أحدث الأخبار مع #كيفكإنت


الشرق الجزائرية
منذ 9 ساعات
- ترفيه
- الشرق الجزائرية
زياد الرّحباني.. إنت الأساسيّ وبحبّك بالأساس
بقلم نديم قطيش كثير زياد الرحباني. ابن الرحابنة. نجل فيروز. الرحباني المضادّ. الموسيقيّ والمسرحيّ والسياسيّ والصعلوك. زحمة هويّات هو، لا تُفكّك إلّا لتنكشف طبقات أخرى أكثر تعقيداً. ليس 'منتجاً' فنّياً يمكن تصنيفه، بل ظاهرة متشابكة، انبثقت من رحم التناقض اللبناني، وراكمت على مدى عقود طبقات من الصوت والصورة واللغة. أن تكتب عن زياد يعني أن تكتب عن تناقضات عمر مديد. عن بيروت كأفقٍ سياسيّ وثقافيّ، نعم، لكن عن بيروت كانكسارات شخصيّة أيضاً. عن الزمن اللبناني الذي ظنّ كلّ واحد فيه أنّه يملك مشروعاً ووجد نفسه أمام مرآة تتكسّر فيها كلّ المشاريع. أن تكتب عن زياد هو أن تُدخل نفسك في متاهة لا تخرج منها بسيرة فنّان، بل بخريطة روحٍ مثقلة، وفنٍّ يتجلّى في أعاليه الخاصّة. عن الحلم. عن الوعد. عن السخرية من الذات أوّلاً. أن تكتب عن زياد الرحباني، هو أن تمشي على حدّ سكّين: كلّ محاولة لتفكيك الظاهرة تهدّد بظلمها، وكلّ رغبة في الإحاطة بها تلامس خطر الأيقنة الرخيصة. فليس في زياد ما يسمح بالتصنيف المريح. لا هو فنّان ملتزم بالمعنى التقليدي، ولا هو ساخر عبثيّ منزوع الإيمان. لا يسكن خانة 'اليساري' التقليدي، ولا ينفكّ عن الرحابنة على الرغم من تمزيقه للسقف 'الرحبانيّ'. هو كلّ ذلك، وأكثر. بنى جسراً بين فيروز وبيروت تراكيب هويّاته تشبه تراكيب ألحانه. كلّ آلة تقول شيئاً، وكلّ طبقة تحوي نغمة لا تتكرّر، وكلّ صمت بين نغمتين يختزن وجعاً أو ضحكة أو خيبة، تصنع السياق وتترك البصمة. فهو هو. وهو كلّ الآخرين معاً. الكتابة هنا ليست اختباراً للبلاغة، أو تمريناً نقديّاً بل اختبار في النزاهة ومواجهة مفتوحة مع سؤال أخلاقي: كيف نكتب عن رجلٍ كُتب عليه أن يكون صورة لجيله، من حيث لم يُرِد؟ كيف نفكّكه دون أن نُفكّك معه ذواتنا؟ في كلّ محاولة لتبويبه، نظلم شيئاً فيه، أو شيئاً فينا. لأنّه كان مرآة، لا للواقع فقط، بل لطريقتنا في الهروب منه. في لحظةٍ كان فيها صوت فيروز يأتي من 'الجبل البعيد' 'خلف تلالنا'، من برزخ الحنين الذي بنى الأخوان الرحباني ضناه، برزت عبقريّة زياد. حفر خاطف تحت الهيكل الفيروزيّ، لا يبغي الهدم بل يعيد وصل الأسطورة بالشارع، باليوميّ، بالمتأوّهين في زحمة الألم اللبناني، بالحبيب، بالكهرباء