logo
#

أحدث الأخبار مع #أفلام_مستقلة

في "عمان السينمائي".. الأفلام غير العربية تبرز الجمال في تفاصيل الحياة
في "عمان السينمائي".. الأفلام غير العربية تبرز الجمال في تفاصيل الحياة

الغد

timeمنذ 4 أيام

  • ترفيه
  • الغد

في "عمان السينمائي".. الأفلام غير العربية تبرز الجمال في تفاصيل الحياة

إسراء الردايدة اضافة اعلان عمان - في إطار دعم المواهب الشابة والاحتفاء بالإنتاجات الروائية الأولى، يقدّم مهرجان عمّان السينمائي – "أول فيلم" هذا العام ضمن مسابقة الأفلام غير العربية.تأتي هذه الأفلام الثلاثة كخطوات أولى جريئة لمخرجين ناشئين، تحمل في طياتها شغفا باكتشاف الجمال الخفي في تفاصيل الحياة اليومية.في "كل ما نتخيله كالضوء"، تحوّل بايال كاباديا أزقة مومباي الصاخبة إلى مسرح شعري لمسيرة ثلاث ممرضات يبحثن عن الأمان والحنين وسط صخب المدينة. أما "لمسة مألوفة" لسارة فريدلاند، فتنقلنا إلى قلب دار المسنين بلطف وثيقة تجمع بين الدراما والوثائقي، حيث يتحول روتين راث اليومي إلى قصيدة صمت تتحدث عن الزمن.وفي "نهاية سعيدة" يقدّم نيو سورا طوكيو المستقبلية بطابع نقدي مكثف، مستعرضا صراع مراهقين بين قوانين النظام ورغبة الرفض والثورة.تتقاسم هذه الأعمال طموحا واحدا: تحويل اللحظات الصغيرة كهمسة، نظرة، حركة، إلى تجارب سينمائية تنبض بالصدق والحميمية. عبر لغات بصرية وصوتية مختلفة، يمزج المخرجون بين السرد الشخصي والقضايا المجتمعية الكبرى، فتشرق أمامنا رؤى جديدة للسينما المستقلة، قادرة على لمس نبض الإنسان أينما كان.وتجمع هذه الأعمال رؤيتها في التركيز على قصص بشرية يومية، وتحويل التفاصيل الصغيرة إلى تجارب ذات دلالة عامة، عبر لغة سينمائية خاصة تميّز الإخراج والأداء والصورة والصوت.فيلم "كل ما نتخيله كالضوء" المخرجة بايال كاباديافي فيلمها الروائي الأول تقدم كاباديا في هذا الفيلم الروائي الأول تصويرا معيشيا للحياة في مومباي، معتمدة على أسلوب يمزج بين التصوير الوثائقي واللمسات الأسطورية. تسير الكاميرا ببطء بين أزقة المدينة المضاءة ليلا، مركزة على تفاصيل يومية وأحاسيس الشخوص. تحوّل المخرجة مدينة الملايين إلى فضاء داخلي وحدسي تتحرك فيه ثلاث ممرضات بين أحلامهن وإحباطاتهن. تتجلّى شخصيتها الإخراجية بحساسية عالية تجاه العزلة والحنين، كما في مشهد عناق برابها لموقد الأرز المستورد من زوجها البعيد، وهو مشهد تكثيفي يلفت الانتباه إلى عوالم داخلية مقموعة.وكتبت كاباديا السيناريو بنفسها، فيدرج حبكتين فرعيتين ضمن إطار واسع للمدينة. يعكس النص انتظار وهج الإحساس بالانتماء: فقدان برابها لزوجها بعد الزواج التقليدي، وعلاقة أنو المتمرّدة مع شاب مسلم سرّي، وصداقة الممرضات مع امرأة أكبر تدعى بارفاثي. تتوزّع الأحداث ببطء؛ يبدأ الفيلم بمسارات يومية روتينية ثم يذهب برحلة طويلة إلى قرية ساحلية، ويختتم بصيغة تأمّلية ساحرة. تعالج السيناريو مواضيع اجتماعية (كالفقر والإيجارات والمصاهرة) دون افتعال؛ فالمشكلات تُطرح أثناء المعارك الصغيرة اليومية (مثل مساعدة بارفاثي على المحامي وإسقاط ملصّقات تطالب بالعدالة الاجتماعية) بدلا من حوارات توجيهية، ما يعطي النص إحساسا عضويا وواقعية.