logo
احتفاء مصري برفع «أبو مينا» من قائمة التراث المُعرّض للخطر

احتفاء مصري برفع «أبو مينا» من قائمة التراث المُعرّض للخطر

الشرق الأوسطمنذ يوم واحد
احتفى آثاريون مصريون بقرار رفع موقع دير «أبو مينا» الأثري في مدينة برج العرب بالإسكندرية من قائمة التراث العالمي المعرّض للخطر بـ«اليونيسكو»، وذلك بعد التأكد من اكتمال حالة الصون المطلوبة للموقع.
ووصفت وزارة السياحة والآثار المصرية قرار «اليونيسكو» الجديد بأنه «إنجاز جديد» في مجال حماية وصون التراث الثقافي.
وخلال اجتماعات الدورة الـ47 للجنة التراث العالمي والمنعقدة حالياً بمقر منظمة «اليونيسكو» في العاصمة الفرنسية باريس، تم استعراض التقرير الصادر عن بعثة الرصد التفاعلي المشتركة بين مركز التراث العالمي والمجلس الدولي للمعالم والمواقع (ICOMOS) لعام 2025، الذي أشار إلى ما تحقق من تقدم ملحوظ في أعمال الحفاظ والصون بموقع «أبو مينا» الأثري، من أبرزها إنشاء نظام رصد ومراقبة فعّال لاستقرار منسوب المياه الجوفية، الذي أثبت نجاحه من خلال القياسات الدورية المستمرة.
أطلال المدينة القديمة (الشرق الأوسط)
وكانت منطقة «أبو مينا» تعاني من ارتفاع منسوب المياه الجوفية، فقد أدى التوسع في أنشطة استصلاح الأراضي والاعتماد على أساليب الري بالغمر في محيط الموقع، إلى ارتفاع منسوب المياه الجوفية بشكل كبير، مما أثّر سلباً على البنية الأثرية، ونتج عنه إدراج الموقع على قائمة التراث العالمي المعرّض للخطر في عام 2001، قبل أن تبدأ مصر العمل على مشروع إنقاذ منطقة «أبو مينا» الأثرية منذ نحو 15 عاماً، وتم الانتهاء منه فعلياً منذ أكثر من عام.
ووفق محمد متولي، مدير آثار منطقة الإسكندرية، فإن تجمعات المياه اختفت من المنطقة تماماً، وذلك بعد إنشاء نحو مائة بئر لتجميع المياه الجوفية بعمق 7 أمتار، وطردها عبر مضخات إلى مجارٍ مائية منخفضة بجوار المنطقة الأثرية.
الوفد المصري خلال اجتماعات «اليونيسكو» (الشرق الأوسط)
وأشاد تقرير بعثة الرصد التفاعلي المشتركة، وفق بيان وزعته وزارة السياحة والآثار المصرية مساء الأربعاء بـ«الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة المصرية في تنفيذ التوصيات المطلوبة كافة من قبل في هذا الإطار، مؤكداً على أن حالة الصون المطلوبة لإزالة الموقع من قائمة التراث العالمي المعرّض للخطر (DSOCR) قد تحققت بالكامل».
واعتمدت لجنة التراث العالمي قرار رفع موقع «أبو مينا» من قائمة التراث العالمي المعرض للخطر، مهنئة الدولة المصرية على هذا الإنجاز المهم الذي يعكس التزامها بحماية وصون تراثها الثقافي، وفقاً للمعايير الدولية.
