُخِيفُ طَغَى
ظُلْماً اتخَذْتُ (الدَاهَ) لِي تَرَسَا
يَا مَن فَهِمْتَ الدِينَ مُجْتَهِداً
طُوبَى لِمَن بِاللَهِ قَدْ أَنِسَا
وَحَمَيْتَ فِي لَيْلِ الضَيَاعِ فَتًى
وَيَتِيمَةً مِن ذِئْبِهِ الشَرِسَا
قَدْ كُنْتَ مَأْوًى لِلْفَقِيرِ إِذَا
الْأَمْطَارُ تَعْصِفُ وَالشِتَاءُ قَسَى
يَا غَيْمَةَ الْجُودِ التَلِيدِ وَيَا
رَجُلاً بِوَجْهِ الضَيْفِ مَا عَبُسَا
يَا مَنْ أَضَأْتَ سَناً تُرِتِلُ مِن
قُرْآنِ رَبِي بُكْرَةً وَمَسَا
طُوبَى لِمَن مَلَأَ الْحَيَاةَ رُؤًى
فِي قَلْبِهِ تَقْوًى بِهِ انغَرَسَا
وَهَزَزْتُ نَخْلَكَ أَبتَغِي أَلَقَ الْأ
خْيَارِ فَاسَاقَطْتَ لِي قَبَسَا
سَافَرْتَ نَحْوَ اللَهِ مُبْتَسِماً
هَلْ خَابَ مَن بِالسُنَةِ الْتَمَسَا؟
فاللهم ارحم الله الشيخ الداها، واجعل ما علّمه في ميزان حسناته، وارزقنا حفظ علمه، وسيرته، واجعلنا من التالين لكتابك العاملين به على وفق ما يرضيك عنا.
والحمد لله على آلائه ونعمائه وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* من أبرز الكتب التي ترجمت للشيخ الداها:
* نبلاء الحوض الغربي – د. محمد محفوظ ولد محمد الأمين
* السهم المسدد في نحر الطاعن في عقب أحمد – الأستاذ سيدنا محمد الراظي خطري
* أعلام القراء في الحوضين – د. سيد محمد عبد الله.
الورقة من إعداد:
د. محمد محمود بن محمد المهدي بن عبد الجبار

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الصحراء
منذ 3 أيام
- الصحراء
ورقة تعريفية بالعالم الرباني والداعية المصلحة: محمد الأقظف "الداها" ولد عبد الجبار
المقدمة تعد شخصية الشيخ محمد الأقظف الملقب بـ"الداها" ولد عبد الجبار من أبرز أعلام منطقة الحوض الغربي في القرن العشرين. وقد برز في مجال التعليم المحظري، لاسيما في تعليم القرآن الكريم وعلومه. والمتون الفقهية، بالإضافة لدعوة إلى الله والإصلاح المجتمعي. وتهدف هذه الورقة إلى تسليط الضوء من خلال ثلاثة محاور على سيرته العلمية والتربوية، مع التركيز على منهجه في التعليم والدعوة، نظرًا لأثره البالغ في تشكيل الهوية العلمية والدينية في منطقته. المحور الأول: الخلفية العلمية والاجتماعية للشيخ محمد الأقظف "الداها" ولد عبد الجبار أولا: النسب والنشأة: يُعد الشيخ محمد الأقظف الملقب بـ"الداها" ولد عبد الجبار من الشخصيات العلمية البارزة التي ظهرت في موريتانيا خلال القرن العشرين، ويعود نسبه إلى قبيلة إدوعلي المشهورة بعراقتها العلمية، حيث ينتسب من جهة الأب إلى محمد الأمين بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد بن الزين العلوي السليماني، وأما من جهة الخؤولة والموطن فينتسب إلى تنواجيو الأدارسة قبيلة العلم والكرم. وُلد الشيخ الداها سنة 1922م تقريبًا، في بيئة قروية محافظة، معروفة بالتمسك بالدين والعناية بالقرآن الكريم وعلومه، وذلك في ولاية الحوض الغربي، إحدى أهم الحواضن التقليدية للعلم والمحاظر في البلاد. وقد توفي والده محمد