المقطوعة، بالبكاء بعد منتصف الليل، بالملل، بالأمل. بنى جسراً بين فيروز وبيروت، المدينة الممزّقة بالحرب. ألبس صوتها ثوباً يليق ببشرته، حين جعل الحنين أداة نقد، لا ملاذاً من الواقع. حين غنّت فيروز 'كيفك إنت' عام 1991، من كلمات وألحان زياد، كانت تدخل، وتُدخلنا معها، لحظةً ستصبح لاحقاً اللحظة الأكثر كثافة في تاريخ العلاقة بين فيروز ونجلها. كان لبنان يستعدّ لدخول سلم ملتبس بعد حروب أهليّة وغير أهليّة طحنت 'لبنان الفيروزيّ'، وهو ما جعل الأغنية، بمناخات الجاز الشرقي التي انطوت عليها، سؤالاً شخصيّاً وعامّاً مفخّخاً بالأنا والنحن والأمّ والابن والبلد والمدينة. عذوبة حارقة بلا استعراضات صوتية. هامش شخصيّ جدّاً جعل صوت فيروز يبدو كأنّه يُغنّى للمرّة الأولى من الداخل. اللّمعة الضّروريّة لم يرمّم زياد صوت فيروز، بل غيّر موقعه على خريطة الزمن: من الذاكرة إلى الحاضر، من الأيقونة إلى الإنسان، من الخلود الصلب إلى العطب الجميل، للمرأة-الفرد التي تتلعثم، تشتاق، تسأل، وتتراجع قبل أن تُكمل جملتها. صالحها مع جيل لم يكن يرى في 'زهرة المدائن' إلّا إرثاً مدرسيّاً، ووجد في صوت فيروز، منذ 'كيفك إنت'، مساحة ليتنفّس فيها. جيل لا يريد نشيداً لكلّ صباح، بل صوت لليل طويل. من المفارقات أنّ زياد وظّف عقله في الموسيقى وقلبه في السياسة. قادته إلى مواقفه أحلام مكسورة وحدس جريح، بلا عُدّة تحليل يعتدّ بها بل حساسيّة مفرطة تجاه الظلم، وانبهار طفوليّ بفكرة المقاومة، كرمز أخلاقيّ مطلق، لا كفريق سياسيّ محدّد. وهذا ما جعله يخطئ التقدير أحياناً. بيد أنّ خطأه ما كان عن خبث أو مصلحة، بل عن احتدام داخليّ، لشخص مارس السياسة كلحظة انفعال جميل، وهذا ما يجعلها، في سيرته، صنو هشاشته. يبقى الجانب الأعمق في ظاهرة زياد، والأكثر استعصاءً على التصنيف، هو تلك العلاقة الفردية الحميمة التي بناها مع كلّ مستمع، كأنّه يخاطب كلّاً على حدة. كان الصديق المجهول – المعلن، الذي يشاركك قهوتك الصباحية، ويسخر معك من نشرة الأخبار، وينظر إليك من داخل الأغنية كما لو أنّه يعرفك. يعرف تعبك، شكّك، حاجتك إلى الأمل على الرغم من كلّ شيء. كان الحضور الأقرب إلى الذات: في الحانة، في المكتب، في منتصف الليل حين تتسلّل الهزيمة إلى القلب، في لحظة ضحك تشبهه. زياد، تلك اللمعة الضرورية، بلا وعظ أو مساومة أو ادّعاء.. لأنّ البديل الوحيد هو الجنون.