اكتمال حالة صون منطقة «أبو مينا» (الشرق الأوسط)
وثمّن شريف فتحي وزير السياحة والآثار الجهود التي تمت بالموقع خلال السنوات الماضية لخفض منسوب المياه الجوفية، وترميم العناصر المعمارية الأثرية، وتطوير بعض الخدمات السياحية بالموقع التي أسهمت في رفع هذا الموقع الاستثنائي من قائمة التراث المعرض للخطر، وضمان استدامة مكوناته الأثرية للأجيال المقبلة، بما يتفق مع المعايير الدولية في مجال الحفظ والترميم.
ووفق محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، فإن جهود حماية الموقع شملت تدعيم العناصر الأثرية بالموقع، وإنشاء نظام مراقبة متخصص لضبط واستقرار منسوب المياه الجوفية، وهو النظام الذي أثبت فاعليته من خلال القياسات الدورية المنتظمة، التي أكدتها بعثة الرصد التفاعلي المشتركة هذا العام بين مركز التراث العالمي ومنظمة «ICOMOS».
جانب من زيارة سابقة لمسؤولين مصريين وأجانب للمنطقة الأثرية (الشرق الأوسط)
وأكد إسماعيل أن الدولة المصرية تولي أهمية بالغة لاستدامة هذا النجاح، من خلال مراجعة وتحديث خطة الحفاظ بالتنسيق مع الهيئات الاستشارية، وضمان توفير الموارد اللازمة والدائمة لصون القيمة العالمية الاستثنائية للموقع، بما يشمل تشغيل وصيانة منشآت إدارة المياه الجوفية، مع الالتزام الكامل بإبلاغ مركز التراث العالمي بالمستجدات كافة المتعلقة بالموقع.
وتعد منطقة دير «أبو مينا» أحد أبرز المواقع الأثرية ذات القيمة التاريخية والثقافية الاستثنائية، إذ كانت تُعد المحطة الثانية للحج المسيحي بعد مدينة القدس، وقد تم إدراج الموقع على قائمة التراث العالمي بمنظمة «اليونيسكو» منذ عام 1979، تقديراً لأهميته الدينية والمعمارية. بحسب الدكتور جمال مصطفى رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية.
يشار إلى أنه تم البدء الفعلي لمشروع خفض منسوب المياه الجوفية عام 2019 بعد الانتهاء من جميع الدراسات اللازمة لتحديد الأسلوب الأمثل للتصميم والتشغيل لمنظومة خفض منسوب المياه الجوفية، وتم تشغيله تجريبياً في منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، وافتتحه الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار السابق عام 2022، كما تم تنفيذ أعمال ترميم شاملة للعناصر المعمارية المتبقية بالدير، في خطوة مهمة أسهمت بشكل مباشر في استيفاء متطلبات رفع الموقع من قائمة التراث العالمي المعرض للخطر.
