
تحرك ترامب ضد إيران نذير سوء لـ"الأنظمة الاستبدادية"
لوك ماكغي – (الإندبندنت) 25/6/2025تدخل ترامب العسكري ضد إيران أربك توازنات "محور الاستبداد" الذي يضم روسيا والصين وكوريا الشمالية، ووضع بوتين في مأزق بين حسابات المصالح والاصطفاف مع الحلفاء. ويهدد تصاعد القتال وتعقيد المشهد الدبلوماسي بجعل ردود أفعال طهران وأصدقائها أكثر خطورة واندفاعاً في غياب إستراتيجية أميركية طويلة المدى.***عندما وصل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى موسكو لتنسيق رد طهران على الضربات الأميركية الهائلة التي استهدفت المنشآت النووية، لم يلتقِ نظيره سيرغي لافروف، بل اجتمع بالرئيس فلاديمير بوتين نفسه. وهذا في حد ذاته يحمل دلالات كبيرة على مدى اتساع تداعيات التدخل العسكري الذي أمر به دونالد ترامب.التصعيد الكبير وتورط الولايات المتحدة المباشر في إيران، إلى جانب الصراع المتواصل بين إيران وإسرائيل، وتصريحات ترامب العلنية حول تغيير النظام، كلها عوامل تضع الزعيم الروسي في موقف صعب. فقد اضطر إلى إدانة الغارات الأميركية، فيما كانت قواته تمطر أهدافاً مدنية في أوكرانيا بالقنابل. ومهما كانت المطالب التي حملها عراقجي إلى موسكو، فإن الأخيرة ستجد نفسها مضطرة إلى موازنة مصالح متعارضة عدة، قبل أن تلتزم بأي موقف يتجاوز الخطاب السياسي.يمكن وصف العلاقة بين طهران وموسكو، في أفضل الأحوال، بأنها غير متكافئة. فمنذ أن أطلقت روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا، أصبحت إيران شريكا بالغ الأهمية. ويعود كثير من نجاحات بوتين المبكرة في الحرب التي دخلت عامها الثالث إلى تزويد إيران لروسيا بأسلحة زهيدة الكلفة، خصوصاً آلاف الطائرات المسيرة من طراز "شاهد" التي لعبت دوراً محورياً في الغارات الجوية الروسية على أوكرانيا. أما في كييف فتتحدث بعض المصادر عن تفاؤل حذر بأن إيران قد تتوقف عن تزويد روسيا بالأسلحة، نظراً إلى حاجتها لهذه الأسلحة في حربها ضد إسرائيل. وهو ما قد يدفع كوريا الشمالية إلى سد هذا النقص بتوفير مزيد من الجنود والصواريخ، مما يعمق اعتماد بوتين على بيونغ يانغ.صحيح أن بوتين ندد علناً بالضربات الأميركية والإسرائيلية على إيران، بيد أنه يدرك، أكثر من أي زعيم آخر تقريباً، أن التصريحات وحدها لا تجدي. فقد استمع إلى أغلبية الدول الغربية وهي تندد بغزوه لأوكرانيا على مدى أكثر من ثلاث سنوات. ولكن، في غياب قوة رادعة تواكب الأقوال، واصل بوتين هجماته على دولة ذات سيادة بلا عوائق.كان الكرملين خلال فترة الهجوم على إيران في وضع ترقب وانتظار ريثما تتضح مآلات التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران. وفي هذا الصدد أخبرني مسؤول أمني غربي بأنه على الرغم من عدم توقعه أي دعم روسي ملموس أو مباشر لإيران في المستقبل القريب، فإنه يخشى في المقابل أن تفتقر إدارة ترامب إلى "المتابعة الدبلوماسية القادرة فعلاً على تحويل هذه الضربات إلى نجاح طويل الأمد".كان من الطبيعي أن تتعدد السيناريوهات المحتملة خلال الأيام التي شهدت اشتعال الحرب، بدءاً من دعم أميركي صريح لتغيير فوري للنظام، وصولاً إلى خرق دبلوماسي مفاجئ ينهي القتال ويقود إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني.لكن المصدر الأمني رجح أن يكون الواقع أقرب إلى منطقة وسطى، حيث يستمر القتال، ويصبح مستوى اهتمام ترامب بالتطورات هو العامل الحاسم في تحديد مدى استمرار هذا الوضع، حيث تبدأ التعقيدات في الظهر.في سياق متصل، كثر الحديث عن "محور الاستبداد" الجديد الذي يضم إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية. ويؤكد عدد من الدبلوماسيين ومسؤولي الاستخبارات أن هذا المحور أشبه بـ"زواج مصلحة"، لا بتحالف تقليدي.صحيح أنها لا توجد أيديولوجيا موحدة تجمع بين هذه الدول الأربع سوى كراهيتها للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، لكن هذا وحده كان كافياً لتعاونها في نزاعاتها الجيوسياسية، سواء عبر الدعم الاقتصادي، أو العسكري المباشر -أو في حال كوريا الشمالية من خلال إرسال جنود للقتال إلى جانب روسيا.ربما نعيش اليوم في زمن باتت فيه التحالفات التقليدية القائمة على القيم والمبادئ المشتركة -خصوصاً تلك التي يقودها زعيم مقلق مثل ترامب- أقل استقراراً من تحالفات بين أنظمة استبدادية لا يجمعها سوى عدو مشترك ومصالح ذاتية.ومن شبه المؤكد أن الصين وروسيا ترغبان في استقرار الوضع في إيران في أسرع وقت ممكن. وسوف تتقدم غريزتهما في الحفاظ على الذات ونفورهما من أي نقاش علني بشأن تغيير الأنظمة على أي رغبة محتملة في مساعدة حليف يمر بأزمة.لعل هذا هو السبب الذي دفع الولايات المتحدة إلى مناشدة الصين، التي تستورد النفط من إيران أكثر من أي دولة أخرى، للضغط على طهران كي تبقي مضيق هرمز، هذا الممر البحري الحيوي، مفتوحاً، تفادياً لأزمة اقتصادية عالمية. ويبدو أن واشنطن تفترض أن الصين، في الوقت الراهن على الأقل، ترى أن الاستقرار والقدرة على توظيف النفوذ الإقليمي أهم من الوقوف إلى جانب إيران.ولكن، كلما ازدادت الصورة تعقيداً قد يتغير هذا الحساب. وما لم يمتلك ترامب الحنكة الدبلوماسية اللازمة لاستثمار ضرباته الجوية، فإن سلوكه السابق يوحي بأن غرائزه الترامبية -المستمدة من شعار "جعل أميركا عظيمة مجدداً"– قد تدفعه إلى الانسحاب وترك الآخرين يتولون التعامل مع التداعيات الفوضوية من بعده. وعندها، قد لا تمانع إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية في تولي مهمة احتواء الفوضى وتوجيه مسار الأحداث العالمية بما يخدم مصالحها الخاصة.*لوك ماكغي: كاتب لصحيفة "الإندبندنت".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
منذ 3 ساعات
- أخبارنا
د. عامر سبايلة : مناورات الهدنة والتصعيد على الجبهات الأخرى
أخبارنا : حديث الرئيس الأميركي ترامب عن وقف الحرب في غزة أعطى انطباعًا بقرب الهدنة، إلا أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن وقف الحرب ممكن الآن إذا سلمت حركة حماس سلاحها، تشير إلى أن تعقيد المسألة يرتكز على شرطٍ واحد فقط. هذا ما يدركه نتنياهو جيدًا ويُتقن توظيفه، حيث يمكن تعطّيل أي اتفاق عبر نقطة خلاف واحدة، ولو تم التفاهم على بقية التفاصيل. أما حديث وزير الدفاع الإسرائيلي اسرائيل كاتس عن إنشاء "مدينة إنسانية" على أنقاض مدينة رفح في جنوب غزة لنقل السكان إليها، فيؤكد أن المناورة الإسرائيلية ما تزال مستمرة، وأن مشروع التهجير السكاني هو جوهر التحرك بغض النظر عن التسميات، سواء أُطلق عليه اسم "ريفييرا" أو "مدينة إنسانية". هذا الطرح يتماشى مع ما صرّح به نتنياهو أمام ترامب، عندما قال إن سكان غزة يجب أن تُمنح لهم حرية البقاء أو الرحيل. وفي الوقت الذي اختتم فيه نتنياهو زيارته إلى البيت الأبيض، وتزامنًا مع زيارة وزير الدفاع كاتس إلى واشنطن، قد نكون أمام مرحلة تصعيد جديدة في المنطقة، خصوصًا وأن إسرائيل أبقت معظم الجبهات مفتوحة وغير محسومة. فمنذ السابع من أكتوبر، بات خفض مستوى القتال في