يورو نيوز
منذ 2 أيام
- ترفيه
- يورو نيوز
"بالنسبة لبكرا شو؟".. ماذا بعد رحيل زياد الرحباني السياسي والموسيقار والثائر
لم يكن الحزن الذي تركه رحيل زياد الرحباني عاديًا. صوت السيدة فيروز، ووجهها الأنيق حتى في أساه، وهي تغني "واحبيبي، أيّ حال أنت فيه"، ألقى ثقلًا هائلًا في قلوب آلاف اللبنانيين والعرب، وهم يشاهدونها جالسة بصمت، وبدمعة هادئة، خلف جنازة نجلها الذي ووري الثرى اليوم في مسقط رأسه في بكيفا عن عمر يناهز 70 عامًا. زياد، الذي يناديه أغلب الناس باسمه الأول دون تكلّف، رغم أنه كان امتدادًا لعائلة فنية عريقة قدّمت للبنان والعالم العربي عاصي ومنصور الرحباني، اللذين تعاونا مع نهاد حداد (فيروز) تلك الشابة اليافعة ذات الصوت الملائكي في أواخر الخمسينات، لم يكن غصنًا "رقيقًا" من العائلة، ولم يكن صدى يتردد خلف والديه أو يستمد منهما بريقهما، مع أنه كان يمكن له ذلك، لكنه آثر، دون جهد منه، ولكن لعبقرية قلّ نظيرها، أن يكون حالة خاصة، في موسيقاه، ومسرحياته، ونقده السياسي اللاذع، ونكتته اللماحة، وشتيمته التي لا تجرح. زياد وفيروز ومع ذلك، يمكن القول إن موسيقى الفنان ذي الميول اليسارية، الذي لم يكن قد تجاوز الـ17 عامًا، قد برزت خلال مرض والده عاصي (1923 - 1986)، ليس "كبديل عنه"، بل كندّ، حيث غنّت فيروز من ألحانه لأول مرة "سألوني الناس"، ثم قدّم لها بعد وفاة الرحابنة أسلوبًا موسيقيًا جديدًا يمزج بين الموسيقى الكلاسيكية الشرقية والجاز والموسيقى الغربية الحديثة، (مع أنه لم يكن يحبّ أن يفصل بين موسيقى الشرق والغرب) في أغانٍ مثل "كيفك إنت" و"عودك رنان" و"إيه في أمل"، التي أحبّها الجمهور بقدر لا يقل عن ألحان الرحابنة، لما تميّزت به من أسلوب محكي اعتبره الناس "أبلغ من الشعر". وقد نال الشاب اعتراف فيروز الأيقونة، وليس الأم، وتقديرها، بل وإعجابها، حيث قالت في إحدى مقابلاتها إنها تغني له "لأنها تثق به كملحن كبير" وكان لزامًا عليها أن تتركه يشق طريقه ويختار لون فنّه. وقد نافسته "جارة القمر"، التي يقول إنه ورث منها حس الفكاهة، في التجريب، فاتجهت إلى لون معاصر نوعًا ما معه، وبدأت تظهر في أغانيها "روح زياد"، الذي، على قدر ما كان موسيقيًا، كان سياسيًا أيضًا، فغنّت في زمن الحرب الأهلية ( 1975- 1990)"عودك رنان رنّت عودك إليّ.. عيدها كمان ضلّك عيد يا علي"، وهي كلمات كانت لافتة في زمن يقتتل فيه المسيحي والمسلم. ومع زياد، تغيّرت صورة فيروز الغنائية في بعض الأعمال، إذ انتقلت أحيانًا من دور العاشقة التي تحاصرها المشاعر وتنتظر الحبيب بشوق ولوعة، كما في أغنيات الرحابنة مثل "يا مرسال المراسيل"، إلى شخصية امرأة مستقلة لا تُعير اهتمامًا للرجال، كما يتجلّى في "ضاق خلقي يا صبي" و"مش فارقة معايه"، حيث تقول: "بتمرق عليّي إمرق، ما بتمرق، ما تمرق، مش فارقة معاي". ولم تنحصر أعماله مع والدته، إذ كان للمبدع في وقت لاحق تعاون مع قامات فنية هامة مثل ماجدة الرومي ولطيفة، إلا أنه تميّز بثنائيته مع الراحل الفنان جوزيف صقر. زياد السياسي على عكس والديه، كان