كما احتفي آثاريون من بينهم عبد الرحيم ريحان، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية بقرار «اليونيسكو» وهنأ المسؤولين المصريين بهذا الإنجاز. وطالب عبر حسابه على «فيسبوك» بتكريم كل من أسهم في هذا الإنجاز منذ 2001 وحتى الآن.
وبُنيت مدينة «أبو مينا» المسيحيّة القديمة على قبر الشهيد السكندري مارمينا المتوفّى عام 296 الميلادي، وحافظت على ما فيها من كنيسة وبيت عماد وبازيليك ومؤسسات عامة وشوارع وأديرة ومنازل ومشاغل، وتعرف المنطقة الأثرية بـ«مدينة الرخام» من فرط الرخام المستخدم في إنشائها.
ورغم أن بقايا المدينة لا تعبر بشكل كامل عن هويتها وأهميتها التاريخية، فإن ثمة شواهد أثرية لا تزال محفوظة بشكل جيد رغم تعرضها سابقاً لخطر الانهيار على غرار قبر مارمينا والمعمودية.
وأضاف فتحي خلال جولته التفقدية للموقع في شهر مايو (أيار) الماضي، أنه سوف يجري العمل على وضع خطة للترويج السياحي لاجتذاب الزوار.
قبر مارمينا داخل المنطقة الأثرية (الشرق الأوسط)
ولا تعد منطقة «أبو مينا» مؤهلة راهناً للزيارات السياحية واستقبال الوفود، فرغم وضع علامات إرشادية جديدة على الطرق المؤدية إلى الدير من مدينة الإسكندرية، فإنها تحتاج إلى بنية تحتية قوية لاستيعاب أفواج السياحة الدينية القبطية على غرار الفنادق، وتمهيد الطرق وتوسعتها، وإنشاء مبانٍ خدمية، ويعد دير مارمينا العجائبي الذي يجاور المنطقة الأثرية التاريخية أحد مقدمي الدعم اللوجيستي للموقع.
وتبلغ مساحة المنطقة الأثرية نحو ألف فدان، تغطي النباتات مساحة واسعة منها، ما دفع مسؤولي الترميم للاستعانة بوزارة الزراعة لمعالجتها، لحفظ بقايا المدينة الأثرية.
وتتكون المنطقة من بقايا الأسوار الخارجية والبوابتين الشمالية والغربية، وبعض الشوارع المحاطة بصفوف من الأعمدة التي كانت تحمل أسقفاً، وتوجد بها منازل وحمامات واستراحات خاصة بالزوّار الآتيين إلى المنطقة.
وأظهرت الحفائر مباني يتكون منها المجمع المعماري الضخم لـ«أبو مينا»، هي: البازيليكا الكبرى، وكنيسة المدفن، والمعمودية، ودور الضيافة، والحمام المزدوج (بازيليكا الحمامات)، والحمام الشمالي، والبازيليكا الشمالية، والكنيسة الشرقية، والكنيسة الغربية.
ويمثل موقع «أبو مينا» الذي تم تسجيله في سجلات الآثار المصرية عام 1956 شكلاً فريداً من نوعه في الفترة التي كانت فيها الإسكندرية عاصمة لمصر، ومركزاً للعلم والفنون، وفق وزارة السياحة والآثار المصرية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مصر: حريق بحلوان يعيد «ركن فاروق» للواجهة
مصر: حريق بحلوان يعيد «ركن فاروق» للواجهة