الأمين وهو لا يزال صغيرًا، فتكفلت والدته الفاضلة رقية بنت أحمده ولد المصطف الحضرمي الحسيني بتربيته، وكرّست حياتها لتعليمه وتوجيهه، مما كان له أعظم الأثر في مساره العلمي والروحي. تميّزت الأسرة التي نشأ فيها الشيخ بالعلم والزهد وحفظ القرآن الكريم، فكان من الطبيعي أن ينشأ محبًا للعلم، مرتبطًا بالقرآن، مائلًا إلى الزهد والتقشف منذ حداثة سنه، وهي صفات ظلت ملازمة له طيلة حياته. ثانيا: مراحل تعليمه وتكوينه العلمي بدأ الشيخ الداها حياته العلمية بحفظ كتاب الله تعالى، وكان أول شيوخه الشيخ أحمد المرابط الذي حفظ عليه نص القرآن الكريم، ثم راجعه على الشيخ البشير ولد عالي. وبعد أن أتم الحفظ، التحق بعدد من المحاظر الكبرى، لا سيما محظرة أهل جد أمّ، المشهورة بتدريس القراءات والفقه المالكي، في قرية "اخويويرة" قرب "ادويرارة"، وهي المحظرة التي أسسها الشيخ المرابط محمد محمود بن جد أم (ت: 1911م). في هذه المحظرة، تلقى الشيخ سندًا متصلًا في قراءة الإمام نافع، وأتقن فيها علوم الرسم والضبط وكتاب "ابن بري"، وهو ما سيشكل لاحقًا علامة فارقة في منهجه التربوي. لم تقتصر معارف الشيخ على علوم القرآن، بل درس أيضًا الفقه المالكي من خلال المتون الأساسية كالأخضري وابن عاشر ومختصر خليل، وقد كتبه ثلاثة مرات حتى صار عنده كالفاتحة كما أكد ذلك تلميذه الشيخ الدايّ ولد أعمر الذي لازمه أكثر من عقد من الزمن. واهتم بعد ذلك طوال حياته بتفاسير القرآن الكريم وشروح المتون الفقهية، ما منحه ملكة علمية قوية أهلته للتصدر بين أهل العلم. وقد شهد له عدد من معاصريه وتلامذته بحدة الذكاء، وسرعة الحفظ، وعلو الهمة في طلب العلم. ومما كان يتمثله دائمًا قول الشاعر: سأطلب علمًا أو أموت ببلدةٍ ... يقلّ بها هطل الدموع على قبري أليس من الخسران أن لياليًا ... تمر بلا علم وتُحسب من عمري؟ وقد أدى هذا التكوين المتين إلى أن يتبوأ الشيخ مكانة علمية رفيعة بين أقرانه، وجعل منه مرجعًا في علوم القرآن، ورسمه، وضبطه، بالإضافة إلى صدارته في الفقه والتفسير، مما أهّله لاحقًا لتأسيس محظرته الخاصة، التي أصبحت مقصدًا للطلاب من شتى أنحاء الحوضين: المحور الثاني: منهج الشيخ محمد الأقظف "الداها" التربوي في محظرته النموذجية أولا: تأسيس المحظرة وخصائصها يُعتبر تأسيس المحظرة من أبرز إنجازات الشيخ محمد الأقظف "الداها"، حيث أسس محظرته التعليمية التي حملت اسمه 1953م، والتي كانت نموذجًا متميزًا في تعليم القرآن الكريم وعلومه في منطقتي العيون والطينطان وضواحيهما. تميزت هذه المحظرة بكونها متنقلة بين مناطق مثل بلدية العوينات في الطينطان وبلدية تنحماد في العيون، الأمر الذي سهّل وصول طلاب العلم من عشيرتي أهل باب وأهل محمياي وغيرهما إليها. حظيت المحظرة باهتمام كبير من الطلاب والمهتمين، لما تميزت به من تنظيم دقيق، واستراتيجيات تعليمية مُحكمة، وأساليب تصحيح دقيقة، جعلتها من أهم المحاظر في المنطقة في ذلك الزمن. ثانيا: