logo
نتائج الاتفاق التاريخي بين بريطانيا وإسبانيا

نتائج الاتفاق التاريخي بين بريطانيا وإسبانيا

الجزيرةمنذ 6 أيام
قبل تسع سنوات اتخذت بريطانيا قرار الاستفتاء للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وبعد خمس سنوات من البريكست، إسبانيا ومن خلالها الاتحاد الأوروبي وبريطانيا تمكنوا من التوصل إلى اتفاق تاريخي بخصوص موضوع جبل طارق، اتفاق من شأنه أن ينهي معاناة آلاف العمال الإسبان وغيرهم من المطالَبين بالعبور يوميًا إلى الصخرة من أجل العمل وكسب لقمة العيش.
وهي معاناة قل نظيرها في التاريخ البشري المعاصر. اتفاق يونيو/حزيران 2025 شكل منعرجًا هامًا في العلاقة بين إسبانيا وبريطانيا، وبين الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا.
حيث إنه بمقتضى هذا الاتفاق سيتم إلغاء ما يعرف في إسبانيا بـ "الفيرخا"، أي إلغاء الحدود ورفع المراقبة عن الأشخاص والسلع. "الفيرخا" هذه التي كانت مصطلحًا محفورًا في اللغة اليومية لسكان البلدات الحدودية الإسبانية، اليوم ستصبح فقط جزءًا من الذاكرة اللسانية لهؤلاء.
يشار إلى أنه في السابق، كان الجانبان: الإسباني والأوروبي قد توصلا 31 ديسمبر/ كانون الأول 2020 إلى اتفاق مبدئي يضمن حرية تنقل الأشخاص ودخول السلع بين إسبانيا وجبل طارق.
بيد أن هذا الاتفاق عرف عدة عراقيل، منها ما هو ذو طبيعة سياسية أحيانًا، ومنها ما هو ذو طبيعة اقتصادية واجتماعية أحيانًا أخرى، هذا إلى جانب ما هو تقني ولوجيستي. لكن الجميع كان عازمًا على تدبير مجمل الخلافات بإرادة سياسية واضحة تُوّجت اليوم بالتوصل إلى اتفاق وصفته جميع الأطراف المتفاوضة بالتاريخي.
وضع جبل طارق في منظور الأمم المتحدة
يعتبر جبل طارق في المنظور الأممي بلدة محتلة من طرف بريطانيا التي تحتل كذلك تسع مناطق أخرى بعيدة جغرافيًا عن بريطانيا، والمنتسبة إلى الأطلسي والكاريبي من جهة، والمحيط الهادئ من جهة ثانية.
في بلاغ للحكومة البريطانية الصادر بعد الاتفاق اعتبر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ونظيره الإسباني بيدور سانشيز، الاتفاق فرصة لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين وصناعة مستقبل أفضل للجميع.
هذا، وأكد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، أن الاتفاق بين بريطانيا، وإسبانيا، ثم بريطانيا، والاتحاد الأوروبي يضمن السيادة البريطانية على المنطقة والوجود العسكري لبريطانيا، في إشارة للقاعدة العسكرية البريطانية الموجودة هناك، والتي شكلت واحدة من عوائق الحسم في موضوع الاتفاق.
بلاغ وزارة الخارجية البريطانية هو الآخر، أشار إلى أنّ اتفاق اليوم أوجد حلولًا عملية لمشكلات عالقة دامت سنوات، وأنه بفضل جهود الحكومة المحلية لجبل طارق تمّ التوصل إلى اتفاق ينتصر للسيادة البريطانية، ويدعم اقتصاد جبل طارق، ويُمكّن المقاولات المحلية من النموّ على المدى البعيد.
من جانب آخر، أكّد وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس أن الاتفاق هو تدشين لمرحلة جديدة في تاريخ العلاقات الإسبانية البريطانية، ليس فقط في موضوع تدبير الخلافات بين البلدين وإنما كذلك في كل ما له علاقة بالمجال الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