الشرق الأوسط

timeمنذ 35 دقائق

  • الشرق الأوسط

مصر: حريق بحلوان يعيد «ركن فاروق» للواجهة

أعاد حريق اندلع بالقرب من متحف «ركن فاروق» بمنطقة حلوان (جنوب القاهرة) المتحفَ الذي كان استراحةً تعود إلى الملك فاروق، ملك مصر السابق، إلى الواجهة، بعد انتشار أخبار حول اندلاع الحريق بالقرب من المتحف. لكن وزارة السياحة والآثار المصرية نفت ما تم تداوله على بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بشأن اقتراب الحريق من المتحف. وقالت في بيان لها، السبت، إن الأمر عارٍ تماماً من الصحة، والمتحف آمن وسليم، ولم يتعرَّض لأي حريق أو أضرار من أي نوع. وأوضحت أن نيراناً اشتعلت في مشتل للزراعة يقع على بُعد كيلومترين من المتحف، ولا علاقة له به من قريب أو بعيد. لكن ما حدث جدَّد المناقشات حول تأمين المواقع الأثرية، وهي مسألة تراها الدكتورة سهير حواس، عضو مجلس إدارة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، «تحتاج إلى وعي ودراسة وتخطيط للتفرقة بين المواقع التي تقع في نطاق المناطق السكانية، وتلك البعيدة عنها». وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن «أي موقع أثري لا بد أن يكون في نطاق حرم آمن يقيه مثل هذه الطوارئ، وفي حالة تعرضه لأي مشكلات يكون من السهولة التحرك فوراً لإنقاذه». متحف «ركن فاروق» يطل مباشرة على النيل في حلوان (وزارة السياحة والآثار) ودعت د. سهير إلى وجود خطط للسيطرة على الحرائق، أسوة بالتي تعتمدها المؤسسات المدنية وبعض المدارس الحديثة في مصر، مشيرة إلى «ضرورة وجود عمليات تجريبية يقوم بها أفراد قوات الدفاع المدني للسيطرة على الحرائق، ويجربون خلالها طرق محاصرة النيران في أماكنها قبل انتشارها، مع ضرورة وجود أدوات وإمكانات الإطفاء داخل المباني، أو بالقرب منها حتى يسهل الوصول إليها». ويُعدُّ متحف «ركن فاروق» إحدى التحف المعمارية الملكية، وشيَّد المتحف الملك فاروق الأول عام 1942، ليكون استراحةً شتويةً له، وجاء على هيئة قارب يرسو على شاطئ النيل، وهناك مرسى نهري ملحق بالمتحف لاستقبال اليخوت والسفن الكبيرة، وحديقة تضم برجولة خشبية وأكثر من 30 نوعاً من أشجار المانجو النادرة التي تم جلبها من ألبانيا لزراعتها بالقصور الملكية. وبدأت فكرة تحويل الاستراحة إلى متحف عام 1976، بعد ضمها إلى قطاع المتاحف، بالمجلس الأعلى للآثار، وظل المتحف متاحاً للجمهور حتى تم إغلاقه عام 2011، ثم أُعيد افتتاحه بعد الانتهاء من مشروع تطويره وترميمه عام 2016. متحف «ركن فاروق» (وزارة الآثار المصرية) من جهته، دعا الدكتور أحمد غباشي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، إلى «ضرورة وجود إجراءات احترازية، ووسائل تأمين داخل الأماكن الأثرية، من أجهزة إنذار ضد الحريق، مع وحدات مجهزة للإطفاء تكون قريبة من تلك المناطق والأماكن الأثرية، ونشر طفايات الحريق في كل ركن داخل الأثر». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «من الضروري دراسة أسباب الحرائق، سواء تلك التي تحدث نتيجة خلل فني وارتفاع درجات الحرارة والماس الكهربائي، أو تلك التي تندلع بفعل فاعل، أو بسبب الإهمال؛ لحماية الأماكن الأثرية ومنع العبث بها». ويضم المتحف عدداً من القاعات، بالإضافة إلى شرفة كبيرة وجناح للنوم، وتتضمَّن القاعات مجموعةً من المقتنيات الملكية من أثاث، وتحف، وتماثيل، ولوحات، فضلاً عن المقتنيات التي تم نقلها من استراحة الملك فاروق بالهرم.