الفيلم يرتكز في المقام الأول على أداء ثلاث ممثلات رئيسات يمنحنه صدقا وحساسية. كاني كوسروتي في دور برابها تستخدم لغة الجسد ونظرات العيون لتبوح بما يختلج في داخلها من إحباط وأمل، فتشعر المشاهدين بمساحة داخلية واسعة تحت ظلال الهدوء. أما ديڤيا برابها فتنفجر بالحيوية على الشاشة، تحرك كتفيها، تلمح ابتسامة قصيرة، وتنقل لنا رغبة شابة تتوق للتحرر من قيودها الاجتماعية. وفي المقابل، تأتي تشايا كادام لتجسد عاملة عجوز تحتفظ بكرامتها رغم تعابير وجهها المتعبة، فتلامس قلوبنا بصدق معاناتها اليومية.من ناحية الصورة، يشكل ثبات الكاميرا والإطارات الواسعة العمود الفقري لتصوير غابي سي. إلدر. نبدأ غالبا بلقطة ثابتة تكشف تفاصيل الفضاء، قاعة الطعام أو الشارع الهادئ تحت ضوء النهار، ثم تنتقل الكاميرا ببطء إلى قرب الوجوه، كأنها تبحث عن مركز الحدث. تسود الألوان الدافئة والإضاءة الطبيعية المشاهد الداخلية، فتشعرنا بدفء المكان وواقعيته، بينما تحولت اللقطات الليلية إلى بانورامات حالمة حيث تلمع نيونات المدينة وتبرز العزلة تحت سقف الظلام. والأهم أن المشاهد الرومانسية أو الحالمة تختلط فيها بسلاسة عناصر الواقع والخيال، كما في مشهد الرجل الغارق الذي تنقذه برابها ثم يتحول في رأسها إلى زوجها المفقود.أما الصوت، فهو يمنحنا إحساسا أقرب للوثائقي. ففي غياب الموسيقى التصويرية الدرامية، تملأ أماكن الصمت أصوات البيئة: حفيف الأقمشة، وخشخشة خطوات راوث البطيئة على البلاط، وهمسات الممرضات بعيدا عن ضجيج الآلات الموسيقية.فيلم "لمسة مألوفة"المخرجة سارة فريدلانديقدّم الفيلم رؤية رقيقة وصادقة لمهمة التكيّف مع الشيخوخة والخرف في إطار مجتمع مساعد. اعتمدت سارة فريدلاند على أسلوب وثائقي دقيق، إذ صوّرت بتأنٍّ حياة امرأة ثمانينية (راث) داخل دار مسنين، مع تركيز على روتينها اليومي وتفاعلها مع الآخرين. غالبا ما تكون الكاميرا ثابتة أو بطيئة الحركة، تلتقط لحظات روتينية طويلة (مثلا تجهيز الفطور والطهو)، وتعطي فسحة للمشاعر أن تنضج بصمت. إلى ذلك، تستخدم المخرجة مساحات واسعة في اللقطات لتوضيح حجم المكان وصغر الشخصية بداخله، كما لو كانت تشدّد على مفارقة الأمن المزمع وتقدم الذات في هذا العالم الجديد.وتدور الحبكة حول أنشطة يومية بسيطة وتطورات عاطفية رفيعة المستوى. تبدأ القصة بفقدان راث لحريتها عندما تنتقل من منزلها إلى منشأة رعاية، ثم نتتبع من خلالها كيف تأخذ الأمور منحى كوميديا وحميما، كنقلها إلى المطبخ لإعداد الطعام ومشاركتها العاملة معه وتذكرها الوصفة. الحوار مترابط وحميمي، ينبع من شخصيات حقيقية – مثل تدريب الممرضة فانيسا على اجبار راوث على تناول أدويتها، أو سرد راث لطباخٍ من ذكريات شبابها. لا يتضمن السيناريو تحقيقات كبيرة أو صراعات خارجية، بل تركيزه على التغيرات البسيطة: تذكر أسماء الأحفاد، مقاومة المواقف الجديدة، واللحظات الغامرة في الحلم المفقود. تتسم المشاهد باتساع نفس طويل، متنفس للضحكات الخفيفة والأحزان الصغيرة، ما يجعل كل لحظة مفعمة بالمعنى.