
سوريا.. بين التحول الديمقراطي وشبهات المحاصصة
نسخة نهائية في ظرف غير نهائي
أكد الرئيس أحمد الشرع، في تصريحات مقتضبة عقب تسلمه الوثيقة، على "مواصلة التقدم لضمان مشاركة شاملة تعبّر عن إرادة الشعب السوري"، مشيرا إلى أهمية التأسيس لنظام انتخابي يُراعي الاستحقاقات الوطنية.
أما المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات، فاعتبر أن الآلية المطروحة "قد لا تكون مثالية"، لكنها الأنسب للمرحلة الانتقالية، مضيفًا أن اللجنة "تراهن على وعي السوريين ورفضهم للمحاصصة الطائفية والدينية".
بين الواقع والطموح.. شهادة من الداخل
قدّم عضو اللجنة العليا للانتخابات، حسن الدغيم، خلال حديثه الى برنامج " الظهيرة" على سكاي نيوز عربية رواية مفصّلة حول كواليس إعداد النظام، موضحًا أن العمل انطلق من "توطئة مستمزجة" لآراء المواطنين، بعد جولات مكثفة في معظم المحافظات السورية، باستثناء محافظة السويداء التي قال إنه "يجري التنسيق لزيارتها قريبًا".
وأشار إلى أن اللجنة جمعت أوراق عمل وملاحظات من جلسات عامة وخاصة، حرصًا على إشراك مختلف مكونات المجتمع السوري.
وقال الدغيم: "اللجنة راعت في عملها التوزيع الجغرافي والتنوع الثقافي، وحرصت على تشكيل لجان فرعية وفق معايير النزاهة والمصداقية، تضم في تشكيلها ممثلين عن الأكراد، العرب، التركمان، السنة، العلويين، المسيحيين، والإسماعيليين".
ورغم تأكيده على أن هذه "مرحلة انتقالية تتطلب انسجامًا سلطويًا"، إلا أنه شدد على "اتساع قاعدة التشاركية" و"استقلالية مجلس الشعب المنتخب".
وقال: "الثلث الذي سيُعيّنه الرئيس لا يمكن عزله لاحقًا، والمجلس يتمتع بكامل الصلاحيات التشريعية".
جدل التشاركية أم تغليف للمحاصصة؟
ومن جهته انتقد الباحث السياسي محمد هويدي، النظام الانتخابي ووصفه بـ"المشوّه"، مؤكدًا أنه "لا يستند إلى قانون عادل ولا يحظى بشرعية شعبية حقيقية".
وقال هويدي:
"هذه الانتخابات تُدار ضمن إطار مغلق، ولا تحترم المعايير الدولية، وتفتقر لتمثيل الأكراد والدروز والعلويين وبقية مكونات المجتمع السوري".
"الرئيس عيّن اللجنة الانتخابية، وسعيّن ثلث البرلمان، والثلثين الآخرين سيُنتخبون وفق آليات غير شفافة"، معتبرا أن ما يحدث هو "مسرحية سياسية تهدف لتزيين المرحلة الانتقالية".
وشكّك هويدي في جدوى اللقاءات الشعبية التي أجرتها اللجنة، مشيرًا إلى أن "التعيينات خاضعة للولاءات، لا لاعتبارات الكفاءة أو التمثيل المتوازن".
في قلب النقاش، تتكرر الإشارة إلى أن سوريا تمر بمرحلة انتقالية لا تسمح بتطبيق نموذج ديمقراطي كامل، وهو ما اعتبره الدغيم "سلوكًا طبيعيًا"، لافتًا إلى أن معظم الديمقراطيات في العالم مرّت بمرحلة تأسيس استثنائية.
وقال: "الديمقراطية الراسخة لا تُولد في بيئة انتقالية مضطربة.. نحن نرث تركة ثقيلة من نظام قمعي وأجهزة أمنية، ونسعى لوضع السكة الأساسية للمستقبل الديمقراطي".
لكن هذا المنطق لم يقنع الباحث هويدي، الذي قال: "هذه ليست مرحلة انتقالية بل مرحلة إقصاء مُمأسس.. من تمثيل الكرد والدروز والعلويين، إلى إقصاء السنة المعتدلين. لا وجود لحوار وطني، ولا تواصل مع كل قوى المجتمع".