فَلَوْ كَانَ رُمْحاً وَاحِداً لَاتَّـقَيْتُهُ
فَلَوْ كَانَ رُمْحاً وَاحِداً لَاتَّـقَيْتُهُ

الشرق الأوسط

timeمنذ يوم واحد

  • الشرق الأوسط

فَلَوْ كَانَ رُمْحاً وَاحِداً لَاتَّـقَيْتُهُ

والقَاضِي أبُو بكرٍ بن العَرَبي (468 - 543 هـ = 1076 - 1148 م)، هو محمدٌ بنُ عبدِ الله بن محمدٍ المعافري، ولد بإشبيلية، ورحلَ إلى المَشرقِ، فأخَذَ عنْ أئمَّتِهَا وعُلمائِهَا، وبلغَ الاجتِهادَ. وُلِّيَ قضاءَ مِصرَ ثمَّ إشبِيليةَ، وَمَاتَ ودُفِنَ بفاس. وَصَفَهُ ابنُ بشكوَال بأنَّه «الحافظُ المُستَبحِر، ختامُ عُلماءِ الأندلسِ وآخِرُ أئمَّتِها وحُفَّاظِها»، وَقَالَ عنه المقرِي في (نَفْحُ الطّيب): «عَلَمُ الأعلام، الطَّاهرُ الأثْواب، البَاهِرُ الأبْوَاب، الذي أنسَى ذكاءَ إياس، وتركَ التقليدَ للقِيَاس؛ وأنتجَ الفَرعَ من الأصْلِ، وَغَدَا في الإسْلَامِ أمْضَى منَ النَّصْل»، وقالَ عنه الحِجَارِيّ: «لَو لمْ يُنسب إلَى إشبيليةَ إِلَّا هذَا الإمَامُ الجَليلُ لَكَانَ لهَا بهِ من الفَخرِ مَا يرجِعُ عنه الطَّرفُ وهوَ كَلِيل»، وَفي (سِمْط الجُمَان)، أنَّهُ « بحرُ العُلوم، وإمامُ كلّ مَحفوظٍ ومعلوم». صَنَّفَ ابنُ العَربي فِي مختلفِ الفُنونِ، وكانَ مُتَعَدِّدَ المَوَاهِبِ، مُتَنَوِّعَ الإبْدَاعِ، فَبلغَ شأواً فِي المَنزلَةِ العِلميَّةِ الرَّفِيعَة، وشَهِدَ لهُ أهلُ المَشرِقِ وَالمَغرِب، فِي آنٍ، بِعُلُوِّ كَعْبِهِ، وَتَنَوُّعِ مَناحِي مَبَالغِ عِلمِهِ، حيثُ ضَربَ فِي كُلّ فنٍّ بِسهمٍ وَافٍ. وَالحقّ أن تَضَلُّعَهُ يجعلُنَا نَقُولُ إنَّهُ لم يَضرِبْ في كُلِّ فَنٍ بسهمٍ، بل ضربَ في كلِّ فنٍّ بِرُمْحٍ، والأمرُ كَمَا قَالَ القَاضِي، نفسُه، في نَظْمِه بيتَ شِعرٍ مُشتَهِرٍ، قَلَّ مَن يعرف أنَّهُ لأبِي بكرٍ بنِ العَرَبيّ: فَلَوْ كَانَ رُمْحاً وَاحِداً لَاتَّـقَيْتُهُ وَلَـكِنَّـهُ رُمْحٌ وَثَـانٍ وَثَـالِـثُ «وهوَ الفقيهُ البصيرُ الذي جانَبَ التَّقليدَ والتَّزمُّتَ والعُكوفَ علَى ترديدِ كَلماتٍ بأعيانِهَا، المحدِّثُ المستنيرُ الذي يُعْمِلُ عقلَهُ وفكرَه فيما يقرأ أو يسمعُ، ويغوصُ على المعانِي الدِّقَاق المُسْتَكِنَّةِ في أطواءِ النَّصِّ الحديثيّ، المُفَسِّرُ المُقتَدِر الذي أعدّ العُدّة لعملِه في التَّفسير، من تضلُّع من لغةِ العربِ وأشعارِها وروائعِ نثرِها، الذي يمتازُ بإيجازِ اللفظِ وثراءِ المعنَى، الأديبُ الذي يغوص على المعنَى، ويفتنّ في التعبيرِ عنه واستخراجِ العبرةِ من مَطاويه، المُؤرخُ الذي يقارنُ بين الروايات، وَيَمِيزُ حقَّهَا من باطلِها، ولا يكتفي بإيرادِها ككثيرين، المُثقفُ الواسعُ الثقافةِ الذي لا يَقْصُرُ نَفْسَهُ على فنٍّ أو فنونٍ معدودة، وإنَّمَا يطوف بأرجائِها، ويقطفُ من ثمارِها، ما طابَ له التَّطْواف والقِطاف، المُتكلمُ الذي درسَ عيونَ كتبِ الكَلام، ونظرَ فيهَا نظراتٍ فاحصةً مستقلةً لا يعنيهَا إلا كشفُ الحقّ، ودحضُ الباطلِ الذي رانَ علَى كثيرٍ من أبحاثِ السَّابقين، واختيار الرَّأي النَّاضج الذي لا يتعارضُ مع حقائقِ الإِسلام»، كمَا كتبَ أستاذُ العلومِ الإسلامية بجامعةِ الجزائر، مُحمد السّليماني، الذِي حقَّق أكثرَ من كتابٍ للقاضي ابنِ العربي، رحمَهُ اللهُ، وباتَ من المختصّينَ في شَخصيةِ القاضِي وَعُلومِهِ وَمُصنَّفاتِه وفُنونِهِ. في «أزهار الرّياضِ فِي أخبارِ القَاضِي عياض»، يقولُ المقرِي: ومن صلابةِ الإمامِ أبي بكرٍ بنِ العَرَبيّ، أنَّه حَكَم في زَامِرٍ بثَقْبِ أشدَاقِهِ. وَمنْ بديعِ نظمِهِ: أَتَــتْــنِــي تُــؤنِّــبُــنــي بـالـبُـكَـا فــأهــلاً بــِهَــا وبـتَـأنـيـبـهَــا تَـقـولُ وفـِي نـفـسِـهَا حـَسْــرَةٌ أتَـبـكِي بِــعـيـنٍ تـَرانِـي بـهَـا فَقلتُ إذَا استَحْسَنَتْ غـيرَكمْ أَمَـرتُ جـفـونـِي بتعـذيبِـهَا وَقالَ: دخلَ عليَّ ابنُ صارةَ، وبينَ يَدَيّ نارٌ قد علاهَا رَمادٌ، فقلتُ: لتقلْ فِي هذَا، فقالَ: شَابَتْ نَوَاصِي النَّارِ بعدَ سَوَادِها وَتَسَتَّرَتْ عَنَّا بِثَوْبِ رَمَادِ ثُمَّ قَالَ لِي ابنُ صارةَ: أَجِزْ. فقُلتُ: شَابَتْ كَمَا شِـبْـنَـا وَزَالَ شَبَابُنَا فَـكَأَنَّـمَـا كُـنَّـا عَـلَـى مِـيْـعَـادِ حكَى غيرُ واحدٍ أنَّ ابنَ العربيّ، بينما هو جالسٌ في مَحلِّ دَرْسِهِ، إذْ دخلَ شَابٌّ من المُلَثَّمِين وبيدِهِ رُمْحٌ، فَهَزَّهُ، فَقالَ القاضِي أبُو بَكرٍ: يَهُزُّ عَلَيَّ الرُمْحَ ظَبْيٌ مُهَفَهَفُ لَـعُوْبٌ بِأَلْبَابِ البَرِيَّةِ عَابِثُ فَلَوْ كَانَ رُمْحًا وَاحِدًا لَاتَّـقَيْتُهُ وَلَـكِنَّـهُ رُمْحٌ وَثَـانٍ وَثَـالِـثُ قَالَ أبُو عبدِ اللهِ، غفرَ اللهُ لهُ: وَمَنْ حَكَمَ في الزَّامِرِ بذاكَ الحُكمِ، يتعَذَّرُ عَلَيَّ فَهْمُ أَنْ يكونَ قَالَ شِعْرَهُ السَّابِق نَسِيْباً، فِي شَابٍّ مُلَثَّمٍ، والله أعلم!