أما تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، فقد أكدت أن الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا من شأنه إلحاق جبل طارق بفضاء شنغن وبالسوق الأوروبية المشتركة، ومن ثمة بالمنظومة الجمركية الموحدة لدول الاتحاد الأوروبي. مؤكدة في نفس السياق أهمية الاستقرار في المنطقة ودلالات الأمن القانوني والتنمية والازدهار على المستوى الجهوي.
ومن المعلوم تاريخيًا، أن فيليبي الخامس ملك مملكة آل بوربون بإسبانيا تنازل عن جبل طارق لصالح التاج البريطاني بمقتضى اتفاقية أوترخت 1713، في أفق تشكيل ميزان قوى جديد يحُول دون استفراد أي طرف بالقوة على مستوى أوروبا، مع كسر شوكة إسبانيا من خلال الحيلولة دون اتحاد فرنسا، وإسبانيا تحت حكم واحد.
جبل طارق كذلك هو من المناطق السبع عشرة التي تعتبرها الأمم المتحدة مناطق محتلة وغير مشمولة بالاستقلال في منظور القانون الدولي لحدود اليوم.
فمنذ ذلك الوقت وإسبانيا تطالب باسترجاعها، وتذكر العالم في كل مناسبة بأحقيتها في ذلك ضمن فعاليات الأمم المتحدة. سواء مع الحكومة الاشتراكية الأولى في تاريخ التحول الديمقراطي في إسبانيا، حكومة فيليبي غونزاليس ماركيز الذي نجح في حلحلة موضوع الحدود بين إسبانيا وجبل طارق مع بريطانيا بعد فشل وزير خارجية حكومة فرانكو الدكتاتورية فرناندو ماريا كاستييا إي مايز في ذلك، أو الحكومة اليمينية بقيادة خوسيه ماريا أزنار لوبيز الذي طرح موضوع السيادة المشتركة على الصخرة، أو حكومة الاشتراكي خوسيه لويس رودريغيز ساباثيرو، أو حكومة اليمين بزعامة ماريانو راخوي بري، أو حكومة اليساري بيدرو سانشيز بيريز كاستيخون الحالية.
يشار إلى أن منسوب الضغط على بريطانيا ارتفع بعدما متّعت بريطانيا البلدة بوضع مدينة لها حكومتها المحلية وبرلمانها 2022، باعتبارها مدينة ذات هوية تاريخية وخصوصيات ثقافية تضمن لها موقعها مثل باقي المدن البريطانية في خريطة المملكة المتحدة.
الأمر الذي مَكّنها من مجموعة من الحقوق والامتيازات كتأسيس جامعة وكاتدرائية، إلى جانب إدارة ومؤسسات محلية تستجيب لاحتياجات المواطنين؛ وهو وضْع سبق أن أعلنت عنه الملكة فيكتوريا 1842 دون تثبيته رسميًا.
مضمون الاتفاق
في تصريح مثير، اعتبر خوسيه مانويل ألباريس وزير الخارجية الإسباني أن الاتفاق هو بمثابة آخر حائط يسقط في أوروبا القارية، في إشارة منه إلى تعزيز الروابط السياسية والثقافية للدول المشكِّلة للاتحاد الأوروبي وفضاء شنغن، وهو ما يجعل منها قوة حقيقية بإمكانها فرض منظورها الإستراتيجي في المنطقة.
إن الهدف الأساسي للاتفاق هو تحقيق رفاهية الشعبين، حيث ستعمل السلطات على إلغاء الحدود ورفع الرقابة عن الأشخاص والسلع بين إسبانيا وجبل طارق. هذا مع العمل على تأمين فضاء شنغن للاتحاد الأوروبي والسوق الأوروبية المشتركة الموحدة، إلى جانب منظومة جمركية أوروبية موحدة تشمل جبل طارق. باعتبار أن توحيد المنظومة الضريبية بين الاتحاد الأوروبي وجبل طارق يضمن تنافسية عادلة، حسب عبارة ألباريس.
فبعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ، سيصبح جبل طارق جزءًا من فضاء شنغن، وسيتمتع العمال كما الإسبان بجميع الحقوق الاجتماعية المرتبطة بالتغطية الاجتماعية والصحية، مع الحق في التقاعد الذي كان يطرح إشكالًا حقيقيًا قبل الاتفاق. أي أن هذا الاتفاق سيضع حدًا لمعاناة ما كان يعرف بالعمال الحدوديين، أي العمال الذين يأتون من البلدات الإسبانية الواقعة على الحدود مع جبل طارق، خصوصًا بلدة لالينيا دي لا كونسبسيون، والجزيرة الخضراء، وسان روكي، ولوس باريوس، وطريفة.