وأضاف: "حتى حكومة الرئيس الشرع تضم لونًا واحدًا مع بعض الزينة الشكلية"، واصفًا ما يجري بأنه "سلوك سلطوي لا يسعى للوحدة الوطنية بل يكرّس الهيمنة".
بين استيعاب التنوع وتجنب التقسيم
في قلب الجدل يكمن المفهوم الحساس حول "تمثيل المكونات" مقابل "المحاصصة الطائفية". المدافعون عن النظام يرون في التمثيل ضمانة لعدم التهميش، فيما يعتبره آخرون ستارًا لشرعنة الانقسام.
يقول الدغيم: "نحن نرفض المحاصصة. نراعي فقط التوزع الجغرافي والتنوع الثقافي. لا نكرر تجربة لبنان أو العراق الكارثية".
أما النقاد، فيرون العكس. الباحث هويدي قال: "السلطة الانتقالية تستثمر شعار التمثيل للتغطية على المحاصصة. لم نر تمثيلاً حقيقياً، لا في اللجنة ولا في الحكومة".
وأضاف: "السلطة تتذرع بالتنوع لكنها تُقصي المخالفين، وكل التعيينات من لون واحد وولاء واحد".
سياق إقليمي وضغط دولي
الجدل السوري لا يجري بمعزل عن التحولات الإقليمية، خاصة مع توقعات المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويدكوف، بقرب التوصل إلى تسوية في سوريا.
وفي مقابلة مع "فوكس نيوز"، قال ويدكوف إن "الوضع يتجه نحو التهدئة رغم أحداث العنف الأخيرة"، وتوقع انضمام نحو عشر دول جديدة إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، ما يعكس تغيرًا في مزاج المنطقة نحو الاستقرار.
في هذا السياق، يبدو أن النظام الانتخابي المؤقت يسعى لطمأنة الداخل والخارج بوجود "نقطة انطلاق" لعملية سياسية شاملة، حتى لو لم تكن مكتملة.
بين الإبداع المحلي والاقتباس العالمي
يرى أنصار النظام أن النموذج السوري في الانتخابات "إبداعي"، لكنه مستوحى من تجارب مثل جنوب إفريقيا وبعض دول أوروبا والولايات المتحدة. حيث تعتمد الآلية على "مجمعات انتخابية" تمثل أعيان المجتمع ومنظمات المجتمع المدني، لا اقتراعًا عامًا مباشرًا.
في المقابل، يشكك النقاد في هذا النهج. يقول هويدي: "نموذج المجمعات ليس ديمقراطيًا، بل يُستخدم لتمرير وجوه موالية للسلطة... ما نحتاجه قانون انتخاب واضح، شفاف، وعادل".
انتخابات على مفترق طريق
بين طموح تأسيس نظام سياسي جديد، وواقع التحديات القانونية والهيكلية، يقف النظام الانتخابي المؤقت في سوريا عند مفترق دقيق.
فهل يكون هذا النظام بداية تحول ديمقراطي حقيقي؟ أم مجرد خطوة تجميلية لتلميع صورة السلطة الانتقالية؟
ما بين دعوات التشاركية وشبهات التعيين، تبقى الإجابة مرهونة بمدى قدرة النظام الجديد على ضمان تمثيل حقيقي بعيد عن المحاصصة والطائفية، ويؤسس لبرلمان قادر على مراقبة السلطة، لا التماهي معها. وبينما تعاني سوريا من إرث 14 عامًا من الحروب والتدخلات، يبقى الرهان الأكبر على وعي السوريين وتطلعاتهم، لا على نوايا اللجنة أو وعود السلطة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سكاي نيوز عربية
منذ 9 ساعات
- سكاي نيوز عربية
مصادر: شخصيات مقربة من الشرع تدرس تشكيل حكومة بتمثيل أوسع
وأضافت المصادر ذاتها، أن التوجه الحالي يركز على تشكيل حكومة موسعة تتمتع بتمثيل أوسع للطوائف والمناطق السورية. ورجحت المصادر أن تكون خطوة تشكل حكومة جديدة جزءا من تفاهمات أوسع مع أطراف غربية. وفي نهاية مارس الماضي، أعلن أحمد الشرع تشكيل الحكومة السورية في البلاد التي تضم 22 وزيرا، بعد إطاحة الرئيس السابق بشار الأسد. ويأتي الحديث عن تشكيل حكومة جديدة في وقت تتصاعد فيه الضغوط الدولية لإجراء إصلاحات سياسية شاملة، وسط أزمة اقتصادية خانقة وتحديات أمنية متواصلة في عدد من مناطق البلاد.