ويبرز أداء كاثلين تشالفانت بوجه خاص، حيث تمنح شخصية راوث عمقا ثريا بالاعتماد على تعابير وجه رقيقة وتلقائيّة. تبرز الحركة البسيطة لعينيها ويدها تحولاتها العاطفية من حزن وهجس إلى دفء متجدد. كما يؤدّي الممثلون المساعدون، لاسيما كارولين ميشيل سميث (فانيسا) وآندي ماكوين (براين) و H. Jon Benjamin (ابنها ستيف) أدوارهم بتلقائية طبيعية.تنتقل العلاقة بين راث وفانيسا من شك في البداية إلى محبة شبه أمومية، ويظهر ذلك بتفاعلهم المرن وروح الدعابة. يُشعر هذا الأداء الجماعي باللعب التعاوني والدّعم الإنساني المتبادل، وكأنه ورشة تمثيل حقيقية تجمع مقيمين وعاملين. الحضور المسرحي لكاثلين، المتعود على الأداء الحي، يضفي على الشخصية قدرا من اللؤلؤة والصراحة، يجعلها مألوفة بعمق ، كوالدة أو جدّة نعرفها عن قرب.اعتمد غابي سي. إلدر في تصويره على ثبات الإطار وشمولية المشهد، فتجد راوث في غالب لقطات وسط مجموعات كبيرة، على طاولات الطعام أو في قاعة النشاطات؛ ثم تقترب الكاميرا منها ببطء، كأنها تستخرج بؤرة الحدث من الفوضى. تغلب الألوان الدافئة والإضاءة الطبيعية على المشاهد الداخلية، فتنقل هدوءَ المنزل ودفءَ أجوائه.كما يلتقط التصوير تفاصيل بسيطة لكنها غنية بالمعنى: كبار السن بملابسهم الكريمية والرمادية، والأثاث الخشبي العتيق، والنوافذ المطلة على الحديقة، فتزداد واقعية العالم المصور. والزوايا الواسعة تذكّر بطابع الأفلام الوثائقية، حيث تُبرز الفرد ضمن مجموعته: أحيانا تنسحب الشخصية إلى زاوية بينما تقدّم تقاطيعها المسرح الخاص بها للحظة يعيشها المشاهد.تماشيا مع روح الصمت التي تَنشُدها الكاميرا، ينعدم وجود موسيقى تصويرية، فتبرز الأصوات الطبيعية للفضاء: حفيف خطوات راوث البطيئة، وهمسات الممرضات، وصرير أدوات المائدة، بينهم أحاديث رقيقة تطفو بصوت خافت.فيلم "نهاية سعيدة"المخرج نيو سورايرسم نيو سورا في فيلمه الروائي الأول طوكيو المستقبلية المستبدة بنبرة استشراقية. يعتمد التصوير على أطر ثابتة وكاميرات أمان ثابتة عالية الزاوية لترسيخ شعور دائم بالمراقبة. تتداخل لقطات الحياة المدرسية اليومية (الهروب من الصف، تسلق الجدران) مع مشاهد الاحتجاج والإضراب التي تخلق طاقة جماعية متصاعدة. يظهر سورا تحكمه بالمواد السينمائية في إدارة المشاهد الحوارية الطويلة التي تدور بين الصديقتين (يوتا وكو) وزملائهم من أعراق وخلفيات مختلفة، دون أن تتحوّل إلى موعظة، بل تبدو عفوية وشبيهة بنقاش أكاديمي. يميل الأسلوب إلى الواقعية النقدية، مع نهاية مفتوحة تبعث على التأمل (بدلا من التشويق الكلاسيكي)، ويتسم الإخراج برهانات الجرأة مثل استخدام السخرية في اللافتات الجدارية وكاميرات المراقبة التي تبتسم كما لو أنها الشخصية نفسها.وكتب سورا النص بنفسه، وهو يدمج قصة تحوّل صديقين مراهقين بنيوية في زمن أزمات كبرى. يركز السيناريو على التناقض بين حريّة المراهقة وضغوط مجتمعية متبلورة في قوانين صارمة.