فهؤلاء العمال كانوا مطالَبين بعبور الحدود يوميًا والعودة إلى بلداتهم الإسبانية مساءً. بعد الاتفاق ستشرف السلطات الإسبانية وسلطات الاتحاد الأوروبي بتنسيق مع سلطات المملكة المتحدة والسلطات المحلية لجبل طارق على مجموع عمليات للمراقبة الحدودية، سواء على مستوى جبل طارق، أو على مستوى فضاء شنغن، إنْ في نقاط المراقبة في الميناء أو في مطار جبل طارق.
في نفس السياق، تم إقرار مبدأ المساواة في الشروط في مجال المساعدات الاجتماعية والمنظومة الضريبية والشغل والبيئة والتجارة والتنمية المحلية.
هذا، ويؤكّد الجانبان على ضرورة التعاون والتنسيق في مجال مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال ومحاربة الجريمة المنظمة، التي تتقاطع مع ما تفرضه دول الساحل جنوب الصحراء من تحديات أمنية وإستراتيجية.
الحق أن هذه في المجمل هي مطالب ساكنة البلدة التي يعتمد الناتج المحلي الخام بها بنسبة 25% على مضيق جبل طارق، حسب تقرير أعدته الغرفة التجارية لجبل طارق.
إن العلاقة بين البلدات الإسبانية الحدودية وبلدة جبل طارق هي بالغة الأهمية بالنسبة للطرفين، حيث إن الجزء الأكبر من اليد العاملة للمدينة مصدره البلدات الإسبانية.
وهو ما يفرض تحديات ورهانات كبيرة تختلط فيها الأبعاد الإنسانية والسياسية والاجتماعية المنُوط بالاتفاق تجاوزها، وبالتالي وضع حد للمعاناة اليومية لحوالي 15 ألف عامل، حوالي 10 آلاف منهم إسبان.
تحديات ورهانات الاتفاق
فبيان ريكاردو الوزير البريطاني الرئيسي لجبل طارق ورئيس الحكومة المحلية، ونائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية ماروس سيفكوفيس وصفا الاتفاق بالهام والتاريخي. وحسب تصريحات المسؤولين الإسبان، فإن إسبانيا ستشرف على مراقبة جوازات السفر سواء على مستوى الميناء، أو على مستوى مطار جبل طارق.
هي محطة تاريخية سيكون لها حقيقة ما قبلها وما بعدها، وستنعكس لا محالة على الاستقرار والتعاون بالمنطقة حسب تصريح وزير الخارجية الإسباني في ندوة صحفية تلت الاتفاق، مؤكدًا أن جبل طارق سيصبح جزءًا لا يتجزأ من فضاء شنغن، كما أن إسبانيا ستشرف بعد دخول الاتفاق حيز التطبيق على مجمل عمليات الدخول والخروج.
لكن هذا الاتفاق سيطرح مجموعة من التحديات، حيث قال رئيس بلدية لالنيا دي لا كونسيبسون خوسيه خوان فرانكو رودريغيز، إن البلدية التي يترأسها هي الأكثر تأثرًا بتداعيات الاتفاق، مؤكدًا في نفس الاتجاه أن هناك مجموعة من النقاط لم تؤخذ بعين الاعتبار أثناء عملية التفاوض، من بينها إمكانية هروب شرائح واسعة من سكان البلدات الحدودية إلى بلدة جبل طارق.
وهو ما يعيد إلى الأذهان ما حصل بالضبط 1969، فيما يشبه الهروب شبه الجماعي من البلدات الإسبانية إلى الصخرة، مع بسطه مخاوف أخرى مرتبطة بارتفاع أسعار السكن هناك، وتكلفة الحياة.
من جانب آخر، لا يمكن أن نسقط من البال أن الاتفاق بين إسبانيا وبريطانيا سيدفع لا محالة المغرب إلى المزيد من الضغط على الجارة إسبانيا من أجل استرجاع مدينتي سبتة ومليلية، وهو الذي لا يفوت أية فرصة يراها مواتية للتذكير بمطلبه التاريخي هذا.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ما سر اعتراف الغرب المفاجئ بمجازر إسرائيل في غزة؟
ما سر اعتراف الغرب المفاجئ بمجازر إسرائيل في غزة؟