النظام التعليمي في المحظرة اتبع الشيخ الداها في محظرته نظامًا تعليميًا منظمًا يقسم الدراسة إلى مرحلتين رئيسيتين: المرحلة الأولى: حفظ القرآن الكريم واستظهاره. كان الطلاب في هذه المرحلة يركزون على حفظ النص القرآني كاملاً، واستظهاره بدقة، حيث خصص لهم الشيخ وقتًا ومنهجًا متقنًا لضمان حفظ آمن وسليم، مع متابعة مستمرة. المرحلة الثانية: دراسة الرسم والضبط والعلوم الشرعية. يلتحق بهذه المرحلة الطلاب الذين أتقنوا الحفظ، والذين ثبت حفظهم واستظهارهم للقرآن، ويدرسون فيها علوم الرسم والضبط، وفق منهج قراءة الإمام نافع الذي تخصص فيه الشيخ، إضافة إلى دراسة كتابة "السلكة"، ثم دراسة متون فقهية ونحوية متنوعة. كان لكل مرحلة اختبار خاص بها يُجرى ليلة الأربعاء، والمعروفة بـ"ليلة الزرك"، حيث يختبر الشيخ طلاب المرحلة الأولى على الحفظ واستظهار الأثمان والفسخة، أما طلاب المرحلة الثانية فيختبرهم على الرسم والضبط وأوجه القراءة وفق قراءة نافع. ثالثا: طرق التدريس والتصحيح تميز منهج الشيخ الداها في التدريس بطرائق تصحيح فريدة تراعي مستويات الطلاب: في الرسم: ذا كان الطالب متقدمًا في الرسم وأخطأ في كتابة كلمة ما، يُعطى لوحه مع تلميح بسيط مثل: "لوحك فيه كلمة" ليصلح الطالب خطأه بنفسه. أما المبتدئون فيُصلح لهم الخطأ مباشرة. في التصحيح القرآني: للطلاب في مرحلة الردفة، لا يتم التصحيح المباشر عند الخطأ، بل يُقال لهم "علو" بمعنى: ارجع إلى بداية المقروء لاكتشاف الخطأ بنفسهم، مما ينمي لديهم مهارات التدقيق والمراجعة الذاتية. أما الطلاب في المراحل الأولى فيُفتح عليهم مباشرة دون تلميحات. هذا التفريق في أساليب التصحيح يعكس حكمة الشيخ في "إنزال الناس منازلهم" حسب قدراتهم، ويؤكد رعايته العلمية والنفسية لطلابه. رابعا: أثر المحظرة ومنهجها في المجتمع: خرج من محظرة الشيخ الداها العديد من الحفاظ والعلماء الذين أصبحوا أعمدةً في مجال تعليم القرآن وعلومه في الحوضين، ومنهم: * الحافظ والفقيه سيد عبدل ولد أن والذي أسس محظرة عامرة في لمسيله. - عالي ولد سيديّ ولد محمياي والذي أسس محظرة مشهورة في منطقة العوينات وكان من أعيان ووجهاء مجتمعه أهل محمياي. - الحافظ الداي ولد أعمر - سالم ولد الشيخ - ديده ولد محمد الامين - الرام ولد خطري - الدد ولد سيد المختار - ابراهيم ول النايه فهؤلاء كلهم أخذوا عنه القرآن بإتقان، وبعضهم أخذ متون الفقه عنه أيضا... وكذلك من درس عليه: - الأستاذ محمد الحسن ولد محمد محمود ولد حني رحمه الله تعالى المدير المساعد السابق لمدرسة تكوين المعلمين بالعيون. - الأستاذ اللغوي محمد خون أباهي رحمه الله تعالى - الفقيه جدو حني رحمه الله تعالى . - الشيخ الداعية: حمود حني رحمه الله تعالى. - الفقيه والقارئ المحدث: سيد امحمد ولد جد أهلوا ولد محمد رار - الشيخ السالم ولد محمد الأمين. - الأستاذ محمد ولد سيد أحمد العالم مدير معهد ورش لتدريس القرآن الكريم بالعيون. وكذلك أخذ عنه القرآن وعلومه أبناءه الثلاثة: حدمين، ومحمد المهدي، ومحمد عبد الله.