وتبدأ الأحداث بمقالب مدرسية بسيطة (رود على المدير) تسبّب استئناف نظم مراقبة تكنولوجيا عالية (Panopty)، ثم تصعد إلى احتجاجات الطلاب داخل المدرسة وخارجها. تتطرق الحوارات إلى قضايا كبيرة مثل العنصرية والسلطة والخوف من المستقبل، إلا أنها تنبثق من وجهات نظر الأطفال: كيف يرون المستقبل إذا كان من حولهم يعانون من تهديد زلزال أو نظام قمعي. يوزّع النص توزّيعا متوازنا بين السياسة الشخصية (خوف يوتا من انهيار النظام) والصورة العامة (استمرار الضغوط الحكومية)، ليبقى الفعل في خدمة تسليط الضوء على المزاج العام لعصر الشباب الرافض.فريق التمثيل يتمتع بالشباب والحيوية، رغم أن الممثلين معظمهم وجوه جديدة لم تبرح المسرح أو التلفزيون. أبدى معظم الممثلين طاقة عضوية وطبيعية في تفاعلهم، بما يوحي بصدق انغماسهم في أدوارهم. يعكس الثنائي الرئيسي، هاياتو كوريهارا ويوكيتو هيداكا، صداقات المراهقين وحماسهم بطريقة مؤثرة؛ تظهر انفعالاتهما متناغمة مع مراحل عمرهما (في حب الغناء الإلكتروني والثورة) ومع المشاعر المتضاربة حيال السلطة. هناك بعض الملاحظات على كون بعضهم بقوام تصويري قريب من نجوم البوب، لكن حيويتهم وإحساسهم باللحظة يخفّف من ذلك. بشكل عام، ابتعدوا عن التمثيل المسرحي المبالغ فيه، فأصبح الفيلم أقرب إلى وثائقي لنشاط شبابي مفعم بالحماسة والعصيان الطفولي.الموسيقى التصويرية اللي اخترعها سورا مأخوذة من تقنيات إلكترونية وتكنو، ولها دور أساسي ببناء الجو العام. "بنسمع نغمات إيقاعية قوية بالمشاهد الليلية والنوادي، والإيقاعات الحامليّة للترقب عم تحاكي رجة الزلزال، كأن مضخمات الصوت عم تهز المباني والقلب سوى. وفي لحظات الصداقة، لما الصديقين يحملوا مضخم صوت كبير بالمدينة، بنحس إنه الصوت جاي من تحت الأرض، بيوقظ دافع القوة الجسدية". ومع هالإيقاعات الجامحة، بتختلط أحيانا نغمات Ambient هادئة وحنينية، خصوصا بمجريات استرجاع ذكريات الطفولة على وجوه الأبطال.على رغم اختلاف مواقعها وزمنها الافتراضي، تؤكّد هذه الأفلام الثلاثة أن السينما المستقلة العالمية تتجه اليوم إلى قصص إنسانية خاصة تحمل طابعا عالميا. فجميعها أُخرج لأول مرة، لكنه غُمر بمعالجات أصلية: نجد في "كل ما نتخيله كالضوء" تحقيقا شعريا لحياة نساء مهاجرات، وفي لمسة مألوفة سجلا حميميا عن تقدّم العمر والكرامة، وفي نهاية سعيدة نقدا شبابيا للمؤسسات والأزمة السياسية.وتُظهر التجارب المشتركة أنها لا تكتفي بعرض دراما شخصية فحسب، بل تضيء على قضايا أكبر: انتماءات الإنسان، التغيير الاجتماعي، تضامن الأجيال، وكيفية مواجهة الخوف والعمل من أجل المستقبل. كما أنها تعكس اهتمامات السينما العالمية الجديدة بتوظيف لغة بصرية متحررة، كما برهنت عليها استخدام الإضاءة والصوت وغنائيات الإيقاع، للغوص في عمق الشعور والذاكرة. كان الاحتفاء الدولي بهذه الأفلام في كان والبندقية ومهرجانات عالمية أخرى دليلا على حيوية هذه المسارات الجديدة؛ فهي تنمّي أصواتا لم تكن معتادة في غرف صناعة السينما التقليدية. ومن ثم، تفيد هذه التجربة المشتركة بأن السينما المستقلة العالمية تواصل تنوعها واتساعها، مستكشفة أفكارا وثقافات مختلفة عبر قصص تُقدّم بعيون شخصيات حقيقيّة ومتناغمة مع نبض حياتنا.