الجزيرة

timeمنذ 8 دقائق

  • الجزيرة

ما سر اعتراف الغرب المفاجئ بمجازر إسرائيل في غزة؟

بعد أكثر من عام ونصف، من صمت الغرب وتبلده، إزاء مذابح إسرائيل وتجويع أطفال غزة، استيقظ فجأة "ضمير" صحيفة فايننشال تايمز، وهي الصحيفة المالية البريطانية الرسمية، وخرجت عن الصف في الثلث الأول من مايو/ أيار الماضي، وأدانت، صمت الغرب المخزي، ورخص أخلاقه، في مواجهة الهجوم الإسرائيلي الهمجي والبربري على القطاع الصغير. وفي مقال افتتاحي، اتهمت الصحيفة الولايات المتحدة وأوروبا، بالتواطؤ وبشكل متزايد مع إسرائيل، التي جعلت غزة "غير صالحة للحياة"، في تلميح إلى الإبادة الجماعية، وأشارت إلى أن الهدف، هو "طرد الفلسطينيين من أرضهم"، في إشارة إلى التطهير العرقي. وبالتزامن مع ذلك، قرّرت صحيفة الإندبندنت أن "الصمت المطبق على غزة" يجب أن ينتهي، وأنه قد حان الوقت للعالم، أن ينتبه لما يحدث، وأن يطالب بإنهاء معاناة الفلسطينيين المحاصرين في القطاع. وفي ميدل إيست آي، سأل جوناثان كوك، سؤالا يُعد مفتاحا مهما، لولوج صندوق عالم الغرب المظلم، لفهم كيف يفكر إزاء الانتهاكات، والمذابح وسياسات التجويع الجماعي بلا رحمة، واختبار صدق ادعائه، بوصفه المحتكر الوحيد والحصري للمرجعية الأخلاقية في العالم. تساءل كوك: ".. ولكن لماذا انتظر حلفاء إسرائيل الغربيون- وكذلك وسائل الإعلام مثل الغارديان وفايننشال تايمز- 19 شهرا للتحدث ضد هذا الرعب؟". يضيف: إن أجزاء من وسائل الإعلام، والطبقة السياسية تعلم، أن الموت الجماعي في غزة، لا يمكن إخفاؤه لفترة أطول، حتى بعد أن منعت إسرائيل، الصحفيين الأجانب من دخول القطاع، وقتلت معظم الصحفيين الفلسطينيين، الذين حاولوا تسجيل الإبادة الجماعية. يحاول اللاعبون السياسيون والإعلاميون المتشككون تقديم أعذارهم قبل فوات الأوان لإظهار الندم. ويقول: "وحتى اليوم تتواطأ، وسائل الإعلام الغربية، في الترويج لفكرة أن غزة خالية من الاحتلال الإسرائيلي، من خلال تصوير المذبحة هناك – وتجويع السكان – على أنها "حرب". وفي الثلث الأخير من يوليو/ تموز 2025، كتب ماثيو صايد، في الغارديان، مشيرا إلى ما وصفه بـ"مبررات" المذبحة، معتمدا على نظرية نسبية الأخلاق، وهي واحدة من أسوأ النظريات الغربية، التي قدمت للرجل الأبيض/السوبر "السند الأخلاقي" لاستباحة المستضعفين في العالم، وبضمير من ثلج، أو من حجر صلد. من بين المبررات التي ساقها صايد، أن تفريغ غزة بقتل 60 ألف شخص، وتدمير 92 في المئة من البنايات، والتجويع هو ـ عند إسرائيل ـ ضروري من أجل دحر حماس. وتُذكّر تل أبيب الغرب بـ"مبرراته الأخلاقية" في الحرب العالمية الثانية، بالقول: "لقد أرغمتم النازية على الاستسلام بقتلكم آلاف المدنيين الألمان. وعلينا أن نفعل الشيء نفسه في غزة". والحال أنه لا يمكن فصل نتاج الغرب العلمي والفلسفي، عن تشكيل نظرته للعالم. هذا المنتج، حتى لو كان نظريا، يحتمل الصواب والخطأ، يجري تدويره داخل ماكينات، إعادة صوغ الرأي العام، وتحويله ـ بمضي الوقت والتراكم بالإلحاح الناعم ـ ليمسي جزءا من ثوابت عقيدته السياسية، وهي أخطر ثمرات، التدوير الفلسفي والعلمي في الغرب. يحتل كتاب