احتفاء مصري برفع «أبو مينا» من قائمة التراث المُعرّض للخطر
احتفاء مصري برفع «أبو مينا» من قائمة التراث المُعرّض للخطر

الشرق الأوسط

timeمنذ يوم واحد

  • الشرق الأوسط

احتفاء مصري برفع «أبو مينا» من قائمة التراث المُعرّض للخطر

احتفى آثاريون مصريون بقرار رفع موقع دير «أبو مينا» الأثري في مدينة برج العرب بالإسكندرية من قائمة التراث العالمي المعرّض للخطر بـ«اليونيسكو»، وذلك بعد التأكد من اكتمال حالة الصون المطلوبة للموقع. ووصفت وزارة السياحة والآثار المصرية قرار «اليونيسكو» الجديد بأنه «إنجاز جديد» في مجال حماية وصون التراث الثقافي. وخلال اجتماعات الدورة الـ47 للجنة التراث العالمي والمنعقدة حالياً بمقر منظمة «اليونيسكو» في العاصمة الفرنسية باريس، تم استعراض التقرير الصادر عن بعثة الرصد التفاعلي المشتركة بين مركز التراث العالمي والمجلس الدولي للمعالم والمواقع (ICOMOS) لعام 2025، الذي أشار إلى ما تحقق من تقدم ملحوظ في أعمال الحفاظ والصون بموقع «أبو مينا» الأثري، من أبرزها إنشاء نظام رصد ومراقبة فعّال لاستقرار منسوب المياه الجوفية، الذي أثبت نجاحه من خلال القياسات الدورية المستمرة. أطلال المدينة القديمة (الشرق الأوسط) وكانت منطقة «أبو مينا» تعاني من ارتفاع منسوب المياه الجوفية، فقد أدى التوسع في أنشطة استصلاح الأراضي والاعتماد على أساليب الري بالغمر في محيط الموقع، إلى ارتفاع منسوب المياه الجوفية بشكل كبير، مما أثّر سلباً على البنية الأثرية، ونتج عنه إدراج الموقع على قائمة التراث العالمي المعرّض للخطر في عام 2001، قبل أن تبدأ مصر العمل على مشروع إنقاذ منطقة «أبو مينا» الأثرية منذ نحو 15 عاماً، وتم الانتهاء منه فعلياً منذ أكثر من عام. ووفق محمد متولي، مدير آثار منطقة الإسكندرية، فإن تجمعات المياه اختفت من المنطقة تماماً، وذلك بعد إنشاء نحو مائة بئر لتجميع المياه الجوفية بعمق 7 أمتار، وطردها عبر مضخات إلى مجارٍ مائية منخفضة بجوار المنطقة الأثرية. الوفد المصري خلال اجتماعات «اليونيسكو» (الشرق الأوسط) وأشاد تقرير بعثة الرصد التفاعلي المشتركة، وفق بيان وزعته وزارة السياحة والآثار المصرية مساء الأربعاء بـ«الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة المصرية في تنفيذ التوصيات المطلوبة كافة من قبل في هذا الإطار، مؤكداً على أن حالة الصون المطلوبة لإزالة الموقع من قائمة التراث العالمي المعرّض للخطر (DSOCR) قد تحققت بالكامل». واعتمدت لجنة التراث العالمي قرار رفع موقع «أبو مينا» من قائمة التراث العالمي المعرض للخطر، مهنئة الدولة المصرية على هذا الإنجاز المهم الذي يعكس التزامها بحماية وصون تراثها الثقافي، وفقاً للمعايير الدولية. اكتمال حالة صون منطقة «أبو مينا» (الشرق الأوسط) وثمّن شريف فتحي وزير السياحة والآثار الجهود التي تمت بالموقع خلال السنوات الماضية لخفض منسوب المياه الجوفية، وترميم العناصر المعمارية الأثرية، وتطوير بعض الخدمات السياحية بالموقع التي أسهمت في رفع هذا الموقع الاستثنائي من قائمة التراث المعرض للخطر، وضمان استدامة مكوناته الأثرية للأجيال المقبلة، بما يتفق مع المعايير الدولية في مجال الحفظ والترميم. ووفق محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، فإن جهود حماية الموقع شملت تدعيم العناصر الأثرية بالموقع، وإنشاء نظام مراقبة متخصص لضبط واستقرار منسوب المياه الجوفية، وهو النظام الذي أثبت فاعليته من خلال القياسات الدورية المنتظمة، التي أكدتها بعثة الرصد التفاعلي المشتركة هذا العام بين مركز التراث العالمي ومنظمة «ICOMOS». جانب من زيارة سابقة لمسؤولين مصريين وأجانب للمنطقة الأثرية (الشرق الأوسط) وأكد إسماعيل أن الدولة المصرية تولي أهمية بالغة لاستدامة هذا النجاح، من خلال مراجعة وتحديث خطة الحفاظ بالتنسيق