جبهة ما يعني رفعه في جبهة أخرى. وقد يكون الوضع في لبنان مرشحًا للتصعيد، سواء من خلال التركيز المتزايد على مسألة نزع سلاح حزب الله، أو عبر الفشل المتوقع في هذا المسار، ما قد يؤدي إلى انفجار الوضع. إلى جانب ذلك، يشكل التصعيد القائم بين لبنان وسورية بُعدًا إضافيًا للأزمة، وهو تصعيد قد يذهب بالطرفين إلى حافة المواجهة، وهو ما لا يتحمّله لبنان اليوم بعد الحرب المدمّرة مع إسرائيل، ووسط تنامي خطر الإرهاب في الداخل، مع تزايد المؤشرات على وجود وانتشار خلايا تابعة لتنظيم داعش. ورغم أن الحرب بين إيران وإسرائيل توقفت دون حسم، إلا أن جبهة المواجهة ما تزال مفتوحة. قد لا تكون الحرب حالياً مباشرة، لكن إسرائيل لن تتخلى عن العمل في سماء إيران أو على الأرض حتى تحقيق الحسم. تسريع عمليات إعادة التسلح، والتلويح الأميركي بتزويد إسرائيل بقنابل خارقة للتحصينات، يعكس أن خيار المواجهة ما يزال مطروحًا على الطاولة، وهو ما تدركه طهران جيدًا. ويبدو أن الورقة المتبقية بيد إيران اليوم هي تفعيل وكلائها الإقليميين. الحوثي، على سبيل المثال، انتقل من استهداف إسرائيل بين الحين والآخر، إلى استهداف الملاحة الدولية بشكل مباشر، عبر ضرب السفن أو أسر طواقمها أو حتى إغراقها. هذا التحول النوعي في شكل العمليات الحوثية يهدف إلى تأزيم الوضع دوليًا، وإرسال رسائل مفادها أن ما يحدث هو نتيجة التوتر مع إيران، وليس مرتبطًا فقط بالحرب على غزة، كما كانت ادعاءاتهم سابقًا. أما جبهة العراق، فقد تعود إلى واجهة التأزيم، خاصة مع التحركات الجديدة التي تستهدف كردستان العراق، والتي قد تمتد إلى المصالح الأميركية هناك، سواء كانت شركات أو وجودًا عسكريًا. وهو ما قد يتفاقم خلال الأيام المقبلة، الأمر الذي قد يُدخل جبهة العراق ضمن خريطة التصعيد المحتملة. وفي الوقت الذي يُكثر فيه الحديث عن احتمال تحقيق هدنة في غزة، فإن الواقع على الأرض قد يشير إلى أن "العودة إلى الساحات المفتوحة" سيكون عنوان المرحلة المقبلة بالنسبة لإسرائيل، من لبنان إلى اليمن والعراق. لكن العنوان الأبرز ربما يكون العودة إلى جبهة إيران، في حال تعثرت العودة إلى طاولة المفاوضات. هذه المواجهة القادمة قد تختلف عن نمط الحرب القصيرة السابقة التي دامت 12 يومًا. إذ تسعى إسرائيل إلى إشغال إيران من الداخل، وتجريدها من أي قدرة على توسيع رقعة المواجهة أو تفعيل أدواتها المتبقية. لذلك، فإن عامل المفاجأة والعمل الاستخباراتي قد يشكّل حجر الأساس في أي تحرك إسرائيلي مرتقب.


أخبارنا
منذ 3 ساعات
- أخبارنا
هزاع البراري يكتب : أوروبا رجل العالم المريض
أخبارنا : منذ الإسكندر المقدوني، وأوروبا دائما تعيد تشكل العالم، تغيب مرحلة أو اكثر ثم تعود لتتسيد العالم، ولكنها هذه المرة ومنذ الحرب العالمية الثانية تواصل الغياب والتراجع، حتى غدت ظل نحيل تابع لسيد العالم أمريكا، وبالرغم أن أمريكا تاريخيا مستمرة أوروبية، والأنجلوسكسون هم حكام هذا العالم الجديد، إلا أن هذه الزعامة الأمريكية التي عززتها المخاوف الأوروبية من الجيش الأحمر - الإتحاد السوفييتي - لن تتحقق إلا بسحب البساط من تحت أقدام أوروبا وتحولها إلى تابع مطيع، وأصبح حلف شمال الأطلسي أداة هيمنة أمريكية أكثر من كونه درع حماية أوروبية. هذه المرة سياسة ترامب المباشرة والفجة، كشفت الضعف الاوروبي، وأرتهانه للقرار الأمريكي، وما زاد في وهن القارة العجوز جيل من الرؤساء الأوروبيين الضعفاء، الساعين إلى قمع أو تهميش اليمين الأوروبي ووصمه بالتطرف، في