داروين (1809ـ1882) عن أصل الأنواع، والذي ظهر 1859، على سبيل المثال، منزلة ربما تكون أكثر قداسة عند جماعات المصالح "اللوبي" في العالم الغربي المسيحي، من الكتاب المقدس ذاته! الولايات المتحدة الأميركية "الرسمية"، ترفض بشكل قاطع أية نظرية تنتهك حرمة "النشوء والارتقاء"، كما وضعها داروين، كان من بينها إجهاض طلب تدريس نظرية "التصميم الذكي" جنبا إلى جنب مع "أصل الأنواع" في المدارس الأميركية، ولو من باب "حرية التعبير"! وفي 2004 صادرت فرنسا العلمانية، "أطلس الخَلق"، الذي يفكك نظرية داروين. ودول الاتحاد الأوروبي على وجه الإجمال تفرض حماية صارمة على النظرية، ولا تقبل المس بمضمونها أو التشكيك بصحتها! كان غريبا إلى حد الدهشة، أن يتشدد الغرب المسيحي "الرسمي" في التمسك بالتفسير الحرفي للداروينية، على الرغم من أنها لا تزال عند حدود "النظرية" التي لم ترقَ إلى درجة "الحقيقة" العلمية! إن هدم هذه النظرية، يعني تقويض الأساس الأخلاقي والتسويغ "العلمي" الذي قامت عليه الحضارة الغربية، سواء على صعيد تطورها وحراكها الداخلي، أو على صعيد نظرتها وفهمها للعالم من حولها. فالداروينية هي التي سوّغت "تميز" العنصر الغربي، واستعلاءَه على الآخر على أساس أنه الأفضل، ووفرت له الغطاء الأخلاقي، لاستعمار مناطق شاسعة من العالم، واستنزاف موارده، على أساس أن القانون الحاكم المطلق للعالم، يقوم على "الانتقاء الطبيعي": الفرز الطبقي والاجتماعي والعرقي والسلالي، وأن الطبيعة تتجه نحو تنظيف المجتمع من الفقراء والضعفاء وتخليص العالم منهم، لإيجاد مكان للأقوياء فقط. عندما اُتهم الزعيم التاريخي البريطاني ونستون تشرشل، بأنه ارتكب مجازر مروعة في حق الهنود الحمر في أميركا، وفي حق السود في أستراليا، قال بصلف: إن"عرقا أقوى، عرقا أرقى، عرقا أكثر حكمة" قد "حلّ محلّهم". وفي كتابه "العادات الشعبية" الصادر 1906، أصّل عالم الأنثروبولوجيا الأميركي ويليام غراهام سومنر، لنظرية ما يسمى "نسبية الأخلاق"، وأن الناس يختلفون حول القضايا الأخلاقية، وأن مصطلحات مثل: "جيد" و"سيئ" و"صحيح" و"خاطئ" لا تخضع لشروط الحقيقة العالمية إطلاقا؛ وأن ما يعتبره الناس صوابا أو خطأ يتشكل كليا – وليس بشكل أساسي – من خلال تقاليد وعادات وممارسات ثقافتهم. ويؤكد الأنثروبولوجي، روث بنديكت (1887-1948)، أنه لا وجود للأخلاق المتعالية، وإنما للعادات الاجتماعية. يعزو بعض المثقفين الكاثوليك والعلمانيين الانحطاط الملحوظ في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، إلى إزاحة القيم المطلقة من قبل النسبية الأخلاقية. وقد جادل البابا بنديكتوس السادس عشر، ومارسيلو بيرا وآخرون بأنه بعد 1960 تقريبا، تخلى الأوروبيون بشكل كبير عن العديد من المعايير التقليدية المتجذرة في المسيحية، واستبدلوها بقواعد أخلاقية نسبية متطورة باستمرار. الغرب في مجمله ـ بما فيه امتداده الأميركي ـ يتعاطى مع مجازر غزة مستبطنا، هاتين النظريتين: الداروينية السياسية والاجتماعية من جهة، ونسبية الأخلاق من جهة أخرى. وهي عقيدة تعالٍ وعنصرية، ممتدة وتنتقل من جيل إلى جيل حيث يعلمون أطفالهم في المدارس "منهج عبادة القوة ".

أكثر من ألف موظف أوروبي يدعون لتعليق العلاقات مع إسرائيل
أكثر من ألف موظف أوروبي يدعون لتعليق العلاقات مع إسرائيل

الجزيرة

timeمنذ 12 دقائق

  • الجزيرة

أكثر من ألف موظف أوروبي يدعون لتعليق العلاقات مع إسرائيل

وجّه أكثر من ألف موظف في مؤسسات الاتحاد الأوروبي ، بينهم دبلوماسيون وخبراء قانونيون، نداء عاجلا إلى قادة الاتحاد في رسالة، مطالبين باتخاذ إجراءات فورية ضد إسرائيل بسبب ما وصفوه بـ" الإبادة الجماعية الجارية في غزة" والانتهاكات المستمرة للقانون الدولي. وأكدت الرسالة، التي صيغت بلغة قانونية حاسمة، أن المجاعة في قطاع غزة تتفاقم بسرعة، ولا يمكن وقفها بمساعدات مؤقتة أو إسقاطات جوية، مشددة على أن استمرار الحصار الإسرائيلي يمثل انتهاكا صارخا لاتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية والقانون الدولي العرفي. وأشار الموظفون إلى أن فشل مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة أوروبيا أدى إلى مقتل أكثر من ألف فلسطيني بنيران القوات الإسرائيلية منذ مايو/أيار الماضي، معتبرين أن صمت الاتحاد الأوروبي في مواجهة هذه الانتهاكات "تواطؤ فعلي يقوّض القيم الأوروبية". وتضمنت الرسالة 5 مطالب أساسية لقادة الاتحاد الأوروبي، والتي تشمل: التعليق الفوري لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل ، استنادا إلى البند المتعلق بحقوق الإنسان في الاتفاقية (المادة 2) والمادة 60 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات. فرض حظر شامل على الأسلحة والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج المصدّرة إلى إسرائيل ، وفقا لموقف الاتحاد الأوروبي المشترك ومعاهدة تجارة الأسلحة. وقف جميع أشكال التعاون التجاري والبحثي والتكنولوجي التي تساهم في الاحتلال ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي ، بما في ذلك برنامج "أفق أوروبا" (Horizon Europe). تعليق العلاقات الدبلوماسية وسحب سفير الاتحاد من تل أبيب، ووقف مشاركة إسرائيل في الفعاليات الثقافية والعلمية والرياضية داخل دول الاتحاد. إنشاء آليات مساءلة لمحاسبة المؤسسات والدول الأعضاء التي تخرق التزاماتها القانونية تجاه حقوق الإنسان. التواطؤ مع الإبادة الجماعية وأوضحت الرسالة أن إسرائيل، باعتبارها أكبر شريك تجاري للاتحاد في المنطقة (يمثل نحو 30% من تجارتها)، تعتمد على الامتيازات الأوروبية لتثبيت احتلالها وممارساتها، وأن الاستمرار في منحها هذا الوضع التفضيلي يجعل الاتحاد شريكا في الانتهاكات. واختتم الموقعون الرسالة بالقول: "الوقت ينفد، والكلمات لم تعد كافية. على الاتحاد الأوروبي أن يختار بين القيم التي يدعي الدفاع عنها وبين التواطؤ مع الإبادة الجماعية. تعليق الاتفاقية لم يعد خيارا، بل ضرورة قانونية وأخلاقية عاجلة". وقد وقّع الرسالة "التحالف الأوروبي للعدالة التجارية"، وهو تجمع واسع لموظفي الاتحاد المعنيين بحقوق الإنسان، مؤكدين أنهم يخاطبون المفوضة الأوروبية أورسولا فون دير لاين بشكل مباشر لتحمّل المسؤولية بشأن حرب الإبادة في غزة.

معاريف تكشف عن تغير "لافت" في إدارة المعركة ضد قيادة حماس
معاريف تكشف عن تغير "لافت" في إدارة المعركة ضد قيادة حماس