ويس أندرسون... مخرج التَّصميم الهندسي للإنسان والزمان
ويس أندرسون... مخرج التَّصميم الهندسي للإنسان والزمان

الشرق الأوسط

time١٧-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الشرق الأوسط

ويس أندرسون... مخرج التَّصميم الهندسي للإنسان والزمان

يحرص مهرجان «كان» سنوياً على اختيار أفلام أميركية ذات طابع مستقل، متحرِّرة من السائد الهوليوودي، من خلال أعمال لمخرجين اشتهروا برؤاهم الذاتية وأسلوبهم الخاص في التأليف، مثل سبايك لي، وجيم جارموش، وديفيد لينش، وقبلهم روبرت ألتمن، وودي ألن، وألكسندر باين. كذلك كانت للمهرجان جولات ناجحة مع المخرج ويس أندرسون الذي يوالي عرض أفلامه فيه كلَّما حقق جديداً. ويشارك أندرسون العام الحالي بفيلم كوميدي بعنوان «المخطط الفينيقي»، بعد أن قدَّم قبل عامين فيلم «أسترويد سيتي»، الذي انضم بدوره لما سبق لهذا المخرج أن حققه وخصَّه في هذا المهرجان الفرنسي. المخرج أندرسون خلال تصوير «فندق بودابست الكبير» (فوكس سيرتشلايت) إلى الصدارة ينتمي فيلم أندرسون الجديد إلى مجموعة أفلامه السابقة، لا من حيث الحكاية التي تضمُّ مواقف مختلفة لشخصيات متعددة، بل من حيث ذلك الأسلوب الخاص الذي يميِّز كلّ ما يحقِّقه. أسلوب يعتمد الشكل الهندسي ويعمد إلى حلول فنية خاصّة به تُميِّز أفلامه عن أي مخرج آخر من أي مكان. لم يدرس أندرسون الهندسة المعمارية أو علم الهندسة مُطلقاً، كما لم يُمارس فنَّ الرسم من قريب أو بعيد (كما فعل لينش على سبيل المثال). وذلك لم يمنعه، منذ أن بدأ الإخراج سنة 1998، من تشكيل أفلامه على نحو هندسي، ومنحِ الصورة ألواناً أساسية تُعبِّر عن المكان والمعنى الذي يجسِّدهما. ألوانه فاقعة حين يرغب في ذلك، وخافتة في حالات أخرى. حتى عندما تكون خافتة أو باهتة، تبقى مُميَّزة بدرجة كبيرة من دفع اللون إلى الصدارة؛ لذلك، فإن مُشاهدة أفلامه هي تجربة في التصاميم الشكلية وألوانها، تُحيط بالحكاية وتٌلّمُ بتفاصيل عدَّة يوفِّرها المخرج في أي مشهد، وفي أي فيلم له. في «المخطط الفينيقي» مثال جاهز: مشهد يتألف من غرفة واسعة ذات سقف وجدران من الخشب بُنيَّة اللون، فيها 3 شخصيات. إلى اليمين رجل بسترة بنيَّة يحمل حقيبة حمراء وجهازاً تحتها. وراءه بأمتار قليلة فتاة بلباس راهبة. إلى يسار الصورة، وعلى بُعد مماثل، يقف رجل بيد مربوطة لعنقه (إثر حادثة)، يرتدي سترة لونها بيج. الغرفة نفسها موضَّبة، تحتوي على مكتب في منتصفها أمام نافذة، وعلى الأرض انعكاسات لنور الشمس. ديكوريست توزيع الشخصيات في الفيلم ينتمي إلى رؤية المخرج، حيث تُحسب تفاصيل كل لقطة بدقة شديدة، من حيث المساحة والمسافات، وحتى انعكاس ضوء الشمس على الأرض. الفيلم بأكمله مصمَّم على هذا النحو، كما لو أن المخرج رسم كل مشهد على حِدَةٍ قبل تصويره، وهذه ليست المرة الأولى. يمكن ملاحظة هذا الأسلوب المميز لدى أندرسون في جميع أفلامه؛ فهو «ديكوريست» ومخرج في آنٍ معاً. في فيلم «عائلة تَننباوم