حين أن بريطانيا التي تعد الأب الشرعي لأوروبا والتي حكمت نصف العالم أو اكثر في الحقبة الكونيالية، حكامها اليوم ينظرون إلى رؤوساء أمريكا كحماة وسادة، خاصة وهي تعيش شبه عزلة بعد خروجها من الإتحاد الأوروبي، بمعاهدة لم تكن في صالحها بكل الأحوال. لقد وصلت الحرب الروسية الأوكرانية تعرية واقع الحال الأوروبي، فلو تحلت أوروبا بعقل وازن ومستقل عن التبعية الأمريكية لما قامت الحرب، ولما تم الزج بأوكرانيا ومن خلفها أوروبا بحرب لن تنتصر فيها، عندما تم دفع أوكرانيا للتعنت، فها هي أوكرانيا تخسر 20 % من أراضيها ويقضم المزيد ببطئ، وأوروبا تستنزف ماليا وتسليحيا، وتكبدها العقوبات على روسيا خسائر سنوية باهظة. إلى أين تتجه أوروبا؟ السياق يقول إلى مزيد من الضعف والانكماش، وأن الإتحاد الأوروبي يفقد زخمه وتأثيره، وأن مشاكل اقتصادية كبرى ستضرب عجلة التنمية الأوروبية وسيرفع نسب البطالة بشكل يهدد السلم الأهلي في القارة العجوز، وهذا سيمنح أمريكا مكانة اقتصادية أكبر وهيمنة أوسع على القرار الأوروبي، وسيشجع ذلك كثير من القوميات الأوروبية على الإنفصال والمطالبة بالاستقلال، وربما نشهد سايكس- بيكو أوروبية في العقد القادم إذا استمر تردي الحال، وهذا سيعطي روسيا مزيدا من مناطق النفوذ والقوة الاقتصادية والعسكرية التي قد تعيد العالم إلى زمن القطبين، وفي كل الأحوال ومهما كان شكل هذه التحولات فإن أوروبا هي الخاسر الأكبر.


أخبارنا
منذ 3 ساعات
- أخبارنا
العين د. زهير ابوفارس يكتب : هل هي الحرب المؤجلة ما ينتظر المنطقة والإقليم؟!
أخبارنا : هل انتهت الحرب بين إسرائيل وإيران، ام هي مؤجلة إلى حين قريب أو أكثر بعدا، ام ماذا؟!!. وما طبيعة العلاقات التي تحكم عناصر ومكونات المنطقة، هل من إعادة للتموضع ستشهدها المنطقة والاقليم؟. هذه الأسئلة وغيرها الكثير لا تزال تطرح وتدور أمام أنظار أطراف المعادلة الجيو-سياسية الاقليميين والدوليين. واذا ما ناقشنا حال المنطقة العربية، منطلقين من لحظة وقف المواجهة، او الحرب المباشرة، بين إسرائيل وإيران (والتي شاركت فيها الولايات المتحدة كداعم استراتيجي فاعل)، يبدو أنها لم تنته، بل يمكن وصفها "بالحرب المؤجلة"، اذا ما كانت السيناريوهات الأخرى الذاهبة إلى سياقات وخيارات التفاهم المبنية على المصالح البرغماتية او ان شئتم، عقلية "البازار" التي يمكن ان تسود، اذا ما قررت القيادة الإيرانية الانكفاء على الذات، حفاظا على كينونة النظام السياسي لولاية الفقيه، خاصة في ظل غياب حلفاء إقليميين ودوليين حقيقيين ومؤثرين، قادرين على احداث توازن استراتيجي للحلف الاسرائيلي الأميركي، والذي جرى تجربة فاعليته في مواجهات الاثني عشر يوما المعروفة في حزيران الماضي. واذا ما اعتمدنا سيناريو المواجهة المؤجلة فإن عناصره الأساسية تبدو واضحة من خلال المعطيات التالية: اولا: ان دخول الولايات المتحدة بشكل مباشر في معادلة الصراع الاسرائيلي مع إيران حول مشروعها النووي، وتوجيه "ضربة حاسمة" التي عجزت عنها إسرائيل حول أميركا إلى طرف أصيل في الصراع لن تستطيع التراجع عنه إلى حين الحسم النهائي لهذه المسألة، وهو ما نجحت إسرائيل والقوى المؤيدة لها في الولايات المتحدة في جر الأخيرة إلى هذه المعادلة، وهي خطوة لطالما حاولت الإدارات الأمريكية السابقة (بما فيها إدارة ترامب الاولى) المماطلة والتهرب من الانخراط المباشر في هذا الصراع، الذي اداره نتانياهو بدهاء وخبث قل نظيره. اي أن الولايات المتحدة قد وجدت نفسها، وبعد ضربات