زياد واضحًا في تصريحاته السياسية، التي لم تكن بعيدة عن فنه، حيث رأى فيه العديد "الفنان المشتبك"، والثائر، والناقد، والمفكّر دون "فلسفة"، الذي يستطيع أن يقدّم للناس فنًا متصلًا بمشكلاتهم اليومية، ويجسّد لبنان البعيد كل البعد عن الذي ألفه الرحابنة "كوطن للنجوم"، فجرّده وتناول مشاكله وانقساماته السياسية والأيديولوجية بجرأة، مشيرًا إليه كساحة للتدخلات الخارجية. وكتب مسرحيات مثل "فيلم أمريكي طويل"، و"بالنسبة لبكرا شو؟" و"لولا فسحة الأمل" و"بخصوص الكرامة والشعب العنيد"، في تحدٍّ لجملة في أغنية والدته "بحبك يا لبنان". وألّف ولحن أغانٍ ضد الرأسمالية والطبقية كمؤمن بالماركسية، مثل: "الحالة تعبانة يا ليلى"، و"ولّعت كتير"، و"بتوصّي شي عالدكانة" و"بلا ولا شي"، فكان قريبًا من الشباب والطبقة الكادحة. كما أعدّ وقدم برنامجًا في زمن الحرب الأهلية عبر إذاعة "صوت الشعب" مثل: "بعدنا طيبين... قول الله" بين عامي 1975 و1978، بالإضافة إلى مشاركته في الصحافة اللبنانية عبر "جريدة الأخبار" اليسارية. وقد كان، باستعمال النكتة الخفيفة دون بذاءة، مرآة شعب حائر في ميوله الشرقية والغربية، وناقدًا مستمرًا له بروح التجدد، حيث كتب وهو في سن يافعة "صديقي الله"، وغنّى "يا زمان الطائفية"، و"أنا مش كافر". زياد الذي لا يُجامل وقد تميّز الفنان بموقف حازم بعيد كل البعد عن الدبلوماسية أو المداراة والنخبوية، فرفض لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان قد زار والدته في بيتها عام 2020 لتكريمها، وقيل إنه رفض أن يكون حكمًا في برامج ترفيهية خليجية مقابل أموال طائلة، رغم أن حالته المادية كانت صعبة. ولطالما كان زياد واضحًا في عدائه لإسرائيل، وانتقاداته لأنظمة التطبيع العربي، وكثيرًا ما عبّر عن دعمه "للكفاح المسلح ضد إسرائيل"، وإيمانه بتحرير فلسطين "من البحر إلى النهر" على يد أبنائها، كما كان يقول. وبغيابه، وهو الذي كان حاضرًا دومًا بسلاسة، بين كل اثنين، في جملة من مسرحياته تختصر الكثير، أو مقطع من أغانيه، الذي تحكي حال الشعب، ترك خواءًا كبيرًا في الساحة الفنية، ووجد لبنان نفسه أمام أسئلة، كانت دومًا حاضرة، لكنها برحيل نجل الرحابنة، الذي تمرّد على مدرستهم، تفجّرت هذه المرة بخوف وقلق.. فهل يولد من لبنان زياد آخر؟


خبر صح
منذ 3 أيام
- ترفيه
- خبر صح
ماجدة الرومي تجلس على الأرض لتقديم واجب العزاء لفيروز في لحظة تواضع وإنسانية
جذبت الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي الأنظار خلال تقديمها واجب العزاء بنجل الفنانة الكبيرة فيروز، حيث انتشر فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي يظهرها في لحظة عفوية وهي جالسة على الأرض، مما يعكس تواضعها ومشاعرها الصادقة تجاه العائلة. ماجدة الرومي تجلس على الأرض لتقديم واجب العزاء لفيروز في لحظة تواضع وإنسانية ممكن يعجبك: ياسمين صبري تتجاهل محمد رمضان وإصابة تامر عاشور بقطع في الرباط الصليبي هذه اللحظة البسيطة أثارت إعجاب المتابعين الذين رأوا فيها تجسيدًا حقيقيًا للتقدير