مع الهيئات الاستشارية، وضمان توفير الموارد اللازمة والدائمة لصون القيمة العالمية الاستثنائية للموقع، بما يشمل تشغيل وصيانة منشآت إدارة المياه الجوفية، مع الالتزام الكامل بإبلاغ مركز التراث العالمي بالمستجدات كافة المتعلقة بالموقع. وتعد منطقة دير «أبو مينا» أحد أبرز المواقع الأثرية ذات القيمة التاريخية والثقافية الاستثنائية، إذ كانت تُعد المحطة الثانية للحج المسيحي بعد مدينة القدس، وقد تم إدراج الموقع على قائمة التراث العالمي بمنظمة «اليونيسكو» منذ عام 1979، تقديراً لأهميته الدينية والمعمارية. بحسب الدكتور جمال مصطفى رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية. يشار إلى أنه تم البدء الفعلي لمشروع خفض منسوب المياه الجوفية عام 2019 بعد الانتهاء من جميع الدراسات اللازمة لتحديد الأسلوب الأمثل للتصميم والتشغيل لمنظومة خفض منسوب المياه الجوفية، وتم تشغيله تجريبياً في منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، وافتتحه الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار السابق عام 2022، كما تم تنفيذ أعمال ترميم شاملة للعناصر المعمارية المتبقية بالدير، في خطوة مهمة أسهمت بشكل مباشر في استيفاء متطلبات رفع الموقع من قائمة التراث العالمي المعرض للخطر. كما احتفي آثاريون من بينهم عبد الرحيم ريحان، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية بقرار «اليونيسكو» وهنأ المسؤولين المصريين بهذا الإنجاز. وطالب عبر حسابه على «فيسبوك» بتكريم كل من أسهم في هذا الإنجاز منذ 2001 وحتى الآن. وبُنيت مدينة «أبو مينا» المسيحيّة القديمة على قبر الشهيد السكندري مارمينا المتوفّى عام 296 الميلادي، وحافظت على ما فيها من كنيسة وبيت عماد وبازيليك ومؤسسات عامة وشوارع وأديرة ومنازل ومشاغل، وتعرف المنطقة الأثرية بـ«مدينة الرخام» من فرط الرخام المستخدم في إنشائها. ورغم أن بقايا المدينة لا تعبر بشكل كامل عن هويتها وأهميتها التاريخية، فإن ثمة شواهد أثرية لا تزال محفوظة بشكل جيد رغم تعرضها سابقاً لخطر الانهيار على غرار قبر مارمينا والمعمودية. وأضاف فتحي خلال جولته التفقدية للموقع في شهر مايو (أيار) الماضي، أنه سوف يجري العمل على وضع خطة للترويج السياحي لاجتذاب الزوار. قبر مارمينا داخل المنطقة الأثرية (الشرق الأوسط) ولا تعد منطقة «أبو مينا» مؤهلة راهناً للزيارات السياحية واستقبال الوفود، فرغم وضع علامات إرشادية جديدة على الطرق المؤدية إلى الدير من مدينة الإسكندرية، فإنها تحتاج إلى بنية تحتية قوية لاستيعاب أفواج السياحة الدينية القبطية على غرار الفنادق، وتمهيد الطرق وتوسعتها، وإنشاء مبانٍ خدمية، ويعد دير مارمينا العجائبي الذي يجاور المنطقة الأثرية التاريخية أحد مقدمي الدعم اللوجيستي للموقع. وتبلغ مساحة المنطقة الأثرية نحو ألف فدان، تغطي النباتات مساحة واسعة منها، ما دفع مسؤولي الترميم للاستعانة بوزارة الزراعة لمعالجتها، لحفظ بقايا المدينة الأثرية. وتتكون المنطقة من بقايا الأسوار الخارجية والبوابتين الشمالية والغربية، وبعض الشوارع المحاطة بصفوف من الأعمدة التي كانت تحمل أسقفاً، وتوجد بها منازل وحمامات واستراحات خاصة بالزوّار الآتيين إلى المنطقة. وأظهرت الحفائر مباني يتكون منها المجمع المعماري الضخم لـ«أبو مينا»، هي: البازيليكا الكبرى، وكنيسة المدفن، والمعمودية، ودور الضيافة، والحمام المزدوج (بازيليكا الحمامات)، والحمام الشمالي، والبازيليكا الشمالية، والكنيسة الشرقية، والكنيسة الغربية. ويمثل موقع «أبو مينا» الذي تم تسجيله في سجلات الآثار المصرية عام 1956 شكلاً فريداً من نوعه في الفترة التي كانت فيها الإسكندرية عاصمة لمصر، ومركزاً للعلم والفنون، وفق وزارة السياحة والآثار المصرية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store