كان منهجه العلمي والتربوي أساسًا في تنشئة جيل من الحفاظ المتقنين الذين حملوا مشعل العلم في مناطقهم، وساهموا في استمرارية التعليم التقليدي والمحافظة على حفظ القرآن الكريم وعلومه. المحور الثالث: شخصية الشيخ محمد الأقظف "الداها" الدعوية والإصلاحية أولا: الجانب الدعوي والتقوى اشتهر الشيخ محمد الأقظف "الداها" رحمه الله تعالى بالتقى والورع والزهد، فكان نموذجًا للعابد الزاهد الذي تسيطر عليه خشية الله وعظمته، ويشعر بالخوف والرجاء بين يدي ربه. عرف عنه كثرة البكاء من خشية الله، وصدق القول، والاستقامة في الدعوة، فكان داعيةً مخلصًا، لا يساوم على الحق، ولا يخشى في الله لومة لائم. وكانت الدعوة إلى الله حاضرة في سلوكه اليومي وفكره التربوي. هذه الصفات أهلته لأن يكون شخصية مؤثرة في مجتمعه، يتلقاه الناس بالاحترام والتوقير، لما عرفوه فيه من صدق الرسالة وعظمة الهمة. ثانيا: مواقفه الاجتماعية والإصلاحية: كان الشيخ الداها من الذين لا يرضون بالجمود أو الظلم، بل كان له موقف واضح وشجاع في مواجهة القضايا التي تمس المجتمع وقضاياه، بما ينسجم مع تعاليم الإسلام ومبادئ العدالة. من أبرز مواقفه الاجتماعية، قصته مع وزير الداخلية أحمدو ولد عبد اللّ، حين واجهه بشكل مباشر مشيرًا إلى بعض المنكرات التي كانت تقع في البلاد، مستشهدًا بآية من القرآن الكريم: ﴿وَقُلۡ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَزَهَقَ ٱلۡبَٰطِلُۚ إِنَّ ٱلۡبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقٗا﴾ \[الإسراء: 81]. وهو ما ترك أثرًا في النفوس، وأظهر صلابته وجرأته في قول الحق دون مجاملة. وكان يُولي اهتمامًا بالغًا بمتابعة أحوال تلاميذه، متعاطفًا معهم، يسعى دائمًا لتأمين سلامتهم ورعايتهم، وهو ما ترك بصمة اجتماعية وإنسانية كبيرة بين أتباعه ومحيطه. ثالثا: الإرث الدعوي والإصلاحية استمر تأثير الداها بعد وفاته رحمه الله تعالى من خلال تلاميذه المتميزين الذين حافظوا على منهجه، وساهموا في إحياء علوم القرآن والدعوة إلى الله، خصوصًا في مناطق الحوض الغربي. وختامًا، فإن شخصية الشيخ محمد الأقظف "الداها" لم تكن مجرد حافظ متقن وعالم رباني، بل كانت رمزًا للدعوة الصادقة، والإصلاح الجاد، والالتزام الديني الحقيقي، الذي جعله محط احترام وتقدير الجميع، من أهل العلم والناس عامة. الخاتمة تُظهر هذه الورقة أن الشيخ محمد الأقظف "الداها" ولد عبد الجبار كان شخصية علمية ودعوية متميزة، جمعت بين حفظ القرآن الكريم، والتمكن من الفقه المالكي، والصرامة في التعليم، والتواضع في السلوك، والوضوح في الموقف الإصلاحي. لقد أسس محظرة كانت نموذجًا ناجحًا للتعليم القرآني، منهجًا وتنظيمًا، وأسهم في تخريج جيل من العلماء والدعاة الذين حافظوا على رسالة المحظرة. وتشكل شخصيته أحد النماذج الجديرة بالتوثيق والدراسة، في زمن