والاحترام الذي تكنه ماجدة لفيروز، واحدة من أعظم الأصوات الفنية في العالم العربي، وأشاد الجمهور بتصرف الفنانة الذي يعكس تواضعها وصدق مشاعرها، مؤكدين أن مثل هذه اللحظات تكشف جانبًا إنسانيًا نادرًا في حياة نجوم الفن. وفاة زياد الرحباني توفي قبل يومين زياد الرحباني، الموسيقار البارز، عن عمر يناهز 69 عامًا في بيروت بعد صراع مع مرض صحي، حسب ما أوردته عدة وسائل إعلام لبنانية ومحلية، وقد نُقل أنه توفي صباح السبت حوالي الساعة التاسعة إثر توقف قلبه أثناء تلقيه العلاج في أحد المستشفيات بالعاصمة. من نفس التصنيف: انتصار تعبر عن سعادتها بدراما رمضان الأخيرة وتصفها بأنها 'له طعم تاني' من هو زياد الرحباني وُلد زياد في 1 يناير 1956 في أنطلياس قرب بيروت، وهو ابن فيروز والموسيقار الراحل عاصي الرحباني، بدأ مسيرته الفنية مبكرًا حيث ألّف وألّحن أولى أغانيه، بما فيها 'سألوني الناس'، في سن المراهقة، وتعاون بعد ذلك مع والدته وقدّم لها أغنيتين خالدتين هما 'كيفك إنت' و'بلا ولا شي'، لتصبح جزءًا من تراث الغناء العربي. لم يكن زياد مجرد ملحن، بل كان أيضًا كاتبًا ومسرحيًا اشتهر بأسلوبه الساخر والناقد اجتماعيًا وسياسيًا، حيث قدّم مسرحيات مثل 'سهرية' و'فيلم أمريكي طويل' و'شي فاشل'، التي شكلت علامة فارقة في المسرح الغنائي اللبناني والعربي. أفادت التقارير أن فيروز دخلت في حالة انهيار عصبي فور تلقيها الخبر المأساوي، واستدعت فريقًا طبيًا إلى منزلها للاطمئنان على صحتها، وسط حالة من الحزن العميق انتابت الوسط الفني والجماهير في لبنان والعالم العربي. على الصعيد الرسمي، عبّر عدد من الشخصيات اللبنانية، من بينها رئيس الجمهورية جوزيف عون، عن بالغ أسفه لفقدان الرحباني، معتبرًا إياه 'ظاهرة فنية وفكرية تركت أثرًا لا يُمحى في الوجدان العربي'. يبقى زياد الرحباني علامة لا تُنسى في تاريخ الفن العربي، صوتًا موسيقيًا وفكريًا وفنيًا، فقد خسر العالم أحد أعظم العقول الإبداعية في المشهد العربي، لكن أعماله وصوته سيظلان حيّين في سماء الثقافة اللبنانية والعربية.


النهار
منذ 3 أيام
- ترفيه
- النهار
فيروز وزياد الرحباني: حكاية أمّ وابن وشراكة فنّية استثنائية
كان مفاجئاً أن تُغنّي فيروز موسيقى "الجاز". بروح المغامرة التي دفعت بها مع الأخوين رحباني نحو خطّ موسيقي حداثي في خمسينيّات القرن الماضي، خلافاً للنمط الفنّي السائد، دخلت فيروز غمار التجربة الجريئة مع ابنها زياد الرحباني. نسمة خفيفة اجتمعت بثقل السؤال الوجودي حين تشتدّ صراعاته. لقاء بين صوتٍ يهمس للأفئدة وعقلٍ يسكنه التمرّد. هكذا ولدت الشراكة الفنّية بين الأمّ وابنها، هي التي قالت عنه ذات مقابلة إذاعية: "زياد عبقرية فنّية أخذت ملامحها من رأيه في الحياة الإنسان والوطن والشعب"، وترنّمت بأرجوزة لأعرابيّةٍ في وصفها ابنها: "يا حبّذا ريحُ الولد ريحُ الخزامى في البلد أهكذا كلّ ولد؟ أم لم يلد مثلي أحد؟" لم يكن التعاون الفني مجرّد امتداد طبيعي لتراث عاصي ومنصور وفيروز، بل كان زلزالاً إبداعياً أعاد رسم الحدود بين الخطّ التقليدي والتجديد المحفوف بالخطر وبين الشجن والحنين والوعي الطبقي، واستكمالاً لمسيرة بدأها زياد بلحن "سألوني الناس" في مسرحية "المحطة" (1973). لمّا أمسك زياد الرحباني بزمام التأليف والتلحين لفيروز بعد انفصال فيروز عن الأخوين رحباني، خلع عباءة التلميذ المطيع في مدرسة أبيه. كان ابن الحالة الفنّية العنيفة والمُجدّدة، وابن لحظة ملتهبة، وفنّ عميق ببساطته يبحث عن هويته. أدخلها إلى المقاهي وحارات الناس المهمّشين، حيث يُغنّى الحرمان ويُقذف بالنفاق المجتمعي، فغنّت مثلاً "صبحي الجيز". وتوالت الأغنيات التي قيل يومها إنّها لا تُشبه فيروز المقدّسة في الذاكرة الجماعية؛ ولعلّ "كيفك إنت" كانت أشدّها غرابة، حتّى أنّ فيروز نفسها تردّدت قبل غنائها. غيّر زياد من صورة فيروز التي رسمها لها الأخوان، من دون أن يخدش النقاء والحياء. كان يعرف تماماً أين ينتهي السياج الذي نصبته السيّدة، وأين يمكن خرقه. وهي آمنت به وكانت تقول: "زياد تحوّل من ولد ملك أب اسمه عاصي وأمّ اسمها فيروز إلى فنان كبير. كلّ لحن لزياد مستعدّة أن أغنّيه لأنني أتعامل مع فنّان كبير. هو حدث مهم على صعيد الأغنية العربية". في "معرفتي فيك"، "صباح ومسا"، "شو بخاف"، وغيرها، غنّت فيروز تلبّك الحبّ، والغضب والخذلان، وذلك الحب الناضج بنضج مآسيه. وزياد مارس بموسيقاه تفكيك الصورة النمطية لأمه ليكشف وجاً آخر لها، ويقول وإيّاها إنّ فيروز يمكنها غناء "الجاز" وتحدّي التقليدي. لقاء زياد وفيروز سبّب صدمة لدى بعض جمهورها. من كان يتوقّع أن تغني "حاج تنفّخ دخنة بوجّي ولو بتدخّن لايت"، أو "كيف إنت؟ ملّا إنت!"، أو "حبّيت ما حبّيت ما شاورت حالي"، وقبلها جميعها "في واحد هو ومرته، ولو شو بشعة مرته!". من كان يتوقّع أن تُعيد تسجيل ترنيمتها الأيقونية "يا مريم البكر" على إيقاع "الجاز"، وتُهدي عاصي الرحباني باقة من أُغنياتها بحلّة متجدّدة في ألبوم "إلى عاصي"؟ لكن الصدمة كانت ضرورية لتشهد على تحوّل الفن من الملاذ الآمن. ولهذا السبب، فإنّ هذه المرحلة من مسيرة فيروز لا تزال تُناقش، بحُبّ وانتقاد. ما فعله زياد الرحباني في ألبومات "وحدن" (1979) "معرفتي فيك" (1987)، "كيفك إنت" (1991)، "إلى عاصي" (1995)، "مش كاين هيك تكون" (1999)، "ولا كيف" (2001)، و"إيه في أمل" (2010) هو أنه نقل صوت فيروز من رومنسية الجبل إلى وحشيّة المدينة. لم يكسر صورتها، بل حرّرها من جمودها، وفتح باباً لتكون فنانةً لكلّ الأزمنة. والجمهور سيظلّ يستذكر زياد كلّما سمع فيروز تُغنّيه. والذين أحبّوا الأم وابنها أفرحتهم صورة العائلة وقد لمّت شملها في قدّاس بذكرى الكبير عاصي قبل ثلاثة أعوام. وفي الصورة سرّ من أسرار حبّ الجمهور لهذا البيت، وفيها دفء وحبّ ومودّة. فيروز، ريما، وهلي... وزياد "ركب عربيّة الوقت" وسافر وحده للقاء عاصي وليال. و"دايماً بالآخر في آخر... في وقت فراق". كادر: غيّر زياد من صورة فيروز التي رسمها لها الأخوان، من دون أن يخدش النقاء والحياء. زياد وفيروز بعدسة ليال عاصي الرحباني. 'شاويش' مع فيروز ووليم حسواني في 'ميس الريم'.