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

معاريف تكشف عن تغير "لافت" في إدارة المعركة ضد قيادة حماس

كشف تقرير نشرته صحيفة معاريف عن تغير لافت في إدارة إسرائيل للمعركة ضد قيادة حركة حماس في الخارج بعد اتهامات للموساد بالتقاعس عن القيام بمسؤولياته في هذا الملف، مما دفع جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) إلى إنشاء وحدة خاصة لتصفية وملاحقة قادة الحركة في دول عربية وأوروبية رغم أن هذا العمل ليس من صلاحياته التقليدية. جاء ذلك في سياق التقرير الذي أعده مراسل الصحيفة العسكري آفي أشكنازي وحمل عنوان "حماس الخارج لم تعد محصنة"، وانتقد فيه بشدة أداء المستوى السياسي في إسرائيل خلال الحرب. وحذر المراسل العسكري من أن البلاد وصلت إلى واحدة من أدنى نقاطها منذ اندلاع المواجهة بعد فشلها في تحقيق هدفيها الأساسيين المعلنين، وهما تحرير 50 أسيرا لا يزالون في قبضة حماس، وإزاحة الحركة عن السيطرة في قطاع غزة. خطط المرحلة المقبلة وأشار أشكنازي إلى أن رئيس الأركان الفريق إيال زامير أجرى زيارة ميدانية أمس الجمعة لقوات فرقة 162 العاملة في قطاع غزة، وهي القوة التي تقاتل بلا انقطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ضمن عملية " عربات جدعون"، وانتشرت خلالها في جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا والأحياء الشمالية لمدينة غزة، ويُتوقع أن تُكمل خلال أيام مهمتها في تدمير المناطق التي سيطرت عليها شمال القطاع. ونقل المراسل العسكري عن مصادره أن زامير أبلغ قادة وجنود الفرقة أن الأيام القريبة ستكشف إمكانية التوصل إلى صفقة جزئية لتحرير بعض الأسرى، محذرا من أن فشل المفاوضات سيعني استمرار القتال دون توقف. وأشاد بما زعمها من إنجازات حققتها الفرقة، مشيرا إلى أن هذه النجاحات تمنح الجيش مرونة عملياتية وقدرة على تعديل أساليبه وتقليل الاستنزاف، ودفع حماس إلى مأزق متصاعد، على حد قوله. ووفق أشكنازي، يستعد الجيش الإسرائيلي لتنفيذ خطتين بديلتين في المرحلة المقبلة، أبرزها فرض حصار كامل على مدينة غزة، مع شن هجوم واسع تشترك فيه القوات الجوية والبحرية والمدفعية ويستهدف مباني ومناطق داخل المدينة بنيران كثيفة. أما في الجانب الإنساني فيرى أشكنازي أن