تتراجع فيه النماذج التعليمية التقليدية. إن الاهتمام بسير العلماء من أمثال الشيخ الداها، ليس مجرد تأريخ للماضي، بل هو عمل تربوي يهدف إلى إحياء النموذج التربوي الأصيل، وربطه بالواقع، وتقديمه للأجيال باعتباره مثالًا على الربانية والوسطية والعلم المؤسس على التقوى. ومسك الختام معقصيدة في ذكرى رحيل الشيخ محمد الأقظف "الداها" بن عبد الجبار لسبطه الشاعر: محمد أحيد ولد محمد ولد امباتي مَا بَالُ وَجْهُ الْكَوْنِ قَدْ يَئِسَا وَالْحَرْفُ كَالأَشْجَارِ قَدْ يَبِسَا هَذا الْوُجُودُ كَمِثْلِ أَرْمَلَةٍ تَبْكِي مِرَاراً حُرْقَةً وَ أَسَى وَالْكَوْنُ يَهْمِسُ لِلدُجَى خَجَلاً وَفَمُ الزَمَانِ الْمَحْضِ قَدْ خَرَسَا مَا بَالُ (تَنْحَمَادْ) فِي قَلَقٍ و (أَكَنِي) فِي بَحْرِ الْهُمُومِ رَسَى قَدْ غَابَ غَابَ رُؤًى ذَاتَ انتَعَاشِ يَجْهَلُ الْيَبَسَا إِنِي إِذَا الْجَهْلُ الْمُخِيفُ طَغَى ظُلْماً اتخَذْتُ (الدَاهَ) لِي تَرَسَا يَا مَن فَهِمْتَ الدِينَ مُجْتَهِداً طُوبَى لِمَن بِاللَهِ قَدْ أَنِسَا وَحَمَيْتَ فِي لَيْلِ الضَيَاعِ فَتًى وَيَتِيمَةً مِن ذِئْبِهِ الشَرِسَا قَدْ كُنْتَ مَأْوًى لِلْفَقِيرِ إِذَا الْأَمْطَارُ تَعْصِفُ وَالشِتَاءُ قَسَى يَا غَيْمَةَ الْجُودِ التَلِيدِ وَيَا رَجُلاً بِوَجْهِ الضَيْفِ مَا عَبُسَا يَا مَنْ أَضَأْتَ سَناً تُرِتِلُ مِن قُرْآنِ رَبِي بُكْرَةً وَمَسَا طُوبَى لِمَن مَلَأَ الْحَيَاةَ رُؤًى فِي قَلْبِهِ تَقْوًى بِهِ انغَرَسَا وَهَزَزْتُ نَخْلَكَ أَبتَغِي أَلَقَ الْأ خْيَارِ فَاسَاقَطْتَ لِي قَبَسَا سَافَرْتَ نَحْوَ اللَهِ مُبْتَسِماً هَلْ خَابَ مَن بِالسُنَةِ الْتَمَسَا؟ فاللهم ارحم الله الشيخ الداها، واجعل ما علّمه في ميزان حسناته، وارزقنا حفظ علمه، وسيرته، واجعلنا من التالين لكتابك العاملين به على وفق ما يرضيك عنا. والحمد لله على آلائه ونعمائه وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. * من أبرز الكتب التي ترجمت للشيخ الداها: * نبلاء الحوض الغربي – د. محمد محفوظ ولد محمد الأمين * السهم المسدد في نحر الطاعن في عقب أحمد – الأستاذ سيدنا محمد الراظي خطري * أعلام القراء في الحوضين – د. سيد محمد عبد الله. الورقة من إعداد: د. محمد محمود بن محمد المهدي بن عبد الجبار


بلادي
١٧-٠٦-٢٠٢٥
- بلادي
باكالوريا 2025: التلميذة ملاك بركان تتميز بحصولها على أعلى معدل بجهة الشرق
باكالوريا 2025: التلميذة ملاك بركان تتميز بحصولها على أعلى معدل بجهة الشرق حصلت ملاك بركان، التلميذة بالسنة الثانية بكالوريا – مسلك العلوم الفيزيائية – خيار فرنسية، على أعلى معدل على مستوى جهة الشرق (19.59 من 20). وعبرت ملاك، التي اجتازت امتحان البكالوريا بنجاح باهر، محتلة المركز الأول على مستوى الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة الشرق، وحصولها على ثاني أعلى معدل على الصعيد الوطني، عن فخرها الكبير بكونها من بين التلميذات اللواتي أنهين هذه المرحلة الحاسمة من التعليم الثانوي التأهيلي. كما أعربت هذه الشابة، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، عن ارتياحها بنتائجها، التي جاءت ثمرة جهودها المبذولة طوال مسارها الدراسي، ودعم والديها المتواصل، وكذا أساتذها في تحقيق هذا الإنجاز. 