البوابة
منذ 3 أيام
- ترفيه
- البوابة
وداعًا ابن جارة القمر.. زياد الرحباني: اللحن الذي لا ينتهي
في يوم حزين يلفه الصمت والأسى، نودع أحد أعظم الأصوات التي عرفتها الساحة الفنية العربية، زياد الرحباني، الذي رحل عن عالمنا تاركًا وراءه إرثًا فنيًا وفكريًا لا يُمحى. لم يكن زياد مجرد موسيقي أو ملحن أو كاتب مسرحي، بل كان رمزًا للتمرد الفني والثقافي، صوتًا للمهمشين والمعذبين، ومرآة تعكس وجوهنا الحقيقية بكل تناقضاتها وأوجاعها. في هذا البروفايل، نستعيد مسيرة حياة هذا العبقري المتمرد، ونحتفي بإسهاماته التي ستظل خالدة في ذاكرة الفن العربي. النشأة في بيت الفن والتمرد وُلد زياد الرحباني في 1 يناير 1956 في بيروت، في كنف عائلة فنية مرموقة. والده، الموسيقار الكبير عاصي الرحباني، ووالدته، المطربة الأيقونية فيروز، كانا من رواد الموسيقى العربية الأصيلة، وأسسا ما عُرف بـ"المدرسة الرحبانية". لكن زياد، رغم نشأته في هذه البيئة، رفض أن يكون مجرد امتداد لإرث والديه. منذ سن مبكرة، أظهر تمردًا واضحًا، واختار أن يشق طريقًا فنيًا مستقلًا يعكس رؤيته الخاصة للفن والحياة. كان زياد يؤمن بأن الفن ليس ترفًا، بل قضية، وهذا ما جعله يبتعد عن الأساليب التقليدية ويخلق أسلوبًا فريدًا يمزج بين الشرق والغرب، وبين العمق الفكري والسخرية اللاذعة. نشأ زياد في بيروت التي كانت تعج بالحياة والفوضى، تلك المدينة التي أحبها وعاشها بكل تفاصيلها، من شوارعها الضيقة إلى أحلام أهلها المكسورة. لم يكن طفلًا عاديًا في كنف عائلة عادية، بل كان ابنًا لفنٍ عظيم، ورث الموهبة كما يرث المرء دمه، لكنه اختار أن يصبغها بلونه الخاص، لون التمرد والحرية. المسيرة الموسيقية.. نبض الشوارع وصوت المهمشين بدأ زياد مسيرته الموسيقية في سن السابعة عشرة، حيث قدم أول لحن لوالدته فيروز، وكانت أغنية "سألوني الناس"، التي سرعان ما أصبحت من كلاسيكيات الأغنية العربية. لكن زياد لم يكتفِ بتلحين الأغاني لوالدته، بل أبدع في خلق أعمال موسيقية تعبر عن هموم الناس وتفاصيل حياتهم اليومية. من أبرز أعماله "كيفك إنت" و"البوسطة"، والتي تركت بصمة واضحة في المشهد الموسيقي العربي. كانت موسيقى زياد مزيجًا فريدًا بين الشرقي والغربي، حيث كان الجاز يتغازل مع العود، والبيانو يتناغم مع الكلمات العربية. لم تكن ألحانه مجرد نغمات، بل كانت تعكس نبض الشوارع، وهمسات الناس، وأوجاعهم المكتومة. كان زياد يؤمن بأن الموسيقى هي صوت المهمشين، وملاذ للروح في زمن طغت فيه السطحية على الفن. عندما كان يعزف، كان يروي قصصًا، ينقلنا إلى أزقة بيروت، إلى المقاهي الشعبية، إلى أحلام العمال والفقراء التي تتحطم على صخرة الواقع. لم يكن زياد مجرد ملحن، بل كان شاعرًا صامتًا يعبر بالنغمات عما لا تستطيع الكلمات قوله. ألحانه كانت كالريح، تحمل رائحة التراب والمطر، وتداعب أرواحنا بلطف وحزن عميق. كان يعزف كما يتنفس، بصدق وحرية، بعيدًا عن قيود السوق والتجارة. المسرح السياسي والاجتماعي.. مواجهة السلطة والمجتمع لم يكتفِ زياد بالموسيقى، بل امتد إبداعه إلى المسرح، حيث قدم أعمالًا لم تكن مجرد عروض تقليدية، بل مواجهات جريئة مع السلطة والمجتمع. من أبرز مسرحياته: "فيلم أمريكي طويل": عمل ساخر ينتقد الواقع السياسي بطريقة لاذعة. "نزل السرور": مسرحية تجمع بين الفكاهة والنقد العميق للتناقضات الاجتماعية. "بالنسبة لبكرا شو؟": تساؤل وجودي عن المستقبل، ممزوج بالسخرية والأمل المكسور. استخدم زياد المسرح كمنصة لكسر التابوهات وصفع السلطة، معتمدًا على الضحك كسلاح لكشف القهر والظلم. كانت مسرحياته مرآة تعكس وجوهنا الحقيقية، بكل قبحها وجمالها، وتجبرنا على مواجهة أنفسنا ومجتمعاتنا. لم يكن المسرح بالنسبة له مجرد تسلية، بل كان ساحة معركة، حيث يقاتل بالكلمات والسخرية، ويوجه سهامه إلى كل ما هو فاسد وظالم. في مسرحياته، كان زياد يضحك بنا وعلينا، يجعلنا نرى أنفسنا كما نحن، عراة من الأقنعة التي نرتديها. كان يتحدث عن الحرب بمرارة، وعن السلام بيأس، وعن الحياة بحب مشوب بالألم. كان مسرحه صرخة في وجه الصمت، ونورًا في ظلام الواقع العربي المرير. المواقف السياسية كان زياد الرحباني معروفًا بمواقفه السياسية الجريئة وانتمائه لليسار. لم يكن يخشى التعبير عن آرائه، سواء في أعماله الفنية أو في البرامج الإذاعية والصحافة. انتقد القمع، والفساد، والطائفية، وكأنه يحدق في قلب كل عربي. كان شيوعيًا بمعطف ممزق وصوت عالٍ، لكنه لم يكن يومًا دمية في يد الأيديولوجيا؛ بل انتقد حتى الحزب الشيوعي نفسه عندما رأى ذلك ضروريًا. كان زياد صوتًا للثورة في زمن الخنوع، وقلمًا حادًا في وجه الظلم. لم يكن يسعى لإرضاء أحد، بل كان يقول ما يؤمن به، حتى لو كلفه ذلك العزلة أو العداء. رغم الجدل الذي أثاره، ظل زياد محط تقدير واسع بسبب صدقه وإبداعه. لم يكن محبوبًا لأن الناس تتفق معه، بل لأنهم يعرفون أنه صادق، حقيقي، لا يراوغ ولا يجامل، كان زياد صوتًا للحقيقة في زمن كثر فيه النفاق. السنوات الأخيرة والرحيل في السنوات الأخيرة من حياته، عانى زياد من مشاكل صحية أثرت على نشاطه الفني، لكنه ظل متمسكًا بإبداعه ومواقفه. توفي في 26 يوليو 2025، بعد صراع مع المرض، عن عمر 69 عامًا. رحيله ترك فراغًا كبيرًا في الساحة الفنية والثقافية، حيث نعاه محبوه ومعجبوه كأحد أبرز الشخصيات التي شكلت وجدان الأمة العربية. في يوم وداعه، لم يكن الحزن مقتصرًا على لبنان فحسب، بل امتد إلى كل ركن في العالم العربي، حيث كان زياد صوتًا يشبه الوطن حين يغني، رحل تاركًا وراءه موسيقى تفوح منها رائحة الرصيف، وتفاصيل الناس، وهمسات الشوارع. كان رحيله كما لو أن بيروت نفسها فقدت نبضها، وكأن العالم العربي أغلق نافذة كان يتنفس منها هواء الحرية والإبداع. الإرث: لحن لا ينتهي زياد الرحباني لم يمت، بل ظل حيًا في أعماله التي ستظل تعزف أنغام بيروت والوطن العربي لأجيال قادمة، كان فنانًا متعدد المواهب، كتب، لحّن، مثّل، عزف، حاور، ثار، وأحب، لكنه، فوق كل ذلك، كان رمزًا للتمرد الفني والثقافي، وصوتًا للحقيقة في زمن كثر فيه الصمت.