المنشآت النووية الإيرانية بالقاذفات الاستراتيجية، متورطة حتى اذنيها في هذا الصراع، ولن تكون قادرة على التخلي عن مواقفها المعلنة والمتمثلة في عدم السماح للايرانيين بتخصيب اليورانيوم بكافة الوسائل، ومهما كلف الثمن، بل قد ينتقل التشدد الأميركي إلى أبعد من النووي الإيراني ليشمل برنامج الصواريخ البالستية، في حال رضخت إيران للمطالب الاسرائيلية الأميركية في مسألة البرنامج النووي الإيراني. اي أن اليمين الاسرائيلي قد نجح تماما في جر الولايات المتحدة إلى مواقفه المعلنة في تحييد الخطر الإيراني، ولو كلف الأمر الدخول في صراع حول وجود النظام السياسي الإيراني نفسه. وهو انتصار سيوظفه كل من نتانياهو وترامب في معادلاته السياسية الداخلية في آن معا. ثانيا: لقد أثبتت المواجهة بين إسرائيل وإيران ان الأخيرة خاضت مواجهتها وحيدة، ويبدو ان لا تغيرات جوهرية تلوح في الافق في عناصر الصراع في المنطقة. اي أنها ستبقى وحيدة كذلك الا من أطراف اقليمية هامشية وغير مؤثرة في طبيعة التوازن الاستراتيجي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن إيران، والحالة هذه، لن تتمكن من تغيير هذه المعادلة، اي أن خياراتها ستبقى محصورة في هامش مناورات التفاوض، التي لن تسمح إدارة ترامب بالمماطلة فيها، بل ستعمل على فرض إرادتها وشروط نتانياهو وشركاؤه اليمينيون المتطرفون. ثالثا: واذا كان الأمر كذلك، وبخاصة في ظل غياب أطراف إقليمية ودولية فاعلة قادرة على تغيير هذا الواقع الذي يتميز باختلال موازين القوى لصالح إسرائيل وحلفائها، فإننا نغدو أمام سيناريو استئناف حرب الاثني عشر يوما المؤجلة بين إسرائيل وإيران، وبدعم أميركي مباشر، حيث قد يكون الهدف هو النظام السياسي في إيران، في مواجهة من الصعب التكهن بنتائجها المباشرة وغير المباشرة، والتي يعتبرها نتانياهو البوابة الحقيقية للشرق الأوسط الجديد الذي ينادي به طوال حروبه المستمرة في غزة والضفة الغربية، ولبنان، وسوريا والعراق، ولن تكون الأخيرة في إيران. هنا يطرح السؤال الكبير: أين سنكون نحن العرب من هذا الشرق الأوسط الجديد، الذي يخطط له اليمين الصهيوني الاستعماري الاحلالي، والذي لا يخفي اطماعه التوراتية التوسعية في فلسطين والمنطقة باسرها؟. وهل نستطيع، بحكم الخطر المشترك المحدق بنا جميعا، (وفي ظل غياب المشروع العربي النهضوي)، هل يمكن الرهان على بناء نواة، أو "موقف"، أو " رؤية عربية" بمشاركة الدول العربية الفاعلة والمتاثرة بالمخططات الصهيونية المعلنة، تستطيع التعامل، ولو بالحد الأدنى من الندية مع قوى في الإقليم، كتركيا وباكستان، والدولية الأخرى، على قاعدة المخاطر والمصالح المشتركة، لحماية ما تبقى من الأمن القومي العربي، ووقف الخطر الصهيوني الرامي إلى تصفية القضية الفلسطينية، بتهجير أهلها، وتهديد أمن ومستقبل دول وشعوب المنطقة باكملها. فالخطر القادم يحتاج إلى قرارات ومواقف استثنائية لمواجهته. ويقينا ان الأردن ومصر المتضررين المباشرين من المشروع الصهيوني فيما يتعلق بالتهجير تحديدا، ومعهم العربية السعودية والعراق ودول الخليج الأخرى، كنواة تساندها بقية الدول العربية. وفي هذا المجال فإننا على قناعة من أن الإنجازات الكبيرة التي حققها جلالة الملك عبد الله الثاني في زياراته عواصم صنع القرار في العالم، يمكن توظيفها والبناء عليها، شريطة تدعيمها بمضامين سياسية واقتصادية وأمنية ودبلوماسية عربية، لتكون قادرة على خلق حالة من الندية يحسب لها الحساب على المستويين الإقليمي والدولي..