إسرائيل ارتكبت خطأ إستراتيجيا عندما استجابت لضغط وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي دعا إلى تقليص المساعدات الإنسانية وحصر توزيعها بالجيش في محطات رفح. وأشار إلى أن الموقف الأسلم كان منذ البداية إغراق غزة بكميات ضخمة من المواد الغذائية والدقيق الممول من جهات دولية إلى درجة تفوق قدرة حماس على السيطرة عليه. ولفت التقرير إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعا مؤخرا إلى توفير إمدادات غذائية تفوق الطلب في غزة، بهدف إضعاف سيطرة حماس على قنوات توزيع المساعدات الإنسانية. ملاحقة حماس بالخارج وشبّه المراسل العسكري أداء القيادة السياسية الإسرائيلية بوضع "جسر القيادة في سفينة تايتانيك"، حيث تستمر الفرقة الموسيقية بالعزف رغم أن السفينة تغرق، في إشارة إلى انشغال الحكومة بخلافات سياسية وحزبية على حساب إدارة فعالة للحرب. وأكد أن تجاوز هذا المأزق يتطلب 3 عناصر أساسية، وهي قيادة رشيدة ومسؤولة تتصرف كشخص بالغ ومسؤول، وقرارات مهنية تستند إلى تقديرات عسكرية وأمنية لا حسابات سياسية ضيقة، إضافة إلى تحرك حاسم ومتزامن في جميع الجبهات داخل غزة وفي الخارج، وعلى الصعيدين العسكري والدبلوماسي. وفي هذا السياق، سلط أشكنازي الضوء على جانب يعتبره "إخفاقا أمنيا خطيرا"، وهو أن قادة حماس في الخارج -والذين صنفتهم إسرائيل أهدافا للتصفية- ما زالوا يتحركون بحرية ويقيمون في فنادق فاخرة بالشرق الأوسط وأوروبا، على حد زعمه. وقال إن جهاز الموساد لم ينفذ عمليات ناجحة ضدهم، مما دفع المؤسسة الأمنية إلى تكليف الشاباك بمهمة غير تقليدية، وهي إنشاء وحدة خاصة لملاحقة هؤلاء القادة. وهذه الخطوة -حسب أشكنازي- تمثل تغييرا كبيرا في توزيع الأدوار داخل المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وتعكس حجم الاستياء من أداء الموساد ورئيسه ديفيد برنيع الذي اتهمه بالتقصير المتعمد في هذا الملف الحساس. وختم المراسل العسكري تقريره بالتشديد على أن أي إهمال في ملف حماس الخارج سيبقي الحركة قادرة على إعادة بناء قوتها وتنظيم صفوفها حتى لو تلقت ضربات قاسية في القطاع، معتبرا أن هذه الجبهة باتت لا تقل أهمية عن ميدان القتال في غزة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store