سكاي نيوز عربية
منذ 9 ساعات
- سكاي نيوز عربية
دمشق: نركز على وقف إطلاق النار في السويداء وضمان سير الخدمات
وأشار إدلبي إلى أن الجهود مستمرة أيضا لضمان سير الخدمات الإدارية واستكمال ملف المصالحات في المحافظة. وفي السياق نفسه، أفاد مراسل "سكاي نيوز عربية" في سوريا بأن قافلة مساعدات إنسانية رابعة تتوجه حاليا إلى السويداء عبر معبر بصرى الشام ، بتنسيق بين الحكومة السورية والمنظمات الدولية والمجتمع المحلي. وتتألف القافلة من 22 شاحنة محمّلة بمحروقات، ومواد غذائية وصحية، ومستلزمات طبية، إضافة إلى مياه شرب وطحين. وتواجه الحكومة السورية اتهامات من فصائل محلية درزية في السويداء بفرض حصار على المحافظة وقطع مياه الشرب، وهي اتهامات نفتها دمشق بشكل قاطع.


سكاي نيوز عربية
منذ 16 ساعات
- سكاي نيوز عربية
سوريا.. قافلة مساعدات جديدة تدخل السويداء
وأفاد التلفزيون السوري الرسمي عن وصول القافلة، وهي الثالثة من نوعها، إلى المحافظة، وبثّ صورا لعبور الشاحنات التي تحمل شعار الهلال الأحمر السوري إلى المحافظة. وتتألف القافلة، وفق وكالة الأنباء الرسمية السورية "سانا"، من "27 شاحنة تحوي 200 طن من الدقيق، و2000 سلة إيواء، و1000 سلة غذائية، ومواد طبية وغذائية متنوعة"، وذلك بتعاون بين "المنظمات الدولية والحكومة السورية والمجتمع المحلي". وشهدت محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية بدءا من 13 يوليو ولمدة أسبوع اشتباكات اندلعت بين مسلحين من البدو ومقاتلين دروز، قبل أن تتوسع مع تدخل القوات الحكومية ومسلحي العشائر الى جانب البدو. وأسفرت الاشتباكات عن مقتل أكثر من 1400 شخص، الجزء الأكبر منهم دروز ، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، قبل أن يدخل وقف إطلاق نار حيز التنفيذ. ورغم صمود وقف إطلاق النار الى حد كبير، قال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في تقرير الاثنين إن "الوضع الإنساني" في المحافظة لا يزال "حرجا في ظل حالة عدم الاستقرار المستمرة والأعمال العدائية المتقطعة". ولفت التقرير إلى أن "الوصول الإنساني إلى السويداء ما زال مقيدا بشدة بسبب الحواجز الأمنية وانعدام الأمان وغيرها من العراقيل، مما يحدّ من القدرة على تقييم الاحتياجات وإيصال المساعدات الأساسية المنقذة للحياة". وأدّت أعمال العنف إلى نزوح 176 ألف شخص من منازلهم، وفق المصدر ذاته. وأسفرت الاشتباكات عن انقطاع خدمات الماء والكهرباء، عدا عن شح في المواد الغذائية والأدوية والمحروقات. وقال مصور لفرانس برس في السويداء إن السكان يقفون في طوابير طويلة أمام الأفران التي ما زالت تفتح أبوابها للحصول على الخبز. وأفادت منصة "السويداء 24" الإخبارية المحلية بأن "الاحتياجات الإنسانية في محافظة السويداء فائقة، وتحتاج أضعافا مضاعفة من هذه القوافل، نتيجة الكارثة الإنسانية التي حلت بالمحافظة وطالت مدينة السويداء و36 قرية تعرضت لأضرار كلية أو جزئية". وأفادت أيضا بأن العديد من المناطق في المحافظة شهدت الإثنين تظاهرات احتجاجا على تردي الوضع الإنساني.