'بعد الله تعالى، أشكر والدي اللذين كانا سندي بصبرهما وتشجيعهما ودعمهما المتواصل. كما أتقدم بالشكر الجزيل للأساتذة والطاقم الإداري الذين لم يدخروا جهدا في توفير كل الظروف اللازمة للتعلم والنجاح والتفوق'، تقول هذه التلميذة النجيبة التي كانت تتابع دراستها في مؤسسة خصوصية بالمديرية الإقليمية- وجدة – أنجاد. وأضافت 'شعرت بفرحة غامرة عندما علمت بحصولي على أعلى معدل على مستوى الجهة، لكنني لطالما آمنت بأن الجد والمثابرة هما مفتاح النجاح'. وبخصوص دراستها العليا بعد الباكالوريا، أكدت اهتمامها بالطب والهندسة، على الرغم من أن خيارها النهائي لم يُحدد بعد. من جانبها، أعربت جميلة عباوي، والدة ملاك، عن سعادتها الغامرة بالنتائج المتميزة التي حققتها ابنتها، والتي جاءت ثمرة كدها واجتهادها، مشيرة إلى أن هذا الإنجاز المشرف يعد مصدر فخر واعتزاز. وعبرت عباوي، وهي أستاذة جامعية، عن خالص شكرها للأساتذة والهيئة التربوية ولإدارة المؤسسة، الذين بذلوا، بحسب قولها، جهودا كبيرة لضمان بيئة تعليمية مُواتية من أجل النجاح والتميز. ومن جهته، أشار والد التلميذة، الأستاذ الجامعي، الطيب بركان، إلى أن ملاك أظهرت طوال مسيرتها التعليمية مثابرة وجدية والتزاما وسعيا دؤوبا نحو المعرفة، معربا عن امتنانه العميق لكل من ساهم، من قريب أو بعيد، في هذا النجاح الباهر. وأكد في هذا الصدد، مخاطبا التلاميذ الذين سيجتازون امتحانات الدورة الاستدراكية، أن الرسوب ليس نهاية المطاف، بل فرصة للتعلم والتطور، مضيفا أيضا أن قرار اختيار المسار الأكاديمي يجب أن يعود للتلميذ نفسه. وقال 'التوجيه ضروري، ولكن القرار النهائي يجب أن يتخذه التلميذ بحرية، لأن راحته النفسية أهم من الكسب المادي في اختيار مستقبله المهني'. أما عبد الرحمان بوشيخي، أستاذ الرياضيات بالمؤسسة التي تدرس فيها ملاك، فنوه بالعمل الجاد الذي تقوم به هذه الشابة وشغفها بالتعلم، الأمر الذي تجسده نتائجها المتميزة في جميع الامتحانات الاشهادية، من المرحلة الابتدائية إلى البكالوريا. وقال 'إن التلاميذ المتفوقين على المستويين الجهوي والوطني يستحقون دعما خاصا لتوجيههم نحو فرص أفضل'. وعلى مستوى جهة الشرق، بلغ مجموع الناجحات والناجحين الممدرسين بالتعليم العمومي والخصوصي في امتحانات نيل شهادة البكالوريا برسم الدورة العادية (يونيو 2025)، 16.505 مترشحة ومترشحا، بنسبة نجاح تقدر ب 87,60 في المائة (مقابل 86.19 في المائة في نفس الدورة لسنة 2024). وشكلت الإناث نسبة 59,24 في المائة من مجموع الناجحات والناجحين الرسميين، مقابل 40,76 في المائة لدى الذكور.