الملكية» (2001)، يلعب المنزل حيث تعيش شخصيات العائلة دوراً محورياً في تعريفها، يُفسِّرها من خلال محتويات غُرَفه وتوزيع الألوان فيها. وأمضى المخرج 6 أشهر في تصميم الديكورات واختيار الألوان، مقابل 6 أسابيع فقط لتصوير الفيلم. «دارجالينغ ليمتد» (فوكس سيرتشلايت) في لقطة من فيلم (The Darjeeling Limited) «دارجالينغ ليمتد» عام 2007، تُظهر 3 ممثلين جالسين على كنبة عريضة داخل غرفة ضيقة ذات جدران برتقالية داكنة وحمراء باهتة. طريقة جلوسهم ووضع أيديهم أمامهم تبدو متجانسة، لأن الغاية هي توفير صورة ثلاثية الأبعاد لشخص واحد. هؤلاء هم 3 إخوة ركبوا القطار في مهمة روحانية. بدلاً من تناول شخصياتهم بشكل منفصل، يعرض المشهد اختلافاتهم وتماثلهم، ليختزل كل شيء في تلك اللقطة، فإذا بهم أقرب إلى حالة واحدة متعددة الشخصيات. هذا التماثل يطرح مُجدداً الرغبة في استخدام التصميم العام بوصفه بديلاً للدراسة النفسية أو حتى الاجتماعية. الأسلوب كلغة أحد أفضل أفلام أندرسون هو (The Grand Budapest Hotel) «فندق بودابست الكبير» 2014. الفندق من الخارج هو معمار كلاسيكي زهري اللون. المشاهد الداخلية حمراء قانية أساساً. بهو الفندق يتألف من سجادة عريضة في الوسط وسجادتين على جانبيها، وسُلَّم مغطى بدوره بالسجاد، وفي أعلاه مكتب الاستقبال تحت نوافذ بيضاء. المصابيح موزَّعة بالتساوي في كل مكان. الغاية هنا هي توفير نظرة محدَّدة لفندق كلاسيكي في زمن كلاسيكي (الثلاثينات) في مدينة أوروبية تتنفَّس أريح تلك الفترة الفاصلة بين حربين عالميتين. لم يعد هناك داعٍ، والحال هذا، لمشاهد توفِّر تصويراً للمدينة أو للمكان عموماً. مرّة أخرى، تتكفَّل الصورة بتوفير المعلومات المطلوبة. حين تنتقل الأحداث من تلك الفترة الزمنية إلى أخرى (الستينات)، يتغيَّر الاعتماد على اللون الأحمر القاني وتبعاته البرتقالية والوردية. هذا يتماشى مع الرغبة في تصوير انتقالِ زمني من عصر الفخامة الأرستقراطية في العقود السابقة إلى بقايا تلك الفخامة بعدما بهتت الألوان. أمّا أندرسون، فبلغ هذا التشكيل الخاص به في فيلم (The French Dispatch) «ذَا فرنش ديسباتش» الذي عرضه مهرجان «كان» سنة 2021. يختار لون المبنى التقليدي القديم من الخارج من دون تمييز يُذكر. لكن المشاهد الداخلية هي التي تتنوَّع. لا تنتقل من ألوان فاتحة إلى أخرى هادئة وخافتة، بل يتناوب عليها التصوير بالألوان والأبيض والأسود. كل ما يفعله أندرسون من جهد في توظيف الألوان والتصاميم والتفاصيل هو أسلوب خاص به يقوم على توفير التشكيل الصالح لأن يلعب دور البطولة إلى جانب الشخصيات. ينتمي إلى فن الرسم وفن الهندسة وفن المسرح في آن معاً. هذا من دون أن ينفي أحدنا انتماء هذا المزيج إلى السينما أساساً. ما يقدّمه أندرسون هو أسلوب مغاير ومنفرد ينتمي إليه وحده. هو نفسه يقول: «قرَّرت أن هذا الأسلوب هو مثل خط يدي لا أستطيع تغييره».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store