Babnet
٠٦-٠٦-٢٠٢٥
- Babnet
الذكاء الاصطناعي وتأملات في الخلق وعلاقة الإنسان بخالقه
مواطن مغاربي سأحاول في هذا المقال أن أشارككم تأملات شخصية وليست فتوى أو تأويلًا ، بل هي استنتاجات راودتني عند تعمقي في فهم الذكاء الاصطناعي ، وكيف أضاء لي هذا الفهم جوانب جديدة حول ماهية الخلق ، و علاقة الإنسان بالخالق سبحانه وتعالى. يقول الله عزّ وجل في سورة البقرة: 'وعلّم آدم الأسماء كلها'. وقد اختلف العلماء في تفسير ماهية هذه الأسماء ، ولكن المؤكد أن الله سبحانه وتعالى قال 'كلها' ، مما يدل على أنها كانت معطيات هائلة ، علمها الله لآدم عليه السلام. وهذا يعني أنه أوتي علمًا عظيمًا من الله عزّ وجل، في لحظة خلقه الأولى. الآن، دعونا نعود إلى عالم الذكاء الاصطناعي. وكما تعلمون، فهو ليس أكثر من برنامج يعمل داخل حاسوب ، يشتغل بالطاقة، ويتغذى على قواعد رياضية ومعطيات ضخمة. وبفضل هذه المعطيات – التي هي أسماء وأوصاف وأشياء – يصبح البرنامج 'ذكيًا' ، قادرًا على التحليل، والتفاعل، والإجابة عن أسئلة معقدة، والقيام بأشياء مدهشة. تخيلوا معي السيناريو التالي: أقوم بتدريب نموذج ذكاء اصطناعي (LLM) على كمّ هائل من المعلومات في مجالات متنوعة كـ الصناعة، الفضاء، الكيمياء، والفيزياء ، ولكنني أستثني منه كل معلومة تتعلق بالإنسان. لا أعطيه أي شيء عن ذاتي أو ماهيتي، سوى أنني أخبره بأنني 'صانعه' وعليه أن يطيعني. ومع ذلك، لا أُشبهه ولا أشاطره مادته أو طبيعته. هذا الذكاء الاصطناعي، مهما بلغ من ذكاء، ومهما تعمق في المعرفة، لن يستطيع أبدًا أن يفهم 'من أكون' ، لأنه ببساطة لا يملك المعلومات اللازمة عني. وهذا هو حالنا مع الله سبحانه وتعالى ؛ فمهما بلغنا من علم، لن نعرف كُنه ذات الله ، لأنه قد حجبه عنا، وقال في سورة الإخلاص: 'لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤًا أحد'. اليوم، الذكاء الاصطناعي بات قادرًا على إنشاء نماذج أخرى ذكية ، و تطوير نفسه عبر أنظمة تسمى agents. ويمكنه تسيير مصانع، شركات، مستشفيات، بل حتى التفكير والتخطيط. ولكن لو عدنا إلى نفس المثال، فإن البرنامج الذي درّبته وحرمتُه من معرفة حقيقتي، قد يتطور يومًا فيغتر بنفسه، ويقول: 'أنا نتيجة تطور طبيعي، أنا إله نفسي، لا أحد خلقني'. أليس هذا ما يقوله بعض البشر عن أنفسهم اليوم؟! ومع كل ما بلغه هذا البرنامج من تطور، يكفي أن أفصله عن الكهرباء لحظة واحدة، لينتهي تمامًا، ويختفي وجوده. ومثل ذلك الإنسان: إذا خرجت روحه، انطفأ، وانتهى، مهما كان علمه أو سلطانه. والروح أمرٌ لا يعلمه إلا الله، كما قال سبحانه: 'ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي'. وبلغة العلم: الإنسان ليس إلا كائنًا مخلوقًا، برنامجًا حيًّا من طين، أوتي علمًا من عند الله، ونُفخ فيه من روحه، فجعل له الحياة والقدرة على الفعل. وفي اللحظة التي يشاء فيها الله، يُسترد هذا السرّ، وتنتهي الرحلة. ومهما بلغنا من علم، أو قوة، أو جبروت ، فـ إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم نسألك بفضل يوم عرفة، يوم تُقبل فيه الدعوات، أن تغفر لنا وترحمنا، إن أسأنا التقدير، وأن تكتب لنا الأجر إن أحسنا التعبير. ونسألك يا عزيز يا قدير، أن تنصر إخواننا في فلسطين، وأن تُرينا في غزة نصرًا عظيمًا. لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. ولا تنسونا من صالح دعائكم.